المجموع : 27
ولما احتوى بدرَ الدجى صحنُ خدِّهِ
ولما احتوى بدرَ الدجى صحنُ خدِّهِ / تحيَّر حتى ما دَرَى أين يذهبُ
تبلبلَ لما أن توسَّطَ خدَّهُ / وما زال من بدرِ الدجى يتعجَّبُ
كأنَّ انعطافَ الصُّدغِ لامٌ أمالها / أديبٌ يجيدُ الخطَّ أيّانَ يكتب
ولما دعوتُ الكأس تؤنسُ وحشتي
ولما دعوتُ الكأس تؤنسُ وحشتي / لبعدك زادتني اشتياقاً إلى القربِ
ومالت بأعطافي لها أريحيّةٌ / فقربُكَ أحلى من جَناها إلى القلب
فأنت مزاجُ العيش إن كان صافياً / وأنت المعير الصّفوَ في كَدَرِ الشرب
حبيبٌ ملكتُ الصبرَ بعد فراقِهِ
حبيبٌ ملكتُ الصبرَ بعد فراقِهِ / على أنني عُلِّقتُهُ والفتهُ
محا حسنُ يأسي شخصهُ من تذكري / فلو أنني لاقيتهُ ما عرفته
لو لم أسمكَ الوصلَ إلا لأنه
لو لم أسمكَ الوصلَ إلا لأنه / أمينٌ على سرِّ المحبِّ شحيحُ
يسرُّ قلوبَ العاشقين فلا ترى / عليهم أمارات الفراقِ تلوح
ولم أر مثل الهجر للسرِّ هاتكاً / يعلم جفنَ العينِ كيف ينوح
تركتُ بشطِّ النيلِ لي سكناً فردا
تركتُ بشطِّ النيلِ لي سكناً فردا / حبستُ عليه الدمعَ أن يطأ الخدا
غزالٌ طواه الموتُ من بعد هجرةٍ / أطعنا فلا كنا بها الأسدَ الوردا
فسقياً لمهجورِ الفِناءِ كأنني / أعدّ له ذنباً وأطوي له حقدا
أسميه من فرطِ الصبابةِ مضجعاً / ولو طاوعت نفسي لسميته لحدا
وآخر عهدي من حبيبيَ أنه / مضى يحسبُ الإعراضَ عن هجره قصدا
وزودني يومَ الحمامِ صحيفةً / وثني شعارٍ لا جديداً ولا جردا
أُداوي به تخفاقَ قلبي كأنني / أضمُّ إليه صاحبَ البردِ لا البردا
وقد كنتُ بالتقبيل أمحو رقاعَهُ / فصرتُ بماءِ الدمع أغسلها وجدا
عدمتُ فؤادي كم أرجّي انصداعه / ويبقى على غدرِ الزمان صفاً جلدا
بكيتُ دفيناً ليته كان باكياً / عليَّ فقاسى دونيَ الثكلَ والفقدا
مضى والتقى والنسكُ حشوُ ثيابهِ / ورحَّلَ عنها الحسنَ والظرفَ والحمدا
حرامٌ على أيدي الحرامِ ممنَّعُ / وإن كان أندى الحبّ يشعله وقدا
فيا ليتَ شعري عنك والتربُ بيننا / وذاك وإن قربته نازحٌ جدا
منحتَ الرى تلك المحاسنَ أم ترى / غُصِبتَ عليها أم سَمَحتَ بها عمدا
أَبَحتَ الرضابَ العذبَ بعد تمنعٍ / وأبرزتَ ذاك الجيدَ والفاحمَ الجعدا
طوت بعدك الدنيا رداءَ جمالها / فلا روضها يُجلَى ولا تُربَها يَندى
حبيبٌ سرى يستقبلُ الليلَ وحدَهُ
حبيبٌ سرى يستقبلُ الليلَ وحدَهُ / ويسبقُ آرامَ الصريمِ وأُسدَهُ
فلا الأُنسُ من أمثالهِ الأُدمِ عاقَهُ / ولا الذعرُ من أعدائِهِ الغُلبِ صدَّهُ
يخوضُ إليَّ الليلَ ما بُلَّ عِطفُهُ / ويفرجُ غيلَ الدَّوحِ ما حُلَّ عقده
وقد طلعت في الرأس منِّي رايةٌ / ثكلتُ بها هَزلَ النعيم وجدّه
