المجموع : 15
أنا في شمال الحب قلبٌ خافقٌ
أنا في شمال الحب قلبٌ خافقٌ / وعلى يمين الحق طير شاد
غنيت للشرق الجريح وفي يدي / ما في سماء الشرق من أمجاد
سَلِي الليْلَ عَنْ عَيْني إذَا رابَكِ الفَجْرُ
سَلِي الليْلَ عَنْ عَيْني إذَا رابَكِ الفَجْرُ / أَفَازَ بِهَا إلاكِ وَ الأنْجُمُ الزُّهْرُ
قَسَمْتُ فُؤَادِي بَيْنَ بُؤْسيَ وَ الهَوَى / فَهذا لَهُ شَطْرٌ وَ هَذا لَهُ شَطْرُ
حَيَاتيَ هَلْ ثَغْرُ البَنَفْسَجِ يَفْتَرُّ / كَعَهْدِي وَ هَلْ يجرِي كَعَادَتِهِ النَّهْرُ
وَهَلْ يَذْكُرُ الصَّفْصَافُ إِذْ نحْنُ عِنْدَهُ / وَ في أُذُنِ الظَّلْمَاءِ مِنْ هَمْسِنَا نَقْرُ
سُقِيتُ مَرَارَاتِ الحَيَاةِ فَلَمْ أَجِدْ / كَمِثْلِ الَّذِي يَسْقِيهِ مِنْ كَفِّكِ الهجْرُ
وَأَشْقَى شَقِّيٍ في الوَرَى قَلْبُ شَاعِرٍ / نَبَا الحَظُّ عَنْهُ وَ الْتَقَى الحُبُّ وَ الفَقْرُ
فَفِي كُلِّ أُفْقٍ مِنْ أَمَانِيِه مَأْتَمٌ / وَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ جَوَارِحِهِ قبر
أنا ساهرٌ والكونُ نامَ
أنا ساهرٌ والكونُ نامَ / وكلّ ما في الكونِ نام
حتى نجوم الأفق / نامت فوق طيّات الغمام
نام الجميع ومقلتي / يقظى تجول مع الظلام
أنا ساهر وجبال لبنان / عليها الصمت حام
خلع الجلال على / مناكبها مواهبه الجسام
وتخالها إذ صعدت / في الجو مراداً عظام
صمتت لدن برَزَ الدجى / فكأن في فمها لجام
أنا ساهرق والسهل في / حضن الطبيعة كالغلام
وكأمّه فتحت ذراعيها / ليهنأ بالمنام
يغفو ويحرسُ ثغرهُ / روح البنفسج والخزام
السهل نام فلا حرامك / ولا هتاف ولا بغام
أنا ساهر والبحر أخرس / لا هدير ولا احتدام
كالمارد الجبار منطرح / على صدر الرغام
فكأنه والرمل إلفا / صبوَةٍ منذ الِطام
فتعانَقا عند المنام / وملء ثغرهما ابتسام
لاحس حتى خلت أن / ساد الحمامُ على الأنام
وحسبتَ أنفاسَ الورى / سجنت بأقفاص العظام
صمتٌ يقُزّك فيه خبّ / النمل في ملمس الرخام
ما أعظم الضوضاء يحدثها / فؤاد المستهام
إذ راح يخفق وحده / خفقان أجنحةِ الحمام
في ذلك الصمت الرهيب / وذلك الليلِ الجهام
هلِ الغناءُ إذا جرّحتِ آهته
هلِ الغناءُ إذا جرّحتِ آهته / سوى تهلهُلِ أضواءٍ وأبرادِ
كأنه موجة بيضاء ناعمةٌ / يمشي الشراع بها في بحرهِ الهادي
تأوي الأغاريد منه حين ترسله / إلى وريف نَدِيّ الظلّ مدّاد
وينثر الروض سكرانا براعمهُ / كألسن الطير شقت نصف منقاد
من ذا سقى الروض ما هذا الفتونُ به / فلستُ أبصر فيه غير مياد
كأن أغصانه لما برزت لها / سربلإ من الحور في أثواب أعياد
يكاد يفتن مثلي ثغر وردته / فيخطف اللحن قبلي من فم الشادي
أتركتَ بعدك نشوةً للراح
أتركتَ بعدك نشوةً للراح / يا ذاهباً ببشاشةِ الأفراحِ
ومهلهلَ الطرفِ الحسانِ كأنها / مرت بلا إثم على الأقداح
