المجموع : 12
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا / كفرت به حتّى يشوق و يعذبا
و لا تحرميني جذوة بعد جذوة / فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا
و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه / تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا
هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة / فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا
و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي / على سرّه المكنون أن يتسرّبا
مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه / فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا
و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري / لآلامه ما كان أقسى و أغربا
و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه / و يرمقها نشوان هيمان معجبا
فما الحزن إلاّ كالجمال أحبّه / و أترفه ما كان أنأى و أصعبا
خيالك يا سمراء مرّ بغربتي / فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا
جلاك لعيني مقلتين و ناهدا / و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا
فصانك حبّي في الخيال كرامة / و همّ بما يهواه لكن تهيّبا
و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق / و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا
أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى / وحدت و لكن لم أجد منه مهربا
سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة / فيالك من طيف أراح و أتعبا
و خالط أجفاني على السّهد و الكرى / فكان إلى عيني من الجفن أقربا
شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا / و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبنا
و ناولني من أرز لبنان نفحة / فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا
و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها / فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا
و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة / أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا
وسيما من الأطفال لولاه لم أخف / _ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا
تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى / ليختار منها المترفات و يلعبا
و عندي كنوز من حنان و رحمة / نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا
يجور و بعض الجور حلو محبّب / و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا
و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا / من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا
و إن ناله سقم تمنّيت أنّني / فداء له كنت السقيم المعذّبا
و يوجز فيما يشتهي و كأنّه / بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا
يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا / و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا
كزغب القطا لو أنّه راح صاديا / سكبت له عيني و قلبي ليشربا
و أوثر أن يروى و يشبع ناعما / و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا
و ألثم في داج من الخطب ثغره / فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا
ينام على أشواف قلبي بمهده / حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا
و أسدل أجفاني غطاء يظلّه / و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا
و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا / و أرغب تحنانا عليه و أرهبا
فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي / كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا
تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه / زمان فراخى من جماح و أصحبا
تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا / فدلّلته جدّا و أرضيته أبا
و تخفق في قلبي قلوب عديدة / لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا
و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها / أفض بركات السلم شرقا و مغربا
و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن / كفورا و أحببه و إن كان مذنبا
و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها / إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم / و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا
و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى / و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا
و هيّئ له في كلّ قلب صبابة / و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا
و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ / رددت محيل القلب ريّان مخصبا
و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره / أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا
صليب على غمز الخطوب و عسفها / و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا
و لي صاحب أعقيته من موّدتي / و ما كان مجنون الغرور ليصحبا
غريبان لكنّي وفي و ما وفى / و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا
و با ربّ هذي مهجتي و جراحها / سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا
فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي / و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا
و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن / خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا
و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا / فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا
و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني / سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا
ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة / و أشرف من عليائه و ترقّبا
فأرخيت آلاف الستور كأنّني / أمدّ على حال من النّور غيهبا
فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى / على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا
و قد تبهر الأحزان و هي سوافر / و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا
و يا ربّ : درب الحياة سلكته / و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا
و لي وطن أكبرته عن ملامة / و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا
و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي / أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا
تنكّر لي عند المشيب و لا قلى / فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا
و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا / و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا
و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني / رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا
يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم / و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا
و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي / ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا
و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى / و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا
و أعشق برق الشام إن كان ممطرا / حنونا بسقياه و إن كان خلّبا
و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا / سنابله نشوى و أهواه مجدبا
مآرب لي في الرّبوتين و دمّر / فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا
سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا / مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا
و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما / تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا
و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه / على القبر من قلبي أريق و ذوّبا
و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه / وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا
و نضّر في حوران سهلا و شاهقا / و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا
و جلجل في أرض الجزيرة صيّب / يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا
سحائب من شرق و غرب يلمّها / من الريح راع أهوج العنف مفضبا
له البرق سوط لا تندّ غمامة / لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا
يؤلفها حينا و تطفر جفّلا / و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا
أنخن على طول السماء و عرضها / يزاحم منها المنكب الضخم منكبا
فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه / من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا
تبرّج للصحراء قبل انسكابه / فلو كان للصحراء ريق تحلّبا
و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا / و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا
و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا / و أن تتملاّه و أن تترقّبا
كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا / قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا
و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها / إليه انثنى عن دربها و تجنّبا
تعدّ ليالي هجره و سجيّة / بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا
و يبده بالسقيا على غير موعد / فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا
كذلك لطف الله في كلّ محنة / و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا
إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت / لتحسد من أترابها أو لتخطبا
و مرّت على سمر الخيام غمامة / تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا
نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا / وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا
حبت كلّ ذي روح كريم عطائها / فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا
و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت / و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا
و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا / إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا
عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا / ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا
و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها / سماء و أغناها و رشّ و كوكبا
و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا / لترضع حملانا جياعا و تحلبا
و حرّك في البيد الحياة و سرّها / فما هامد في البيد إلا توثّبا
و لا عب في حال من الرّمل ربربا / و ضاحك في غال من الوشي ربربا
و جمّع ألوان الضياء و رشّها / فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا
و أخضر بين الأيك و البحر حائرا / و أبيض بالوهج السماوي مشربا
و لونا من السّمراء صيغت فتونه / بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا
أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت / لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى
ألمّ بكفي النجوم و أنتقي / مزرّرها في باقتي و المعصّبا
دياري و أهلي بارك الله فيهما / و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا
و أقسم أنّي ما سألت بحبّها / جزاء و لا أغليت جاها و منصبا
و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى / فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا
تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل / فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا
و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا / و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا
تحمّل جرحا داميا في فؤاده / و غنّى على نأي فأشجى و أطربا
وفاء كمزن الغوطتين كريم
