المجموع : 75
أَشاقَكَ مِن عُليا دِمَشقَ قُصورُها
أَشاقَكَ مِن عُليا دِمَشقَ قُصورُها / وَولدانُ رَوضِ النَيربينِ وَحورُها
وَمُنبَجِسٌ في ظِلّ أَحوى كَأَنَّهُ / ثِيابُ عَروسٍ فاحَ مِنها عَبيرُها
مَنازِلُ أُنسٍ ما أَمَحَّت وَلا اِمَّحَت / بِمَرِّ الغَوادي وَالسَواري سُطورُها
كَأَنَّ عَلَيها عَبقَرِيَّ مَطارِفٍ / مِنَ الوَشي يُسديها الحَيا وَيُنيرُها
تَزيدُ عَلى الأَيّامِ نوراً وَبَهجَةً / وَتَذوي اللَيالي وَهيَ غَضٌّ حَبيرُها
إِذا الريحُ مَرَّت في رُباها كَريهَةً / حَباها بِطيبِ النَشرِ فيها مُرورُها
سَقى اللَهُ دَوحَ الغُوطَتَينِ وَلا اِرتَوى / مِنَ الموصِلِ الحَدباءِ إِلا قُبورُها
فَيا صاحِبي نَجوايَ بِاللَهِ خَبّرا / رَهينَ صَباباتٍ عَسيرٌ يَسيرُها
أَمن مَرَحٍ مادَت قُدودُ غُصونِها / بِبَهجَتِها أَم أَطرَبَتها طُيورُها
خَليلَيَّ إِنَّ البَينَ أَفنى مَدامِعي / فَهَل لَكُما مِن عَبرَةٍ أَستَعيرُها
لَقَد أُنسِيَت نَفسي المَسراتِ بَعدكُم / فَإِن عادَ عيدُ الوَصلِ عادَ سُرورُها
عَلى أَنَّ لي تَحتَ الجَوانِحِ غِلَّةً / إِذا جادَها دَمعٌ تَلَظّى سَعيرُها
وَقاسَمتُماني أَن تُعينا عَلى النَوى / إِذا نَزواتُ البَينِ سارَ سُؤوَرُها
فَفيمَ تَماديكُم وَقَد جَدَّ جدُّها / كَما تَرَيانِ وَاِستَمَرَّ مَريرُها
وَأَصعَبُ ما يلقى المُحِبُّ مِنَ الهَوى / تَداني النَوى مِن خُلَّةٍ لا يَزورُها
فَيا لَيتَ شِعري الآنَ دَع ذِكرَ ما مَضى / أَوائِلُ أَيّامِ النَوى أَم أَخيرُها
مَتى أَنا في رَكبٍ يَؤُمُّ بِنا الحِمى / خِفافٌ ثِقالٌ بِالأَماني ظُهورُها
حروفٌ بِأَفعالٍ لَهُنَّ نَواصِبٌ / إِذا آنَسَت خَفضاً فَرفعٌ مَسيرُها
تَظُنُّ ذُرى لُبنانَ وَاللَيلُ عاكِفٌ / صَديعَ صَباحٍ مِن سُراها يُجيرُها
وَقَد خَلَّفَت رَعنَ المَداخِلِ خَلفَها / وَنَكَّبَ عَنها مِن يَمينِ سَنيرُها
فَيَفرَحَ مَحزونٌ وَيَكبتَ حاسِدٌ / وَتَبرُدَ أَكبادٌ ذَكِيٌّ سَعيرُها
وَقَد ماتَتِ الآمالُ عِندي وَإِنَّما / إِلى شَرَفِ الدينِ المَليكِ نُشورُها
مَليكٌ تَحَلّى المُلكُ مِنهُ بِعَزمَةٍ / بِها طالَ مِن رُمحِ السِماكِ قَصيرُها
يُلاقي بَني الآمالِ طَلقاً فَبِشرُهُ / بِما أَمَّلَتهُ مِن نَجاحٍ بَشيرُها
فَما نِعمَةٌ مَشكورَةٌ لا يَبُثُّها / وَما سيرَةٌ مَحمودَةٌ لا يَسيرُها
همامٌ تَظَلُّ الشَمسُ مِن عَزماتِهِ / مُحَجَّبةً نَقعُ المَذاكي سُتورُها
مهيبٌ فَلَو لاقى الكَواكِبَ عابِساً / تَساقَطَتِ الجَوزا وَخَرَّت عَبورُها
وَلَو آنَسَت مِنهُ الأَهِلَّةُ غَضبَةً / نَهاها سُطاهُ أَن تَتِمَّ بُدورُها
تُشرَّفُ أَندى السُحبِ إِن قالَ قائِلٌ / لِأَدنى نَوالٍ مِنهُ هذا نَظيرُها
حَلَفتُ بِما ضَمَت أَباطِحُ مَكَّةٍ / غَداةَ مِنىً وَالبُدنُ تَدمى نُحورُها
لَقَد فازَ بِالمُلكِ المُعَظَّمِ أُمَّةٌ / إِلى عَدلِهِ المَشهورِ رُدَّت أُمورُها
عَسى البارِقُ الشامِيُّ يَهمِيَ سَحابُهُ
عَسى البارِقُ الشامِيُّ يَهمِيَ سَحابُهُ / فَتَخضَلَّ أَثباجُ الحِمى وَرِحابُهُ
وَتَسري الصَبا في جانِبَيهِ عَليلَةً / كَما فُتِقَت مِن حَضرَمِيٍّ عِيابُهُ
خَليليَّ مالي بِالجَزيرَةِ لا أَرى / لِلَمياءَ طَيفاً يَزدَهيني عِتابُهُ
فَيا مَن لِراجٍ أَن تَبيتَ مُغِذَّةً / بِبَيداءَ دونَ الماطِرونَ رِكابُهُ
إِذا جَبَلُ الرَيّانِ لاحَت قِبابهُ / لِعَيني وَلاحَت مِن سَنيرٍ هِضابُهُ
وَهَبَّت لَنا ريحٌ أَتَتنا مِنَ الحِمى / تحَدّثُ عَمّا حَمَّلَتها قِبابُهُ
وَقامَت جِبالُ الثَلجِ زُهراً كَأَنَّها / بَقِيَّةُ شَيبٍ قَد تَلاشى خِضابُهُ
وَلاحَت قُصورُ الغوطَتَينِ كَأَنَّها / سَفائِنُ في بَحرٍ يَعُبُّ عُبابُهُ
