المجموع : 114
أذبْتَ فؤادي يا فديتُكَ بالعَتْبِ
أذبْتَ فؤادي يا فديتُكَ بالعَتْبِ / ولو بتَّ صبّاً ما عَنُفْتَ على صَبِّ
وقاتلتي بينَ الغواني كأنَّها / مصوَّرةٌ بالعينِ في حبَّةِ القلبِ
حياةٌ ولكنْ طَرْفُها ذو منيّةٍ / أما يُتَوقّى الموتُ من طَرَفِ العضبِ
شكوْتُ إليها لوعةَ الحبّ فانثنَتْ / تقولُ لتربيها وما لوعةُ الحبِّ
فقيل عذابٌ لو أحطتِ بعلمِهِ / لجدتِ على الصّادي بماءِ اللّمَى العذبِ
وقاكِ الهوى إذ لم تذوقيه ضُرَّهُ / وهل تُحْدِثُ الخمرُ الخُمارَ بلا شرْبِ
وجسمٍ له من غيْرِهِ روحُ لذةٍ
وجسمٍ له من غيْرِهِ روحُ لذةٍ / سليلِ ضروعٍ أُرْضِعَتْ حَلَبَ السُّحبِ
إذا قبضَ الإبريقُ منهُ سُلافةً / تَقَسّمَها الشُرّابُ حوليْهِ بالقعبِ
شربْنا وللإصباحِ في الليلِ غُرَّةٌ / تزيدُ اندياحاً بينَ شرْقِ إلى غرْبِ
على روْضَةٍ تحيا بحيّةِ جَدْوَلٍ / يفيءُ عليه ظلّ أجنحة القضبِ
بأزهرَ يجلو اللهوُ فيه عرائساً / كراسيّها أيدي الكرامِ من الشَّربِ
كأنّ لها في الخمْرِ حُمْرَ غلائلٍ / مُزَرّرَةَ الأطواقِ باللؤلؤِ الرطبِ
وكم من كميتِ اللونِ تحسب كأسها / لها شفةٌ لعساءُ ذات لمىً عذبِ
إذا مُزِجَتْ لانَتْ لنا وتَحَوّلَتْ / بأخلاقِها عن قَسْوَةِ الجامحِ الصعبِ
جرَى في عروقِ النارِ ماءٌ كأنّما / رِضَى السلم منها يتَّقي غضَبَ الحربِ
وإن نالَ منها ذو الكآبةِ شربةً / تسرّبتِ الأرواح منها إلى القلبِ
لعمري لقد ظَنّوا الظنونَ وأيقَنوا
لعمري لقد ظَنّوا الظنونَ وأيقَنوا / ببعضِ إشاراتٍ تنِمّ على الصبِّ
وقالوا اكشفوا بالبحثِ عن أصل وَجْدِهِ / فلا فَلَكٌ إلا يدور على قُطْبِ
سَلُوهُ وراعوا لفظةً من خِطابهِ / لتُعْلَمَ من نجواه ناجيةُ الحبِّ
أناسٌ رأوْا مني مخادعةَ الهَوى / أشدّ عليهم مِن مخادَعَةِ الحرْبِ
جعلتُ وُشاتي مثلَ صحبي مخافةً / فلم يطّلِعْ سرّي وشاتي ولا صحبي
يَقَرّ قَرارُ السرّ عندي كأنّهُ / غريبُ ديارٍ قال في وطنٍ حسبي
ألا بأبي من جُمْلَةِ الغيدِ واحدٌ / فهل علموا ذاك الغزال من السربِ
قُتِلْتُ ولا واللَّه أذكرُ قاتلي / لأخْذِ قصاصٍ منه بينَ يدَيْ ربّي
إذا قيل لي قلْ من هويت وما اسمه / وما سببُ الشكوى وما علّةُ الكربِ
ضربتُ لهم قوماً بقوْمٍ فصدّقوا / ولفظُ لساني غيرُ معناهُ من قلبي
وهل يطمع الواشونَ في سرِّ كاتمٍ / يريدُ السّهى إمّا أشارَ إلى الترْبِ
وآخذةٍ في دورةٍ فلكيّةٍ
وآخذةٍ في دورةٍ فلكيّةٍ / ترى القطبَ منها ثابتاً وهي تضْطَرِبْ
إذا أُطْعِمَتْ حَبّاً من البُرّ أطْعمَتْ / وقامتْ بأمرِ البِرِّ فهي كما يجبْ
وتحسبها تُلْقي لنا رَمْلَ فِضّةٍ / إذا أدمن الإلقاء فيها حصى ذهب
كتابك راق الوشيُ من خطِّ كاتبِهْ
كتابك راق الوشيُ من خطِّ كاتبِهْ / أم الرّوْض فيه راضياً عن سحائبهْ
أم الفلك الأَعلى وفيه دليلُه / نقلتَ إلى الأسطارِ زُهرَ كواكِبه
فإنّي كَحَلْتُ العَينَ منه بفرقد / توَقّدَ نوراً وهو جار لصاحبه
طلعتَ على مصر ونورك ساطع / فقالوا هلالٌ طالعٌ من مغاربه
وفي المَغرب البَحر المُحيط وقد عَلا / على نيلِ مصرٍ منه مدّ غواربه
ولمّا انْثنى بالجَزرِ أبقى لديهِمُ / أحاديثَ تُرْوى من صنوفِ عجائبه
فيا فارس الشعر الذي ماتَ قِرْنُه / بموتِ زهيرٍ في ارتجالِ غرائبه
لأصبحتَ مثل البَحر يَزخَر وَحدَه / وإن كثُرَ الأنهار مِن عن جوانِبه
تدَرّعْتُ صبري جُنَّةً للنوائبِ
تدَرّعْتُ صبري جُنَّةً للنوائبِ / فإن لم تُسالمْ يا زمان فحاربِ
عجمتَ حصاةً لا تلين لعاجمٍ / ورُضْتَ شموساً لا يذلّ لراكبِ
كأنّك لم تقنع لنفسي بغربةٍ / إذا لم أُنَقّب في بِلاد المَغاربِ
بِلادٌ جرى فوق البُلادة ماؤها / فأصبح منه ناهلاً كلُّ شاربِ
فُطِمتُ بها عن كلّ كأسٍ ولَذّةٍ / وأنفقتُ كنزَ العمر في غير واجِبِ
