القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دُنَينِير الكل
المجموع : 36
لهم حبّ قلبي إن تدانوا وإن صدّوا
لهم حبّ قلبي إن تدانوا وإن صدّوا / وإن قربوا أوحال دونهم البعد
صبابة قلب قد تفرّد بالأسى / بهم حين أقوى منهم العلم المفرد
أقم مأتم الأشواق إن كنت ذا هوىً / يُرنّحه بأن ويذكره رند
فقد هبّ من أرض العراق نسيمهُ / تضوّع في أرجائها المسلك والند
قفوا بالحمى التجديّ ترجي طلائحا / من الشوق يجدوها من الوجد ما يحدو
وإن رمتم وردا فها فيض عبرتي / لعيسكم إن مسها ظمأ ورد
فلي بين هاتيك القباب خريدة / يطالبني في كل وقت بها الوجد
أحنّ إليها ما تالق بارق / حنينا يرى للنار من حرة برد
ويُطربني إن قام بالدوح نائح / على عذبات البان من شجوه يشدو
سقى الله نجد أما حللتم بأرضها / فإن غبتم عنها فلا سقيت نجد
جحدت الهوى خوف الوشاة فأعربت / دموعي بما ألقى ولم ينفع الجحد
وإني وإن قامت قيامه عذّلي / على كل حال ليس لي منكم بد
أرى كبدي مصدوعة بعد بعدكم / وفي كل عضوٍ من فراقكم كيد
وما أنا بالباغي سواكم النحلّة / وإن أسعدت شعري وإن وصلت هند
وركب تداعوا للسرى ثمتّ انبرى / ليبقي القرى بعد الهدى ذلك الوفد
فقلت لهم والليل فلقٍ جرانهُ / وقد ستر الآفاق من جنحه برد
قفوا حيث انوار الهدى كامليّة / وثار الوغى والمشركون لها وقد
بحيث سواد الليل بالبيض مشرف / وحيث بياض الصبح بالنقع مسودّ
فثم ترى الاسلام يسفر وجهه / شروراً ونجم الحق في أفقه يبذو
فلولا سمي المصطفى ووليّه / وهي الدين بل كادت قوى الحق تنهدّ
فما صاحفحت بيض الصفاح ككفّه / ولا حملت ذاك الطهمة الجرد
ورى زند ذاك الدين الحنيف برأيه / وراتبه من بعد ما قد كبا الزند
وجدّد أثواب المنى فانثنى الفنى / يروح على قصاده مثل ما يغدو
تجمعّن فيه أربع نبويّة / تأثّل منها عنده الفخر والمجد
جلال سليمان وبهجة يوسف / وأخلاق داود ومن أحمد الحمد
إذا متعت أجفان ملك رقادها / عن الملك أضحى حشو أجفانه السهد
وإن وهبوا المافي طريفا وتالداً / فجودهم في بحر إحسانه ثمد
فلو جاز في الدنيا خلود لخالدٍ / على حسن ما تأتي لحق له الخلد
خصائص ايوبية عادلية / شددت بها للدين فوق الذي شدّوا
فروع زكت في الكرمات وإنما / سمت بهم الاحلام والحسب العدا
فلولاهمُ لم ينبت الخط للوغى / وشيجا ولم تطبع صوارمها الهند
فقل لملوك الخافقين إليكمُ / عن الملك أو سدوا من الأمر ما سدوا
مليك الورى أين الملوك عن الندى / قصديت فيه للعدا حينما صدوا
أيطمع أقوام بنعمة عيشة / متى عطشوا فالموت دونهم وردُ
غلام التمادي والفرنج بجمهم / على جيد ومياط كما انتظم العقد
فوالله ثم الله حلفة صادقٍ / حشاه حشايا ملؤها الغيظ والحقد
لما طاب سكنى طيبة ولقد بنا / بجنيب النبي المصطفى ذلك اللحد
وأقسم لولا طود بأسك ما علا / منار الهدى حقا ولا سعد الجد
ولا قام يبغي نصرة الحق قائم / من الناس لولا سيف عزمك والجد
أيا ملكا أجهدتُ نفسي بسعيها / إليه رجاءً أن سينفعني الجهد
قصدتك لا ألوي على الناس كلهم / سواك عسى يرعى لنا ذلك القصد
أؤمل أن أبقى بقيّة مدتي / لديك وعيشي ناعم عندكم رغم
ولست أرجي غير خدمتك التي / يتم بها بين الورى عنديَ السعدُ
تركت بلادي وارتحلت أريدكُم / فدونك فضلا حال عن جزره المد
فخذوا واستمع مدحا تمدّ لواءه / يدُ الدهر يرويه لرونقه الضد
فها أنا يا ملك الملوك وأنتم / وها بصر لكن الخصيب لكم عبد
فمن ذا يرجى بعد أن جاء نحوكم / مليكا ومن ذا يستماح له رفد
أقيموا عمود الدين للّه تسعدوا
أقيموا عمود الدين للّه تسعدوا / فقد جاءكم عيسى وهذا محمد
فريق الهدى والله يظهر دينه / على دين من قد اشركوا وتمردّوا
فللّه ألطاف عليكم خفيّة / فإن تنجدوه من لظى النار ينجدوا
أرى الآية الكبرى من النصر قد جرى / بها الفال فالأفراحُ فيها تجدّدُ
ومما يبيد الشركين بأنّه / تجمّع للإسلام عيسى وأحمد
عسى الله أن يأتي بموسى فإنّني / أرى كبدي شوقا إليه توقّد
ليظهر أن الحق حقّ محمد / وكلّ بني بالذي قلت يشهد
فلا تجزعوا من حادثٍ حباء فادحاً / فذا الدين للحرمن في نصره يد
فشنوا الدين الكفر غارات معشرٍ / لهم في الهدى فرع زكيّ ومحتد
وشبّوا الهم نار الجهاد فإنكم / متى تتركوها آن للنار تحمد
فذا الدين ما أرسى قواعد حقّه / لدى الناس إلا ذابل ومهنّد
فحزبكُم حزب الإله وإنهم / همم الغالبون الشرك والمود أحمد
هل الدين ملبوس جميل وشبعة / ينيلكموها اليوم أو سعف الغد
وهل فرمن نار القتال أخو حجاً / ليبقى وفي نار الجحيم يخلّد
أطيعوا مليكا يشتري الحمد بالندى / ويرقد في جفن الردى وهو أرمد
له عزمات الدهر إن همّ بالعدى / وكالغيث يهمي صوبهُ وهو مرعدُ
له دوحة يسمو بها عادليّة / وللمجد منها كلّ وقتٍ مجدّد
فللحقّ منه خير ركن وملجأ / وللعدل والإسلام سيف معضّد
إذا جئته تلقى السماح مجسدا / بكفّ طوال الدهر يعطي ويرفد
وإنّ قرى العافي إذا أمّ ظلّه / جداول تجري والسديفُ المسرهد
لقد سطرت من بشره ونوالهِ / أحاديثُ ودٍ عنه تروى وتسند
فيقني ولم يسبق عطاياه موعد / ويفني ولم يسبق رواه التوعّد
ومن وهب الأموال أو قتل العدا / ليشري بذاك الشكر والحمد بحمدُ
وكان عليه أن يحوز مدى العلى / أليّة برورٍ وحلف مؤكّد
أقام عمود الدين حقّا محمّد / كما بدأ الدين الحنيف محمّد
فأشرق بدر الحق في أفقِ الهدى / وقد غالهُ قطع من الكفر أسود
نزلت وحاجاتي بباب محمّد / فأذهله عنّي زمان منكّد
وقد كان ظنّي أنّني أقطع الردى / به فهو سيف في الرزايا مجرّد
تجاوزت أقواماً عليّ أعزّةً / إليه عسى بؤسي بنعماه يفقد
فلم يك لي في ظلّه ذا عناية / فيعرف فضلي ثم يثني وبحمد
وظلم إذا ما قيل إني شاعر / وفي كلّ علم لي مقام ومشهد
ولو جاز في الدنيا خلود لفاضلٍ / لبشّرت الدنيا بأنّي مخلّد
فوا أسف ما بال حظّيَ ناقصاً / لديكم ودهري بالفضائل أحسد
فمن ذا يروم العاقل الندب في الورى / وأعظم منكم في الدناليس يوجد
أعيد ومهما عشت للناس دائما / مدى نحروا الاعداء فيه وعيّدوا
فظلّك مسدول وجودك غامر / وفعلك مشكور وبابك مقصدُ
سرى الطيفُ وهنا والرقاد مرنّق
سرى الطيفُ وهنا والرقاد مرنّق / وولّى فجفني إذ تولى مؤرّق
أجل غرنا حتى لقد كاد أن يرى / بجفني الكرى أو كاد في الوعد يصدقُ
ويمنعني مما أحبّ فرقدةُ / أفوزُ بها أو رصدة حين يطرقُ
ولو خفقت عيني به لم تفض له / دموعي ولا قلبي لذكراه يخفق
وقد كان قطع النوم في الحب واجبا / وللطيف في جنح الدجنّة يسرق
ودون الحمى النجديّ حيّ سهامهم / حذاق على ما استبطن القلب تحدق
رنت فرمت قلبي بسهم لوقعه / حشاي على مر الليالي تمزّق