وَأَعرَضَ نِسرٌ لِلمُصَلّى غَدِيَّةً / كَما اِنجابَ عَن ضَوءِ النَهارِ ضَبابُهُ
لَثمتُ الثَرى مُستَشفِياً بِتُرابِهِ / وَمَن لي بِأَن يَشفي غَليلي تُرابُهُ
وَمُستَخبِرٍ عَنّا وَما مِن جَهالَةٍ / كَشَفتُ الغِطا عَنهُ فَزالَ اِرتِيابُهُ
وَأَذكَرتُهُ أَيّامَ دِمياط بَينَنا / وَبَينَ العدى وَالمَوتُ تَهوي عُقابُهُ
وَجَيشاً خَلَطناهُ رِحابٌ صُدورُهُ / بِجَيشٍ مِنَ الأَعداءِ غُلبٍ رِقابُهُ
وَقَد شَرقَت زرقُ الأَسِنَّةِ بِالدما / وَأَنكَرَ حَدَّ المَشرَفيِّ قِرابُهُ
وَعَرَّدَ إِلّا كُلَّ ذمرٍ مغامِسٍ / وَنَكَّبَ إِلّا كُلَّ زاكٍ نِصابُهُ
تَرَكناهُم في البَحرِ وَالبَرِّ لُحمَةً / تُقاسِمُهُم حيتانُهُ وَذِئابُهُ
وَيَوماً عَلى القيمونِ ماجَت مُتونُهُ / بِزرقِ أَعاديهِ وَغَصَّت شِعابُهُ
نَثرنا عَلى الوادي رُؤوساً أَعزَّةً / لِكُلِّ أَخي بَأسٍ مَنيعٍ جِنابُهُ
وَرَضنا مُلوكَ الأَرضِ بِالبيضِ وَالقَنا / فَذَلَّ لَنا مِن كُلِّ قطرٍ صِعابُهُ
فَكَم أَمردٍ خَطَّ الحُسامُ عذارَهُ / وَكَم أَشيبٍ كانَ النَجيعَ خِضابُهُ
وَكَم قَد نَزَلنا ثُغرَ قَومٍ أَعزَّةٍ / فَلَم نَرتَحِل حَتّى تَداعى خرابُهُ
وَكَم يَوم هولٍ ضاقَ فيهِ مَجالُنا / صَبَرنا لَهُ وَالمَوتُ يُحرقُ نابُهُ
يَسيرُ بِنا تَحتَ اللِواءِ مُمَدَّحٌ / كَريمُ السَجايا طاهِراتٌ ثِيابُهُ
نَجيبٌ كَصَدرِ السَمهَرِيِّ مُنَجَّحَ ال / سَرايا كَريمُ الطَبعِ صافٍ لُبابُهُ
مِنَ القَومِ وَضّاح الأَسِرَّةِ ماجِدٌ / إِلى آلِ أَيّوبَ الكِرامِ اِنتِسابُهُ
فَفَرَّجَ ضيقَ القَومِ عَنّا طعانُهُ / وَشَتَّتَ شَملَ الكُفرِ عَنّا ضِرابُهُ
وَأَصبَحَ وَجهُ الدينِ بَعدَ عَبوسِهِ / طَليقاً وَلَولاهُ لَطالَ اِكتِئابُهُ
جِهادٌ لِوَجهِ اللَهِ في نَصرِ دينِهِ / وَفي طاعَةِ اللَهِ العَزيزِ اِحتِسابُهُ
حَمَيت حِمى الإِسلامِ فَالدينُ آمِنٌ / تُذادُ أَقاصيهِ وَيُخشى جِنابُهُ
وَما بغيَتي إِلّا بَقاؤُكَ سالِماً / لِذا الدينِ لا مالٌ جَزيلٌ أُثابُهُ
صَليلُ المَواضي وَاِهتِزازُ القَنا السُمرِ
صَليلُ المَواضي وَاِهتِزازُ القَنا السُمرِ / بِغَيرِهِما لا يُجتَنى ثَمرُ النَصرِ
وَصَبرُ الفَتى في المَأزِقِ الضَنكِ فادِحٌ / وَلكِنَّهُ أَهدى طَريقٍ إِلى الفَخرِ
وَتَحتَ ظَلامِ النَقعِ تُشرِقُ أَوجُهُ ال / ثَناءِ وَجَمعُ المَجدِ في فِرقَةِ الوَفرِ
وَما اِستَعبَدَ الأَحرارَ كَالعَفوِ إِن جَنى / جَهولٌ وَفَضلُ الصَدرِ في سَعَةِ الصَدرِ
وَمَن لَم تُنَوّه بِاِسمِهِ الحَربُ لَم يَزَل / وَإِن كَرُمَت آباؤُهُ خامِلَ الذِكرِ
إِذا غَشِيَ الحَربَ العَوانَ تَمَخَّضَت / وَقَد لَقَحَت عَن فتكَةٍ في العدى بِكرِ
خِلالُ عُلىً لَولا المُعَظَّمُ أعجزَت / طَرائِقُها الأَملاكَ بَعدَ أَبي بَكرِ
هِلالٌ وَبَدرٌ أَشرَقا فاِبتِهالُنا / إِلى اللَهِ إِبقاءُ الهِلالِ مَعَ البَدرِ
مَليكٌ إِذا ما جالَ في مَتنِ ضامِرٍ / لِيَومِ وَغىً أَبصَرَت بَحراً عَلى بَحرِ
عَليمٌ بِتَصريفِ القَنا فَرِماحُهُ / مَواقِعُها بَينَ التَرائِبِ وَالنَحرِ
إِذا عَلَّ في صَدرِ المُدَجَّجِ عامِلاً / بَدا عَلُّهُ فَوقَ السِنانِ عَلى الظَهرِ
وَما مُشبِلٌ من أُسد خَفّانَ باسِلٌ / يَذودُ الرَدى عَن أُمِّ شِبلَينِ في خِدرِ
هزَبرٌ إِذا اِجتازِ الأُسودُ بغيلِهِ / فَأَشجَعُها خافي الخُطى خافِتُ الزارِ
حَوالَيهِ أَشلاءُ الوُحوشِ نَضيدَةٌ / غَريضٌ عَلى مُستكرهٍ صائِكِ الدَفرِ
بِوادٍ تَحاماهُ الأُسودُ مَهابَةً / وَنَكَّبَ عَن مَسراهُ وَالجَةُ السَفرِ
بِأَعظَمَ مِنهُ في القُلوبِ مَهابَةً / وَإِن غَضَّ مِنها بِالطَلاقَةِ وَالبِشرِ
بِكُلِّ فَتىً مِن آلِ أَيّوبَ لَم يَزَل / دِفاعاً لِخَطبٍ أَو سِداداً عَلى ثَغرِ
