المجموع : 23
حلمت ولم أعلم أحلمىَ يقظةٌ
حلمت ولم أعلم أحلمىَ يقظةٌ / لروحيَ أم مالاح أضغاثُ أحلامِ
ولم أستطع تفسيره من تجاربي / ولا من مناجاتي لشهبٍ وأجرام
حلمت كأني في مجاهل غابة / مخاطرها خلفي وفوقي وقدامى
وكل أماني أن شوكاً أدوسه / وليس بصلٍ أو مخالبَ ضرغام
وليس حيالي غير نبت مُمرد / يردّد صيحات الوحوش لأوهامي
وغير خيالاتٍ وأشباح جنَّهِ / موسوسةٍ حتى تَعَّثر إقدامي
وقد أطبقَ الجو الثقيل كأنه / يحاول خنقي في تقننّ اجرام
يطل دمى الشوك العضوض مخاتلا / ويمسكه خوفي ويأسي وإحجامي
وهذي جموع للقرود صراخها / ينافس صرخات الرياح لإيلامي
وفي وحشتي فوجئت غير مؤمَّلٍ / بمسحة نور بدّدت كل إِظلامي
لعل ولىّ الله شربل قائدي / يطيب ما حولى وجسمي والهامي
تخيلته يمضى أمامي مباركا / فتنتفضُ الآياتُ من برهِ الهامي
فألفيت دُنيا غير غابٍ خشيته / مُرنقَّةً بالنور وِالعطر للظامي
تُغرد فيها الراقصات ملائكٌ / وفي كل ركن مُوحيات لأفهام
وأسرارها شتى ولكن تشرّبت / خوالجها أنداءُ عُشبٍ وآكامِ
تَضاحَك فيها الحسنُ وانجابَ شاعراً / خطيباً وكان النبعِ سمفوُن أنغام
وصار حنانُ الجو ينعش مهجتي / ويرعى تعلاتي رعاية أيتام
فقلت ولى الله سُّركض مُنقذي / فشكراً ولىَّ الله تعداد أيامي
وهل لك أن تُسدى لأمتى الهدى / وتنقذها من بؤسها الغامر الطامي
لأوثر هذا عن بقائَي سالما / وأهلي وأوطاني بضيمٍ وإعدام
فقال حرام أنَّ مثلك كادحا / يُضام ويُجزَى التيه ما بين ألغام
وأما بلاد تعبدُ العجل فاسقاً / فيركلها ركلاً مرارا بإحكام
وتنعم بالتضليلِ حتى كأنما / هَو أنٌ لها أن لا تعيش كأنعام
فما طاقتي أو عدل ربى وإن سما / لِيرَقىُ بها يوماً إلى عرشه السامي
وسائلةٍ هل تقرض الشعر فطرةً
وسائلةٍ هل تقرض الشعر فطرةً / فقلتُ أجل لكن بدمعي ونيراني
سواءٌ بمحراب الطبيعة لحنه / وفي هيكل الحب المطهر وجداني
وفي مَهمهِ الأرضِ الحزينةِ راثياً / بنى الأرضِ اذ أرثى وجودي وانساني
تَفَّجرَ من قلبي جداول لوعة / دماً يتلطى في أناشيد فرسان
عفاءً عليه ان أبحتُ له الردى / حِبالَةَ زهوٍ أو مطيةَ طغيان
ولم أدّخره للسموّ بأمتي / وآصرتي بل للسمو بإيماني
عفاء عليه إن يكن محض متعة / ومسرح أوهام ومعر ألحان
ولم يرتفع بالناس بل مبدعاً لهم / عوالمَ من خير وحب واحسان
فيا كافرا بالنبل في الكون ساخرا / من الحق ليس الكفر مجداً لفنان
سألهب في منفاى خيرَ شواعر / اذا كنتَ في مغناك غُصَّةَ لهفان
سأحتمل المرّ العذابَ خصاصةً / وَمقتاً وتجريحا لإنصاف أوطاني
فإن عشتُ فليؤخذ دم الحق من دمي / حبيرة ميثاق وَصلبان رهبان
وإن مُّت فالقلب الذي أنا تارك / بشعري سيحيا نابضا نبض بركان
ولا بد للطاغوت من وهدةٍ له / ولا بد للجانين من مصرع الجاني
إلى ابن حبيب من ثنائي أَجَّله
إلى ابن حبيب من ثنائي أَجَّله / ومن كل مالي ما يقل ولا يفي
ويا طالما أسدى الى دَماثةً / ولطفا وعلما بالفرائد مُسعفى
وكم مرةٍ ألفيته مثل ناسك / تغَّذى بانجيلٍ ولاذَ بمصحف
وقد عَّبقَ التبغُ الفضاءَ بحجرةٍ / يكاد بها يخفى دخانا ويختفى
تطالعني منها عقولٌ كثيرةٌ / وأحلامُ أجيالٍ وثروات أحرفٍ
وكم من عيونٍ شاخصاتٍ كأنني / عليلٌ يواسَى من هُداها ويشتفى
تعرفن طبي أن أعيشَ بقربها / ويا ليتني والناس عنها بمعزف
وكم مُدنفٍ بالوصل يُشفى منعما / ومثلى برغم الوصل أشوق مُدنَفِ
ويشرف توفيق عليها كأنها / عيال له تأبى سواه كمشرف
وكل يراعيه كطفل مدلل / عزيزٍ تُناغيه رؤى المتصوِّف
وما زال من يسدى العطايا كأنه / خليفةُ رب العالمين مُسر في
اذا قلت عفوا راح يغمرني غنىً / ويأمرني قهراً وراح معنفى
وبين إساءاتي رعايةُ ماله / وبين ضلالاتي دوام تعطفي
أَحمَّل اسفاراً وفي الحشر قسمتي / كتاب يميني لا صحائف ملحف
تَلهَّفُ نفسي أن أحوز أقلها / فأزجرها وهو المبيحُ تلهفي
وينعي علىَّ الكبحَ أضعافَ غضبتيِ / عليها ولا يرضى بغير تطرفي
يقول جميع الكتب ملكك ان تشأ / وكم من صديق بينها لم يُعَّرفِ
لعلك تجلوها الى الناس قادراً / مَفاتِنَ لم تخطر ببال مؤلف
وأنظر للأسفار وهي بواسمٌ / يُحيرني فيما أروم وأصطفى
وصاحبها الجذلان يرقب حيرتي / ويأبي كهارون الرشيد تخوفي
فنهبٌ مباحٌ كل كنزٍ حياله / وما حظه إلاّ رضى المتفلسف
تضخم دَينيِ وهو بالدَّين ساخرٌ / يهون منه وهو باللطفُ متلقى
إذا زادني براً رزحتُ ببره / كأني على الحالين أشقى بمنصفي
فهل يقبل التخفيفَ من عبء فضله / بما أنا مُزجيه الى حبه الوفي
وياما أقَّل المال رمزَ عواطفٍ / ويا ما أَجَّل الحب في كل موقف
أخي وجمالُ الشعر ما أنت ناثرٌ
أخي وجمالُ الشعر ما أنت ناثرٌ / علىَّ كأني هادمٌ للقياصرِ
كأني نبّثى لم يدنَّس خياله / وقربانه للفكرِ لا للشعائر
ذكرتكَ في وَجدي غريباً موزَّعاً / كأنك حِررٌ لي أمامَ المخاطر
وقد جئتَ تحبوني ضيافة مشفقٍ / لدى كنفٍ حول الطبيعة ساحر
وياليتني من يستطيع إجابة / وينعم في غابٍ من الناس ساخرِ
أعيشُ أبيعُ الخلق بالبخسِ حكمتي / وقلبي وإن ينبض بأحلام ثائر
وما كان لي حلمٌ ووهمٌ أبيعهُ / سوى المثلِ الأعلى المرَّنحِ خاطريَ
تعاليتُ عن أرجاس دُنيا خسيسةٍ / وإن عشتُ مهموماص بسحق الصغائر
وواعجبي والمرجفونُ تآمروا / حيالي عيشيِ بينهم عَيش طاهرِ
