المجموع : 79
أبا حسن كدرت ماء صفائي
أبا حسن كدرت ماء صفائي / وعاملتني عن صحبتي بجفاء
وأوضحت لي نهج العقوق وإنما / نهتني عنه نخوتي ووفائي
مدحتك لا أبغي ثواباً وإنما / لحرمة ود بيننا وإخاء
ولو كنت غير الله أرجو لحاجة / لطمت بكف اليأس وجه رجاتي
فناديت بي بين الورى وأريتني / بصورة شحاذ من الشعراء
ثواب أتى كرهاً بغير إرادتي / فنكس راياتي وسفه رائي
خفضت لواء الحمد من بعد رفعه / وحلت بنان العتب عقد ولائي
وكسلت عزمي فيك بعد نشاطه / فأصبحت أثني من عنان ثنائي
وما كنت آبى الدرهم الفرد لو أتى / إلى منزلي في سترة وخفاء
ولم يتحدث بيننا كل خامل / أشرف من مقداره بهجائي
تبسم في ليل الشباب مشيب
تبسم في ليل الشباب مشيب / فأصبح برد الهم وهو قشيب
وأنكرت ما قد كنتما تعرفانه / وقد يحضر الرشد الفتي ويغيب
ومن شارف الخمسين عاماً فإنه / وإن عاش بني الأهل فهو غريب
وما أبقت الدنيا علينا وإنما / سهام المنايا مخطئ ومصيب
على أن أنفاس الحياة شهية / وأرواحنا تغنى بها وتذوب
تجرعنا الأيام كأساً مريرة / وظاهرها يحلو لنا ويطيب
ونزري عليها جاهدين بألسن / تخالفها بالاعتقاد قلوب
كأن عقول الخلق سرب حمام / تحوم على أحواضها وتلوب
وكم ضاع تدبير الفتى وهو حازم / ومالت به الآمال وهو لبيب
وكم غره منها سراب بقيعة / تصدقه العينان وهو كذوب
ومن عاش في ظل القناعة لم يبل / جفاه عدو أو جفاه حبيب
خليلي قولا لليالي نيابة / ومازال خل المرء عنه ينوب
تغير بعد الصالح العيش فاغتدت / محاسن أيامي وهن عيوب
رضيت رضى المغلوب عن أخذ ثأره / ولي غضب في النائبات أديب
دعوتكم أن تصفوا من نفوسكم / فهل منكم عند الدعاء مجيب
وإلا فما عندي سوى الصبر قدرة / ألا إن صبر الصابرين قريب
وغيضت من زهر الدموع طوالعاً / لها في غروب المقلتين غروب
أيجدب خدي من ربيع مدامعي / وربعي من نعمى يديه خصيب
وتذهب عني لوعة الحزن والأسى / ولي جيئة في رزقه وذهوب
وأقصرت من ندبي له كل ساعة / وفي كبدي الحرى عليه ندوب
أينسى وفي العينين صورة وجه / ه الكريم وعهد الانتقال قريب
أراني إن حاولت نظم قصيدة / فلي غزل من ذكره ونسيب
يميل بي التشبيب نحو رثاته / كما مال طوعاً في القياد جنيب
وتجذبني أغراض وجدي ولوعتي / إليه وأغراض النفوس ضروب
فهل عنده أن الدخيل من الجوى / مقيم بقلبي ما أقام عسيب
وإن برقت سني لذكر حكاية / فإن فؤادي ماحييت كئيب
ولو أنصفت نعماك ما طعم الكرى / ولا باشرت لين المهاد جنوب
ولولا الحيا من دولة ناصرية / لما غفرت للنائبات ذنوب
طلعت طلوع الشمس والبدر غائب / فعفى طلوع ما جناه مغيب
وأقبلت الدنيا إليك تنصلاً / تقبل أذيال الثرى وتتوب
ولا منكر إن ثاب عازب رأيها / فقد تعزب الآراء ثم تثوب
وما زلت غفاراً لكل جريمة / تضيق باع الحلم وهو رحيب
لك الدهر عبد والملوك رعية / تعاقب قوماً تارة وتثيب
وهذا قميص لو سواك أراده / غدا وهو من ثوب الحياة سليب
وقطت بأطراف الرماح مطارف / عليه وغطت بالسيوف جيوب
أبت ذاك من أبناء زريك عصبة / صباح عدو صحبته عصيب
ملوك ترينا السلم والحرب كلما / تجلى جلوس عندهم وركوب
وأنت سنان في القناة التي هم / جميعاً أنابيب لها وكعوب
بك التأمت بعد انصداع شعوبهم / قبائل من آمالهم وشعوب
تحمل أثقال الوزارة عندهم / أغر بحد الحادثات لعوب
يرى غائب الأشياء حتى كأنما / تناجيه من فرط الذكاء غيوب
يروع قلوباً أو يروق نواظراً / بوجه كثير البشر وهو مهيب
يلين لنا طوراً ويصلب تارة / كذاك القنا يهتز وهو صليب
نهضت بهذا الأمر نهضة حازم / يسكن قلب الحزم وهو نهيب
وقام بتدبير الزمان وأهله / خبير بداء المعضلات طبيب
وسومتها ملمومة ناصرية / تكف جماح الدهر وهو شبوب
إذا شجرات الخط فيها تشاجرت / فليس لريح بينهن هبوب
يليق بك الملك العظيم لأنه / أخ لك من دون الورى ونسيب
تفرعتها من دولة صالحية / نما في العلى أصل لها وقضيب
وقد جمعت فيك السيادة كلها / وغصنك من ماء الشباب رطيب
فما شيمة للمجد إلا وقد غدا / لها منك حظ وافر ونصيب
سماحة كف لايزال نوالها / يعلم كف الغيث كيف تصوب
وهيبة بأس لو أذمت بنانها / لشرخ شباب لم يرعه مشيب
مددت بساط العدل حتى تصاحبت / بعدلك شاة في الفلاة وذيب
وباشرت أحكام المظالم حسبة / لك الله فيها بالثواب حسيب