ولا جفن لي إلا وأقرحهُ البكا / ولا قلب إلا قد يراهُ التشوّق
ألا لا تذكرني بأيام جلّقٍ / فتصبي فؤادي بالتذكّر جلّق
ولا بأحاديث الحبيب فإنه / حمامي إذا ما عنّ ذكراه يطرُق
مضت دونه أيام عاد وجرهم / وطار بعيشي طائر ما يحلّق
رعى الله من قلبي لديه مولّه / أسير ومن دمعي لذكراهُ مطلق
يهيج اشتياقي كلما هبّت الصبا / إليه ولاح البارق المتألّق
لحا الله هذا الدهر إن صروفهُ / تصرّفن بالألاف حتى تفّرقوا
ألا ليت شعري هل أعيشنّ ساعةً / ولما أراني بالتفرّقِ أفرقُ
وإنّي كمن قوم همُ يثجُ العُلا / ورأبُ الثأى والعارضُ المندفقُ
أناسُ زكت أحلامهم وأصولهم / فأفعالهم في جبهة الدهر تشرقُ
كبيرهمُ وقف على الجود والندى / وناشبهم في حلبة المجد يسبق
بمأسور علم أو بميسور نائلٍ / لأعراضنا سور منيعُ وخندقُ
وفخري بنفسي أنها ذات رفعةٍ / وعزّ عليه الذلّ ما يتطرّقُ
فللناس من كفّي السماحة والندى / وللدهر من فضلي بهاء وروونق
وهان على عيني الورى حيث لم أجد / سوى من له خزى من العار موبق
إلى أن أتيت الملك عيسى ومن بهِ / غدا يمنح الله العباد ويرزقُ
فعانيت بحراً للفضائل والندى / مكاثرهُ في لجّةٍ منه يفرَقُ
له نظر للمكرمات وغيرهُ / نواظرهُ نحو الرذائلِ ترمُق
ولو لا القرى في الدارميّين لاستوى / جريرُ على علّانه والفرزدق
وما زال عندي نحو رؤياك لوعة / أردّدها بين الحشا وتحرُّق
وقد مسلت أذني بشكركَ فاغتدت / مولّهة والأذن كالعين تعشق
فأيّ فخار لم تنله ورفعة / بها جيد هذا الدهر منك مطوّق
ففضلك إذ نبلى وبأسكَ والندى / فمن حاتم أو عامر والمحرّق
فعلمك لا ما في الدقاتر نافع / وشعرك لا ما نظموه ولفقوا
وبأسك لا أن صال عمروا وعامر / وجودك لا صوب من الغيثِ مغدِق
وما زرتَ أرض الشرك إلا نهدّت / دعائمها من سطوةٍ منك تصعقُ
فما أن يرى إلا بناء مهدّم / يحلّ بقطر بها وهام مغلّق
هنيء لهذا الدين أنك ربّهُ / وأنك لهليه غمام مدفّق
ولو لم تقُد يوم الكريهةِ فيلقاً / لأروى الأعادي من عزيمك فيلقُ
وشاهد ما قد قلت بالأمس ظاهر / وقد رام سلما من يديك الدمستق
بكفّك للراجين بالجود خضرمُ / وفي الروع للأعداء سيف مُذلّق
وقد وجدوا منك المنيّة والمنى / وكلّ فخار حين تولي وتصعقُ
أتيتك يا ملك الملوك وإنّني / أتيتُك أصغي الودّ لا أتملّق
ومثلك من يصغي لمثلي وردهُ / ليعلم ما عندي له ويحقّق
ولم ترعيني من أخيّم عندهُ / فتخدي إلى لقياه إبلى وتعنقُ
وكنت أمنّي النفس منك بزورةٍ / بها رمقي حتى أتيتُ مرمّق
فإن عزّني في قصد بابك ماجد / يعرّفُ قدري حين يثني فيصدقُ
لما فاتين من حسن رأيك عالمٌ / بفضلي فيسدي ما يشاء ويطلق
إلى كم بأبواب الملوك أخو الحجا / مهان وكم من جاهلٍ ينفيهَقُ
وليس يرى فرزان نطع مؤخّراً / عن الشاه إلا أن يقدّم بيدقُ
تملّ بهذا المدح حقّا فإنّه / لملك نور حين يتلى ورونَقُ
لهم طلل ما بين يبرين والحمى
لهم طلل ما بين يبرين والحمى / غدا يستجيش الدمع حولا مجرّما
أهاب يثاويه النوى فتقوّضت / معالمهُ واستعجمت أن تكلّما
ديار أجدت حين أخلقها البلى / لقلبي غراما جار لما تحكّما
وقفت بها أخفي الغرام فأظهرت / كوامنه إذ فاض دمعي بها دما
وما ذاك من حبّ الخيام وإنما / غرام بمن قد كان فيها مخيّما
سرى البرق نجدبا فبتّ من الجوى / سليماً وقدماً كنت منه مسلّما
فاذكرني دارا بمنعرج اللوى / نعمت بها إذ كنت واصلت تنعما
أيا برق إن جاوزت برقةَ منشدٍ / فبلّغ سلامي ساكني أبرق الحمى
وقل لهم إن فرّقَ الدهر بيننا / فإن ودادي فيكم ما قصرّ ما
لذكركم بين الأضالع زفرة / أبت طول هذا الدهر إلا تضرّما
فيا ليتكم لما بعد تم بعثتمُ / خيالاً ليوافي في الرقاد مسلّما
وهل ذا يرى طيف الخيال وقد أبت / جفوني على طول النوى أن تهوّما
منازلهم بين الفرات وجلّقٍ / أبى الله أن أبكيك إلا تذمّما
وإنّي لا أخلي من الشوقِ دائباً / فؤادي ولا من طيب ذكرك لي فما
عرفت سطورا منك أخلفها البلى / وما راجع العرفان إلا توهّما
تذكّرت أيامي وأهلك جيرة / وعيشا بكلتي ساحتيك منعّما
فرحت بها أطوي الضلوع على أسى / علائقه طول المدى لن تصرّما
إلى كم يروع الخطب قلبي بفرقةٍ / ووشك نوى يبتزّ لحما وأعظُما
أفارق أوطانا ويسرا وأسرة / وقوما كراما عشت فيهم مكرّما
وأعناض أرض الشام دارا وإنما / بها الفضل منّاع الفتى أن تقدّما
أجلق إن قاسيت فيك خصاصة / فحسبك عارا أن أرى فيك معدما
ولكنما غفرا لذنبك بعد ما / رأيت بمعناك الليل العظّما
فتى لا يُرى منه السؤال مذمّة / ولم تلقهُ إن جئتهُ متبرّما
همى فهو جود للعفاة وإنّما / عنى قاصديه إذ همى لهم منمى
أحق بأن يدعى المعظم وحدهُ / وأولى البرايا أن يقال له ابنما
أفي كلّ يوم نعمة وصنيعة / تعُمُّ الورى عدلا وبذلاً مقسّما
وعلمّا يدقّ الفهم عنه وإنّما / فخارُ الفتى إن جاءهُ متعلّما
إذا استكثرا الأجوادُ جوداً أفادهُ / رأى عنده منه أجلّ وأعظما
فيستصغر الأمر العظيم لنفسه / وينظر تقصيرا إذا كان منعما
له عسكرا جيشٍ وجأشٍ إذا رمى / بها الدهر أضحى خشية منه مهجما
إذا همّ لم يترك مدى غير حاضرٍ / وإن قال يرتدّ البليغ مجمجما
لقد ملّ سيف الهند من ضربه الطلى / وملّ القنا الخطّيّ أن يتحطّما
وقد سئمت منه الليالي إغارةً / وعاود وجه الصبح بالنقع مظلما
تأخّر عن ترك التقدّم إذ رأى / حياة الفتى في الدهر أن يتقدّما
لقد خجِلَت منه السحائبُ فانزوَت / فلمّا أتى جاءته تهمى تزعّما
فيا أيّها المخنى عليه زمانهُ / ويا من له وجه الخطوب تجهّما
إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبةٍ / فجىء باسمه يرتدّ دهرك منعما
ضلالاً لمن يبغي سوى جود كفّه / وهديا لمن يرجوه من حيثُ يمّما
وفخراً على كلّ البلاد لجلّقٍ / ومعلمها إذ راح بالجود معلَما
دعا عذلي لم يبق عقلا ولا لبّا
دعا عذلي لم يبق عقلا ولا لبّا / مبيب دعاه البين فارتقت إذ لبى
وولى فولّت نضرة العيش بعده / وأضحى فؤادي مستهاما به صبا
يموت اشتياقا كلما عن ذكركم / فيحييه خقاق النسيم إذا هبا
فيا عين ما أبكى ويا قلب ما أشجى / ويا صبر ما أفنى ويا نفس ما أصبا
أأسي بموسى مستهاما معذّباً / أرى مرما ألقاه في حبّه عذبا
ويكثر عذلي في هواه عصابة / جعلت لرأسي من خلافهم عصبا
وقد ظهرت آياته في جماله / فيا حسنها من معجزات ويا عجبا
لئن ظهرت آي ابن عمران في العصا / فآيات هذا في عذار له دبا
إذا ضرب الخالين من سورة الهوى / يفجّر من حبّ القلوب له حبّا
وإن هو ألقاه لسال عن الهوى / تلقّف منه العقل والقلب والليا
إذا ما بدا في صفحة الخد مرسلا / تبيّن أن الحسن كان له ربا
فيا هاجري من غير ذنب جنتيه / أيجمل أن أرضاك خبا وأن تأبى
