المجموع : 36
أقول دمىً وهيَ الحسانُ الرّعابيبُ
أقول دمىً وهيَ الحسانُ الرّعابيبُ / ومن دونِ أستارِ القِبابِ محَاريبُ
نَوىً أبْعَدَتْ طائيّةً ومزارَها / ألا كلُّ طائيٍّ إلى القلْبِ محْبوب
سَلوا طَيِّءَ الأجبال أينَ خِيامُها / وما أجَأٌ إلاّ حِصانٌ ويعبوب
هُمُ جَنَبوا ذا القلبَ طَوعَ قيادهم / وقد يشهدُ الطِّرْفُ الوغى وهو مجنوب
وهم جاوزوا طلح الشواجن والغضا / تخبّ بهم جُرْدُ اللقاءِ السراحيب
قِبابٌ وأحبابٌ وجُلهَمَةُ العِدى / وخَيلٌ عِرابٌ فوقَهنّ أعاريب
إذا لم أذُدْ عن ذلك الماء وِردَهمْ / وإنْ حَنّ وُرّادٌ كما حنّتِ النِّيب
فلا حَمَلتْ بِيضَ السيوفِ قوائِمٌ / ولا صَحِبَتْ سُمْرَ الرماحِ أنابيب
وهل يَرِدُ الغَيْرانُ ماءً وَرَدْتُهُ / إذا وَرَدَ الضّرْغامُ لم يَلِغِ الذئب
وعهدي بهِ والعيشُ مثلُ جِمامهِ / نميرٌ بماءِ الوَردِ والمسكِ مقطوب
وما تفْتأُ الحسناءُ تُهدي خَيالَها / ومن دونِها إسْآد خمسٍ وتأويب
وما رَاعَني إلاّ ابنُ وَرقاءَ هاتِفٌ / بعينَيْهِ جَمرٌ من ضلوعيَ مشبوب
وقد أنكَرَ الدّوْحَ الذي يستظلّه / وسحّتْ له الأغصانُ وهي أهاضيب
وحَثَّ جَناحَيْهِ ليخْطَفَ قَلبَه / عِشاءً سذانيقُ الدجى وهو غِربيب
ألا أيّها الباكي على غيرِ أيْكهِ / كِلانا فريدٌ بالسماوَةِ مَغلوب
فُؤادُكَ خفّاقٌ ووكْرُكَ نازحٌ / وروضُكَ مطلولٌ وبانُكَ مهضوب
هَلُمّ على أنّي أقِيكَ بأضْلُعي / فأملِكُ دَمعي عنْك وَهْو شآبيب
تُكِنُّكَ لي مَوْشِيّةٌ عبقريّةٌ / كَريشِكَ إلاّ أنّهُنّ جَلابيب
فلا شَدْوَ إلاّ من رَنينِكَ شائِقٌ / ولا دَمعَ إلاّ من جفونيَ مسكوب
ولا مَدْحَ إلاّ للمعِزّ حقِيقَةً / يُفصَّلُ دُرّاً والمديحُ أساليب
نِجارٌ على البيتِ الإماميّ مُعْتَلٍ / وحكمٌ إلى العدلِ الربوبيّ منسوب
يصلّي عليه أصفر القدح صائب / وعوجاء مرنانٌ وجرداء سرحوب
وأسمرُ عَرّاصُ الكعوب مثقَّفٌ / وأبيضُ مشقوقُ العقيقة مخشوب
لأسيافهِ من بُدْنِه وعُصاته / نجيعان مُهراقٌ عَبيطٌ ومصبوب
فإنْ تكُ حرْبٌ فالمفارِقُ والطُّلى / وإن يكُ سِلمٌ فالشوى والعراقيب
أعِزّةُ مَن يُحْذَى النعالَ أذِلّةٌ / له ومُلوكُ العالَمينَ قراضيب
وما هو إلاّ أن يشيرَ بلَحْظِهِ / فتَمخُر فُلكٌ أو تُغِذّ مقانيب
فلا قارعٌ إلاّ القنا السُّمرُ بالقنا / إذا قُرِعَتْ للحادثاتِ الظّنابيب
ولم أرَ زَوّاراً كسيفك للعِدى / فهل عند هام الرّومِ أهلٌ وترحيب
إذا ذكروا آثارَ سيفك فيهمُ / فلا القَطر معدودٌ ولا الرّمل محسوب
وفيما اصطلوا من حرّ بأسك واعظٌ / وفيما أُذيقوا من عذابكَ تأديب
ولكنْ لعلّ الجاثليقَ يَغُرُّه / على حَلَبٍ نَهْبٌ هنالكَ مَنهوب
وثغْرٌ بأطرافِ الشآمِ مضَيَّعٌ / وتفريقُ أهواءٍ مِراضٍ وتخريب
وما كلُّ ثغْرٍ ممكِنٌ فيه فرصَةٌ / ولا كلّ ماءٍ بالجدالةِ مَشروب
ومِن دون شِعْبٍ أنتَ حاميه معرَكٌ / وبيءٌ وتصْعيدٌ كَريهٌ وتصويب
وصَعْقٌ بُركْنِ الأفقِ وابنُ طهارة / يَذُبُّ عن الفرقانِ بالتاجِ معصوب
وجُرْدٌ عناجيجٌ وبِيضٌ صوارِمٌ / وصُيّابةٌ مُرْدٌ وكُرّامةٌ شِيب
وسُفْنٌ إذا ما خاضتِ اليمّ زاخراً / جلَتْ عن بياض النصر وهي غرابيب
تُشَبُّ لها حمراءُ قانٍ أُوارها / سَبوحٌ لها ذيلٌ على الماء مسحوب
لَقيتَ بني مروانَ جانبَ ثَغْرِهمْ / وحظُّهمُ من ذاك خُسرٌ وتتْبيب
وعارٌ بقومٍ أن أعدّوا سوابحاً / صُفُوناً بها عن نصرَةِ الدين تنكيب
وقد عجزوا في ثغرِهمْ عن عدوّهمْ / بحيث تجول المُقرَبات اليعابيب
وجيْشُكَ يعْتاد الهِرَقْلَ بسيفه / ومن دونهِ اليمُّ الغُطامطُ واللُّوب
يُخضْخِضُ هذا الموجَ حتى عُبابه / إذا التجّ من هام البطاريق مخضوب
فمأثور ذكرِ المجد فيها مُفَضَّضٌ / وفوقَ حديدِ الهندِ منهُنّ تذهيب
ومن عجبٍ أن تشجُرَ الرومُ بالقنا / فتوطَأ أغمارٌ وهضْبٌ شناخيب
ونَومُ بني العبّاس فوقَ جُنوبهم / ولا نَصْرَ إلاّ قيْنَةٌ وأكاويب
وأنتَ كَلوءُ الدهرِ لا الطرفُ هاجعٌ / ولا العزمُ مرْدوعٌ ولا الجأش منخوب
همُ أهلُ جرّاها وأنتَ ابنُ حربِها / ففي القرب تبعيدٌ وفي البعد تقريب
ولا عجَبٌ والثّغْرُ ثغرُك كلّه / وأنتَ وليُّ الثّأرِ والثّأرُ مطلوب
وأنتَ نِظامُ الدّينِ وابنُ نَبيّهِ / وذو الأمرِ مدعُوٌّ إليه فمَندوب
سيجلو دُجى الدين الحنيفِ سُرادقٌ / من الشمس فوق البّر والبحر مضروب
وعزْمٌ يُظِلُّ الخافقين كأنّه / على أُفُقِ الدّنْيا بِناءٌ وتطنيب
ويُسْلِمُ أرمِينِيّةً وذَواتِها / صَليبٌ لنُصْحِ الأرمنيّينَ منصوب
وحسْبيَ مما كانَ أو هو كائنٌ / دليلان عِلمٌ بالإله وتَجريب
ولم تخترِقْ سجْفَ الغيوبِ هواجسي / ولكنّه مَن حاربَ اللّهَ محروب
وأعلَمُ أنّ اللّهَ مُنجِزُ وعْدِهِ / فلا القولُ مأفوكٌ ولا الوعدُ مكذوب
وأنتَ مَعَدٌّ وارثُ الأرض كلّها / فقد حُمّ مقدورٌ وقد خُطّ مكتوب
وللّه عِلْمٌ ليس يُحجَب دونَكم / ولكنّه عن سائر الناس محجوب
ألا إنّما أسماؤكم حَقُّ مِثلِكم / وكلُّ الذي تُسمى البريّةُ تلقيب
إذا ما مَدحناكم تضَوّعَ بيننا / وبينَ القوافي من مَكارمكم طيب
فإن أكُ مَحسوداً على حُرّ مَدحكم / فغَيرُ نَكيرٍ في الزمان الأعاجيب
أراني إذا ما قلت بيتاً تنَكّرَتْ / وجوهٌ كما غَشّى الصّحائفَ تتريب
أفي كلّ عصرٍ قلتُ فيه قصيدةً / عليّ لأهلِ الجهلِ لوْمٌ وتَثريب
وما غاظ حُسّادي سوى الصدق وحده / وما من سَجايا مِثليَ الإفكُ والحُوب
وما قصدُ مثلي في القَصيد ضراعَةٌ / ولا من خِلالي فيه حِرْصٌ وترغيب
أرى أعيُناً خُزْراً إليّ وإنّما / دليلا نفوسِ الناس بِشرٌ وتقطيب
أبِنْ موضِعي فيهم ليفخرَ غالبٌ / يَبِينُ بسيماه ويُدْحَرَ مغلوب
وقد أكثروا فاحكُم حكومةَ فيصَلٍ / ليُعرَفَ رَبٌّ في القريض ومرْبوب
فمدحُك مفروضٌ وحكمُك مرتضىً / وهديُك مرغوبٌ وسخطُك مرهوب
وذِكرُكَ تَقديسٌ وأنتَ دلالَةٌ / وحُبُّك تصديقٌ وبُغضُك تكذيب
ألا إنّما الدّنيا رِضاكَ لعاقِلٍ / وإلاّ فإنّ العيشَ هَمٌّ وتَعذيب
وإنْ طالَ عمرٌ في نَعيمٍ وغِبطَةٍ / فما هوَ إلاّ من يَمينكَ موْهوب
لمن صَولجانٌ فوقَ خدّكِ عابِثُ
لمن صَولجانٌ فوقَ خدّكِ عابِثُ / ومَن عاقدٌ في لحظ طرفكِ نافثُ
ومَن مذنِبٌ في الهجرِ غيَركِ مجرمٌ / ومَن ناقضٌ للعهدِ غيرَكِ ناكث
مليكٌ إذا مالَ الرّضى بجفونِهِ / رأيتَ مُميتاً بينَ عينيهِ باعِث
عيونَ المها لا سهمُكُنّ ملبَّثٌ / ولا أنا مما خامَرَ القلبَ لابث
أيحسَبُ ساري الليلةِ البدرَ واحداً / وفي كِلَلِ الأظعانِ ثانٍ وثالث
سرينَ بقُضْبِ البانِ وهي موائدٌ / تثنّى وكُثبِ الرّمل وهي عثاعث
أُريدُ لهذا الشمل جمعاً كعهدنا / وتأبَى خطوبٌ للنوى وحوادث
عَبِثتُ زماناً بالليالي وصَرفِها / فها هي بي لو تعلمون عوابث
لئن كان عشقُ النفس للنفس قاتلاً / فإنيَ عن حتفي بكفِّيَ باحِث
وإن كان عمرُ المرءِ مثلَ سَماحِهِ / فإنّ أميرَ الزّاب للأرْض وارث
إذا نحن جئناه اقتسمنا نوالَه / كما اقتُسمتْ في الأقربينَ الموارث
وإنّ حراماً أن يُؤمَّلَ غيرُه / كما حُرّمَتْ في العالَمين الخبائث
تَبَسَّمتِ الأيّامُ عنه ضواحكاً / كما ابتسمت حُوُّ الرياضِ الدمائث
وسَدّ ثُغورَ المُلكِ بعدَ انثلامِها / وقد أظلمتْ تلك الخطوبُ الكوارث
فما راد في بُحبوحة المُلك رائدٌ / ولا عاثَ في عِرّيسةِ اللّيثِ عائث
وقد كان طاحَ المُلكُ لولا اعتِلاقُه / حبائِلَ هذا الأمْرِ وهيَ رَثائِث
رَمَى جبلَ الأجبال بالصَّيْلَمِ التي / يغشّي جبينَ الشمس منها الكثاكث
وما راعهمْ إلاّ سُرادقُ جعفرٍ / تحُفُّ به أُسْدُ اللّقاءِ الدّلاهِث
فَجدّلهم عن صهوة الطِّرف راكبٌ / وأظعنهمْ عن جانب الطودِ ماكث
صقيلُ النُّهى لا ينكثُ السيفُ عهدَه / إذا غرّتِ القومَ العهودُ النكائث