كأنَّي نبعٌ شامخٌ متفجرٌ / ومُكتسحٌ في وثبهِ كلَّ غامرش
أذابَ سناءَ الشمسِ طىَّ صفائِه / وزكَّت معانيه تبسُّمَ عاطرِ
وأنفقتُ عمري في المحبةِ للورى / فلم القَ إلا غادراً بعد غادر
وياما أقلَّ الأوفياءَ بعالمٍ / تواروا به واستعذُبوا جحدَ ناكر
هنيئاً لك الشَّهدُ النميرُ مسلسلاً / كأنَّ به تُروَى ملاحمُ شاعرِ
هنيئاً لك الجُّو الطليقُ كأنه / عوالمُ لم تُفسد بباغٍ وفاجرِ
هنيئاً لك الفكرُ الذي أنتَ مبدعٌ / كأنَّك في الفردوسِ رب المشاعرِ
هنيئاً لك الصحبُ الذين توافدوا / ليغتنموا ما صغتهُ من جواهر
ويا ليتني من يضمنُ القوتَ وحدَه / فلستُ أُبالي بعدَه ما مصائري
فإني غنىُّ في يقيني وهَّمتي / وإن ظَنَّها الجَّهالُ هَّمة عاثرِ
وكم كائدٍ حولي يُرتِّلَ حمدهُ / ويرفع من قدرى على كل قادر
ويطعنني في الخلفِ وهو مُقِّبلٌ / يَراعي كأني سخرةٌ للمقادر
كأن جزاءَ الألمعية حَتلتها / وتكبيلها فيما حَبت من مآثرِ
نواغض قد خَّلفتها غير آسف / فألفيتها حولى تُنغِّصُ حاضري
وما هي إلاّ من نتائج موطن / أفدّيهِ مهما عقَّني في شواعري
تَتَّبعنيِ أفرادُه في صلالهم / وشايعهم أمثالهم في المهاجر
وإن كان عزّاني على البؤسِ أنني / أعيشُ بأرضٍ حُّظها للمغامر
بنوها بنو العلياء لم ألق منهمو / سوى كِّل إكبارٍ برغم المكابرِ
فيا خِّلىَ الحرَّ الأبى وتوأمي / بروحي وتفكيري بيومي وغابري
كفانيَ أن ألقاكَ مُنعَّماً / ولو فترةً يا ساهراً غيرَ ساهرِ
فكم من ليالٍ قد قتلتَ بلاونى / لمحيا جسومٍ أو لمحيا ضمائر
ولم يَشقَ إلاّ اثنان أنت ومبضعٌ / حوى فنِّ جبار لحرب الجبابر
لعلى متى ألقاكَ ألمحُ ومضةَ / بعينيكَ نَمَّت عن شُجون العباقرِ
وَنمَّت عن الفجر الجديد لشاعر / وَنمت عن الخلاَّق خلفَ المظاهرِ
أَزود مُنها خاطري ومشاعري / وأبدأ عُمراً راضياً عن مآثري
أفى العرسِ تُنعى يالها قسوةَ القدر
أفى العرسِ تُنعى يالها قسوةَ القدر / ولكن هي الدنيا تُعَّلمُ من غَدر
ولم ترحم الُّدولاتِ يوماً فهل لها / بأن تُنقذَ الفردَ العظيمَ من الغير
وكنتُ على وعدٍ لألقاكَ مثلما / ألاقي بشاشاتِ الصبَّاحةِ والزَّهر
لأنعمَ بالحلوِ الحديثِ مُرنَّقاً / وبالحبِّ موفوراً وبالرّاحِ والثمر
وأقتبسَ المعنى الثمينَ ذخيرةً / إذا شحَّ ودُ الناسِ أو خاطري افتقر
وأشهدَ أوراقَ الخريف مجانياً / من الجَّنة الفيحاءِ لا ذابلِ الشجر
وما كنتُ أدرى أن موتكَ سابقي / وإن كنتَ لم تَبرحَ على الوعدِ تنتظر
وما رخُصت يوماً بقربك لحظةٌ / بذلتَ لإسعادي ولا مَسَّها الضجر
فها أنا من يلقاكَ والدمعُ خانقي / وما لي ابتسامٌ كابتسامكَ مدُخُّر
تجَّلى على الوجهِ الحبيبِ بوَسنةٍ / هي الرَّاحةُ الكبرىِ لمن كَّدهُ السفر
نَداماكَ جاؤا جازعين وطالما / بِشعرِكَ كانوا الطائفينَ على السمر
يطوفون سكرَى حول نعشكَ في الأَسى / وبالأمس كنتَ الشعرَ يُسكرُ من سكر
رأيتَ بعين الرُّوحِ عُقباكَ إنَّما / أَبيتَ عزيزاً أن تكون على حَذرَ
وَخَلفتناَ لم نفقد الفنَّ وحدَه / بل الرجلَ الفذَّ الذي قلبهُ انفطر
وفي هيكلِ الحبِّ السماوىِّ نَفحهُ / وُشعلتهُ الُمثلىَ تَضئُ لمن عَبرَّ
وفي ذّمةِ الرحمنِ نورٌ أذابه / على الطِّرسِ أو نورٌ على العالم ابتكر
وما كان بالتهويلِ والرَّوعِ فَنُّهُ / ولكنَّه نبعٌ تَسلسلَ وازدهر
وكل الذي أسدى سَجيِّةٌ نفسهِ / وليس مُعاراً من فَلاة ولا حَضر
أَبيتُ الربا إلاَّ ربا الوقتِ عنده / فمن زاره يَغنىَ ومن فَاتَهُ خَسر
كانَّ السنينَ الخمسَ خمسون حجَّةً / بصحبتهِ أو كالخضمِ إذا غَمر
عرفتُ بها الانسانَ في ملكوتة / مَلاكاً وقد عادَى الصغائرَ واحتقر
وأَنشقنيِ عَرفَ التسامي إباؤهُ / وأشعرني بالجاهِ ما صاغ من درُر
لقد عبدوا الأصنامَ وهي سواخرٌ / لغفلتهم أضعافَ ما عبدوا البقر
وَعُّجوا بشكواهم وهم من بِذلِّهم / جحيمٌ اعُّدوه وفي جُبنهمِ سقر
وما ندرةٌ إلا هديةُ رحمةٍ / إلى الخلقِ فاغتيلَ الحنانُ الذي نَدرَ
وقد بَذرَ الحبَّ المصفىَّ لعالمٍ / شقىٍ كأنَّ الله من قلبه بَذَر
ولم يصطحب إلاّ السُّهادَ ببحثه / كذاك النجوم الزُّهرُ تصطحبُ السَّهر
لئن لم يَنل من عمره غيرَ ذكره / فإنَّ أَجلَّ العمرِ ما شَعَّ بالذِّكر
يُصلى عليه المسلمون كأنّه / ولُّى وفي بُرديهِ عثمانُ أو عمر
وتبكى له الصُّلبانُ حتىّ كأنّما / بذبحته كان الفداءَ لمن كَفر
ويعرفه الانسانَ من كل مِلَّةٍ / أخاه فِمن وجدانِه ذاقَ واعتصره
ولم يشرح الانجيلَ إلا خلالُه / ولا كُتب الأديانِ دونَ الذي سَطر
وما قيمةٌ الانسانِ إلاّ بقلبه / فينبضُ بعد الموت في كلّ ما خطر
كذلك غَنَّتنا القرونُ التي مضت / وغنت لنا الافلاكُ إن ليلنا اعتكر
فكيفَ بِمن لمَ يعرف الموتَ طبعهُ / وعاشَ جمالاً للحياة بما نَشر
وكيف بِمن أنفاسُه علويَّةٌ / تَشرَّبها من حولنا كل ما نَضر
إذا قيل يوم الذكر هذا فإنَّه / تضمَّخَ أضعافاً بذكركَ لِلعصر
وما الفاتحُ الغلاّبُ بالنارِ ذكرهُ / بأخلد من لحنٍ تأجَّجَ وانتصر
صديقي الُمسَّجى أي رُزءٍ لعالمٍ / سيبقى على الآباد يَشقىَ ويحتضر
وَيَفنىَ مراراً حين يُبنىَ مكَّرراً / وقد خُلطت فيه الخرائبُ والصُّور
وكان وما زالت معاليه هُوةص / وكان ولم يبرح إذا اكتملَ اندثر
وكان ولم ينفكَّ ماساةَ مسرحٍ / يُهدّمه الباني وتملؤهُ العبر