إِذا اِستَلأَموا يَومَ النِزالِ حَسِبتَهُم / أُسودَ العَرينِ الغُلبِ في غابَةِ السُمرِ
فَلا وَزَرٌ مَن بَأسِهِ لِعُداتِهِ / وَلَو وَقَلَت كَالعُصمِ في شامِخٍ وَعرِ
وَلَو حاوَلَ المِريخُ في الأُفقِ مَنعَها / لَخَيَّمَ ما بَينَ النَعائِمِ وَالغَفرِ
فَيا أَيُّها المَلكُ المُعَظَّمُ دَعوَةً / إِلَيكَ لمَطوِيّ الضُلوعِ عَلى جَمرِ
غَريبٌ إِذا ما حَلَّ مِصراً أَبى لَهُ / وَشيكُ النَوى إِلا اِرتِحالاً إِلى مِصرِ
لَهُ غُنيَةٌ عَن غَيرِكُم مِن قَناعَةٍ / وَأَمّا إِلى مَعروفِكُم فَأَخو فَقرِ
فَحَتّامَ لا أَنفَكُّ في ظَهرِ سَبسَبٍ / أُهَجّرُ أَو في بَطنِ دَوّيَةٍ قَفرِ
أُشَقِّقُ قَلبَ الشَرقِ حَتّى كَأَنَّني / أُفَتِّشُ في سَودائِهِ عَن سَنا الفَجرِ
وَيَقبَحُ بي أَن أَرتَجي مِن سِواكُمُ / نَوالاً وَأَن يُعزى إِلى غَيرِكُم شُكري
سَلوا صَهواتِ الخَيلِ يَومَ الوَغى عَنّا
سَلوا صَهواتِ الخَيلِ يَومَ الوَغى عَنّا / إِذا جُهِلَت آياتُنا وَالقَنا اللُدنا
غداةَ لَقينا دونَ دِمياطَ جَحفَلاً / مِنَ الرومِ لا يُحصى يَقيناً وَلا ظَنا
قَد اِتَّفَقوا رَأياً وَعَزماً وَهِمَّةً / وَديناً وَإِن كانوا قَد اِختَلَفوا لُسنا
تَداعَوا بِأَنصارِ الصَليبِ فَأَقبَلَت / جُموعٌ كَأَنَّ المَوجَ كانَ لَهُم سُفُنا
عَلَيهِم مِنَ الماذِيِّ كُلُّ مُفاضَةٍ / دِلاصٍ كَقِرنِ الشَمسِ قَد أَحكَمَت وَضَنا
وَأَطمَعهُم فينا غُرورٌ فَأَرقَلوا / إِلَينا سِراعاً بِالجِيادِ وَأَرقَلنا
فَما بَرِحَت سُمرُ الرِماحِ تَنوشُهُم / بِأَطرافِها حَتّى اِستَجاروا بِنا مِنّا
سَقيناهُم كَأساً نَفَت عَنهُمُ الكَرى / وَكَيفَ يَنامُ اللَيلَ مَن عَدِمَ الأَمنا
لَقَد صَبَروا صَبراً جَميلاً وَدافَعوا / طَويلاً فَما أَجدى دِفاعٌ وَلا أَغنى
لَقوا المَوتَ مِن زُرقِ الأَسِنَّةِ أَحمَراً / فَأَلقَوا بِأَيديهِم إِلَينا فَأَحسَنّا
وَما بَرِحَ الإِحسانُ مِنّا سَجِيَّةً / تَوارَثَها عَن صيدِ آبائِنا الأَبنا
مَنَحنا بَقاياهُم حَياةً جَديدَةً / فَعاشوا بِأَعناقٍ مُقَلَّدَةٍ مَنّا
وَلَو مَلَكوا لَم يَأتلوا في دِمائِنا / وُلوغاً وَلكِنّا مَلَكنا فَأَسجَحنا
وَقَد جَرَّبونا قَبلَها في وَقائِعٍ / تعلّم غُمر القَومِ منّا بِها الطَعنا
فَكَم مِن مَليكٍ قَد شَدَدنا إِسارَهُ / وَكَم مِن أَسيرٍ مِن شَقا الأَسرِ أَطلَقنا
أُسودُ وَغىً لَولا قِراعُ سيوفنا / لَما رَكِبوا قَيداً وَلا سَكَنوا سِجنا
وَكَم يَوم حُرٍّ ما لَقينا هَجيرَهُ / بِسترٍ وَقُرٍّ ما طَلَبنا لَهُ كِنّا
فَإِنَّ نَعيمَ المُلكِ في شَظَفِ الشَقا / يُنالُ وَحُلوَ العِزِّ مِن مُرِّه يُجنى
يَسيرُ بِنا مِن آلِ أَيّوبَ ماجِدٌ / أَبى عَزمُهُ أَن يَستَقرَّ بِهِ مَغنى
كَريمُ الثَنا عارٍ مِنَ العارِ باسِلٌ / جَميلُ المُحَيّا كامِلُ الحُسنِ وَالحُسنى
لَعَمرُكَ ما آياتُ عيسى خَفِيَّةٌ / هِيَ الشَمسُ لِلأَقصى سَناءً وَلِلأَدنى
سَرى نَحوَ دِمياط بِكُلِّ سمَيذَعٍ / نَجيبٍ يَرى وِردَ الوَغى المَورِدَ الأَهنا
فَأَجلى عُلوجَ الرومِ عَنها وَأُفرِحَت / قُلوبُ رِجالٍ حالَفَت بَعدَها الحُزنا
وَطَهَّرَها مِن رِجسِهِم بِحُسامِهِ / همامٌ يَرى كَسبَ الثَنا المغنم الأَسنى
مَآثِرُ مَجدٍ خَلَّدَتها سُيوفُهُ / لَها نَبَأ يَفنى الزَمانُ وَلا يَفنى
وَقَد عَرَفَت أَسيافُنا وَرِقابُهُم / مَواقِعَها فيها فَإِن عاوَدوا عُدنا
حَبيبٌ نَأى وَهوَ القَريبُ المُصاقِبُ
حَبيبٌ نَأى وَهوَ القَريبُ المُصاقِبُ / وَشَحطُ نَوىً لَم تُنضَ فيهِ الرَكائِبُ
وَإِنَّ قَريباً لا يُرَجّى لِقاؤُهُ / بَعيدٌ تَناءَى وَالمَدى مُتَقارِبُ
أَلينُ لِصَعبِ الخُلقِ قاسٍ فُؤادُهُ / وَأُعتِبُهُ لَو يَرعَوي مَن يُعاتَبُ
