القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 15
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد / فَرُدّي على المشتاق مهجَتَهُ رُدّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينة / ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهد
أقول وقد وسدته راحتي كما / توسّد طفل متعب راحة المهد
تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ / حبيب وركن في الهوى غير منهد
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي / تهاوت على نحر من العاج مُنقد
ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى / تميل على خدٍ وتصدف عن خد
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ / بياض الأماني من عناقيدها الرّبد
فيا لك عندي من ظلامٍ محبب / تألق فيه الفرق كالزمن الرغد
ألا كلّ حسن في البرية خادم / لسلطانة العينين والجيد والقد
وكل جمال في الوجود حياله / به ذلة الشاكي ومرحمة العبد
وما راع قلبي منك إلا فراشة / من الدمع حامت فوق عرش من الورد
مجنحة صيغت من النور والندى / ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى ورد
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي / من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحراب من صلواته / فليس به من شاعرٍ ساهر بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقف / نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوف الرعب والبين موشك / ومزدحم الآلام والوجد في حشد
ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم / ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب خُرس في جحيم مؤبد / بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها / ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصت إلا طيفَ حب محيّر / على درج خابي الجوانب مسودّ
تردّد واستأنى لوعد وموثق / وأدبر مخنوقاً وقد غص بالوعد
وأسلمني لليل كالقبر بارداً / يهب على وجهي به نفس اللحد
وأسلمني للكون كالوحش راقداً / تمزقني أنيابه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً / بآخر من خابى المقادير مربد
ركود وإبهام وصمت ووحشة / وقد لفها الغيب المحجب في بُرد
أهذا الربيع الفخم والجنة التي / أكاد بها أستاف رائحة الخلد
تصير إذا جن الظلام ولفها / بجنح من الأحلام والصمت ممتد
مباءة خمارٍ وحانوت بائعٍ / شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهد
وقد وقف المصباح وقفة حارس / رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجد
كأن تقياً غارقاً في عبادة / يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد
فيا حارس الأخلاق في الحيّ نائمٌ / قضى يومه في حومة البؤس يستجدي
وسادته الأحجار والمضجع الثرى / ويفترش الافريز في الحر والبرد
وسيارة تمضي لأمر محجب / محجبة الأستار خافية القصد
إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى / وتومض ومض البرق يملع عن بُعد
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك / مرنقة بالجوع والصبر والكد
ينقب كلب في الحطام وربما / رعى الليل هرّ ساهر وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ / ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفرد
أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي / تركت بديد الشمل منتثر العقد
فقدتك فقدان الربيع وطيبه / وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد
وليس الذي ضيعتُ فيك بهين / ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقد
بعينيك أستهدي فكيف تركتني / بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي
بوردِكِ أستسقي فكيف تركتني / لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد
بحبكِ استشفي فكيف تركتني / ولم يبق غير العظم والروح والجلد
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي / وهذي المنايا البيض تختال في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي / فهان الذي ألقاه في العيش من جهد
وكنت إذا انهار البناء رفعته / فلم تكن الأيام تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديت لبَّيت صرختي / فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدّ
سلامٌ على عينيك ماذا أجنتا / من اللطف والتحنان والعطف والود
إذا كان في لحظيك سيف ومصرع / فمنكِ الذي يحيى ومنك الذي يردي
إذا جردا لم يفتكا عن تعمد / وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد
هنيئاً لقلبي ما صنعت ومرحبا / وأهلا به إن كان فتكك عن عمد
فإني إذا جن الظلام وعادني / هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً / وعندي من الأشجان والشوق ما عندي
أقبل في قلبي مكاناً حللته / وجرحاً أناجيه على القرب والبعد
ويا دار من أهوى عليك تحية / على أكرم الذكرى على أشرف العهد
على الأمسيات الساحرات ومجلس / كريم الهوى عف المآرب والقصد
تنادمنا فيه تباريح معشر / على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا / فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا / فإن دموع البؤس من ثمن المجد
منىً نلتها كانت لأنفسنا منى
منىً نلتها كانت لأنفسنا منى / تلفت تجد مصرا بأجمعها هنا
وما بعجيب موطن البدر في العلى / وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكن قلب الحر تعروه نشوة / فيثني على الآلاء وضاحة السنا
إذا أخذ البدر المنير مكانه / وملك آفاق السما وتمكنا
إذا الملك المحبوب قدر سيداً / وعن رأيه في الفضل والنبل أعلنا
فعن ثقة ممن يحب ويحتبي / وإيمان قلب بات بالحق مؤمنا
سلاماً مليك النيل أنت ربيعه / وأنت مغنيه وفي ذاتك الغنى
فذلك تكريم الربيع لروضة / جلاها الأباظيون وارفة الجنى
أجل روضة صارت لكل عظيمة / وللفضل والآداب والعلم موطنا
وميدان سباقين للمجد والعلى / إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا
من الأدب العالي إذا راح سيد / غدا آخر نحو اللواء فما ونى
عصي القوافي سار نحوك مسرعاً / ولبَّاك من أقصى الفؤاد وأذعنا
وأنت الذي فك القيود جميعها / عن الشعر تأبى أن يهان فيسجنا
إذا المعدن الصافي دعا الشعر مرة / بذلنا له من أجود الشعر معدنا
دسوقي إذا أقللت فاقبل تحيتي / فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا
ولكنني صوت المحبين كلهم / ومن روضك الغالي وبستانهم جنى
فراشٌ على مصباح مجدك حائم / وأي فراش من جلالك ما دنا
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم / فدعني أقم عما يكنّون معلنا
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا / فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها / وننفد فيه الصبر والجهد والعمرا
نبث بها روح الحياة قوية / ونقتل فيها الضنك والذل والفقرا
نحطم أغلالاً ونمحو حوائلا / ونخلق فيها الفكر والعمل الحرا
أجل إن ماء النيل قد مرّ طعمه / تناوشه الفتاك لم يدعوا شبرا