تناهيت في الإنصاف والعدل فانتهت / عقارب من جور لهن دبيب
وساويت في ميزان عدلك بيننا / فخاف بريء واستقام مريب
وأوجبت فرض الحج بعد سقوطه / فأضحى له بعد السقوط وجوب
ويسرت قصد البيت من بعد عسرة / فضاقت بحار بالورى وسهوب
فللفلك في طامي البحار تحدر / وللعيس في بحر السراب رسوب
وكان لبيت الله في كل موسم / عويل على زواره ونحيب
ينادي ملوك الأرض شرقاً ومغرباً / ألا سامع يدعى به فيجيب
فلما أتت أيامك البيض لانقضت / وخطبتها للزمان خطوب
بذلت عن الوفد الحجيج تبرعاً / مواهب لم يسمح بهن وهوب
سبقت بها أهل العراق وغيرهم / وأنت إلى كسب الثواب وثوب
تركت بها في الأخشبين نضارة / وكان بوجه الأخشبين شحوب
وحطت به عن ذمة بن فليتة / وذمة أهل الأبطحين ذنوب
وأبقيتها وقفاً على البر خالصاً / وفي بر قوم خالص ومشوب
إذا جف عود الزرع فهي مريعة / وإن جف در الضرع فهي حلوب
وهنئت عاماً لو أعبر عبارة / غدا وهو مثلي في علاك خطيب
مقامك من فضل وفصل خطاب
مقامك من فضل وفصل خطاب / مقام هدى من سنة وكتاب
مقام له بيت النبوة منصب / ومن مستقر الوحي خير نصاب
إذا استدعنا باب رزق ورحمة / حططنا المنى منه بأوسع باب
وكل دعاء لم يشيع بذكره / فليس بمرفوع ولا بمجاب
ومن شرف الإخلاص أن وليه / يؤوب إلى طوبى وحسن مآب
محاسن مجد أعجزت كل حاسب / وفائض إحسان بغير حساب
ولما تراءت للهلال بصائر / يغطي الهوا أبصارها بضباب
وقفنا فهنأنا الصيام بعاضد / سناه مدى الأيام ليس بخاب
وأين سرار الدهر من ذي أسرة / نقيبته ليست بذات نقاب
إذا رفعوا يوم السلام حجابه / بدا لي من الإجلال خلف حجاب
يشف وراء الستر باهر نوره / كما شف بدر من وراء سحاب
ويكبر عن لفظ السلام وإنما / يحيا بتعفير ولثم تراب
وتتهم الأقوال فرط مهابة / وإن نحن لم ننطق بغير صواب
نبوة جد أحرزتها بنوة / لكم دون أعمام ودون صحاب
فما لقصي وهي منها قصية / تمالئ في ميراثكم وتحابي
فقل لرجال زاحموكم غباوة / على حقكم أو زاحموا بتغاب
سلوا آخر الأنفال من يستحقها / ففي آخر الأنفال خير جواب
أليس أولو الأرحام أولى ببعضهم / فلم تحجب القربى بغير قراب
ومذ طلعت من جانب الغرب شمسكم / أضاء بها في الأرض كل جناب
وآبت إليكم دولة علوية / أقرت علاكم عينها بإياب
وما هي إلا الرمح عاد سنانه / إليه وإلا السيف نحو قراب
وشيدت من مجد الخلافة ما وهي / بليلة محراب وليل حراب
وسجلين يأوي الأمر والنهي منهما / إلى مشرب عذب وسوط عذاب
وأطلعت فيه من بنيك كواكباً / جلوا من صدا الأيام كل خضاب
وفي كل قطر منهم لك كوكب / لكل رجيم منه رجم شهاب
وأيدك الرحمن بالكامل الذي / عمرت به الأيام بعد خراب
أمير الجيوش الحاسم الداء بعدما / مشى من أديم الملك تحت إهاب
أبي الفتح هادي كل داع إلى الهدى / بفيصل خطب أو بفضل خطاب
تضاحكه من كل ثغر فتوحه / كما أضحك الأحباب كأس حباب
وزير تمنته النوزارة أولاً / وثانية عفواً بغير طلاب
فخانته في الأولى بطانة وده / ورب حبيب في قميص حباب
وجاءته تبغي الصلح ثاني مرة / فلم يرض إلا بعد رب رقاب
وأنقذت مصراً من عدو بمثله / فلله من ظفر فللت وناب
صدمت جموع الشام والشام صدمة / أقمت بها للقوم سوق ضراب
وجندت في أجناد مصر عزائماً / مضاربها في الصخر غير نواب
تولوا عن الإفرنج فادح ثقلها / ودارت رحاهم منهم بهضاب
أقامت دروع الجند تسعين ليلة / ثياباً لهم ما بدلت بثياب
وهم بين مطروح هناك وطارح / وبين مصيب خصمه ومصاب
ومنك استفاد الجيش كل فضيلة / لأنك بحر مدهم بثغاب
ومنك لهم في كل هم ومطلب / تحمل أعباء وفيض عباب
ولما طرا كسر العمود جبرتهم / فيا طيب شهد بعد مطعم صاب
وف ينصرهم سارت بنوك مواكباً / إلى عرب الريفين فوق عراب
فوارس من آل المجير ترى لهم / سريرة غيب في ضراغم غاب
وسارت إليهم عزمة كاملية / ترد صعاب الدهر غير صعاب
فطاروا حذاراً من شجاع بن شاور / مطار عقاب لا مطار عُقاب
وغادرهم إما طريد تنوفة / سحوق وإما مغنماً لنهاب
فتى أصبحت أعمال مصر مضافة / إلى معقلي قب له وقباب
رديفك في متن الوزارة والعلى / وتاليك في صفر لها ولباب
وما لحتما في الدست إلا بدا لنا / وقار مشيب واعتزام شباب
وأحسنتما عون الإمام ونبتما / له في أمور الملك خير مناب