مِنَ التُركِ مَيّاسُ القوامِ مُهَفهَفٌ / لَهُ الدُرُّ ثَغرٌ وَالزُمُرُّدُ شارِبُ
يُفَوّقُ سَهماً مِن كَحيلٍ مُضَيَّقٍ / لَهُ الهُدبُ ريشٌ وَالقِسِيُّ الحَواجِبُ
أَسالَ عِذاراً في أَسيلٍ كَأَنَّهُ / عَبيرٌ عَلى كافورِ خَدَّيهِ ذائِبُ
وَأَنبَتَ في حِقفِ النَقاخيرُ رانَةً / تُقِلُّ هِلالاً أَطلَعَتهُ الذَوائِبُ
سَعَت عَقرَبا صُدغيهِ في صَحنِ خَدِّهِ / فَهُنَّ لِقَلبي سالِباتٌ لَواسِبُ
عَجِبتُ لِجَفنَيهِ وَقَد لَجَّ سُقمُها / فَصَحَّت وَجِسمي مِن أَذاهنَّ ذائِبُ
وَمِن خَصرِهِ كَيفَ اِستَقَلَّ وَقَد غَدَت / تُجاذِبُهُ أَردافُهُ وَالمَناكِبُ
ضَنَيتُ بِهِ حتّى رَثَت لي عَواذِلي / وَرَقَّ لِما أَلقى العَدوُّ المُناصِبُ
وَما كُنتُ مِمَّن يَستَكينُ لِحادِثٍ / وَلكِنَّ سُلطانَ الهَوى لا يُغالَبُ
سَحائِبُ أَجفانٍ سِوارٍ سَوارِبُ / وَأَعباءُ أَشواقٍ رَواسٍ رَواسِبُ
فَهَل لِيَ مِن داءِ الصَبابَةِ مَخلصٌ / لَعَمري لَقَد ضاقَت عَلَيَّ المَذاهِبُ
حَلَبتُ شُطورَ الدَهرِ يُسراً وَعُسرَةً / وَجَرَّبتُ حَتّى حَنكَتني التَجارِبُ
فَكَم لَيلَةٍ قَد بتُ لا البَدرُ مُشرِقٌ / يُضيءُ لِرائيهِ وَلا النَجمُ غارِبُ
شَقَقتُ دُجاها لا أَرى غَيرَ هِمَّتي / أَنيساً وَلا لي غَيرُ عَزمِيَ صاحِبُ
بِمَمغوطَةِ الأَنساعِ قَودٍ كَأَنَّها / عَلى الرَملِ مِن إِثرِ الأَفاعي مَساحِبُ
وَبَحرٍ تَبَطَّنت الجَواري بِظَهرِهِ / فَجُبنَ وَهُنَّ المُقرِباتُ المَناجِبُ
إِلى بَحرِ جودٍ يُخجلُ البَحرَ كَفُّهُ / فَقُل عَن أَياديهِ فَهُنَّ العَجائِبُ
إِلى مَلكٍ ما جادَ إِلّا وَأَقلَعَت / حَياءً وَخَوفاً مِن يَدَيهِ السَحائِبُ
إِلى أَبلَجٍ كَالبَدرِ يُشرِقُ وَجهُهُ / سَناءً إِذا اِلتَفَّت عَلَيهِ المَواكِبُ
تَسَنَّمَ مِن أَعلى المَراتِبِ رُتبَةً / تَقاصَرُ عَن أَدنى مَداها الكَواكِبُ
لَنا مِن نَداهُ كُلَّ يَومٍ رَغائِبٌ / وَمِن فِعلِهِ في كُلِّ مَدحٍ غَرائِبُ
فَتىً حِصنُهُ ظَهرُ الحِصانِ وَنَثرَةٌ / تَكلُّ لَدَيها المُرهَفاتُ القَواضِبُ
مُضاعَفَةٌ حَتّى كَأَنَّ قَتيرَها / حُبابٌ حَبتهُ بِالعُيونِ الجَنادِبُ
يُريه دَقيقُ الفِكرِ في كُلِّ مُشكِلٍ / مِنَ الأَمرِ ما تُفضي إِلَيهِ العَواقِبُ
أَتَيتُ إِلَيهِ وَالزَمانُ عِنادُهُ / عِنادي وَقَد سُدَّت عَلَيَّ المَذاهِبُ
لِيَرفَعَ مِن قَدري وَيَجزِمَ حاسِدي / وَأُصبِحَ في خَفضٍ فَكَم أَنا ناصِبُ
فَلَم أَرَ كَفاً عارِضاً غَيرَ كَفِّهِ / بِوَجهٍ وَلَم يَزوَرَّ لِلسخطِ حاجِبُ
قَطَعنا نِياطَ العيسِ نَحوَ ابنِ حُرَّةٍ / صَفَت عِندَهُ لِلمُعتَفينَ المَشارِبُ
إِلى طاهِرِ الأَنسابِ ما قَعَدَت بِهِ / عَنِ المَجدِ مِن بَعضِ الجُدودِ المَناسِبُ
دَعا كَوكَباناً وَالنُجومُ كَأَنَّها / نِطاقٌ عَلَيهِ نَظَّمَتهُ الثَواقِبُ
فَرامَ اِمتِناعاً عَنهُ وَهوَ مُرادهُ / كَما اِمتَنَعَت عَن خُلوَة البَعلِ كاعِبُ
وَلَيسَ بِراشٌ مِنهُ أَقوى قَواعِداً / وَإِن غَرَّ مَن فيهِ الظُنونُ الكَواذِبُ
تَقِلُّ عَلى كُثرِ العَديدِ عُداتُهُ / وَتَكثُرُ مِنهُم في النَوادي النَوادِبُ
وَنُصحي لَهُم أَن يَهرُبوا مِن عِقابِهِ / إِلَيهِ فَإِنَّ النُصحَ في الدينِ واجِبُ
بَقيتَ فَكَم شَرَّفتَ بِاِسمِكَ مِنبِراً / وَكَم نالَ مِن فَخرٍ بِذِكرِكَ خاطِبُ
أَياديكَ عَينٌ تَستَهِلُّ بِعَينِ
أَياديكَ عَينٌ تَستَهِلُّ بِعَينِ / وَفَضلكَ شَمسٌ لا تُصَدُّ بِغَينِ
وَمَنُّكَ صَفوٌ لا يُشابُ بِمِنَّةٍ / وَمَدحُكَ صِدقٌ لا يُعابُ بِمَينِ
إِذا قَصُرَت أَيدي الوَرى عَن فَضيلَةٍ / تَناوَلتَ أَعلاها بِطولِ يَدَينِ
وَلَو أَنَّ أَهلَ العَصرِ أَلقَوا أُمورَهُم / إِلَيكَ لِأَلفَوا سيرَةَ العُمَرَينِ