فدالت به الدنيا وريعت حمائم / مغردة تستقبل الخير والبشرى
وحامت على الأفق الحزين كواسر / إذا ظفرت لا ترحم الحسن والزهرا
تحط كما حط العقاب من الذرى / وتلتهم الأفنان والزغب والوكرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها / أكفاً كماء المزن تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقف / على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا نشيّد مصنعاً رب مصنع / يدرُّ على صُناعنا المغنم الوفرا
تعالوا نشيّد ملجأ رب ملجأ / يضم حطام البؤس والأوجه الصفرا
تعالوا لنمحوا الجهل والعلل التي / أحاطت بنا كالسيل تغمرنا غمرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة / فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للصعب أهلا فإننا / شبابٌ ألفنا الصعب والمطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا / بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا / ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
دعوت فلبينا ودارك كعبة
دعوت فلبينا ودارك كعبة / بها انعقد الإخلاص والحب طوَّفا
خميلتنا تهفو إليها قلوبنا / وأي فؤاد للخميلة ما هفا
بنوك الألى تحنو عليهم تعطفا / وترعاهم براً بهم متلطفا
إذا خلعوا بعض الوقار فدعهم / فمثلك عن مثل الذي صنعوا عفا
هنا أطرح الأعباء مثقل كاهل / وخفف من وقريه من قد تخففا
فمال على الفضل الأباظي طامعا / وأغرق في الجود الأباظي مسرفا
فيا ندوة السمار هل من مسجل / يدوّن إعجاز القرائح منصفا
ليشهد أن الشعر شيء مشى بنا / مع الطبع جل الطبع أن يتكلفا
وفي دمنا يجري به متواصلا / مع النفس الجاري وينساب مرهفا
فهل ناقل عني الغداة وناشر / مقالة صدق قد أبت أن تحرّفا
حديث غنيم والردنجوت والذي / جرى بيننا ما كنت بالحق مرجفا
بصرت به والصحن بالصحن يلتقي / فلم أر أبهى من غنيم وأظرفا
تراءى له لحم فلم يدر عنده / أديَّكَ من بعد الطوى أم تخرقا
وأومأ لي باللحظ يسألني به / أتعرفه أومأت باللحظ مسعفا
وقدمته للديك وهو كأنما / يطير إليه واثبا متلهفا
غنيم أخونا الديك قدمت ذا لذا / فهذا لهذا بعد لأي تعرفا
وما هي إلا لحظة وتغازلا / وقد رفعا بعد السلام التكلفا
فما على الورك الشهي ممزقا / وما على الصدر النظيف منظفا
جزى الله أسنانا هناك عتيقة / ظللن على الصحن الأباظي عكفا
تعير ناجي بالردنجوت جاءه / معاراً فغامر واستعر أنت معطفا
وأقسم لو أن الردنجوت نلته / وجاد به من جاد كرها وسلفا
لقلّبته ظهراً لبطن محيرا / به تحسبن الوجه من عبط قفا
رأيتك والعدس الأباظي قادم / كما انتفض المحموم بشر بالشفا
وناهيك بالعدس الأباظي منظر / عظيم كما هيأت للعين متحفا
على أنه ما جاء حتى رأيته / توارى كطيف لاح في الحلم واختفى
فلله من لفظ ببطنك راسب / قرير ومعناه برأسك قد طفا
قفا نبك أو نضحك على أي حالة / قفا صاحبي اليوم من عجب قفا
كأن صحاف الدار في عين صاحبي / غوان كستهن المحاسن مطرفا
أشار لإحداهن إذ برزت له / وناجته عن بعد وأبدت تعطفا
تسائلني من أنت وهي عليمة / وهل بفتى مثلي على حاله خفا
سأخبرها من أنت إنك شاعر / قنوع إذا ما الخير جاء تفلسفا
ومن أنت حتى ترفض النعمة التي / أتيحت وتأبى مثلها متقشفا
فتى حاله غلبٌ وآخره الطوى / وخطته عريٌ ومشروعه الحفا
تَشُكِّين في حبي لك الحقُّ إنني
تَشُكِّين في حبي لك الحقُّ إنني / جديرٌ بهذا الظُّلم والريبِ والشكِّ
خليقٌ بأن تَنسَي هواي فتنطوي / سعادةُ أيامي التي ذُقتُها منكِ
إذا أنا لم أذكُركِ في كل لحظةٍ / وقصّرتُ لم أسأل ثوانِيها عنك