مُضاعَفُ نسج العِرضِ يمشي كأنما / يلُوثُ به سِرْبالَ داودَ لائث
قديمُ بناءِ البيتِ والمجد أُسِّسَتْ / قواعدُه شرُّ الأمورِ الحدائث
سريعٌ إلى داعي المكارم والعُلى / إذا ما استريث النكس والنكس رائث
وما تستوي الشَّغواءُ غيرَ حثيثةٍ / قوادمُها والكاسراتُ الحثائث
شَجاً لِعِداه لا مزار نفوسهم / قريبٌ ولا الأعمار فيهِم لوابث
لَعمري لئن هاجُوكَ حرباً فإنّها / أكُفُّ رجالٍ عن مُداها بواحث
تركتَ فؤادَ الليثِ في الخيس طائراً / وقد كان زأْآراً فها هو لاهِث
فلا نُقِضَ الرأيُ الذي أنتَ مُبرمٌ / ولا خُذِل الجيشُ الذي أنت باعث
تورّعتَ عن دنياكَ وهي غَريرةٌ / لها مبسِمٌ بَردٌ وفرعٌ جُثاجِث
وما الجودُ شيئاً كان قبلك سابقاً / بل الجودُ شيءٌ في زمانك حادث
كأنّك في يومِ الهِياجِ مرَنَّحٌ / تهِيجُ المثاني شَجْوَه والمثالث
لئن أثَّ ما بيني وبينك في النّدى / فإنّ فروع الواشجات أثائث
نظمتُ رقيقَ الشعر فيك وجَزلَه / كأنّيَ بالمَرجان والدُّرّ عابث
سقيتُ أعاديكَ الذُّعافَ مُثَمَّلاَ / كأنّ حُبابَ الرّملِ من فيّ نافث
حلفتُ يميناً إنّني لكَ شاكرٌ / وإنّي وإنْ برّتْ يميني لحانث
وكيف ولم تشكركَ عنّي ثلاثةٌ / وما ولدتْ سامٌ وحامٌ ويافث
أمِنْكِ اجْتِيازُ البرْقِ يلتاحُ في الدُّجى
أمِنْكِ اجْتِيازُ البرْقِ يلتاحُ في الدُّجى / تَبَلّجْتِ مِنْ شَرْقِيّهِ فتبلّجَا
كأنّ به لمّا شَرى منكِ واضحاً / تبسّم ذا ظَلمٍ شنيباً مُفَلَّجا
مُطارُ سنىً يُزجي غماماً كأنّما / يُجاذبُ خَصْراً في وشاحك مُدمجا
ينوءُ إذا ما ناءَ منك رُكامُه / برادفَةٍ لا تَستَقِلُّ منَ الوَجَى
كأنّ يداً شَقّتْ خِلالَ غُيومِهِ / جُيوباً أوِ اجتابَتْ قباءً مُفرَّجا
هلمّا نُحيّي الأجرَعَ الفردَ واللّوى / وعُوجا على تلك الرّسومِ وعَرّجَا
مواطىءُ هِنْدٍ في ثَرىً مُتَنَفِّسٍ / تَضَوّعَ مِنْ أردانِها وتأرّجا
مُنَعَّمَةٌ أبْدَتْ أسِيلاً مُنَعَّماً / تضرّجَ قبلَ العاشقين وضرّجا
إذا هَزّ عِطْفَيْها قَوامٌ مُهَفْهَفٌ / تَداعى كثِيبٌ خَلفَهَا فترَجْرَجا
أنافِسُ في عِقْدٍ يُقبّلُ نَحْرَها / وأحْسُدُ خَلخالاً عليها ودُمْلُجا
لقد فُزتُ يوم النابضين بنظرةٍ / فلم تَلْقَ إلاّ بَدْرَ تّمٍ وهَودَجا
وأسْعَدَني مُرْفَضُّ دمعي كأنها / تَساقَطُ رأدَ اليْومِ دُرّاً مُدَحْرَجا
ألَذُّ بما تَطْويه فيكِ جَوانحي / وأشجى تَباريحاً وأسْتعْذِب الشَّجا
أجَدِّكَ ما أنْفَكُّ إلاّ مُغَلِّساً / يجوز الفَلا أو ساريَ الليل مُدلِجا
ترفّعَ عنّا سِجْفُه فكأنّه / يُحيّي بيحيَى صبْحَه المتبَلِّجا
ترامَى بنا الأكوارُ في كلّ صَحصَحٍ / تَظَلُّ المهاري عُسَّجاً فيه وُسَّجا
سَرَينا وفودَ الشّكر من كلّ تلعةٍ / إذا ما وَزَعنا الليلَ باسمك أُسرجا
غمَرْتَ ندىً جزْلاً فلا البْرقُ خُلَّباً / لديكَ ولا المزْنُ الكنَهْوَرُ زِبرِجا
وما أمَّكَ العَافُونَ إلاّ تعرّفُوا / جنابَكَ مأنُوساً وظِلَّكَ سَجسَجا
ولم تُرَ يوْماً غيرَ عاقِدِ حُبوةٍ / لتدبيرِ مُلْكٍ أو كمِيّاً مُدَجَّجَا
وكنْتَ إذا ثارَتْ عَجاجَةُ قَسْطَلٍ / فجَلّلَتِ الأفقَ البَهيمَ يَرَندَجا
تخلّلْتَها في المَعرَكِ الضَّنكِ مُقدِماً / وخُضْتَ غِمارَ الموت فيها مُلجِّجا
فلم ترَ إلاّ بارقاً متألّقاً / تخَلّلَهَا أو كَوكَباً مَتأجّجا
فداؤك نفسي ماجِداً ذا حفيظَةٍ / يُدير رَحى العَليا على قُطُبِ الحِجى
وسيّدَ ساداتٍ إذا ما رأيتَه / عَرَفْتَ يمَانيّ النّجار متوَّجا
تألّقَ في أوضاحِهِ وحُجُولِهِ / فلم تَرَ عيني منظراً كان أبهَجا
لقد نَبّهَ الآدابَ بعدَ خُمُولِها / وجَدّدَ منها عافِي الرّسمِ مَنهَجا
له شِيمَةٌ كالأرْيِ صَفْوٌ سِجالُها / وما السَّمُّ إلاّ أن يُقانَى ويُمزَجا
ألا لا يَرُعْه بأسُ يومِ كريهةٍ / فلن يَذعَرَ اللّيثُ الهِزَبْرُ مُهَجهِجا
نَحى المغربَ الأقصى بسَطْوةِ بأسِهِ / فغادَرَه رَهْواً وقد كان مُرتَجا
مُطِلاٍّ على الأعداءِ يُنهِجُ بينها / بسُمْرِ العوالي والقواضِبِ مَنهَجا
ليالي حُروبٍ شِدْتَ فيها لجعْفَرٍ / مَآثِرَ لم يُخْلِفْنَه فيك ما رجا
وكمْ بِتَّ يقظانَ الجفونِ مُسهَّداً / تُريهِ شُموسَ الرأيِ في غَسَقِ الدُّجى
فلاحَظَ عَضْباً عن يمينكَ مُرْهَفاً / وطِرْفاً جَواداً عن يسارك مُسْرَجا
وكم لكَ من يوْمٍ بها جِدِّ مُعلَمٍ / يُصَلّي الأعادي جَمرَه المُتَوَهِّجا
تَقومُ به بينَ السّماطَينِ خاطِباً / إذا يومَ فَخْرٍ ذو البيانِ تَلجْلَجا
أيا زكريّاءَ الأغَرّ أهِبْ بَها / وقائعَ ألهَجْنَ القريضَ فألهِجا
لِتَهْنِئْكَ أمثالُ القوافي سوائراً / وكُنْتَ حرِيّاً أن تُسَرّ وتُبْهَجا
فَدُمْ للشّبابِ المُرجَحِنّ وعَصْرِهِ / تُؤمَّلُ فينا للخُطوب وتُرتَجَى
أنُظلِمُ أن شِمنا بوارقَ لُمَّحا
أنُظلِمُ أن شِمنا بوارقَ لُمَّحا / وضحنَ لساري الليل من جنب تُوضحا
بعينك أن باتت تُحرِّقُ كُورَها / محجَّلةً غُرّاً من المُزنِ دُلَّحا
ولمّا احتضَنّ الليلَ أرهَفنَ خصرَهُ / فباتَ بأثناء الصّباح مُوشَّحا
تَحمّلَ ساريها إلينا تحِيّةً / فهيّجَ تذكاراً ووَجداً مُبرِّحا
وعارضَهُ تِلقاءَ أسماءَ عارضٌ / تَكفّى ثَبيرٌ فوقَهُ فترجّحا
ولمّا تَهادَى نكّبَ البِيدَ مُعْرِضاً / وأتْأقَ سَجْلاً للرّياض فَطفّحا
تَدلّى فخِلتُ الدُّكنَ من عَذَباتهِ / كواسِرَ فُتْخاً في حِفافيْه جُنَّحا
لِتَغْدُ غَواديهِ بمُنعَرج اللّوى / موائحَ رَقراقٍ من الرِّيّ مُتَّحا
سقَته فمجّتْ صائك المسكِ حُفَّلاً / تسُحُّ وأذرَتْ لؤلؤ النظم نُضَّحا
فلم تُبق من تلك الأجارع أجرعاً / ولم تُبقِ من تلك الأباطح أبطَحا
وللّه أظْعانٌ ببُرْقَةِ ثَهْمَدٍ / وقد كرَبتْ تلك الشموسُ لتَجنحا
أجَدِّكَ ما أنْفَكُّ إلاّ مُغَبَّقاً / بكأس النوى صِرْفاً وإلاّ مصَبَّحا
وأبيضَ من سِرّ الخِلافَةِ واضِحٍ / تجلّى فكان الشمسَ في رونقِ الضّحى
عنيفٌ ببَذلِ الوَفرِ يَلحي عُفاتَه / على صَفَدٍ ما كان نُهزَةَ من لَحى
تَوَخّاهُمُ قبلَ السؤالِ تبرّعاً / بمعروفِ ما يُولي وسِيلَ فأنجحا
صَحا أهلُ هذا البذل ممّنْ عَلمتَه / وأمسكَ بالأموال نشوانُ ما صَحا
ذروا حاتماً عنّا وكَعباً فإنّنا / رأيناه بالدنيا على الدين أسمحا
أريكَ به نَهْجَ الخلافة مَهيَعاً / يُبين وأعلامَ الخلافة وُضَّحا
كثيرُ وجوه الحزْم أردى به العِدى / وأنحى به ليْثَ العَرينَةِ فانتحى
ولمّا اجتباه والملائكُ جُندهُ / لمَهلكهم دارت على قُطبها الرّحى
فقلّدهَا جَمَّ السياسةِ مِدرهاً / إذا شاء رام القصْدَ أو قال أفصَحا
نحاهم به أمضى من السيف وَقعُه / وأجزَلَ من أركان رَضوى وأرجحا
وقد نَصَحَتْ قُوّادُه غيرَ أنّني / رأيتُ ربيبَ المُلكِ للملكِ أنصَحا
رآه أميرُ المؤمنين كعهدِهِ / تشبُّ لَظى الهيجاء ألفَحَ ألفَحا
رَمى بك قارونَ المغاربِ عاتياً / وفرعونَها مستحيياً ومذبِّحا
ورامَ جِماحاً والكتائبُ حَولَه / فوافاكَ في ظلّ السُّرادق أجمَحا
فلمّا اطلَخَمّ الأمرُ أخفَتَ زأرَه / فمجمج تعريضاً وقد كان صرّحا
مُرَدِّدُ جأشٍ في التراقي فضَحتَه / وكانتْ له أُمُّ المنيّةِ أفضَحا
ومُطّرِحُ الآراءِ ما كَرّ طَرفَه / ولا ارتدّ حتى عادَ شِلْواً مُطرَّحا
فلم يُدْعَ إرناناً ولا اصْطفَقَتْ له / حلائلُه في مأتَمِ النَّوح نُوَّحا
وغُودِرَ في أشياعهِ نَبأً وقدْ / مَحوْتَ به رسمَ الدّلالة فامّحى
وأدركتَ سُولاً في ابن واسول عَنوةً / وَزَحزَحتَ منه يذبُلاً فتزَحزَحا
وإلا أبنْه في العُصاةِ فإنّني / أرى شارباً منهم يميل مُرَنَّحا
يموت ويَحْيا بينَ راجٍ وآيسٍ / فكانَ له الهُلْكُ المُواشكُ أرْوَحا
تضَمّنَه حَجْلٌ كلَبّة أرقَمٍ / إذا خَرِسَ الحادي ترَنّمَ مُفصِحا