يبيت رئاسُ العضب في ثِنْيِ ساعدي / مُعاوضَةً من جِيد غيداءَ كاعبِ
وما ضاجعَ الهنديُّ إلا مثلّماً / مُضارِبه يَومَ الوغى في الضّرائبِ
إذا كانَ لي في السَيفِ أُنس ألِفته / فلا وحشة عندي لِفقد الحبائِبِ
فَكُنتُ وَقَدّي في الصَبا مِثلُ قَدّه / عَهدتُ إِلَيه أَن مِنهُ مَكاسِبي
فَإِن تَكُ لي في المَشرَفِيّ مآربٌ / فَكَم في عَصا مُوسى لَهُ مِن مَآرِبِ
أَتحسبني أنْسَى وما زلت ذاكِراً / خِيانةَ دَهري أو خيانةَ صَاحبي
تَغَذّى بأخلاقي صغيراً ولَم تَكُنْ / ضَرائِبُه إلّا خِلافَ ضَرائبي
ويا ربّ نَبْتٍ تعتريهِ مرارَةٌ / وقد كان يُسقى عذبَ ماء السحائِبِ
علمتُ بتجريبي أموراً جَهِلتُها / وقد تُجْهَل الأشياءُ قبل التجارِبِ
ومَنْ ظَنّ أمْواه الخضارم عَذْبَةً / قضى بخلاف الظنّ عندَ المشارِبِ
ركبتُ النّوَى في رحلِ كلّ نَجيبةٍ / تُواصِلُ أسبابي بقطع السَباسِبِ
قِلاصٌ حَناهنّ الهزالُ كَأنها / حنِيّات نَبْعٍ في أكفِّ جواذِبِ
إذا وَرَدَتْ من زرقة الماءِ أَعيُناً / وقَفْنَ على أرجائها كالحواجِبِ
بصادقِ عزْم في الأماني يُحِلّني / على أمَلٍ من همّةِ النفس كاذِبِ
ولا سَكَنٌ إلا مناجاة فكرضةٍ / كأني بها مستحضرٌ كلّ غائِبِ
ولما رأيْت الناس يُرْهَب شرهُم / تجنّبْتُهم واخترْت وَحْدَة راهِبِ
أَحتّى خَيالٌ كُنتُ أَحظى بزَوْرِهِ / لَه في الكَرى عن مَضجعي صدّ عاتِبِ
فَهل حالَ من شَكلي عليهِ فَلم يَزرْ / قضافةُ جسمي وابيضاضُ ذوائبي
إذا عدَّ مَن غابَ الشُهورَ لِغُربَةٍ / عددتُ لها الأحقابَ فوقَ الحقائِبِ
وكَم عَزَماتٍ كالسيوفِ صوادِق / تجرّدها أيدي الأَماني الكواذِبِ
ولي في سماء الشرقِ مَطلَعُة كَوكَبٍ / جلا من طلوعي بينَ زهرِ الكواكِبِ
ألفتُ اغترابي عنه حتى تكاثَرَت / له عُقَدُ الأيّام في كفِّ حاسِبِ
متى تَسمَعُ الجَوزاءُ في الجو مَنطقي / تصخْ في مَقالي لارتجالِ الغرائِبِ
وكم لي به من صنوِ وُدٍّ محافظٍ / لذي العيب من أعدائهِ غير غائِبِ
أخي ثقةٍ نادَمْتُهُ الراحَ والصبا / له من يدِ الأيامِ غَيرُ سوالِبِ
معتّقةٌ دعْ ذكر أحْقابِ عُمرها / فقد مُلئتْ منها أناملُ حاسِبِ
إذا خاض منها الماءُ في مُضْمَر الحشا / بدا الدرّ منها بين طافٍ وراسِبِ
لياليّ بالمهديَّتين كأنها ال / لآلئُ منْ دنْياك فَوقَ ترائِبِ
ليالي لم يذهبن إلّا لآلئاً / نظمنَ عقوداً للسّنين الذواهِبِ
إذا شئتُ أنْ أرْمي الهلالَ بلحظَةٍ / لمحتُ تَميماً في سماءِ المناقِبِ
ولو أنّ أرضي حرةٌ لأتَيتُها / بعزمٍ يعُدُّ السيرَ ضربةَ لازِبِ
ولكنَّ أَرضي كَيفَ لي بفكاكها / من الأسْر في أيدي العُلوجِ الغواصِبِ
لَئِن ظَفِرت تِلكَ الكِلابُ بأَكلِها / فبعد سكونٍ للعروقِ الضوارِبِ
أَحينَ تفانى أَهلها طوْعَ فتنةٍ / يضرّم فيها نارَه كلُّ حاطِبِ
وأَضحَت بها أَهواؤهم وكَأَنَّما / مذاهبهم فيها اختلافُ المذاهِبِ
ولَم يرحَمِ الأَرحامَ منها أقارِبٌ / تروّي سيوفاً من نجيع أقارِبِ
وكان لهم جَذْبُ الأصابِعِ لم يَكُن / رواجبُ منها حانياتِ رواجِبِ
حُماةٌ إذا أبْصَرْتَهُمْ في كريهَةٍ / رضيتَ من الآساد عن كلّ غاضِبِ
إِذا ضَارَبوا في مأزِقِ الضربِ جرّدوا / صواعقَ من أيديهمُ في سحائِبِ
لهم يومَ طَعْنِ السُّمْرِ أيدٍ مبيحةٌ / كُلَى الأسْدِ في كرّاتهم للثَعالِبِ
تخبّ بهمْ قبٌّ يُطيلُ صهيلُها / بأرْض أعاديهم نياحَ النّوادِبِ
مؤلَّلَةُ الآذان تحتَ إلالهمْ / كما حُرّفَتْ بالبريِ أقلامُ كاتِبِ
إذا ما أدارَتها على الهام خلتَها / تَدورُ لِسَمعِ الذِكر فوقَ الكَواكِبِ
إذا سكتوا في غمرةِ الموْتِ أنْطقوا / على البيض بيضَ المرهفاتِ القواضِبِ
تَرى شُعَل النيرانِ في خَلجِ الظبا / تذيق المنايا من أكفِّ المواهِبِ