كُلوحُ مشيبٍ لو يكون تبسماً / كما زعموا ما إنم بكى القلب عنده
وما زَهَرات الشيبِ فيه ظوالمٌ / كذا العشبُ يأتي يانعُ الزهرِ بعده
أخذتُ من الدهر التجاريبَ جملةً / وقبل أشدي ما بلغتُ أشدّه
أطعت العلى في هجرِ ليلى وإنني
أطعت العلى في هجرِ ليلى وإنني / لأضمرُ فيها مثل ما يضمرُ الزند
صريمةُ عزمٍ لم يكن من رجالها / سواي من العشاقِ قبلُ ولا بعد
رأيتُ فراق النفس أهون ضَيرةً / عليّ من الفعلِ الذي يكرهُ المجد
تحصنت من كيد العدوّ وآلهِ
تحصنت من كيد العدوّ وآلهِ / بمجنبةٍ من حبِّ آل محمدِ
ودون يد الجبارِ من أن تنالني / جواشنُ أمنٍ صُنتها بالتهجد
ألحُّ على مولىً كريمٍ كأنما / يباكَرُ مني بالغريمِ اليلندد
أَيسلمني من بعد من أنا جارُهُ / وقد علقت إحدى حبائِله يدي
فيا أمتا إن غالني غائلُ الردى
فيا أمتا إن غالني غائلُ الردى / فلا تجزعي بل أحسني بعدي الصبرا
فما متُّ حتى شيَّدَ المجدَ والعلا / فعالي واستوفت مناقبي الفخرا
وحتى شفيتُ النفسَ من كلِّ حاسدٍ / وأبقيتُ في أعقابِ أولادك الذكرا
تأمّلَ من أهواه صُفرَةَ خاتمي
تأمّلَ من أهواه صُفرَةَ خاتمي / فقال بلطفٍ لم تجنبت أحمره
فقلت لعمري كان أحمر لونُهُ / ولكن سقامي حلَّ فيه فغيَّرَه
كفى حزناً أني مقيمٌ ببلدةٍ
كفى حزناً أني مقيمٌ ببلدةٍ / يعللني بعدَ الأحبةِ داهرُ
يحدثني مما يجمِّعُ عقلُهُ / أحاديثَ منها مستقيمٌ وجائر
أقولُ لها والعيسُ تحدجُ للسُّرى
أقولُ لها والعيسُ تحدجُ للسُّرى / أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر
سأنفقُ ريعانَ الشبيبةِ آنفاً / على طلب العلياءِ أو طلب الأجر
أليس من الخُسرانِ أن ليالياً / تمرُّ بلا نفعٍ وتحسب من عمري
وصفرٍ كأطرافِ العوالي قُدودُها
وصفرٍ كأطرافِ العوالي قُدودُها / قيامٍ على أعلى كراسٍ من التبر
تلبسنَ من شمسِ الأصيلِ غلائلاً / وأشرقن في الظلماءِ في الخلعِ الصفر
عرائسُ يجلوها الدجى لمماتها / وتحيا إذا أذرت دموعاً من الجمر
إذا ضُربت أعناقُها في رضى الدجى / أعارته من أنوارها خِلَعَ الفجر
وتبكي على أجسامها بجسومها / فأدمعها أجسامها أبداً تجري
عليها ضياءٌ عاملٌ في حياتها / كما تعملُ الأيامُ في قِصَرِ العمر
لقد بؤتُ من دين المروءة بالكفر
لقد بؤتُ من دين المروءة بالكفر / وأصبحتُ أغشى صفحةَ الغدرِ بالغدرِ
عصيتُ الهوى العذري في هجر شادنٍ / أضعتُ بهجراني له فرصةَ الدهر
نمى في حجور الملكِ ثم ملكته / بظلِّ شبابٍ حازه لي وما أدري
فقيد فتكي في هواه إنابةٌ / إلى الله خلت دمعه واكفاً يجري
يهون عليه أن تساعفهُ المنى / وأرجم يوم البعث في لهبِ الجمر
وما زال هجرانيه حتى تركته / حديثاً برغمي مودعاً أضلع القبر
