المجموع : 206
وَمُستَضحِكٍ مِن عَبرَتي وَبُكائي
وَمُستَضحِكٍ مِن عَبرَتي وَبُكائي / بِكَفَّيهِ دائي في الهَوى وَدَوائي
رَآني وَعَيني بِالدُموعِ غَزيرَةٌ / وَقَد هَتَكَ الهِجرانُ سِترَ عَزائي
بَسَطتُ إِلَيهِ راحَتي مُتَضَرِّعاً / أُناشِدُهُ أَلّا يُخيبَ رَجائي
فَقالَ فَمَن أَبكاكَ إِن كُنتَ صادِقاً / فَقُلتُ الَّذي أَهوى فَقالَ سَوائي
لَنا أَبَداً بَثٌّ نُعانيهِ مِن أَروى
لَنا أَبَداً بَثٌّ نُعانيهِ مِن أَروى / وَحُزوى وَكَم أَدنَتكَ مِن لَوعَةٍ حُزوى
وَما كانَ دَمعي قَبلَ أَروى بِنُهزَةٍ / لِأَدنى خَليطٍ بانَ أَو مَنزِلٍ أَقوى
حَلَفتُ لَها أَنّي صَحيحُ سِوى الَّذي / تَعَلَّقَهُ قَلبٌ مَريضٌ بِها يَدوى
وَأَكثَرتُ مِن شَكوى هَواها وَإِنَّما / أَمارَةُ بَرحِ الحُبِّ أَن تَكثُرَ الشَكوى
وَكُنتُ وَأَروى وَالشَبابُ عُلالَةً / كَنَشوانَ مِن سُكرِ الصَبابَةِ أَو نَشوى
وَقَد زَعَمَت لا يَقرُبُ اللَهوَ ذو الحِجى / وَقَد يَشهَدُ اللَهوَ الَّذي يَشهَدُ النَوى
وَإِنّي وَإِن رابَ الغَواني تَماسُكي / لَمُستَهتِرٌ بِالوَصلِ مِنهُنَّ مُستَهوى
سَلا عَن عَقابيلِ الشَبابِ وَفَوتِها / أَطارَت بِها العَنقاءُ أَم سَبَقَت جَلوى
كَأَنَّ اللَيالي أُغرِيَت حادِثاتُها / بِحُبِّ الَّذي نَأبى وَكُرهِ الَّذي نَهوى
وَمَن يَعرِفِ الأَيّامَ لا يَرَ خَفضَها / نَعيماً وَلا يَعدُد تَصَرُّفَها بَلوى
إِذا نُشِرَت قُدّامَ رائِدِها ثَنَت / مُواشِكَةَ الإِسراعِ مِن خَلفِهِ تُطوى
لَقَد أَرشَدَتنا النائِباتُ وَلَم يَكُن / لِيُرشَدَ لَولا ما أَرَتناهُ مَن يُغوى
إِذا نَحنُ دافَعنا الخُطوبَ بِذي الوَزا / رَتَينِ شَغَلناهُنَّ بِالمَرِسِ الأَلوى
بِأَزهَرَ تُنسي الشِعرَ أَخبارُ سُؤدُدٍ / لَهُ لا تَزالُ الدَهرَ تُؤثَرُ أَو تُروى
مَكارِمُ ما تَنفَكُّ مِن حَيثُ وُجِّهَت / تَرى حاسِداً نِضواً بِئآلائِها يَضوى
مُلَقّىً صَوابَ الرَأيِ بَغتَ بَديهَةٍ / وَمِنهُم مُخِلٌّ بِالصَوابِ وَقَد رَوّى
لَهُ هِمَّةٌ أَعلى النُجومِ مَحَلَّةً / مَحَلٌّ لَها دونَ الأَماكِنِ أَو مَثوى
وَقَد فُتِحَ الأُفقانِ عَن سَيفِ مُصلِتٍ / لَهُ سَطَواتٌ ما تُهَرُّ وَما تُعوى
مُغَطّىً عَلى الأَعداءِ ما يَقدُرونَهُ / بِعَزمٍ وَقَد غَوّى مِنَ الأَمرِ ما غَوّى
تَعَلّى عَلى التَدبيرِ ثُمَّ اِنتَحى لَهُم / بِهِ وَرَمى بِالمُعضِلاتِ فَما أَشوى
إِذا ما ذَكَرناهُ حُبِسنا فَلَم نُفِض / لَهُ في نَظيرٍ في الرِجالِ وَلا شَروى
بَلى لِأَبي عيسى شَواهِدُ بارِعٍ / مِنَ الفَضلِ ماكانَ اِنتِحالاً وَلا دَعوى
نُمَيِّلُ بَينَ البَدرِ سَعداً وَبَينَهُ / إِذا اِرتاحَ لِلإِحسانِ أَيُّهُما أَضوا
وَما دُوَلُ الأَيّامِ نُعماً وَأَبؤُساً / بِأَجرَحَ في الأَقوامِ مِنهُ وَلا أَسوا
سُقينا بِسَجلَيهِ وَكانَ خَليفَةً / مِنَ الغَيثِ إِن أَسقى بِرَيِّقِهِ أَروى
فَأَرضٌ أَصابَت حَظَّها مِن سَمائِهِ / وَأَرضٌ تَأَيّى الشُربَ أَو تَرقُبُ العَدوى
وَوادٍ مِنَ المَعروفِ عِندَكَ لَم يَكُن / مُعَرَّجُنا مِنهُ عَلى العُدوَةِ القُصوى
إِذا ما تَحَمَّلنا يَداً عَنهُ خِلتَنا / لِنُقصانِنا عَنها حَمَلنا بِها رَضوى
أَجِدَّكَ إِنّا وَالزَمانُ كَما جَنَت / عَلى الأَضعَفِ المَوهونِ عادِيَةُ الأَقوى
مَتى وَعَدَتنا الحادِثاتُ إِدالَةً / فَأَخلِق بِذاكَ الوَعدِ مِنهُنَّ أَن يُلوى
لَئِن زُوِيَت عَنّا الحُظوظُ فَمِثلُها / إِذا خَسَّ فِعلُ الدَهرِ عَن مِثلِنا يُزوى
إِذا قُلتُ أَجلَت سَدفَةُ العَيشِ عارَضَت / شُفافاتُ ما أَبقى الزَمانُ وَما أَتوى
مَغارِمُ يُسلى في تَرادُفِها الصِبا / وَيُتلَفُ في أَضعافِها الرَشَأُ الأَحوى
يَظَلُّ رَشيدٌ وَهوَ فيها مُعَلَّقٌ / عَلى خَطَرٍ في البَيعِ مُقتَرِبُ المَهوى
إِذا حَلَّ دَينٌ مِن غَريمٍ تَضاءَلَت / لَهُ مِنَّةٌ تَرتاعُ أَو كَبِدٌ تَجوى
وَقَد سامَ طَعمَ المَنِّ ذَوقاً فَلَم يَجِد / بِهِ المَنَّ مَرضِيَّ المَذاقِ وَلا السَلوى
أَسِفتُ لِغَضّاتٍ مِنَ الحُسنِ شارَفَت / لِذُعرِ الفِراقِ أَن تَغَيَّرَ أَو تَذوى
وَقُلتُ وَقَد هَمَّت خَصائِصُ بَينَنا / مِنَ الوُدِّ أَن تُمنى لِغَيرِيَ أَو تُحوى
لَعَلَّ أَبا عيسى يَفُكُّ بِطَولِهِ / رِقاباً مِنَ الأَحبابِ قَد كَرَبَت تَتوى
وَما شَطَطٌ أَن أُتبِعَ الرُغبَ أَهلَهُ / وَأَن أَطلُبَ الجَدوى إِلى واهِبِ الجَدوى
دَنانيرُ تُجزى بِالقَوافي كَأَنَّما / مُمَيِّزُها بِالقَسمِ عَدَّلَ أَو سَوّى
إِذا ما رَحَلنا يَسَّرَت زادَ سَفرِنا / وَإِمّا أَقَمنا وَطَّتِ الرَحلَ وَالمَأوى
وَيَكفيكَ مِن فَضلِ الدَنانيرِ أَنَّها / إِذا جُعِلَت في الزادِ ثانِيَةُ التَقوى
تَذَكَّرَ مَحزوناً وَأَنّى لَهُ الذِكرى
تَذَكَّرَ مَحزوناً وَأَنّى لَهُ الذِكرى / وَفاضَت بِغُزرِ الدَمعِ مُقلَتُهُ العَبرى
فُؤادٌ هُوَ الحَرّانُ مِن لاعِجِ الجَوى / إِلى كَبِدٍ جَمٍّ تَباريحُها حَرّى
كَرىً حالَ سَكبُ الدَمعِ دونَ خِتامِهِ / فَلا دَمعَةٌ تَرقا وَلا مُقلَةٌ تَكرى
وَكُنتُ وَكانَت وَالشَبابُ عُلالَةٌ / كَسَكرانَ مِن خَمرِ الصَبابَةِ أَو سَكرى
أَشارَت بِمِدراها فَأَصمَت وَلَم أَكُن / أُحاذِرُ إِصماءَ الإِشارَةِ بِالمِدرى
سَرى الطَيفُ مِن ظَمياءَ وَهناً فَمَرحَباً / وَأَهلاً بِمَسرى طَيفِ ظَمياءَ مِن مَسرى
أَلَمَّ بِسَفرٍ لاغِبينَ وَأَينُقٍ / ذَرَعنَ بِنا مِن أَذرِعاتٍ إِلى بُصرى
لَقَد كانَ في يَومِ الثَنِيَّةِ مَنظَرٌ / وَمُستَمَعٌ يُنبي عَنِ البَطشَةِ الكُبرى
وَعَطفُ أَبي الجَيشِ الجَوادَ يَكُرُّهُ / مُدافَعَةً عَن دَيرِ مُرّانَ أَو مَقرى
فَكائِن لَهُ مِن ضَربَةٍ بَعدَ طَعنَةٍ / وَقَتلى إِلى جَنبِ الثَنِيَّةِ أَو أَسرى
فَوارِسُ صَرعى مِن تُؤامٍ وَفارِدٍ / وَأَرسالُ خَيلٍ في شَكائِمِها عَقرى
رَأَيتُ تَفارِيقَ المَحاسِنِ جُمِّعَت / إِلى مُشتَرٍ أَهدى إِلى القَمَرِ الشِعرى
مُحَمَّلَةً ما لَو تَحَمَّلَ آدَهُ / مِنَ الصَفَدِ المَنقولِ قَيصَرُ أَو كِسرى
مُبارَكَةً شَدَّت قُوى السِلمِ بَعدَما / تَوالَت خُطوبُ الحَربِ مُقبِلَةً تَترى
إِذا شارَفَت أَرضَ العِراقِ فَإِنَّهُ / سَيُسنى أَميرُ المُؤمِنينَ بِها البُشرى
مَتى نَعتَرِض جَدوى أَبي الجَيشِ نَعتَرِف / مَواهِبَ يُلحِقنَ المُقِلَّ بِمَن أَثرى
وَلا نَقصَ في الغَيثِ الدِراكِ يَغُضُّهُ / سِوى أَنَّهُ أَزرى بِهِ مِنهُ ما أَزرى
إِذا وَهَبَ الأولى مِنَ النَيلِ لَم يَدَع / مُتابَعَةَ الإِفضالِ أَو يَهَبَ الأُخرى
مُحَمَّدُ ما آمالُنا بِكَواذِبِ
مُحَمَّدُ ما آمالُنا بِكَواذِبِ / لَدَيكَ وَلا أَيّامُنا بِشَواحِبِ
دَعَوناكَ مَدعُواً إِلى كُلِّ نَوبَةٍ / مُجيباً إِلى تَوهينِ كَيدِ النَوائِبِ
بِعَزمِ عُمومٍ مِن مَصابيحِ أَشعَرٍ / وَحَزمِ خُؤولٍ مِن لُؤَيِّ بنِ غالِبِ
لَغِبتَ مَغيبَ البَدرِ عَنّا وَمَن يَبِت / بِلا قَمَرٍ يَذمُم سَوادَ الغَياهِبِ