إذا أنا لم أبذُل شجايَ وعَبرَتي / على كل وقتٍ ضائعٍ كنتُ لا أبكي
فلا حبَّ عندي أستلذُّ به الجوى / بما فيه من سقمٍ وما فيه من ضنك
أليلايَ حُبِّي فيك حُبُّ مُوَحِّدٍ / تَنَزَّهَ عن ريبٍ وجلَّ عن الشِّرك
تَبَقَّى بقاءَ القلب يَنبِضُ دائماً / وليسَ لسلوانٍ وليس إلى تَرك
ثلاث سنين أم ثلاث ليال
ثلاث سنين أم ثلاث ليال / هي البرق أم مرَّت كلمح خيال
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً / تلاشت ظلالاً رُحن إثر ظلال
وما كان إلا أمس لقياك إنه / لأثبت ما خطّ الزمانُ ببالي
وما العمر إلا أنت والحب والمنى / وما كان باقي العمر غيرَ ضلال
نقلت حياتي والحياة بنا تجري
نقلت حياتي والحياة بنا تجري / من الحُلم المعسول للواقع المرّ
فيا منتهى فنّى إلى منتهى الهوى / على ذِروَةٍ بيضاء في النور والطهر
عرفتك عرفان السّماء ولم تكن / سوى هَمَسات النجم ما جال في صدري
وغامت خطوط السفح حتى نسيتها / وحتى توارى السفح من عالم الذكر
وفي القمم الشَّماء حلَّقتُ حائماً / وأنبتُّ في أعلى شواهقها وكري
ولم يبق إلا أنت والجنَّةُ التي / زرعنا وكلَّلنا بيانعة الزهر
ولم يبق إلا أنت والنسمةُ التي / تهبُّ من الفردوس مسكيَّةَ النشر
ولم يبق إلا أنت والزورق الذي / ترنّح منساباً على صفحة النهر
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى / غنى الروح بعد الضَّنك والذلِّ والفقر
أعيذك أن أغدو على صخرةٍ لَقىً / وكنتِ مِجَنّي في مقارعة الصخر
أعيذك بعد التاج والعرش والذي / تألق من ماسٍ وشعشع من تبر
أعيذك من ردّي إلى سَفَهِ الثرى / وحِطَّتِه بين الأكاذيب والغدر
أعيذك أن تنسي ومن بات ناسياً / هواه فأحرى بالنُّهَى عقم الفكر
إذا ما ذكرتِ العمر يوماً تذكري / هوى وزماناً لا يتاحان في العمر
فيا لك من حلمٍ عجيبٍ ورحلةٍ / تعدَّت نطاق الحُلم للأنجم الزُّهر
ويا لك من يوم غريبٍ وليلةٍ / عَفَت وغفت عن ظلم روحين في أسر
ويا لك من ركنٍ خَفِيٍّ وعالمٍ / خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتن والسحر
ويا لك من أفقٍ مديد ومولدٍ / جديدٍ لقلبينا ويا لك من فجر
عرفتك عرفان الحياة أحسَّها / وأَبصَرَها من كان يخطو إلى القبر
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ / مخضَّبةِ الأحلام حالكةِ الذعر
رأت بك روح الفجر حين تبيّنت / بياض الأماني في أشعَّته الحُمر
بيَ الجرحُ جرحُ الكون من قبل آدم / تغلغل في الأرواحِ يَدمى ويستشري
تولَّته بالإحسان كفٌّ كريمةٌ / مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرّ
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتنا معاً / شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهر
رجعت بجرحى فاغرَ الفم دامياً / أداريه في صمتٍ وما أحدٌ يدري
هو العيش فيه الصبر كاليأس تارةً / إذا انهارت الآمال واليأسُ كالصبر
عرفتكِ كالمحراب قدساً وروعةً / وكنتِ صَلاة القلب في السرّ والجهر
وقد كان قيدي قيدَ حبّك وحدَه / أنا المرء لم أخضع لنهيٍ ولا أمر
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُك الذي / رضيتُ به صِنواً لإيمانيَ الحرّ
بَرمتُ بأوضاع الورى كلُّ أمرهم / وسيلةُ محتاج ومسعاةُ مضطرّ
برمت بأوضاع الورى ليس بينهم / وشائج لم تُوصَل لغايٍ ولا أمر
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلَى / فذلك شرعُ الطين والحمَأِ المُزري
تمرّدتُ لا أُلوِي على ما تعوَّدوا / ونفسي بهذا الشرع عارمةُ الكفر