أُريكَ بمرآةِ الإمَامَةِ كاسْمها / على كُورِ عَنْسِ والإمامَ المرشَّحا
وقد سَلَبَتْه الزّاعبيّةُ ما ادّعى / فأصْبحَ تِنّيناً وأمسَى ذُرَحْرَحا
فما خطبهُ شاهَتْ وجوه دُعاتهِ / وجُدّعَ من مأفون رأيٍ وقُبّحا
وكان الجذاميُّ الطويلُ نجادُه / بهيماً مَدى أعصارِهِ فتوضّحا
عَجِلتَ له بَطشاً وإنّ وراءه / لَخَرْقاً من البيد المرَوراتِ أفيحا
مُعاشِرُ حربٍ يحلب الدهرَ أشطُراً / فلم يتّرِكْ سَعْياً ولم يأتِ مَنجَحا
أقولُ له في موثَقِ الأسرِ عاتباً / تُجاذبُه الأغلالُ والقيدُ مُقْمَحا
لئن حَمَلَتْ أشياعُ بغْيكَ فادحاً / يغولُ لقد حُمّلتَ ما كان أفدحا
ولا كابنه أذكى شهاباً بمعركٍ / وأجمحَ في ثِنْي العنانِ وأطمحا
مَرَت لك في الهيجاء ماءَ شبابهِ / يدٌ فَجّرَتْ منه جداولَ سُيَّحا
وأثكَلْتَه منه القضيبَ تهَصّرَتْ / أعاليه والرّوْضُ المُفوَّفُ صُوّحا
لَعَمري لَئنْ ألحقتَهُ أهلَ ودّه / لقد كان أوحاهم إلى مأزِقِ الرّحى
وكم هاجعٍ ليلَ البَياتِ اهتَبَلتَه / فصَبّحتَه كأسَ المنيّةِ مُصْبِحا
وهدّمْتَ ما شادَ العِنادُ وقد رَسَتْ / أواخِيهِ في تلك الهَزاهزِ رُجَّحا
على حينَ ضَجّ الأفقُ من شُرفاتهِ / وأعنانِهِ حتى هَوَتْ فتَفَسّحا
وقد كان باباً مُرْتَجاً دونَ جَنّةٍ / فلمّا دَنَتْ تلك اليمينُ تَفتَّحا
ليالي حُروبٍ كُنّ شُهْباً ثَواقباً / لها شُعَلٌ كانتْ سَمائمَ لُفَّحا
رأى ابنُ أبي سفيانَ فيها رشادَه / وعَفّى على إثْرِ الفسادِ وأصْلحا
دَعاكَ إلى تأمينهِ فأجَبْتَه / ولو لم تَدارَكْه بعارفةٍ طَحا
وفي آلِ موسى قد شنَنتَ وقائعاً / أهَبْتَ لهم تلك الزّعازع لُقَّحا
فلمّا رأوا أنْ لا مفَرّ لهارِبٍ / وأبدَتْ لهم أُمُّ المنيّة مَكلَحا
وأكدى عليهم زاخرُ اليمّ مَعبراً / وضاقَ عليهم جانبُ الأرضِ مسرَحا
صَفحتَ عن الجانينَ مَنّاً ورأفةً / وكنتَ حريّاً أن تَمُنّ وتَصفحا
وقد أزمعوا عن ذلكَ السِّيفِ رِحْلَةً / فملّكْتَ أَولاهمْ عِناناً مُسرَّحا
وكان مَشيدُ الحصْنِ هَضْبَ مُتالعٍ / فغادَرْتَه سَهْباً بتَيْماءَ صَحصَحا
قضى ما قضى منه البَوارُ فلم يُقَلْ / نعمتَ ولا حُيّيتَ مُمسىً ومُصْبَحا
معالِمُ لا يُنْدَبنَ آوِنَةً ولا / تنوحُ حمامُ الأيك فيهنّ صُدَّحا
وكانوا وكانَتْ فترةٌ جَاهِليّةٌ / فقد نَهّجَ اللّهُ السبيلَ وأوضَحا
لأفلحَ منهم مَن تزكّى وقادَهُ / حوارِيُّ أملاكٍ تَزكّى وأفلحا
حلفتُ بمستَنّ البِطاحِ أليّةً / وبالركن والغادي عليه مُمسِّحا
لَرُدّوا إلى الآياتِ مُعجِزةً فلو / لمستَ الحصى فيهم بكفّيكَ سَبّحا
سرى وجناحُ الليلِ أقتمُ أفتَخُ
سرى وجناحُ الليلِ أقتمُ أفتَخُ / ضجيعُ مِهادٍ بالعبيرِ مُضَمَّخُ
فحيّيْتُ مُزْوَرَّ الخَيالِ كأنّه / مُحَجَّبُ أعلى قُبّةِ المَلْكِ أبلخُ
وما راعَ ذاتَ الدَّلّ إلاّ مُعَرَّسي / ومُلْقى نِجادي والجُلالُ المنوَّخُ
وخِرقٌ له في لِبْدَةِ الليْثِ مَرتعٌ / وفي لهواتِ الأرقمِ الصَّلِ مَرسَخُ
إذا زارها انحطّتْ عُقابُ مَنيّةٍ / وليسَ لها إلاّ الجَماجِمُ أفرُخُ
يَحِلُّ على الأمْواهِ تُتْلَعُ دونَها / رؤوسُ العوالي والمذاكي فتُشدخُ
بحيث مَجَرُّ الجيش وهوَ عَرَمْرَمٌ / وأجْبُلُه من قَسطلٍ وهيَ شُمَّخُ
بَميْثاءَ تَروي المسكَ بالخمرِ كلما / تَسلسَلَ فيها جَدولٌ يتنضّحُ
بها أُرْجُوانِيُّ الشقيقِ كأنّه / خُدورٌ تُدَمّى أو نحورٌ تُلَخْلَخ
لئن كان هذا الحسنُ يُعجَمُ أسطُراً / لأنْتِ التي تُمْلينَ والبدرُ يَنسَخ
ثكلْتُكِ شَمْساً من وَرَاء غَمامَةٍ / وجَنّةَ خُلْدٍ دونَها حالَ بَرزَخ
فإنْ تسأليني عن غليلٍ عَهِدتِهِ / فكالجمرِ في خَدّيْكِ لا يتبوّخ
ألا لا تُنَهْنِهْني الخطوبُ بحادثٍ / فلي همّةٌ تَبري الخطوبَ وتَنتِخ
فلا تَشْمَخِ الدّنْيا عليّ بقَدْرِها / فإنّي بأيام المُعزّ لأَشمَخ
يؤيّدهُ المقدارُ بالِغَ أمْرِهِ / ويُمْدَحُ بالسَّبْع المَثاني ويُمدَخ
فمَهْلاً عِداه ما على اللّه مَعْتَبٌ / وليس لما يأتي به الوَحيُ مَنسَخُ
لكَ الأرضُ دونَ الوارثينَ وإنما / دعَوتَ الورى فيها عُفاةً فبخبَخوا
أشَبْتَ قُرونَ المُلكِ قبلَ مشيبهِ / فأرضاكَ منه أشْيَبُ الحلم أشيَخ
تَفَرّدتَ بالآراءِ لا يومُها غَدٌ / ولا سُرُجُ الآياتِ فيهنّ بُوَّخ
وليس ظِهارٌ يحجُبُ الغيبَ دونَها / ولكنّها قدسيّةٌ فيه تَرسُخ
على الشمس دون البدر منها أسرّةٌ / وفي يَذْبُلٍ منها شَماريخُ بُذَّخ
وقد وفَد الأسطولُ والبحرُ طالبَيْ / ندى مُزْمعي هيجاءَ هذا لذا أخ
كما التَهَبَتْ في ناظرِ البرقِ شُعلةٌ / تلَقّى سَناها من فمِ الرّيح مَنفَخ
لديكَ جنودُ اللّهِ غضْبَى على العِدى / لها منكَ في الجندِ الرُّبوبيّ مُصرِخ
فلو أنّ بحراً يَلتَهِمنَ عُبابَه / لمَرّ نُفاثاً بينَها يتسَوّخ
ترى الفجرَ منها تحتَ ليلٍ مُسبَّجٍ / كأنّ حداداً فيه بالنِّقْسِ يُلطَخ
لها لَجَبٌ يستجفلُ المزنَ صَعقُه / ويقْرَعُ سمعَ الرّعدِ زأراً فيصمخ
زئيرُ ليوثٍ مُدّ في لهَواتها / وهَدْرُ قُرومٍ في الشقاشق بخبخوا
نَضوا كلّ لَفْحٍ من غِرارِ مهنّدٍ / هو الجَمرُ إلاّ أنّه ليس يُنفَخ
يَشُقُّ جُيوبَ الغِمْدِ عنه اتقادُه / وللحيّةِ الرّقشاءِ في القيظ مَسلخ
إلى كُلّ عَرّاصِ الكُعوب كأنّه / نَوَى القَسْبِ إلاّ أنه ليس يُرضَخ
بكلّ ثِقافٍ من عواليكَ مَدعَسٌ / وفي كلّ سِمحاقٍ من الرأس مَشدَخ
لقد سارتِ الرُّكْبانُ بالنّبَإِ الذي / يَشيبُ له طفلٌ وينصاتُ أجْلخ
وضَجّتْ له الأصنامُ إن ضَجيجَها / صَدىً من بني مروان حرّان يَصرخ
بني هاشمٍ هل غَيرُ عَصْرٍ مُذَلَّلٍ / لَياليهِ أقْتابٌ عليها وأشْرُخ
أتيتم وراء الهول فاليمّ مَشرَعٌ / وقرَّبتمُ الآفاق فالأرض فرسخ
وكنتُمْ إذا ما ماجَ عُثنونُ قسطلٍ / كما اغبرّ مجهولُ المخارِم سَرْبَخ
قَرَيتُمْ سباعَ الأرض في كل معركٍ / كأنّ القنا فيه طُهاةٌ وطُبَّخ
وقُدتُمْ إلَيْها كُلَّ ذي جَبَريّةٍ / على المُقرَباتِ الجُرْد تَبأى وتبذخ
من الطالباتِ البرْقَ لا الشأو مُرهَقٌ / ولا العِطف مجنوب ولا الرِّدف أبزخُ
إذا شَدَخَتْه مَشْقَةٌ أنّ مُوقَذاً / حَسيراً كما أنّ الأميمُ المُشدَّخ
كثيرُ جِهاتِ الحسنِ تَهمي جداولاً / ولكنّها بين المحاجر ثُوَّخ
يُعَوَّذُ من مكحولةِ الخِشفِ إن بدا / ويُنضَحُ نفْتَ الراقياتِ ويُنْضَخ
فداءٌ لفاديكم من الناس معشرٌ / لَهم رَوعُ دهرٍ منكمُ ليس يُفْرَخ
رجالٌ أضّلوا رائداً وهَدَيتُمُ / وجَلّيتُمُ عنه العَماءَ وطَخطخوا
لعَمري لئن كانت قريشاً بزَعمها / فإنّا وجَدنَا طينةَ المسكِ تَسنَخ
نصَحتَ ملوكَ العُرْبِ والعُجم بالتي / يراها عَمٍ منهم ويسمع أصْلخ
أتدْرونَ أيُّ المَاءِ أكثرُ ساقياً / وأيُّ جبالِ اللّه في الأرضِ أرسخ
هُدىً واعتصاماً قبل تُطمس أوجهٌ / تُشاه بلَعْنِ اللاعنينَ وتُمْسخ
مُعِزُّ الهُدى للّهِ حَوضُ شفاعةٍ / يُسلسَلُ تحتَ العرش رِيّاً ويَنقخ
سقيتَ فلا لبُّ اللبيبِ مُعَطَّشٌ / لديكَ ولا كافورَةُ العهدِ تَسنخ
مُبينٌ بعَقدِ التاج ما أنتَ بالغٌ / وميقاتُ مَلْكِ الخافقَينِ المؤرَّخ
وأينَ بثَغْرٍ عنكَ يُبْغى سِدادُه / وخيلُكَ في كرخيّة الكرخ تُكرخ
وقد عجمَتْ هندَ الملوك وسِندَهَا / ليالٍ تركنَ الفيلَ كالبَكرِ يَقْلخ
لأصْليتَها ناراً هي النّارُ لا التي / تُنَتِّخُ فيها ألفَ عامٍ وتُمْرَخ
فإن يَختطِفْها الدينُ خَطفَةَ بارقٍ / فمنْ أسَدٍ ناتي البراثنِ تُمْلَخ
أآياتُ نَصْرٍ أمْ ملائكُ حُوَّمٌ / وأطرافُ أرضٍ أم سَماءٌ تُدَوَّخ
وما بلغتْكَ البُردُ أنضاءَ نيّةٍ / ولكنّها أرماقُ ريحٍ تَفسَّخ
سَرَينَ فخلّفْنَ النّجومَ كأنّها / هَجائنُ عِيسٍ في المبارِكِ نُوَّح