أُولئكَ قومٌ لا يُخاف انحرافُهُمْ / عن الموت إن خامَتْ أسودُ الكتائِبِ
إِذا ضَلَّ قومٌ عن سَبيلِ الهُدى اهتدوا / وأيّ ضَلالٍ للنّجوم الثواقِبِ
وكم منهمُ من صادق البأس مُفْكِرٍ / إذا كَرّ في الأقدامِ لا في العَواقِبِ
له حملةٌ عن فتكَتَينِ انفراجُها / كفتكِك من وجهين شاهَ الملَاعِبِ
إذا ما غَزَوْا في الرّومِ كان دخولُهُمْ / بطونَ الخلايا في مُتون السّلاهِبِ
يموتونَ موتَ العِزّ في حَوْمةِ الوَغى / إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكَواعِبِ
حَشَوْا من عجاجاتِ الجهادِ وسائداً / تُعَدّ لهم في الدّفن تَحتَ المَناكِبِ
فغاروا أفولَ الشهب في حُفَرِ البلى / وأبْقَوْا على الدنْيا سوادَ الغياهِبِ
ألا في ضمانِ اللَّه دار بِنُوطَسٍ / وَدَرّتْ عليها مُعْصِراتُ الهواضِبِ
أُمَثّلُها في خاطري كلّ ساعةٍ / وأمْري لها قَطْرَ الدّموعِ السواكِبِ
أَحنّ حنينَ النيبِ للمَوطنِ الّذي / مغَاني غوانيه إِليهِ جَواذبي
ومن سار عن أرْضٍ ثوى قلبُهُ بها / تَمَنَّى له بالجِسمِ أَوبةَ آيِبِ
خِطابُ الرَزايا إنّهُ جلل الخَطْبِ
خِطابُ الرَزايا إنّهُ جلل الخَطْبِ / وسَلْمُ المَنايا كالخَديعَةِ في الحربِ
تُريدُ منَ الأَيّام كَفَّ صُروفِها / أَمُنتَقِلٌ طَبْعُ الأفاعي عنِ اللّسبِ
وتَلقى المنايا وهيَ في عَرَض المُنى / وكم أجَلٍ للطير في مَلْقَطِ الحَبِّ
تناوَمَ كلّ الناس عمّا يُصيبُهُم / وهمْ من رزايا دهرهم سَلَمُ العَصْبِ
بكأسِ أبِينا آدمٍ شُرْبُنا الّذي / تضَمّنَ سُكرَ الموْت يا لك من شرْبِ
إذا ورث المولودُ عِلّةَ والدٍ / فعدِّ بهِ عنْ حيلةِ البرءِ والطبِّ
حُتوفٌ على سَرْحِ النّفوسِ مغيرةٌ / فقلْ كيف تغدو وهيَ آمنةُ السّرْبِ
يَسُنّ عليه الذِّمْرُ عذراءَ نثرةً / تَخال بها التَأنيث في الذكر العَضبِ
على الجِسمِ مِنها الذَوب إن فاضَ سرْدها / كفيضِ أتِيٍّ والجمود على الكَعبِ
ويُصميهِ سهمٌ مُصْرَدٌ ليس يُتّقَى / له في الحشا رامٍ تَسَتّرَ بالخلبِ
وليس بمعصومٍ من الموْتِ مُخْدَرٌ / له غَضَبٌ يبدو بحملاقَةِ الغَضْبِ
كأنّ سكاكيناً حداداً رؤوسها / مغرّزة في فيهِ في جانِبَيْ وقْبِ
فكيفَ نَردّ الموْت عَنْ مُهجاتنا / إذا غَلبت منه ضراغمةُ الغلبِ
وقاطعةٌ طولَ السُّكاكِ وَعَرضه / تُحلّق من بُعْدِ السماءِ على قربِ
إِذا بَرقَ الإِصباح هزّ انتفاضَها / من الظلّ أشباهُ العواملِ والقضبِ
مباكرة صيدَ الطيور فما تَرى / طريدتَها إلا مخضخضَةَ القعبِ
وعَصمٌ إذا استَعصَمن في شاهِقٍ رَقَتْ / إِلَيها بنات الدّهْرِ في المرْتَقَى الصّعبِ
عَلى أَنها تنقضّ من رأس نيقها / على كلّ رَوْقٍ عند قرْعِ الصَفا صَلبِ
سَينسفُ أمْرُ اللّهِ شمَّ جبالها / كما تَنْسِف الأرواحُ مُنْهالةَ الكثبِ
لكلٍّ حياةٌ ثمَّ موتٌ ومبعثٌ / إِذا ما التقى الخَصمانِ بين يَدَيْ ربِّي
وتُستوقَف الأفلاك عَن حَركاتِها / ويسقُط دريّ النجوم عن القطب
ألم تأتِ أهلَ الشرقِ صرخةُ نائحٍ / يُفيِض غروبَ الدمع من بلدِ الغربِ
سَقى اللَّه قَبراً ثائراً بسفاقسٍ / سواجمَ يَرْضى الترب فيها عنِ السحبِ
فقد عَمّهُ الإعْظامُ منْ قَبْرِ عَمّةٍ / أنوحُ عليها بالنحيب إلى النّحْبِ
بدمع يمدّ البحرُ في السَّيْفِ نحوه / إذا الحزن منه واصل السَكبَ بالسَكبِ
ولو آمنُ الإغراقَ أضْعَفْتُ سَحّهُ / ولكنّ قلبي الرطبَ رَقّ على قلبي
برغمي نَعَتْها ألْسُنُ الركب للعلى / فكيف أرُدّ النّعْيَ في ألسُنِ الرَكبِ
غريبةُ قبرٍ عن قبور بأَرضها / مجاورةٌ في خطّة الطعْنِ والضّربِ
كريمةُ تقوى في صلاة تقيمها / وصومٍ يَحُطّ الجسمُ منه عَلى الجَدبِ
زَكَتْ في فروعِ المَكرماتِ فروعُها / وأَنجبتِ الدُنْيا بآبائها النُّجبِ
ولَما عَدمنا من بهاليلِ قَومها / مَآتِم تَبكيها بَكَينا مع الشُهبِ