وَهَب مَلَكي الغالي الكريم وحارسي / تخلّى فما عذر الوفاء وما عذري
عشقتك لا أدري لحبّيَ مبدأً / ولا منتهى حسبي بحبّك أن أدري
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى / من النور للّيل المخيّم للحشر
ولما التقينا بعد نأي وغربة
ولما التقينا بعد نأي وغربة / شجيين فاضا من أسىً وحنينِ
تسائلني عيناك عن سالف الهوى / بقلبي وتستقضي قديم ديونِ
فقمت وقد ضجَّ الهوى في جوانحي / وأنَّ من الكتمان أيّ أنينِ
يبث فمي سرّ لهوى لمقبّل / أجود له بالروح غير ضنين
إذا كنت في شك سلي القبلة التي / أذاعت من الأسرار كل دفين
مناجاة أشواق وتجديد موثق / وتبديد أوهامٍ وفض ظنون
وشكوى جوى قاس وسقمٍ مبرحٍ / وتسهيد أجفانٍ وصبر سنين
دع النفس تمرح في خيالٍ وأوهام
دع النفس تمرح في خيالٍ وأوهام / وخلِّ لأجفاني كواذبَ أحلامي
وقل يا حبيب القلب إنك عائد / على جهلِ حساد وغفلة لوّامِ
وإنك دانٍ كالربيع وزائرٌ / بضاحك نوار ومخضلّ أكمامِ
تعال اسقني خمرَ المواعيد والرضا / وخلّ الأماني البيض تغمر أسقامي
أيحرم حتى وهم حبك من رمى / بمهجته في ناره دون إحجامِ
وأنفق فيه قلبه وشبابه / فلم يَبقَ إلا الجرح والشفق الدامي
ومن عجب أحنو على السهم غائراً / ويسألني قلبي متى يرجع الرامي
فيا لهفه لو كنت أدري بموعدٍ / وراء الليالي أو رجاءً بإلمام
ولو كان عندي غير زفرة آسف / وحسرة أشعارٍ ودمعة أقلامِ
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ / كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ / ثناياه تبدو في عبوسة أيامي
كأنَّ نسيم الليل يحمل طيبه / كأنَّ اصطدام الموج معبود أقدامِ
فيا أملي النائي إذا كنتُ مذنباً / فقد تبت عن ذنبي إليك بآلامي
حببتك لا أدري الهوى ما وراءه / وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالك نبراسي وروحك كعبتي / وعيناك وحيي في الحياة وإلهامي
أرَبّاه أنقذني فأنت رميتني
أرَبّاه أنقذني فأنت رميتني / بقلب على الأشواك والدم مشاءِ
أمينة هذا ما أتاني كتبته / وعندك أخباري وعندك أنبائي
متى نلتَها كانت لأنفسنا منَى
متى نلتَها كانت لأنفسنا منَى / تلفت تجد مصراً بأجمعها هنا
وما بعجيب موطن البدر في العلى / وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكنَّ قلب الحر تعروه نشوة / فيثني على الآلاء وضاحة السنا
إذ أخذ البدرُ المنير مكانه / ومُلِّك آفاق السما وتمكنا
فذلك تكريم الربيع لروضة / جلاها الأباظيون وارفة الجنى
أجل روضة صارت لكل عظيمة / وللفضل والآداب والعلم موطنا
وميدان سباقين للمجد والعلى / إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا
من الأدب العالي إذا راح سيد / غدا آخر نحو اللواء فما ونى
عصيُّ القوافي سار نحوك مسرعاً / ولبَّاك من أقصى الفؤاد وأذعنا
وأنت الذي فك القيود جميعها / عن الشعر تأبى أن يهان فيسجنا
إذا المعدن الصافي دعا الشعر مرة / بذلنا له من أجود الشعر معدنا
دسوقي إذا أقللتُ فاقبل تحيتي / فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا
ولكنني صوت المحبين كلهم / ومن روضك الغالي وبستانهم جَنَى
فراش على مصباح مجدك حائم / وأي فراش من جلالك ما دنا
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم / فدعني أقم عما يكنون معلنا
عجبت لهذا الدهرِ فرَّقَ بيننَا
عجبت لهذا الدهرِ فرَّقَ بيننَا / ومزَّقَ قلبي طولُ صدِّكِ تمزيقَا
أحاول أن أنسى وهيهاتَ إنه / لَحُبّ يظَل العمر يزدادُ توثيقَا