وفاء كمزن الغوطتين كريم / و حبّ كنعماء الشآم قديم
و شعر كآفاق السماء تبرّجت / شموس على أنغامه و نجوم
يلمّ (شفيق) كوكبا بعد كوكب / و نسّق منها العقد فهو نظيم
معان بألوان الجمال غنيّة / كما زفّ ألوان الطيوب نسيم
و وشي كأحلام الشباب يصوغه / أنيق بأسرار البيان عليم
سقاني سلاف الشعر حتّى ترنّحت / دموع و غنّت لوعة و كلوم
ففي كلّ بيت ريقة أو سلافة / و ريحانة شاميّة و نديم
تطوّحني الأسفار شرقا و مغربا / و لكنّ قلبي بالشام مقيم
و أسمع نجواها على غير رؤية / كأنّي على طور الجلال (كليم)
و ما نال من إيماني السّمع أنّني / أصلّي لها في غربتي و أصوم
و لا نال من قدري اغتراب و عسرة / يصان و يغلي الدرّ و هو يتيم
و للمجد أعباء و لكنّها منى / و للمكرمات الغاليات هموم
و خاصمني من كنت أرجو وفاءه / و للشّمس بين النيّرات خصوم
يلاقي العظيم الحقد في كلّ أمّة / فلم ينج من حقد الطّغام عظيم
و يقذى بنور العبقريّة حاسد / و يخزى بمجد العبقريّ لئيم
و تشقى على الحقد النّفوس كما انطوت / قلوب على جمر الغضا و حلوم
و لم يدر نعماء الكرى جفن حاقد / و هل قرّ عينا بالرّقاد سليم
و يزعم أنّ الحقد يبدع نعمة / و هيهات من نعمى البنين عقيم
و ما بنيت إلاّ على الحبّ أمّة / و لا عزّ إلاّ بالحنان زعيم
هو الحبّ حتّى يكرم العدم موسر / و يأسى لأحزان الغنيّ عديم
و حتّى يريح الذّنب من حمل وزره / حنان بغفران الذّنوب زعيم
و يا ربّ قلبي ما علمت . محبّة / و عطر و وهج من سناك صميم
و آمنت حتّى لا أروم لبانة / تخالف ما تختاره و تروم
جلا نورك الدنيا لعيني وسيمة / فلم يبق حتّى في الهموم دميم
و سلّمت أمري لا من اليأس بل هوى / أصيل و إرث طاهر و أروم
فررت إلى قلبي من العقل خائفا / كما فرّ من عدوي المريض سليم
تألّه عقل أنت يا ربّ صغته / و كاد يردّ الميت و هو رميم
و ضاقت به الدنيا ففي كلّ مهجة / هواجس من كفرانه و غموم
و أبدعت هذا العقل نعمى قطافها / فنون كأطياب الهوى و علوم
ترفّ حضارات عليه وضيئة / و خير كإغداق السماء عميم
و غرّد في عدن لحورك شاعر / و غازل أسرار السماء حكيم
فما بال هذا العقل جنّ جنونه / فردّ ملاك الطّهر و هو أثيم
و زلزل منه البرّ و البحر كافر / بنعماك مرهوب الحتوف غشوم
و في كأسه عند الصّباح سلافة / و في كأسه عند المساء سموم
و يعطي المنى ما تشتهي فهو محسن / و ينهب ما أعطاه فهو غريم
تحدّاك حتّى كاد يزعم أنّه / شريك لجبّار السّماء قسيم
و حاول غزو النّيرين فردّه / عن الذروة العصماء و هو رجيم
و كفّ عنان العقل قسرا فربّما / أثير بإلحاح السّفين حليم
جلت هذه الدّنيا لعيني كنوزها / لوامع يغري برقها فأشيم
أفانين من حسن وجاه و نعمة / معادن نور كلّهنّ كريم
و وشي به الألوان حيرى كأنّها / سماء فتصحو لمحة و تغيم
و لم أتردّد و انتقيت .. و حبّها / و أحلامها ما اخترت حين تسوم
قد اختصرت دنيا بقلبي و عالم / كما اختصر العلم الشتيت رقيم
و توجز في قارورة العطر روضة / و توجز في كأس الرّحيق كروم
و أعرض إعراض الخليّ من الهوى / و بي من هواها مقعد و مقيم
و ما حيلتي إن نمّ عن نفسه الهوى / هو العطر و العطر الزكي ّ نموم
تشابهت السّمراء و الدّهر شيمة / كلا القادرين القاهرين ظلوم
و أكرمها عن كلّ لوم وأنثني / أعاتب قلبي وحده و ألوم
و لو أنّ شعري دلّل الرّيم نافرا / تلفّت يجزيني الصبابة ريم
تبادهني عند البحيرة دمّر / و روض على أفيائها و شميم
و ورق على شطّ البحيرة حوّم / و ورق على قلب الغريب تحوم
خيال جلا لي الشام حتّى إذا انطوى / تنازع قلبي عبرة و وجوم
و قرّبها ما شئت حتّى احتضنتها / و غابت بحار بيننا و تخوم
و حيّت من الرّوح الشاميّ نفحة / ولوع بأشتات الطّيوب لموم
و لاح صغاري كالفراخ و أمّهم / حنون كورقاء الغصون رؤوم
فراخ و إن طاروا و للريح ضجّة / و للرعد زأر في الدّجى و هزيم
فطرنا على حبّ البنين سجيّة / تلاقى عليها عاذر و مليم
يشبّ الفتى منهم و يبقى لرحمتي / كما كان في عينيّ و هو فطيم
و هان بنعماء الطفولة ما درى / أهادن دهر أم ألحّ خصيم
غرير يبيّن القول بل لايبينه / طفور كأطلاء الظّباء بغوم
نزعت سهام القلب لمّا خلعته / عليه و نزع المصميات أليم
و جرت على قلبي فأخفيت أنّه / مدمّى بأنواع السّهام كليم
و لولاهم ماروّضتني شكيمة / و لا لان منّي في الصّعاب شكيم
و هيهات منّي في البحيرة دمّر / و سجع بوادي الرّبوتين رخيم
إذا لاح لي وجه البحيرة قاتما / ألحّ عليه عاصف و غيوم
فوجه أديم الشام طلق منوّر / و وجه بحيرات السماء قسيم
تعلّلت لا أشكو سقاما و لا أذى / بلى كلّ ناء عن هواه سقيم
و يحزنني دوح البحيرة عاريا / و أوراقه الخضراء و هي هشيم
و أبسط كفّي أقطف الماء عابثا / كأنّ المويجات الصّغار جميم
و تلك الظلال الحاليات عواطل / على كلّ أيك وحشة و سهوم
تعرّت من الغيد الملاح و طالما / تغطّى بأسراب الملاح أديم
رسوم هوى ما استوقفت خطو عابر / كما استوقفت ركب الفلاة رسوم
و لا لثم الحصباء فيها متيّم / يشمّ الهوى من عطرها فيهيم
يجلّلها اللّيل البهيم و مثله / ضحى كالدّجى غمر السواد بهيم
و شمس الضحى خود كعاب يضمّها / لغيران من صيد الملوك حريم
يردّ و يجلى عن كوى الغيم وجهها / كما ردّ عن باب البخيل يتيم
و يشكو الضحى من هجرها متوجّعا / و يوحشه هجرانها و يضيم
تأبّت على جهد الضحى فكأنّها / من الغيد مكسال الدلال نؤوم
و ضمّ الظلام السكب ظلاّ لجاره / كأنّ الظلال المغفيات جسوم
يطارحني دوح البحيرة شجوه / كلانا معنّى بالزّمان هضيم
و أشكو له البلوى و يشكو كأنّنا / حميم يساقيه العزاء حميم
أتشكو و لكن عندك الريح و الدجى / و للجنّ من شتّى الظلال نجوم
و عندك آلاف الطّيوف حوائم / روان لأسرار البحيرة هيم
تلملم أسرار البحيرة شرّدا / و يفتنها سكب الشذا فتريم
هنا كلّ أسرار البحيرة و الرؤى / طوافر في دنيا الخفاء تهيم
هنا عرس الأطياف يفترش الدّجى / و يقعد في أحضانه و يقوم
خفاء يضجّ الصمت فيه و بلبل / تحدّى ضجيج الصمت فهو نغوم
و لفّ الخفاء الحسن حتّى شكى الهوى / و غار حرير مترف و رقوم
فدع لومه إن لم يلح لك سحره / خيالك لا سحر الخفاء ملوم
هنا ألف الأطيار و الناس رحمة / فللطير أنس فيهم و لزوم
إذا انبسطت راح فللطير فوقها / حنين إلى سمح القرى و جثوم