وهلَ ثمَّ معنىً للنبوغ بأَوِجهِ / يُساقُ إلى الموتِ المحَّتم والحفر
أم الموتُ ميلادُ الحياةِ غنيةً / بما كسبتهُ من تُراثٍ ومن فِكر
وأنك أنتَ العبقري بروِحه / تُحدِّثُ من نَاجَى وُتلهم من شعر
ومنبركُ الحُّر المطل على الُّدَنا / تَفَّردَ لم تحجبه شمسٌ ولا قَمر
عجائبُ ضاقَ العقلُ عنها ببحثه / وَزلَّ خيالُ الشعر فانبتَّ وانكسر
أِجبنيِ كما عوّدتني في صراحةٍ / وفي نظرةٍ نفاذةٍ حلفَ ما استتر
فما كان هذا الصمتُ صمتاً لخاطري / أذا شئت أن تُوحى وتُصدَقني الخبر
وإلاَّ فوا حُزني المضاعفَ عندما / يُرَدِ نجائي كالجريحِ الذي عثر
ويا وحشتي في غُربتيَّ وقلما / أرى غير من باهىَ على الشرِّ وابتدر
عزاء بنى حدَّادِ والخطبُ خطبنا / جميعاً وخطب الألمعيةِ والبشر
ومن ذا يُعزّى في النبيين آلهم / وينسى شعوباً حُّظها اليأسُ والخطر
فما كان هذا النبل ملكاً لأمةٍ / ولا لغةٍ عزّت ولا مرسلٍ ظهر
ولكنه ملكٌ لآفاق نفسه / ومن بعضها أسنى العواطفِ والوتر
غفرنا ذنوبَ الدهر إلاَّ ذنوَبه / على المبدعِ الفنانِ لو أنه غفر
عزاءً لنا جمعاً عراءً فإنما / إذا الشعب لم يُنصف نوابغه انتحر
وما كانت الُقربى الوشيجةَ وحدَها / فبين دموعِ الناسِ ما خَلقَ المطر
وليست دموعٌ تُبذل اليوم حوله / دموعكمو بل ِ من معانيه ما انتثر
ومن ذا الذي منا يؤبن فضله / بأبلغَ من نفحِ الخمائلِ والنَّهر
ومن خطراتِ النور تُضفى حَنانَها / فيلثمها في بِرَّها التربُ والحجر
ومن كلِّ حسنٍ في الوجودُ مؤصلٍ / يجاوبُه بالرُّوح والسمعِ والبصر
ولم أَلقهُ يوماً وكلي حيالَه / خُشوعٌ كحالي اليومَ لا أملكُ النظر
وليس جلالُ الموتِ ما هو قاهري / ولكن جلالٌ في تساميه ما قَهر
لمن رَقرقَ الشعرَ العصىَّ جداولاً / من السحر والآىَ الطهورةِ في سُور
ومن كان أدنى فضله يَبهرُ النُّهى / ويُخفى حياءً منه أضعافَ ما بهر
ومن دمعةُ العاصي عليه كدمعتي / كأني جزءُ منه بد بُتَّ فانشطر
أراني صديقي في وقوفي مؤبناً / أخادعُ نفسي في صفاتك والأثر
وإلاّ فما عذري ومثلكَ من أتى / إلى هذه الأطلال من سدُمٍ أَخر
وليس رثائي غيرَ رمزٍ لوحشتي / فشأنُك بين العبقريةِ والقدر
ومن كان من نورٍ وعطرٍ حياتُه / فغايته التخليدُ في نوره العطر
تعالى على الشكر الحميم بعيشهِ / وفي الموت لا يعينهِ تأبينُ من شَكر
ولكنما يعنيه ثأرٌ على المدى / من الظلم والُّظلامِ والبطشِ والبطر
لئن جادَ بالشعر الرقيقِ أغانياً / فمن خلفها الآلام تقدح بالشرر
لقد عاش عيش التضحياتِ وموته / حياةٌ لمن يحيا وإلهامُ من ثأر
شِربنا مُذاب النار بعد فكاكها
شِربنا مُذاب النار بعد فكاكها / فقهقت الأكوابُ في وثبةِ الجمر
وأحرجت الأقزامَ حتى تلعثموا / ورَّوعت الظُّلامَ في غضبةِ الحر
نعم ظلموها من سنينٍ بحبسها / ولم يعلموا فالخمرُ روحٌ لمن يدري
ولما زأرنا قيل سَكري تخبطوا / وما نحن من يعنو إلى اللهوِ والسكر
ولكننا ثُرنا على الضيم والقذى / كما ثارت الأكوابُ بالسُّخط والثأر
وما أُهدرت إلاّ وفي دمنا لها / حقوق وأحكامٌ على الجبنِ والغدر
وما كان نخبَ اللهوِ كأسُ شريفةٌ / ولكنه رمزُ التطلع للفجر
أهذا هو الفنانُ نسمعه فنَّا
أهذا هو الفنانُ نسمعه فنَّا / وليس الذي قد عاش في الأرضِ وافتنا
وهل يحتوى هذا الأثيرُ على المدى / أغاريدَ لن تَلقَى كمبدعها الَّدفنا
تطوفُ على الآذان وهي شواردٌ / وحيناً تلاقى الذهنَ يُنصتُ والأذنا
كما تُنصتُ الأشجارُ وهي سواهمٌ / ومنها الذي ناجى ومنها الذي غنَّى
وليس تراثُ العبقرية نغمةً / ولكن صداها الخالقُ الغيبَ والكونا
كأنَّ بنى الانسان ليسوا بعيشهم / بنى الأرضِ أو أنَّ الحياةَ بلا مَعنىَ
وأنَّ وُجودَ الناسِ بعد مماتهم / فبعضهمو يحيا وُجُّلهمو يَفنىَ
وما هذه الأشباح إلاَّ تجاربٌ / وما الكائنُ الباقي سوى الَمثلِ الأَسنى
مرقرقَ أنفاسِ الطبيعةِ فتنةً / وواهبها للنَاس ألحانه الحسنىَ
سواء سمعناها جهاراً وهمسةً / وصمتاً وإضماراً فقد كنتها فَنَّا
وما كان هذا السحرُ ايقاع ساعة / ولكنه خُلدٌ تمثلتهُ عينا
ترَدَّدَ في الأجواءِ والكونُ خاشعٌ / ولا ينتهى الترداد حِساً ولا ظَنَّا
وقد حَّركَ الُمزنض الشتيت فعابرٌ / على عَبرةٍ أو حاضرٌ حِسُّه مِنا
كأنَّ الرذاذَ الُحلوَ أشواقُ رفقةٍ / تعالوا وَحيُّونا وقد سكبوا المزنة
أصخنا جميعاً لا نضيعُ لحظةً / كأنا شككنا بعدها أن نَرى أمنا
كأنا رفضنا العيشَ دقاتِ قَلبنا / وأنا اندمجنا في الخلود وما جَّنا
وما نسمعُ الأنغامَ عزفاً مسلسلاً / ولكنها الأحلامُ صادرةً عنا
توحدت الأضداد حتى كأنها / عيالُ حباهَا الفُّن من شأنِه شأنا
كأنَّ الأخاءَ السمحَ في ظل أسرهِ / فلما انقضى صرنا نرى بعده الغبنا
وكنا انطلقنا من سجونِ عتيةٍ / بأجسامنا حيناً فلما انتهى عُدنا
فيا ليتني أصبحتُ لحناً مشرداً / ووَّفيت للكونِ الِّربا الجَّم والدَّينا
ويا ليتني بادلتُ عمري بمقبلٍ / فهذى حروبُ الظلم تطحننا طحنا
أجارَتنا إن المزار قريبُ
أجارَتنا إن المزار قريبُ / وإنيّ مقيم ما أقام عَسيب
أجارتنا إنا غريبان ها هنا / وكل غريب للغريب نسيب
آهٍ وآه وما حُرقتيِ / شكوى لكنها غضبةٌ للأسد
يا قسوةَ الدنيا ويا غِدرَها / لم تظلما مثليَ يوماً أحد
أتذكر لما كنت تبكى محاولاً / نكوصى فهل بالدهر قد كنت أخبرا