عدت عادياتُ الدهر يعصفنَ بالمنى / وأشبعَتِ الأيامُ بَيناً وتفريقَا
وما زال ذاك الوجهُ أعذبَ مشتهى / لعيني وذاك الاسمُ أعذبَ موسيقى
وفي الكأسِ من ماء الخدودِ عصارة
وفي الكأسِ من ماء الخدودِ عصارة / أحلَّ الهوى للعاشقينَ شرابَهَا
وما كنتُ أدري قبلَها أنَّ وَجنةً / تَنَفَّسَ فيها عاشقٌ فأذابَهَا
عرفتُ الذي تخفينَ عرفانَ ملهَم
عرفتُ الذي تخفينَ عرفانَ ملهَم / إذا الدمعةُ الخرساءُ لم تتكلمِ
وأنتِ سماءٌ يعشقُ المرءُ نورَهَا / ويعشقُ ما في أفقِها مِن تجهُّمِ
وإني إذا عيناكِ بالدمعِ غامَتَا / جديرٌ بأن يمشي على هدبِهَا فمي
دعيني أحلِّقُ في سمائِكِ طائراً / ويَسبَح خيالي في سناكِ المعظَّمِ
ألا إنَّ ضوءَ البدرِ إحسانُ محسنٍ / له أينَما يسرِي تفضُّلُ مُنعِمِ
يطوفُ به في الناضرِ المتَبسِّمِ / وينشرُه في الدارِسِ المتهدمِ
ويا ربما يغشَى الخميلةَ ضاحكاً / فتحلمُ في جوٍّ من السحرِ مبهمِ
وينشرُ في الأطلالِ ظِلا كأنَّه / خيالُ الأماني في محاجرِ نُوَّمِ
أليلاىَ ما أبقَى الهوى فيَّ من رُشدِ
أليلاىَ ما أبقَى الهوى فيَّ من رُشدِ / فردِّي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي
أيُنسَى تلاقينا وأنتِ حزينةٌ / ورأسُك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ
أقول وقد وسدتُه راحتي كما / تَوسَّدَ طفلٌ متعبٌ راحةَ المهدِ
تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ / حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهَدّ
بنفسيَ هذا الشّعرُ والخُصَلُ التي / تهاوت على نحر من العاج منقدِّ
ترامت كما شاءت وشاءَ لها الهوى / تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِّ
وتلك الكرومُ الدانياتُ لقاطفٍ / بياضُ الأماني من عناقيدِهَا الربدِ
فيا لكَ عندي من ظلامٍ محبَّب / تَألَّقَ فيه الفرق كالزمنِ الرغدِ
ألا كلُّ حسنٍ في البريةِ خادمٌ / لسلطانَةِ العينينِ والجيدِ والقدِّ
وكلُّ جمالٍ في الوجودِ حيالَه / به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ
وما راعَ قلبي منك إلا فراشةٌ / من الدمعِ حامت فوق عرشٍ من الوردِ
مجنحة صيغت من النورِ والندَى / ترف على روضٍ وتغفو إلى وردِ
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيّدِي / من الشجنِ القتَّالِ والظمأ المردِي
لقد أقفرَ المحرابُ من صلواته / فليسَ به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي
وقفنا وقد حانَ النوى أيَّ موقفٍ / نحاولُ فيه الصبرَ والصبرُ لا يُجدي
كأنَّ طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ / ومزدحم الآلامِ والوجدِ في حَشدِ
ومضطرم الأنفاسِ والضيق جاثمٌ / ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب خرس في جحيمٍ مؤبدٍ / بغير رجاءٍ في سلامٍ ولا بَردِ
فيا أيكةً مدَّ الهوى من ظلالها / ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيَّرٍ / على دَرَجٍ خابي الجوانبِ مُسوَدِّ
تَردَّدَ واستأنى لوعدٍ وموثقٍ / وأدبرَ مخنوقاً وقد غُصَّ بالوعدِ
وأسلمني لليلِ كالقبرِ بارداً / يهبُّ على وجهي به نَفَسُ اللحدِ
وأسلمني للكونِ كالوحشِ راقداً / تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي
كأنَّ على مصرَ ظلامينِ أَعكَرٌ / بآخرَ من خابي المقاديرِ مربَدِّ
ركودٌ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ / وقد ضمها الغيبُ المحجَّبُ في بُردِ
كأن سماءَ النيلِ لم تَلقَ حادثاً / ولا قصفت فيها القواصفُ بالرعدِ
أحقاً تولَّى ذلك الهولُ وامَّحَت / خواطرُ ذاكَ الويل والرعب والحقدِ