سلام عليكم والتحية تكتبُ
سلام عليكم والتحية تكتبُ / إذا عزّ ممن نرتجيهِ التقرّبُ
وتهدي واهداء السلام بحاجبٍ / يكون وذو رد السلام محجّبُ
وما زال عندي الشوق نحوكَ دائماً / أغالبه والشوقُ لا شك أغلب
وفضلك يحدوني إليك وإنني / لذو كلف بالفضل والفضل معجب
فشرق حتى ما خلا منه مشرق / وغرب حتى ما انزوى عنه مغرب
ولا فخر في الدنيا بغير فضائل / يمدّ رواقُ المجد منها ويضربُ
وما الملك إلا حلية مستعارة / تجيء الفتى في عمره ثم تذهب
وإبقاء مجد م ثناء مخلد / ألذّ شذاً من مندلجا وأطيبُ
ترجى وذا فخز المرجّى وإنّما / فخار الفتى من حيث يرجو ويطيب
وكل امرء يولي الجميل محبّب / وكل مكان ينبت العز طبب
ولم أك إذ يممت ربعك منشدا / ولست بمستبق وأنت المهذب
فإن شملتني منك أدنى عناية / فما بين قصدي والغنى متطلب
فواللّه قد أصبحتُ في الناس مملقا / وقلبي لأملاقي من المال قلّبُ
وأنت سماء المكرماتِ وإنما / يرجّي السماء الناسُ حين تحجّبُ
أيا شرف الدين الذي سوقُ يحده
أيا شرف الدين الذي سوقُ يحده / بمعروفه بين البريّة نافق
ويا من عطاياه إذا ضنّ بالندى / تُقَصّر عنهنّ الغيوبُ الد وافقُ
إذا شمت برقا من جميل خلاله / شممت به نشرا له المجد فاتق
لئن كان شكري في معاليك صامتا / فعذري بعجزي عن صفاتك ناطقُ
وما غاية المثني وفيك خلائق / تقصّر عن أوصافهنّ الخلائقُ
عقت دارها إلا ثلاثا بها سحما
عقت دارها إلا ثلاثا بها سحما / فلا أثراً أبصرت منها ولا رسما
وجرّت عليها الرامسات ذيولها / فعفّينها حتى لقد طسمت طسرا
عهدت بها الحيّ الجميع وعيشةً / أخذت بحسن من بشاشتها قسما
ديار خلت ثم اضمحلت ومحّصت / فلست ترى منها ملجا ولا وشما
وقفت والدمع ينهلّ صوبهُ / كما انجمت وطفاء هطّالة سجما
اسائل وهما والديار إذا غدت / مشخّصةً ألقيتُها همّداً عجما
وراجعت حلمي وارتجعت عن الصبا / ومن يصحب الأيام تحدث له حلما
وما برحت نحوي تهرّ كلابهم / ولم أجترم فيهم على أحد جرما
ومالي من ذنب سوى الفضل والندى / وتعظيم قدري إذ ألقّب أو أسمى
عجبت لطرف فيهم كيف ماكبا / وطرف رآهم دائما كيف لا يعمى
فلا فتئت تفلي عليّ صدورهُم / بما قد حباني اللّه من فضله علما
وما خصّني من حسن خلق وخلقةٍ / ومنطق فصل أستطيش به الحلما
ولطف إذا لو طفت تعلم أنّه / من الهضبات الشمّ يستنزل العصما
وكلّ تراه نجل جون موقّع / أزبّ وتلقى لي أياما جدا قرما
تفنّن في كلّ العلوم وإنّني / قفوتُ له غثراً وأشبهته عظما
ونحن بنو ماء السماء سمت به / على الناس أنساب غدت شهرةً أدما
فتتناكبود الحاسدين بمجدنا / فعضّوا على أستاههم في الورى رغما
ولم يك فينا من تلين فناتهُ / ولما تجد منا جهولا ولا فحما
وقومي هم المستحدثون بفضلهم / خلائق تبقى في جباه العلا وسما
ألو الله والدين القويم إذا اعتزا / وأهل النديّ والندى غذ غدا جما
علومهم الأعلام للرشد والهدى / وحوض عطاياهم غدا مجفراً فعما
إذا نامت الأقوام يوما عن القرى / رأيت الثرى للضيف بعد القرى جهما
وأبناء علّات رموني فلم تصب / سهامهم لكنّ سهمي لهم أصمي
عووا وتمادوا في العُويّ تحاشداً / فلم أكترث حتى أمنّهم غمّا
رأوا بينهم للفرس ليث عرينةٍ / هو الموت ضربا بالمخالب أو ضغما
هزبرا إذا ما زت يوما بغيله / رأيت فريساً أو سمعتَ لهُ فهما
يرى الموت في أظفاره ونبوبه / بأدنى شطاه يعرقُ اللحم والعظما
ضلالاً لمن يسعى ليدرك شأونا / وهل يدرك الساعي بمسعاته النجما
فخلّوا سبيلا لن تطيقوا سلوكه / ومورد فضل عنكم أبدا يحمى
عدتنا عواد من تناء ومن هجر
عدتنا عواد من تناء ومن هجر / فمالي في صون الصبابة من عذر
تمادت عقابيل الغرام وأقصرت / على مضض الشكوى مساعدة الصبر
وبي من تباريح الجوى وعذابه / لهيب أتى من حيث أدري ولا أدري
إذا قلتُ إن الدمع يطفىء صوبه / ولوعي استمرّت عنده غلّة الصدر
وكيف التصابي بعد شيب إضاء لي / بفوديّ منه مطلع الأنجم الزهر
وفاء من الأيام أصبح غدرةً / ووصل من الأحباب آخر إلى هجر
عماء لنفس الدهر من بعد اما انتحت / نوائبهُ نفس المكارم بالغدر
رزينا فتى قد كان يخشى ويرتجى / إذا اشتدت اللاواء للخير والشر
غمام ندى ينشقّ عن مومض اللهى / ونور علا يفترّ عن روضه النضر
فتى كان يستحي من الجود أن يُرى / له فضل وفر لم يذل بالندى الوفر
ثوى إذ ثوى في لحده الباس والندى / فلم يبقى من يحمي ذمارا ولا يقري
لئن وترته الحادثات فلم تزل / تبيت الليالي للكرام على وتر
وإن أسلمته للمنون فطالما / غدا جاره الأقصى يجير على الدهر
وإن اقفرت منه المغاني فذكره / تغنى به الركبان في المهمة القفر
طوت شخصه كفّ المنايا فنشّرت / أحاديث من ذكراه طيبة النشر
تمثلهُ الأحزان عندي فأنثني / أناجيه من فرط الصبابة بالفكر
وما أحد حال التباعد دونهُ / يأبعد ممن قد تغيّب في القبر
مضى الملك نور الدين فانثلّ مجدنا / وولى فولّت بهجة الزمن النضر
مضى من به كان المغور في الضحى / يقضي كراه والمقرس في الفجر
الان استراح الركب من دأب السرى / إليه وأسماع المطيّ من الزجر
وقرّت بمثواها الصوارم والقنا / وعطّلت الجرد المذاكي من الضجر
ونكّر وجه العرف في الناس وانطوت / على الرغم منهم ألسن النظم والنثر
وقد أصبح الفادي ينادي أخا السرى / أيسنا فلا أغدو لبر ولا تسري
سقاني الردى خمرا وهذا خماره / وأيّ خمار لا يكون مع الخمر
تقطّمت الآمال لما تواصلت / بمصرعة في الشامتين قوى البشر
وأسى ممرّ المجد منفصم العُرى / وعاد التئام الدين منثغرا الثغر
مصاب تروّى الجوّ منه حدادهُ / فلم يبد منه ضوء شمس ولا بدر
فويل لم الدافتيه عشيّة / لقد غيبوا تحت الثرى سنة الفجر
ولو انصفوه لم بوسّد سوى العلا / ضريحا ولا هالوا عليه سوى الأجر
سقته على طول التباعد بيننا / سحائب عز من مدامعيَ الغزر
وقد كان يسقى جودهُ مسبل الحبا / فها أنا استسقى له مسبل القطر
وما كنت أرجو أن تكون مشيدةً / مراثيه بين الورى ألسن الشعر
يُبكيّه مرتاع الصباح وطارق ال / ظلام ومنجور يرصيه للنصر
ومغترب شطت به غربةُ النوى / ومختبط أودت به صفقة العسر
فأيّ ضريح قد حواه لقد حوى / على الضنك منه مجمع البر والبحر
وكان زماني قد علا بي وصانني / فكنتُ أصونُ النفس عن عمل الشعرِ
ولكن أتانا فادح جلّ رزؤهُ / فاورث أهل الألاض قاصمة الظهر
فأيّ لسان لا يقول ومدمعٍ / على مثلها ما عاش بعدك لا يجري
فلو أن حيا يدفع الموق دونه / بهنديّة بيض وخطيّة سمر
لذاد المنايا عنه كل سميدعٍ / يعُدّ العلا في الكرّ والعار في الغرّ
ابيّون لا يستخذؤون لحادثٍ / ملمّ ولا يستنزلون على القسر