شغفَ الربيعُ بها فراح يزفها / لبناته من نرجس وأقاح
أشقيقَ نفسي ما افتقدتُكَ ليلةً / إلا غصصتُ بأدمعي وبراحي
خفّفتَ في أمسي بوارِحَ علّتي / ومسحتَ هاجسَ قلبِيَ الملتاحِ
واليوم يا كأسي شربت بك الأسى / وأدمت ثم عجبت أنيَ صاحِ
فدَتِ المباسِمُ بسمةً في ثغرهِ / منهُ بأكرم دمعة وجراح
إني سكبتُ بها البيان على الطلا / في عزلتي وجعلتها مصباحي
هي نجمةُ الساري إذا عبَسَ الدجى / في وجهه ومنارةُ الملاح
لستَ تدري ولا أنا منكَ أدري
لستَ تدري ولا أنا منكَ أدري / فعلام الخصامُ فالسلمُ أحرى
رُبّ سرٍّ طوتهُ ظاهرةٌ حمقاء / يطوي البسيط برا وبحرا
وبوالي حقائِقَ الأمس تهديما / ويبني على حقائق أخرى
ليسَ من يقرأ الصحائفَ في الكتبِ / كمن في صحائف الكون يقرا
أجهلُ الناس مدّعٍ يحسَبُ العلمَ / كتاباً ويحسَبُ الفنّ سطرا
ويحَ هذي العقول لم تُصِبِ / الرمية يوما إلا لتخطىء عشرا
دون ما تبتغيه من كنه هذا / الكون سر فيه الجواب استقرا
سمه الضفّةَ التي يعبرُ الأحياء / منها أو سمّ ذلك جسرا
سمّه المصنعَ الذي يفعلُ التحليل / في جوفهش عجائبَ كبرى
يتلقّى الأجسام وهيَ جمادٌ / ثم يعطيكها حياةص وفكرا
سمه المرقمَ العجيب الذي ما / انفكّ يمحو سطراً ويُثبشتُ سطرا
سمّه المعوَلَ المطلسَمَ لا / يرجىء حفرا ولا يؤخّر طمرا
سمه الهازىء العظيم إذا / راقك أو سمه إذا شئت قبرا
نَفَيْتَ عَنْكَ العُلى وَالظَّرْفَ وَ الأَدَبا
نَفَيْتَ عَنْكَ العُلى وَالظَّرْفَ وَ الأَدَبا / وَإِنْ خُلِقْتَ لَها- إِنْ لَمْ تَزُرْ حَلبَا
شَهْباءُ، لَوْ كانَتِ الأَحْلامُ كَأْسَ طِلا / في راحَةِ الفَجْرِ كُنْتِ الزَّهْرَ والحبَبَا
أَوْ كانَ لِلَّيْلِ أَنْ يَخْتَارَ حِلْيَتَهُ / وَقَدْ طَلَعْتِ عَلَيْهِ، لازْدَرى الشُّهُبَا
لَوْ أَنْصَفَ العَرَبُ الأَحْرارُ نَهْضَتَهُمْ / لَشَيَّدوا لَكَ في ساحاتِها النُّصُبا
مَلاعِبَ الصِّيْدِ مِنْ حَمْدانَ، ما نَسَلوا / إِلَّا الأَهِلَّةَ وَالأَشْبالَ وَالقُضُبا
أَلخالِعينَ عَلى الأَوْطانِ بَهْجَتَها / وَالرَّافِعينَ عَلى أَرْماحِها القَصبَا
حُسامُهُمْ مانَبا في وَجْهِ مَنْ ضَرَبوا / وَمُهْرُهُمْ ما كَبا في إِثْرِ مَنْ هَرَبا
ما جَرَّدَ الدَّهْرُ سَيْفاً مِثْلَ«سَيْفِهِمِ» / يُجْري بِهِ الدَّمَ أَوْ يُجْري بِهِ الذَّهَبا
رَبُّ القَوافي عَلى الإِطلاقِ شاعِرُهُمْ / أَلخُلْدُ والمَجْدُ في آفاقِهِ اصْطَحَبا
سَيْفانِ في قَبْضَةِ الشَّهْباءِ لا ثُلِما / قَدْ شَرَّفا العُرْبَ بَلْ قَدْ شَرَّفا الأَدَبا
عُرْسٌ مِنَ الجِنِّ في الصَّحْراءِ قَدْ نَصبَوا / لَهُ السُّرادِقَ تَحْتَ الَّليْلِ وَالقُبَبا
كَأَنَّهُ تَدْمُرُ الزَّهْراءُ مارِجَةً / بِمِثْلِ لُسْنِ الأَفاعي تَقْذِفُ اللَّهَبا
يا مُلْبِسَ الحِكْمَةِ الغَرَّاءِ رَوْعَتَها / حَتَّى هَتَفْنَا: أَوَحْيًا قُلْتَ أَمْ أَدَبا