حَمَدنا بُكاءَ الزُّهْرِ بنتَ محمّد / وهَل نَدبت إلّا ابنةَ السيد الندبِ
مضَتْ ولها ذِكْرٌ منَ الدينِ والتّقى / تفسّرُهُ للعُجم ألسِنةُ العُربِ
أَيُصبحُ قلبي بالأَسى غيرَ ذائبٍ / وقلبُ الثَرى قاسٍ على قلبها الرّطبِ
وكنتُ إذا ما ضاق صدري بحادثٍ / فزعتُ بنجواه إلى صدرِها الرَحبِ
وتُذْهِبُ عنّي همّ نفسي كأنّها / شَفَتْ غُلّةَ الظَمآنِ بالبارِدِ العذبِ
أهاتفَةً باسمي عليّ تَعَطّفاً / حنينَ عطوفٍ شقّ سامِعَتيْ سَقْبِ
أبوكِ الذي من غرسه طالتِ العُلى / وأُسْنِدَ عامُ المحْل فيِه إِلى الخِصبِ
تَنَسّكَ في بِرٍّ ثمانينَ حِجّةً / فيا طولَ عُمْرٍ فيه فرَّ إلى الرّبِ
ضَمَمْتُ إلى صَدري بكفّيّ جسمَهُ / وأسندتُ مخضرّ الجَنابِ إلى الجَنبِ
تبرّكَتِ الأيدي بتَسوِيَةِ الثرَى / على جَبَلٍ راسي الأناةِ على هَضْبِ
أغارَ لهم ماءُ الجَموم بعبرة / أمِ انبَتّ في أيديهمُ كَرَبُ الغَرْبِ
فَيا لَيتَني شاهدتُ نَعشَكِ إذ مَشى / حواليه لا أهلي حفاةً ولا صَحبي
ودَفْنَكِ بالأيدي الغريبةِ والْتَقَتْ / مع المَوتِ في إِخفاءِ شَخصِك في حدبِ
فأَبسطَ خَدّي فوق لَحدِكَ رحمةً / وتُسْفي عليه التربَ عينايَ بالهدبِ
أرى جسمك المرموسَ من روحه عفا / وأصبحَ معموراً به جَدَثُ التربِ
فلو أنّ روحي كان كسبي وهبتُهُ / لجسمك لكن ليس روحِيَ من كسبي
ولَوْ تُنظم الأحساب يوماً قَلائِداً / لقلد منها جَوْهَرُ الحسبِ اللّبِ
أبا الحسن الأيامُ تَصْرَعُ بالغِنى / وتُعْقِبُ بالبلوى وتخدَع بالحبِّ
مَصابُكَ فيها من مصابي وجدتُه / وحزنُك من حُزني وكَربك من كَربي
فَصَبْراً فَلَيْسَ الأجرُ إلّا لِصابرٍ / على الدهر إن الدهر لم يَخلُ من خطبِ
ألم ترَ أنّا في نوىً مُستمرّةٍ / نَروحُ ونَغدو كالمُصرّ على الذّنْبِ
فَلا وَصلَ إلّا بَينَ أسمائنا الّتي / تسافرُ منّا في مُعَنْوَنَةِ الكتبِ
فَدائِمَة السقيا سماءُ مدامعي / لخدي وأرض الخدّ دائِمةُ الشربِ
فؤادي نجيبٌ والجلالُ نجيبُ
فؤادي نجيبٌ والجلالُ نجيبُ / فأبْعدُ مطْلوبٍ عليّ قريبُ
وإنْ أجدبَتْ عند الفتاةِ إقامتي / فمُرْتَحَلِي عند الفلاة خصيبُ
إذا كانَ عَزْمي مثلَ ما في حمائلي / فإنّي امرُؤٌ بالصّارِمَيْنِ ضَروبُ
خُذِ العَزْم من بَرْدِ السّلُوّ فإنّما / هوَى الغيد عندي للهوان نسيبُ
وبادرْ ولا تهمل سُرَى العيس إنّها / لنا خببٌ في النُّجْح ليسَ يخيبُ
فشهبُ الدّراري وهي علويّةٌ لها / طلوعٌ على آفاقها وغروبُ
ولو لم يكن في العزم إلّا تَقَلّبٌ / ترَى النفسُ فيه سعيها فتطيبُ
وإن ضاقَ بالحرِّ المجالُ ببلدةٍ / فكمْ بلدَةٍ فيها المجالُ رحيبُ
إذا أنْتَ لبّبتَ العزيمة واضعاً / لها الرجلَ في غرزٍ فأنْتَ لبيبُ
ومنكرةٍ مني زماعاً عرفتهُ / عدوّكِ يا هذي إليّ حبيبُ
جرَى دمْعُها والكحلُ فيه كأنّه / جمانٌ بماءِ اللّازورد مشوبُ
وقالت غرابيبٌ دَرَجْن بِبَينه / سيستدرجُ الأعوامَ وهو غريبُ
فما كان إلا ما قضى بالُها به / فهل كان عنها الغيبُ ليس يغيبُ
لقد خمّسَ التأويبَ والعزمَ والسرى / وعَودَ الفلا عُودٌ عليه صليبُ
رمى فأصابَ الهمَّ بالهمِّ إذ رمى / هي الكفّ ترْمي أُختها فتصيبُ
وأجرى سفينَ البرّ في لُجّ زئبقٍ / من الآل هَزّتْ جانِبَيْه جَنُوبُ
ومستعطفاتٍ بالحداء على السرى / إذا رجّعَ الألحانَ فيه طروبُ
إذا جُلِدَتْ ظلماً ببعض جُلودها / تَبَوّع منها في النّجاء ضروبُ
فللَّهِ أشطانُ الغروب التي حَكَتْ / مقاودَ عيس مِلْؤهنّ لغوبُ
ومشحونةٍ بالخوف لا أمنَ عندها / كأنّك فيها حيثُ سِرْتَ مُريبُ
كأنّك في ذنبٍ عظيم بقطعها / فأنْتَ إلى الرحمن منه تتوبُ
إذا الشمسُ أحمتْ فيحَها خلت رملها / رماداً وقودُ النّار فيه قريبُ
ترى رامحَ الرّمضاءِ فيه كأنّه / مُواقِعُ نارٍ واقعته ذنوب