ولو أنّه يفدى لفدّته أنفس / مكرّمة والنفس من أعظم الذخر
ولكنّه الموت الذي لسهامهِ / نوافذُ تصمي ذا الثراء وذا الفقر
لقالكم من عاثرين ولا لما / لغيركم من عاثر بظبا الدهر
أمسعود لا زالت سعودك تعتلي / مؤبّدةً مرّ الليالي على الدهر
مليك الورى والصبر منكبك الذي / تلوز به في موطن النفع والضر
تعز فإن السيف يمضي وإن نبا / به مضرب ما دام يؤثر بالأمر
فقد حقّقت فيك الظنون فاصبحت / من الخبر المأثور عنك على خبر
ولا غرو أن تقفوا أباك متابعا / لتلك الأيادي البيض والشيم الغر
فذو المجد من تسمو نوازع همّه / على هامة العيوق أو قمة النسر
تهنّابك الدنيا جميعا وأهلُها / فيا مورد الضاوي ويا قمر السفر
لك الدولة الغراء والملك بعدما / خصصت من الرحمانِ بالجدّ والنصر
وركناك بدر الدين من سيف عزمه / يفلّ شبا الأيام إن خيف من ضرّ
ونصر نفيس الدين موفيك ودّه / وموليك محض النصح في السر والجهر
فذا كعلي للنبي وصيّهُ / وهذا له في الرأي مثل أبي بكر
وها ابن دنيجير يفضّل مدحكم / وينظمهُ بين البريّة كالدر
ولي لكم في كل شرف ومغربٍ / وراجيكم في القلّ منه وفي الكثر
فلا انفك جيد المجد منكم مطوقاً / بجدّ مخوف البائس متّبَعِ الأمر
بقاء الندى في أن يدوم لك المدى / وعُمر المعالي أن تمتّع بالعمر
أشاقتك من أطلال ليلى معالمُ
أشاقتك من أطلال ليلى معالمُ / فأبدت شؤون الدمع ما أنت كاتمُ
أم القلبُ إثر الظاعنين صبابةً / دعا فأجابتهُ الدموع السواجم
أطاع الهوى لما عصى الصبر معلنا / بأنّ فؤادي من جوى البين هائم
الأربّ دار باللوى قد تقوّضت / لبعدهم أركا نها والدعائم
وقفت بها أذري دموعاً تسعّرت / بها نار حزن ضمّنتها الحيازمُ
وقد محّصت اطلالها فكأنها / ظباء باقطار الفلاة جواثم
أقول إذا ذكرى عهودي تعّرضت / سقى عرصتيها عارض متراكم
وأنّى جفتها المزن لا زال صائبا / من الجفن صوب بالمدامع ساجم
وعاذلةٍ باتت تقول ملحّة / أمثلك يبكى الربع والربع طاسم
فقلت لها كفّي الملام فإنها / هي الدار أقوت آياتها والمعالم
عهدت بها شرخ الشباب بوصل من / هويتُ وغصنُ العيش أخضر ناعم
بحيث امتناع الغانيت ممنّعُ / لدينا ولون الرأس اسود فاحمُ
وما فوّقت أيدي البعاد لشملنا / سهام النهوى والخطبُ وسنان نائمُ
وقد طلعت بعد الفراق بمغرقي / نجوم مشيب إثرها الموت ناجمُ
فأنبأنني أنّ الصّبا غيرُ راجعٍ / إليّ وأنّ الشيبَ للمرء لعادمُ
ولم أر دهري غارماً ما أضاعهُ / وكلّ زعيمٍ بالذي ضاع غارمُ
فوا عجباً من سوء خطي وقد سرى / لفضلي عرف مخطم الدهر فاغم
إذا جئتُ وردا للمعالي ارودهُ / فإن الرزايا فوق وردي حوائمُ
وما فرقي والحادثات تلمّ بي / من الدهر والملك المعظّمُ عاصم
مليك به وجه الخطوب مقطّب / وثغر الندى والدين والعدل باسم
حسام أمير المؤمنين وما سمي / بذلك إلا وهو للخطب حاسم
به نصر الإسلام في كل توطن / وحلّت بأهل الزيغ منه القواصمُ
لئن عجزت وطف الغوادي بجودهِ / لقد خجلت منه البحار الخضارم
فمن مجدهِ حوض المدائح مترع / ومن جودهِ البحر المنائح راسم
مليك له الأقدار تجرى على الورى / فليس فضاءً غير ما هو حاكمُ
تجليب منه الدهر ثوبا من العُلا / ففي عصره كلّ الزمانِ مواسمُ
إذا عجز الوصّافُ عن حصر مدحه / وأوصافه أثنت عليه المكارم
وما انصفوه بالمعظّم إذ غدا / عظيما وقد هانت لديه العظائم
ومن أين يُلغى للمظفّر شبه / إذا احتدمت بالدار عين الملاحم
وكم سوق حرب للأعادي أقمتهُ / وموت لهم ايظقته وهو حالم
ولم شهدت منك الفرنج مواقفاً / وبحر المنايا موجده متلاطمُ
دعوت بها بيض السيوف فأذعنت / تجيبك في هام الكماة الصوارم
لدى معرك لم يلف في جنباتهِ / إذ الروع إلّا صارم أو ضبارمُ
وما زلت في جيشين جيش مقاتل / وجيش على القتلى من الطير حائم
ولو سئّلت أرض الفرنج شهادة / أجابتكم صيدا ويافا وحارم
فكم خدلت فيها لدى الحرب أنفس / وكم قسمت إذ ذاك منها الغنائمُ
وكم من صريع من مخافة بأسم / وما فقعت فيه الرقى والعزائم
وليس لكم في حرب فارس مفخر / لقد صفُرت عن مثل ذاك الأعاجم
دعاك أمير المؤمنين فأذعنت / له عزمة قلّت لديها العزائم
فألفاك سيفا في الأعادي مجرّراً / وفي شفرتيه الموت إن شام شائم
تميت وتحيي بالصوارم والندى / كأنك للآجالِ والرزق قاسمُ
مليك الورى عزّ العزاء لحادثٍ / وجوهُ المعالي إذ ألمّ سواهمُ
وقد جلّ رزء المؤمنين كأنّما / عليّ عليّ فالدموع رواذم
ألم به صرف الحوادث عنوةً / ولكنما من بعدها الدهر نادم
سقى قبره سحّ السحاب فطالما / سقى الناس غيث من أياديه ساجم
ولا فارق التقديس أرضا ثوى بها / ولا رحمة واللّه إذ ذاكَ راحم
أيا ملكاً لولا فواضل جودهِ / لضنّت علينا أن تجود الغمائم
دعوتك لما أن ألم بيَ الأذى / وعدّت فما صحّت عليّ الجرائم
فخذ بيدي ثمّ اصطنعني فإنما / نمتني إلى العلياء قوم أكارم
فما راق لي لمّا سمعت مشارب / ولا هنأتيني بعد ذاك مطاعمُ
لديّ فنون من علومٍ غزيرةٍ / لساني لها في جبهة الدهر واسمُ
تفنّنت في الآداب حتى أخالها / نهابا ولم يحرزه إلّايَ غانم
وجاهدت في علم القراءة بعدما / قرأت بما لم يقر ورش وعاصم
ولي بأحاديث الرسول رواية / تقصّرُ عنها في العلوّ العمائمُ
وسقراط ما أوعى من العلم ما وعى / فؤادي ولكن عصره متقاوم
وأنبئت من لي في رضاه مصالح / تهدّدني إذ رأيه في واهم
ولم اقترف ذنبا وأجن جناية / ولكن سعت للسع في الأراقم
فإن كنت بي يا مالك الأرض محسنا / سعدت ولم تحدث عليّ الجوازم
وإلا فإني طائح الدم هالك / وعما قليل أنت لا شك عالم
فؤاد عصاه صبره وهو طالبُه
فؤاد عصاه صبره وهو طالبُه / وقلب أبت إلا التهابا جوانبه
وجفن تداعت للفراق شؤونهُ / فسالت دما لما تناءت حيايبه
فللّه قلبي حين زاد خفوقهُ / ولله جفني حين سحت سحائبه
وليل كيوم الحشر طولا سهرتهُ / قتيل الأسى حتى تجلّت غياهِبُه
تساورني الأحزان فيه ولم أزل / أراقبه كيما تغور كواكبه
فمن لكئيبٍ ساء في الحب حاله / وقد رنّقَت بعد الفراق مشاربه
وأصبح لا يلوي على ذي ملامةٍ / يعنّفهُ يوم النوى ويعاتِبُه
ففي كل يوم ناصح تتكلّف / يفنّدُني إذا ليس تقضى مآربه
ولست بمن يصغي إلى قول عاذل / ولا لرقيب بعد بين أراقبه
فما بعد بعد المالكية حادث / أحاذره إذ تعتريني نوائبه
سقى السفح من أعلام منيج هاطل / من الغيث كل تروي ثراه سواكبه
معالم لهو لا يملّ فناؤُها / ومنزل عيش مشرقات جوانبه
فكم لي بها من ليلة بتّ أجتلي / بها الشمس والإظلام سود ذوائبه
فما زلت منها في نهار ولم أزل / من العيش في ظل صفت لي جلابيه
وما كان إلا الدهر فرّق ما غدا / من الشمل مجموعا فضلّت مذاهبُه
وما خلتُ أن الدهر تخني صروفهُ / ولكن دهري ليس تقضى عجائبه