فيا خجلة الصحراء لم ينج جؤذر / و لا قرّ عينا بالأمان ظليم
و لم تهن بالعشّ البعيد حمامة / فصيّادها صعب المراس عزوم
شكا الطّير من ظلم الأناسيّ و اشتكت / ظباء و عشب في الفلاة نجيم
فبا ربّ لا أقوى من الطّير عشّه / و لا راع أسراب الظباء غريم
و لا أوحشت رمل الفلاة جاذر / و ورد يندّي حرّها و فغوم
و كلّ غمام مرّ في الرّمل ديمة / و كلّ كناس للظباء مديم
رمال كبرد عاطل الوشي حاكه / صناع معنّى بالبرود سؤوم
فزوّقه بالوشي غاد ورائح / و عدو جياد ضمّر و رسيم
و يا ربّ في الإنسان و الطير احتمى / بغيرك مقصوص الجناح ظليم
و صن كلّ زرع أن ينازع خصبه / هجير و ريح لا ترقّ حطوم
سنابل وفّت للطيور زكاتها / فحنّت إليها جنّة و نعيم
و يا ربّ تدري الشام أنّي أحبّها / و أفنى و حبّي للشام يدوم
و لي في ثراها من لداتي أعزّة / حماة إذا استخذى الشجاع قروم
تهاووا تباعا واحدا بعد واحد / عليه انفراط العقد و هو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر و انطوى / شبابهم الريّان و هو تميم
و أسرف في الذكرى لأنزح نبعها / و لكنّ نبع الذكريات جموم
إذا قلت غاضت بعد لأيّ تدفّقت / و للموج فيها كرّة و هجوم
و تسدل أحيانا شفيف لثامها / كما لثم الفجر الضحوك سديم
و في كلّ أيك لي على الشام منسك / و في كلّ دوح زمزم وحطيم
و كلّ مقام فيك حتى على الأذى / حميد و كلّ النأي عنك ذميم
حوالي الصبا إن لم تدرك عواطل / و ريح الصّبا ما لم تزرك سموم
و يا ربّ إن سبّحت و الشام قبلتي / فأنت غفور للذنوب رحيم
تهلّل عفو الله للذنب عندما / أطلّ عليه الذنب و هو وسيم
أهذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ
أهذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ / لكَ الخيرُ أم هل أنتَ وسنانُ حالمُ؟
بلى هذه أمُّ العواصم جلّقٌ / وهذي ليوث الغوطتين الضراغم
هنا عرشُ أقمار العُلى من أميّةٍ / هنا ارتكزتْ سُمرُ العوالي اللهاذِم
هنا النفر البيض الميامينُ للعُلى / مَلامحُ في غُرّاتهم وعلائم
هنا العَرب الأحرارُ إن قام ظالمٌ / مشوا بالقنا أو يُرجعَ الحقّ ظالم
إذا انتسبوا في ندوة المجد حلَّقتْ / بهم للعلى قيسٌ وذُهل ودارِم
سلاماً عروسَ المشرقين ولا مشتْ / بظلّ مَغانيكِ الخطوب الغواشم
خُذي قلّدي ما شئتِ جيداً ومِعصماً / من اللؤلؤ الرَّطْب الذي أنا ناظم
سليني دمي يا أمُّ أسفِكْهُ راضياً / وما أنا هيّابٌ ولا أنا نادم
تبيّنتُ في أبنائك الصِّيدِ نهضةً / سيسعد فيها عبدُ شمس وهاشم
وبشّرني بالفوز يا أمُّ أنها / على العلم تُبنى في حِماكِ الدعائم
فما للذي يُبنى على الجهل رافعٌ / ولا للذي يبنى على العلم هادم
وللبُطْل صَولاتٌ على الحقِّ جمةٌ / وتُسفِر عن فوز المحقّ الخواتم
طلاسمُ ها الذلّ دقت وإنما / تُفَكُّ بسرّ العلم هي الطلاسم
يقولون: جَدُّ اليعربيين نائم ! / لقد وهموا فالسعيُ لا الجَدُّ نائم
وما الناس إلا اثنان مهما تخالفوا / ميولاً: فمهزومٌ ضعيف وهازم
وما الحقُّ إلا للقويّ ولا العلى / لغير الذي يغشى الوغى ويصادم
فقل لضعيفٍ راح يسأل رحمةً : / رُويدَك ما للضعف في الناس راحم
بنور على أم القرى و بطيب
بنور على أم القرى و بطيب / غسلت فؤادي من أسى و لهيب
لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي / بحسن كأسرار السماء مهيب
و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى) / بأعبائه من لهفة و وجيب
فيا مهجتي : وادي الأمين محمد / خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا / هنا النور. فافني في هواه و ذوبي
و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم / تركت دموعي شافعا لذنوبي
و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي / و عطّر أبواب السماء نحيبي
و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا / صدى نغم من لوعة و رتوب
تلاقوا عليها من غني و معدم / و من صبية زغب الجناح و شيب
نظائر فيها : بردهم برد محرم / يضوع شذا : و القلب قلب منيب
أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا / بأفيح من عفو الإله رحيب
و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد / ورقّ لخوف الله كلّ صليب
و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة / خففت إليها فوق ظهر نجيب
و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته / و وقفة سقيا عند كلّ قليب
هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها / (بشبّابة) سكرى الحنين خلوب
حسبت بها جنّيّة (معبدية) / و فرّجت عن غماّئها بثقوب
و ركب عليها وسم أخفاق عيسهم / وهام تهاوت للكرى و جنوب
و ألف سراب ما كفرت بحسنها / و إن فاجأت غدرانها بنضوب
و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت / و رقّت كأخفى همسة و دبيب
و أطياف جنّ في بحار رمالها / تصارع حالي طفوة و رسوب
و تعطفني آلآرام فيها نوافر / إلى رشأ في الغوطتين ربيب
يعلّلني و الصدق فيه سجية / بوعد مطول باللقاء كذوب
و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما / بحسن عنيف في الرّمال كئيب
و من صحب الصحراء هام بعالم / من السحر جنّي الطيوف رهيب
و للفلك الأسمى فضول لسرها / ففي كلّ نجم منه عين رقيب
أرى بخيال السّحب خطو محمد / على مخصب من بيدها و جديب
و سمر خيام مزّق الصمت عندها / حماحم خيل بشّرت بركوب
و نارا على نجد من الرمل أوقدت / لنجدة محروم و غوث حريب
و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا / نعيم فياف و اخضلال سهوب
أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة / من الرّمل دنيا من هوى و طيوب
على كلّ نجد منه نفح ملائك / و في كلّ واد منه سرّ غيوب
توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها / و مشهدها من مشهديّ و مغيبي
ومن هذه الصحراء أنوار مرسل / و رايات منصور . و بدع خطيب
و من هذه الصحراء شعر تبرّجت / به كلّ سكرى بالدلال عروب
تعطّر في أنغامه و رحيقه / وريّاه :عطري مبسم و سبيب
ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا / فأترع أحلامي و أهرق كوبي
و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نمنمت / لنا برد ظل كالنعيم رطيب