جَوادٌ وَكَفُّ السُحبِ بِالغَيثِ باخِلٌ / وَقورٌ إِذا خَفَّت جِبالُ حُنَينِ
تَتَبَّعَتِ الحَسّادُ جلَّ خِصالِهِ / فَأَعياهُمُ فيها تَطَلُّبُ شَينِ
بَعَثتُ فَريدَ الدُرِ وَالشَوقُ قَد هَفا / بِقَلبِيَ وَاِستَغشى الفُؤادَ بِرَينِ
وَقَلَّدتني مِن جَوهَرِ الفَضلِ خالِداً / وَيَفنى الَّذي مِن عَسجَدٍ وَلُجَينِ
كَأَنَّ النَوى إِذ نادَتِ الدَمعَ رَخَّمَت / فَلا أَثَرٌ فيها أَجابَ لِعَينِ
حَنينٌ إِلى الأَوطانِ لَيسَ يَزولُ
حَنينٌ إِلى الأَوطانِ لَيسَ يَزولُ / وَقَلبٌ عَنِ الأَشواقِ لَيسَ يَحولُ
أَبيتُ وَأَسرابُ النُجومِ كَأَنَّها / قُفولٌ تَهادى إِثرَهُنَّ قُفولُ
أُراقِبُها في اللَيلِ مِن كُلِّ مَطلَعٍ / كَأَنّي بِرَعيِ السائِراتِ كَفيلُ
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ نَأى عَنهُ صُبحُهُ / فَلَيسَ لَهُ فَجرٌ إِلَيهِ يَؤولُ
أَما لِعُقودِ النجمِ فيهِ تَصَرُّمٌ / أَما لِخضابِ اللَيلِ فيهِ نُصولُ
كَأَنَّ الثُرَيّا غُرَّةٌ وَهوَ أَدهَمٌ / لَهُ مِن وَميضِ الشِعريينِ حَجولُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً / وَظِلُّكَ يا مَقرى عَلِيَّ ظَليلُ
وَهَل أَرَيني بَعدَما شَطَتِ النَوى / وَلي في رُبى رَوضٍ هُناكَ مَقيلُ
دِمَشقُ فَبي شَوقٌ إِلَيها مُبَرَّحٌ / وَإِن لَجَّ واشٍ أَو أَلَحَّ عَذولُ
دِيارٌ بِها الحَصباءُ دُرٌ وَتُربها / عَبيرٌ وَأَنفاسُ الشَمالِ شَمولُ
تَسَلسلَ فيها ماؤُها وَهوَ مُطلقٌ / وَصَحَّ نَسيمُ الرَوضِ وَهوَ عَليلُ
فَيا حَبَّذا الرَوضُ الَّذي دونَ عزَّتا / سُحَيراً إِذا هَبت عَلَيهِ قَبولُ
وَيا حَبَّذا الوادي إِذا ما تَدَفَّقَت / جَداوِلُ باناسٍ إِلَيهِ تَسيلُ
وَفي كَبِدي مِن قاسِيونَ حَزازَةٌ / تَزولُ رَواسيهِ وَلَيسَ تَزولُ
إِذا لاحَ بَرقٌ مِن سَنير تَدافَقَت / لِسُحبِ جُفوني في الخُدودِ سُيولُ
فَلِلَّهِ أَيّامي وَغُصنُ الصِبا بِها / وَريقٌ وَإِذ وَجهُ الزَمانِ صَقيلُ
هِيَ الغَرَضُ الأَقصى وَإِن لَم يَكُن بِها / صَديقٌ وَلَم يُصفِ الوِداد خَليلُ
وَكَم قائِلٍ في الأَرضِ لِلحُرِّ مَذهَبٌ / إِذا جارَ دَهرٌ وَاِستَحالَ مَلولُ
وَما نافِعي أَنَّ المِياهَ سَوائِحٌ / عِذابٌ وَلَم يُنقع بِهنَّ غَليلُ
فَقَدتُ الصِبا وَالأَهلَ وَالدارَ وَالهَوى / فَلِلَّهِ صَبري إِنَّهُ لَجَميلُ
وَوَاللَهِ ما فارَقتُها عِن مَلالَةٍ / سِوايَ عَنِ العَهدِ القَديمِ يَحولُ
وَلَكِن أَبَت أَن تَحمِلَ الضَيمَ هِمَّتي / وَنَفسٌ لَها فَوقَ السِماكِ حُلولُ
فَإِنَّ الفَتى يَلقى المَنايا مُكَرَّماً / وَيَكرَهُ طولَ العُمرِ وَهوَ ذَليلُ
تعافُ الوُرودَ الحائِماتُ مَع القَذى / وَلِلقَيظِ في أَكبادِهِنَّ صَليلُ
كَذلِكَ أَلقى اِبنُ الأَشَجِّ بِنَفسِهِ / وَلَم يَرضَ عمراً في الإِسارِ يَطولُ
سَأَلثُمُ إِن وافيتُها ذلِكَ الثَرى / وَهَيهاتَ حالَت دونَ ذاكَ حُؤولُ
وَمُلتَطِمُ الأَمواجِ جَونٌ كَأَنَّهُ / دُجى اللَيلِ نائي الشاطِئَينِ مَهولُ
يُعانِدُني صَرفُ الزَمانِ كَأَنَّما / عَلَيَّ لِأَحداثِ الزَمانِ ذُحولُ
عَلى أَنَّني وَالحَمدُ لِلَّهِ لَم أَزَل / أَصولُ عَلى أَحداثِهِ وَأَطولُ
أَيَعثُرُ بي دَهري عَلى ما يَسوءُني / وَلي في ذَرا المُلكِ العَزيزِ مَقيلُ
وَكَيفَ أَخافُ الفَقرَ أَو أُحرمُ الغِنى / وَرَأيُ ظَهيرِ الدينِ فِيَّ جَميلُ
مِنَ القَومِ أَمّا أَحنَفٌ فَمُسفَّهٌ / لَدَيهِم وَأَمّا حاتِمٌ فَبَخيلُ
فَتى المَجدِ أَما جارُهُ فَمُمَنَّعٌ / عَزيزٌ وَأَمّا ضدُّهُ فَذَليلُ
وَأَمّا عَطايا كَفِّهِ فَسَوابِغٌ / عِذابٌ وَأَمّا ظِلُّهُ فَظَليلُ
أَهاجَكَ شَوقٌ أَم سَنا بارِقٍ نَجدي
أَهاجَكَ شَوقٌ أَم سَنا بارِقٍ نَجدي / يُضيءُ سَناهُ ما تُجِنُّ مِنَ الوَجدِ