فَكَم مِن حَنينٍ لي إِلى الشَرقِ مُصعَدٍ / وَإِن كانَ أَحبابي بِأَرضِ المَيارِبِ
وَما اِلتَقَتِ الأَحشاءُ يَومَ صَبابَةٍ / عَلى بُرَحاءٍ مِثلَ بُعدِ الأَقارِبِ
وَلا اِنسَكَبَت بيضُ الدُموعِ وَحُمرُها / بِحَقٍّ عَلى مِثلِ الغُيوثِ السَواكِبِ
رَحَلتَ فَلَم آنَس بِمَشهَدِ شاهِدٍ / وَأُبتَ فَلَم أَحفِل بِغَيبَةِ غائِبِ
قَدِمتَ فَأَقدَمتَ النَدى يَحمِلُ الرِضا / إِلى كُلِّ غَضبانٍ عَلى الدَهرِ عاتِبِ
وَجِئتَ كَما جاءَ الرَبيعُ مُحَرِّكاً / يَدَيكَ بِأَخلاقٍ تَفي بِالسَحائِبِ
فَعادَت بِكَ الأَيامُ زُهراً كَأَنَّما / جَلا الدَهرُ مِنها عَن خُدودِ الكَواعِبِ
أَبا جَعفَرٍ مارِفدُ رِفدٍ بِمُسلِمي / إِلى مَذهَبٍ عَنكُم وَلا سَيبُ سائِبِ
فَمَن شاءَ فَليَبخَل وَمَن شاءَ فَليَجُد / كَفاني نَداكُم مِن جَميعِ المَطالِبِ
وَما أَنسَ لا أَنسَ اِجتِذابَكَ هِمَّتي / إِلَيكَ وَتَرتيبي أَخَصَّ المَراتِبِ
صَفِيُّكَ مِن أَهلِ القَوافي بِرَغمِهِم / وَأَنتَ صَفِيّي دونَ أَهلِ المَواهِبِ
جَعَلناهُ حِلفاً بَينَنا فَتَجَدَّدَت / مَناسِبُ أُخرى بَعدَ تِلكَ المَناسِبِ
فَيا خَيرَ مَصحوبٍ إِذا أَنا لَم أَقُل / بِشُكرِكَ فَاِعلَم أَنَّني شَرُّ صاحِبِ
بِمَنظومَةٍ نَظمَ اللَآلي يَخالُها / عَلَيكَ سَراةُ القَومِ عِقدَ كَواكِبِ
رَأى البَرقَ مُجتازاً فَباتَ بِلا لُبٍّ
رَأى البَرقَ مُجتازاً فَباتَ بِلا لُبٍّ / وَأَصباهُ مِن ذِكرِ البَخيلَةِ ما يُصبي
وَقَد عاجَ في أَطلالِها غَيرَ مُمسِكٍ / لِدَمعٍ وَلا مُصغٍ إِلى عَذَلِ الرَكبِ
وَكُنتُ جَديراً حينَ أَعرِفُ مَنزِلاً / لِآلِ سُلَيمى أَن يُعَنِّفَني صَحبي
عَدَتنا عَوادي البُعدِ عَنها وَزادَنا / بِها كَلَفاً أَنَّ الوَداعَ عَلى عَتبِ
وَلَم أَكتَسِب ذَنباً فَتَجزِيَني بِهِ / وَلَم أَجتَرِم جُرماً فَتُعتَبَ مِن ذَنبِ
وَبي ظَمَأٌ لا يَملِكُ الماءُ دَفعَهُ / إِلى نَهلَةٍ مِن ريقِها الخَصِرِ العَذبِ
تَزَوَّدتَ مِنها نَظرَةً لَم تَجُد بِها / وَقَد يُؤخَذُ العِلقُ المُمَنَّعُ بِالغَصبِ
وَما كانَ حَظُّ العَينِ في ذاكَ مَذهَبي / وَلَكِن رَأَيتُ العَينَ باباً إِلى القَلبِ
أُعيدُكِ أَن تُمنى بِشَكوِ صَبابَةٍ / وَإِن أَكسَبَتنا مِنكِ عَطفاً عَلى الصَبِّ
وَيُحزِنُني أَن تَعرِفي الحُبَّ بِالجَوى / وَإِن نَفَعَتنا مِنكِ مَعرِفَةُ الحُبِّ
أَبَيتُ عَلى الإِخوانِ إِلّا تَحَنِّياً / يَلينُ لَهُم عِطفي وَيَصفو لَهُم شِربي
وَإِنّي لَأَستَبقي الصَديقَ إِذا نَبا / عَلَيَّ وَأَهنوا مِن خَلائِقِهِ الجُربِ
فَمَن مُبلِغٌ عَنّي البَخيلَ بِأَنَّني / حَطَطتُ رَجائي مِنهُ عَن مَركَبٍ صَعبِ
وَأَنَّ اِبنَ دينارٍ ثَنى وَجهَ هِمَّتي / إِلى الخُلُقِ الفَضفاضِ وَالنائِلِ النَهبِ
فَلَم أَملَ إِلّا مِن مَوَدَّتِهِ يَدي / وَلا قُلتُ إِلّا مِن مَواهِبِهِ حَسبي
لَقيتُ بِهِ حَدَّ الزَمانِ فَفَلَّهُ / وَقَد يَثلِمُ العَضبُ المُهَنَّدُ في العَضبِ
كَريمُ إِذا ضاقَ اللِئامُ فَإِنَّهُ / يَضيقُ الفَضاءُ الرَحبُ في صَدرِهِ الرَحبِ
إِذا أَثقَلَ الهِلباجُ أَحناءَ سَرجِهِ / غَدا طِرفُهُ يَختالُ بِالمُرهَفِ الضَربِ
تَناذَرَ أَهلُ الشَرقِ مِنهُ وَقائِعاً / أَطاعَ لَها العاصونَ في بَلَدِ الغَربِ
لَجَرَّدَ نَصلَ السَيفِ حَتّى تَفَرَّقَت / عَنِ السَيفِ مَخضوباً جُموعُ أَبي حَربِ
فَإِن هَمَّ أَهلُ الغَورِ يَوماً بِعَودَةٍ / إِلى الغَيِّ مِن طُغيانِهِم فَهوَ بِالقُربِ
حَلَفتُ لَقَد دانَ الأَبِيُّ وَأُغمِدَت / شَذاةُ عَظيمِ الرومِ مِن عِظَمِ الخَطبِ
وَأَلزَمُهُم قَصدَ السَبيلِ حِذارُهُم / لِتِلكَ السَوافي مِن زَعازِعِهِ النُكبِ
مُدَبِّرُ حَربٍ لَم يَبِت عِندَ غِرَّةٍ / وَلَم يَسرِ في أَحشائِهِ وَهَلُ الرُعبِ
وَيُقلِقُهُ شَوقٌ إِلى القِرنِ مُعجِلٌ / لَدى الطَعنِ حَتّى يَستَريحَ إِلى الضَربِ
أَضاءَت بِهِ الدُنيا لَنا بَعدَ ظُلمَةٍ / وَأَجلَت لَنا الأَيّامُ عَن خُلُقٍ رَطبِ
وَمازالَ عَبدُ اللَهِ يُكسى شَمائِلاً / يَقُمنَ مَقامَ النَورِ في ناضِرِ العُشبِ
وَفَتىً يَتَعالى بِالتَواضُعِ جاهِداً / وَيَعجَبُ مِن أَهلِ المَخيلَةِ وَالعُجبِ
لَهُ سَلَفٌ مِن آلِ فَيروزَ بَرَّزوا / عَلى العُجمِ وَاِنقادَت لَهُم حَفلَةُ العُربِ
مَرازِبَةُ المُلكِ الَّتي نَصَبَت بِها / مَنابِرَهُ العُظمى جَبابِرَةُ الحَربِ
يُكِبّونَ مِن فَوقِ القَرابيسِ بِالقَنا / وَبِالبيضِ تَلقاهُم قِياماً عَلى الرُكبِ
لَهُم بُنِيَ الإيوانُ مِن عَهدِ هُرمُزٍ / وَأُحكِمَ طَبعُ الخُسرُوانِيَّةِ القُضبِ
وَدارَت بَنو ساسانَ طُرّاً عَلَيهِمِ / مَدارَ النُجومِ السائِراتِ عَلى القُطبِ
مَضَوا بِالأَكُفِّ البيضِ أَندى مِنَ الحَيا / بَلالاً وَبِالأَحلامِ أَوفى مِنَ الهَضبِ
أَبَعدَ الشَبابِ المُنتَضى في الذَوائِبِ
أَبَعدَ الشَبابِ المُنتَضى في الذَوائِبِ / أُحاوِلُ لُطفَ الوُدِّ عِندَ الكَواعِبِ
وَكانَ بَياضُ الرَأسِ شَخصاً مُذَمَّماً / إِلى كُلِّ بَيضاءِ الحَشا وَالتَرائِبِ
وَما اِنفَكَّ رَسمُ الدارِ حَتّى تَهَلَّلَت / دُموعي وَحَتّى أَكثَرَ اللَومَ صاحِبي
وَقَفنا فَلا الأَطلالُ رَدَّت إِجابَةً / وَلا العَذلُ أَجدى في المَشوقِ المُخاطَبِ
تَمادَت عَقابيلُ الهَوى وَتَطاوَلَت / لَجاجَةُ مَعتوبٍ عَلَيهِ وَعاتِبِ
إِذا قُلتُ قَضَّيتُ الصَبابَةَ رَدَّها / خَيالٌ مُلِمٌّ مِن حَبيبٍ مُجانِبِ
يَجودُ وَقَد ضَنَّ الأُلى شَغَفي بِهِم / وَيَدنو وَقَد شَطَّت دِيارُ الحَبائِبِ
تُرينيكَ أَحلامُ النِيامُ وَبَينَنا / مَفاوِزُ يَستَفرِغنَ جُهدَ الرَكائِبِ
لَبِسنا مِنَ المُعتَزِّ بِاللَهِ نِعمَةً / هِيَ الرَوضُ مَولِيّاً بِغُزرِ السَحائِبِ
أَقامَ قَناةَ الدينِ بَعدَ اِعوِجاجِها / وَأَربى عَلى شَغبِ العَدُوِّ المُشاغِبِ
أَخو الحَزمِ قَد ساسَ الأُمورَ وَهَذَّبَت / بَصيرَتَهُ فيها صُروفُ النَوائِبِ
وَمُعتَصِمِيُّ العَزمِ يَأوي بِرَأيِهِ / إِلى سَنَنٍ مِن مُحكَماتِ التَجارِبِ
تُفَضِّلُهُ آيُ الكِتابِ وَيَنتَهي / إِلَيهِ تُراثُ الغُلبِ مِن آلِ غالِبِ
تَوَلَّتهُ أَسرارُ الصُدورِ وَأَقبَلَت / إِلَيهِ القُلوبُ مِن مُحِبٍّ وَراغِبِ
وَرُدَّت وَما كانَت تُرَدُّ بِعَدلِهِ / ظُلاماتُ قَومٍ مُظلِماتِ المَطالِبِ
إِمامُ هُدىً عَمَّ البَرِيَّةَ عَدلُهُ / فَأَضحى لَدَيهِ آمِناً كُلُّ راهِبِ
تَدارَكَ بَعدَ اللَهِ أَنفُسَ مَعشَرٍ / أَطَلَّت عَلى حَتمٍ مِنَ المَوتِ واجِبِ
وَقالَ لَعاً لِلعاثِرينَ وَقَد رَأى / وُثوبَ رِجالٍ فَرَّطوا في العَواقِبِ
تَجافى لَهُم عَنها وَلَو كانَ غَيرُهُ / لَعَنَّفَ بِالتَثريبِ إِن لَم يُعاقِبِ
وَهَبتَ عَزيزاتِ النُفوسِ لِمَعشَرِ / يَعُدّونَها أَقصى اللُهى وَالمَواهِبِ
وَلَولا تَلافيكَ الخِلافَةَ لَاِنبَرَت / لَها هِمَمُ الغاوينَ مِن كُلِّ جانِبِ