فقُلْ للخميس الطُّهْرِ إنّ لواءكمْ / نخا نخوةَ النصرِ المُعِزِّيّ فانتَخوا
ألِكْني إليهم والتّنائفُ دونهم / سقَتهم أهاضيبٌ من المُزن نُضَّخ
كهولٌ بنادي السلم قد عقدوا الحُبى / شبابٌ إذا ما ضَجّ في الحيّ صُرَّخ
لَنِعْمَ وُكورُ الدينِ تَدرُجُ بينها / فإنّا رأينا دارجَ الطّيرِ يُفْرِخ
وأخْلِقْ به فالعنزُ تُنتَجُ سَخْلَةً / ويبزلُ نابٌ بعد ذاك ويَشرخ
ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ
ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ / وفي الحَيّ أيْقاظٌ ونحنُ هُجُودُ
وقد أعجَلَ الفَجرُ المُلَمَّعُ خَطَوها / وفي أُخْرَياتِ اللّيلِ منْهُ عَمودُ
سرَتْ عاطلاً غضْبَى على الدُّرّ وحده / فلَم يدرِ نحرٌ ما دَهاه وجِيدُ
فَما برِحتْ إلاّ ومن سِلكِ أدْمُعي / قَلائِدُ في لَبّاتِها وعُقُودُ
وما مُغزِلٌ أدْماءُ دانٍ بَريرُها / تَرَبَّعُ أيْكاً ناعِماً وتَرُودُ
بأحْسَنَ منها حِينَ نَصّتْ سَوالِفاً / تَرُوغُ إلى أتْرابِها وتَحِيدُ
ألَمْ يأتِها أنّا كَبُرْنا عنِ الصِّبَى / وأنّا بَلينا والزّمانُ جَديدُ
فلَيتَ مَشيباً لا يزالُ ولم أقُلْ / بكاظمَةٍ ليتَ الشّبابَ يَعودُ
ولم أرَ مثلي ما له من تجلُّدٍ / ولا كجفوني ما لهنّ جُمودُ
ولا كالليالي ما لَهُنّ مواثِقٌ / ولا كالغواني ما لَهُنّ عُهُود
ولا كالمُعِزّ ابْنِ النبيّ خليفةً / له اللّهُ بالفضلِ المبينِ شَهِيد
وما لسماءٍ أن تُعَدّ نجومُها / إذا عُدّ آباءٌ لهُ وجُدود
فأسيافُهُ تلك العواري نصولُها / إلى اليوم لم تُعْرَفْ لهُنّ غُمود
ومِنْ خَيْلِهِ تلك الجوافِلُ إنّهَا / إلى الآن لم تُحْطَطْ لهُنّ لُبود
فيا أيها الشّانِيهِ خَلْفَكَ صادياً / فإنّكَ عن ذاك المَعِينِ مَذود
لغيرِكَ سُقيا الماء وهو مُرَوَّقٌ / وغيرِك رفُّ الظلّ وهو مَديد
نجاةٌ ولكنْ أينَ منكَ مَرامُها / وحوضٌ ولكن أين منكَ ورود
إمَامٌ لهُ ممّا جهِلتَ حقيقةٌ / وليس لهُ مما علمتَ نَديد
من الخطَلِ المعدودِ أن قيلَ ماجِدٌ / ومادِحُهُ المُثْني عليه مَجِيد
وهل جائزٌ فيهِ عَمِيدٌ سَمَيْذَعٌ / وسائلُهُ ضَخْمُ الدّسيعِ عَمِيد
مدائحُهُ عن كلّ هذا بمَعْزَلٍ / من القولِ إلاّ ما أخَلّ نشيد
ومَعلومُها في كلّ نفسٍ جِبِلّةٌ / بها يَسْتهلّ الطفلُ وهو وليد
أغيرَ الذي قد خُطّ في اللوح أبتغي / مديحاً لهُ إنّي إذاً لَعَنُود
وهل يستوي وحيٌ من اللّه مُنزَلٌ / وقافيةٌ في الغابرينَ شَرُود
ولكن رأيتُ الشعرَ سُنّةَ مَن خَلا / له رَجَزٌ ما ينقضي وقصيد
شكرْتُ وِداداً أنّ منكَ سَجيّةً / تَقَبّلُ شُكرَ العبدِ وهو وَدود
فإنْ يكُ تقصيرٌ فمني وإنْ أقُلْ / سَداداً فمرْمَى القائلين سديد
وإنّ الذي سَمّاكَ خيرَ خليفَةٍ / لَمُجري القضاءِ الحتمَ حيث تريد
لكَ البَرُّ والبحرُ العظيمُ عُبابُهُ / فسِيّانِ أغمارٌ تُخاضُ وبِيد
أمَا والجواري المنشَآتِ التي سَرت / لقد ظاهَرَتْها عُدّةٌ وعَديد
قِبابٌ كما تُزْجَى القبابُ على المَها / ولكنّ مَنْ ضَمّتْ عليه أُسود
وللّهِ ممّا لا يرون كتائبٌ / مُسَوَّمَةٌ تَحْدُو بهَا وجنُود
أطاعَ لها أنّ الملائكَ خلفَها / كما وقَفَتْ خلْفَ الصّفوفِ ردود
وأنّ الرّياحَ الذارياتِ كتائبٌ / وأنّ النجومَ الطّالعاتِ سُعود
وما راعَ مَلْكَ الرّوم إلاّ اطّلاعُها / تُنَشَّرُ أعْلامٌ لها وبنُود
عَلَيْها غَمامٌ مُكْفَهِرٌّ صَبيرُه / لهُ بارقاتٌ جَمّةٌ ورُعود
مَواخرُ في طامي العُباب كأنّهُ / لعَزْمكَ بأسٌ أو لكفّك جود
أنافَتْ بها أعلامُها وسَما لها / بناءٌ على غيرِ العَراء مَشيد
وليسَ بأعلى كبْكَبٍ وهو شاهقٌ / وليس من الصُّفّاحِ وهو صَلود
من الرّاسياتِ الشُّمّ لولا انتقالُها / فمنها قِنَانٌ شُمَّخٌ ورُيود
من الطّيرِ إلاّ أنّهُنّ جَوارِحٌ / فليسَ لها إلاّ النفوسُ مَصيد
من القادحاتِ النّارَ تُضْرَمُ للطُّلى / فليس لها يومَ اللّقاء خُمود
إذا زَفَرَتْ غَيظاً ترَامَتْ بمارجٍ / كما شُبّ من نَارِ الجحيمِ وقُود
فأنفاسُهُنّ الحامياتُ صَواعقٌ / وأفواهُهُنّ الزافراتُ حَديد
تُشَبُّ لآلِ الجاثليقِ سَعيرُهَا / وما هيَ منْ آل الطريدِ بعيد
لها شُعَلٌ فوقَ الغِمارِ كأنّها / دِماءٌ تَلَقّتْها ملاحفُ سود
تُعانِقُ موجَ البحرِ حتى كأنّهُ / سَليطٌ لها فيه الذُّبالُ عَتيد
ترى الماءَ منْها وهو قانٍ عُبابُهُ / كما باشَرَتْ رَدْعَ الخَلوق جُلود
وغيرُ المذاكي نَجْرُها غيرَ أنّهَا / مُسوَّمَةٌ تحتَ الفوارسِ قُود
فليس لها إلاّ الرّياحَ أعِنّةٌ / وليسَ لها إلاّ الحَبابَ كَديد
ترى كلَّ قَوداءِ التليلِ كما انثنَتْ / سَوالِفُ غِيدٌ للمَها وقُدود
رحيبةُ مَدّ الباعِ وهي نَتيجةٌ / بغيرِ شَوىً عذراءُ وهيَ وَلود
تكبّرْنَ عن نَقْعٍ يُثارُ كأنّها / مَوالٍ وجُردُ الصافِناتِ عبيد
لها من شُفوفِ العبقريّ ملابِسٌ / مُفوَّفَةٌ فيها النُّضارُ جَسيد
كما اشتملتْ فوق الأرائكِ خُرَّدٌ / أوِ التَفَعَتْ فوقَ المنابرِ صِيد
لَبوسٌ تكفُّ الموجَ وهو غُطامِطٌ / وتَدْرَأُ بأسَ اليَمّ وهو شديد
فمنها دُروعٌ فوقها وجَواشنٌ / ومنها خفاتينٌ لها وبُرود
ألا في سبيلِ اللّهِ تَبْذُلُ كلَّ مَا / تَضِنُّ به الأنواءُ وهْيَ جُمود
فلا غَرْوَ أنْ أعزَزْتَ دينَ محمّدٍ / فأنْتَ لهُ دونَ الأنامِ عقيد
وباسمِكَ تدعوهُ الأعادي فإنْهُمْ / يُقِرّونَ حَتْماً والمُرادُ جُحود
غَضِبتَ له أن ثُلّ بالشامِ عرشُهُ / وعادَكَ من ذكر العواصم عِيد
فبِتَّ له دونَ الأنام مُسَهَّداً / ونامَ طَليقٌ خائنٌ وطريد
برَغْمِهِمُ أن أيّدَ الحَقَّ أهلُهُ / وأن باءَ بالفعلِ الحميدِ حميد
فللوحْي منهمْ جاحِدٌ ومكذِّبٌ / وللدينِ منهُمْ كاشِحٌ وعَنود
وما سرّهم ما ساءَ أبناءَ قَيصرٍ / وتلك تِراتٌ لم تزَلْ وحُقود
هُمُ بَعُدُوا عنهم على قُرْبِ دارِهم / وجَحْفَلُكَ الدّاني وأنتَ بَعيد
وقلتُ أناسٍ ذا الدمستقُ شكرَهُ / إذا جاءهُ بالعفْوِ منكَ بَريد
وتقبيلَهُ التُّربَ الذي فوقَ خدّهِ / إلى ذِفْرَيَيْهِ من ثَراه صَعيد
تُناجيكَ عنه الكُتْبُ وهي ضراعَةٌ / ويأتيك عنه القولُ وهو سُجود
إذا أنكرتْ فيها التراجِمُ لفظَهُ / فأدمُعُهُ بينَ السّطورِ شُهود
لياليَ تَقفو الرُّسْلَ رُسْلٌ خواضعٌ / ويأتيكَ من بعد الوفود وفود
وما دَلَفَتْ إلاّ الهُمومُ وراءَهُ / وإنْ قال قومٌ إنّهُنّ حُشود
ولكن رأى ذُلاًّ فهانَتْ مَنِيّةٌ / وجَرّبَ خُطباناً فلَذّ هَبيد
وعرّضَ يَسْتجدي الحِمامَ لنفسِهِ / وبعضُ حِمامِ المُستريح خُلود
فإنْ هَزّ أسيافَ الهِرَقْلِ فإنّهَا / إذا شِئْتَ أغلالٌ له وقيودُ
أفي النومِ يستامُ الوغى ويشُبُّهَا / ففيمَ إذاً يلقَى القَنا فيحيد
ويُعْطي الجِزا والسلمَ عن يدِ صاغرٍ / ويقضي وصدرُ الرّمحِ فيه قصيد
يُقَرِّبُ قُرْباناً على وَجَلٍ فإنْ / تَقَبّلْتَهُ مِنْ مِثْلِهِ فسِعيد
أليسَ عجيباً أنْ دعاكَ إلى الوغى / كما حَرّضَ الليثَ المُزَعْفَرَ سِيدُ
ويا رُبّ منْ تُعلِيهِ وهو مُنافِسٌ / وتُسْدي إليه العُرْفَ وهو كَنود
فإنْ لم تكنْ إلاّ الغوايةُ وحدها / فإنّ غِرارَ المَشرفيّ رَشيد
كذا بكَ عَزمٌ للخطوبِ مُوكَّلٌ / علهيم وسيفٌ للنفوس مُبيد
إذا هَجروا الأوطانَ رَدّهُمُ إلى / مصارِعِهِم أن ليس عنك مَحِيد
وإنْ لم يكُنْ إلاّ الدّيارُ ورُعْتَهُمْ / فتلكَ نَواويسٌ لهم ولُحُود
ألا هل أتاهُمْ أنّ ثغرَكَ مُوصَدٌ / وليسَ له إلاّ الرماحَ وصِيد
وليسَ سواءً في طريقٍ لسالكٍ / حُدورٌ إلى ما يبتغي وصُعُود
وعزْمُكَ يلقى كلَّ عزْمٍ مُمَلَّكٍ / كما يَتَلاقَى كائدٌ ومَكيد
وفُلكك يلقى الفلكَ في اليمّ من علٍ / كما يتَلاقَى سَيّدٌ ومَسود
فليتَ أبا السبطين والتربُ دونَه / يَرى كيف تُبْدي حكمَه وتُعيد