وما فرقي من حادث ظلت جازعا / له وشهاب الدين بالجود غالبُه
فتى نصر الدين الحنيف بعزمةٍ / إذا الخطب لاقاها تهدم جانبه
هو الراهب المال الذي ليس غيرهُ / من الناس يعطي بعض ما هو واهبه
فلا جود إلا ما أفادت يمينهُ / ولا نصر إلا ما أفاءت كتائبُه
وما انفك سكريا على من ينيلهُ / نوالاً ومصبوما على من يحاربه
ولو لم يكن للجود عاف وطالب / عذت نفسه بالجود منه تطالبه
فإن كان حرب فالرؤوسُ نثاره / وإن حان سلم فالنفوس مواهبه
فيا ناصر الإسلام بعد اهتضامه / ويا ناشر الإنعام أكدت مطالبه
شددت عرى الدين الحنيف وقد وهت / وألبسته نصرا أو غيرك سالبه
شحذت له من حد رأيك منصلا / يردّ الرزايا لا تفلّ مضاربه
وأثبتّ من جدوى يديك مناقا / هي المجد لا ما يبتغي منه كاسبه
وأرغمت حُسّاوي بوعد وإنما / تلافهم أن ينجز الوعد صاحبه
فلا صبر إنّ الصبر محّت رسومهُ / ولا مهل قد غصّ بالماء شاربه
ومن عجب إني دعوتك للندى / وجودك مثل البحر جاشت غواربه
بأوهم محبوك الذراعين والقرى / هضيم الحشى مستشرفات مناكبه
كأنّ به من حندس الليل ظلمة / تقمّصَها إذ تمّ فيه تناسبُه
إذا رمقتهُ مقلة العين معجبا / وأثنَت عليه قيل إنّ وراكبُه
فذلك ما أمّلتهُ ووعدتني / به وهو دين ليس يسقط واجبه
فما لي من أرجو سواك نوالَهُ / ولا بفنا الحدباء سمح أجاذبه
وإني لمن قوم تكاد نفوسهم / جلالا تعاف العيش إذ لا تصاحبه
هم القوم من لا قيت منه رأيته / رفيع العلا ليست تنال مناقبه
بماذا أهنئ الشهر منك وأيما / خلالك أثنى إذ مدى لا أقاربه
فلا سوف للآداب إلا بأن ترى / مليّا بعز ليس يقلع راتبه
أبى الدهر إلا أن تلمّ نوازلُه
أبى الدهر إلا أن تلمّ نوازلُه / وقلبيَ إلا أن تهيجَ بلابلُه
وجفني إلا أن تصوبَ دموعهُ / وأن لا يرى من فوق خدّي سائله
خليليَ إما كنت خلّي فخلّني / وشوي فقد يروي أخا البث عاذله
أعنّي على قلب تكاثر همّهُ / ودمعٍ همى واستفزر اليوم هالمه
فقد شتّ شمل الدين بعد اجتماعهِ / وربع الندى أضحت خلاءً منازله
ونكّر عرف الكرمات ورنّقت / من الجود بعد الصفونية مذاهله
فقُبحاً لدهر جار في الحكم صرفهُ / وغالت لكيسخرو المليك غوائله
مليك كان الله أعطاه آخراً / من المجد إذ تمّت لديه أوائله
وفضّلهُ بالدين والحلم والحجا / فعمّ الورى من راحتيه فواضله
فتى كانت الآمال تروي بجوده / إذا ظمئَت ألفت به ما تحاوله
فواعجبا منه لدى الحرب إذ غدت / تفرّق أرواح الكماة مناصلُه
وما زال مطعانا لكل سميدعٍ / من القوم حتى اندقّ بالطعن عامله
وخرّ صريعا والرماح تنوشهُ / لدى الروم إذ خانته حقا جحافله
فوا اسفا لو كان ينفعني الأسى / عليه ويا لهفا تدوم نوازلُه
يُبَكّي عليه مجدهُ وعلاءهُ / وتندبهُ أخلاقه وشمائلُه
هو الحزن موقوف على كل بلدة / من الأرض إذ قد شاع في الخلق نائله
فمن للمعالي والمكارم والندى / وللجود أكدت في الأنام وسائله
ومن لحداد المشرفيّة والقنا / وجرر المذاكي بعده من يماثله
فدى شرعة الإسلام حقا بنفسه / لئلّا يُرى تفديه يوما معاقله
فجرّع كاسا للحرام وطالما / سقى الروم كأسا للمنيّة عاجله
ومن لي وقد اصبحت في الناس مملقا / إذا الفقر يوما أعلقتني حبائله
وأنت الذي أعطتيني الألف سرعة / وقد كان دهري أجحفت بي نوازلُه
سقتك الغوادي من جفوني سحابة / إذا لم يجد سح السحاب وهاطلُ
وواعجبا أبقي من الجفن أدمُعا / تروّي ثراه والحيا لا يماثلُه
لقد كان دين اله يذهب أصله / ويصبح حقا مخلقات غلائلُه
ولو لا غياث الدين غازي ين يوسف / وهت قوة الإسلام واندقّ كاهلُه
مليك الورى يغني إذا جئت قاصدا / نداه ويردي في الوغى من يناضله
مليك إذا أمّ العفاة نوالهُ / تجلّلهم أموالهُ وفضائلُه
أعزّ به والصبر الجميل وقاية / من الله تعطى العبد ما هو آمله
ومن راية تستأصل الشمس نورها / ومن جوده يهمي من الغيث وابلُه
أيا ملكا إما قصدت مديحهُ / تعلّمُني جدواه ما أما قائله
لسان المعالي بامتداحك مطلق / وسرّ المعاني بالفصاحة كافلُه
فما عدم الإسلام إذ أنت ربّهُ / حمى لا ولا نصرا وسيفك نائله
ولا خاب ظني من زماني وأنتم / رجايَ وحظّي منك شميت فمايله
رفعت لي القدر الجليل وصنتَني / وأغنيتني بالبذل عمّن أسايلُه
وأوليتني من جود كفّيك ما غدا / جنابي به كالروض طلّت خمائله
فلا برح الإسلام منك مشيّداً / بنصر وسعد دايم لا يزايلُه
فما الناس الا حيث أنت ولا الندى / يرى في الورى إلا وكفّك باذلُه
أيقطعنا في حبّه من نواصلُه
أيقطعنا في حبّه من نواصلُه / ويطنب في عذل عليه عواذلُه
وهل يبعدني من أروم اقترابهُ / ويلغي جوابي في الهوى من أسائله
وليس عجيب أن تشُطّ به النوى / وقد أوضحت منه الدلال دلائله
سرى الطيف من سعدى وقد هدّمت لنا / نواظرُ لمّا اشبه الحقّ باطلُه
أرجّم فيه الظنّ طوراً أضافهُ / وطورا أرجي أن تلمّ شمائله
فاكرم به لو ساعفتنا يد النوى / بوصل غزال ظلت دهرا أغازلُه
ولو لم يشقّ الصبح جيبا عن الدجى / لجلّيت هماما ما تغبّ نوازلُه
وكم للدجى عندي أيادٍ كريمة / وكم نعمة أسدى إلينا تطاوله
وم الصبح إلا كالرقيب إذا وشى / بسرّ الفتى هاجت عليه بلابله
وإني لأخشى هجر من رمت وصله / مليّا وأهوى هجر من لا أواصله
وكم قلت للساعي إلى المجد والعلا / تزحزح قصيّا فالمعمّر نائله
له السورة العلياء منه وإنما / أواخرهُ تزهو به وأوائله
فإن انسكاب الغيث يقصر صوبه / إذا هطلت من راحتيه فواضله
أيدركهُ من راح سعى لمجدهِ / فأنّى وقد عمّ البريّة نائله
أبا طالب لو لم يكن لمحمد / سواك من الآيات تمّت فضائله
إليك انتمى آل النبي وشرّفت / بذكرك من هذا الأنام قبائله
وأنت الذي أوطنت للمجد والعلا / ربوعا وقد أضحت خلاءً منازله
وألبست هذا الدين بردا مفوّفا / من الغرّ إذ رثّت عليه غلائلُه
وأوليتني من جود كفّيك أنعما / فأدركت من دنيايَ ما كنت آملُه
شرحت من الإحسان صدري وظفّرت / يدايَ يودّ كنت دهري أحاوله
وما جاء يبقي جود كفّيك قاصد / يروم الفنى إلا وتمت وسائله
فقل للذي باراه أخطأت إنّه / هو البحر لكن ليس يدرك ساحله
إذا رمت في العلياء رتبة مجده / رجفت بذنب موبقات غوائله
فإن تك ذا مال فإن نواله / ومعروفه لا يدرك الوصف قائله
إليك ابن بنت المصطفى حثحثت بنا / غرائم قلب راح والرد شامله
سأركو زماني إذ رماني بصرفهِ / على مضضٍ أن رحت دهرا أجامله
وكيف بشكوايَ الزوان وقد غدا / بكم جامعا شملى وأنتم أفاضله
ولكنّني أستغفرُ الله جاهدا / إليك فإنّ لجدّ لاحت مخابله
ومن بعد مدحي مجدكم فعليكمُ / سلام كنشر الروض طلّت خمائله
ترُى زائري طيف الخيال الذي سرى