ولكنني لم أرض إلاّ تَوَثبُّيِ / دليلاً وجابهتُ الشدائدَ قَسوراَ
بكى صاحبي لما رأى الدربَ دونه / وأيقن أنَّا لاحقانِ بقيصرَا
فقلتُ له لا تبك عينك إنما / نحاول مُلكاً أو نموتَ فَنعذَرَا
يا قروُحي أما شبعتِ / فجسمي يتلظَّى ولم يَعد بعدُ غَضَّا
ساقطاً كالنثير من قطعِ النج / مِ وقد ذاب ساقطُ النجم ومضا
ليس لحماً ولا دماً بل ضياءَ / ورجاءً طرحتهِ اليوم أرضا
يا قُروحي لا ترحمي يا قُروحي / إن أَعِيش كالتراب ضَيماً وخفضا
ليس روحي ليس جسمي من الدنيا / ومنها وَدَدتُ لو كنتُ أُنضىَ
تُرَى هذه الانغامُ ألحانَ ساحرٍ / طوى حِقبَ الأدهار براً بآمالي
وهل ذلك الطيرُ المغِّردُ شيعةٌ / تمُّت إليه لحنها بعضُ إعوالِ
أهذا شُعوري أم وساوسُ ميتٍ / وهذا عِياني أم هواجُس بلبالي
ولو أنني أسعى لأدنى معيشةٍ / كفاني ولم اطلب قليلٌ من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثلٍ / وقد يُدرك المجدَ المؤثَّلَ أمثالي
عَفا اللاتُ عن طيرٍ أحُّب نشيَدها / ولو كان سُحراً بي لعجزي وإهمالي
ويا ما أُحيلاَها على أي حالةٍ / وما حَفلت يوما بملكٍ وأوجال
كأنَّ قلوبَ الطير رطباً ويابساً / لدى وكرِها العناب والحشفُ البالي
ونادمتُ قيصرَ في مُلكه / فأوجهني وركبتُ البريدَا
اذا ما ازدحمنا على سكةٍ / سبقتُ الفرَانِقَ سبقاً بعيدَا
وقد طَّوفتُ في الآفاق حتى / رضيتُ من الغنيمةِ بالايابِ
فيا شمس النهار ألا سبيلٌ / لما تدرين من حيلِ الظلامِ
لكم حاربتهِ حرباً عَوَاناً / وكان يفُّر منكِ بلا احتشامِ
فهل سيغولني إن غبت عني / أنا النجمُ المحطمُ في الرغام
أجيبني أجيبيني فإنيِّ / أُعاني من قُروحي ما أُعاني
وان شمخت على الآلامِ نفسيِ / وِملءُ شموخها أبقىَ المعاني
أُعانيها واكتمها كأني / أمينٌ حافظٌ سِرَّ الزمان
ويا هذي النوافحُ من شُعاعٍ / ويا هذى الرواقصُ من دَوالي
ويا هذي الأزاهُر من بناتٍ / مُنعَّمةٍ منوّعةِ الجمالِ
ويا هذي النسائمُ باسماتٍ / طَبعنَ ثغورهَّن على خيالي
أَأَنتن الشفاءُ أتى حبيباً / يُعزِّيني وقد سمع ابتهاليِ
أَمضَى النهارُ وفاتني من شمسة / ذاك العلُّو على السماءِ تَلالا
وكذاك عمري ما رأى إصباحَه / أضفي وِمن وَهَجِ الظهيرةِ نالا
تَبعَ الأصيلُ هَوَى الصباح ولم أَنَل / مجداً تألقَ في السماءِ وطالا
إضحكي يا قُروحي / وَلتعضِّى أَديمي
اضحكي من نُزوجي / في غرور النسيم
ضاع عمري هباءَ / مثلما ضاعَ مُلكي
ما دَرَى من أساءَ / لو دَرَى كان يبكي
وَهَجُ الظهيرةِ لم أره / وكذاكَ مجدي لم أره
كل الذي حولي مما / تٌ باسمٌ في مقبره
ما أحقرَ الدنيا لمن / رفع الحياةَ عن الشَّرَه
فآهِ آه يا قلبي جحيمٌ / جحيمٌ كل جسمي لا يخفَ
وحولي للربيع من المجاني / مَشارِعُ لا تضُّن ولا تجفَ
وأين يدٌ لتطفئَ بي ظمائي / وأينَ الغانياتُ له تَرِف
أيها الأضواء فوق ال / عشبِ يا صفو الرحيق
أنعشين أنا كالمخمو / ر غُّر لا أفيق
أسكرتني سوَرةُ ال / حمَّى فأضُللتُ الطريق
يا ليت شعري أسقمى / عن غدر قيصرَ يُنبي
أذاكَ سُمُّ دفينٌ / يُحسُّه خَفقُ قلبي
ماذا أُحلتَّكَ التي أهديتها / كانت ملوَّثةً بسم قاهر
يا بئسَ قيصرَ إن يكن إعجازُهُ / تدويخَ مُعتربٍ وقتلةَ شاعر
إنّا بنو الافلاك ليس يحُّدنَا / وَهمُ الزمانِ ولا الوجودِ العاثرِ
نبني الشرائع بالعواطفِ وحدَها / ونعافُ أحكامَ القضاءِ الدائرِ
يا حياتي آذَانَ اللي / لُ بإطفاء سِراجي
ها هي الشمسُ تُحي / يني وقدحانَ زَمَاعِى
ها هي الآلامُ قد خَّفت / وإن كانت تُدَاجى
ها هي الأرضُ بَدَت / تَبتل من نثرِ الدَّماعِ
قد بكت لي وبُكاءُ ال / أرضِ أُمي كابتهاجي
فإليها أنا ماضٍ / وتباريحي وَدَاعي
من تُرَى ذلك الذي شَطَّ في النَّقش / ونفضِ الأصباغ فوقَ السماء
هل دمائي هذى نعم بل دمائي / أهرقت في قروحي الرمضاء
ولكنَ الظلامَ أراه يعدو / إلىَّ فهلَ تَخَّوف من ذهابي
تَمهَّل أيَّها الجاني تمهَّل / فللحمَّى سلاسلُ لا تُحابي
وضَعفي مُرغمي وَعثارُ قلبي / كما عَثرَ الصغيرُ على انتحابِ
وأنتِ يا نجوم / نوافذُ الغيوب
ما سِرُّكِ المكتوم / أنكبه القلوب
تَبدينَ كالعيون / لكاسرِ الغيلان
وخاطري المجنون / يرنو لها سكران
وأنتِ يا نجوم /
إذَن غبتَ عني عامداً دون عودةِ
إذَن غبتَ عني عامداً دون عودةِ / كأَنَّكَ قد أحببتَ تخفيفَ لوعتي
تركُتكَ في الشمس الحنون مُدفَّأً / برحمتها في رقدةٍ أي رقدة
وكلمتني لما تركتك آسفاً / إلى عملي في لهجة مُستحيةِ
بها من غناءِ الأمسِ ترخيمُ عاشقٍ / ومن ضَعفكَ البادي تراجيعُ حسرتي
فياليتني آثرتُ قربك يومها / فيا طالما آثرتَ قربى وصحبتي
ويا ليتني لم أخدع النفس واهماً / شفاءَ دوائي أو نجاحي بحيلتي
وساءلتُ عنكَ الأهلَ والجيرةَ التي / رأتنا أليفي نَشوةٍ ومحبةِ
فنادوا وراحوا يبحثون كأنهَّم / على مَهمهِ قد ضُلِّلوا أيَّ ضَلَّة
وعادوا إلى ياسي بيأسٍ مضاعَفٍ / وعادُوا الى وَجديِ بوجدٍ وحيرة
لكم مرّةٍ غنيتَ بالشكرِ والرِضىَ / وكم مرةٍ قَبلَّت عيني ووجنتي
ويا طالما راقبتَ عَودِي كأنَّنا / عشيقانِ لم يستمرئا أيَّ فرقُة
فؤادُكَ لم أعرفه إلا ملاحماً / وَفَنَّاً لسمعي ليلةً بعد ليلةِ
فمن بدَّل الصوَّت الجميلَ وَمن ترَى / أَجازَ لصفوي أن يسيلِ بعبرتي