إِذاً لَاِدَّعاها الأَبعَدونَ وَلَاِرتَقَت / إِلَيها أَمانِيُّ الظُنونِ الكَواذِبِ
زَمانَ تَهاوى الناسُ في لَيلِ فِتنَةٍ / رَبوضِ النَواحي مُدلَهِمِّ الغَياهِبِ
دَعاكَ بَنو العَبّاسِ ثَمَّ فَأَسرَعَت / إِجابَةُ مُستَولٍ عَلى المُلكِ غالِبِ
وَهَزّوكَ لِلأَمرِ الجَليلِ فَلَم تَكُن / ضَعيفَ القُوى فيهِ كَليلَ المَضارِبِ
فَما زِلتَ حَتّى أَذعَنَ الشَرقُ عَنوَةً / وَدانَت عَلى صُغرٍ أَعالي المَغارِبِ
جُيوشٌ مَلَأنَ الأَرضَ حَتّى تَرَكنَها / وَما في أَقاصيها مَفَرُّ لِهارِبِ
مَدَدنَ وَراءَ الكَوكَبِيِّ عَجاجَةً / أَرَتهُ نَهاراً طالِعاتِ الكَواكِبِ
وَزَعزَعنَ دُنباوَندَ مِن كُلِّ وُجهَةٍ / وَكانَ وَقوراً مُطمَئِنَّ الجَوانِبِ
وَقَد أَفِنَ الصَفّارُ حَتّى تَطَلَّعَت / إِلَيهِ المَنايا في القَنا وَالقَواضِبِ
حَنَوتَ عَلَيهِ بَعدَ أَن أَشرَفَ الرَدى / عَلى نَفسِ مُزوَرٍّ عَنِ الحَقِّ ناكِبِ
تَأَتَّيتَهُ حَتّى تَبَيَّنَ رُشدَهُ / وَحَتّى اِكتَفى بِالكُتبِ دونَ الكَتائِبِ
بِلُطفِ تَأَتٍّ مِنكَ ما زالَ ضامِناً / لَنا طاعَةَ العاصي وَسِلمَ المُحارِبِ
فَعادَ حُساماً عَن وَلِيِّكَ ذَبُّهُ / وَحَدَّ سِنانٍ في عَدُوِّكَ ناشِبِ
بَقيتَ أَميرَ المُؤمِنينَ مُؤَمَّلاً / لِغَفرِ الخَطايا وَاصطِناعِ الرَغائِبِ
وَمُلّيتَ عَبدَ اللَهِ مِن ذي تَطَوُّلٍ / كَريمِ السَجايا هِبرِزِيِّ الضَرائِبِ
شَبيهُكَ في كُلِّ الأُمورِ وَلَن تَرى / شَبيهَكَ إِلّا جامِعاً لِلمَناقِبِ
أُؤَمِّلُ جَدواهُ وَأَرجو نَوالَهُ / وَما الآمِلُ الراجي نَداهُ بِخائِبِ
قَليلٌ لَها أَنّي بِها مُغرَمٌ صَبُّ
قَليلٌ لَها أَنّي بِها مُغرَمٌ صَبُّ / وَأَن لَم يُقارِف غَيرَ وَجدٍ بِها القَلبُ
بَذَلتُ الرِضا حَتّى تَصَرَّمَ سُخطُها / وَلِلمُتَجَنّي بَعدَ إِرضائِهِ عَتبُ
وَلَم أَرَ مِثلَ الحُبِّ صادَ غُرورُهُ / لَبيبَ الرِجالِ بَعدَ ما اِختُبِرَ الحُبُّ
وَإِنّي لَأَشتاقُ الخَيالَ وَأُكثِرُ ال / زِيارَةَ مِن طَيفٍ زِيارَتُهُ غِبُّ
وَمِن أَينَ أَصبو بَعدَ شَيبي وَبَعدَما / تَأَلّى الخَلِيُّ أَنَّ ذا الشَيبِ لايَصبو
أَسالِبَتي حُسنَ الأُسى أَو مُخيفَتي / عَلى جَلَدي تِلكَ الصَرائِمُ وَالكُثبُ
رَضيتُ اِتِّحادي بِالغَرامِ وَلَم أُرِد / إِلى وَقفَتي في الدارِ أَن يَقِفَ الرَكبُ
وَلَو كُنتُ ذا صَحبٍ عَشِيَّةَ عَزَّبي / تَحَدُّرُ دَمعِ العَينِ عَنَّفَني الصَحبُ
لَقَد قَطَعَ الواشي بِتَلفيقِ ما وَشى / مِنَ القَولِ ما لا يَقطَعُ الصارِمُ العَضبُ
فَأَصبَحتُ في بَغدادَ لا الظِلُّ واسِعٌ / وَلا العَيشُ غَضٌّ في غَضارَتِهِ رَطبُ
أَأَمدَحُ عُمّالَ الطَساسيجِ راغِباً / إِلَيهِم وَلي بِالشامِ مُستَمتَعٌ رَغبُ
فَأَيهاتَ مِن رَكبٍ يُؤَدّي رِسالَةً / إِلى الشامِ إِلّا أَن تَحَمَّلَها الكُتبُ
وَعِندَ أَبي العَبّاسِ لَو كانَ دانِياً / نَواحي الفِناءِ السَهلِ وَالكَنَفُ الرَحبُ
وَكانَت بَلاءً نِيَّتي عَنهُ وَالغِنى / غِنى الدَهرِ أَدنى ما يُنَوِّلُ أَو يَحبو
وَذو أُهَبٍ لِلحادِثاتِ بِمِثلِها / يُزالُ الطَخى عَنّا وَيُستَدفَعُ الكَربُ
سُيوفٌ لَها في عُمرِ كُلِّ عِدىً رَدىً / وَخَيلٌ لَها في دارِ كُلِّ عِدىً نَهبُ
عَلَت فَوقَ بَغراسٍ فَضاقَت بِما جَنَت / صُدورُ رِجالٍ حينَ ضاقَ بِها الدَربُ
وَثابَ إِلَيهِم رَأيُهُم فَتَبَيَّنوا / عَلى حالِ فَوتٍ أَنَّ مَركَبَهُم صَعبُ
وَكانوا ثَمودَ الحِجرِ حَقَّ عَلَيهُمُ / وُقوعُ العَذابِ وَالخَصِيُّ لَهُم سَقبُ
تَحَنّى عَلَيهِم وَالمَوارِدُ سَهلَةٌ / وَأَفرَجَ عَنهُم بَعدَما أَعضَلَ الخَطبُ
وَلَو حَضَرَتهُ أُنثَياهُ استَقَلَّتا / إِلى كُليَتَيهِ حينَ أَزعَجَهُ الرُعبُ
فَما هُوَ إِلّا العَفوُ عَمَّت سَماؤُهُ / أَوِ السَيفُ عُريانُ المَضارِبِ لا يَنبو
وَما شَكَّ قَومٌ أَوقَدوا نارَ فِتنَةٍ / وَسِرتَ إِلَيهِم أَنَّ نارَهُمُ تَخبو
كَأَن لَم يَرَوا سيما الطَويلَ وَجَمعَهُ / وَما فَعَلَت فيهِ وَفي جَمعِهِ الحَربُ
وَخارِجَ بابَ البَحرِ أُسدُ خَفِيَّةٍ / وَقَد سَدَّ قُطرَيهِ عَلى الغَنَمِ الزَربُ
تَحَيَّرَ في أَمرَيهِ ثُمَّ تَحَبَّبَت / إِلَيهِ الحَياةُ ماؤُها عَلَلٌ سَكبُ
وَقَد غَلُظَت دونَ النَجاةِ الَّتي اِبتَغى / رِقابُ رِجالٍ دونَ ما مَنَعَت غُلبُ
تَكَرَّهَ طَعمَ المَوتِ وَالسَيفُ آخِذٌ / مُخَنَّقَ لَيثِ الحَربِ حاصِلُهُ كَلبُ
وَلَو كانَ حُرَّ النَفسِ وَالعَيشُ مُدبِرٌ / لَماتَ وَطَعمُ المَوتِ في فَمِهِ عَذبُ
وَلَو لَم يُحاجِز لُؤلُؤٌ بِفِرارِهِ / لَكانَ لِصَدرِ الرُمحِ في لُؤلُؤٍ ثَقبُ
تَخَطَّأَ عَرضَ الأَرضِ راكِبَ وَجهِهِ / لِيَمنَعَ مِنهُ البُعدُ ما يَبذُلُ القُربُ
يُحِبُّ البِلادَ وَهيَ شَرقٌ لِشَخصِهِ / وَيُذعَرُ مِنها وَهيَ مِن فَوقِهِ غَربُ
إِذا سارَ سَهباً عادَ ظُهراً عَدُوَّهُ / وَكانَ الصَديقَ غُدوَةً ذَلِكَ السَهبُ
مَخاذيلُ لَم يَستُر فَضائِحَ عَجزِهِم / وَفاءٌ وَلَم يَنهَض بِغَدرِهِمِ شَغبُ
أَخافُ كَأَنّي حامِلٌ وِزرَ بَعضِهِم / مِنَ الذَنبِ أَو أَنّي لِبَعضِهِمِ إِلبُ
وَما كانَ لي ذَنبٌ فَأَخشى جَزاءَهُ / وَعَفوُكَ مَرجُوٌّ وَإن كانَ لي ذَنبُ
تَعالَلتِ عَن وَصلِ المُعَنّى بِكِ الصَبِّ
تَعالَلتِ عَن وَصلِ المُعَنّى بِكِ الصَبِّ / وَآثَرتِ بُعدَ الدارِ مِنّا عَلى القُربِ
وَحَمَّلتِني ذَنبَ الفِراقِ وَإِنَّهُ / لَذَنبُكِ إِن أَنصَفتِ في الحُكمِ لاذَنبي
وَوَاللَهِ ما اِختَرتُ السُلُوَّ عَلى الهَوى / وَلا حُلتُ عَمّا تَعهِدينَ مِنَ الحُبِّ
وَلا اِزدادَ إِلّا جِدَّةً وَتَمَكُّناً / مَحَلُّكِ مِن نَفسي وَحَظُّكِ مِن قَلبي
فَلا تَجمَعي هَجراً وَعَتباً فَلَم أَجِد / جَليداً عَلى هَجرِ الأَحِبَّةِ وَالعَتبِ
بِعَمرِكَ تَدري أَيُّ شَأنَيَّ أَعجَبُ
بِعَمرِكَ تَدري أَيُّ شَأنَيَّ أَعجَبُ / فَقَد أَشكَلا باديهِما وَالمُغَيَّبُ
جُنونِيَ في لَيلى وَلَيلى خَلِيَّةٌ / وَصَغوي إِلى سُعدى وَسُعدى تَجَنَّبُ
إِذا لَبِسَت كانَت جَمالَ لِباسِها / وَتَسلُبَّ لُبَّ المُجتَلي حينَ تُسلَبُ
وَسَمَّيتُها مِن خَشيَةِ الناسِ زَينَباً / وَكَم سَتَرَت حُبّاً عَلى الناسِ زَينَبُ
غَضارَةُ دُنيا شاكَلَت بِفُنونِها / مُعاقَبَةَ الدُنيا الَّتي تَتَقَلَّبُ
وَجَنَّةُ خُلدٍ عَذَّبَتنا بِدَلِّها / وَما خِلتُ أَنّا بِالجِنانِ نُعَذَّبُ
أَلا رُبَّما كَأسٍ سَقاني سُلافَها / رَهيفُ التَثَنّي واضِحُ الثَغرِ أَشنَبُ
إِذا أَخَذَت أَطرافُهُ مِن قُنوئِها / رَأَيتَ اللُجَينَ بِالمُدامَةِ يُذهَبُ
كَأَنَّ بِعَينَيهِ الَّذي جاءَ حامِلاً / بِكَفَّيهِ مِن ناجودِها حينَ يُقطَبُ
لَأَسرَعَ في عَقلي الَّذي بِتُّ مَوهِناً / أَرى مِن قَريبٍ لا الَّذي بِتُّ أَشرَبُ
لَدى رَوضَةٍ جادَ الرَبيعُ نَباتَها / بِغُرِّ الغَوادي تَستَهِلُّ وَتَسكُبُ
إِذا أَصبَحَ الحَوذانُ في جَنَباتِها / يُفَتَّحُ وُهِّمتَ الدَنانيرَ تُضرَبُ