ترُى زائري طيف الخيال الذي سرى / وكيف يزور الطيف من منع الكرى
وهل يكتمن سر الهوى ذو صبابةٍ / غدا دمعه عما يجنّ مخبّرا
متى زام كتمان الهوى ثم جفنهُ / عليه بدمع كلما كفّه جرى
ومن عجب ماء الجفون يريقه / من القلب فأرجمرها قد تسعّرا
وأعجب منه من ألين وكلّما / أرفّ له ذلّا سطا وتجبّرا
تجملني ما لا أطيق من الأسى / ويوهمني أني اجترمت ليهجرا
سقى الله عهدا كان لي بوصاله / ولم يبق منه غير أن أتذكّرا
وروّى ديارا لحي من أبرق الحمى / غمام غراليه محلّلةُ العُرى
لياليّ لا ودّ مشوب ولا جوىً / مذيب ولا عرف الوصال تنكّرا
ولم ترتقب فيه رقيبا وعيشُنا / غدا عوده غضّ النضارة وأخضرا
وقد كنت ألقى منه ظبيا مهلّلا / فقد صرت ألقى كالح الوجه قسورا
فيا ممرضي كن لي طبيبا من الجوى / فقلبتي من آلام حبّك ما برى
حرمت جفوني لذّة الغمض بالجفا / ونمت أحق أن تنام وأسهرا
فديتك في خبّيك قلّ تصبّري / وليس معين لي عليك فأنصرا
أظنّك مالأت الزراق فإن سطا / سطوت وإما جرت عاند وافترى
ولست بمن يخشى الزمان وفعلهُ / إذا أنا لاقيتُ النقيبَ المعمّرا
فتى مالهُ وقف على الجود إذ غدا / تهلّله والبشر منه مبشّرا
فرد منهلا من جود كفّيه ترمو / بمالٍ وعلمٍ أغنيا معدم الورى
إذا قستمُ بالغيب صوب يمنه / كذبتم ولكن جوده راح أكثرا
وهذا بمالٍ كفّه ظلّ ماطراً / وذاك بماء صوبهُ راح ممطرا
قد اشتركا في جود كفّيه ذو الفنى / وذو الفقر لم يخصص بجدواه معسرا
كذاك شعاع الشمس ماضّ موضعاً / من الأرض لكن نورها عمّم الثرى
غذي بلبان الجود كهلا ويافعا / فلا غرو أن أولى العطايا وكثّرا
حليم إذا طاشت حلوم كثيرة / عظيم إذا راح العظيم مصغّرا
وقور إذا ما الدهر أخنت صروفهُ / رزين إذا ما طاش في أسّه حرى
يجيع كريمات النضار ويشتري / عقائل تتلى الدهر يا نعم ما اشترى
أبا طالبٍ لو كل منت شعرة / تبثّ مديحاً فيك كنت به حرى
ولو شئت أن أحصي أياديك بالني / بعثت بها نحوي لرحت مقصّرا
ولكن بذلت الجهد فيك عساك أن / ترى العذر في التقصير حقّا فتعذرا
وماذا عسى ربّ المديح بقوله / وقد أنزل الله الكتاب المسوّرا
وما قد طوي عن كلّ صاحب مدحة / أتاكم به نصّ الكتاب فنثّرا
أيا جائداً في دسّته البحر مفعم / ويا ماجداً تلقاه في السرج قسورا
إذا ما رأى القصاد يومك أبيضاً / رأى يومك الأعداء في الحرب أحمرا
ولو لم يكن للّه فيك سريرة / لما كان وجه الملك نحوك أسفرا
ومن ذا يروم الفخر غيرك إن دعا / دعوت الرسول المصطفى ثمّ حيدرا
فهذا هدى للخلق بعد ضلالةٍ / وذاك من الإشراك والكفر أنذرا
بخوت بكم يا آل طه وفي الدنا / أرى كل معسور بكم قد تحسرا
فمنك جمال الدين لم أرج مطلبا / من الجود إلا عدت حقّا مظفّرا
ولولاك لم أظهر بلادي ولم يكن / بها مسكني فافعل برأيك ما ترى
بقيت لإبقاء المكارم كائناً / لك اللّه عونا في الإقامة والسُرى
سقاه الصبا خمر الدلال المردّد
سقاه الصبا خمر الدلال المردّد / فراح بطرفٍ في القلوب معربد
وشجّت بماء الحسن منه فأظهرت / أشقّها في خدّه المتورّد
غزال متى ما غازلتني لحاظهُ / أراقت دمي من جفنها بمهنّد
مليح المعاني ما شفاني وإنما / سقاني الهوى لكن بكاس منكّد
نضلّ بليل الشعر منه وإنما / بصبح محياه المهلل نهتدي
إذا ما ثناياه تجسّم برقُها / سُقيت سحابا من سلافة صرخد
بثغر حكى الأغريض حسنا وإنّه / لفاخر درّ في عقيق منضّد
أطاع النوى لما نوى لي غدرةً / فغادرني حلف الغرام المجدّد
أناشد رسم الدار أين ترحلّوا / وأنشد قلبي عند برقة منشد
وقفت بها أبكى وترزم ناقتي / مشوقا إليها وقفة المتبلّد
أفرّق شمل الدمع بعد فراقهم / يبدّده جفني لشاملي المبدّد
وما اعتادني منها سوى فرط لوعة / تصبّب دمعي بالزفير المصعّد
وذي عذل قد حرق القلب لومه / فقلت له قول العنيف المشدّد
أعاذل إن اللوم في الحبّ ضلّة / إذا لم يكن نفع بلوم مردّد
أترغب في إفراق من في فؤاده / كلوم بسهم للصبابة مصررِ
يجنّ إذا ما جنّ ليل ويفتدي / بجفنٍ على طول الليالي مسهّد
أقول لخفّاق النسيم إذا سرى / يروح على درا الحبيب ويغتدي
تحمّل سلامي نحو منعرج اللوى / وإيّاك تعدو حلّةً من بني عدي
فلي بين هاتيك الخيام مخيّم / غدا منتهى سؤلي وغاية مقصدي
فاست أرجّي غير طيب وصالهِ / وبذل الندى من زيد بن محمد
توقّل في هضب العلى فعلا على / بني الدهر من تشييد مجد وسؤدد
صفا جوده لما ضفا ثوب جوده / على الناس بالجدوى وعظم التودّد
إذا برقت بشرا أسرّة وجهه / همى عارض من ماله المتبدّد
هدى الناس للعلياء بالجود واهتدى / لغرّ السجايا فهو هاد ومهتدي
يطرّ به من جاء يسأل جودهُ / ولا كأغاريد الغريض ومعبد
تنكّر لي دهري المسيبء فردّه / برأي ممرّ في الملمات محصَد
ودافع عني الخطب حتى تهدمت / قواعده من ركن جود مشيد
خلائق قل الشكر عنها وإنّها / لميراثُ حقّ عن عليّ وأحمد
وماذا عسى رب القوافي يقوله / ومدحكم طيّ الكتاب المحجّد
فجدّكم بالله للخلق منذر / ووالدكم هاد لكل موحّد
إذا أغلقت أبوابُ سعي عن أمريء / فتحتم له بأبي رجاء ومقصد
وإن كذبت منه الأماني تغيّرت / بجودكم عن سوء ظن مشرّد
وإن صديت نحو الندى نفس آملٍ / سقاها بكاس الجود غير مصرّد
فخذها ضياء الدين مني قصيدة / غدا نظمها كاللؤلؤ المتسرّد
سقى روضها نوء العلوم فأظهرت / بدائع أزهار الثناء المخلّد
متى ير هارب الفصاحة والحجا / بإدراك ما فيها يهلّ ويسجد
إذا تليت راقت لدى كل سامع / فيعظمها في كل نادٍ ومشهد
ستنشر إذ أطوى ويزهي بحفظها / وانشادها في الناس كلّ مغرّد
فعش فالورى ما عشت في ظل نعمةٍ / ومهد من المعروف جدّ ممهّد
أنخ أيّها الحادي المطيّ وسلّم
أنخ أيّها الحادي المطيّ وسلّم / فقد نلت أقصى غاية لميمّم
وبلّغت ما قد كنت ترجو ويختفي / فرد بحر جودٍ بالفواضل مفعم
وشمّر سواما من رجائك ترتع / رياض العطايا بالنوال المقسّم
لوارث هدي المصطفى وخلاله / وخير البرايا من محلّ ومحرم
لذي الفضل محي الدين من جود كفّه / غنى لفقير أو يسار لمعدم
مجيد متى ما جئته تلق عنده / بشاشة وجه زانها بالتبسّم
به أخضبت روض الأماني وجاءها / سحاب ندى من جود كفّيه مثجم
وأسفر وجه المجد من فرح به / ووطّد أركان الندى والتكرم
تحمّل عبء المكرمات وثقلها / وطوّف منها مغرما بعد مغرم
فما همّه إلّا المعالي وغيره / من الناس لم تهطر له في توهّم
آيا ابن البتول الطهر فيك تقاصرت / فصاحة نطقى عن مديح مقسّم
ولكنّني رصّعت من درّ وصفكم / قصائد شعر بالثناء منظمّ
لكم من رسول الله اشرف فتية / ومن حيدر أوفى فخار معظّ
وفيكم أتى القرآن يتلو مديحكم / فلي مؤدّ مدحكم في تكلّم
وأنتم هداة الخلق حقّا وأنتم / أولو اللّه والبيت العتيق المحرّم