هو الدهرُ من قد بَعثرَ الخلقَ مثلما / تُبعثرُ ماءَ البحرِ ضرباتُ صخرةِ
فقدُتكَ يا خلي الحبيبَ وهكذا / سأفقدُ يوماً في المحيطِ كَذَرةِ
لكي وبحسبي أن أناديك مرةً / فتأتي وها قد خبتُ في كلّ دعوة
ولو كنتَ لي طفلاً لما كان مد معي / أُحرَّ ولا ذكراى أدعى لحرقتي
عرُفتكَ في الخمسِ السنين بصحبتي / عفيفاً نزيهاً لم تُلوَّث بريبةِ
ويا ما أقلَّ الناس مثلك في الهدى / ولو أنهَّم كانوا لما اشتقتُ غُربتي
ولو كنتَ منطيقاً لما كنتَ مُفصحاً / بأبلغَ مما قد تركتَ بِمهجتي
حرامٌ سكوتي بعد صمتكَ ميتاً / فمن ذا يُوفِّى الدَّينَ قبلَ منيتي
حرام وقد ألهمتني كلَّ ضَحكةٍ / حُسدتُ عليها مثلَ إلهامِ دمعتي
إذا كان هذا الشعرُ نفسي فإنه / كذلك بعضٌ منك في طيِّ نفحتي
وان لم تُخلِّف للورَى أثراً يُرَى / وان لم تخلف لي عزاءَ وَصيَّةِ
فحسبُ الورىَ ساعاتُ أُنسٍ نظمتها / وحسبُ أليفٍ غاب دمعي ووحدتي
أيا واحةً في وَحشةِ البيد أنسها
أيا واحةً في وَحشةِ البيد أنسها / يُحرَّمُ فيئى ظَّلها ونُزولي
لمن تُخلقُ الجناتُ إلا لشاعرٍ / قليل حنانٍ منكِ غيرُ قليلِ
يا قيسُ رفقاً بمهجتي / فإنَّ رياح البيد تُرهق أزهاري
وقد صَّوحتها وهي في عُنفوانها / وكم تُقتلُ الأزهارُ في بُعدِ زَهَّارِ
عرفتكِ طفلاً في ظلالك لهوه / نُغِّنى ونجرى كالضياء وُثوبا
ونعبثُ بالدُّنيا وما عبثت بنا / فكيفَ غَدونا مُثقلين ذُنوبا
يا قيسُ كم يُظلمُ الهوى / نِفاقاً ويأبي الناسُ إلاَّ عذابَه
ومن نفحاتِ الزهرِ أنفاسُهُ لهم / فكيف أباحُوا للهيبِ مُذابُهُ
أأكتم حُبِّي أم أُشَبِّبُ ضَلةً / بمن لست أهوى كيف أحيا منافقا
أنا الفُّن والفنانُ لا عشتُ ناطقاً / إذا لم يكن فني كقلبيَ صادقا
لأنت نُّبي الحبِّ يا قيسُ فلتعش / بعيداً عن الدنيا الخؤونِ وأهلها
تُغِّنى لها كالنحلِ تَمنحُ شُهدَها / شهياً وتُجزى الموتَ شكراً لبذلها
أليلاىَ مالي غيرَ حُسنك مُبدِعي / وماليَ إلاّ قُربَكِ اليوم ناشري
فَنيتُ غداةَ الين فلترحمي فتىً / هواه نصبري حينما هو آسرى
اليلاىَ ما الدنيا سوى أَنت إن تكن / لذكراي أهلاً أو لنجوىَ مشاعري
فإن تُبعدي روحي الوفىَّ فما له / وجودٌ ولا ذكرٌ كأهلِ المقابر
حنانَكِ يا يلي حنانَكِ /
إنني / لأَطوعُ من وحىٍ يفيضُ بخاطرك
وفي صدري الخفاقِ منك نوازعي / وفي صوتيَ الملكومِ رَجعُ مزاهرك
جراحٌ خفياتٌ بنفسي عميقةٌ / أخبؤهَا والحُّب يأبي استتارها
وهيهاتَ للنسيانِ والنوم مرَّةً / مُحالفتي هيهات أقبلُ عارَها
سَتبقى على طُهر الوفاءِ نقيةً / وإن هي أودَت بي وأفنت سعادتي
ستبقى على مَرِّ الزمانِ شواهداً / لِحبِّي وعنوانا لأسَمى عبادتي
جراحي هي الأبَقى جراحي هي التي / يُنِّفسُ عنها الشعر وهو مقصرُ
كرهتُ حياتي ثم عُدت مُرجِّياً / حياتي كأني بالعذاب أُطُهَّرُ
حياتي وما معنى حياتي ولم أَزل / غريباً عن الدنيا لبعدكِ يا ليلى
ايا توأمَى إنَّا الغريبانِ مُذ أَبَت / علينا اتحاداً نحنُ كنَّابه أَولىَ
وَحقكَ لم يُبعدكَ عني شاغلٌ / وليس قِراني بالغريب قِرانَا
لأنَتَ بقربي رغمَ بُعدكَ شاملاً / وجودي وأحلامي هَوىً وِعيانَا
سيأتي زمانٌ يندم الدهر تائباً / وأي انتفاعٍ لي إذا هو تابا
إذا أنا بالأحلامِ عشتُ مُضلَّلاً / فَسيَّانش أغدو كوكباً وترابا
رويدكَ يا قيسُ الحبيبُ فإننا / لأسَمى من الدَّهرِ المسئِ وأهله
سَنحيا على الذكرى حياةً أبيَّةً / وَنعلو على خُبثِ الزمانِ وذُلِّهِ
وَداعاً إذن يا صنوَ نفسي وَقُبلةً / يَظل فمي عذباً بها وسلاما
وَداعاص فإن لم تستطع حملِ عبئهِ / فَألغِ لكَ العقلَ الحكَيمَ هُياما
حنانيكِ ليلى آهِ ليلى /
لقد مضت / وَوَلى الجميل الحلمُ حين تَسامَى
سأذرعُ هذا الكونَ ابحثُ عنهما / ولو ضاع عقلي ولوعةً وغراما
بُثينةُ لا أرَضى الوداعَ وإن أكن
بُثينةُ لا أرَضى الوداعَ وإن أكن / لأرَضىَ دمائي أَن تُراق لديكِ
إلى مصرَ أمضى إن تركتكِ فانياً / وما ليَ حُّظ المومياءِ لديها
إذن عذبيني في جوارك فهو لي / نعيمق ولا تُصغى إلى العذلِ والشكوىَ
ففي مصرَ تُحيى الميتين رموسهم / ولكن لمثلى الموتُ كالعيش في البلوى
وأينَ سبيلي يا جميلُ / أفىِ الهوى عزوُفكِ عني
لئن خانَت الدنيا فإني أمينةٌ / على الحبِّ كالأُمِّ الرؤومِ دَوَامَا
وفي الحشرِ أَلقىَ سواك مُخلصي / وليس سِوَى الحبِّ النقيِّ شفيعي
أعيشُ بدينِ الحبّ رغم قطيعتي / على مضضٍ حتى أردّ الأعادَيا
إذن خلصيني من عذابي حبيبتي / ولا ترسليني للفناء شريدا
إذا الشمسُ ألقت نورها لم بضع سُدىً / ولو ماتَ أحياهُ الغرامُ جديدا
اللهُ يعلم أّنني / أفدِّيكَ لا من يرتضيكَ شهيدا
أَجل يا بثينتي / فعارٌ ملامي حين أنتِ إلهي
مقَّدسةٌ في طِّي قلبي وُحبُّها / عطورُ دمٍ حىِّ وُحلمُ شفاهِ
ولكن أيا بُثنُ الحبيبةُ ما الذي / يحول عن التفكير في صُحبتي فورا
ولو شئتِ أودَعتُ القصائد مُهجتي / على الرملِ الواناً وأطلقتها سَكرىَ
وكانت لهذا الحسن أو في ركائبٍ / إلى مصرَ حيث الرملُ أزهرَ وأفترا
وحيثُ مياهُ النيلِ تجرى رواقصاً / يغازلُ بعضٌ بعضها هانئاً حُرَّا
يا جميلُ كفى كفى / أننقذُ بالأحلام حُباً لنا ضاعا
وكيف يضيعُ الحُّب في صدر عاشقٍ / سما فوقَ معنىَ الخلقِ روحاً وإشعاعا
وكيفَ وعهدي كالنسيم الذي سَرىَ / على مَرِّ أجيالٍ نشيدَ خُلوِد