تَعَرَّضَ وَهناً وَالنُجومُ كَأَنَّها / مَصابيحُ رُهبانٍ تُشَبُّ عَلى بُعدِ
حَنَنتُ إِلَيهِ بَعدَما نامَ صُحبَتي / حَنينَ العِشارِ الحائِماتِ إِلى الوَردِ
يُذَكِّرُني عَصراً تَقَضّى عَلى الحِمى / وَأَيّامَنا في أَيمنِ العَلَمِ الفَردِ
وَإِذ أُمُّ عَمروٍ كَالغَزالَةِ تَرتَعي / بِوادي الخُزامى روضَ ذاتِ ثَرىً جعدِ
غُلامِيَّةُ التَخطيطِ ريمِيَّةُ الطُلى / كَثيبِيَّةُ الأَردافِ خوطِيَّةُ القَدِّ
حَفِظتُ لَها العَهدَ الَّذي ما أَضاعَهُ / صُدودٌ وَلا أَلوى بِهِ قِدَمُ العَهدِ
أَلا يا نَسيمَ الريحِ مِن تَلِ راهِطٍ / وَرَوضِ الحِمى كَيفَ اِهتَدَيتَ إِلى الهِندِ
تَسدَيتنا وَالبَحرُ دونَكَ مَعرِض / وَبيدٌ تَحاماها جَوازي المَها الرُبدِ
فَأَصبَحَ طِيبُ الهِندِ يَخفى مَكانُهُ / حَياءً وَلا يَبدو شَذا العَنبَرِ الوَردِ
أَأَهلُ الحِمى خَصوكَ مِنهُم بِنَفحَةٍ / فَأَصبَحتَ مُعتَلَّ الصَّبا عطرَ البُردِ
لَئِن جَمَعَت بَيني وَبَينَهُمُ النوى / فَأَيُّ يَدٍ مَشكورَةٍ لِلنَوى عِندي
فَما زالَتِ الأَيّامُ تُمهي شِفارَها / وَتَشحَذُ حَتّى اِستَأصَلَت كُلَّ ما عِندي
فَأَقبَلتُ أَجتابُ البِلادَ كَأَنَّني / قَذىً حالَ دونَ النَومِ في أَعيُنٍ رُمدِ
فَلَم يَبقَ حَزنٌ ما تَوَقَّلتُ متنَهُ / وَلَم يَبقَ سَهلٌ ما جَرَرتُ بِهِ بُردي
أَكِدُّ وَيُكدي الدَهرُ في كُلِّ مَطلَبٍ / فَيا بُؤسَ حَظّي كَم أَكِدُّ وَكَم يُكدي
طَريدُ زَمانٍ لَم يَجِد لِصُروفِهِ / بِغَيرِ ذَرا البابِ العَزيزِيِّ مِن وِردِ
فَلَمّا اِستَقَرَّت في ذَراهُ بِيَ النَوى / وَأَلقَت عَصاها بَينَ مُزدَحَمِ الوَفدِ
تَنصلَ دَهري وَاِستَراحَت مِنَ الوَجى / قَلوصي وَنامَت مُقلَتي وَعَلا جَدي
رَعى اللَهُ قَوماً في دِمَشقَ أَعزَّةً
رَعى اللَهُ قَوماً في دِمَشقَ أَعزَّةً / عَلَيَّ وَإِن لَم يَحفَظوا عَهدَ مَن ظَعَن
أَحِبَّةَ قَلبي في الدُنُوِّ وَفي النَوي / وَأَقصى أَماني النَفسِ في السِرِّ وَالعَلَن
أُناساً أَعدُ الغَدرَ مِنهُم بِذِمَّتي / وَفاءً وَأَلقى كُلَّ ما ساءَني حَسَن
وَكَم فَوَّقوا نَحوي سِهاماً عَلى النَوى / فَأَصمت فُؤادي وَاِعتَدَدتُ بِها مِنَن
وَقَد وَعَدتني النَفسُ عَنهُم بِسَلوَةٍ / وَلَكِن إِذا ما قُمتُ في الحَشرِ بِالكَفَن
يُذَكِّرُني البَرقُ الشَآمِيُّ إِن خَفا / زَماني بِكُم يا حَبَّذا ذَلِكَ الزَمَن
وَيا حَبَّذا الهضبُ الَّذي دونَ عزَّتا / إِذا ما بَدا وَالثَلجُ قَد عَمَّمَ القُنَن
أَأَحبابَنا لا أَسأَلُ الطَيفَ زَورَةً / وَهَيهاتَ أَينَ الديلَمياتُ مِن عَدَن
وَهَبكُم سَمحتُم وَالظُنونُ كَواذِبٌ / بِطَيفِكُمُ أَينَ الجُفونُ مِن الوَسَن
وَكَم قيلَ لي في ساحَةِ الأَرضِ مَذهَبٌ / وَعَن وَطَنٍ لِلنَفسِ مَيلٌ إِلى وَطَن
وَهَل نافِعي أَنَّ البِلادَ كَثيرَةٌ / أَطوفُ بِها وَالقَلبُ بِالشامِ مُرتَهَن
وَما كُنتُ بِالراضي بِصَنعاءَ مَنزِلاً / وَلَو نلتُ مِن غُمدانَ ملكَ ابنِ ذي يَزَن
عَسى عطفَةٌ بَدرِيَّةٌ تَعكِسُ النَوى / فَأَلفى قَريرَ العَينِ بِالأَهلِ وَالوَطَن
لِطَيفِكُمُ عِندي يَدٌ لا أضيعُها
لِطَيفِكُمُ عِندي يَدٌ لا أضيعُها / سَأَشكُرُها شُكرَ الرِياضِ يَدَ القَطرِ
تَجَشَّمَ أَهوالَ السُرى لا يَصدُهُ / مَهيبٌ وَلا يَرتاعُ مِن موحِشٍ قفرِ
بِأَرضٍ يُحارُ الرَكبُ في فَلَواتِها / عَلى أَنَّ هادي القَومِ فيها القَطا الكَدري
رَعى اللَهُ أَيّاماً تَقَضَّت بِقُربِكُم / وَعَصرَ الصِبى يا حَبَّذا ذاكَ مِن عَصرِ
فَسائِرُ أَيّامي لَدَيكُم مَواسِمٌ / وَكُلُّ اللَيالي عِندَكُم لَيلَةُ القَدرِ
ذَراها إِذا رامَت مَعاجاً إِلى الحِمى
ذَراها إِذا رامَت مَعاجاً إِلى الحِمى / فَقَد هاجَ مِنها البَرقُ داءً مُكَتَّما