أَجِدَّكَ إِنَّ الدَهرَ أَصبَحَ صَرفُهُ / يَجِدُّ وَإِن كُنّا مَعَ الدَهرِ نَلعَبُ
وَقَد رَدَّتِ الخَمسونَ رَدَّ صَريمَةٍ / إِلى الشَيبِ مَن وَلّى عَنِ الشَيبِ يَهرُبُ
فَقَصرُكَ إِنّي حائِمٌ فَمُرَفرِفٌ / عَلى خُلُقي أَو ذاهِبٌ حَيثُ أَذهَبُ
نَظَرتُ وَرَأسُ العَينِ مِنِّيَ مَشرِقٌ / صَوامِعُها وَالعاصِمِيَّةُ مَغرِبُ
بِقَنطَرَةِ الخابورِ هَل أَهلُ مَنبِجٍ / بِمَنبِجَ أَم بادونَ عَنها فَغُيَّبُ
وَمابَرِحَ الأَعداءُ حَتّى بَدَهتَهُم / بِظَلماءِ زَحفٍ بِيضُها تَتَلَهَّبُ
إِذا اِنبَسَطَت في الأَرضِ زادَت فُضولُها / عَلى العَينِ حَتّى العَينُ حَسرى تَذَبذَبُ
وَإِنَّ اِبنَ بِسطامٍ كَفاني اِنفِرادُهُ / مُكاثَرَةَ الأَعداءِ لَمّا تَأَلَّبوا
أَخي عِندَ جِدِّ الحادِثاتِ وَإِنَّما / أَخوكَ الَّذي يَأتي الرِضا حينَ تَغضَبُ
يُؤَمَّلُ في لينِ اللُبوسِ وَيُرتَجى / لِطولٍ وَيُخشى في السِلاحِ وَيُرهَبُ
وَما عاقَهُ أَن يَطعُنَ الخَيلَ مُقدِماً / عَلى الهَولِ فيها أَنَّهُ باتَ يَكتُبُ
تَرُدُّ السُيوفُ الماضِياتُ قَضاءَها / إِلى قَلَمٍ يومي لَها أَينَ تَضرِبُ
مُدَبِّرُ جَيشٍ ذَلَّلَ الأَرضَ شَغبُهُ / وَعَزمَتُهُ مِن ذَلِكَ الجَيشِ أَشغَبُ
إِذا الخَطبُ أَعيا أَينَ مَأخَذُهُ اِهتَدى / لِما يُتَوَخّى مِنهُ أَو يُتَنَكَّبُ
نُعَوِّلُ وَالإِجداءُ فيهِ تَباعُدٌ / عَلى سَيِّدٍ يَدنو جَداهُ وَيَقرُبُ
عَلى مَلِكٍ لا يَحجُبُ البُخلُ وَجهَهُ / عَلَينا وَمِن شَأنِ البَخيلِ التَحَجُّبُ
وَأَبيَضَ يَعلو حينَ يَرتاحُ لِلنَدى / عَلى وَجهِهِ لَونٌ مِنَ البِشرِ مُشرَبُ
تَفَرَّغُ أَخلاقُ الرِجالِ وَعِندَهُ / شَواغِلُ مِن مَجدٍ تُعَنّي وَتُنصِبُ
لَهُ هِزَّةٌ مِن أَريَحِيَّةِ جودِهِ / تَكادُ لَها الأَرضُ الجَديبَةُ تُعشِبُ
تُحَطُّ رِحالُ الراغِبينَ إِلى فَتىً / نَوافِلُهُ نَهبٌ لِمَن يَتَطَلَّبُ
إِلى غُمُرٍ في مالِهِ تَستَخِفُّهُ / صِغارُ الحُقوقِ وَهوَ عَودٌ مُجَرَّبُ
إِذا نَحنُ قُلنا وَقَّرَتهُ مُلِمَّةٌ / تَهالَكَ مُنقادُ القَرينَةِ مُصحِبُ
تَجاوَزُ غاياتِ العُقولِ مَواهِبٌ / نَكادُ لَها لَولا العِيانُ نُكَذِّبُ
جَدىً إِن أَغَرنا فيهِ كانَ غَنيمَةً / وَيَضعُفُ فيهِ الغُنمُ حينَ يُعَقَّبُ
خَلائِقُ لَو يَلقى زِيادٌ مِثالَها / إِذَن لَم يَقُل أَيُّ الرِجالِ المُهَذَّبُ
عَجِبتُ لَهُ لَم يُزهَ عُجباً بِنَفسِهِ / وَنَحنُ بِهِ نَختالُ زَهواً وَنُعجَبُ
فِداكَ أَبا العَباسِ مِن نُوَبِ الرَدى / أُناسٌ يَخيبُ الظَنُّ فيهِم وَيَكذِبُ
طَوَيتُ إِلَيكَ المُنعِمينَ وَلَم أَزَل / إِلَيكَ أُعَدّي عَنهُمُ وَأُنَكِّبُ
وَما عَدَلَت عَنكَ القَصائِدُ مَعدِلاً / وَلا تَرَكَت فَضلاً لِغَيرِكَ يُحسَبُ
نُنَظِّمُ مِنها لُؤلُؤاً في سُلوكِهِ / وَمِن عَجَبٍ تَنظيمُ ما لا يُثَقَّبُ
فَلَو شارَكَت في مَكرُماتِكَ طَيٌّ / لَوُهِّمَ قَومٌ أَنَّني أَتَعَصَّبُ
مَتى يَسأَلُ المَغرورُ بي عَن صَريمَتي / يُخَبِّرهُ عَنها غانِمٌ أَو مُخَيَّبُ
يَسُرُّ اِفتِتاني مَعشَراً وَيَسوؤُهُم / وَيَخلُدُ ما أَفتَنُّ فيهِم وَأُسهِبُ
وَلَم يُبقِ كَرُّ الدَهرِ غَيرَ عَلائِقٍ / مِنَ القَولِ تُرضي سامِعينَ وَتُغضِبُ
ذَكَرتُ وَصيفاً ذِكرَةَ الهائِمِ الصَبِّ
ذَكَرتُ وَصيفاً ذِكرَةَ الهائِمِ الصَبِّ / فَأَجرَيتُ سَكباً مِن دُموعي عَلى سَكبِ
أَسيرٌ بِأَرضِ الشامِ ما حَفِظوا لَهُ / ذِمامَ الهَوى فيهِ وَلا حُرمَةَ الحُبِّ
وَما كانَ مَولاهُ وَقَد سامَهُ الرَدى / بِمُتَّئِدِ البُقيا وَلا لَيِّنِ القَلبِ
وَقالوا أَتى مِن جانِبِ الغَربِ مُقبِلاً / وَماخِلتُ أَنَّ البَدرَ يَأتي مِنَ الغَربِ
وَما ذَنبُ مَقصورِ اليَدَينِ عَنِ الأَذى / رَقيقِ الحَواشي عَن مُقارَفَةِ الذَنبِ
عَلى خَوفِ أَعداءٍ وَرِقبَةِ كاشِحٍ / وَعَتبِ مَليكٍ جاوَزَ الحَدَّ في العَتبِ
أَصادِقَتي فيكَ المُنى وَمُديلَتي / صُروفُ اللَيالي مِن شَفيعٍ وَمِن قُربِ
مَتى تَذهَبِ الدُنيا وَلَم أُشفَ مِنهُما / فَلا أَرَبي مِنها قَضَيتُ وَلا نَحبي
هَبيهِ لِمُنهَلِّ الدُموعِ السَواكِبِ
هَبيهِ لِمُنهَلِّ الدُموعِ السَواكِبِ / وَهَبّاتِ شَوقٍ في حَشاهُ لَواعِبِ
وَإِلّا فَرُدّي نَظرَةً فيهِ تَعجَبي / لِما فيهِ أَو لا تَحفِلي لِلعَجائِبِ
صَدَدتِ وَلَم يَرمِ الهَوى كَشحُ كاشِحٍ / وَبِنتِ وَلَم يَدعُ النَوى نَعبُ ناعِبِ
فَلا عارَ إِن أَجزَع فَهَجرُكِ آلِ بي / جَزوعاً وَإِن أُغلَب فَحُبُّكِ غالِبي
وَما كُنتُ أَخشى أَن تَكونَ مَنِيَّتي / نَواكَ وَلا جَدواكِ إِحدى مَطالِبي
أَما وَوُجوهِ الخَيلِ وَهيَ سَواهِمٌ / تُهَلهِلُ نَقعاً في وُجوهِ الكَتائِبِ
وَغَدوَةِ تِنّينِ المَشارِقِ إِذ غَدا / فَبَثَّ حَريقاً في أَقاصي المَغارِبِ
وَهَدَّةِ يَومٍ لِاِبنِ يوسُفَ أَسمَعَت / مِنَ الرومِ ما بَينَ الصَفا وَالأَخاشِبِ
لَقَد كانَ ذاكَ الجَأشُ جَأشَ مُسالِمٍ / عَلى أَنَّ ذاكَ الزَيَّ زِيُّ مُحارِبِ
مَفازَةُ صَدرٍ لَو تُطَرَّقُ لَم يَكُن / لَيَسلِكَها فَرداً سُلَيكُ المَقانِبِ
تَسَرَّعَ حَتّى قالَ مَن شَهِدَ الوَغى / لِقاءُ أَعادٍ أَم لِقاءُ حَبائِبِ
ظَلِلنا نُهَدّيهِ وَقَد لَفَّ عَزمُهُ / مَدينَةَ قَسطَنطينَ مِن كُلِّ جانِبِ
تَلَبَّث فَما الدَربُ الأُصَمُّ بِمُسهِلٍ / إِلَيها وَلا ماءُ الخَليجِ بِناضِبِ
وَصاعِقَةٍ في كَفِّهِ يَنكَفي بِها / عَلى أَرؤُسِ الأَقرانِ خَمسُ سَحائِبِ
يَكادُ النَدى مِنها يَفيضُ عَلى العِدى / مَعَ السَيفِ في ثِنيَي قَناً وَقَواضِبِ
أَما وَاِبنِهِ يَومَ اِبنِ عَمرٍو لَقَد نَهى / عَنِ الدينِ يَوماً مُكفَهِرَّ الحَواجِبِ
لَوى عُنُقَ السَيلِ الَّذي اِنحَطَّ مُجلِباً / لِيَصدَعَ كَهفاً في لُؤَيِّ بنِ غالِبِ
وَقَد سارَ في عَمرِو بنِ غَنمِ بنِ تَغلِبٍ / مَسيرَ اِبنِ وَهبٍ في عَجاجَةِ راسِبِ
سَقَيتُهُمُ كَأساً سَقاهُم ذُعافَها / كَنِيُّكَ في أُولى السِنينَ الذَواهِبِ
وَنَفَّستَ عَن نَفسِ الظَلومِ وَقَد رَأَت / مَنِيَّتَها بَينَ السُيوفِ اللَواعِبِ
مَنَنتَ عَلَيهِ إِذ تَقَلَّبَتِ الظُبا / عَلَيهِ وَزَيدٌ مِن قَتيلٍ وَهارِبِ
وَتَعتَعتَ عَنهُ السَيفَ فَاِرتَدَّ نَصلُهُ / كَليلَ الشَذا عَنهُ حَرونَ المَضارِبِ
أَتَغلِبُ ما أَنتُم لَنا مِثلَنا لَكُم / وَلا الأَمرُ فيما بَينَنا بِمُقارِبِ
تَهُبّونَ نَكباءً لَنا وَرِياحُنا / لَكُم أَرَجٌ مِن شَمأَلٍ وَجَنائِبِ
وَكائِن جَحَدتُم مِن أَيادي مُحَمَّدٍ / كَواكِبَ دَجنٍ مِن لُهىً وَمَواهِبِ
وَمِن نائِلٍ ما تَدَّعي مِثلَ صَوبِهِ / إِذا جادَ أَكبادُ الغَمامِ الصَوائِبِ
أَلَم تَسكُنوا في ظِلِّهِ فَتُصادِفوا / إِجازَةَ مَطلوبٍ وَرَغبَةَ طالِبِ
أَلَم تَرِدوهُ وَهوَ جَمٌّ فَلَم تَكُن / غُروبُكُمُ في بَحرِهِ بِغَرائِبِ
وَيُحجَبُ عَنكُم عَبدُهُ وَهوَ بارِزٌ / تُناجونَهُ بِالعَينِ مِن غَيرِ حاجِبِ