كأَنَّما هِيَ أَصْداءٌ يُرَدِّدُها / هذا إِذا بَثَّ، أَوْ هذا إِذا عَتَبا
قالوا اسْتَباحَ أَرسْطو، حينَ أَعْجَزَهُمْ، / وَإنَّهُ اسْتَلَّ مِنْ آياتِهِ النُّخَبا
مهْلاً، فَما الدَّهْرُ إِلَّا فَيْضُ فَلْسَفَةٍ / يَعودُ بِالدُّرِّ مِنْهُ كُلُّ مَنْ دَأَبا
مَنْ عَلَّمَ ابْنَ أَبي سُلْمَى« حَكيمَتَهُ» / وَقُسَّ ساعِدَةَ الأَمْثالَ وَالخُطَبا؟
قالوا: الجدَيدُ، فَقُلْنا: أَنْتَ حُجَّتُهُ / يا واهِباً كُلَّ عَصْرِ كُلَّ ما خلَبَا
عَفْواً نَبيَّ القَوافي، أَيُّ نابِغَةٍ / لَمْ يَزْرَعوا حَوْلَهُ البُهتْانَ وَالكَذِبَا
مَنَعْتَ عَنْهُمْ ضياءَ الشَّمْسِ فَانْحَجَبوا / فَهَلْ تَلومُهُمُ إِنْ مَزَّقوا الحُجُبا
أَضْرَمْتَ ثَوْرَتَكَ الهَوْجاءَ فَالتَهَمتْ / مِنَ القَريضِ الهَشيمَ الغَثَّ وَالخَشَبا
حَتَّى رَجَعْتَ وَلِلأَقْلامِ هَلْهَلَةٌ / في كَفِّ أَبْلَغِ مَنْ غَنَّى وَمَنْ طَرِبا
غَضِبْتَ لِلْعَقْلِ أَنْ يَشْقى فَثُرْتَ لَهُ / بِمِثْلِ ما انْدفَعَ البُرْكانُ وَاصْطَخَبا
هَلِ النُّبوَّةُ إِلَّا ثَوْرَةٌ عَصَفَتْ / عَلى التَّقاليدِ حَتَّى تَسْتَحيلَ هَبا
ما ضَرَّ مُوقِدَهَا، وَالخُلْدُ مَنْزِلُهُ / إِذا رَمى نَفْسَهُ في نارِها حَطَبا
أيها الطائرُ الذي ألِفَ الروضَ
أيها الطائرُ الذي ألِفَ الروضَ / مقاماً وجاورَ الأنهارا
وتلهّى حيناً بسَقسقَةِ الماء / فكانت لشدوهِ أوتارا
وتهادى عليه من حلَلِ الريشِ / أفانينُ تأخذُ الأبصارا
من سواد يحكي قلنسوة القسيس / في راسه الصغير استدارا
وازرقاق كأنهُ حين زار / الأفق أهدى إليه منهُ إزارا
واغبِراراٍ كأنما تركَ الغيمُ / عليه مذ جازَهُ آثارا
كان في الروض ملعبٌ لك / يا طير وملهى تمضي عليه النهارا
تترامى في معطف الغصن حينا / وأحايين تلثمُ الأزهارا
وتحيي الصباح إذ يتلالا / وتحييه عندما يتوارى
تسجعُ السجعةَ البديعةَ في الفجر / وتأتي بمثلها تكرارا
أصلاةٌ في حمد ربّك لم تبقِ / افتناناً في نظمها وابتكارا
أم حنين إلى الحبيب الذي أقسمَ / أن لا يطيرَ عنك فطارا
نغمٌ لو وعنهُ أذنُ الليالي / لتمَنّت أن تغتدي أسحارا
كان في الروض كالهواء طليقاً / فغدا في الحديد يشكو الإسارا
هكذا أيها الشقيق أنا اليومَ / كلانا نحاربُ الأقدارا
ماذا أقولُ له إذا رجَعنا
ماذا أقولُ له إذا رجَعنا / يوما ولم يُبصركِ في القَصرِ
ماتت عليك أسىً أجيبيهِ / وإذا رأيت الحزن منطبعا
في وجهه الذواي من القهر / كوني له أختاً وعزيه
وإذا ترقّق لي ليستمعا / ما قلت ساعة نزعك المرّ
قولي له ابتسمت فتُسليه / وغذا أراد بأن نسير معا
للقبر كي يبكي على القبرِ / رحماكِ إنّ الدمع يؤذيه
جبلٌ من البُنيانِ زلزِلَ فوقَهُم
جبلٌ من البُنيانِ زلزِلَ فوقَهُم / وانقَضّ بعصفُ فيهم ويُدَمدِمُ