أُأنسيتَ أنِّي زوجَ من لن يفوتنيِ / ولو عشتُ في المريخِ فوقَ جبالِ
فإنَّ بنيها للمرؤةِ قدوةٌ / وإنَّ بنيها بالمحبَّةِ أخلقُ
أحُّن إليها مستجيباً لدعوةٍ / تَغنَّى بها الصبحُ الجميلُ المرقرق
تَعطرَ من أنفاسِ مصرَ ونيلها / ومن وَحيها الغالي لنا يتألقُ
جميلٌ جميلٌ رحمة منك إنني / أعاني من التبريح والحسراتِ
ولكنما الحرمانُ أَشهىَ لمهجتي / من العارِ لا يَرضَاهُ طَبعُ نبيل
وقد يُبدُع الحرمانُ روحاً جميلةً / أحَبَّ وأوَلى في الهوى بجميلِ
وَدَاعاً حبيبي هاهي الشمسُ وُدَعت / ولاحت بأطيافِ المغيبِ شُجوني
وَداعاً فما لي باقياً غيرُ لهفةٍ / تُصاحبني حتَّى لقاءِ مَنوِني
وأنظرهُا حولي مَراِئيَ لوعةٍ / وأنغامَ أشجانِ وصوتَ جُنونِ
وداعاً غرامي أصبحَ اليأسُ مُرشدي / وقد كان قبلاً هاجري وخصيمي
وَداعاً كأنا قد خُلقناِ لفرقةٍ / وأَنَّا دُمىً تشقى بكفِّ لئيمِ
وَدَاعاً حياتي واسمحي لي بلثمةٍ / على قدمٍ يقفو خُطاهُ نعيمي
وَدَاعاً قبيلَ الليلِ فالليلُ قُسوةٌ / وإن كَنتِ شمساً فوق كلّ بهيم
وَدَاعاً حبيبي سوفَ أبقىَ وَفيَّةً / بروحي وفاءَ الزهرِ للغارسِ الحانِي
فما أنا إلا أنت مهما مَضت بِنا / تصاريفُ دُنيا لا تدينُ بإيمانِ
وَدَاعاً حبيبي ولتكن بعضُ أدمعي / دموعَكَ واكفف دمعك الغاليَ العاني
وَدَاعاً فما لي غير صومعة الأسى / عزاءٌ وَداعا يا ملاكي وإنساني
وداعاً حياتي سوف أنظرُ دائماً / إليكِ بمرآةِ السماءِ مرارا
وسوف أناجي كلَّ حُسنٍ يحوطني / لعلَّ به معنىً لديكِ تَوارى
أشعةُ شمسٍ تلكَ أم رجعُ أشعاري
أشعةُ شمسٍ تلكَ أم رجعُ أشعاري / يعودُ إلى قلبي بحبٍ وأسرار
وما هذه الذّراتُ تَخفقُ مِلأها / جواهُر أم هذى شراراتُ أفكاري
بلى هيَ من ناري وُنوري تبددت / وقد رقصت في الشمس رقصةَ فُجَّار
مضت نحوَ من أهوى وعادت كأنَّها / وقد عبثت حولى ضحية خَمَّار
إذَن أنتِ مثلي يا صغيرةُ إنَّما / أنا الُمثقلُ العاني بسجني وأوزارى
ولا شئَ أقسى من ضميرٍ مبكتٍ / بريئاً فما ساواه طُغيانُ جبار
سَأرسُفُ في هذا الحديدِ مكفراً / وقد كنتُ قبلاً رافلاً بين أزهار
وهيهاتَ أن ألقى الهناءة والرضى / ستلقى وقد كَفرتَ بالسجن عن ذنبك
لقيتَ جزاءً للغرور قضت به / شريعةُ حُبِّ حين أعرضتُ عن حُبِّك
أنظر إلى الكوةِ تَلقَ النورَ يحملني إليكَ / النورُ فيهِ الآنَ من ظِلِّ الشجر
صورٌ تراوغُني وترقص فوق ميتِ الحائطِ / وكأنّما هذى الظِّلالُ بها مآلي قد عَثر
فهوت مُضَّرجةً كآمالي بذلِّ القانطِ / بَادِر إذن وهَلمَّ يا أملي إلى حسن الفرار
إِنيّ لأفضحُ نفسي أينما ذهبت / بي المسالكُ حينَ الحب يُغري بي
فذاكَ صوتي وأنفاسي وناظرتي / تَشى بقلبي فَتفضي بي لتعذيبي
كيفَ الفرارُ أَفق يا غُّربلَ سفهٌ / أن لا أفرَّ ولو ضيعتُ آمالي
لا يقبلُ الظلم حي في مشاعره / سِرُّ الحياةِ ولا يرضَى بأغلالِ
إِضحكي يا شجوني / ولتنم يا غرام
ولتثر يا جنوني / في هوى الانتقام
وما انتقامي بسيفٍ لي أجردُهُ / بل باليراعةِ يخشاها المعاونَا
صبراً إذن يا ابن عبدوسٍ فيومَ غدٍ / ستكرعُ السم إذ تَلقَى ابن زيدونا
ستكرع السم شِعراً ماله مَثلٌ / بالسخر بُضحكُ أحجاراً وباكينا
يا من تطاولَ للفنانِ يرهقهُ / بالمالِ والُّزور لم تَدرِ المحِّيينا
مهما نَأَوا لم يكن للنأى تفرقهٌ / بل البعادُ يزيدُ القربَ تمكينا
يا سارقَ الوردة الحسناء تحسبها / مالاً خَسئتَ فما تدرى الريَّاحينا
لُقِّبت بالفأرِ لم يُنصفكَ من وصفوا / فالفأرُ يكدحُ مقهوراً ومغبونَا
وأنتَ تعبث بالألبابِ آمنةً / مُزينِّاً سَرقةَ الألبابِ تزيينا
لا يَسرِقُ الوردَ إلاّ آثمٌ أَشرٌ / لم يعتنق قلبه لطفاً ولا دينا
في حين قد يسرِقُ الخبزَ الذي غدرت / به الحياةُ وأشقته أفانينا
وناهبُ المالِ في الإجرام منزلةً / أسمىَ من الناهبِ الُمفنى أمانينا
اذن حبيبيَ عجِّل لا تُطل قلقي / إنيّ لأرقبُ في شوقٍ تلاقينا
شوقٌ تَرفَّعَ عن تكييف واصفه / حِسَّاً ومعنىَ وألفاظاً وتبيينا
تراني حين تَنشدني /
نعم تراني اذا أقدمتَ دونَ وَنَىً / على الفرار إلى حُلمي الى فِتنيِ
أنا التي ألهمتكَ الفنَّ نشوتُها / ولن يُقَّيدَ في سجنٍ ولا زمن
عَجِّل وَدبِّر سبيلاً للفرار غداً / ولا تُبال بأحقادٍ ولا فِتنِ
فالناسُ مُذ خُلقوا أعداءُ من نَبغوا / وَهُم عبيدُ لدى الأصنام والدِّمنِ
سفارةُ كافورٍ تُعلمَّمنا الهدى
سفارةُ كافورٍ تُعلمَّمنا الهدى / عجيبٌ لعمري وعظها بيننا سُدىً
لقد برئت مصرُ العزيزةُ منهما / وعدَّتهما من نكبةِ الدهرِ والعدىَ
وها نحنُ أعطينا السفارةَ حقَّها / سفارةَ مصر دونَ سؤلٍ ولا جداً
بلادٌ رعيناها على القرب والنَّوي / وهيهاتَ ننساهَا وإن يطل المدى
وكيف وماءُ النيلِ بين دمائنا / يغذِّى حنيناً عارماً بل مُخلَّدا
تمرَّد فينا كل حسٍّ على الألى / أباحوا كراماِ الرجالِ لمنَ عدا
نعم قد أباحوها لعاتٍ ممَّردٍ / وما رحموا شعباً لهم ما تمردا
كفاكم بني قومي كفاكم خنوعكم / قروناً وَهدوا ذلك المتمردا
ولا تتركوا تمثيلكم لعصابةٍ / تُرتِّل آىَ الحمد للظلم سُجدا
شقينا بها في غربة هي وحدها / غناءٌ كمن يمشى ثقيلاً مقيَّدا
تراوغنا أقوالها وفعالها / وتجنى على الأحرار حتى لتحمدا
وما تركت باباً لظلمٍ مُنظَّمٍ / ولم تألهُ طرقاً ألم تسمعوا الصَّدى