و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه / بداهية صلب القناة أريب
شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها / و لم تشك فيه من ونى و لغوب
و صبر من الصحراء أحكمت نسجه / سموت به عن محنتي و كروبي
و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي / فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب
يرنّح شعري باللوى كلّ بانة / و يندى بشعري فيه كلّ كثيب
و لولا الجراح الداميات بمهجتي / لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي
و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي / و لا بغضه عند الجفاء نصيبي
نقلت إلى قلبي حياء و عفّة / أسارير وجهي من أسى و قطوب
و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم / كأيك تحاماه الرّبيع سليب
و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى / و ربّ قريب الدّار غير قريب
و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها / و قد أمنت بعد المشيب خطوبي
و كيف و ثوبي للزّمان و أهله / و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي
أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة / لغربة أهل أو لفقد حبيب
و يارب : في قلبي ندوب جديدة / تريد القرى من سالفات ندوب
يريد حسابي ظالم بعد ظالم / و ما غير جبّار السماء حسيبي
و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا / شتات قلوب لا شتات دروب
و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة / إذ لم يصاحبه صفاء قلوب
تداووا من الجلىّ بجلىّ .. و خلّفوا / وراءهم الإسلام خير طبيب
و يا رب : في الإسلام نور و رحمة / و شوق نسيب نازح لنسيب
فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت / إلى أمم مقهورة و شعوب
وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا / إليه- و إن شطّ المزار قريبي
سجايا من الإسلام : سمح حنانها / فلا شعب عن نعمائها بغريب
و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة / و لا خير عندي في وغى و حروب
و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة / فداء لكف بالعبير خضيب
و آمنت أنّ الحب و النور واحد / و يكفر بالآلاء كلّ مريب
و لو كان في وسعي حنانا و رحمة / لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي
و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى / و صنت شبابي عنهما و مشيبي
و إنّي و إن جاوزت هذين سالما / لأكبر لولا جود عفوك حوبي
و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي / و منك نعم لكن إليك هروبي
و أجلو عيوبي نادمات حواسرا / و أستر إلاّ في حماك عيوبي
و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر / معنى بألوان الجمال طروب
و لو شهدت حور الجنان مدامعي / ترشّفن في هول الحساب غروبي
مدحت رسول الله أرجو ثوابه / و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي
وقفت بباب الله ثمّ ببابه / وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب
صفاء على اسم الله غير مكدّر / و حب لذات الله غير مشوب
و أزهى بتظليل الغمام لأحمد / و عذب برود من يديه سروب
فإن كان سرّ الله فوق غمامة / تظلّ و ماء سائغ لشروب
ففي معجز القرآن و الدولة التي / بناها عليه مقنع للبيب
و يا رب عند القبر قبر محمد / دعاء قريح المقلتين سليب
بجمر هوى عند الحجيج لمكّة / و دمع على طهر ( المقام ) سكوب
بشوق على نغماه ضمّ جوانح / و وجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة / لقد نشبت أو آذنت بنشوب
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى / فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند / من الحبّ فوّاح الظلال عشيب
تدفقت الأمواج و اللّيل كافر / و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب
رمى اليمّ انضاء السفين بمارد / من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب
يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا / و يضغمها من هوله بنيوب
يرقّصها حينا و حينا يرجّها / و يوجز حالي هدأة و وثوب
و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها / لعوب من الأمواج جدّ لعوب
و أيقن أنضاء السفينة بالردى / يطالعهم في جيئة و ذهوب
و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم / بألوانه من صفرة و شحوب
دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف / عليهم : لقد وفّقتم بمجيب
و أسلست الرّيح القياد كأنها / نسيم هفا من شمأل و جنوب
و باده لطف الله من يمن أحمد / ببرد على عري الرّجاء قشيب
و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها / شوارد شعر لم ترع بضريب
و ترشدها أطياب قبرك في الدجى / فتعصمها من حيرة و نكوب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها / بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي / ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر / و تكمل أسباب العلى بأديب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها / بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي / ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر / و تكمل أسباب العلى بأديب
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو / متى يتلاقى بعد نأيهم الصحب
أحبّه قلبي إن بعدتم فما نأى / عن القلب لا الذكر الملحّ و لا الحبّ
على طيفكم أغمضت عيني و التقى / صيانا له في مقلتي الهدب و الهدب
جلوت القذى عنها وفاء لطيفكم / فأحلامها نعمى و مدمعها عذب
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا / يرفّ عليه النّور و الظلّ و الخصب
أراكم على بعد المزار فياله / حنينا تلاقى عنده البعد و القرب
و يدنيكم منه خيال مجنّح / هراقت عليه نورها الأنجم و الشهب
خيال يجوز الدّهر و الكون و المنى / و يطوي الغيوب النائيات و لا يكبو
فيا بعدها من غاية لم ترح بها / مطيّ و لا حطّ الرّحال بها ركب
و لله ما أوفى الخيال فبيننا / و بينكم منه الرّسائل و الكتب