فيا للقلوبِ الصابراتِ وقد غفت / على نعمةِ الإِيمانِ والشكرِ والحمدِ
ويا للقلوبِ المؤمناتِ وأمنها / وضجعتها في رحمةِ الصَّمَدِ الفردِ
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي / أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ
تصيرُ إذا جُنَّ الظلامُ ولفّها / بجنحٍ من الأحلامِ والصمتِ ممتَدِّ
مباءةَ خمارٍ وحانوتَ بائعٍ / شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ
وقد وَقَفَ المصباحُ وقفةَ حارسٍ / رقيبٍ على الأسرار داعٍ إلى الجِدِّ
كأنَّ تقيّا غارقاً في عبادةٍ / يصومُ الدجى أو يقطعُ الليلَ في الزهدِ
فيا حارسَ الأخلاقِ في الحيِّ نائم / قضى يومَه في حومةِ البؤسِ يستجدي
وسادَتُه الأحجارُ والمضجعُ الثرى / ويفترشُ الإِفريزَ في الحرِّ والبردِ
وسيارة تمضي لأمرٍ محجَّبٍ / محجبةَ الأستارِ خافيةَ القصدِ
إلى الهدفِ المجهولِ تنتهبُ الدجى / وتومض وَمضَ البرقِ يلمع عن بعدِ
متى ينجلي هذا الضنَى عن مسالكٍ / مرنقةٍ بالجوع والصبرِ والكَّدِ
ينقِّب كلبٌ في الحطامِ وربما / رَعَى الليلَ هِرٌّ ساهرٌ وغفا الجندي
أيا مصرُ ما فيكِ العشيةَ سامرُ / ولا فيكِ من مصغ لشاعرِك الفردِ
أهاجرتي طالَ النوى فارحمي الذي / تركتِ بديدَ الشملِ منتثر العقدِ
فقدتُكِ فقدانَ الربيعِ وطيبه / وعدتُ إلى الإِعياء والسقمِ والوجدِ
وليسَ الذي ضيَّعتُ فيكِ بهيِّن / ولا أنتِ في الغُيَّاب هينةُ الفقدِ
بعينكِ أستهدي فكيفَ تركتنِي / بهذا الظلامِ المطبق الجهمِ أستهدي
أتيتُكِ أستسقي فكيف تركتِني / لهذي الفيافي الصمِّ والكثب الجردِ
أتيتُكِ أستعدي فكيف تركتِني / إِلى هذه الدنيا وأحداثِها اللدِّ
بحبِّكِ أَستشفي فكيفَ تركتِني / ولم يبقَ غيرُ العظمِ والروحِ والجِلدِ
وهَذي المنايا الحمر ترقصُ في دمي / وهذي المنايا البيض تختالُ في فَودِي
وكنتِ إذا شاكيتُ خففتِ محملي / فهان الذي ألقاه في العيشِ من جهد
وكنتِ إذا انهارَ البناءُ رفعتِهِ / فلم تكنِ الأيامُ تقوىَ على هَدِّي
وكنتِ إذا ناديتُ لَبَّيتِ صرختي / فواحَرَباً كَم بينَنا اليومَ من سدِّ
وقد كانَ لي للعطفِ والحبِّ مسلكٌ / فأغلَقتِه دوني فبتُّ بلا ردِّ
سلامٌ على عينيكِ ماذا أجنَّتا / من اللطفِ والتحنان والعطفِ والودِّ
إذا كانَ في لحظيكِ سيفٌ ومصرعٌ / فمنكِ الذي يُحيي ومنك الذي يُردي
إِذا جُرِّدَا لم يفتكا عَن تعمدٍ / وإن أُغمدَا فالفَتكُ أروع في الغمدِ
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحباً / وأهلاً به إِن كانَ فتكُكِ عن عَمدِ
فإِني إذا جُنَّ الظلامُ وعادني / هواكِ فأبديتُ الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً / وعندي من الأشجانِ والشوقِ ما عندي
أقَبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِهِ / وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ
ويا دارَ من أهوىَ عليكِ تحيةٌ / على أكرمِ الذكرى على أشرفِ العهدِ
على الأمسياتِ الساحراتِ ومجلسٍ / كريم الهوى عفِّ المآربِ والقصدِ
تنادِمُنَا فيه تباريحُ شاعرٍ / على الدمِ والأشواكِ يمشي إلى الخلدِ
فبودليرُ محزونٌ وفرلين بائسٌ / وميسيه مجروحُ الهوى عاثرُ الجَدِّ
وللمتنبي غضبةٌ مُضَرِيَّةٌ / وثورةُ مظلومٍ وصيحةُ مستعدي
دموعٌ يذوبُ الصخرُ منها فإِن مضوا / فقد نقشوا الأسماءَ في الحَجَر الصلدِ
وماذا عليهم إِن بكوا أو تعذبوا / فإنَّ دموعَ البؤسِ من ثَمَنِ المجدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025