أَضاءَ لَنا مِن جانِبِ الغَورِ لامِعٌ / يَلوحُ بِوادٍ بِالدُجُنَّةِ قَد طَما
فَذَكَّرَني إيماضُهُ كُلَّما خَفا / زَماناً مَضى رَغداً وَعَصراً تَصَرَّما
وَأَيّامَ دَوحِ الغوطَتَينِ وَظِلَّها ال / ظَليلَ إِذا صامَ الهَجيرُ وَصَمَّما
وَرَوضاً إِذا ما الريحُ فيهِ تَنَسَّمَت / سُحَيراً تخالُ المَندَلَ الرطبَ أُضرِما
سَقى اللَهُ ذاكَ الرَوضَ عَنّي مُدَلَّحاً / مِنَ السُحبِ موشيَّ الجَوانِبِ أَسحما
فَكَم قَد قَصُرتُ اللَيلَ فيهِ بِزائِرٍ / تَجَشَّمَ أَهوالَ السُرى وَتَهَجَّما
يُخالِسُ عَينَ الكاشِحينَ وَمَن يَخَف / عُيونَ العِدى يَركَب مِنَ اللَيلِ أَدهما
وَكَأسٍ حَباها بِالحَبابِ مِزاجُها / فَأَلقى عَلَيها المَزجُ عِقداً مُنَظَّما
كُمَيتٍ إِذا ما نلتُ مِنها ثَلاثَةً / رَأَيتُ السَما كَالأَرضِ وَالأَرضَ كَالسَما
وَغَشّى عَلى عَينَيَّ مِنها غِشاوَةٌ / فَلا أَنظُرُ الأَشياءَ إِلّا تَوَهُّما
وَأَهيَفَ عسالِ القوامِ كَأَنَّهُ / قَضيبٌ عَلى دِعصٍ مِنَ الرَملِ قَد نَما
تَحَمَّلَ في أَعلاهُ شَمساً أَظَلَّها / بِلَيلٍ وَأَبدى مِن ثَناياهُ أَنجُما
وَما كانَ يَدري ما الصُدودُ وَإِنَّما / تَصَدّى لَهُ الواشونَ حَتّى تَعَلَّما
فَأَصبَحَ غَيري يَجتَني شَهدَ ريقِهِ / شَهِيّاً وَأَجني من تَجَنّيهِ عَلقَما
وَخافَ عَلى الوَردِ الَّذي غَرسَ الحَيا / بِوَجنَتِهِ مِن أَن يُنالَ وَيُلثَما
فَسلَّ عَلَيهِ مُرهَفاً مِن جُفونِهِ / وَأَرسَلَ فيهِ مِن عَذاريهِ أَرقما
أُعَظِّمُهُ مِمّا أَرى مِن جَمالِهِ / كَما عَظَّمَ القِسيسُ عيسى بنَ مَريَما
حَلَفتُ بِرَبِّ الراقِصاتِ إِلى مِنىً / وَمَن فَرضَ السَبعَ الجِمارَ وَمَن رَمى
لَما أَرِ جاتُ الروضِ جاءَت بِها الصَبا / سُحَيراً وَلا الماءُ الزُلالُ عَلى الظَما
وَلا فَرحَةُ الإِثراءِ مِن بَعدِ فاقَةٍ / عَلى قَلبِ مَن نالَ في الدَهرِ مَغنَما
بِأَحسَنَ وَجهاً مِن حَبيبي مُقَطَّباً / فَكَيفَ إِذا عايَنتَهُ مُتَبَسِّما
أَلا خَبَّروني عَن حِمى تَلِ راهِطٍ
أَلا خَبَّروني عَن حِمى تَلِ راهِطٍ / يَلَذُّ بِهِ سَمعي وَإِن فاتَني النَظَر
وَقُصّا أَحاديثَ المُصَلّى وَأَهلِهِ / عَلَيَّ فَما لي في سِوى ذاكَ مِن وَطَن
لَقَد طالَ عَهدي بِالمُصَلّى فَلَيتَني / رَأَيتُ المُصَلّى أَو سَمِعتُ لَهُ خَبَر
وَما حائِماتٌ تَمَّ في الصَيفِ ظَمؤُها
وَما حائِماتٌ تَمَّ في الصَيفِ ظَمؤُها / فَجاءَت وَلِلرَمضاءِ غَليُ المَراجِلِ
فَلَمّا رَأَينَ الماءَ عَذباً وَأَقبَلَت / عَلَيهِ رَأَينَ المَوتَ دونَ المَناهِلِ
فَعادَت وَلَم تَنقَع غَليلاً وَقَد طَوَت / حَشاها عَلى سمِّ الأَفاعي القَواتِلِ
بِأَكثَرَ مِن شَوقي إِلَيكَ وَلَوعَتي / عَلَيكَ وَإِن لَم أَحظَ مِنكَ بِطائِلِ
أَإِن حَنَّ مُشتاقٌ فَفاضَت دُموعُهُ
أَإِن حَنَّ مُشتاقٌ فَفاضَت دُموعُهُ / غَدَت عُذَّلٌ شَتّى حَوالَيهِ تَعكُفُ
وَما زالَ في الناسِ المَوَدَّةُ وَالوَفا / فَما لي عَلى حِفظِ العُهودِ أُعَنَّفُ
نَعَم إِنَّني صَبٌّ مَتى لاحَ بارِقٌ / مِنَ الغَربِ لا تَنفَكُّ عَينيَ تَذرِفُ
وَما قيلَ قَد وافى مِنَ الشامِ مُخبِرٌ / عَنِ القَومِ إِلّا أَقبَلَ القَلبُ يَرجفُ
وَأُعرِضُ عَن تَسآلِهِ عَنكَ خيفَةً / إِذا خَفَّ كُلٌّ نَحوَهُ يَتَعَرَّفُ
فَكَيفَ اِحتِيالي بِاللَيالي وَصَرفُها / بِضِدِّ مُرادي دائِماً يَتَصَرَّفُ
أُحاوِلُ أَن أَمشي إِلى الغَربِ راجِلاً / وَأَحداثُها بي في فَمِ الشَرقِ تَقذِفُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل تَبيتُ مُغِذَّةً
أَلا لَيتَ شِعري هَل تَبيتُ مُغِذَّةً / ركابِيَ ما بَينَ النَعائِمِ وَالنسرِ