بقيتم فإني لا أريد زيادة / على حالتي من رفعة وثواب
هل القلب إلا مضغة تتقلب
هل القلب إلا مضغة تتقلب / له خاطر يرضى مراراً ويغضب
أم النفس إلا وهدة مطمئنة / تفيض ثغاب الهم منها وتنضب
فلا تلزمن الناس غير طباعهم / فتتعب من طول العتاب ويتعبوا
فإنك إن كشفتهم ربما انجلى / رمادهم عن جمرة لم تتلهب
فتاركهم ما تاركوك فإنهم / إلى الشر مذ كانوا من الخير أقرب
ولا تغترر منهم بحسن بشاشة / فأكثر إيماض البوارق خلب
واصغ إلى ماقلته تنتفع به / ولا تطرح نصحي فإني مجرب
فما تنكر الأيام معرفتي بها / ولا أنني أدرى بهن وأدرب
وإني لأقوام جذيل محكك / وإني لأقوام عذيق مرجب
عليم بما يرضي المروءة والتقى / خبير بما آتي وما أتجنب
حلبت أفاويق الزمان براحة / تدر بها أخلافه حين تحلب
وصاحبت هذا الدهر حتى لقد غدت / عجائبه من خبرتي تتعجب
ودوخت أقطار البلاد كأنني / إلى الريح أعزى أو إلى الخضر أنسب
وعاشرت أقواماً يزيدون كثرة / على الألف أو عد الحصى حين يحسب
فما راقني في روضهم قط مربع / ولا شافني من ودهم قط مشرب
تراني وإياهم فريقين كلنا / بما عنده من عزة النفس معجب
فعندهم دنيا وعندي فضيلة / ولاشك أن الفضل أعلى وأغلب
أناس مضى صدر من العمر عندهم / أصعد ظني فيهم وأصوب
رجوت بهم نيل الغنى فوجدته / كما قيل في الأمثال عنقاء مغرب
وكسل عزم المدح بعد نشاطه / ندى ذمه عندي من المدح أقرب
كأن القوافي حين تسعى لشكرهم / على الجمر تمشي أو على الشوك تسحب
أفوه بحق كلما رمت ذمهم / وما غير قول الحق لي قط مذهب
وأصدق إلا أن أريد مديحهم / فإني على حكم الضرورة أكذب
ولو علموا صدق المدائح فيهم / لكانت مساعيهم تهش وتطرب
ولكن دروا أن الذي جاء مادحاً / بغير الذي فيهم يسب ويثلب
ومازال هذا الأمر دأبي ودأبهم / أغالب لومي فيهم وهو أغلب
إلى أن أدالتني الليالي وأعتبت / وما خلتها بعد الإساءة تعتب
فهاجرت نحو الصالح الملك هجرة / غدت سبباً للأمن وهو المسبب
فمن مبلغ سعد العشيرة معشري / وشعباً بهم صدع النوائب يشعب
بأني قد أصبحت جاراً لأبلج / مدائحه من ريق المزن أعذب
يشجع آمال العفاة ابتسامه / وتجبه آساد الشرى حين يغضب
غفرت به ذنب الليالي التي مضت / وربتما يستوجب العفو مذنب
لئن شغفت غر القوافي بحبه / فكل امرئ يولي الجميل محبب
وإن عز مثواها وطال بقربه / فكل مكان ينبت العز طيب
وكم نبت الأوطان يوماً بأهلها / فأورثها عز الحياة التغرب
وهذا رسول الله فارق مكة / على جفوة لم ترضها فيه يثرب
ولولا فراق السيف للغمد لم يفز / له بجميل الذكر حد ومضرب
ولو لزم الطير الفلاة ووحشها / أماكنها ما صاد ناب ومخلب
وحسبي أن أصبحت جاراً لساحة / مكارمها بالوافدين ترحب
رأينا بيومي بأسه ونواله / على ضاع فيه حاتم و المهلب
إذا ما ذكرنا وقعة من حروبه / فيما يذكر الحيان بكر وتغلب
له معجزات في الشجاعة والندى / وسر عن الأبصار فيها مغيب
ترى كل رعديد الفؤاد وباخل / يصدقها ف ينفسه ويكذب
عُلى بهرت آياتها بطلائع / فهل في العُلى أيضاً نبي مقرب
تيقنت الأفرنج أنك إن ترد / دمارهم لم ينجهم منك مهرب
وخافتك إن لم تعطها الأمن منعماً / فجاءتك بالأسد الثرى تتغلب
وأهدوا رجال السلم آلة حربهم / ومن بعض ما أهدوا مجن ومقضب
وذلك فأل صادق إن عزهم / بسيفك يا سيف الهدى سوف يسلب
لك الرأي لم تلل ظباه ولم يُفل / إذا ظلت الآراء تطفو وترسب
وما شئت فاصنع راشداً في سؤالهم / فرأيك من رأي البرية أصوب
وعندك حزم لا يضيق نطاقه / وصدر من الدهناء أرخى وأرحب
أقول لمغتر بظاهر بشره / تيقظ فإن الماء يخفيه طحلب
ولا تركنن للبحر عند سكونه / وبادر فإن البحر إن هاج يعطب
وقد يبسم الضرغام وهو معبس / وقد يتلظى البرق والغيث يسكب
تباعد إذا أولاك قرباً ولم يزل / أخو الحزم من يخشى الملوك ويرهب
فلا تتصوره بصورة صاحب / فليس أبو شبلين غرثان يصحب
ولا تتسحب واثقاً بحيائه / فما ذلك إلا واثق يتسحب
مهدت لنا أكناف عز منيعة / على أنها من مرتقى النجم أعزب
وأسبلت أستار الحجاب مهابة / وذلك في بعض المواطن أهيب
ولكنك الشمس التي لا محلها / بدان ولا أنوارها قط تحجب
نراك وستر من جلالك حائل / فنحن حضور والبصائر غيب
وأكثر ما نلقاك حلماً ورحمة / إذا كان ذنب للعقوبة يوجب