فأقسم بالبيت الحرام وما حوى / وبالركن حقّا والحطيم زمزم
لأنتم من النور الإلهي خلقكم / مجاجةُ وحي أودعت ظهر آدم
ولولاكم أضحى الورى في عمايةٍ / وراحوا بليل في الضلالة مظلم
بنوركم شمس النهار تهوّرت / وعلمكم هاد لكلّ معلّم
وما مدحي في غيركم عن جهالة / ولا أن طرفي عن مدائحكم عمي
ولكن إذا لم ألق ماء مطهّراً / بكلّ زمان أرتضي بالتيمّم
لكم في ضمير القلب ودّ مؤكد / وحبّ على الأيام غير مصرّم
وإن أنا لم أصدق بدعواي فيكم / فيؤتُ بما باء اللعين ابن ملجمِ
صدرت ولم أنقع بكم غلّة الصدر
صدرت ولم أنقع بكم غلّة الصدر / وهجّر في قلبي لهيب من الهجر
وبنتم وصبري فاغتديت من الأسى / يجرّعني التذكار كأسا من الصبر
أسرتم وقد سرتم فؤادا لبعدكم / يقلّبهُ فرط الغرامِ على الجمر
وغادرتموني يوم منعرج اللوى / كئيبا وجزتم بالوفاء إلى العذر
عزيري من اللاحي يلوم وما درى / بعذري وقد أميت حلف الهوى الفدري
إذا ما أدار الكاس للّوم عربدَت / صبابة اشواقي إليكم من السكر
ولم يستلب لبّي سوى صرف حبّكم / وما خامرت عقلي سلاف من الخمر
ومما شجاني خاطر الريح إذا سرى / ينشرّ من مغناكم طبّب النشر
فأعملت عزمي وارتحلت أريدكم / ومن عجب أن رحت أسري إلى أسري
فلا درّ درّ البين قد ظلت بعده / تقيّض لي الأحزان من حيث لا أدري
فواللّه ثم الله حلفة صادق / بريرٍ وزور القول يدعى من الكفر
لما راق لي من بعد مغترب النوى / بكم نظرة في منظر بهج نضر
أبحتم حمى قلبي فاصبح بعدكم / يشُكّ باطراف المثقّفة السمر
وألزمتموني الصوم عن طيب وصلكم / أيتبع ذاك الصوم في الحبّ بالفطر
وإني أصلّي كلّ وقتٍ بذكركم / وأتبع شفعي في صلاتي بالوتر
وليس يصحّ الصوم إلّا بنيّةٍ / ولا يقبل الله الصلاة بلا طهر
سلو البان عمن بان من بعد بعدكم / تجلّده فاعتاض عن ذاك بالفكر
ففي الحي صب كلما عن ذكركم / بكاه فأغنى الأرض عن وابل القطر
له كبد حرّى تجنّ صبابة / تحنّ لعلويّ البروق التي تسري
أسكان سلع إن خلا منكم اللوى / فلم يخل قلبي من هواكم ولا سرّي
لكم من ودادي مثل مالي من الندى / بكفّ بهاء الدين والنائل الغمر
فتى إن دجت عندي الخطوب تكشّفت / بمعروفه عن كلّ واضحة الثغر
إذا جئتهُ تلقى سرّة وجهه / مهلّلةً أبهى من الشمس والبدرِ
يكادُ محيّاه حياء وسؤدداً / يصوب الحيا منه بمثعنجر البشر
أحاديثُ جود عنه تروى وإنما / مواهبهُ تروي بها غلّة الصدر
إذا سمعت أخباره في مكارم / أبرّ على تعدادها طيّب الخبر
فقد كفّ كفّ الخطب إذ فكّ بالندى / ذوي العسر لمّا اوثقتهم يد الأسر
بنور الهدى من صفحه وصفيحه / غدا جاره القاصي يجير على الدهر
وعلمي يظنّ كاذب خال أنه / تبالغ في أوصافه السن الشعر
ولم يدر أن الله أودع مدهم / بسؤددهم والمجد في محكم الذكر
أليس رسول الله باذخ مجدهم / وفخرهم بين الورى منتهى الفخر
ومن يك نجلا للنبي وصنوه / وبضعته الزهراء والأنجم الزهر
فلا يستطيع ذو فخار فخارهُ / ولو أنّه يرقى على قمّة النسر
ايا ابنَ الأعالي من أباطح مكةٍ / ويا ابن الصفا والبيت والركن والحجز
بأيّ مديح أرقضي لك بعدما / ملكت زمام القول في النظم والنثر
إليك مقاليدُ العلوم فكلّما / حصرت فإنّي طالب الوصف بالحصر
وماذا عسى شكري يحيط بكنهه / وسؤددكَ العالي يجلّ عن الشكرِ
ولكن قبيحُ أن أضنّ بمدحة / وقد غمرت كفاك بالجود والبر
وإني إذا ناديت مدحا أجابني / بديع القوافي منه ممتثلا أمري
فأنظم منه كلما جل قدرهُ / فتحدي به الركبان في المهمة القفر
وقد خطبت منك المعالي مدائحاً / مهرن فجلّت عن قليل من المهر
فخذها دنينيرية إنّ ربّها / يؤمّلمك قبل المات وفي الحشر
وعش يستفيد الناس علمك والندى / فما الرزق إلا في أناملك العشر
سعاد اسعدي بالطيف بعد التفرّق
سعاد اسعدي بالطيف بعد التفرّق / ورقّي لجفنٍ من نواك مؤرّق
ولا تجعلي هجري لديك سجيّةً / وحسبك ما يلقى فوادي وما لقي
أروح بدمع هاطل ثم انطوى / على لوعة في الصدر ذات تحرّق
وأعذو بقلب من نواكم مصفّد / أسير ودمعٍ في المنازل مطلق
وأشتاق إن مر النسيم وإنما / أذوب أسى للبارق المتألّق
فاصبوا إلى بان الحمى إن ترنمّت / به الورق من وجد بكم وتشوّق
ويذكر إن لاح برق لياليا / حمدت بها عيشى ببصري وجلّق
سقى السفح من وادي النضا صوب مزنة / وروّى ثراه بالحيا المتدفّق
فعندي لذكرى عيشتي بربوعه / حنين غدت منه الحشا في تمزّق
أجيرتنا إن فرّق الدهر بيننا / فودّكم في القلب غير مفرّق
وإن بعدت أيدي النوى عن مزاركم / فقلبي على عهد من الحبّ موثق
غدا بكم الركب الشآميّ مشئماً / ورحت بركب للتباعد معرق
وإن صدحت ورقاء في غسق الدجى / غدا الدمع تذكاركم ي ترقرق
وما هيّج الشوق القديم ولا الأسى / لبعدكم غي الحمام المطوّق
وماضي شباب مستعار بكيتهُ / بدمع على عصر الشبيبة مغدق
وقد لاح صبح الشيب ي ليل المنى / فاسفر في راسي وفودي ومفرقي
أيمنحني دهري الملّمات بعدما / رماني من ريب الخطوب بأفوق
ولم يدر أني تحت ظلّ ممنّع / لأحمد لا أخشى ملمّة موبق
مليك غدا شمل العلى في تجمّع / به وغدا شمل اللهى في تفرّق
له في ذرى العلياء اشرف موضع / وفي العزّ هضب كالغمام المعلّق
أغرّ له في البذل والجود راحة / أبرّت على فيض الحيا المتدفّق
تجاوز أقصى غاية الحمد جاهدا / وبالع في إحسانه والتخلّق
مليك حباه الله بالحلم والحجا / فاجزل والرأي الاصيل الموفّق
فلو لم يكن بين الورى وغدوت من / سجاياه أنني عندهم لم أصدّق
سلوا إن جهلتم فعله قصد القنا / وأسيافهُ والموت بالموت يلتقى
لقد زلزلت أرض الأعادي جياده / وراح الكماة بين مردى ومصعق
فللّه كم ذلّت بسمر رماحه / قرونة بطريق لهم ودمستق
أيا أسد الدين الذي من رماحه / قرى الوحش والعقبان في كل مملق
بكم عاد وجه الأرض من بعد جدبه / خصيبا بروض من أياديك موفق
وفيكم نفاق الفضل بعد كساده / بجمع لاشتات العلا المتفرّق
سقيت فلا لبّ اللبيب معطّش / لديك ولا رزق الجهول بضيق
وأجزلت لي النعماء حقا وإنني / غدوت بجيد من نداك مطوّق
وأغنيتني عن معشر بامتداحهم / حرمت سلامي بل كلامي ومنطقي
بهم عادت الأيام من بعد نورها / ظلاماً بشمل للمعالي ممزّق
سأركبُ في هجوى لهم كلّ مركب / من الذمّ في بحر من الشعر مفرق
أيا أسد الدين المليك الذي به / غدوت فغصن في المكارم مورق
علقت بود منك لم أك قبله / بودّ امرئٍ من ذا الورى بمعلّق
فإن لم أدوّن فيك مدحا يمرّه / لسان المعالي بالثناء المروّق
فلا نلت من دنيايَ خيرا ولم أزل / بحال على مر الليال مرمّق
تهنّ بشعبان الذي جاء مقبلا / على إثره شهر سريع التطرّق
ودم في نعيم وابق في ظل دولة / بركن على مر الليالي موثّق