يلمّ فيلقاكم و يشكو اليكم / من البعد ما نشكو و يصبو كما نصبو
و نظمأ لولا نهلة من رحيقه / أديرت فلا الساقي أفاق و لا الشرب
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها / فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم / و لم تتقبّله البصيرة و اللّبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي / أساريره بشر عليهنّ أم رعب
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذبا / فيا نعمة قد كان يحملها الكذب
يجسّ الطبيب النّبض حيران ذاهلا / و هيهات لا يغني الطبيب و لا الطبّ
و يرجو على اليأس المرير و إنّه / خداع الأماني و التعلّة و الحبّ
و للأهل أبصار روان تعلّقت / بعينيه إيجاب هنالك أم سلب
و صمت مرير دون ما فيه من أسى / بكاء الثكالى و التفجّع و الندب
فوارحمتا للنّاهلات من الصّبي / ألم يتهيّب من براءتها الخطب
غرائر من نعمى الدلال تلفّتت / فأعوزها عطف الأبوّة و الحدب
فيا للصّبي الهاني شجاني أنّه / حزين و من طبع الصبي اللهو اللّعب
فيا ربّ لا راع الطفولة رائع / و يا ربّ لا ألوى بنعمائها كرب
و يا ربّ للأطيار و الفجر و الندى / إذا شئت لا للعاصف الغصن الرطب
إذا نهلّ غرب من صغير جرى له / من الملإ الأعلى على صفوة غرب
إذا عبرات الطفل مرّت بمجدب / من النفس روّته ففارقه الجدب
دموع كعفو الله لو مرّ بردها / على الرّملة الحرّى لنضّرها العشب
و يا ربّ مر تصبح نسيما معطّرا / على كلّ محزون زعازعها النكب
و يا ربّ عندي من كنوزك حفنة / من الحبّ أذريها و لكنّها تربو
تمنّيت لو فاضت حنانا و رحمة / من الظالمين الخنزوانة و العجب
فلا يعوز الإنسان حبّ و نعمة / و لا يعوز الطّير الجداول و الحبّ
أرى الفرد لا يبقى و إن طال حكمه / و يبقى بقاء الحقّ و الزمن الشعب
و أشهد أنّ الظلم يردي فلو طغى / على السفح هضب شامخ زلزل الهضب
شكت جبروت الكثب حبّات رملها / إلى الله فانهارت مع العاصف الكثب
أبا أحمد هل يرفع الستر مرّة / عن الملأ الأعلى و تنكشف الحجب
و فزنا من النور المصون بلمحة / تقرّ بها عين و يندى بها قلب
و كشّف للأخرى صفاء مغيّب / حبيب إلى قلبي و لكنّه صعب
و لحت لنا في عالم الحقّ بدعة / من النّور يخبو كلّ حسن و لا تخبو
فرحنا نحيّي من نحبّ تحيةّ / تنازعها الشوق المبرّح و العتب
أتنأى فهلاّ وقفة يشتفي بها / خليل و يقضي حقّ لوعته صبّ
أتنأى و ما ودّعت أهلا و لا حمى / فأين الحنان السمح و الخلق الرّحب
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت / يضيق بها شرق المنازل و الغرب
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد / فللعين من نعمى طلاقته شرب
أبا أحمد في ذمّة الله صارم / من الحقّ لا يشكو الضراب و لا ينبو
يمان محلّى فهو في السلم زينة / و تكشف عنف الموت في حدّة الحرب
سقى الله بالذكرى على غير حاجة / و لا حاد عن أطيابها الغدق السكب
عهودا لنا كالنور أمّا نعيمها / فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب
لبسن الصبى بردا فلا خزّ فارس / يدلّ و لا الديباج و الوشي و العصب
عهود نجيبات الأصائل و الضحى / و إن قلّ في الإنسان و الزّمن النجب
و لله ما أحلى مرابع لهونا / ينادم تربا في خمائلها ترب
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم / و تصهل في أفيائها الضمّر القبّ
أحنّ إذا فارقتني بعض ساعة / و تحمد في الحبّ اللّجاجة لا الغبّ
شببنا على محض الوفاء وصفوه / كذلك آبائي و آباؤكم شبّوا
و يجمعنا نجر قريب سمت به / لغسّان أقيال غطارفة نجب
و حب رمته في اللّهيب لصهره / صروف الليالي و القطيعة و الذنب
و كأس تساقينا ثلاثين حجّة / عذوبتها طبع و تقطيبها كسب
أشمّ عبيرا من ترابك عاطرا / أمنك استعار العطر و النضرة الترب
فحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا / و جادته بالسّقيا يمينك لا السحب
وفاؤك لا عسر الحياة و لا اليسرُ
وفاؤك لا عسر الحياة و لا اليسرُ / و همّك لا الدّاء الملحّ و لا العمرُ
إذا المرء لم يملك وثوبا على الأذى / فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ و الصبر
إذا ملكوا الدنيا على الحرّ عنوة / ففي نفسه دنيا هي العزّ والكبر
و إن حجبوا عن عينيه الكون ضاحكا / أضاء له كون بعيد هو الفكر
فليلته صبح و عسرته غنى / و أحزانه نعمى و آهاته شعر
أنزّه آلامي عن الدّمع و الأسى / فتؤنسها منّي الطلاقة و البشر
و أضحك سخرا بالطغاة و رحمة / و في كبدي جرح و في أضلعي جمر
كفاء لعسف الدّهر أنّي مؤمن / و عدل لطغيان الورى أنّني حرّ
و ما ضرّني أسر و نفسي طليقة / مجنّحة ما كفّ من شأوها أسر
أهدهد من أحزانها كلّما ونت / و يسلس بعد المري للحالب الدرّ
أطلّ على الدنيا عزيزا : أضمّني / إليه ظلام السجن أم ضمّني القصر
و ما حاجتي للنّور و النّور كامن / بنفسي لا ظلّ عليه و لا ستر
و ما حاجتي للأفق ضحيان مشرقا / و نفسي الضحى و الأفق و الشمس و البدر
و ما حاجتي للكائنات بأسرها / و في نفسي الدّنيا و في نفسي الدّهر
يريدون أسراري و للّيل سرّه / إذا نقّبوا عنه و ما للضّحى سرّ
لعمرك للضعف الخفاء و كيده / و للقوّة الكبرى الصّراحة و الجهر
و ما أكبرت نفسي سوى الحقّ قوّة / و إن كان في الدّنيا لها النّهي و الأمر
ة كنت إذا الطّاغي رماني رميته / فلا نصرتي همس و لا غضبي سرّ
و أحمل عن إخواني العسر هانئا / و يبعدني عنهم إذا أيسروا اليسر
فليت الذي عاطيته الودّ صافيا / تجاوزني من كأسه الآجن المرّ
و أشقى إذا أعرضت عمّن أحبّه / و لكن دواء الكبر عندي هو الكبر
و نفسي لو أنّ الجمر مسّ إباءها / على بشرها الريّان لاحترق الجنر
و يا خيبة الطاغي يدلّ بنصره / و من سيفه لا روحه انبثق النّصر
يغالي بدنياه و يجلو قتونها / و دنياه في عينيّ موحشة قفر
رأيت بزهدي ما رأى بغروره / فأعوامه ساع و آماده فتر
شكا حبّه لي و هو ريّان من دمي / و أنيابه حمر و أظفاره حمر
و صانع يستجدي الولاء فياله / غنى ملك الدّنيا و معدنه الفقر
تلّفّت لا شملي جميع و لا الهوى / قريب و لا فرع الصبى عبق نضر
و يا سامر الأحباب مالك موحشا / معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكرا
أديماك من حب القلوب تمزّقت / عليه فسال الحبّ و الشوق و الطّهر