ألم تقرأوا أمداحها كلَّ لحظةٍ / لكافورَ قد جازت مدىَ من تعبدا
أفاتكمو تهديدنا في حياتنا / وفي رزقنا حتَّى غدا النورُ أسودا
كأنَّا بأدغالٍ نعيشُ فلا نرى / صُروحاً لأحرارٍ وحُلماً مُشَّدا
وأعجبُ ما نلقى عَداوةُ طُغمةٍ / بأرضٍ تصون الحَّر عن أن يُهَّددا
وتُكرمُهُ أيانَّ كانت أصوله / وتُنسيهِ ما قد ضاع مالاً وسؤادُدا
أفيها نُعاني الكيدَ والدَّسَ والأَذىَ / ضُروباً كأنا في إسارٍ تَجدَّدا
كأنكَ لم تقرن بمجدٍ مؤصل
كأنكَ لم تقرن بمجدٍ مؤصل / وكنت خيالاً أو أقلَّ معارا
وكنا اعتززنا بالذي قد وهبته / فكيف تولى ما وهبتَ وبارا
وكنا اذا ما أظلمَ الحظ حولنا / نظرنا إلى ما حزتهُ فأنارا
وكنا نرى مصر شعارك أو نرى / لمصر الذي أديتَ صارَ شعارا
وكنا نراهُ الربحَ والمجدَ والغنى / فكيف غدا وهماً لنا وخسارا
وكيف ولم تعبث به يدُ مصطفى / ولا أهله الاطهارُ حين توارى
وكيف وذاتُ الصون زينبُ لم تزل / تضيفُ إليه بالنوالِ مِرارا
غَدت هي أمَّ المؤمنين بفضلها / وأخلاقُها الزهراءُ ليس تُبارى
وهذا المليكُ الشهمُ باركَ سعيها / وباركَ سعياً للرئيس جهارا
ورف لها التقدير عطفاً مسوغاً / ولا بدعَ مذ كانت لمصر فَخارا
ولا غرو إذ صلى الرئيسُ لحفظه / وأزجى دُعاءً قد أضاءَ منارا
وقبلَ أعتاباً طهرنَ زكيةً / تركنَ عقولَ الأوفياءِ سُكارى
وكيف وما في مصر إلا عدالةٌ / لفاروق أنىَّ حلَّ أو هو سارا
تيمنت الدنيا بطلعته كما / تفيض علينا راحتاه نضارا
فكيف إذن ولِّى لمصر رجاؤها / كما روعَ الطيرُ الأمين فطارا
لقد ضاق عقلي عن تعرفِ خطبها / وأعجزتُ عن فحصٍ يزيح ستارا
وأغلب ظني أنَّ عقلك وحده / كفيلٌ إذا عقلٌ كعقليَ ثارا
دعوني من الدنيا من الأرض والسما
دعوني من الدنيا من الأرض والسما / فإني خلقت اليوم كونا مجسّما
وأسكنت فيه من شواعر مهجتي / ثوائر لا ترضى النفاق الملثما
ولا عالما فيه الغنيمة سبة / وفيه أرى المجد المعلى مهدما
سأهرق من اسرى دمائي تحررا / وأبدلها من نخوتي الحس والدما
سأبدع لي ناموس خلد محتم / فقد سئمت نفسي الفناء المحتما
وأسخر من أوضاع من قد تفردوا / بهدي الورى حتى لقد نشروا العمى
وكم صيروا الإيمان والكفر لعبة / وكم حللوا ما كان قبلا محرما
وعادوا إلى تحريمه ثم حللوا / دواليك حتى ضجت الأرض والسما
سأنبذهم نبذا لقاء جنونهم / فإن جنوني صار أحجى وأحكما
وأمشي على كل الذي هتفوا به / وما ملكوا منه جنانا ولا فما
وأكسر أغلال التقاليد كلها / ولا أرتضي غير التحرر مغنما
فما حدني عقل عتي ولا رؤى / تساورني حتى وإن كن أسلما
تخليت عقل عتي ولا رؤى / تساورني حتى وإن كن أسلما
فألفيت في الأحلام ظل حقيقتي / ووحيا يناجيني وإن عد مبهما
صديقي الذي يشعى ليشتر عورتي
صديقي الذي يشعى ليشتر عورتي / ويصلحني لا جانيا راح فاضحي
وليس الذي يغضي أمام فضائلي / ويعتاض عنها بادعاء القبائح
كمن عاب وقع الظل والنور خلفه / ومن عاب بشرا خلفهُ دمعُ نائح
إذن مصر عادت تقتفي مجدها الأسمى
إذن مصر عادت تقتفي مجدها الأسمى / فيا قبلي طيري لها واشبعي لثما
ويا فرحتي لا تكتفي بفريدة / من الشعر بل كوني لها الأمل الجما
ورفي حواليها رؤى تستعيدها / فنونا من الإلهام تكسبها الحزما
شأى الشعر وحي السيف في وثباته / كما اسكن المجد المرفرف والنجما
وبشّر بالأحلام حتى تفتقت / لنشوتها الأحلام أضعافها نغمى
وأنجب فيها للحياة معانيا / ضخاما تعالت لا تحد وقد تنمى
فيا معزف الأرباب جلجل مرحبا / بمصر وبارك أنت وثبتها العظمى
إذا الحكم للجمهور اصبح رائدا / أبى الحق أن يلقى به العار والظلما
وما العدل إلا للمساواة وحدها / فإن هي ضاعت صار ما دونها إثما
فيا أمة النيل المبارك حاذري / وقد نلت ما تهوين أن تخلقي الضيما
ولا تقبلي التفريق في أي مظهر / فمن يقبل التفريق يستأهل الرجما
وما كانت الآثار أبقى على البلى / من العدل لو آثرته مجدك الضخما
أعيذك من وهم يصير عقيدة / فكم أمة هانت بإعزازها الوهما
أعيذ جمالا والزعيم محمدا / بحذقهما من حد مطلبك الأسمى
قد انتزعا من قبل حظّك عنوة / وما برحا والدهر كالطائش الأعمى
تجبّر واشتعلى فرداه صاغرا / وقد كان كالمحموم سكران بالحمى
وها أنت بالعهد الجديد طليقة / ومنجبة أعلام نهضتك الشما
ففي كل شبر من ثراك خميلة / وقد كانت الويلات تغتاله قضما
وفي كل مرأى من سمائك كوكب / يبل بنور منه لوعة من يظما
وفي كل ركن من ربوعك ملجأ / تلوذ به خير المواهب أو تحمى
وفي كل ذهن من بنيك بواعث / لينجب حين الأمس قد ألف العقما
وفي كل قلب نشوة علويّة / فصار إذا يأتم بالخير مؤتما
تبدّلت الأيام حتى كأنّما / بنعمتها لما تزل حولنا حلما
كأن بنانا للمسيح لمسنها / فبدّدن عنها الذعر والحزن والسقما
فيا مصر عضي بالنواجذ حرة / على ما كسبت اليوم واغتنمي اليوما
وهيا أعدي للغد المرتجى على / تبز بإعجاز لها كل ما تما
إخاء وتنظيما وعلما وهمة / وفنا تهز الغافلين أو الصما
ولا تشتكي من لاعج اليتم بعدما / أزلت بهذا النصر من دمك اليتما
ألا في سبيل المجد ما قد غنمته / وها هو قد أضحى لكل الورى غنما
فإنك للأقوام أمثولة الهدى / وما خص شعبا يستفيق ولا قوما
تبارك ربي حين ينصف أمة / تعاف ذليل العيش والياس والنوما
وتدرك أن الفهم من رأس مالها / وهل يقدر الإنسان إن طلق الفهما