ومَلْكَكَ ما ضمّتْ عليه تهائمٌ / ومَلْكَكَ ما ضَمّتْ عليه نجود
وأخذَكَ قسراً من بني الأصفر الّذي / تذَبذَبَ كسرى عنه وهو عنيد
إذاً لرأى يُمناك تخضِبُ سيفَهُ / وأنتَ عن الدين الحنيفِ تَذود
شهدتُ لقد أُوتيتَ جامعَ فضْلِهِ / وأنتَ على علمي بذاكَ شَهيد
ولو طُلِبَتْ في الغيثِ منكَ سجيّةٌ / لقد عَزّ موجودٌ وعزّ وُجود
إليك يفِرُّ المسلِمونَ بأسرِهِمْ / وقد وُتِروا وتْراً وأنتَ مُقيد
وإنّ أميرَ المؤمنينَ كعهدِهِمْ / وعندَ أمير المؤمنينَ مزيد
بلى هذه تَيماءُ والأبْلَقُ الفَرْدُ
بلى هذه تَيماءُ والأبْلَقُ الفَرْدُ / فسل أجَماتِ الأُسْد ما فعل الأُسْدُ
يقولونَ هل جاءَ العراقَ نذيرُها / فقلتُ لهم ما قالتِ العِيس والوَخد
أصيخوا فما هذا الذي أنا سامعٌ / برَعدٍ ولكن قَعقَعَ الحَلَقُ السَّرد
تؤمُّ أميرَ المؤمنين طوالعاً / عليه طلوعَ الشمس يقدمُها السَّعد
فتوحاتُ ما بينَ السماءِ وأرضِها / لها عند يومِ الفخرِ ألسنةٌ لُدُّ
سيَعْبَقُ في ثوبِ الخليفةِ طيبُهَا / وما نَمّ كافورٌ عليه ولا نَدُّ
وتُعْقَدُ إكْليلاً على رأس مَلْكِهِ / وتُنْظَمُ فيه مثلَ ما نُظمَ العِقد
حَروريَّةٌ ما كبّرَ اللّهَ خاطبٌ / عليها ولا حَيّا بها مَلِكاً وفْد
وكانت هيَ العجماءَ حتى احْتبى بها / ملوكُ بني قحطانَ والشِّعرُ والمجد
لذاكَ تراها اليومَ آنَسَ من مِنىً / وأفْيَحَ من نَجدٍ وما وصلتْ نجْد
وما رُكزَتْ في جوّها قبلك القَنا / ولا ركَضَتْ فيها المسوَّمةُ الجُرد
ولا التمعتْ فيها القِبابُ ولا التقَتْ / بها لَأْمَةٌ سَرْدٌ وقافيةٌ شَرْد
رَفَعْتَ عليها بالسُّرادقِ مثلَها / وجلَّلْتَها نوراً وساحاتُها رُبْد
يقابلُ منكَ الدّهرُ فيها شبيهَ مَا / يقابل من شمس الضُّحى الأعين الرُّمد
مَباءةُ هذا الحيِّ من جنِّ عبقَرٍ / فليس لها بالإنْسِ في سالفٍ عهد
تذوبُ لقُرْبِ الماءِ لولا جَمادُها / وتُحرق فيها الشمس لولا الصفا الصَّلد
معَ الفَلك الدَّوّار لا هي كوكبٌ / ولا هي مما يُشْبهُ الرَّيدُ والفِند
ولولا الهُمامُ المعتلي لتعذَّرتْ / على أبطُنِ الحيّاتِ أقطارُها المُلد
وأعْيَت فلم يَحمِلْ بها بَزَّ فارسٍ / حِصانٌ ولم يثبُتْ على ظهرِها لِبد
ولمّا تجَلّى جعْفَرٌ صَعِقتْ لَهُ / وأقبلَ منها طورُ سَيناءَ يَنهدُّ
شَهِدتُ له أنّ الملائكَ حولَهُ / مُسوَّمَةٌ واللّهُ من خلفِهِ رِدُّ
أقَمْنَا فمنْ فُرسانِنا خُطباؤنا / ومنبرُنا من بِيض ما تطبعُ الهِنْد
ولو لم يقُمْ فيها بحمدِكَ خاطبٌ / علينا وفينا قامَ يخطُبُنا الحَمد
على حين لم يُرْفَعْ بها لخليفةٍ / مَنارٌ ولم يَشدُدْ بها عُرْوَةً عَقْدُ
وكانت شجاً للمُلكِ سِتّينَ حِجّةً / وما طيبُ وَصْلٍ لم يكنْ قبلَه صَدُّ
بها النارُ نار الكفرِ شُبَّ ضِرامُها / ولو حُجبَت في الزَّنْدِ لاحترقَ الزَّند
فمن جَمْرَةٍ قد أُطفئَتْ مَخْلديّةٍ / وأُخرى لها بالزّابِ مذ زمَنٍ وَقْد
رأتْ هاشمٌ من تلك ما قد بدا لها / وفي هذه مَكنُونُ ما لم يكن يبدو
وعادَ لها الدّاءُ القديمُ فأصبحتْ / بها نافِضٌ منه وليس بها وِرْد
وكُفَّ على بحرٍ إلى اليوم موجُهُ / فليس له جَزْرٌ وليس له مَدُّ
وعادتْ بهم حرب الأزارق لاقِحاً / وإن لم يكن فيها المُهَلَّبُ والأزد
حوادثُ غُلْبٌ في لُؤيِّ بنِ غالِبٍ / وخَطْبٌ لعَمرُ اللّه في أُدَدٍ إدُّ
أطافت بخِرْقٍ يَسبِقُ القولَ فعلُهُ / فليس ليوميه وعيدٌ ولا وعد
فليس له من غير طِرفٍ أريكةٌ / وليس له من غير سابغةٍ بُرْد
فتىً يشجعُ الرِّعديدُ من ذكر بأسه / ويشرُفُ من تأميله الرجلُ الوَغد
ولمّا اكفهَرَّ الأمْرُ أعجَلتَ أمرَهَا / فألقَتْ وَليدَ الكفر وهي له مَهْد
أخَذْتَ على الأعداء كلَّ ثنيَّةٍ / وأعقبتَ جُنداً واطئاً ذيلَه جُند
كأنَّ لهمْ من حادث الدهرِ سائِقاً / يسوقُهُمُ أو حادياً بهمُ يحدو
كأنّك وكَّلتَ الغَمامَ بحربهم / فمن عارضٍ يمسي ومنْ عارضٍ يغدو
كأنَّ عليهم منك عَنقاءَ تعتلي / فليس لها من أن تَخَطَّفَهُم بُدُّ
من الصائداتِ الإنسَ بينَ جُفونها / إذا ما جرَتْ بَرْقٌ وفي ريشها رَعد
فلمّا تقنَّصْتَ الضّراغِمَ منهُمُ / فلم يبقَ إلاّ كُسعةٌ خلفهم تعدو
كثيرٌ رزاياهمْ قليلٌ عديدُهم / وكانوا حصى الدهناء جمعاً إذا عُدُّوا
أتَوكَ فلم يُرْدَدْ مُنيبٌ ولم يُبَح / حريمٌ ولم يُخمَش لغانيةٍ خَدُّ
وما عنْ أمانٍ يومَ ذاكَ تَنَزَّلوا / ولكنْ أمانُ العفوِ أدركهُم بَعْد
ألا رُبَّ عانٍ في يديك مُصَفَّدٍ / شكتْ ذِفرَياه القِدَّ حتى اشتكى القِدُّ
بعَيْنَيَّ يومَ العفوِ حتى أعَدْتَه / نشوراً وحتى شُقَّ عن ميَّتٍ لحد
نُهِيتُ عن الإكثار في جعفرٍ ولنْ / يقاسَ بشيءٍ كلُّ شيءٍ لهُ ضِدُّ
إذا كانَ هذا العفْوُ من عزَماتِهِ / ففي أيِّ خطب الدهر يُستغرق الجهد
إذا كان تدبيرُ الخلائِقِ كلِّهَا / له لَعِباً فانظُرْ لمن يُذخَرُ الجِدُّ
فما ظنُّكم لو كان جرَّدَ سيفَهُ / إذا كان هذا بعض ما فَعَل الغِمد
وما كان بِين الجوِّ بالشمس فوقهم / تُكَوَّرُ إلاّ أن يُسَلَّ له حدُّ
لأمرٍ غدتْ في كفِّه الأرضُ قبضَةً / وقرَّبَ قُطْرَيها وبينهما بُعد
وغودِرَ شأوُ السابقينَ لسابقٍ / له مَهيَعٌ من حيثُ لم يعلموا قَصد
ألا عبقرِيُّ الرأي يَفري فَرِيَّه / ألا نَدُسٌ طَبٌّ ألا حازمٌ جَلد
وأحرى بِمنْ أقْيالُ قَحطانَ كلُّها / له خَوَلٌ أنْ لا يكون له نِدُّ
فيا أسَدَ اللّهِ المسَلَّطَ فيهمُ / أتَعْلمُ ما يَلقى بكَ الأسدُ الوَردُ
وللّهِ فيما شئتَ فينَا مشيَّةٌ / فإمّا فَناءٌ مثلَ ما قيل أو خُلد
شهدتُ لقد مُلِّكتَ بالزّاب تَدمُراً / وفُتِّحَ في أيام إقبالكَ السَّدُّ
ومِثلُكَ مَن أرضَى الخليفةَ سعيُهُ / فإن رضيَ المولى فقد نَصَحَ العبد
تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ
تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ / فقُل لبَني العباسِ قد قُضيَ الأمْرُ
وقد جاوزَ الاسكندريّةَ جوهَرٌ / تُطالعُه البُشرَى ويقْدُمُه النَّصْر
وقد أوفَدَتْ مصْرٌ إليه وفُودَهَا / وزِيدَ إلى المعقود من جِسرِها جسر
فما جاء هذا اليومُ إلاّ وقد غدَتْ / وأيديكُمُ منها ومِنْ غَيرِها صفْر
فلا تُكثِروا ذكرَ الزمان الذي خلا / فذلك عصْرٌ قدْ تَقَضّى وذا عَصْر
أفي الجيش كنتمْ تمْترونَ رُويدكمْ / فهذا القنا العرّاصُ والجحفلُ المَجْر
وقد أشرَفَتْ خيلُ الإله طوالِعاً / على الدين والدنيا كما طَلَعَ الفجر
وذا ابنُ نبيِّ اللّه يطلُبُ وِتْرَهُ / وكانَ حَرٍ أن لا يضيعَ له وِتر
ذَرُوا الوِرْدَ في ماء الفُراتِ لخيلِهِ / فلا الضَّحلُ منه تمنعون ولا الغَمر
أفي الشمس شكٌّ أنها الشمسُ بعدما / تجلَّتْ عِياناً ليس من دونها سِتر
وما هي إلاّ آيةٌ بعْد آيةٍ / ونُذْرٌ لكم إن كان يغنيكم النُّذر
فكونوا حصيداً خامدينَ أوِ ارعَوُوا / إلى مَلِكٍ في كفِّه الموتُ والنشر
أطِيعوا إماماً للأئمّةِ فاضِلاً / كما كانتِ الأعمالُ يَفضُلُها البِرُّ
رِدُوا ساقياً لا تَنزِفونَ حِياضَهُ / جَموماً كما لا تَنزِفُ الأبحُرَ الذَّرُّ
فإن تتبعوه فهو مولاكمُ الّذي / له برسولِ اللّه دونكمُ الفخر
وإلاّ فبعُداً للْبَعِيدِ فبينَهُ / وبينكُمُ ما لا يُقرِّبُهُ الدّهر
أفي ابنِ أبي السِّبْطَينِ أم في طليقكم / تنَزَّلَتِ الآياتُ والسُّوَرُ الغُرُّ
بَني نَتْلَةٍ ما أورَثَ اللّهُ نَتْلَةً / وما نسَلَتْ هل يستوي العبدُ والحُرُّ
وأنّى بهذا وهي أعْدَتْ برِقِّهَا / أباكم فإياكم ودعوىً هي الكُفر
ذرُوا الناسَ رُدُّوهم إلى من يَسوسهم / فما لكمُ في الأمرِ عُرْفٌ ولا نُكْرُ
أسَرْتُمْ قُروماً بالعراق أعِزَّةً / فقد فُكَّ من أعناقهم ذلك الأسر
وقد بزَّكم أيامَكُم عُصَبُ الهُدى / وأنصارُ دينِ اللّهِ والبِيضُ والسُّمر