قصدت ولكن فيك فضل بقية / يغالبها رأي العفاف فيغلب
تميل إذا ما كان في الأمر شبهة / إلى كل ما فيه من الله تقرب
فلا زلت للدنيا وللدين عصمة / وثغرهما من مأثراتك أشنب
أيحسب صرف الدهر أني عائبه
أيحسب صرف الدهر أني عائبه / على ما أتى من زلة وأعاتبه
وماذا عسى يجدي علي عتابه / وقد أنشبت في خلب قلبي مخالبه
مساعيك يهدي للنجاح طلابها
مساعيك يهدي للنجاح طلابها / وتحدى لإصلاح الفساد ركابها
لقد أسفرت عن غرة المجد سفرة / دنا بك من بعد الرحيل إيابها
قدمت فأقدمت الحياة لأنفس / يمنيك إن ضن السحاب سحابها
وأطلعت نور العدل في كل بلدة / جبينك إن غاب الشهاب شهابها
ترحل عنها مذ رحلت أنيسها / فبان عليها وحشها واكتئابها
وكانت رحاب الملك تشكو فراغها / فمذ أبت ضاقت بالوفود رحابها
وأضحت تحيي بالسجود كرامة / ويشفي شفه اللاثمين ترابها
ولله عزم كاملي وهيبة / نرى الدهر يرجو فضلها ويهابها
يفرق في أهل الوداد ثوابها / ويجمع في أهل العناد عقابها
وكم أمنت ثغر المخافة قبها / ولاحت به للوافدين قبابها
أفي كل يوم أنت مزج كتيبة / يسيل بها وهد الربى وشعابها
فيوماً إلى أرض الصعيد صعودها / ويوماً كما انصب الأتي انصبابها
ولما رمت بالأمس حي لواتة / أطاعك عاصيها وذلت صعابها
ولو أنها ما أعتبتك مطيعة / لكان بأطراف الوشيج عتابها
وأوطأتهم أيدي جياد متى ترد / لمعمورة كيداً أتاها خرابها
على صحف البيداء منها كتائب / سطور قناها في المصف كتابها
جياد عليها كاسمها من كماتها / فقد كرمت أعرابها وعرابها
عليها أسود تحمل الغاب من قنا / ومن عجب أن يصحب الأسد غابها
متى ما تخاصمها الخطوب فإنما / بألسنة الأغماد يتلى كتابها
لها حجب يوم الوغى من مثارها / وأبوابها في السلم سهل حجابها
إذا غضب الإسلام أرضاه بأسها / وما رضي الإسلام لولا غضابها
شفى غلة الدنيا شجاع بن شاور / إلى أن تجلى شكها وارتيابها
ولاذت بعطفيها المنيعين دولة / به عاد من بعد المشيب شبابها
تتيه بيوميه سماحاً ونجدة / ويزهو به محرابها وحرابها
وبالجانب الغربي جردت عزمة / يفل بها ظفر الأعادي ونابها
إذا ما بغتها همة كاملية / فقد ولغت بالأسد فيها ذئابها
هم فتحوها ثلمة في عصا العلى / ولولاك في شعبان ظل انشعابها
دعيت لها لما دعت آل شاور / فما شعرت إلا وأنت جوابها
فتحت على الهادي أبي الفتح بالظبى / وبالرأي قطريها وقد سد بابها
وسكنتها والسيف في الجفن نائم / ولولا حذار الضرب دام اضطرابها
تكفلتها عن حضرة شاورية / منابك عنها في الأمور منابها
ولو لم تناصب عن وزارة شاور / أعاديه لم يستقر نصابها
فلا غرو أن أفضى إليك نعيمها / وأفضى إلى شاني علاك عذابها
وأصبح مقسوماً بأمرك في الورى / ندى وردى شهد الليالي وصابها
وما نحن إلا روضة كاملية / أياديك يا رب السماح ربابها
وقد ظمئت آمالنا نحو مزنة / ذهاب القوافي أن يظن ذهابها
نعد لها الأوقات إذ كل مزنة / سواها سراب لا يرجى شرابها
وهذي قوافي الشعر يثنى عنانها / إليك وتلوى عن رحال رقابها
وما ذاك إلا أنها فيك لم تزل / تفوه بصدق لم يشبه كذابها
وهنيت عن شهر الصيام وظائفاً / من العمل المبرور يرجى ثوابها
صيام يزكيه قيام وخشية / رقيب عليها خوفها وارتقابها
وألطاف أفعال من الخير لم يثب / إلى أحد إلا إليك انتسابها
بقيت فإن الجود واليأس والعلى / قشور إذا عدت وأنت لبابها
أيا مالكاً تسمو به رتب العلى
أيا مالكاً تسمو به رتب العلى / وتعلو على زهر النجوم مراتبه
تمل بدست أنت بدر سمائه / وأبناؤك الغر الكرام كواكبه
وفي عودة الأصدى دليل سعادة / تبشر في الدنيا بما أنت طالبه
جواد أبى الله المهيمن أن يُرى / وشخص سوى بدر بن زريك راكبه
وما كنت أرضى عن علاك بذا الجفا
وما كنت أرضى عن علاك بذا الجفا / ولكنه من غاب غاب نصيبه
إذا لم يسالمك الزمان فحارب
إذا لم يسالمك الزمان فحارب / وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
إذا كان أصلي من تراب فكلها / بلادي وكل العالمين أقاربي
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما / تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد / وخرب فأر قبل ذا سد مارب
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز / عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك / يكر علينا جيشه بالعجائب