ولا تستطيب الموت طوعا لمارد / وتصفعه إن ثار واستمرا اللؤما
ولا ترتضي يوما مساومة له / فمن ساوم الطغيان مقترف جرما
وخان تراثا للجدود مقدسا / كما خان عهدا لا يكيّف أو يسمى
عزيز على مثلي البعاد وقد زهت / منائرك الزهراء تستقيل السلما
عزيز وفي قلبي حنان مؤرق / وحسبي على رغمي مفارقتي الأما
إذا جئت هذا اليوم أزجي تهانئي / فمن قلب محروم تهلّل إذ يدمى
ولكن نفس الحر نفسٌ عجيبةٌ / تعيش على الأضداد مهما تكن غرما
وقد ترفض الشهد السلاف لوهمة / وتعشق موت النبل إذ تكرع السما
فإن لم أزل رهن التزمت ثائرا / فطوعك قلبي المستعز بما ضما
لماذا أعزّي بل لماذا أهنّىء
لماذا أعزّي بل لماذا أهنّىء / وشعبكمو للذل والظلم موطئُ
إذا قيل هذا غابر مات عهده / رأينا جديدا عهده الشؤم أسوأ
نحار بتكييف له ثم حيرتي / تجن فلا أدري بما اليوم أبدأ
فهذي المخازي ما لهن نهاية / وكل قرير عندها يتفيأ
سوى الشعب لم يدرك وجودا لذاته / كأن الممات الصرف أحلى وأهنأ
شعار كمو هذا النفاق مجدا / وفي صخب الأحداث حصن ومرفأ
ويقترف الإجرام غرّ مسبّح / وبالخمر غر آثم يتوضأ
ويبرأ من هذا وذلك مجرم / فمن يا ترى الجاني الذي ليس يبرأ
ألم يبق بين الناس شهم منزة / يدوي له صوت وبالحق يجرؤ
وهل اصفرت ارض النبوة كلها / وأرض الحجا عن زاجر ليس يهدأ
وهل بات أهل الشعر أمثال غيرهم / صعاليك كل للضلال يوطى
يرضون أمداحا هي الذم عينه / إذا عقل الأحياء بل هي أردأ
تفوح نفاقا كل حي يمجه / ومنه ضياء الحق يكبو وصدأ
إذا لم يكن هذا ولا ذاك فلتكن / لصيحة شعري ما يهزّ ويفقأ
نذيراً وتبشيرا ووعظا وحكمة / وما كان نصح مثل نصحي يرجأ
وإني الذي قد أنظر الغيب شاخصا / أمامي فأرويه ولا أتنبأ
أقول لكم لا بد من هدم ملككم / وإن كان هذا الهدم بالغش ينسأ
لأنكمو خادعتمو القسط في الورى / وكلكمو في النهب غرثان يمرأ
وفلسفة الأقدار ليس لها ونى / إذا حكمت لكنها تتهيأ
وما ظمىء الجبار إلا وهده / عتي من الأحداث للعدل أظمأ
فإن تبتغوا عقبى تصون رؤوسكم / فهبوا إلى سعي شريف يوطئ
وردوا إلى الشعب السليب كنوزه / وصونوا له عرضا بكم صار يهرأ
وكونوا رعايا بينه لا مواليا / فما كان مولى من يخون ويهزأ
وإنا بعصر سيد الناس خادم / لعزتهم لا غاشم راح ينتأ
فمن خانه خان النبي محمدا / ومن خانه لا بد يشقى ويرزأ
ولا بد للإسلام من بعث ثورة / ومن أخطر الثورات حنق مخبا
وعنئذ تغدو الجزيرة كلها / منارا لكل الثائرين وتربأ
فهلا ادكرتم واتعظتم وعندكم / صحائف للتاريخ بالنذر تملأ
ستفنى قصور شدتموها وتمحي / حصون لكم في حين يرسخ مبدأ
ولي منزل لقّنته سر عزلتي
ولي منزل لقّنته سر عزلتي / فباركها ثم استحال شعارا
ومدّ لفيف الكرم حتى رأيته / ستائر غنّتها الظلال مرارا
وحفت به الأشجار ملء حنوها / تخبئه مهما أطل جهارا
كأن لها فيه كنوزا ثمينة / وليست سوى حبي لهن توارى
فيا مستحم الطير إن تفش سرنا / عذرتك كم طير لديك تبارى
وأيّ خفاء نستطيع وهذه / حليك تعلو في الهواء نثارا
وحان كسوف الشمس لكنما أبى / لها الطير عذرا حين حط وطارا
وراح يعبّ الماء سكران بالهوى / كما عبّ في عيد الربيع سكارى
تنوعت الأحجام من كل صبغة / جواهر أو كالنور رف وثارا
وبعثرت الماء الضحوك للهوها / فردته مجنونا فطار شرارا
فيا شمس غيبي أو أطلي فإننا / نرى ضوءك الوهاج كان معارا
وقد وحدتنا في تصوفنا منى / تفيض ضياء في القلوب ونارا
أُضَحِّي بترحالي ومثلي من ضحى
أُضَحِّي بترحالي ومثلي من ضحى / إذا الواجب المحتوم ناشد أو أوحى
وهيهات أن أنسى خشوعي لاثما / ثراك كأني مذنب يطلب الصفحا
لدن جزت آلاف الفراسخ ساخطا / على الظلم والظلام أشبعهم قدحا
وهان لديّ الصيت والجاه والغنى / فمن غيرها قلبي تنسم واستوحى
وقد كنت ي بيتا ومنبر دعوة / كما كنت لي نورا شأى صبحه الصبحا
سنون ثمان أو تزيد عرفتها / كأن لها من ألف ليلة مستوحى
عجائب من صنع الحضارة جاوزت / تهاويل من خالوا عجائبها مزحا
وقد ضاق ذرعا من سلبت نعاسهم / فليلك نور مثل علمك لا يمحى
ولكنني آنست فيك سعادتي / ولم أنس ترحيبا طلعت به منحا
كأني من أهليك بل من عيونهم / فأمطرتني حبا وجددت لي نقحا
وليس الألى خالوك محض جهامة / بمن عرفوا مجلى لحسنك أو منحى
معلمة الأحرار كيف صمودهم / وجاعلة أحلامهم كل ما صحا
يؤرق بعدي عنك حتى كأنني / إلى النفي أمضي لا إلى جنة فيحا
فإن عشت في نعمى فلا زلت كعبة / تزود بالإيمان مهجتي الفرحى
تعودت مدح الوافدين وقدحهم / جزافا ولكني وزنت لك المدحا
وقد صغته حتى كأن عواطفي / سكن به أو انه آيتي الفصحى
تمثل حبا بالغا وأمانيا / أضت وسفحا من دموعي أو جرحا
وقد تترك الأمصار لا عن تجنب / ولا عن سلو شأن من ينشد الربحا
ولكن بحكم الحظ فالحظ كالوغى / وفي عنفها الهيجاء قد تلد الصلحا
وتركك أدنى للهزيمة بعدما / بلغت بك النصر المكلل والفتحا
فهل ترجع الأيام أيام أنسينا / ولو في قصي ربما شمته لمحا
إذن ما أبالي بالمسافات أسرفت / عواذل أو بالدهر ضايقني نصحا
وسوف أضحي الهم ذبحا بلا ونى / وأكفره أولى بإنهائه ذبحا
فيا مجمع الأحرار من كل أمة / تعالي بلا حصر ولا تسأمي كدحا
وخلي وداعي لا لصرح أقمته / ولكن لروح فيك قد جاوز الصرحا
لئن شردتني عن معاليك حيرتي / ورزقي فقلبي عالق بك أو أضحى