وَيَغدو عَلَيكُم وَهوَ كاتِبُ نَفسِهِ / وَنِعمَتُهُ تَغدو عَلى أَلفِ كاتِبِ
لَأَقشَعَ عَن تِلكَ الوُجوهِ سَوادَها / وَأَمطَرَ في تِلكَ الأَكُفِّ الشَواحِبِ
بَلى ثَمَّ سَيفٌ ما يُجاوِزُ حَدَّهُ / ظُلامَةُ ظَلّامٍ وَلا غَصبُ غاصِبِ
لَهُ سُخطُكُم وَالأَمرُ مِن دونِهِ الرِضا / وَرَغبَتُكُم في فَقدِ هَذي الرَغائِبِ
يَدُ اللَهِ كانَت فَوقَ أَيديكُمُ الَّتي / أَرَدنَ بِهِ ما في الظُنونِ الكَواذِبِ
فَجاءَ مَجيءَ الصُبحِ يَجلو ضَبابَةً / مِنَ البَغيِ عَن وَجهٍ رَقيقِ الجَوانِبِ
يُزَجّي التُقى مِن هَديِهِ وَاِعتِلائِهِ / سَكينَةُ مَغلوبٍ وَأَوبَةُ غالِبِ
أَسالَ لَكُم عَفواً رَأَيتُم ذُنوبَكُم / غُثاءً عَلَيهِ وَهوَ مِلءُ المَذانِبِ
وَلَم يَفتَرِض مِنكُم فَرائِصَ أَهدَفَت / لِبَطشَةِ أَظفارٍ لَهُ وَمَخالِبِ
وَقَد كانَ فيما كانَ سُخطاً لِساخِطٍ / وَهَيجاً لِمُهتاجٍ وَعَتباً لِعاتِبِ
وَفي عَفوِهِ لَو تَعلَمونَ عُقوبَةٌ / تُقَعقِعُ في الأَعراضِ إِن لَم يُعاقِبِ
وَلَو داسَكُم بِالخَيلِ دَوسَةَ مُغضَبٍ / لَطِرتُم غُباراً فَوقَ خُرسِ الكَتائِبِ
نَصَحتُكُمُ لَو كانَ لِلنُصحِ مَوضِعٌ / لَدى سامِعٍ عَن مَوضِعِ الفَهمِ غائِبِ
نَذيراً لَكُم مِنهُ بَشيراً لَكُم بِهِ / وَما لِيَ في هاتَينِ قَولَةُ كاذِبِ
فَإِن تَسأَلوهُ الحَربَ يَسمَح لَكُم بِها / جَوادٌ يَعُدُّ الحَربَ إِحدى المَكاسِبِ
رَكوبٌ لِأَعناقِ الأُمورِ فَإِن يَمِل / بِكُم مَذهَبٌ يُصبِح كَثيرَ المَذاهِبِ
مَشى لَكُمُ مَشيَ العَفَرنى وَأَنتُمُ / تَدِبّونَ مِن جَهلٍ دَبيبَ العَقارِبِ
إِلى صامِتِيِّ الكَيدِ لَو لَم يَكُن لَهُ / قَريحَةُ كَيدٍ لَاِكتَفى بِالتَجارِبِ
عَليمٌ بِما خَلفَ العَواقِبِ إِن سَرَت / رَوِيَّتُهُ فَضلاً بِما في العَواقِبِ
وَصَيقَلُ آراءٍ يَبيتُ يَكُدُّها / وَيَشحَذُها شَحذَ المُدى لِلنَوائِبِ
يُحَرِّقُ تَحريقَ الصَواعِقِ أُلهِبَت / بِرَعدٍ وَيَنقَضُّ اِنقِضاضَ الكَواكِبِ
لَقينا هِلالَ البَطحِ سَعداً لَدى أَبي / سَعيدٍ وَرَيبُ الدَهرِ لَيسَ بِرائِبِ
شَدَدنا عُرى آمالِنا وَظُنونِنا / بِأَجوَدِ مَصحوبٍ وَأَنجَدِ صاحِبِ
تَدارَكَ شَملَ الشِعرِ وَالشِعرُ شارِدُ ال / شَوارِدِ مَرذولٌ غَريبُ الغَرائِبِ
فَضَمَّ قَواصيهِ إِلَيهِ تَيَقُّناً / بِأَنَّ قَوافيهِ سُلوكُ المَناقِبِ
بِنا أَنتِ مِن مَفجوَّةٍ لَم تُعَتَّبِ
بِنا أَنتِ مِن مَفجوَّةٍ لَم تُعَتَّبِ / وَمَعذورَةٍ في هَجرِها لَم تُؤَنَّبِ
وَنازِحَةٍ وَالدارُ مِنها قَريبَةٌ / وَما قُربُ ثاوٍ في التُرابِ مُغَيَّبِ
قَضَت عُقَبُ الأَيّامِ فينا بِفُرقَةٍ / مَتى ما تُغالَب بِالتَجَلُّدِ تَغلِبِ
فَإِن أَبكِ لا أَشفِ الغَليلَ وَإِن أَدَع / أَدَع حُرقَةً في الصَدرِ ذاتَ تَلَهُّبِ
أَلا لا تُذَكِّرني الحِمى إِنَّ عَهدَهُ / جَوىً لِلمَشوقِ المُستَهامِ المُعَذَّبِ
أَتَت دونَ ذاكَ العَهدِ أَيّامُ جُرهُمٍ / وَطارَت بِذاكَ العَيشِ عَنقاءُ مُغرِبِ
وَيا لائِمي في عَبرَةٍ قَد سَفَحتُها / لِبَينٍ وَأُخرى قَبلَها لِتَجَنُّبِ
تُحاوِلُ مِنّي شيمَةً غَيرَ شيمَتي / وَتَطلِبُ عِندي مَذهَباً غَيرَ مَذهَبي
وَما كَبِدي بِالمُستَطيعَةِ لِلأَسى / فَأَسلو وَلا قَلبي كَثيرُ التَقَلُّبِ
وَلَمّا تَزايَلنا مِنَ الجِزعِ وَاِنتَأى / مُشَرِّقُ رَكبٍ مُصعِداً عَن مَغَرِّبِ
تَبَيَّنتُ أَن لا دارَ مِن بَعدِ عالِجِ / تَسُرُّ وَأَن لا خُلَّةً بَعدَ زَينَبِ
لَعَلَّ وَجيفَ العيسِ في غَلَسِ الدُجى / وَطَيَّ المَطايا سَبسَباً بَعدَ سَبسَبِ
يُبَلِّغُني الفَتحَ بنِ خاقانَ إِنَّهُ / نِهايَةُ آمالي وَغايَةُ مَطلَبي
فَتىً لا يَرى أُكرومَةً لِمُزَنَّدٍ / إِذا ما بَدا أُكرومَةً لَم يُعَقِّبِ
وَمُستَشرِفٌ بَينَ السِماطَينِ مُشرِفٌ / عَلى أَعيُنِ الرائينَ يَعلو فَيَرتَبي
يَغُضّونَ فَضلَ اللَحظِ مِن حَيثُ ما بَدا / لَهُم عَن مَهيبٍ في الصُدورِ مُحَبَّبِ
إِذا عَرَضوا في جِدِّهِ نَفَرَت بِهِم / بَسالَةُ مَشبوحِ الذِراعينَ أَغلَبِ
غَدا وَهوَ طَودٌ لِلخِلافَةِ ماثِلٌ / وَحَدُّ حُسامٍ لِلخَليفَةِ مِقضَبِ
نَفى البَغيَ وَاِستَدعى السَلامَةَ وَاِنتَهى / إِلى شَرَفِ الفِعلِ الكَريمِ المُهَذَّبِ
إِذا اِنسابَ في تَذبيرِ أَمرٍ تَرافَدَت / لَهُ فِكَرٌ يُنجِحنَ في كُلِّ مَطلَبِ
خَفِيُّ مَدَبِّ الكيدِ تَثني أَناتُهُ / تَسَرُّعَ جَهلِ الطائِشِ المُتَوَثَّبِ
وَيُبدي الرَضا في حالَةِ السُخطِ لِلعِدى / وَقورٌ مَتى يَقدَح بِزَندَيهِ يُثقِبِ
فَماذا يَغُرُّ الحائِنينَ وَقَد رَأَوا / ضَرائِبَ ذاكَ المَشرَفِيِّ المُجَرَّبِ
غَرائِبُ أَخلاقٍ هِيَ الرَوضُ جادَهُ / مُلِثُّ العَزالى ذو رَبابٍ وَهَيدَبِ
فَكَم عَجَّبَت مِن ناظِرٍ مُتَأَمِّلٍ / وَكَم حَيَّرَت مِن سامِعٍ مُتَعَجِّبِ
وَقَد زادَها إِفراطَ حُسنٍ جِوارُها / لِأَخلاقِ أَصفارٍ مِنَ المَجدِ خُيَّبِ
وَحُسنُ دَرارِيِّ الكَواكِبِ أَن تُرى / طَوالِعَ في داجٍ مِنَ اللَيلِ غَيهَبِ
أَرى شَملَكُم يا أَهلَ حِمصٍ مُجَمَّعاً / بِعَقبِ اِفتِراقٍ مِنكُمُ وَتَشَعُّبِ
وَكُنتُم شَعاعاً مِن طَريدٍ مُشَرَّدٍ / وَثاوٍ رَدٍ أَو خائِفٍ مُتَرَقِّبِ
وَمَن نَفَرٍ فَوقَ الجُذوعِ كَأَنَّهُم / إِذا الشَمسُ لاحَتهُم حَرابِيُّ تَنضُبِ
تَلافاكُمُ الفَتحُ بنَ خاقانَ بَعدَما / تَدَهدَهتُمُ مِن حالِقٍ مُتَصَوِّبِ
بِعارِفَةٍ أَهدَت أَماناً بِمَذحَجٍ / وَغَوثاً لِمَلهوفٍ وَعَفواً لِمُذنِبِ
عَنَت طَيِّئاً جَمعاً وَثَنَّت بِمَذحِجٍ / خُصوصاً وَعَمَّت في الكَلاعِ وَيَحصُبِ
رَدَدتَ الرَدى عَن أَهلِ حِمصِ وَقَد بَدا / لَهُم جانِبُ اليَومِ العَبوسِ العَصَبصَبِ
وَلَو لَم تُدافِع دونَها لَتَفَرَّقَت / أَيادي سَباً عَنها سَباءُ بنُ يَشجُبِ
رَفَدتَهُمُ عِندَ السَريرِ وَقَد هَوى / بِهِم ما هَوى مِن سُخطِ أَسوانَ مُغضَبِ
وَكانَت يَداً بَيضاءَ مِثلَ اليَدِ الَّتي / نَعَشتَ بِها عَمرَو بنَ غَنمِ بنَ تَغلِبِ
فَلَم تَرَ عَيني نِعمَتَينِ اِستَحَقَّتا / ثَناءَهُما في اِبنى مَعَدٍّ وَيَعرُبِ
إِنَ العَرَبُ اِنقادَت إِلَيكَ قُلوبُها / فَقَد جِئتَ إِحساناً إِلى كُلِّ مُعرِبِ
وَلَم تَتَعَمَّد حاضِراً دونَ غائِبٍ / وَلَم تَتَجانَف عَن بَعيدٍ لِأَقرَبِ
شَكَرتُكَ عَن قَومي وَقَومِكَ إِنَّني / لِسانُهُما في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبِ
وَما أَنا إِلّا عَبدُ نِعمَتِكَ الَّتي / نُسِبتُ إِلَيها دونَ رَهطي وَمَنسِبي
وَمَولى أَيادٍ مِنكَ بيضٍ مَتى أَقُل / بِآلائِها في مَشهَدٍ لا أُكَذَّبِ
وَآلَيتُ لا أَنسى بُلوغي بِكَ العُلا / عَلى كُرهِ شَتّاً مِن شُهودٍ وَغُيَّبِ
وَدَفعي بِكَ الأَعداءَ عَنّي وَإِنَّما / دَفَعتُ بِرُكنٍ مِن شَرَورى وَمَنكِبِ
أَجِدَّكَ ما يَنفَكُّ يَسري لِزَينَبا
أَجِدَّكَ ما يَنفَكُّ يَسري لِزَينَبا / خَيالٌ إِذا آبَ الظَلامُ تَأَوَّبا