ربوع الندى من بعد فقدك بلقع
ربوع الندى من بعد فقدك بلقع / وحقّ العلى والمكرمات مضيّع
وللدين رزء منك عزّ عزاؤهُ / وكادت قوى الأيام فيك تقطّع
فما الصبح في عينيّ بعدك تيرة / ولكنّه كالليل اسجم اسفع
عليك شهاب الدين قلّ تصبّر / وفيك شهاب الدين عم تفجّع
وكان رجائي أن تعيش ولا يرى / الصرف الليالي في جنابك مطمع
فأخلف صرف الدهر ظنّى فكلما / قضى القلب هما لا زمتني أربع
فما لجفوني ليس يرقأ دمعها / وما لفؤادي حزنه ليس يقلع
فلا طاب لي من بعد فقدك مطعم / ولا لذلي من بعد موتك مضجع
كأن قد غدا قلبي لذا الدهر مروة / بصمّ الرزايا بعد فقدك تقرع
أيا حرّ عودتني منك جفوة / أبيت لها والقلب بالحزن موجعُ
فمدلي لتحيا الروح منك بنظرة / عسى أنني من نظرة أتمتّع
فمن للسيوف المشرفيّة والفنا / سواك وصبغ الأرض بالدم مشبع
وكنت متى اتهزز يمينك صارما / فريت عروشا للأعادي ترفّع
وقد راحت الأيام بعدك منزلا / وضيما بها أنف المكارم أجدع
فلا الجود مأمول ولا الرزق يرتجى / ولا الجار محميّ ولا الباس يدفع
كذا الدهر لا يبقى على حادثاته / أخو حيد في المشمخرات يرتعُ
وما كان عندي الصبر إلا سجيّة / ولكنما لم يبق في القوس منزعُ
وأنت على الحالين تخشى وترتجى / شديد على الأعداء خرق سميدع
سخيّ شجاع لا يضاهى وإنما / يسود الفتى من حيث يسمو ويشجع
سماح يد وقف على كل طالب / وسيب ندى في المكرمات مفرّع
لئن غاله ريب المنون فنشره / مدى الدهر من معروفه يتضوّع
وإن غاب بدر من محاسن شخصه / فإحسانه شمس على الناس تطلُع
سقته الفوادي من جفوني سحابة / تروّي ثراه دائما حين نهمع
وما زال يسعي جوده سبل الحيا / فقد صار يستسقى له اليوم مدمع
وما خلت أن أبقى وأرثيك بعدما / غدت مدحي في تاج علياك توضع
ولو كان ينجي هالكا عزم همّةٍ / لنجاه قلب في الملمات أصمع
ولكنّه الموت الذي لسهامه / على العمر وقع خرقه ليس يرفع
فما سالم منه وإن طال عمره / بباق إذا لكن إلى الموت يدفع
عزاء أبا العباس والملك الذي / به يرزق الله العباد ويمنع
فإنّ القضاء ليس يدفع حكمهُ / قويّ وإنّ الله ما شاء يصنع
ألست من القوم الذي بحلومهم / وآرائهم ريب الحوادث يقطع
وليس عجيب أن رقيت من العلى / مراتبهم والفرع للأصل يتبع
بك أعتاض هذا الدهر عن كل ماجد / مضى وبعلياك الليالي تمتّع
فخرت الملوك الغابرين فقيصر / يقصّر عما أنت فيه وتبّع
فمالك مبذول وعرضك وافر / ومجدكَ مشهور وروضك ممرع
أجل قد تمادى الأمر وانصرم العمر
أجل قد تمادى الأمر وانصرم العمر / ولم يأتني من نحوكم أبدع بر
أأحبابنا شطت بكم غربة النوى / وما لفؤادي عن لقائكم صبر
هبوا لجفوني الغمض عليّ أرى لكم / خيالا فقد أودى بيَ البين والهجر
وقلبي غدا من لوعة البين والأسى / كئيبا وحلوا العيش من بعدكم مرّ
فيا حبّذا وفد من الريح إن سرت / ركائب في أرجائها منكم نشر
ويا حبّذا دار بمنعجر اللوى / لكم قد محا آياتها المور والقطر
إذا ما ذكرت العيش فيها فلن يرى / لماء جفون لا يفض بها عذر
وإنّي لتحدوني إليكم صبابة / إذا لاح برق أو بدا طلل قفر
فإن بعدّت بيني وبين مراركم / يد الدهر إن الدهر ثميته الغدر
وإن غبتم عن ناظريّ فإنما / تمثلكم عندي المودة والذكر
سقى داركم سح السحاب فطالما / سقتها وقد ضنّ الحيا أدمع غزر
فما الوجد إلا ما أعانيه فيكم / فتلزمني منه الصبابة والفكر
ويا العيش إلا قينة ومدامة / معتّقة من قبل أن يخلق الدهر
مشعشعة تبدي لنا ما نسرّهُ / ونخفي الذي تبدى فينتهك الستر
فقم واغتنم كاساتها في دجنّة / من الليل لم يقطن لظلمائها الفجر
تخال بها الجوزاء طالب حاجة / يمدّ ذراعا ما له أنمل عشر
كأن الثريا فيه قوم تجمعوا / لرأي فلا خلف لديهم ولا نكر
وذو الرمح في جو السماء كأنّه / مغامس حرب لا يزايلهُ الكرّ
تظنّ بها لعبوق مقلة حاسد / وعين رقيب ليس يشغله أمر
وفي الأفق الشرقي زهر كأنها / وجوه ندامى جمّعت شملهم خمر
كأن بها المريخ في الغرب جذوة / من النار لم تسعر لأنوار هاجمر
وتحسب أن النسر ينقضّ طالبا / لصيد كأنّ النسر في حاله النسر
وكيوان في أعلى المطالع خاطبا / على مشهد من شانه الحمد والشكر
يقول لهم بدر السماء تعذّرت / مطالعه من قبل أن تضف الشهر
فقالوا له قولا يصيخ ذوو الحجا / إليه ولا ما قال زيد ولا عمرو
إذا ما ابن عبد الله أحمد أشرقت / اسرته لم تطلع الشمس والبدر
فتى جاد حتى أخجل المزن كفّه / وأولى ندىً في لقد عجز البحر
يرى في فناء المال تعمير مجده / فيرغب حقا أن يدوم له العمر
فلا فخر إلا لآمرني شاد مجده / ولا مجد إلا ما يسيره الشعر
حمى العرض في دنياه بالعرض الذي / يجود به حتى انتهى عنده الفخر
لقد كتبت أفعالك الفرا سطرا / بطرس العلى قد صغر الخبر الخبر
طريقتك المثلى ورأيك والهدى / وصدرك لا الدنيا وجودك لا القطر
لك الفتكات البيض إذ شهدت بها / مهنّدة بيض وخطيّة سمرُ
لدى موقف لو أن قلبا كجلمد / من الصخر يوم الروع لم يحوه ضدر
أزلت به هام الكماة عن الطلى / بسيقك طورا أو يزيلها الذعر
عجبت لو قد الصارم العضب في الوغى / بكفلك مشبوبا وفي كفك البحر
يد جمعت بين الردى والندى فقد / تقسم منها اللوى النفع والضر
أنالتك أبكا المناقب عزمة / سمت للعلى والمجد أو همة بكر
لسان المعالي بامتداحك ناطق / ويعجز عن أوصافك النظم والنثر
تشرّفت الكاسات حين لمستها / بكفّك لما أن تشرّفت الخمر
ولو لا خلاف الله قلت معظما / لكم حلّت الصهباء بل وجب السكر
أيا أسد الدين اسمع لي قصيدة / هي الدر حقا خاض في بحره الفكر
وقابل سؤالي بالجواب فإنني / غدوت بقلب في جوانحهِ جمر
نوالك قد عم الورى غير إنّني / غدوت وكفّي من عطاياكم صفر
نوالك بحر للورى منك مدّه / ومالي به إلا الملوحة والجزر
إلام أرى عرضي لديك ممزّقاً / بكل جهول ماله في الورى قدر
وإني لأستحيي المروءة أن أرى / حقيرا وأرضى عن صغير به كبر
لكم من ثنائي كل يوم وظيفة / وورد مديحي كل وقت لكم بثر
ومالي من ذنب سوى أن حبكم / توطد في قلبي فقابله الهجر
ذا نعمة منكم أتتني فإنّني / حقيق بها أهل وعادتك البر
وإن أنا لم اشكر صنيعك مادحا / ظلام وماوا في على أفق فجر
فما ولدتني يوم ذلك حرّة / ولا قام عني من بني آدم حر
وما يذكر الإنسان إلا بجوده / ومن لم يجد لا ينثني وله ذكر
وقد آن ترحالي إلى من بما لهم / لنا أسهم شتّى وأوطانهم وكر
فإن كنت عوني في المسير فسامع / مدائح قلّت في جوائزها مصر
أودع إذ روحي أودع بعدكم / وأرحل لا ذهره لديّ ولا فكر
سرور الموالي في بقائك سرئد / وعمر المعالي أن يطول لك العمر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025