كأنّ ارتفاع الصوت منه تَضَرّعٌ / إذا لذع الأحشاءَ منه لهيبُ
وتحسب أنّ القفرَ حُمَّ فماؤه / من العرق الجاري عليه صبيبُ
وما كان إلّا خير ذخر تعدّه / قطاةٌ لأرْمَاقِ النفوس وذيبُ
وراعٍ سوامُ الشمسِ لم يَشوِ وجهها / ولا لاح للتلويح منه شحوبُ
له لَوْلَبٌ في العين ليس يديره / لذي ظمإٍ حَيث المياهُ تلوبُ
رقيبٌ على شمسِ النّهار بفعله / أحَيٌّ على شمْسِ النّهار رقيبُ
إذا نزل الركبانُ طابَ لنفسه / على الجمر من حرِّ الهجير ركوبُ
تَكَوّنُ وسط النّار منه سبيكةٌ / من التبر ليسَت بالوِقاد تَذوبُ
خَرُوجٌ مِنَ الأديانِ تحسبُ أنّه / على كلّ عُودٍ بالفلاة صليبُ
ومشرعةٍ بالموتِ للطّعنِ صَعْدَةً
ومشرعةٍ بالموتِ للطّعنِ صَعْدَةً / فلا قِرْنَ إنْ نادَتْهُ يوماً يُجيبها
مُداخِلَةٌ في بعْضها خَلْقَ بَعضها / كجوْشن عظم ثَلّمَتْهُ حروبها
تذيقُ خفيّ السمّ من وَخْزِ إبرةٍ / إذا لَسَبَتْ ماذا يلاقي لسيبها
وتمهل بالرّاحاتِ مَن لم يَمُتْ بها / إلى حين خاضت في حشاه كروبها
إذا لم يكنْ لونُ البهارةِ لوْنَهَا / فمن يرقانٍ دبّ فيه شحوبها
لها سَوْرَةٌ خُصّتْ بصورةِ ردّةٍ / ترَى العين منها كل شيء يريبها
وقد نصلت للطعن مَحْنِيَّ صَعْدَةٍ / بشوكةِ عُنّابٍ قتيلٍ زبيبها
ولم ترَ عَيْنٌ قبلَها سَمْهريّةً / منظمةً نَظْمَ الفرند كعوبها
لها طعنةٌ لا تسْتَبينُ لناظرٍ / ولا يُرْسِلُ المسبارَ فيها طبيبها
نسيتُ بها قيساً وذكرى طعينهِ / وقد دقّ معناها وجلّت خطوبها
يحمل منها مائع السمّ بغتةً / نجيعَ قلوب في الضلوع دبيبها
لها سقطةٌ في الليلِ مؤذيةٌ بها / إذا وَجَبَتْ راع القلوبَ وجيبها
ونَقْرٌ خفيّ في الشخوص كأنّه / بكلّ مكان ينتحيه رقيبها
ومن كلّ قطر يتّقي شرّها كما / تذاءب في جنح الدجنة ذيبها
تجيء كأمّ الشبل غضبى تَوَقّدَتْ / وقد تَوّجَ اليافوخَ منها عسيبها
بعينٍ ترى فيها بعينك زرقةً / وإن قلّ منها في العيون نصيبها
حكى سَرطاناً خَلْقُهَا إذ تَقَدّمت / وقدّمَ قرنيها إليه دبيبها
وتالٍ من القرآن قلْ لنْ يصيبنا / وقد حانَ من زُهْرِ النجوم غروبها
يقولُ وسقفُ البيت يحذفُهُ بها / حصاةُ الرّدى يا ويح نفسٍ تصيبها
فصَبّ عليها نعلَهُ فتَكَسّرَت / من اليبس تكسيرَ الزّجاج جنوبها
عدوّ من الإنْسان يَعْمُرُ بيتَهُ / فكيف يوالي رقدة يستطيبها
ولولا دفاعُ اللَّه عَنّا بلطفِهِ / لَصُبّتْ من الدنْيا علينا خطوبها
لها العَتْبُ هذا دأبها وَليَ العُتْبَى
لها العَتْبُ هذا دأبها وَليَ العُتْبَى / سلمتُ من التعذيب لو لم أكن صبّا
رأى عاذلي جسمي حديثاً فرابه / ولم يدرِ أني رعيت به الحبّا
وكيف ونفسي تؤثرُ الغصن والنقا / وتهوى الشقيقَ الغضَّ والعَنَمَ الرطبا
وذاتِ دلالٍ أعْجَبَ الحسنَ خَلْقُها / فهزّ اختيالُ التّيه أعطافَها عُجبا
يكادُ وليدُ الذرِّ يجرحُ جسمَها / إذا صافحتْ منها أنامله الإتبا
فتاةٌ إذا أحسنتُ في الحبِّ أذنَبَتْ / فمن أين لولا الجورُ تُلْزِمني الدنيا
وإني لصعبٌ والهوى راضني لها / وغيرُ عجيبٍ أن يروضَ الهوى الصعبا
سريعةُ غدرٍ سيفها في جفونها / وهل لك سلمٌ عند من خُلِقَت حربا
وروضة حسنٍ غَرّدَت فوقَ نحرها / عصافيرُ حَلْيٍ تلقطُ الدرّ لا الحبّا
وألحقها بالسرب جيدٌ ومقلةٌ / وإن لم يناسبْ دُرُّ مبسمها السربا
لها من فُتون السحرِ عينٌ مريضةٌ / تحلّبُ من أجفانها الدمع والكربا
شربتُ بلحظي سكرةً من لحاظها / فلاقيت منها سَوْرَةً تشربُ اللّبا
وإني لصادٍ والزلالُ مبرَّدٌ / لديّ وإن أكثرت من صفوه شربا
فمن لي بودقٍ مطفئٍ حرّ غُلّتي / أباكرُ طلّاً من أقاحيّه عذبا
وقالوا أما يسليكَ عن شغفِ الهوَى / ومن ذا من السلوان يَسْلُكُ بي شِعْبا
وأنفاسها أذكى إذا انصرف الدجى / وريقتُها أشهى ومقلتها أسبى