إذا ظمئت في قطعها البيد نسمة / ألمّت به وهنا فرنّحها السّكر
فبا للصّبا العجلى إذا عبرت به / تأنّت كما يرتاح في الواحة السّفر
تمنّيت إجلالا له و كرامة / لو أنّ حصاه نجم الفلك الزّهر
و أجزع إن مرّت به الرّيح زعزعا / و أسرف حتّى جاوز الغاية القطر
فليت الرّبيع الطلق عاطاه كأسه / مدّى الدّهر لا برد عليه و لا حرّ
لقد ساءني غاد عليه و رائح / فمن كبدي فوق الثرى قطع حمر
و لو قدرت صانته عيني كرامة / كما صين في أغلى خزائنه الدرّ
تطوف بك الأحلام سكرى كعهدها / و ينطف من أفيائك الحبّ و العطر
و يضحك لي وجه نديّ منوّر / كأن لم يغيّب من طلاقته القبر
و حتّى كأن لم يطوه عنّي الرّدى / فهل بعث الأموات أم ردّه السحر
تلمّ به الذكرى فيحيا كبارق / طواه الدّجى عنّي ليطلعه الفجر
و يبعثه حبّي و في كلّ خافق / صحيح الهوى بعث الأحبّة و النشر
فيا قلب فيك الرّاحلون و إن نأوا / و فيك النّدامى و الرّياحين و الخمر
خلعت على الموتى الحياة و سرّها / و طالعهم منك القيامة و الحشر
وفاء يصون الرّاحلين من الرّدى / إذا راح يدني من مناياهم الغدر
و يا سامر الأحباب طيف و لا كرى / و سكر و لا راح و ريّا و لا زهر
كلانا على ما كلف النفس من رضى / أضرّ به نأي الأحبّة و الهجر
أبا طارق هذي سراياك أقبلت / يرفّ على أعلامها العزّ و النصر
لقد قدنها حيّا و ميّتا فما ثنى / شكيمتها عنف و لا هدّها ذعر
فمر تشمع الدنيا هواك و ينطلق / إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر
و مر يتمزّق كلّ قيد أبيته / و يسرف على طغيانه الحطم و الكسر
تبرأت في دنياك من كلّ ناكث / ذليل فلا عرف لديه و لا نكر
و من زاهد لمّار رأى الصّيد مكثبا / تمزّق عنه الزهد و افتضح المكر
و ممّن يظنّ الفقر عذرا لكفره / و ما أقنع الإيمان إلاّ الرّدى عذر
يدلّ بماضيه فهل راح شافعا / بذي ردّة نسك تقدّم أو برّ
عصابة شر راح يبرأ منهم / إلى الله إبقاء على نفسه الشرّ
رويدك شرّ الكافرين موحّد / ألحّ عليه بعد إيمانه الكفر
عباديد شتّى ألّف الوزر بينهم / فلا رحم إلاّ الضراعة و الوزر
و بين اللئام العاثرين و إن نأت / مناسبهم قربى السجيّة و الصهر
تمنّيت أنّ الغيب شفّ فلم يعق / عن الملأ الأعلى حجاب و لا ستر
و لحت لنا في عالم الحقّ و التقى / على الموعد الهاني المقيمون و السفر
فقرّت بما تلقاه عيناك و انطوت / على النشوة الكبرى الجوانح و الصّدر
أتعلم أنّ الشام فكّت إسارها / فلا قيد بعد اليوم فيها و لا أسر
يصرّف أمر النّاس فيها موفّقا / معاوية الدنيا و صاحبه عمرو
و أنّ رياضا هزّ لبنان فانتخت / شمائل في لبنان ميمونة غرّ
رمى كلّ برد أجنبيّ مزوّر / و عادت لقحطان المناسب و النجر
و لمّا شكى لبنان ضجّت أميّة / و جنّت له بغداد و التهبت مصر
أبا طارق أبقيت للحقّ سنّة / هي العزّة القعساء و الفتكة البكر
بنيت عليها كتلة و طنيّة / من الصيد ما خانوا هواك و لا فرّوا
لقد حملوا عنك الجهاد و ما ونى / و حقّك ناب للخطوب و لا ظفر
فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم / أمانتك الكبرى لديهم فقد برّوا
نماك و سيف الدولة الدار و الهوى / و غنّاكما أندى ملاحمه الشعر
و أقسم بالبيت المخرّم ما احتمت / بأمنع من كفّيكما البيض و السمر
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت / و حقّ بسيفي دولتيها لها الفخر
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا / دنا البرّ في عينيّ و انكشف البحر
بأسماعكم وقر و قد رحت شاكيا / و حاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
و أوحشتم الدنيا كأن لم تدس بكم / على الهام في الرّوع المحجّلة الشقر
و حتّى كأنّ الرّمل لم يروه دم / كريم المصفّى لا أجاج و لا نزر
فوارحمتاه للنّائمين على الطوى / و أتخم من قتلاهم الذئب و النسر
تهدّهم الصحراء هدّا و للرّدى / سلاحان في البيد : الهواجر و القرّ
و لا ماء إلاّ ما يزوّره بها / سراب نديّ اللّمح منبسط غمر
إذا سقطوا صرعى الجراح تحاملوا / على نفسهم و استؤنف الكرّ و الفرّ
و لو آثروا الدنيا لقد كان جاهها / تليدا لديهم و القسامة و الوفر
فمن مبلغ عنّي الشباب قصيدة / يحلّى بها ملك و يحمى بها ثغر
تطوّف في الدنيا الوساع كأنّما / هي الخضر أو يروي شواردها الخضر
هززت بها نوّامهم مترفّقا / و يؤذي الشباب المرتجى اللّوم و الزجر
إذا كنت في نصحي لهم غير موجع / فلي بالذي يرضي شمائلهم خبر
و عندي من زهز الشباب بقيّة / يرفّ الصبا فيها و أفياؤه الخضر
ألمّت بي الأيّام حمرا نيوبها / فما شاب لي قلب و لا شاب لي شعر
دروب العلى للسالكين عديدة / و أقربها للغاية الموحش الوعر
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى / لها العقل إمكانا فقد ينبع الصخر
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم / تلاقى على إعاناتها الظلم و القهر
إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها / لكالبحر من أخلاقه المدّ و الجزر
أرى العفو و النسيان من خلق الصّبا / و لم ينس عند الشّيب حقد و لا ثأر
و ما أكرم النسيان و العفو منكم / إذا لم يضع حق و لم يحتسب وتر
و أنتم على دلّ الشباب و زهوه / و أهوائه ركن القضيّة و الذخر
أتغني و ما أجدى الحسام و لا أغنى
أتغني و ما أجدى الحسام و لا أغنى / قواف من الأشعار تبقى و لا تفنى
أدرت على الأسماع منها سلافة / وأرضيت فيها الله و العرب و الفنّا
تحذّرني قرض القريض مهذّبا / عصابة شرّ لا تقيم له وزنا
و هدّدني بالسجن قوم سفاهة / فتى العرب الأنجاد لا يرهب السجنا
سأبعث من شعري جيادا مغيرة / عليها كماة تحسن الضرب والطعنا
و أذري على الأطلال أطلال يعرب / مدامع حرّ تستحيل قنا لدنا
هل الشعر إلا بسمة تمنح الفتى / هناء المنى أو دمعة تبعث الحزنا
يظنّون أنّ الشعر وزن وطالما / قرأت من الأشعار ما خالف الوزنا
من الشعر أحلى الشعر ثغر مقبّل / رشفت به السّلوى و لم أحرم المنّا
و في عين سلمى قد تلوت قصيدة / من الشعر لم تترك لضرّاتها حسنا
و للشعر آي في النهود قرأتها / و في الشفة اللمياء و المقلة الوسنى
نأيت عن الفيحاء لا عن ملالة / وحيدا و دمعي يوم فرقتها مثنى
فللّه مغنى الغوطتين و لا سقت / على البعد إلاّ أدمعي ذلك المغنى