سَرى مِن أَعالي الشامِ يَجلُبُهُ الكَرى / هُبوبَ نَسيمِ الرَوضِ تَجلُبُهُ الصَبا
وَما زارَني إِلّا وَلِهتُ صَبابَةً / إِلَيهِ وَإِلّا قُلتُ أَهلاً وَمَرحَبا
وَلَيلَتَنا بِالجَزعِ باتَ مُساعِفاً / يُريني أَناةَ الخَطوِ ناعِمَةَ الصِبا
أَضَرَّت بِضَوءِ البَدرِ وَالبَدرُ طالِعٌ / وَقامَت مَقامَ البَدرِ لَمّا تَغَيَّبا
وَلَو كانَ حَقّا ما أَتَتهُ لَأَطفَأَت / غَليلا وَلَاِفتَكَّت أَسيراً مُعَذَّبا
عَلِمتُكِ إِن مَنَّيتِ مَنَّيتِ مَوعِداً / جَهاماً وَإِن أَبرَقتِ أَبرَقتِ خُلَّبا
وَكُنتُ أَرى أَنَّ الصُدودَ الَّذي مَضى / دَلالٌ فَما إِن كانَ إِلّا تَجَنُّبا
فَوا أَسَفي حَتّامَ أَسأَلُ مانِعاً / وَآمَنُ خَوّاناً وَأُعتِبُ مُذنِبا
سَأَثني فُؤادي عَنكِ أَو أَتبَعُ الهَوى / إِلَيكِ إِنِ اِستَعصى فُؤادِيَ أَو أَبى
أَقولُ لِرَكبٍ مُعتَفينَ تَدَرَّعوا / عَلى عَجَلٍ قِطعاً مِنَ اللَيلِ غَيهَبا
رِدوا نائِلَ الفَتحِ بنِ خاقانَ إِنَّهُ / أَعَمُّ نَدىً فيكُم وَأَقرَبُ مَطلَبا
هُوَ العارِضُ الثَجّاجُ أَخضَلَ جودُهُ / وَطارَت حَواشي بَرقِهِ فَتَلَهَّبا
إِذا ما تَلَظّى في وَغى أَصعَقَ العِدى / وَإِن فاضَ في أَكرومَةٍ غَمَرَ الرُبا
رَزينٌ إِذا ما القَومُ خَفَّت حُلومُهُم / وَقورٌ إِذا ما حادِثُ الدَهرِ أَجلَبا
حَياتُكَ أَن يَلقاكَ بِالجودِ راضِياً / وَمَوتُكَ أَن يَلقاكَ بِالبَأسِ مُغضَبا
حَرونٌ إِذا عازَرتَهُ في مُلِمَّةٍ / فَإِن جِئتَهُ مِن جانِبِ الذُلِّ أَصحَبا
فَتىً لَم يُضَيِّع وَجهَ حَزمٍ وَلَم يَبِت / يُلاحِظُ أَعجازَ الأُمورِ تَعَقُّبا
إِذا هَمَّ لَم يَقعُد بِهِ العَجزُ مَقعَداً / وَإِن كَفَّ لَم يَذهَب بِهِ الخُرقُ مَذحَبا
أُعيرَ مَوَدّاتِ الصُدورِ وَأُعطِيَت / يَداهُ عَلى الأَعداءِ نَصرا مُرَهِّبا
وَقَيناكَ صَرفَ الدَهرِ بِالأَنفُسِ الَّتي / تُبَجِّلُ لا نَألوكَ أُمّاً وَلا أَبا
فَلَم تَخلُ مِن فَضلٍ يُبَلِّغُكَ الَّتي / تَرومُ وَمِن رَأيٍ يُريكَ المُغَيَّبا
وَما نَقَمَ الحُسّادُ إِلّا أَصالَةً / لَدَيكَ وَفِعلاً أَريَحِيّاً مُهَذَّبا
وَقَد جَرَّبوا بِالأَمسِ مِنكَ عَزيمَةً / فَضَلتَ بِها السَيفَ الحُسامَ المُجَرَّبا
غَداةَ لَقيتَ اللَيثَ وَاللَيثُ مُخدِرٌ / يُحَدِّدُ ناباً لِلِّقاءِ وَمَخلَبا
يُحَصِّنُهُ مِن نَهرِ نَيزَكَ مَعقِلٌ / مَنيعٌ تَسامى غابُهُ وَتَأَشَّبا
يَرودُ مَغاراً بِالظَواهِرِ مُكثِبا / وَيَحتَلُّ رَوضاً بِالأَباطِحِ مُعشِبا
يُلاعِبُ فيهِ أُقحُواناً مُفَضَّضاً / يَبِصُّ وَحَوذاناً عَلى الماءِ مُذهَبا
إِذا شاءَ غادى عانَةً أَو عَدا عَلى / عَقائِلِ سِربٍ أَو تَقَنَّصَ رَبرَبا
يَجُرُّ إِلى أَشبالِهِ كُلَّ شارِقٍ / عَبيطاً مُدَمّاً أَو رَميلاً مُخَضَّبا
وَمَن يَبغِ ظُلماً في حَريمِكَ يَنصَرِف / إِلى تَلَفٍ أَو يُثنَ خَزيانَ أَخيَبا
شَهِدتُ لَقَد أَنصَفتَهُ يَومَ تَنبَري / لَهُ مُصلِتاً عَضباً مِنَ البيضِ مِقضَبا
فَلَم أَرَ ضِرغامَينِ أَصدَقَ مِنكُما / عِراكاً إِذا الهَيّابَةُ النِكسُ كَذَّبا
هِزَبرٌ مَشى يَبغي هِزَبراً وَأَغلَبٌ / مِنَ القَومِ يَغشى باسِلَ الوَجهِ أَغلَبا
أَدَلَّ بِشَغبٍ ثُمَّ هالَتهُ صَولَةٌ / رَآكَ لَها أَمضى جَناناً وَأَشغَبا
فَأَحجَمَ لَمّا لَم يَجِد فيكَ مَطمَعاً / وَأَقدَمَ لَمّا لَم يَجِد عَنكَ مَهرَبا
فَلَم يُغنِهِ أَن كَرَّ نَحوَكَ مُقبِلاً / وَلَم يُنجِهِ أَن حادَ عَنكَ مُنَكِّبا
حَمَلتَ عَلَيهِ السَيفَ لا عَزمُكَ اِنثَنى / وَلا يَدُكَ اِرتَدَّت وَلا حَدُّهُ نَبا
وَكُنتَ مَتى تَجمَع يَمينَيكَ تَهتِكِ ال / ضَريبَةَ أَو لا تُبقِ لِلسَيفِ مَضرِبا
أَلَنتَ لِيَ الأَيّامَ مِن بَعدِ قَسوَةٍ / وَعاتَبتَ لي دَهري المُسيءَ فَأَعتَبا
وَأَلبَستَني النُعمى الَّتي غَيَّرَت أَخي / عَلَيَّ فَأَضحى نازِحَ الوُدِّ أَجنَبا
فَلا فُزتُ مِن مَرِّ اللَيالي بِراحَةٍ / إِذا أَنا لَم أُصبِح بِشُكرِكَ مُتعَبا
عَلى أَنَّ أَفوافَ القَوافي ضَوامِنٌ / لِشُكرِكَ ما أَبدى دُجى اللَيلِ كَوكَبا
ثَناءٌ تَقَصّى الأَرضَ نَجداً وَغائِراً / وَسارَت بِهِ الرُكبانُ شَرقاً وَمَغرِبا
تَخَطّى اللَيالي مَعشَراً لا تُعِلُّهُم
تَخَطّى اللَيالي مَعشَراً لا تُعِلُّهُم / بِشَكوٍ وَيَعتَلُّ الأَميرُ وَكاتِبُه
وَلِلبُرءِ عُقبى سَوفَ يُحمَدُ غِبُّها / وَخَيرُ الأُمورِ ما تَسُرُّ عَواقِبُه
فَقُل لِأَبي نوحٍ وَإِن ذَهَبَت بِهِ / مَذاهِبُهُ عَنّا وَأَعيَت مَطالِبُه
وَكابَدَ مِن شَكوِ الأَميرِ وَوَعكِهِ / تَباريحَ هَمٍّ يَشغَلُ القَلبَ ناصِبُه
بِوُدِّكَ لَو مُلِّكتَ تَحويلَ شَكوِهِ / إِلَيكَ مَعَ الشَكوِ المُعَنّيكَ واصِبُه
فَنَغدو نُقاسي عِلَّتَينِ وَيَغتَدي / صَحيحاً كَنَصلِ السَيفِ صَحَّت مَضارِبُه
وَيَكفي الفَتى مِن نُصحِهِ وَوَفائِهِ / تَمَنّيهِ أَن يَردى وَيَسلَمَ صاحِبُه
فَلا تَحسِبَن تَركي العِيادَةَ جَفوَةً / وَلا سوءَ عَهدٍ جاذَبَتني جَواذِبُه
وَمَن لي بِإِذنٍ حينَ أَغدو إِلَيكُما / وَدونَكُما البَرجُ المُطِلُّ وَحاجِبُه
لَتَهنِئ أَميرَ المُؤمِنينَ عَطِيَّةٌ
لَتَهنِئ أَميرَ المُؤمِنينَ عَطِيَّةٌ / مِنَ اللَهِ يَزكو نَيلُها وَيَطيبُ
يَدُ اللَهِ في فَتحٍ إِلَيكَ جَميلَةٌ / وَإِنعامُهُ فيهِ عَلَيكَ عَجيبُ
وَلِيُّكَ دونَ الأَولِياءِ مَحَبَّةً / وَمَولاكَ وَالمَولى الصَريحُ نَسيبُ
وَعَبدُكَ أَحظَتهُ إِلَيكَ نَصيحَةٌ / وَأَرضاكَ مِنهُ مَشهَدٌ وَمَغيبُ
رَمَتهُ صُروفُ النائِباتِ فَأَخطَأَت / كَذا الدَهرُ يُخطي مَرَّةً وَيُصيبُ
وَلَم أَنسَهُ يَطفو وَيَرسُبُ تارَةً / وَيَظهَرُ لِلرائينَ ثُمَّ يَغيبُ
دَعا بِاِسمِكَ المَنصورِ وَالمَوجُ غامِرٌ / لِدَعوَتِهِ وَالمَوتُ مِنهُ قَريبُ
وَأُقسِمُ لَو يَدعوكَ وَالخَيلُ حَولَهُ / لَفَرَّجَها عَنهُ أَغَرُّ نَجيبُ
فَلَولا دِفاعُ اللَهِ دامَت عَلى البُكا / عُيونٌ وَلَجَّت في الغَرامِ قُلوبُ
فَجاءَ عَلى يَأسٍ وَقَد كادَتِ القُوى / تَقَطَّعُ وَالآمالُ فيهِ تَخيبُ
فَيا فَرحَةً جاءَت عَلى إِثرِ تَرحَةٍ / وَبُشرى أَتَت بَعدَ النَعِيِّ تَؤوبُ
ثَنَت مِن تَباريحِ الغَليلِ وَنَهنَهَت / مَدامِعَ ما تَرقا لَهُنَّ غُروبُ
بَقيتَ أَميرَ المُؤمِنينَ فَإِنَّما / بَقاؤُكَ حُسنٌ لِلزَمانِ وَطيبُ
يَمُدُّ عُبَيدَ اللَهِ فينا سِتارَةً
يَمُدُّ عُبَيدَ اللَهِ فينا سِتارَةً / قَليلاً عَلى سَمعِ الجَليسِ صَوابُها
نَهُمُّ بِإِشراعِ الحِجارَةِ نَحوَها / إِذا نَبَحَت لِلمُنتَشينَ كِلابُها
يُجانِبُنا في الحُبِّ مَن لا نُجانِبُه
يُجانِبُنا في الحُبِّ مَن لا نُجانِبُه / وَيَبعُدُ مِنّا في الهَوى مَن نُقارِبُه
وَلا بُدَّ مِن واشٍ يُتاحُ عَلى النَوى / وَقَد تَجلُبُ الشَيءَ البَعيدَ جَوالِبُه
أَفي كُلِّ يَومٍ كاشِحٌ مُتَكَلِّفٌ / يُصَبُّ عَلَينا أَو رَقيبٌ نُراقِبُه