ومُقْتَبَلٌ أيامُه متهلِّلٌ / إليه الشبابُ الغَضُّ والزَّمنُ النَّضر
أدارَ كما شاءَ الوَرَى وتحيَّزَتْ / على السّبعةِ الأفلاكِ أنمُلُه العَشر
أتدرونَ مَن أزكى البريّةِ منَصِباً / وأفضلُها إنْ عُدِّدَ البدْوُ والحضْر
تَعالَوا إلى حُكّام كلِّ قَبيلةٍ / ففي الأرض أقيالٌ وأنْديةٌ زُهْر
ولا تَعْدِلوا بالصِيدِ من آلِ هاشمٍ / ولا تتْرُكوا فِهرْاً وما جمعَتْ فِهْر
فجيئوا بمن ضَمَّتْ لُؤيُّ بن غالبٍ / وجيئوا بمن أدتْ كِنانَةُ والنَّضْر
ولا تَذَرُوا عليا مَعَدٍّ وغيرِهَا / لِيُعْرَفَ منكم مَن له الحقُّ والأمر
ومن عجَبٍ أنَّ اللسانَ جرَى لهمْ / بذكرٍ على حين انقضَوا وانقضى الذكر
فبادُوا وعفّى اللّهُ آثارَ مُلكِهِمْ / فلا خَبَرٌ يلقاكَ عنهمْ ولا خُبْر
ألا تِلكمُ الأرضُ العريضةُ أصحبتْ / وما لبني العبّاس في عرضِها فِتر
فقد دالتِ الدنيا لآل محمّدٍ / وقد جرَّرت أذيالَها الدولةُ البِكر
ورَدَّ حقوقَ الطالبيّينَ مَن زكَتْ / صنائعُه في آلهِ وزكا الذُّخر
مُعِزُّ الهُدَى والدين والرَحِمِ التي / به اتَّصَلتْ أسبابُها ولهُ الشُّكْر
مَنِ انتاشَهُم في كلِّ شرقٍ ومَغربٍ / فبُدّلَ أمْناً ذلك الخوْفُ والذُّعْرُ
فكُلُّ إمَامِيٍّ يجيءُ كأنّمَا / على يدِهِ الشِّعْرَى وفي وجهه البدر
ولمّا تولّتْ دولةُ النُّصْبِ عنهمُ / تولّى العمى والجهلُ واللؤمُ والغدرُ
حقوقٌ أتَتْ من دوِنها أعصُرٌ خلتْ / فما ردَّهَا دَهْرٌ عليهم ولا عصر
فجرَّدَ ذو التّاج المقاديرَ دونها / كما جُرِّدتْ بِيضٌ مضاربُها حُمرُ
فأنْقَذَهَا من بُرْثُنِ الدّهرِ بعدما / تَواكَلَها القِرْسُ المُنَيَّب والهصرُ
فأجرْى على ما أنْزَلَ اللهُ قَسْمَها / فلم يُتَخَرَّمْ منهُ قُلٌّ ولا كُثْر
فدونكموها أهلَ بيتِ محمدٍ / صَفَتْ بمُعِزّ الدين جمّاتُها الكُدر
فقد صارتِ الدنيا إليكم مصيرَها / وصار له الحمدُ المضاعَفُ والشكر
إمامٌ رأيْتُ الدِّينَ مُرْتَبِطاً بِهِ / فطاعتُهُ فوزٌ وعِصْيانُهُ خُسْر
أرى مدحَهُ كالمدح للهِ إنّهُ / قُنوتٌ وتسبيحٌ يُحَطُّ به الوِزر
هو الوارثُ الدُّنيا ومن خُلقتْ لهُ / من الناس حتى يلتقي القُطرُ والقُطر
وما جهِلَ المنصورُ في المهدِ فضلَهُ / وقد لاحتِ الأعلامُ والسِّمَةُ البَهر
رأى أن سيُسْمَى مالكَ الأرض كلها / فلمّا رآهُ قال ذا الصَّمَدُ الوَتْر
وما ذاكَ أخذاً بالفِراسة وَحدَها / ولا أنّه فيها إلى الظنِّ مضطَرُّ
ولكنًّ موجوداً من الأثَر الذي / تَلقَّاهُ من حِبرٍ ضَنينٍ به حِبْر
وكنزاً من العِلم الرُّبوبيِّ إنّهُ / هو العلمُ حقّاً لا القِيافةُ والزَّجْر
فبشر به البيتَ المحرَّمَ عاجِلاً / إذا أوجفَ التطوافُ بالناس والنَّفر
وها فكأنْ قد زارَهُ وتَجانَفَتْ / به عن قصور المُلك طَيْبةُ والسُّرُّ
هل البيتُ بيتُ اللهِ إلاّ حريمُهُ / وهل لغريبِ الدار عن دارِه صَبر
منازلُهُ الأولى اللَّواتي يشُقْنَهُ / فليس له عنهُنَّ معْدىً ولا قصْر
وحيثُ تلَقّى جدُّهُ القدسَ وانتحَتْ / له كلماتُ اللهِ والسرُّ والجَهرُ
فإن يَتَمَنَّ البيتُ تلك فقد دَنَتْ / مواقيتُها والعُسرُ من بعدهِ اليُسر
وإن حَنَّ من شوْقٍ إليكَ فإنّهُ / لَيوجَدُ من رَيّاكَ في جوِّه نَشْر
ألستَ ابنَ بانيهِ فلو جئتَهُ انجَلَتْ / غواشيه وابيضَّتْ مناسكهُ الغُبْر
حبيبٌ إلى بطحاءِ مكّةَ موسِمٌ / تُحيّي مَعَدّاً فيه مكّةُ والحِجْر
هناك تُضيءُ الأرضُ نوراً وتلتقي / دُنُوّاً فلا يَستبعِدِ السَّفَرَ السَّفْر
وتدري فُروضَ الحجِّ من نافِلاتِهِ / ويمتازُ عندَ الأمَّةِ الخَيرُ والشرُّ
شهِدتُ لقد أعززتَ ذا الدينَ عزَّةً / خَشِيتُ لها أن يَستبِدَّ به الكِبْر
فأمضَيتَ عَزماً ليس يَعصيك بعدَه / من الناس إلاّ جاهلٌ بك مغترُّ
أُهنّيكَ بالفتْحِ الذي أنا ناظِرٌ / إليه بعَينٍ ليسَ يُغمِضُها الكفْر
فلم يَبقَ إلا البُردُ تَتْرَى وما نأى / عليكَ مدىً أقصى مواعيده شَهر
وما ضَرَّ مصراً حينَ ألقَتْ قِيادَهَا / إليكَ أمَدَّ النّيلُ أم غالَهُ جَزْر
وقد حُبِّرَتْ فيها لك الخُطَبُ التي / بدائعُها نَظْمٌ وألفاظُها نَشْر
فلم يُهَرَقْ فيها لذي ذمَّةٍ دمٌ / حرامٌ ولم يُحمَلْ على مسلِمٍ إصْر
غدا جوهرٌ فيها غمامةَ رحمَةٍ / يَقي جانبَيها كلَّ حادثةٍ تَعْرُو
كأنّي به قد سارَ في الناس سيرةً / تَوَدُّ لها بغْدادُ لو أنّها مِصْر
وتحسُدُهَا فيه المشارقُ أنّهُ / سواءٌ إذا ما حلَّ في الأرض والقَطر
ومن أين تَعْدوهُ سياسةُ مثلِها / وقد قُلِّصَتْ في الحربِ عن ساقِه الإزر
وثُقِّفَ ثَثْقيفَ الرُّدَيْنيِّ قبلَهَا / وما الطِّرْفُ إلاّ أن يُهذِّبَهُ الضُّمر
وليسَ الذي يأتي بأوَّل ما كفى / فشُدَّ به مُلْكٌ وسُدَّ به ثَغر
فما بمداه دون مَجدٍ تَخَلُّفٌ / ولا بخُطاهُ دونَ صالحةٍ بُهْر
سننْتَ له فيهم من العدلِ سُنَّةً / هي الآيةُ المُجْلى ببُرْهَانِها السّحر
على ما خلا من سنَّةِ الوحي إذْ خلا / فأذيالُها تضفو عليهم وتنجّرُّ
وأوصيتَهُ فيهم برِفقكَ مُرْدَفاً / بجودكَ معقوداً به عهدُك البَرُّ
وصاةً كما أوصى بها اللهُ رُسْلَهُ / وليس بأُذنٍ أنت مُسْمِعُها وَقْر
وثنَّيْتَها بالكُتْبِ من كلِّ مُدْرَجٍ / كأنَّ جميعَ الخيرِ في طَيّهِ سَطْر
يقولُ رجالٌ شاهَدوا يوم حكمِهِ / بِذا تُعْمَرُ الدُّنيا ولو أنّها قَفْر
بِذا لا ضِياعٌ حَلَّلوا حُرُماتِهَا / وأقطاعَها فاستُصفيَ السَّهْلُ والوعْر
فحسبُكمُ يا أهلَ مِصرٍ بعَدْلِهِ / دليلاً على العدل الذي عنه يَفترُّ
فذاك بيانٌ واضحٌ عن خليفةٍ / كثيرُ سواهُ عند معروفه نَزْر
رضينا لكُمْ يا أهلَ مِصرٍ بدولَةٍ / أطاعَ لنا في ظلِّها الأمْنُ والوَفْر
لكُمْ أُسْوةٌ فينا قديماً فلم يكنْ / بأحوالنا عنكم خَفاءٌ ولا سَتر
وهل نحنُ إلاّ مَعشَرٌ من عُفاتِهِ / لنا الصافناتُ الجُردُ والعَكَرُ الدَّثْر
فكيْفَ مَوالِيهِ الّذينَ كأنّهُمْ / سَماءٌ على العافينَ أمطارُهَا التِّبْر
لَبِسْنا به أيّامَ دهرٍ كأنّمَا / بها وَسَنٌ أو مالَ مَيلاً بها السُّكْر
فيا مالِكاً هَديُ الملائكِ هَديُهُ / ولكنّ نَجْرَ الأنْبياء له نَجر
ويا رازقاً من كفِّهِ نَشَأ الحَيَا / وإلاّ فمِنْ أسرارِها نَبَعَ البحر
ألا إنّما الأيامُ أيامُكَ الّتي / لك الشَّطرُ من نعمائها ولنا الشَّطر
لك المجد منها يا لك الخيرُ والعُلى / وتَبقى لنا منها الحَلوبةُ والدَّرُّ
لقد جُدْتَ حتى ليس للمالِ طالِبٌ / وأنفقْتَ حتى ما لمُنْفِسَةٍ قَدْر
فليسَ لمن لا يرتقي النجمَ هِمَّةٌ / وليس لمن لا يستفيدُ الغِنى عُذر
وَدِدتُ لجِيلٍ قد تقَدَّمَ عصرُهم / لوِ استأخروا في حَلبة العُمرِ أو كروا
ولو شَهِدوا الأيامَ والعيشُ بعدهم / حدائقُ والآمالُ مونِقَةٌ خُضْر
فلو سَمِعَ التثويبَ مَن كان رِمَّةً / رُفاتاً ولبّى الصوتَ مَن ضَمَّه قَبر
لناديتُ من قد ماتَ حيَّ بدولةٍ / تُقامُ لها الموتى ويُرتَجَعُ العمر
ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا
ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا / وأوردَ عن رأي الإمام وأصدَرا
هديَّةُ مَن أعطى النَّصيحةَ حقّها / وكانَ بما لم يُبصِرِ الناسُ أبصَرا
ألا هكذا فلتُجْلَبِ العِيسُ بُدَّناً / ألا هكذا فلتُجنَبِ الخيلُ ضُمَّرا
مُرَفَّلَةً يسْحبنَ أذيالَ يُمنَةٍ / ويركُضْنَ ديباجاً وَوَشْياً مَحبَّرا
تَراهُنَّ أمثالَ الظباءِ عَواطِياً / لَبِسنَ بِيبَرينَ الربيعَ المُنَوَّرا
يُمَشِّينَ مشيَ الغانياتِ تهادياً / عليهنَّ زِيُّ الغانِياتِ مُشَهَّرا
وجَرَّرنَ أذيالَ الحِسان سوابغاً / فعلَّمْنَ فيهنَّ الحِسانَ تَبختُرا
فلا يَستُرَنَّ الوَشيُ حُسنَ شِياتِها / فيَسْتُرَ أحلى منه في العين منظَرا