وما راعني غدر الشباب لأنني / أنست بهذا الخلق من كل صاحب
وغدر الفتى في عهده ووفائه / وغدر المواضي في نبو المضارب
إذا كان هذا الدر معدنه فمي / فصونوه عن تقبيل راحة راهب
رأيت رجالاً أصبحت في مآدب / لديك وحالي وحدها في نوادب
تأخرت لما قدمتهم علاكم / علي وتأبى الأسد سبق الثعالب
ترى أين كانوا في مواطني التي / غدوت لكم فيهن أكرم نائب
ليالي أتلو ذكركم في مواقف / حديث الورى فيها بغمز الحواجب
أنادي من الإخوان غير مجيب
أنادي من الإخوان غير مجيب / وأمدح بالأشعار غير مثيب
وأقطع أياماً تقول همومها / لأنفاس نفسي كيف شئت فذوبي
ومستخبر ما بال حالك حالكاً / فقلت سقام لم يعن بطبيب
ولا خير في أسجاع من جاع بطنه / ولو أعربت يوماً بلحن عريب
ومن ألزم الإخوان ذنب زمانه / أتى بضلال في الزمان عجيب
أكلفهم ما لا يجوز كأنما / طرحت عليهم حصرماً بزبيب
سأبكي على ابني مدتي وحياتي
سأبكي على ابني مدتي وحياتي / ويبكيه عني الشعر بعد مماتي
وأقطع أيامي عليه بلوعة / تعبر عن مكنونها عبراتي
وكل أسى دون الذي يستحقه / وليس وفاء العهد غير وفاتي
وربتما لم أبط عنه فإنني / رأيت قريباً كل ما هو آت
أتبلي المنايا مهجة ابن ذخرته / لدهري ويبلوني بخمس بنات
وكنت أرجي أن يكون محمداً / ذخيرة آمالي وكنز حياتي
فافقرني صرف الردى بذخيرتي / وبت رجائي واستباح نباتي
رحلت أبا الأضياف عني بأنسهم / فأقوت لأنسي منهم عرصاتي
فهل علمت عادات جودك أنني / عفت جنباتي من نزول عفاتي
وما عشت إلا ست عشرة حجة / سقى عهدهن الله من سنوات
وقد كنت تغري الناس بالبر والتقى / كريم الصبا ناء عن الصبوات
محمد لا تبعد فإن حشاشتي / تكدر صافيها بقرع صفاتي
ترحلت عن صدري وحجري إلى البلى / فعرس ركب الهم في حجراتي
غدت لك أعواد المناياي مطية / وليس لها حاد سوى زفراتي
أعندك أن النوم نافراً أعيناً / لها سنة لم تكتحل بسنات
وأنك لم توحش سواي من الورى / ولا وسمت بالثكل غير سماتي
وأن سرور النفس جانب جانبي / وأقسم لا يبدو على قسماتي
وأن محلاً بنت عنه تفرقت / جماعة عواد له وأساة
لقيت الردى مستبشراً غير أنه / لقاء رمى شملي بسهم شتات
رزقت ثبات الجأش لطفاً ورحمة / وطشت فلم أملك عليك ثباتي
وخاطبتني والنفس في سكراتها / خطاب امرء صاح من السكرات
بنفسي ثاو في القرافة سار عن / محل عفاة نحو دار رفات
فقير إلى الرحمن دون عبادة / غني عن الإحسان والحسنات
هجرت جميل الصبر فيه لأنني / وجدت جميل الصبر غير موات
وكنت به دون البرية واثقاً / إذا خان إخواني وقل ثقاتي
وبيتني فيه الحمام ولم أكن / على حذر من طارقات بياتي
وعهدي به يرنو إلي وطرفه / حسير وقلبي دائم الحسرات
ووا رحمتا بل حسرتا لنواظر / سرت بيننا مخذولة النظرات
ومازلت أرجوه إلى أن رأيته / على الرغم مني ساكن الحركات
فقبلت وجهاً كان لي منه قبلة / أصلي إليها من جميع جهاتي
وآليت لا أسلوه حتى أزوره / وإن قريباً كل ما هو آت
أرى ابنيْ عليٍّ ركب الله فيهما
أرى ابنيْ عليٍّ ركب الله فيهما / سجايا نفوس بينهن شتات
فهذا له في المكرمات تسرع / وهذا له في النائبات ثبات
وأحمد ينبوع المحامد والندى / إذا نضب الإحسان والحسنات
وللحسن الفضل الذي هو كاسمه / وما كل أسماء الرجال سمات
قفا فلعل الفيض من عبراته
قفا فلعل الفيض من عبراته / يبرد حر الوجد من زفراته
وميلا إلى سفح المقطم واربعا / على روضة في السفح من هضباته
ففي الروضة البيضاء قبر بربوة / يلوح سمو القدر فوق سماته
وإن أنتما لم تعرفاه فإنه / يفوح نسيم المسك من جنباته
وقولا له يا قبر بلغ سلامنا / سلمت إلى سر الندى وسراته
وقولا له يا قبر بلغ دعاءنا / إلى سمع مسرور بصوت دعاته
وأعلمه أنا كل يوم نزوره / على سابقات هن بعض هباته
وأن مواطي خلينا حول قبره / تكاد تعفيها دموع عفاته
وأن الأسى لو لم يكن في قلوبنا / عرفنا الأسى من صاهلات كماته
ألم ترها تصغي إلينا إذا جرى / حديث قراه أو حديث قراته
مؤدبة الأعطاف من طول ما رأت / وما سمعت من حلمه وأناته
تباركت مفقوداً مضى لسبيله / ونحن مدى الأيام في بركاته
نزاعي به قوماً ونرعى لأجله / فوجد رعاياه كوجد رعاته