عَنا المُستَهامَ شَجوُهُ وَتَطارُبُه / وَغالَبَهُ مِن حُبِّ عَلوَةَ غالِبُه
وَأَصبَحَ لا وَصلُ الحَبيبِ مُيَسَّرٌ / لَدَيهِ وَلا دارُ الحَبيبِ تُصاقِبُه
مُقيمٌ بِأَرضٍ قَد أَبَنَّ مُعَرِّجاً / عَلَيها وَفي أَرضٍ سِواها مَآرِبُه
سَقى السَفحَ مِن بِطياسَ فَالجيرَةِ الَّتي / تَلي السَفحَ وَسمِيُّ دِراكٌ سَحائِبُه
فَكَم لَيلَةٍ قَد بِتُّها ثَمَّ ناعِماً / بِعَينَي عَليلِ الطَرفِ بيضٌ تَرائِبُه
مَتى يَبدُ يَرجِع لِلمُفيقِ خَبالُهُ / وَيَرتَجِعِ الوَجدَ المُبَرِّحَ واهِبُه
وَلَم أَنسَهُ إِذ قامَ ثانِيَ جيدِهِ / إِلَيَّ وَإِذ مالَت عَلَيَّ ذَوائِبُه
عِناقٌ يَهِدُّ الصَبرَ وَشكَ اِنقِضائِهِ / وَيُذكي الجَوى أَو يَسكُبَ الدَمعَ ساكِبُه
أَلا هَل أَتاها أَنَّ مُظلِمَةَ الدُجى / تَجَلَّت وَأَنَّ العَيشَ سُهِّلَ جانِبُه
وَأَنّا رَدَدنا المُستَعارَ مُذَمَّماً / عَلى أَهلِهِ وَاِستَأنَفَ الحَقَّ صاحِبُه
عَجِبتُ لِهَذا الدَهرِ أَعيَت صُروفُهُ / وَما الدَهرُ إِلّا صَرفُهُ وَعَجائِبُه
مَتى أَمَّلَ الدَيّاكُ أَن تُصطَفى لَهُ / عُرى التاجِ أَو تُثنى عَلَيهِ عَصائِبُه
فَكَيفَ اِدَّعى حَقَّ الخِلافَةِ غاصِبٌ / حَوى دونَهُ إِرثَ النَبِيِّ أَقارِبُه
بَكى المِنبَرُ الشَرقِيُّ إِذ خارَ فَوقَهُ / عَلى الناسِ ثَورٌ قَد تَدَلَّت غَباغِبُه
ثَقيلٌ عَلى جَنبِ الثَريدِ مُراقِبٌ / لِشَخصِ الخِوانِ يَبتَدي فَيُواثِبُه
إِذا ما اِحتَشى مِن حاضِرِ الزادِ لَم يُبَل / أَضاءَ شِهابُ المُلكِ أَم كَلَّ ثاقِبُه
إِذا بَكَرَ الفَرّاشُ يَنثو حَديثَهُ / تَضاءَلَ مُطريهِ وَأَطنَبَ عائِبُه
تَخَطّى إِلى الأَمرِ الَّذي لَيسَ أَهلَهُ / فَطَوراً يُنازيهِ وَطَوراً يُشاغِبُه
فَكَيفَ رَأَيتَ الحَقَّ قَرَّ قَرارُهُ / وَكَيفَ رَأَيتَ الظُلمَ آلَت عَواقِبُه
وَلَم يَكُنِ المُغتَرُّ بِاللَهِ إِذ سَرى / لِيُعجِزَ وَالمُعتَزُّ بِاللَهِ طالِبُه
رَمى بِالقَضيبِ عَنوَةً وَهوَ صاغِرٌ / وَعُرِّيَ مِن بُردِ النَبِيِّ مَناكِبُه
وَقَد سَرَّني أَن قيلَ وُجِّهَ مُسرِعاً / إِلى الشَرقِ تُحدى سُفنُهُ وَرَكائِبُه
إِلى كَسكَرٍ خَلفَ الدَجاجِ وَلَم تَكُن / لِتَنشَبَ إِلّا في الدَجاجِ مَخالِبُه
لَهُ شَبَهٌ مِن تاجَوَيهِ مُبَيِّنٌ / يُنازِعُهُ أَخلاقَهُ وَيُجاذِبُه
وَما لِحيَةُ القَصّارِ حينَ تَنَفَّشَت / بِجالِبَةٍ خَيراً عَلى مَن يُناسِبُه
يَجوزُ اِبنُ خَلّادٍ عَلى الشِعرِ عِندَهُ / وَيُضحي شُجاعٌ وَهوَ لِلجَهلِ كاتِبُه
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الحَرامِ وَمَن حَوَت / أَباطِحُهُ مِن مُحرِمٍ وَأَخاشِبُه
لَقَد حَمَلَ المُعتَزُّ أُمَّةَ أَحمَدٍ / عَلى سَنَنٍ يَسري إِلى الحَقِّ لاحِبُه
تَدارَكَ دينَ اللَهِ مِن بَعدِ ما عَفَت / مَعالِمُهُ فينا وَغارَت كَواكِبُه
وَضَمَّ شَعاعَ المُلكِ حَتّى تَجَمَّعَت / مَشارِقُهُ مَوفورَةً وَمَغارِبُه
إِمامُ هُداً يُرجى وَيُرهَبُ عَدلُهُ / وَيَصدُقُ راجيهِ الظُنونَ وَراهِبُه
مُدَبِّرُ دُنيا أَمسَكَت يَقَظاتُهُ / بِآفاقِها القُصوى وَما طَرَّ شارِبُه
فَكَيفَ وَقَد ثابَت إِلَيهِ أَناتُهُ / وَراضَت صِعابَ الحادِثاتِ تَجارِبُه
وَأَبيَضُ مِن آلِ النَبِيِّ إِذا اِحتَبى / لِساعَةِ عَفوٍ فَالنُفوسُ مَواهِبُه
تَغَمَّدَ بِالصَفحِ الذُنوبَ وَأَسجَحَت / سَجاياهُ في أَعدائِهِ وَضَرائِبُه
نَضا السَيفَ حَتّى اِنقادَ مَن كانَ آبِياً / فَلَمّا اِستَقَرَّ الحَقُّ شيمَت مَضارِبُه
وَمازالَ مَصبوباً عَلى مَن يُطيعُهُ / بِفَضلٍ وَمَنصوراً عَلى مَن يُحارِبُه
إِذا حُصِّلَت عُليا قُرَيشٍ تَناصَرَت / مَآثِرُهُ في فَخرِهِم وَمَناقِبُه
لَهُ مَنصِبٌ فيهِم مَكينٌ مَكانُهُ / وَحَقٌّ عَلَيهِم لَيسَ يُدفَعُ واجِبُه
بِكَ اِشتَدَّ عُظمُ المُلكِ فيهِم فَأَصبَحَت / تَقِرُّ رَواسيهِ وَتَعلو مَراتِبُه
وَقَد عَلِموا أَنَّ الخِلافَةَ لَم تَكُن / لِتَصحَبَ إِلّا مَذهَباً أَنتَ ذاهِبُه
مَعَ الدَهرِ ظُلمٌ لَيسَ يُقلِعُ راتِبُه
مَعَ الدَهرِ ظُلمٌ لَيسَ يُقلِعُ راتِبُه / وَحُكمٌ أَبَت إِلّا اِعوِجاجاً جَوانِبُه
أَبيتُ وَلَيلي في نَصيبينَ ساهِرٌ / لِهَمٍّ عَناني في نَصيبينَ ناصِبُه
وَإِنَّ اِغتِرابَ المَرءِ في غَيرِ بُغيَةٍ / يُطالِبُها مِن حَيفِ دَهرٍ يُطالِبُه
فَلَيسَ بِمَعذورٍ إِذا رَدَّ سِربَهُ / إِلَيهِ بِأَن تَعيا عَلَيهِ مَذاهِبُه
وَيُعطيهِ مَرجُوَّ العَواقِبِ مُسرِعاً / إِلَيهِ رُكوبُ الأَمرِ تُخشى عَواقِبُه
وَما خِلتُني وَالحادِثاتُ مِنَ الحَصى / أُخَيَّبُ مِن مالي وَيَغنَمُ ناهِبُه
فَلَو أَنَّهُ قِرنٌ تُرادى صَفاتُهُ / لَأَحرَزتُ حَظّي أَو كَفِيُّ أُغالِبُه
أُرَجّي وَما نَفعُ الرَجاءِ إِذا اِلتَقَت / مَناحِسُ أَمرٍ مُجحِفٍ وَمَعاطِبُه
وَمِمّا يُعَنّي النَفسَ كُلَّ عَنائِها / تَوَقُّعُها الصُنعَ البَطيءَ تَقارُبُه
إِذا لاقَتِ الضَرّاءَ طالَ عَذابُها / لِمُنتَظِرِ السَرّاءِ مِمّا تُراقِبُه
وَما مَلِكٌ يُخشى عَلى كَسبِ شاعِرٍ / بِمُرضِيَةٍ عِندَ المُلوكِ مَكاسِبُه
لَعَلَّ وَلِيَّ العَهدِ يَأخُذُ قادِراً / بِحَقِّ مُعَنّاً مُكدَياتٍ مَطالِبُه
فَإِنَّ الَّذي بَينَ المَدائِنِ قاطِعاً / إِلى الصينِ عَرضاً سَيبُهُ وَمَواهِبُه
فَلا أَرضَ إِلّا ما أَفاءَت رِماحُهُ / وَلا غُنمَ إِلّا ما أَفافَت مَقانِبُه
وَما كانَ يَدري صاحِبُ الزَنجِ أَنَّهُ / إِذا أَبطَرَتهُ غَفلَةُ العَيشِ صاحِبُه
أَقامَ يُجاثيهِ إِلى اللَهِ حِقبَةً / وَكُلٌّ تَوافى لِلِّقاءِ حَلائِبُه
وَكانَ صَريعَ الحَينِ جِبسٌ مُلَعَّنٌ / مَتى شاءَ يَوماً قالَ ما شاءَ عائِبُه
تَباعَدَ مِن شَكلِ الأَنيسِ بِقَسوَةٍ / مُوَهَّمَةٍ أَنَّ السِباعَ تُناسِبُه
وَما كادَتِ الأَيّامُ عُمراً يُريثُهُ / وَلا الدَهرُ يُبلي ما أَجَدَّت عَجائِبُه
وَلَم أَرَ كَالمَلعونِ أَقوى ذَخيرَةً / وَأَبقى دَماً وَالحادِثاتُ تُجانِبُه
إِذا قُلتُ بيضُ المَشرَفِيَّةِ أَهمَدَت / حُشاشَتَهُ كَرَّت تَثوبُ ثَوائِبُه
يَبُثُّ المَنايا وَالمَنايا يَحُزنَهُ / وَيَكرَبُ مِنهُ الحَتفُ وَالحَتفُ كارِبُه
إِذا اِزدادَ شَغباً كانَ والي قِراعِهِ / مَلِيّاً لَهُ بِالفَضلِ حينَ يُشاغِبُه
كَما اللَيلُ إِن تَزدَد لِعَينِكَ ظُلمَةً / حَنادِسُهُ تَزدَد ضِياءً كَواكِبُه
يَلوذُ بِهَورِ البَحرِ فَالفَوزُ عِندَهُ / مِنَ الدَهرِ يَومٌ تَستَقِلُّ جَنائِبُه
إِذا اِنحازَ يَنوي البُعدَ حُثَّت وَراءَهُ / عِتاقُ الشَذا بِالمُرهِفاتِ تُصاقِبُه
إِذا ما تَلاقوا حَضرَةَ المَوتِ لَم تَرمِ / كَتائِبُنا حَتّى تَطيحَ كَتائِبُه
تَرى واشِجَ الخِرصانِ يَهتِكُ بَينَهُم / نُحورَ الأُسودِ أَو تُرَوّى ثَعالِبُه
فَإِن لا تَشِفَّ العَينُ لِلعَينِ أَكثَبَت / مَسامِعُ مَدعوٍّ لِداعٍ يُجاوِبُه
تَنَزّى قَلوبُ السامِعينَ تَطَلُّعاً / إِلى خَبَرٍ مُستَوقَفاتٍ رَكائِبُه