تَرى كلَّ مكحول المدامعِ ناظِراً / بمقلةِ أحوى ينفُضُ الضَّأل أحورا
فكمْ قائِلٍ لمّا رآها شوافِناً / أمَا تركوا ظَبياً بتَيماءَ أعفرا
وما خِلتُ أنَّ الروْضَ يختالُ ماشِياً / ولا أن أرَى في أظهُرِ الخيل عَبقرا
غداةَ غدتْ من أبلقٍ ومُجَزَّعٍ / ووردٍ ويَحمومٍ وأصدى وأشقرا
ومن أدرَعٍ قد قُنِّعَ الليلَ حالكاً / على أنّه قد سُرْبلَ الصبحَ مُسفِرا
وأشعلَ ورديٍّ وأصفرَ مُذْهَبٍ / وأدهمَ وضّاحٍ وأشهبَ أقمرا
وذي كُمْتَةٍ قد نازَعَ الخمرَ لونَها / فما تدَّعيهِ الخمرُ إلاّ تنمَّرا
محجَّلَةً غُرّاً وزُهراً نواصعاً / كأنَّ قُباطِيّاً عليها مُنشَّرا
ودُهْماً إذا استقبلْنَ حُوّاً كأنّما / عُلِلنَ إلى الأرساغ مسكاً وعنبرا
يُقِرُّ بعيني أن أرى من صِفاتِها / ولا عجبٌ أن يُعجِبَ العينَ ما تَرى
أرى صُوَراً يستعبدُ النفسَ مثلُها / إذا وجدتْهُ أو رأتْهُ مُصَوَّرا
أُفَكِّهُ منها الطَّرْفَ في كلِّ شاهِدٍ / بأنَّ دليلَ اللّهِ في كلِّ ما برا
فأخلِسُ منها اللحظَ كلَّ مُطَهَّمٍ / ألَذَّ إلى عينِ المُسَهَّدِ مِن كرَى
وكلَّ صَيودِ الإنسِ والوحش ثم لا / يُسائلُ أيٌّ منهُمُ كان أحضَرا
تَوَدُّ البُزاةُ البِيضُ لوْ أنّ قوتَها / عليه ولم تُرْزَقْ جَناحاً ومِنْسَرا
وَوَدَّتْ مهاةُ الرَّمل لو تُركتْ لهُ / فأعطَتْ بأدنَى نظرةٍ منه جُؤذَرا
ألا إنّما تُهدَى إلى خير هاشمٍ / وأفضلِ مَن يَعلو جَواداً ومنبَرا
مَنِ استَنَّ تفضيلَ الجِياد لأهلِها / فأوطأهَا هامَ العِدى والسَّنوَّرا
وجَلَّلَها أسلابَ كلِّ مُنافِقٍ / وكلِّ عنيدٍ قد طغى وتجبَّرا
وقلَّدها الياقوتَ كالجمرِ أحمراً / يُضيءُ سَناهُ والزُّمرُّدَ أخضرا
وقَرَّطَها الدُّرَّ الذي خُلقَتْ لهُ / وِفاقاً وكانتْ منه أسْنى وأخْطرا
فكم نظمِ قُرطٍ كالثُّريّا مُعَلَّقٍ / يزيدُ بها حُسناً إذا ما تمَرمَر
وكم أُذُنٍ من سابحٍ قد غدتْ بهِ / يُناطُ عليها مُلْكُ كِسرى وقيصرا
تحلّى بما يستغرِقُ الدهرَ قيمةً / فتختالُ فيه نخوةً وتكبُّرا
وما ذاك إلاّ أن يُخاضَ بها الرَّدى / فتَنهَشَ تِنّيناً وتَضْغَمَ قَسْوَرا
فطَوراً تُسقّى صافيَ الماءِ أزرقاً / وطَوراً تُسقّى صائكَ الدمِ أحمرا
لذاك ترى هذا النُّضارَ مُرصَّعاً / عليها وذاكَ الأتْحميَّ مُسيَّرا
إذا ما نَسيجُ التِّبرِ أْضحى يُظلُّها / أفاءَ لها منْهُ غماماً كَنَهْوَرا
وأهْلٌ بأنْ تُهْدَى إليه فإنّهُ / كَناها وسمّاها وحَلّى وسَوَّرا
وأسكنَها أعْلى القِبابِ مَقاصِراً / وأحسنَها عاجاً وساجاً ومَرْمَرا
وبَوَّأها من أطَيبِ الأرضِ جَنّةً / وأجرى لها من أعذبِ الماءِ كوثرا
يُجِدُّ لها في كلِّ عامٍ سُرادقاً / ويَبني لها في كلِّ عَلياء مَظهرا
ألا إنّما كانت طلائعُ جوهَرٍ / ببعضِ الهدايا كالعُجالةِ للقِرى
ولو لم يُعجِّلْ بعضَها دون بعضِها / لضاقَ الثَّرى والماءُ طُرْقاً ومعبَرا
أقولُ لِصَحْبي إذ تلقَّيْتُ رُسْلَهُ / وقد غَصَّتِ البيَداءُ خُفّاً ومَنسِرا
وقد مارَت البُزلُ القناعيسُ أجبُلاً / وقد ماجَتِ الجُرْدُ العناجيجُ أبحُرا
فطابَتْ ليَ الأنْباءُ عنهُ كأنّهُ / لَطائمُ إبْلٍ تحملُ المِسكَ أذفَرا
لعَمري لئن زانَ الخلافةَ ناطِقاً / لقد زانَ أيّامَ الحروبِ مُدبِّرا
تَضِجُّ القَنَا منْهُ لمَا جَشَّمَ القَنَا / وتَضْرَعُ منه الخيلُ والليل والسُّرَى
هو الرمحُ فاطعنْ كيفَ شئتَ بصدره / فلن يَسأمَ الهيجا ولن يتكسَّرا
لقد أنجَبَتْ منه الكتائبُ مِدْرَهاً / سريعَ الخُطى للصّالحاتِ مُيسَّرا
وصَرَّفَ منه الملكُ ما شاء صارماً / وسهماً وخَطّيّاً ودِرعاً ومِغفرا
ولم أجدِ الإنسانَ إلاّ ابنَ سعيهِ / فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهِمَّةِ العَلياءِ يُرقى إلى العلى / فمن كان أرقى هِمّةً كان أظهرا
ولم يتَأخَّرْ مَن يريد تقدُّماً / ولم يتَقَدَّمْ من يريد تأخُّرا
وقد كانتِ القوّادُ من قبلِ جوهرٍ / لَتَصْلَحُ أن تسعَى لِتخدمَ جوهرا
على أنهم كانوا كواكبَ عصرهم / ولكن رأينا الشمسَ أبهى وأنوَرا
فلا يُعْدِمَنَّ اللّهُ عبدَكَ نَصْرَه / فما زالَ منصورَ اليدَين مُظفَّرا
إذا حاربتْ عنهُ الملائكةُ العِدى / ملأنَ سماءَ اللّه باسمكَ مُشعَرا
وما اخترْتَه حتى صفا ونفى القَذى / بلِ اللّهُ في أُمِّ الكتابِ تخيَّرا
ووكَّلْتَهُ بالجيشِ والأمْرِ كلِّهِ / فوكَّلت بالغِيلِ الهِزَبرَ الغضَنفرا
كأنّكَ شاهدْتَ الخفايا سوافراً / وأعجلتَ وجهَ الغيبِ أن يتَستَّرا
فعُرِّفْتَ في اليْوم البصيرَةَ في غدٍ / وشاركتَ في الرَّأي القضاءَ المقدَّرا
وما قِيسَ وَفُر المال في كلِّ حالةٍ / بجودك إلاّ كان جودُكَ أوفرا
فلا بُخُلٌ يا أكرمَ النّاس مَعشَراً / وأطيَبَ أبناءِ النبيِّينَ عُنصُرَا
فإنّك لم تترُكْ على الأرْض جاهِلاً / وإنّك لم تترُكْ على الأرْض مُعسِرا
ألا انظُرْ إلى الشمس المنيرةِ في الضحَى / وما قَبضَتْهُ أو تَمُدُّ على الثرى
فأثْقَبُ منها نارُ زَنْدِكَ للقِرى / وأشهرُ منها ذِكرُ جودك في الورى
بلغتُ بك العليا فلم أدنُ مادحاً / لأسألَ لكنّي دنوتُ لأشكُرا
وصدَّقَ فيكَ اللّهُ ما أنا قائِلٌ / فلستُ أُبالي مَن أقَلَّ وأكثرا
ما شِئتَ لا ما شاءَتِ الأقْدارُ / فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنْتَ النبيُّ مُحمّدٌ / وكأنّما أنصارُكَ الأنصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرُنَا بهِ / في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
هذا إمامُ المتَّقينَ ومَنْ بهِ / قد دُوِّخَ الطُّغيانُ والكُفّار
هذا الّذي تُرْجَى النجاةُ بحُبِّهِ / وبه يُحَطُّ الإصْرُ والأوزار
هذا الذي تُجدي شفاعتُه غداً / حقّاً وتخمُدُ أنّ تراهُ النّار
من آل أحمدَ كلُّ فخْرٍ لم يكُنْ / يُنْمَى إليهم ليس فيه فَخار
كالبدرِ تحتَ غَمامةٍ من قَسطَلٍ / ضَحْيانُ لا يُخفيهِ عنك سِرار
في جَحْفَلٍ هَتَمَ الثنايا وَقْعُه / كالبحر فهو غُطامِطٌ زَخّار
غَمَرَ الرِّعانَ الباذخاتِ وأغرَقَ ال / قُنَنَ المُنيفةَ ذلك التَّيّار
زَجِلٌ يُبِرِّحُ بالفضاءِ مَضِيقُهُ / فالسهْلُ يَمٌّ والجبِالُ بحار
للّه غزْوَتُهم غداةَ فراقسٍ / وقد استُشِبَّتْ للكريهةِ نار
والمُستظِلُّ سماؤهُ من عِثْيَرٍ / فيها الكواكبُ لَهْذمٌ وغِرار
وكأنَّ غَيضاتِ الرِّماحِ حدائقٌ / لُمَعُ الأسِنّةِ بينها أزهار
وثمارُها من عِظْلِمٍ أو أيْدَعٍ / يَنَعٍ فليس لها سواه ثِمار
والخيلُ تَمْرَحُ في الشَّكيمِ كأنّها / عِقبانُ صارَةَ شاقَها الأوكار
من كلِّ يعْبوبٍ سَبوحٍ سلْهَبٍ / حَصُّ السّياطِ عِنانُه الطيّار
لا يَطّبيهِ غيرُ كَبّةِ مَعْرَكٍ / أو هَبْوَةٌ من مَأقِطٍ ومَغار
سَلِطُ السنابك باللُّجَينِ مُخَّدمٌ / وأُذيبَ منْه على الأديم نُضار
وكأنَّ وفْرَتَهُ غَدائِرُ غادةٍ / لم يَلْقَها بُؤسٌ ولا إقْتار
وأحَمُّ حَلْكُوكٌ وأصفرُ فاقِعٌ / منها وأشهبُ أمهقٌ زَهّار
يَعْقِلنَ ذا العُقّال عن غاياتِهِ / وتقولُ أن لنْ يَخطُرَ الأخطار
مَرّتْ لغايتِها فلا واللّهِ ما / عَلِقَتْ بها في عَدْوِها الأبصار
وجَرَتْ فقلتُ أسابحٌ أم طائرٌ / هَلاّ استشَارَ لوَقعِهِنَّ غُبار
من آلِ أعوَجَ والصريح وداحسٍ / فيهنَّ منْها مِيسَمٌ ونِجار
وعلى مَطاها فِتيَةٌ شِيعيّةٌ / ما إن لها إلاّ الوَلاءَ شِعار
مِن كلِّ أغلبَ باسلٍ مُتخَمِّطٍ / كاللَّيْثِ فهو لقِرنه هَصّار
قَلِقٌ إلى يوم الهِياجِ مُغامرٌ / دَمُ كلِّ قَيْلٍ في ظُباهُ جُبار
إنْ تخْبُ نارُ الحْرب فهو بفتكِهِ / مِيقادُهَا مِضرَامُها المِغْوار
فأداتُهُ فَضْفاضَةٌ وتَريكَةٌ / ومثقَّفٌ ومُهنَّدٌ بتّار
أُسْدٌ إذا زارت وِجارَ ثعالِبٍ / ما إنْ لهَا إلاّ القلوبَ وِجار