سيبكيك عصر كنت خير ثقاته / وأيام ملك كنت أكفي كفايته
وثغر إذا أعيا على الملك سده / شددت عراه من جميع جهاته
وتبكيك بالدمع الشتيت مواطن / ضمنت بها للملك جميع شتاته
وذو لجب لما سريت تقوده / هفت عذبات النصر في عذباته
ومستوضح نهج الصبوات كفيته / برائك غربي سيفه وقناته
ومعتقد فيك الحفاظ حفظته / من الموت لما جف ريق لهاثه
ومعترك في المشتركين شهدته / فكنت برغم الشرك حامي حماته
وآخر في الإسلام فزت بحمده / وأحرزت أجري صبره وثباته
تلفت في ضيق المجال فلم يجد / سواك وفي العهد عند التفاته
وذي عثرة لو لم تقلها ولم تقل / لعاً لم يقله الدهر من عثراته
هجرت إلى حاجاته سنة الكرى / وقد خاط جفنيه بسناته
وهل يعدم التأييد فكر وخاطر / يبيت وخوف لله في خطواته
فتى كان لا يرضى بفضل صلاته / إذا لم يشيعها بفضل صلاته
تبيت الخطايا وهي عنه بحجرة / ويتلى كتاب الله في حجراته
أبا حسن يهنيك أنك لم تمت / وصدرك مطوي على حسراته
ولكن بلغت المنتهى مترقياً / ذرى شرف أعليت من شرفاته
وحلقت في جو من المجد والعلى / أسفت بغاث الطير دون بزاته
واطلعت من آفاق مجدك كوكباً / فأشرق نور منك في قسماته
أضاءت وجوه المكرمات بيوسف / وضاعت مساوي الدهر في حسناته
ولو لم تكن شمساً كنعتك لم تغب / وخلفك بدر كامل في صفاته
ولو لم تجد يا شمس بالبدر لم نقم / بما فيك من وصف الكمال وذاته
وما أنت إلا دوحة طاب غصنها / فأطلع طيب الذكر من ثمراته
وغيث ملث فارق الأرض بعدما / حلى عاطلاً من جيدها بنباته
فدى لأبي الحجاج أفراس حلبة / عواطل من أوضاحه وشياته
هو الجذع المربي على كل قارح / سبوح وما يرضي بسبق لداته
وقور فما تنزو بوادر طيشه / عليك إذا ما خفت من نزواته
أخو صلة يوم الكريهة والندى / مواقعها في ماله وعداته
جزيت علياً عن جميل وداده / ومثلي وفى للخل بعد وفاته
وخلدت فيه ما يدوم وإن أمت / فإن لسان الدهر بعض رواته
ويا أسفي أني وقفت مرثياً / لمن صانني عن مدحه في حياته
أبا حسن فات الذي كان بيننا / فمن لي يرد الأمر بعد فواته
كأني حوت الماء نش غديره / فهل شربة من ملحه أو فراته
ولاشك إلا أن همة يوسف / ستنجز ما قد كان لي من عداته
كريم المحيا لا يزال ابتسامه / يخبر بالإكرام عن مكرماته
مهيب كأن النار من لفحاته / وهوب كأن الغيث من نفحاته
أأرجو بقاء أم صفاء حياة
أأرجو بقاء أم صفاء حياة / وقد بددت شملي النوى بشتات
وقد صدعت بالبين قلبي وأضرمت / لهيباً تقويها به زفراتي
أأسلو عن ابن عزتي بتغربي / سأبكي عليه مدتي وحياتي
وأذري دماً من مقلتي بعد أدمع / تضرجه في وجنتي عبراتي
وأقطع أيامي بهم وترحة / وأبقى حزيناًَ بعده لمماتي
أتبلى الليالي خير نجل ذخرته / وتبقي لي الأيام شر بناتي
رجوت بإسماعيل ذخراً لشدتي / وعوناً على دهري لما هو آت
فخيب ظني باغتصاب ذخيرتي / زماني وأرداني بسهم شتات
طفيل عظيم النفس يصبو إلى التقى / ولم يصب للأهواء والصبوات
ترحلت إسماعيل عنا فأوحشت / منازلنا مأهولة العرصات
لئن غبت عن عيني فإنك حاضر / بقلبي كنقش في أصم صفاة
وما عشت إلا سبعة من سني الورى / سقى عهدهن الله من سنوات
وعاجلني فيك الحمام فخطمت / صروف الليالي صعدتي وقناتي
خيالك في عيني كأنك لم تزل / تطوف وتسعى في ذرى حجراتي
جعلتك في قبر وقد كنت في الحشا / مقيماً فلم أملك عليك ثباتي
لئن كنت طفلاً إن حزنك خطبه / كبير شديد معظم الخطرات
وعهدي به لما دهاه حمامه / يجاهد كرباً وهو في غمرات
ومازال يرجو نفسه ويقول لي / أيا أبتي ادن لي وآت
فأدنو إليه وهو يرنو بطرفه / يخاطبني والنفس في سكرات
إلى أن رأيت الحال أفضى إلى الفنا / وأن بني ساكن الحركات
فقبلت عينيه وقبلت وجهه / وودعته توديع بتل بتات
فوا رحمتا بل حسرتا لفراقه / ويا أسفي لو أشتفي بأساة
ويأمرني بالصبر كل مغفل / ولم يدر أن الصبر غير موات
ولا صبر لي إلا التحرق والبكا / وتصعيد أنفاس من الزفرات
وأبكي لثاو بالقرافة مودع / بدار قرار في جوار حفاة
سأبكي عليه ما ترنم طائر / وما غرد القمري على شجرات
وآليت لا أسلوه حتى يضمني / وإياه لحد في محل رفات
سلام عليه كلما هبت الصبا / وأهدي إليه أفضل الصلوات
ونهج سعت فيه إليك طرائف
ونهج سعت فيه إليك طرائف / فبرزت إذ خافت وخابت سعاته