لله منظَرُهم وقد فغرَ الردى / فمهُ وقال استسلموا فاستسلموا
جُثَثٌ مطوّحةٌ ذراها عاصفٌ / وحمالقٌ ميلٌ وأشلاءٌ دمُ
بين انفلات الروح واستمساكها / تحت الجنادل والمعاولُ ترزمُ
أملٌ كخيط أبيض في قاتم / متلبد أو سكرةٌ وتوهّم
صُورٌ تطوفُ بهم مخضّبةَ الرؤى / اسدٌ يمضزِّقُهُم وينهَشُ أرقَمُ
وأمرّ من هذا وأوجعُ زوجةٌ / خطرة كومضِ البرقِ أو خطرَ ابنمُ
لاحا كأخيلَةٍ خلالَ غمامَةٍ / حمراء تشرَقُ بالضرام وتسجمُ
وحبيبةٍ في شملتي مجنونةٍ / وقفَت تحدّثٌ في الفضاء وترسمُ
وكأنها لما رأتهُ صفّقت / وتضاحكت في وجههِ تَتَهَكَّمُ
حمّى لها نهمُ السباع ويقظةٌ / تحت التراب هي الجحيمُ الأعظمُ
صهٍ أيها الموتى ولو كان فيكمو
صهٍ أيها الموتى ولو كان فيكمو / حياة لصِحتُم ملء هذه الحناجرِ
لقد مَنعوا الأنوارَ عنكمُ وأنصفوا / متى احتاجَ للأنوارِ أهلُ المقابرِ
نجي العلى حرب على الشهوات
نجي العلى حرب على الشهوات / حيي كمنديل بصدر فتاة
ولكن إذا الأوطان نادت أجابها / وقاح كناب الليث عض بشاة
من الجهل أن تلقى المهند بالعصا / وأن تدفع الأعداء بالصلوات
صداق العلى: نفس تسيل على الظبى / مرصعة الآهات بالبسمات
أبى لك طبع الصاعقات إذا هوت / على قضب الماذي منجذبات
وخفت فجاءات الردى فسبقتها / بوثبة جبار إلى الذروات
إذا ضمن المرء الخلود على الصبا / فما عمره الباقي سوى فضلات
أخا الأدب الحالي مررت على الصبا / فأدميت منه مهجة الزهرات
وغادرتها نشوى الهوى وهي طفلة / تفتش عن أحلامها النضرات
تحسك بالشادي إذا رق شجوه / وبالجدول الباكي على الحصبات
وبالورقات الخضر فأجأها الهوى / فشدت على الأغصان مرتعشات
وبالشاطئ المغمور بالظل والشذا / على حركات الماء والسكنات
فتنسكب الأنداء بسامة المنى / على قلبها الصادي إلى القبلات
على وجه سورية جديد تحيتي / إلى سابقات فيه مؤتلقات
وإن أنا حييت الشآم تنفست / ربى الأرز عن أزهاره بلهاتي
جذبت إليه العرب بعد نفارهم / وذوبت في كاساتهم نغماتي
ظباءٌ يخافُ الشرك فيها أخو الهوى
ظباءٌ يخافُ الشرك فيها أخو الهوى / وقد خُلِقَت نفسُ المحبين عابده
على أنني والغيد تشهَمُ بعضها / علقتُ وليتي ما علِقتُ بواحدَه
ونَبّه منهُنّ الظنون سكوتها / فقلن لها ما كنت من قبل جامدَه
نظُنُك من يعني الشقِيّ بشِعرهِ / فقالت أنا دعوى ولا شكّ باردَه
على رسلكم ليس الفتى غير شاعرٍ / يغنّي كما شاء الخيالُ قصائده
تبَسّم وشَعشع لي السلافة في الكاسِ
تبَسّم وشَعشع لي السلافة في الكاسِ / فثغركَ في ليلِ الحوادثِ نبراسي
ولا تلمُسِ الكأسَ التي قد رشفتها / أخاف على كفيكَ من حرّ أنفاسي
إذا ما ضربت الكلب يعوي، ورُبَّما
إذا ما ضربت الكلب يعوي، ورُبَّما / تقَحَّمَ مُؤْذيه وعضَّ بنابه
وفي الشَّرْقِ ناسٌ، لو سحقت رؤوسهم / لما نبسوا... فليخجلوا من كلابه