يقولون : عنّ الغوطتين و هل رأوا / محبّا على مثوى حبيبته غنّى
فيا جنّة الفردوس لو لم يعث بها / شياطين إنس روّعوا الإنس و الجنّا
و يا جنّة الفردوس لكن قطوفها / بغير أكفّ الصيد من أهلها تجنى
حننت إلى ريّاك و السيف مصلت / و قد يعذر النائي الغريب إذا حنّا
و ذكّرني ريّاك روح شممته / كأنّ شذاه من خمائلك الغنّا
فيا واردي ماء الشام رويتم / فللّه ما أصفى و لله ما أهنى
و يا ناظري غيد الشام نعمتم / فللّه ما ابهى و للّه ما أسنى
و يا عصبة في الغوطتين فتاهم / إذا جاد لم يتبع عطيّته منّا
أرى أنّ هذا الأمر قد جدّ جدّه / فكونوا لنا حصنا نكن لكم حصنا
و لا تثن من هذي الأعنّة قوّة / فإنّ عنان اليعربين لا يثنى
و لا تقنطوا من بارق الفوز إنّني / أرى الفوز منكم قاب قوسين أو أدنى
لقد زعم الواشون أنّي نسيتكم / شروط الهوى : أن لا تعيروهم أذنا
يريدون هذا البعد بيني و بينكم / فلا نعموا بالا و لا صحبوا يمنا
هم حجبوا عنّا نسيم حماكم / و هم نقلوا زور الحديث لكم عنّا
أسئوا بهم ظنّا و إن لان مسّهم / فوا الله ودّوا أن تسيؤا بنا ظنّا
و إنّا على جور الخطوب و عنفها / و حقّ هواكم ما غدرنا و لا خنّا
لسرّ من الأسرار لا تجهلونه / تخلّت عن اليسرى شقيقتها اليمنى
لئن خان عهد الغوطتين عصابة / رأوا بيعهم ربحا و ألفيته غبنا
ففي الجبل النائي لعصبة جلّق / من القوم خدن لم يحن في الهوى خدنا
أمين على عهد الشام كأنّه / يرى و هي قيس الحبّ جلّق لبنى
إذا همّ أمضى همّه غير جازع / و راح و لم يقرع لفعلته سنّا
نمته إلى أبناء جفنه فتية / ميامين لم تألف سيوفهم جفنا
إذا طرقوا باب الملوك فإنّهم / بغير العوالي السمر لم يسألوا إذنا
خذوا حذركم يا ناقمين مع العدى / على النفر الأدنين من أهلكم جبنا
خذةا حذركم يا دافني رأي قومهم / فللشمس نور لن تطيقوا له دفنا
دعونا و هذا الأمر ننهض بعبئه / فما نحن منكم لا و لا أنتم منّا
رقدتم و ما نمنا غرارا على الأذى / و دنتم لأعداء الشام و ما دنّا
إذا أغمضوا جفنا عن الشرّ رحتم / تودّون أنّ القوم لم يغمضوا جفنا
فلا تكبروا هذي البرود نواعما / و إن فوّقت ذيلا و إن وسّعت ردنا
فليست تزين المرء حلّة سيّد / إذا كان عبدا في شمائله قنّا
لأهنأ من ربّ القصور مقيّدا / طليق من الأطيار أبقوا له وكنا
أديري عليّ الكأس صرفا و علّلي / فتاك فقد أفنى الهوى منه ما أفنى
و غنّى على لحن الشباب فإنني / لأعشق هذا الثغر و الناي و اللّحنا
لئن أطفئت يا ميّ نيران يعرب / هوانا فإنّا سوف نضرمها إنّا
و لا بدّ من يوم أغرّ محجّل / تطير الجبال الراسيات به عهنا
يصافح فيه قائم السيف خالد / فيضرب حتّى يكسر السيف أو يحنى
و كم في بطون اليعربيّات خالد / سيرجع ظهر الأرض من خنق بطنا
أيا دمية أنشأتها و عبدتها
أيا دمية أنشأتها و عبدتها / كما عبد الغاوون منحوت أحجار
سكبت بها روحي و أهواء صبوتي / و ألوان أحلامي و بدعة أطواري
جمعت بها الدّنيا فكانت سلافتي / و كأسي و ندماني و أهلي و سمّاري
و نامت على الحلم المريح بمقلتي / و هدهدها عطري و حبّي و إيثاري
و يا دمية أنشأتها ثمّ حطّمت / يداي الذي أنشأت تحطيم جبّار
جمالك من سحري و عطرك من دمي / و فتنتك الكبرى خيالي و أشعاري
و ثغرك من حاني فيا لمنمنم / نديّ بأنفاس الرّياحين معطار
ألمّ به إثمي فندّاه بالمنى / و مرّ به و هنا فطيّبه عاري
خلقتك من أهواء نفسي و نوّعت / بك الحسن أهوائي و حبّي و أوطاري
فما يشتهى خدّاك إلا لأنّني / تركت على خدّيك إثمي و أوزاري
و ما أسكرت عيناك إلا لأنّني / سكبت بجفنيك الغويّين أسراري
أينكرني حسن خلقت فتونه / فيخنقني عطري و تحرقني ناري
و تنكرني : يا غضبة الشعر و الهوى / و يا غضبة الدنيا و يا غضبة الباري
رددتك للطين الوضيع و ما حنا / على روضك الهاني هبوبي و إعصاري
و فارقت إذ فارقتك الطين وحده / و عادت إلى نفسي عطوري و أنواري
سيذكرني بعد الفراق أحبّتي
سيذكرني بعد الفراق أحبّتي / و يبقى من المرء الأحاديث و الذكر
ورود الرّبى بعد الرّبيع بعيدة / ويدنيك منها في قواريره العطر
بثغرك من ذكرى شبابي صحيفة
بثغرك من ذكرى شبابي صحيفة / مطرّزة بالحبّ و الأمل السامي
و في لحظك الساجي من الشعر و الهوى / تركت خيالاتي و سكري و أحلامي
و لي قبلات بين نهديك أودعت / شبابي و آمالي العذاب و آلامي
فلا يمتهن نهداك كنزا مقدّسا / خبأت به روحي و بهجة أيّامي
خذوا فاغسلوا يا آثمين ذنوبكم / ألم يجر دمع الله من قلبي الدّامي
أحبّك حبّا لا تطوف به المنى
أحبّك حبّا لا تطوف به المنى / عرائس في حلي الملاح العرائس
أحبّك عن يأس و ما حبّ آمل / بأقرب في نجواه من حبّ يائس
و أهمس في سمع النسيم رسالة / فهل دغدغت نهديك من ثغر هامس
رويدك تهفو بي إلى الكأس خطرة / من الذكر مرّت في خيالات هاجس
تعيد لعيني كلّ ما فات و انطوى / و ترفع من بالي كلّ الطلول الدوارس
فالمح في الذكرى غديرا ترفّه / مع البدر أثداء الظباء الأوانس
و نهرا تعرّى البدر فيه كرامة / لبعض القدود العاريات الموائس
و ألمح في الذكرى جنونا و سورة / من الحبّ في تلك الجفون النواعس
فيالك كنزا راح يسخر ربّة / فمتّع من لألائه عين بائس
لقد خنت حتّى لا يغار أخو هوى / أحبّك من وجد طريف ملابس
ففي كلّ غضّ منك آثار قاطف / و في كلّ بضّ منك آثار لامس
فطال عليك الليل تأوي مع الدجى / بجفنيك أشباح الرؤى و الهواجس
أيا شاعر العرب الذي سار شعره
أيا شاعر العرب الذي سار شعره / يدوّي فلا يثنيه برّ و لا بحر
تذكّر بثغر اللاذقيّة صاحبا / إذا دبّ فيه اليأس أنعشه الذكر
أمير الندى و الأريحيّة و العلى / أحبّ من النعمى شمائلك الغرّ
بيانك لا عطر الجنان و سحرها / و طبعك لا الشهد المصفّى و لا الخمر
صحبتك من عشرين تجنع بيننا / من الأدب الأعلى الشمائل و الفكر
و أنّا تحدّينا الطغاة فلم يضيق / بطغيانهم منّا كفاح و لا صبر
و أنّت اناخ الدهر حينا بعسفه / علينا فلم يسلس شكائمنا الدهر
و أنّا تقاسمنا الإمارة بيننا / لك النثر في آفاقها و لي الشعر
أقارب لا من أسرة أو عشيرة / فمن صور القربى الشمائل و النجر
و أهل على بعد الجدود و إنّما / أخو الحرّ في الدّنيا هو الماجد الحرّ
فدلّل وفائي ما قدرت فإنّه / و حقّك نعم الذخر إن فقد الذخر