تُجاذِبُ ما بَينَ المَناظِرِ ناظِراً / مُريعاً وَتَتلو مَغرِبَ الطائِرِ النسرِ
وَتَرتَعُ مِن رَوضِ الحِمى في مَراتِعٍ / أَرَيت بِها الفَرغَينِ في مُطفيءِ الجَمرِ
وَلازَمَها سَعدُ السُعودِ وَصَحبُهُ / إِلى أَن تَلاقى الضَبُّ وَالنونُ في وَكرِ
وَأَهدى لَها الوَسمِيُّ سَبعاً وَسَبعَةً / طُلوع الزُبانى قَبل ذاكَ مَع الفَجرِ
فَما بَسَطت كَفُّ الخَضيبِ بِنانَها / عَلى الأَرضِ إِلّا وَهيَ مَوشِيَّةُ الأُزرِ
فَلا حَبراتُ العصبِ مِن نَسجِ حِميَرٍ / حَكَتها وَلا ما وَشَّعَ القبطُ في مِصرِ
أَبعدَ مُقامي في دَباوَندِ أَبتَغي
أَبعدَ مُقامي في دَباوَندِ أَبتَغي / دِمَشقَ لَقَد حاوَلتُ عَنقاءَ مُغرِبِ
وَما قَبَضَت كَفُّ الخَضيبِ عَلى يَدي / وَلا حَطَّ فَوقَ الطائِرِ النسرِ مَركبي
فَيا حَبَّذا قَومٌ هُناكَ وَحَبَّذا / مِنَ الأَرضِ غَربِيُّ الحَدالى وَغُرَّبِ
لَئِن أَشرَفَت بي في الشَآمِ ثَنيَةٌ / أَرى كَوكَباً مِن فَوقِها مِثل كَوكَبِ
وَلاحَ سَنيرٌ عَن يَميني كَأَنَّهُ / سَنامٌ رَعيبٌ فَوقَ غارِبِ مُصعَبِ
وَلاحَت جِبالُ الثَلجِ زُهراً كَأَنَّها / ضِياءُ صَباحٍ أَو مَفارِقُ أَشيَبِ
وَشامَت قَلوصي مِن حِمى تل راهِطٍ / رِياضاً حَكَت وَشيَ اليَماني المُعَصَّبِ
وَسَرَّحتُها في ظِلِّ أَحوى تَدَفَّقَت / بِأَرجائِهِ الأَمواهُ مِن كُلِّ مَشرَبِ
إِذا ضاعَ رَيّاهُ أَذاعَت طُيورُهُ ال / حَديثَ فَتَغني عَن قِيانٍ وَمشحبِ
لِعزَّةَ دَفرٌ حينَ توقَدُ نارُها / لَدَيهِ وَمِتفالٌ بِهِ أُم جُندَبِ
غَفَرتُ لِدَهري ما جَنى مِن ذُنوبِهِ / وَأَصبَحتُ راضي القَلبِ عَن كُلِّ مُذنِبِ
أَحِنُّ إِلى قَومٍ هُناكَ أَعِزَّةٍ / عَلَيَّ وَقَومٍ في عِراصِ المُقَطَّبِ
أَأَرجو وَقَد حاوَلتُ في الهِندِ عَودَةً / إِلَيهِم لَقَد حاوَلتُ أَطماعَ أَشعَبِ
دَعَت في أَعالي الصُغدِ يَوماً حَمامَةٌ
دَعَت في أَعالي الصُغدِ يَوماً حَمامَةٌ / عَلى فَنَنٍ في ظِلِّ رَيانَ كَاليَمِّ
فَهاجَت مَشوقاً وَاِستَفَزَّت مُتَيَّماً / وَأَبكَت غَريباً وَاِستَخَفَّت أَخا حلمِ
تَحِيَّةُ مُشتاقٍ بَعيدٍ مزارُهُ
تَحِيَّةُ مُشتاقٍ بَعيدٍ مزارُهُ / أَبى شَوقُهُ أَن يَستَقِرَّ قَرارُهُ
إِذا نَفحَةٌ مَرَّت بِهِ قاهِرِيَّةٌ / ذَكَت في الحَشا بَينَ الجَوانِحِ نارُهُ
وَما شامَ مِن أَعلا المُقَطَّمِ جفنُهُ / سَنا بارِقٍ إِلّا تَوالَت قُطارُهُ
حَديثُ صِقالِ الخَدِّ لَم يَذوِ وَردُهُ / وَلا دبَّ كَالريحانِ فيهِ عِذارُهُ
إِذا زادَهُ جَنياً وَشَماً مُتَيَّمٌ / ذَكا وَردُ خَدَّيهِ وَزادَ اِحمِرارُهُ
ضَمانٌ على عَينَيهِ إِن طاشَ سَهمُهُ / إِذا ما رَمى أَن لا يَطيشَ اِحوِرارُهُ
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ ما القَومُ قَومُهُ / إِذا غابَ مَن يَهوى وَلا الدارُ دارُهُ
فَإِن أَنتُما لَم تُسعِداني عَلى الهَوى / ذَراني وَشَوقي عَزَّهُ لي وَعارُهُ
أَحِنُّ إِلى مِصرٍ وَيا لَيتَ أَنَّ لي / إِذا ذُكِرَت مِصرٌ جَناحاً أُعارُهُ
فَآوي إِلى ظِلٍّ ظَليلٍ وَنائِلٍ / جَزيلٍ وَملكٍ حالفَ العِزَّ جارُهُ
كَأَنيَ مِن أَخبارِ إِنَّ وَلَم يُجِز
كَأَنيَ مِن أَخبارِ إِنَّ وَلَم يُجِز / لَهُ أَحَدٌ في النَحوِ أَن يَتَقَدَّما
عَسى حَرفُ جَرٍّ مِن نَداكَ يَجُرُّني / إِلَيكَ فَأضحي مِن زَماني مُسَلَّما
أَقِلني عِثاري وَاِحتَسِبها صَنيعَةً
أَقِلني عِثاري وَاِحتَسِبها صَنيعَةً / يَكونُ بِرُحماها لَكَ اللَهُ جازِيا
كَفى حزناً أَن لَستَ تَرضى وَلا أَرى / فَتىً راضِياً عَنّي وَلا اللَهَ راضِيا
وَلَستُ أُرَجّي بَعدَ سَبعينَ حِجَّةً / حَياةً وَقَد لاقَيتُ فيها الدَواهِيا
وَلا بُدَّ أَن أَلقى الرَدى مِن مُصَمِّمٍ / فَكَم يَتَوَقّى مَن تَخَطّى الأَفاعِيا