وحمراءَ تُلْقَى الماء في قيد سكرِه / ويطلق من قيد الأسى شربُها القلبا
تَوَلّدَ في ما بين ماءٍ ونارِها / مُجَوّفٌ دُرٍّ لا تطيقُ له ثقبا
قستْ ما قستْ ثم اقتضى المزجُ لينَها / فكم شررٍ في الكأسِ رشّت به الشربا
وذي قتلةٍ بالراحِ أحييتُ سمعه / بأجوفَ أحيته مميتَتُهُ ضَرْبا
فهَبّ نزيفاً والنّسيم معطرٌ / فما خلتُهُ إلّا النّسيم الّذي هبّا
شربنا على إيماضِ برقٍ كأنّهُ / سنا قبسٍ في فحمةِ الليل قد شبّا
سرى رامحاً دهم الدياجي كأبْلَقٍ / له وثبةٌ في الشرق يأتي به الغرْبا
كأنّ سياط التبر منهُ تَطايَرتْ / لها قِطَعٌ مما يسوق بها السُّحْبا
إذ العيْش يجري في الحياة نعيمهُ / وذيلُ الشبابِ الغضّ أركضهُ سَحْبا
لياليَ يَندى بالمنى لي أمانُها / كأيّام يحيى لا تخاف لها خطْبا
سليلُ تميم بن المعزّ الذي له / مطالعُ فخرٍ في العلى تُطلعُ الشّهبا
هو الملك الحامي الهدى بقواضبٍ / قلوبُ العدى منها مقلّبةٌ رعبا
إذا ما الحيا روّى ليسكب صوبهُ / رأيتَ ندى يمناه يبتدرُ السكبا
بنى من منار الجود ما جَدُّهُ بنى / وذبّ عن الإسلام بالسيف ما ذبّا
وجهَّزَ للأعداءِ كلَّ عَرَمرَمٍ / يغادرُ بالأرماح أرواحهم نهبا
كتائبُ يعلوها مُشارُ قتامها / كما نَشّرَتْ أيدٍ مرسّلة كتبا
وتفشي سريراتِ النُفوسِ حماتها / بجهدِ ضرابٍ يصرعُ الأُسدَ الغلبا
إذا ما بديعُ المدحِ ضاقَ مجاله / على مادحٍ ألفاهُ في وصفه رَحْبا
ثناءٌ تخالُ الشمسَ ناراً له وما / على الأرضِ من نبتٍ له منزلاً رطبا
سميعُ سؤالِ المُجْتدي غيرَ سامعٍ / على بذلِ مالٍ من مُعاتِبه عتبا
ومن ذا يردُّ البحرَ عن فَيْضِ مَدّهْ / إذا عبّ منه بالجنائب ما عبّا
إذا ما أديرتْ بالسيول من الظُّبى / رحى الحرب في الهيجاء كان لها قطبا
شجاعٌ له في القرْن نجلاءُ ثرّةٌ / يُجَرّرُ منْها وهو كالثَّملِ القُضْبا
يُطير فراشَ الرأس مضربُ سيفِهِ / وعامله في القلبِ يحترشُ الضبّا
يخوضُ دمَ الأبطال بالجَرْدِ في الوغى / فيصدرها ورْداً إذا وردت شهبا
عليمٌ بأسرار الزمان فراسةً / كأنّ لها عيناً تريه بها العُقبى
قريبٌ إذا ساماه ذو رفعةٍ نأَى / بعيدٌ إذا ناداه مستنصرٌ لبّى
يُشرّد من آلائهِ الفقرَ بالغِنى / ويقصد من آرائه بالهِنَا النُّقْبا
يطوّقُ ذا الجُرْم المخالفِ مِنَّةً / ولولا مكانُ الحلم طَوّقَهُ العضبا
يَعُدّ من الآباءِ كلّ مُتَوَّجٍ / نديم المعالي مُلِّكَ المال والتّربا
لهم كل مرتاعٍ به الرّوعُ مُعْلَمٌ / إذا الحَرب بالأَرماحِ ناجزَتِ الحربا
مضرِّم هيجا في طويِّة غمدِهِ / منَ الفتك ما يرضي مَنيَّتها الغَضبى
إذا حاولوا قَضْبَ الجماجم جرّدوا / لها ورقاً يَنبتن في النار أو قُضبا
وإن رُفعت فوق المفارق صَيّرَتْ / دبيبَ المنايا من مضاربها وثبا
لقد أصبحتْ ساحاتُ يحيى كأنّما / إليه نفوسُ الخلق منقادةٌ جذْبا
ربوعٌ بعثتُ الطرفَ فيهنّ خاشعاً / وإن كان بُعْد العزّ يمتنح القربا
فلا همّةٌ إلا رأيتُ لها عُلاً / ولا أمّة إلا لقيت لها ركبا
بلى جرّ أذيالَ الصِّبَا وتصابَى
بلى جرّ أذيالَ الصِّبَا وتصابَى / وأوجفَ خيلاً في الهوى ورِكابا
وهزّ قناةً تحت برديْه لدنةً / تلينُ وتندى نضرةً وشبابا
وجاوَلَهُ قِدْح الهوى إذ أجالَهُ / من الرّبربِ الساجي العيونِ وثابا
قطعتُ زماني بالشَّمول مُسِنّةً / وبالروضِ كهلاً والفتاةِ كعابا
وكنتُ أعيبُ اللهوَ فيها ولا أرى / عليّ هواها في التعفف عابا
وأركبُ عزّاً صهوتي وهي مهرةٌ / أُساور منها بالشبابِ شبابا
وغيْداءَ رُؤدٍ قادني نحوها هوىً / تنسّمتُ منهُ في الهواء ملابا
مضيِّعَةٍ للطّيبِ تحسبُ أنّها / تُطَيّبُ من مسك التريب ترابا
وما صابني إلا مريجٌ بضربةٍ / تكون سؤالاً للرّضى وجوابا