بذلت به الدر المصون لأروع / تصدق دعوى المادحين هباته
تجنبت مطروق الكلام وهذه / سلافة ما أنشأته وابتداته
ولم أر مثل الشعر يرجو بغاثه / مطاراً بجو قد حمته بزاته
توهم قوم أنه الوزن وحده / وقد غاب عنهم سره وسراته
فذلك لون الماء في العين واحد / وما يتساوى ملحه وفراته
متى رمت منه رقة وجزالة / فإن كلامي ماؤه وصفاته
وغير بهيم الخط شعر أقوله / وأوصافكم أوضاحه وشياته
إليك أبا إسحاق عنت حويجة
إليك أبا إسحاق عنت حويجة / يؤملها صرف الزمان ويرتجي
بخلت بها عن غير سمعك طاوياً / مدارج أسماع الورى طي مدرج
وما الذهب الإبريز لوناً وقيمة / يقاس إلى لوني رصاص وبهرج
وما يممت إلا جواداً بنانه / ثبات لمرتج ومفتاح مرتج
لوت عن لقاء الباخلين عنانها / إلى ذي سماح يرتجي وجه مرتجي
وليست لها فيما تملكه إرادة / فألجم لها فيما عداه وأسرج
أيخفى صحيح الوجد والسقم لائح
أيخفى صحيح الوجد والسقم لائح / ويكتم سر الشوق والدمع بائح
جنحت إلى الواشي ولولاه ما التقى / سهادي وطرفي والجوى والجوانح
منعت الكرى لما منحتك مهجتي / وهل مانع نوماً سواي ومانح
وليلة هوّمنا بذي الطلح زارنا / خيالك وهناً والمطايا طلائع
فبت ولم أشكر سوى منة الكرى / أطرحه ذكر الهوى ويطارح
حديث الندى عما سواه مطوح / وركن الهدى ما لم يشيده طائح
يشاركه في ماله دون مجده / إذا استأثر الأملاك دان ونازح
لئن شاركوه في اسمه دون فعله / فما يستوي البحران عذب ومالح
تهب له ريحا غمام وغمة / ففي كل قطر منه ساق وسافح
على شاكر بل ماكر من سحابه / منائح إن يسخط بهن مذابح
لئن حل في دست الوزارة عادل / سما قبله فيها إلى النجم صالح
فإنك يا بدر بن زريك عنهما / لنعم المكافي للعدى والمكافح
ولما تجاوزت النهاية في العلى / ولاذت بعطفيك الملوك الجحاجح
خفضت جناحي قدرة فارسية / لهمتها طرف إلى الطرف طامح
بعزمك لاذ الملك واعتصم الهدى / وذلت صعاب الدهر وهي جوامح
نهضت بأمر الدولة النهضة التي / جزاك بها خيراً ولي وكاشح
وقام بما تحتاجه منك أروع / كفتها صفايا ماله والصفائح
ومهدت قطريها فلا منزل العلى / بناب ولا ناب النوائب كالح
وأوريت ناريها عقاباً ونائلاً / وما وريا إلا وزندك قادح
خلقت بها عزاً وكنزاً عمادها / عليه إذا اجتاحت سواها الجوائح
فما اعتلقت إلا وسيفك سابح / ولا اغتلقت إلا وسيفك فاتح
ولو لم يفح مسكاً عليك ثناؤها / لأثنت عليك الباقيات الصوالح
وغر مساع لو أردت اختصارها / غدت ألسن الأيام وهي شوارح
وجوهر أشعار تبيت عقودها / وهن على الشعري روام روامح
يغوص لها في بحر جودك خاطري / وغيري على الأصداف طاف وطافح
إذا سرحت في وصف مجدك هجرت / له وسرت فهي السواري والسوارح
وإن مسحت أعطافها بك هزها / ثناء لأقطار البسيطة ماسح
وقد يبسط الإحسان منقبض الثنا / وتبرأ من بعد القروح القرائح
وقربت مني وادعاً نازح الفنا / وكم خاب بعد الكر ساع وكادح
وأوردتها غزو الندى بعد نزره / وعند ضياء الصبح تخفى المصابح
عرائس لولا وجود بدر يصونها / لباتت بمدح الباخلين تسافح
وكيف أرجى صونها عند باخل / وقد فسدت في الأكرمين المناكح
خذ العفو واصفح عن قصور قصائدي / فإنك عن ذنب المقرين صافح
وسامح وخذ بعض الذي تستحقه / فمن عادة أن الكريم يسامح
وأسجح لها ماء البشاشة وحده / فما قصدها إلا السجايا السجائح
فكم منة أخفيتها فتكفلت / بشهرتها عنك القوافي الفصائح
وضافية الأذيال رحت أجرها / وتحتي من نعماك أجرد سابح
صحائف جود ينشر الحمد طيها / وعنوانها فوق المدائح لائح
مضى عنك صوم وهو بالبر مفرح / وقابلت فطراً قلبه بك فارح
فلا زال عيد الفطر أسعد قادم / تزورك فيه بالهناء المدائح
فما يستحق الشكر غيرك منعم / ولا يستحق البر غير مادح
إذا راح غيري بالثنا وهو خاسر / فإني بكم في متجر الحمد رابح
إلى كم أحوك الشعر في الذم والمدح
إلى كم أحوك الشعر في الذم والمدح / وأخلع برديه على المنع والمنح
وأفتح من أبوابه كل مقفل / يشن عليها خاطري غارة الفتح
ويشركني في نظمها كل ناقص / يعارض بالمصباح شارقة الصبح
يعيب دعي القوم غر قصائدي / وليس له فيه صريحي ولا صرحي
عصته زناد الشعر إذ رام قدحها / فأداه ضعف القدح عنها إلى القدح
تخلف عن شأوي فجمل نفسه / بنقد كلامي وهو من نقد السرح