لقد كاد ذاك القبرُ يوم أزورُهُ / يعلقُ ثوبي شاكياً ألم الهجر
بنفسي من خوفي من الإثم قادني / إلى الإثم فاستوفيتُ من قتله وزري
مضى والتقى والحسنُ حشوُ ثيابهِ / وأورثني منه الأسى آخرَ العمر
إذا ما الفتى ضاقت عليه بلادُهُ
إذا ما الفتى ضاقت عليه بلادُهُ / وأيقن أن الأرضَ واسعةُ القُطرِ
ودام على ضيقِ المعيشةِ صابراً / على الذلِّ والحالِ الدنيةِ والفقر
ولم يجترم للنفس عزّاً يصونها / فلا فرقَ بين العبدِ والرجلِ الحرّ
وما ظبيةٌ أدماءُ تحنو على طلا
وما ظبيةٌ أدماءُ تحنو على طلا / ترى الإنس وحشاً وهي تأنسُ بالوحشِ
غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعِه / فلم تلق شيئاً من قوائمه الحُمشِ
فطافت بذاك القاعِ ولهى فصادفت / سباعَ الفلا ينهشنه أيما نهش
بأوجعَ مني يوم ظلَّت أناملٌ / تُودِّعني بالدرِّ من شبك النقش
وأجمالهم تحدى وقد خيل الهوى / كأن مطاياهم على ناظري تمشي
وأعجبُ ما في الأمر أن عشت بعدهم / على أنهم ما خلفوا في من بطش
خف الله واستدفع سطاه وسخطه
خف الله واستدفع سطاه وسخطه / وسائله فيما تسألُ الله تعطهُ
فما تقبضُ الأيامُ في نيل حاجةٍ / بنانَ فتىً أبدى إلى الله بسطه
وكن بالذي قد خطّ باللوحِ راضياً / فلا مَهرَبٌ مما قضاهُ وخطّه
وإن مع الرزق اشتراطَ التماسِهِ / وقد يتعدَّى إن تعديتَ شَرطَه
ولو شاء ألقى في فمِ الطير قوتَهُ / ولكنَّه أوحى إلى الطير لقطه
إذا ما احتملت العبءَ فانظر قبيل أن / تنوءَ به ألا ترومَ مَحَطَّه
وأفضلُ أخلاق الفتى العلمُ والحجى / إذا ما صروفُ الدهرِ أخلقن مِرطَه
فما رفع الدهرُ امرءاً عن محلّه / بغير التقى والعلم إلا وَحَطَّه
أرى الناسَ في الدنيا كراعٍ تنكِّرَت
أرى الناسَ في الدنيا كراعٍ تنكِّرَت / مراعيه حتى ليس فيهنَّ مرتعُ
فماءٌ بلا مرعىً ومرعىً بغيرِ ما / وحيثُ ترى ماءً ومرعىً فَمَسبَعُ
مررتُ بقبرِ ابنِ المبارك زائراً
مررتُ بقبرِ ابنِ المبارك زائراً / فأوسعني وعظاً وليس بناطقِ
وقد كنتُ بالعلم الذي في جوانحي / غنياً وبالشيبِ الذي في مفارقي
ولكن أرى الذكرى تُنبه عبرةٌ / إذا هي جاءت من رجالِ الحقائق
ترنم جاري والمدام تهزُّه
ترنم جاري والمدام تهزُّه / ترنمَ قمريٍّ بفرعةِ ضالِ
فجاوبتهُ من زفرتي بمغرّدٍ / وناوبته من أدمعي بسجال
وقلتُ له يا جارُ هل أنت آمنٌ / تفرُّقَ أحبابٍ وحربَ ليال
يهيجُ لي الذكرى هزاجُكَ كلَّما / هزجتَ فيشقى في نعيمك بالي
لئن جمعت بيني وبينك حليتي / لقد فرَّقت بيني وبينك حالي
تذكرتُ دارَ الحيِّ إذ أنا باسطٌ / ظلالي ومجموعٌ لديَّ رجالي
وإذ أنا بين الناسِ منزعُ آملٍ / لبثِّ نوالٍ أو بناءِ معالي
لعمري لقد أسهلتُ في الأرضِ بعدما / تزحزحَ عن ريبِ الزمانِ جبالي