يُغالِبُ طَعمَ الماءِ في مُلتَقاهُمُ / حُسى الدَمِ حَتّى يَلفِظَ الماءَ شارِبُه
كَأَنَّ الرَدى يُسقى المُضَلَّلُ صِرفَهُ / مِنَ السَيفِ دَينٌ أَرهَقَ الوَقتُ واجِبُه
إِذا أَتبَعَ الرُمحُ المُرَكَّبُ رَأسَهُ / عَلَيهِ بِلَعنٍ قُلتَ إِنَّ وَراكِبُه
وَلَم يُلفَ عُضوٌ مِنهُ إِلّا ضَريبَةً / لِأَبيَضَ ماثورٍ تُهابُ مَضارِبُه
وَكانَ شِفاءً صَلبُهُ لَو تَأَلَّفَت / لَهُ جِثَّةٌ يُرضي بِها العَينَ صالِبُه
تَعَجَّلَ عَنهُ رَأسُهُ وَتَخَلَّفَت / لِطَيَّتِها أَوصالُهُ وَمَناكِبُه
فَأَصبَحَ مَنصوباً عَلى الناسِ يُفتَدى / بِآباءِ مَن أَوفى عَلى الناسِ ناصِبُه
يُجاهِمُ رائيهِ بِإِطراقِ عابِسٍ / شَهِيِّ إِلَيهِم سُخطُهُ وَتَغاضُبُه
يُنَكِّبُ في إِشرافِهِ وَهوَ آزِمٌ / أُزومَ الخَليعِ اِزوَرَّ عَمَّن يُعاتِبُه
فَلَم يَبقَ في الآفاقِ خالِعُ رِبقَةٍ / مِنَ الدينِ إِلّا فادِحاتٌ مَصائِبُه
جَبابِرَةُ الأَرضِ اِستَكانَت لِضَربَةِ / أَرَت قَيِّمَ النَهجِ الَّذي ذاقَ ناكِبُه
وَكانَ عَلى أَشرافِ كُلِّ ثَنِيَّةٍ / سَنا فِتنَةٍ يَدعو إِلى الغَيِّ ثاقِبُه
فَعادَ بَنو العَبّاسِ عَمِّ مُحَمَّدٍ / وَشاهِدُ عِزِّ الناسِ فيهِم وَغائِبُه
يَبيتونَ وَالسُلطانُ شاكٍ سِلاحُهُ / بِعَقوَتِهِم وَالمَوتُ سودٌ ذَوائِبُه
فَيا ناصِرَ الإِسلامِ لَو أَنَّ ناصِراً / يُرافِدُهُ في حِفظِهِ وَيُناوِبُه
كَفَيتَ أَميرَ المُؤمِنينَ وَقَبلَها / كَفَيتَ أَخاهُ الصَدعَ يُعوِزُ شاعِبُه
وَما زِلتَ مَندوباً لِرَأسِ ضَلالَةٍ / تُناصيهِ أَو مَنحولِ مُلكٍ تُحارِبُه
أَخَذتَ بِوِترِ الدينِ مَثنى وَظُفِّرَت / يَداكَ فَلَم يُفلِت عَدُوٌّ تُطالِبُه
وَقَد يُحرَمُ المَوتورُ إِمّا تَعَزَّزَت / عِداهُ وَإِمّا فاتَ في الأَرضِ هارِبُه
مَشارِقُ مُلكٍ صَحَّ بِالسَيفِ قُطرُها / فَلَم يَبقَ إِلّا أَن تَصِحَّ مَغارِبُه
وَإِنَّ أَبا العَبّاسِ مَن تَمَّ رَأيُهُ / وَمَن شُهِرَت أَيّامُهُ وَمَناقِبُه
يُريناكَ لا نَرتابُ فيكَ إِذا بَدا / يُؤَدّيكَ نَصّاً نَجرُهُ وَضَرائِبُه
وَقَد شَحَذَت مِنهُ حَداثَةَ سِنِّهِ / شَهامَةُ غِطريفٍ حِدادٍ مَخالِبُه
إِذا المَرءُ لَم تَبدَهكَ بِالحَزمِ كُلِّهِ / قَريحَتُهُ لَم تُغنِ عَنكَ تَجارِبُه
مُعادٌ مِنَ الأَيّامِ تَعذيبُنا بِها
مُعادٌ مِنَ الأَيّامِ تَعذيبُنا بِها / وَإِبعادُها بِالإِلفِ بَعدَ اِقتِرابِها
وَما تَملَأُ الآماقَ مِن فَيضِ عَبرَةٍ / وَلَيسَ الهَوى البادي لِفَيضِ اِنسِكابِها
غَوى رَأيُ نَفسٍ لا تَرى أَنَّ وَجدَها / بِتِلكَ الغَواني شُقَّةٌ مِن عَذابِها
وَحَظُّكَ مِن لَيلى وَلا حَظَّ عِندَها / سِوى صَدِّها مِن غادَةٍ وَاِجتِنابِها
يُفاوِتُ مِن تَأليفِ شَعبي وَشَعبِها / تَناهي شَبابي وَاِبتِداءُ شَبابِها
عَسى بِكَ أَن تَدنو مِنَ الوَصلِ بَعدَما / تَباعَدتَ مِن أَسبابِهِ وَعَسى بِها
هِيَ الشَمسُ إِلّا أَنَّ شَمساً تَكَشَّفَت / لِمُبصِرِها وَأَنَّها في ثِيابِها
مَتى تَستَزِد فَضلاً مِنَ العُمرِ تَغتَرِف / بِسَجلَيكَ مِن شُهدِ الخُطوبِ وَصابِها
تُشَذِّبُنا الدُنيا بِأَخفَضِ سَعيِها / وَغَولُ الأَفاعي بَلَّةٌ مِن لُعابِها
يُسَرُّ بِعُمرانِ الدِيارِ مُضَلَّلُ / وَعُمرانُها مُستَأنَفٌ مِن خَرابِها
وَلَم أَرتَضِ الدُنيا أَوانَ مَجيئِها / فَكَيفَ اِرتِضائيها أَوانَ ذَهابِها
أَقولُ لِمَكذوبٍ عَنِ الدَهرِ زاغَ عَن / تَخَيُّرِ آراءِ الحِجا وَانتِخابِها
سَيُرديكَ أَو يُتويكَ أَنَّكَ مُخلِسٌ / إِلى شُقَّةٍ يُبليكَ بُعدُ مَآبِها
وَهَل أَنتَ في مَرموسَةٍ طالَ أَخذُها / مِنَ الأَرضِ إِلّا حَفنَةٌ مِن تُرابِها
تُدِلُّ بِمِصرٍ وَالحَوادِثُ تَهتَدي / لِمِصرٍ إِذا ما نَقَّبَت عَن جَنابِها
وَما أَنتَ فيها بِالوَليدِ بنِ مُصعَبٍ / زَمانَ يُعَنّيهِ اِرتِياضُ صِعابِها
وَلا كَسِنانِ بنِ المُشَلَّلِ عِندَما / بَنى هَرَمَيها مِن حِجارَةِ لابِها
مُلوكٌ تَوَلّى صاعِدٌ إِرثَ فَخرِها / وَشارَكَها في مُعلِياتِ اِنتِسابِها
رَعى مَجدَها عَن أَن يَضيعَ سَوامُهُ / وَحِفظُ عُلا الماضينَ مِثلُ اِكتِسابِها
أَكانَت لِأَيدي المَخلَدِيّينَ شِركَةٌ / مَعَ الغادِياتِ في مَخيلِ سَحابِها
تَزِلُّ العَطايا عَن تَعَلّي أَكُفِّهِم / زَليلَ السُيولِ عَن تَعَلّي شِعابِها
إِذا السَنَةُ الشَهباءُ أَكدَت تَعاوَروا / سُيوفَ القِرى فيهِنَّ شِبعُ سِغابِها
يَمُدّونَ أَنفاسَ الظِلالِ عَلَيهِمُ / بِأَبنِيَةٍ تَعلو سُموكَ قِبابِها
فَكَم فَرَّجوا مِن كُربَةٍ وَتَغَوَّلَت / مَشاهِدُهُم مِن طَخيَةٍ وَضَبابِها
بِمَلمومَةٍ تَحتَ العَجاجِ مُضيئَةٍ / تَحوزُ الأَعادي خَطفَةٌ مِن عُقابِها
وَأَبطالِ هَيجٍ في اِصفِرارِ بُنودِها / ضُروبُ المَنايا وَاِبيِضاضُ حِرابِها
تُرَشِّحُها نَجرانُ في كُلِّ مَأزِقٍ / كَما رَشَّحَت خَفّانُ آسادَ غابِها
أَرى الكُفرَ وَالإِنعامَ قَد مَثَّلا لَنا / إِباقَ رِجالٍ رِقُّهُ في رِقابِها
فَكَم آمِلٍ قَد عَضَّ كَفّاً نَدامَةً / عَلى العَكسِ مِن آمالِهِ وَاِنقِلابِها
فَإِمّا قَنِعتُم بِالأَباطيلِ فَاِربَعوا / عَلى صَرِّها أَوحادَكُم وَاِختِلابِها
إِذا اللَهُ أَعطاهُ اِعتِلاءَةَ قُدرَةٍ / بَكَت شَجوَها أَو عُزِّيَت عَن مُصابِها
إِذا مَذحِجٌ أَجرَت إِلى نَهجِ سُؤدَدٍ / فَهَمّيكَ مِن دَأبِ المَساعي وَدابِها
كُنينا وَأُمِّرنا وَغُنمُ يَدَيكَ في / تَرادُفِ أَيّامِ العُلا وَاِعتِقابِها
وَما زالَتِ الأَذواءُ فينا وَكَونُها / لِحَيٍّ سِوانا مِن أَشَقِّ اِغتِرابِها
وَجَدنا المُعَلّى كَالمُعَلّى وَفَوزِهِ / بِغُنمِ القِداحِ وَاِحتِيازِ رِغابِها
وَفي جودِهِ بِالبَحرِ وَالبَحرُ لَو رَمى / إِلى ساعَةٍ مِن جودِهِ ما وَفى بِها
عَقيدُ المَعالي ما وَنَت في طِلابِهِ / لِتَعلَقَهُ وَلا وَنى في طِلابِها
تَناهى العِدى عَنهُ وَرُبَّتَ قَولَةٍ / أَباها عَلى البادي حِذارَ جَوابِها
إِذا طَمِعَ الساعونَ أَن يَلحَقوا بِهِ / تَمَهَّلَ قابَ العَينِ أَو فَوتَ قابِها
إِذا ما تَراءَتهُ العَشيرَةُ طالِعاً / عَلَيها جَلَت ظَلماءَها بِشِهابِها
وَإِن أَنهَضَتهُ كافِئاً في مُلِمَّةٍ / مِنَ الدَهرِ سَلَّت سَيفَها مِن قِرابِها
إِذا اِصطَحَبَت آلاؤُهُ غَطَّتِ الرُبى / وَحُسنُ اللَآلي زائِدٌ في اِصطِحابِها
وَما حَظَرَ المَعروفَ إيصادُ ضَيقَةٍ / مِنَ الدَهرِ إِلّا كُنتَ فاتِحَ بابِها
أَبا صالِحٍ لا زِلتَ والِيَ صالِحٍ / مِنَ العَيشِ وَالأَعداءُ تَشجى بِما بِها
أَعوذُ بِبَدرٍ مِن فِراقِ حَبيبي
أَعوذُ بِبَدرٍ مِن فِراقِ حَبيبي / وَمِن لَوعَتي في إِثرِهِ وَنَحيبي
وَمِن فَجعَتي مِنهُ بِقُرَّةِ أَعيُنٍ / إِذا شُرِعَت فيهِ وَشُغلِ قُلوبِ
يَروحُ قَريبَ الدارِ وَالهَجرِ دونَهُ / وَرُبَّ قَريبِ الدارِ غَيرُ قَريبِ
وَمِثلُ أَبي النَجمِ المُهَذَّبِ فِعلُهُ / رَثى لِمَشوقٍ أَو أَوى لِغَريبِ