فبتّ كسرٍّ في حشا الليل داخلٍ / على حبّة القلب المَصون حجابا
كأنّ الدّجى من طوله كان جامداً / فلّما تنازعنا التحية ذابا
فقلْ في ظلامٍ طالَ ثم بدا له / فقد أبْصَرَت منهُ العيونُ عُجابا
كأنّي بشطرٍ منه ثوّرت باركاً / كسيراً وشطراً قد أطرتُ غرابا
رعيتُ الصّبا حتى ذوى وَرقُ الصِّبا / ولم يُبْقِ في عمري المشيبُ شبابا
وحتى اغتدَى زَنْدي شحاحاً بقادحٍ / وأضحى جناحي في النّهوض ذُبابا
وقاطعِ أجوازِ الفيافي مُرَوّعٍ / بدَهرٍ رماه بالخُطوبِ وَرابا
يناجي بها في الليل سيداً عملّساً / ويَصحَب هَيْقا بالنّهار وجابا
بريحٍ جنوحِ الرحل يُمْسي هبوبها / نجاءً لها ملءَ الدجى وهَبابا
أبنتَ الجديلَ القاطعِ البيد جدّ لي / سباسبَ من غَوْلِ الفلا وظرابا
إذا ما النّوى ألقتْ عَصايَ محبّةً / تجنّب ليَ صرفُ الزمان جنابا
وسُرْبِلْتُ إحساناً من الحسَنِ الذي / هَمَى الجودُ من كلتا يديه وطابا
هو الملكُ الحامي الهُدى من ضلالةٍ / ففلّ لها ظفراً وهَتّمَ نابا
غدا كعبهُ في كفّة الملك عالياً / ومُلّكَ من أهل الزّمان رقابا
وأضحى لقومٍ مذعنينَ بعدلهِ / نعيماً وقومٍ مجرمين عذابا
إذا عُدّتِ الأحسابُ عُدّ نجارُهُ / له حسباً بين الملوك لبابا
توَقّدَ إقداماً وفاض سماحةً / وهُذّبَ أخلاقاً وطاب نصابا
من السادة الغُرّ الألى ملكوا الورى / وأعطاهمُ الدّهرُ الأبِيُّ جنابا
غطارفةٌ مثل الجبال حُلومُهُمْ / تكونُ لهم شمُ الجبال هضابا
إذا غضِبوا للَّه أرضاكَ فَتكهُمْ / وأَفتكُ ما تلقى الأُسودُ غِضابا
وإِن جَزموا الأعمارَ في الحربِ صَيّروا / عواملهم في الدّارِعينَ حِرابا
وتَحسَبهم تَحتَ السَوابِغ والقَنا / ضراغمَ شقّتْ في العَرينِ سَرابا
مفيدٌ مبيدٌ في سبيليه جاعلٌ / مذاقة شهدٍ للأَنامِ وصَابا
كأنّ زماناً تائباً من ذنوبهِ / رَأَى عَدلَه أَو خافَ منهُ فَتابا
إِذا مَنعَ الأَملاكُ نائِلَهُمْ سخا / وإنْ أخْطَؤوا وجهَ الصّوابِ أصابا
كثيرُ وفودِ القصْدِ لم تكفِ دجلةٌ / بِسَاحَتِهِ لِلآكِلينَ شَرابا
تُفيضُ العَطايا بالأَماني يَمينُهُ / فَتَحسِب فيهِنّ البحورَ ثغابا
وجيشٍ تخالُ الشَدْوَ في جنَبَاته / إِذا صَاهَلتْ فيه العِرابُ عرابا
إذا أسفرتْ من نقعهِ الشهب في دجىً / رَأَيت لوَجهِ الشمسِ منهُ نِقابا
تحطّمُ مُرّانَ الرّماحِ كماتُهُ / طعاناً وأوراقَ الصِفاح ضرابا
وتحسبُ أنهاءً مُلئْنَ عليهمُ / حَبائكَ من نَسجِ الصّبا وحبابا
أرونيَ منكم راجياً رَدّ قاصداً / إلى قصده وجه الرّجاءِ فخابا
ولا تعتبوهُ في الشفاعة والنّدى / فلن تجعلوا نقلَ الطباعِ عتابا
ولو خضبَ الأيدي نداهُ رأيتمُ / لكلّ يدٍ بالتّبرِ منْه خضابا
يردّ لِسانُ العضبِ عندَ سُكوتِه / إِلى هامَةِ المِقدامِ عنه خِطابا
فيا ابن عليّ أنت شبلٌ حَمَى الهدى / وأنبتَ حوليه الذوابلَ غابا
جَعَلت نيوبَ الثّغرِ زُرْقَ أسِنّةٍ / فَلَم تَجنِ زرقُ الرّوم مِنهُ رضابا
ولَو نَظَم الديماسُ مَنثورَ هامِهم / لَقلّدَ جيدَ القَصرِ منهُ سَخابا
فَلِلدينِ عيدانٌ منَ النبع جُرّبَتْ / بِعَجْمٍ فألفاها الصليبُ صِلابا
طلعتَ لَنا بدراً شموسَ طلاقةٍ / تلفّ عَلَيها راحَتاهُ سَحابا
فحالفك النّصرُ العزيزُ الّذي به / تغادرُ آسادَ الحُروبِ ذِئابا
ولا زلتَ عيداً للورى غيرَ ذاهبٍ / إذا العيدُ ولّى بالزمانِ ذهابا
نَعوذُ مِنَ الشيطانِ باللّه إنّهُ
نَعوذُ مِنَ الشيطانِ باللّه إنّهُ / يوسوسُ بالعصيان في أُذُنِ القلبِ
عَدُوّ أبينا قبْلنا والذي له / جنودٌ مع الأيام دائمةُ الحَربِ
ولو لمْ يكنْ أمْرُ الشياطينِ يُتّقَى / لما احْتَرَسَتْ منها الملائكُ بالشهبِ
ومسبلةٍ دَمعاً يَسوغُ عُذوبةً
ومسبلةٍ دَمعاً يَسوغُ عُذوبةً / على أن دمع المقلَتين أُجاجُ
مَرَتْها صَباها حين درَّت فأُرضعت / بسائطُ من أخلاقها وفجاجُ