فيا نابح الجوزاء من هوة الثرى / ترفق فقد أتعبت نفسك بالنبح
وابق على قرنيك من نطح صخرتي / وإلا فقد أوهيت قرنيك بالنطح
توهمت فكري مثل فكرتك التي / لها خاطر دامي القريحة والقرح
وإن أجاج القول مثل زلاله / وما يستوي عذب المذاقة بالملح
قصائد لم يقصدن إلا خليفة / وإلا وزيراً عارفاً قيمة المدح
وإلا جواداً مثل ورد تسوقها / سجاياه بالإكرام والخلق السحج
مليك ترى من حلمه وانتقامه / حياة وموتاً بالصفيحة والصفح
فتى نجحت أيامه من فعاله / بغر مساع صانهن عن الشح
فدى لك يا تاج الخلافة كل من / تعاطى ثنائي من بخيل ومن سمح
فإنك أفسدت القوافي على الورى / بجود نهاها أن تعود إلى الصلح
وقلت لها من لم يكرمك منهم / فلا تنظريه رأس مال ولا ربح
فكيف بذاك الوعد لو كان حاصلاً / فإنك مقرون المواعيد بالنجح
إذا أغمضت عمن سواك جفونها / صدوداً ولم تسمح لغيرك باللمح
هي البدر إلا أنها منه أملح
هي البدر إلا أنها منه أملح / وغرتها من غرة الصبح أصبح
منعمة تسبي العقول بصورة / إلى مثلها لب الجوانح يجنح
كأن الظباء العفر يحكين جيدها / ومقلتها في حين ترنو وتسنح
كأن اهتزاز الغصن من فوق ردفها / قضيب بأعلى رملة يترنح
تعلمت من حبي لها عزة الهوى / وقد كنت فيه قبلها أتسمح
وهيج نار الوجد والشوق قولها / أحتى إلى الجوزاء طرفك يطمح
فلا جفن إلا ماؤه ثم يسفح / ولا نار إلا زندها ثم يقدح
وما علمت أني إذا شفني الهوى / إليها بدعوى الصبر لا أتبجح
وأن اعترافي بالتأخر حيث لا / يقدمني فضل أجل وأرجح
ألم تر فضل الصالح الملك لم يدع / على الأرض من يثني عليه ويمدح
كأن مساعي جملة الخلق جملة / غدت بمساعيه الحميدة تشرح
تجمع فيه ما تفرق في الورى / على أنه أسنى وأسمى وأسمح
يرجى الندى منه فيغني ويسمح / ويخشى الردى منه فيعفو ويصفح
وقافية تجلوه غرائب فضله / فتعرب عن فصل الخطاب وتفصح
بديهته تذري بكل روية / وتبدي عوار المحسنين وتفضح
وكم بين فياض البديهة سابق / وآخر يكدي فكره حين يكدح
أأحبابنا كم تبخلون وكم نسخو
أأحبابنا كم تبخلون وكم نسخو / ببذل وداد لا يغيره نسخ
وهل منكر فعل القطيعة منكم / وما داركم إلا القطيعة والكرخ
رميتم نشاطي في الوداد بفترة / شددت بها حبل الوفاء فلا ترخو
وناقضتم في الحب فعلي بضده / فمني له عقد ومنكم له فسخ
خشنتم ولانت في هواكم معاطفي / وما يستوي يوماً قتاد ولا مرخ
لقد جرتم في دولة عادلية / تجبر في أيامها المدح والمدخ
سما قدرها فوق السماكين باذخاً / ولم يتخلج صدر مالكها البذخ
وألبسها ذخر الأئمة بهجة / لشيب الليالي في شبيبتها شرخ
تأمل تجد في دسته الفضل كله / إذا ابتسمت عن وجهه الرتب البزخ
ففي تاجه بدر وفي كفه حياً / وفي سرجه ليث وفي دسته مدخ
لك الجود كالفتخ الكواسر لم يزل / يلوح على راياتها الفتح والفتخ
تجول بأطراف الثغور جياده / كما جال في أطراف رقعته الرخ
ترى طائر النسرين أول واقع / تمر به في كل فج له فخ
وتزجي رياح النصر مزنة بأسها / فيرجى لها نفح ويخشى لها نفخ
إذا فرخت في رأس طاغ مكيدة / فصارمه في وكر هامته فرخ
وكم عنق رام الشقاق وصورة / أبادهما عن أمره المسح والمسخ
ولله في يوم الشهيد طلائع / ثباتك والأقدام موطنها زلخ
رسخت وقد خفت حلوم كثيرة / وأنتم جبال من جبلتها الرسخ
ولما رأيت الملك مال عموده / وكادت عراه أن تلين وأن ترخو
قسمت العطايا والرزايا على الورى / فباغ له رضح وباغ له رضخ
وأكدت فينا بيعة عاضدية / وذلك عقد لا يلم به الفسخ
لكم يا بني رزيك فضل مخلد / يخلده في صحف مجدكم النسخ
تبارك من أجرى المكارم فيكم / إلى أن نما فرع بها وزكا سنخ
حلوم كأمثال الرواسي شوامخ / وشم أنوف ليس من شأنها الشمخ
بكم أصبح الفسطاط داري ولم تكن / سمرقند من مثوى ركابي ولا بلخ
لك الصامت المذخور في حلبة العلى / وللمتعاطي شأوك الرزء واللطخ
فدى لك أملاك بلا مثنوية / على أوجه الأشعار من مدحهم نبخ
إذا انضخوا نزراً نفحت سماحة / وما يستوي في النائل النفخ والنضخ
وإن قنعوا بالقشر والعظم في العلى / غدا لك من أسرارها المح والمخ
مآثر في عين العدو بها قذى / وفي أذنيه من وقائعها صخ
تذوب لها الأكباد غيظاً وحسرة / بنار لها في قلب حاسدها طبخ
فمتعت الدنيا بدولتك التي / يقال لشعري حين يذكرها بخ