تَخَرّقَ فيها لمعُ برْقٍ كأنّما / يَشُبّ ويَخبُو من سَنَاهُ سراجُ
علت خيلُنا منها جليداً فلم يُتَحْ / بِنا للعدى من عَدوهِنَّ عجاجُ
وكم حافرٍ في الرسغ منه زبرجدٌ / كسير به ممّا علاه زجاجُ
بأُسدِ وغىً كم قيل عوجوا نُصرْتمُ / على الموت من حرب العداة فعاجوا
فلا غُنمَ إلّا كلّ رأسٍ كأنّهُ / على الرمح من ضَرْبِ المهندِ تاجُ
وخُمْصانَةٍ منقادَةٍ بذوائبٍ / لسائِقِها خَلْفَ الجَوادِ لجاجُ
كأنّ وراءَ الخيلِ منها جآذراً / تُرَوّعُ أخصارٌ لهنّ دماجُ
فكانَ لنا في الرّومِ قتلٌ معجَّلٌ / وفينا لهم من الوشيج شجاجُ
ومشبهَةٍ في الجَوِّ أنوارَ أختها
ومشبهَةٍ في الجَوِّ أنوارَ أختها / يضيءُ سَنَاها كلَّ أسحمَ داج
كأنّ صلالاً وسطها في مكامنٍ / تحركُ فيها ألسناً بلجاج
وتحسبها تجلو على كلّ ناظرٍ / كواكبَ نارٍ في بروجِ زجاج
وما روضةٌ حيّ ثرى أقحوانِها
وما روضةٌ حيّ ثرى أقحوانِها / يضاحكُها في الغيم سِنّ من الضِّحّ
كأنّ صَبَاها للعرانين فَتّقَتْ / نداها بندٍّ فهي طيِّبةُ النفح
بأطيبَ من ريّا لماها لراشفٍ / إذا انتبهتْ في الشرْقِ ناظرةُ الصبح
تَقولُ وقَد لاحَت لَها في مفارقي
تَقولُ وقَد لاحَت لَها في مفارقي / كَواكِبُ يَخفى غيرها وهي لائِحه
أراكَ مُحِبّاً لا مُحَبّاً فعَدّ عَن / مكابدةٍ تشقى بها لا مسامَحه
تروحُ وتغدو جانحاً عن مَحَبَّةٍ / إليّ ونفسي عن وصالِكَ جَانِحَه
إِذا ما شَبابي نالَ شيبُكَ عِطفَهُ / فخاسرةٌ نَفسي ونفسُكَ رابحَه
ولو عَلمتْ سني لما كان لومُها / عليّ سناناً جارحاً كلَّ جارحه
لشيَّبني في عنفوانِ شَبيبَتي / لقائي مِنَ الأَيّامِ دَهياءَ فادِحه
وقَطعِيَ غَولَ القَفرِ في مَتنِ سابِحٍ / وخوضيَ هَوْلَ البَحرِ في بَطنِ سابِحه
وما ضرّها كافورُ شيبي وتحتهُ / لمسك شبابي كلُّ فِعلٍ ورائِحه
أشارَتْ وسُحبُ الدمع دائمةُ السّفْحِ
أشارَتْ وسُحبُ الدمع دائمةُ السّفْحِ / بأنّ غرابَ البَينِ يَنْعَبُ في الصّبحِ
فقلتُ أقيمي من عِقاصِكِ صبغَةً / على اللّيْلِ تهْدي منه جنحاً إلى جنح
عسَى طوله يَثني عن البَينِ عَزْمَهُ / وتُفضي به حَرْبُ الفراقِ إلى الصّلح
وبَينَ خَلالِ الدُّرّ من ظبيةِ اللّوَى / رضابٌ قراحٌ لا يُداوى به قَرْحي
مُنَعَّمَةٌ في الحَيّ نيطَتْ لصونِها / جهاراً بحد السّيْفِ عاليةُ الرّمحِ
فقِفْ بحياةِ النّفسِ عن مصرع الرّدى / فمن لا يدانِ النّارَ يَنجُ منَ اللّفحِ
فكمْ مُهجَةٍ قد غَرّها الحبّ بالمُنى / فأسلفها الخسرانَ في طَلَبِ الرّبحِ
وأشقرَ من خيل الدنانِ ركبتُهُ
وأشقرَ من خيل الدنانِ ركبتُهُ / فأصبحَ بي في غايةِ السكر يجْمَحُ
فألجمتُهُ بالمزج حتى وَجَدْتُهُ / بما شحّ من حُسنِ الرياضةِ يسمحُ
فيا عجَباً من روض نارٍ مكلَّلٍ / بنوّار ماءٍ في الزجاجَةِ يَسبحُ
فَحَرّ لَظاها يَلذَعُ الهمّ في الحشا / وطيب شَذاها للعَرانينِ يَنْفَحُ
أَبيعُ منَ الأَيّامِ عمري وأشتري
أَبيعُ منَ الأَيّامِ عمري وأشتري / ذنوباً كأني حين أخْسَرُ أربحُ
فهلَّا أذبتُ القلب من حُرَق الأسى / وصَيَّرْتُهُ دمعاً من العين يُسفحُ
وأنّى وفي عُقْبَى الشبابِ عقوبةٌ / أُسَرّ بها بئس السرورُ وأَفرحُ
رَقيقةُ ماءِ الحُسنِ يَجْري بِخَدّها
رَقيقةُ ماءِ الحُسنِ يَجْري بِخَدّها / كجَرْيِ الندى في غَضّ وَرْدٍ مُفَتِّحِ
تَثَنّتْ بِعِطفَيها عنِ العِطفِ وانثَنتْ / كنشوانَ في بَرْدِ الصّبا مُتَرَنّحِ
فتحسبُ منها الرَّجْلَ جاذبَ أَخمَصاً / فَلَيسَ بِمَعقولٍ ولا بمسرّحِ
فقلتُ لها يا أملح العينِ مشيةً / أمزنةُ جَوٍّ أنتِ أمْ سَيْلُ أبطحِ
لقد أشْقتِ الأضدادُ منك ملاحةً / فتى روحُهُ في الحبّ غيرُ مُرَوّحِ
سخاءٌ بهجرٍ من سمينٍ مُدَمْلَجٍ / وشُحٌّ بوصلٍ مِنْ هَزِيلٍ مُوَشَّحِ