حَفّوا براياتِ المُعِزِّ ومَن بهِ / تَسْتَبشِرُ الأملاكُ والأقطار
هل للدُّمستق بعد ذلك رَجْعَةٌ / قُضِيَتْ بسيفك منهمُ الأوطار
أضْحَوْا حصِيداً خامدين وأقفرتْ / عَرَصَاتُهُمْ وتعطّلَتْ آثار
كات جِناناً أرضُهم معروشةً / فأصابها من جيشه إعصار
أمْسَوْا عشاءَ عروبةٍ في غِبطةٍ / فأناخَ بالموْتِ الزّؤامِ شِيار
واستقطع الخَفَقانُ حَبَّ قلوبهم / وجلا الشرورَ وحُلَّتِ الأدعار
صدعت جيوشُك في العجاج وعانشتْ / ليلَ العَجاجِ فوِرْدُها إصدار
ملأوا البلادَ رغائباً وكتائباً / وقواضباً وشوازباً إن ساروا
وعواطفاً وعوارفاً وقواصفاً / وخوانِفاً يشتاقُها المِضمار
وجَداولاً وأجادلاً ومَقاولاً / وعواملاً وذوابلاً واختاروا
عكسوا الزّمانَ عَواثنِاً ودواخنِاً / فالصُّبْحُ ليلٌ والظَّلامُ نهار
سفَرُوا فأخلتْ بالشموس جباهُهُمْ / وتَمَعْجَرَتْ بغَمامها الأقمار
ورَسَوْا حِجىً حتى استُخِفَّ متالعٌ / وهَمَوا نَدىً فاستحيتِ الأمطار
وتَبَسَّموا فزَها وأخصَبَ ماحِلٌ / وافترَّ في رَوضاتِه النُّوّار
واستبسلوا فتخاضَعَ الشُّمُّ الُّذرَى / وسَطَوْا فذَلَّ الضيغمُ الزَّأآر
أبناءَ فاطمَ هل لنا في حشرِنا / لَجَأٌ سواكم عاصم ومجار
أنتم أحِبّاءُ الإلهِ وآلُهُ / خُلفاؤهُ في أرضهِ الأبرار
أهلُ النبوَّةِ والرِّسالةِ والهُدى / في البيّناتِ وسادةٌ أطهار
والوحيِ والتّأويلِ والتَّحريمِ وال / تحليلِ لا خُلْفٌ ولا إنكار
إن قيل مَن خيرُ البريّة لم يكُنْ / إلاّكُمُ خَلْقٌ إليه يُشار
لو تلمسونَ الصَّخرَ لانبجستْ بهِ / وتفجَّرَتْ وتدفّقَتْ أنهار
أو كان منكُمْ للرُّفاتِ مُخاطِبٌ / لَبَّوا وظنّوا أنّه إنشار
لستَمْ كأبناء الطليقِ المُرتدي / بالكُفْرِ حتى عضَّ فيه إسار
أبناءَ نتْلَةَ ما لكم ولمعشرٍ / هُمْ دوحةُ اللّهِ الذي يختار
رُدُّوا إليهم حقَّهم وتنكَّبوا / وتَحَمَّلوا فقد استحمَّ بَوار
ودَعوا الطّريق لفضلهم فهم الأُلى / لهُمُ بمَجْهَلةِ الطريقِ مَنَار
كم تَنهضُونَ بعبءِ عارٍ واصِمٍ / والعارُ يأنَفُ منكُمُ والنَار
يُلهِيهِمُ زَمْرُ المثاني كلّما / ألهاكُمُ المَثْنِيُّ والمِزْمار
أمُعِزَّ دينِ اللّه إنّ زمانَنا / بكَ فيه بَأوٌ جَلَّ واستكبار
ها إنّ مَصَر غداةَ صرْتَ قَطينَها / أحْرَى لتحسدها بك الأقطار
والأرضُ كادت تفخَرُ السبْعَ العلى / لولا يُظِلُّكَ سقفُها المَوّار
والدّهرُ لاذَ بحَقوَتيكَ وصرفُه / ومُلوكُهُ وملائكٌ أطوار
والبحرُ والنِّينانُ شاهدةٌ بكم / والشّامخاتُ الشُّمُّ والأحجار
والدَّوُّ والظُّلمانُ والذُّؤبانُ وال / غِزلانُ حتى خِرنِقٌ وفُرار
شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت بك ال / أرزاقُ والآجالُ والأعمار
عطِرت بك الأفواه إذ عذبت لك ال / أمواه حينَ صَفَتْ لكَ الأكدار
جلَّتْ صِفاتُكَ أن تُحَدَّ بِمقوَلٍ / ما يصْنعُ المِصْداقُ والمِكثار
واللّهُ خصَّكَ بالقُرانِ وفضلِه / واخجلتي ما تَبلُغُ الأشعار
قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري
قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري / وإلاّ فمشياً مثلَ مشْي القطا الكُدري
قِفا نتَبَيَّنْ أينَ ذا البرْقُ منهُمُ / ومن أين تسري الرّيح عاطرةَ النَّشْر
لعلَّ ثرَى الوادي الذي كنتُ مرّةً / أزورُهُمُ فيه تَضَوَّعَ للسَّفْر
وإلاّ فذا وادٍ يسيلُ بعنبرٍ / وإلاّ فما تدري الرِّكابُ ولا ندري
أكُلَّ كِناسٍ في الصَّريمِ تظنّه / كِناسَ الظباء الدُّعج والشُدَّن العُفر
فهَلْ علِموا أنّي أسِيرٌ بأرْضِهِمْ / وما لي بها غَيرُ التعسُّفِ منْ خُبرِ
ومن عجَبٍ أنّي أُسائلُ عنهمُ / وهُمْ بينَ أحْناءِ الجوانجِ والصدر
ولي سَكَنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ / فيبعُدُ عن عيني ويقرُبُ من فِكري
إذا ذكرَتْهُ النفسُ جاشتْ لذكرهِ / كما عثَرَ السّاقي بكأسٍ من الخمر
ولم يُبْقِ لي إلاّ حُشاشَةَ مُغْرَمٍ / طوَى نفَسَ الرَّمضاءِ في خلل الجمر
وما زِلْتُ تَرميني الليّالي بنَبْلِها / وأرمي اللّيالي بالتجلُّدِ والصَّبرِ
وأحملُ أيّامي على ظَهرِ غادةٍ / وتَحْمِلُني منها على مركَبٍ وعر
وآليْتُ لا أُعطي الزّمانَ مَقادَةً / إلى مثلِ يحيَى ثمّ أُغضي على وَتْرِ
وأنْجَدَني يحيَى على كلِّ حادثٍ / وقلَّدَني منه بصَمصَامتَيْ عَمْرِو
وخوَّلَني ما بينَ مَجدٍ إلى لُهىً / وأورثَني ما بينَ عُقْرٍ إلى عُقْرِ
حَللْتُ به في رأس غُمْدانَ مَنعةً / وتوَّجني تاجاً من العِز والفخر
وما عبِتُهُ إلاّ بأني وصَفتُهُ / وشبّهْتُهُ يوماً من الدهرِ بالقَطر
وما ذاكَ إلاّ أنّ ألسُنَنا جَرَتْ / على عادةِ التشبيه في النظمِ والنثر
فلا تسألاني عن زماني الذي خَلا / فوَالعصْرِ إني قبل يحيَى لفي خُسر
وحسبي بجَذْلانٍ كأنّ خِصالَهُ / أكاليلُ دُرٍّ فوقَ نَصْلٍ من التّبر
رقيقِ فِرِندِ الوجهِ والبِشرِ والرِّضَى / صقيلِ حواشي النفس والظرفِ والشعر
فيا ابنَ عليٍّ ما مدحتُك جاهِلاً / فإنكّ لم تُعدَلْ بشَفْعٍ ولا وَتْر
ويا ابنَ عليٍّ دُمْ لمَا أنْتَ أهْلُهُ / فأهْلٌ لعَقْدِ التاجِ دونَ بني النضر
فتىً عندهُ البيتُ الحرامُ لآمِلٍ / ولي منه ما بينَ الحَجون إلى الحِجر
ولمّا حططتُ الرَّحْلَ دون عِراصِهِ / أخذتُ أمانَ الدهر من نُوَب الدهر
وكادَ نَداهُ لا يَفي بالّذي جَنى / عليَّ من الإثم المُضاعَفِ والوِزْر
وذلكَ أني كنْتُ أجْحَدُ سَيْبَه / ومعروفَه عندي لعجزي عن الشكر
إذا أنا لم أقدِرْ على شُكْرِ فضْلِهِ / فكيْفَ بشكْرِ اللّه في موضعِ الحَشْر
حَنيني إليْهِ ظاعِناً ومُخيِّماً / وليسَ حنينُ الطيرِ إلاّ إلى الوكْرِ
فما راشتِ الأملاكُ سَهماً يَريشُه / وما بَرَتِ الأملاكُ سَهماً كما يَبري
فقد قيَّدَ الجُرْدَ السوابقَ بالرُّبَى / وقطَّعَ أنفاسَ العناجيج بالبُهْر
فيا جبلاً من رحمةِ اللّه باذِخاً / إليه يفِرُّ العُرْفُ في زمَن النُّكر
فداؤكَ حتى البدرُ في غَسَق الدُّجى / منيراً وحتى الشمس فضْلاً عن البدر
سلَبْتَ الحُسامَ المَشرَفيَّ خِصالَهُ / فهزَّتُهُ فيه ارتعادٌ من الذُّعر
ولو قيل لي مَنْ في البرِيّةِ كلِّها / سِواكَ على علمي بها قلتُ لا أدري
ألستَ الذي يَلْقى الكتائبَ وحدَهُ / ولو كُنَّ من آناءِ ليلٍ ومن فَجْرِ
ولو أنّ فيها رَدْمَ يأجوجَ من ظبىً / مُشَطَّبَةٍ أو مِن رُدَيْنِيّةٍ سُمْر
فرِفْقاً قَلِيلاً أيها الملِك الرِّضَى / بنفسك واتركْ منك حظّاً على قَدْر
فذاكَ وهذا كلُّهُ أنت مُدرِكٌ / فأشفقْ على العَليا وأشفِق على العمر
فبالسَّعْي للعَليا يُشادُ بناؤهَا / وفي اللهوِ أيضاً راحةُ النفس والفكر
ومن حقِّ نفسٍ مثل نفسك صَونُها / ليوم القَنا الخطِّيِّ والفتكةِ البِكر
ولو لم تُرِحْ صِيدُ الملوكِ نفوسَها / وَنَينَ لما حُمِّلْنَ من ذلك الإصر
غَضارةُ دنيا واعتدالُ شَبيبَةٍ / فما لك في اللذّاتِ واللهوِ من عُذر
ولا خيرَ في الدّنيا إذا لم يفُزْ بها / مليكٌ مُفَدّىً في اقتِبالٍ من العمر
ألا انْعَمْ بأيّامٍ ألَذَّ من المُنى / تحلَّتْ بآدابٍ أرَقَّ من السَّحر
فرغت من المجد الذي أنت شائد / فجرَّ ذيول العيش في الزمن النضر
لَتَهدا جِيادٌ ليس تنفكُّ من سُرىً / ويسكُنُ غمضٌ ليس تنفكُّ من نَفر
ومثلُك يدعو المرهَفَ العضْبَ عزمُه / وتدعُو هواه كلَّ مُرهَفَةِ الخَصر
وما زلت تروي السيف في الرَّوع من دمٍ / فحقُّك أن تَرْوي الثرى من دم الخمر
وتنعَمَ بالبِيض الأوانسِ كالدُّمى / وتَرفُلَ من دُنياكَ في حُلَلٍ خُضر
وإنَّ التي زارتك في الحِذْرِ مَوْهِناً / أحَقُّ المَها بالخُنزُوانةِ والكِبر
يَوَدُّ هِرقَلُ الرّوم ذو التاج أنّه / يَنالُ الذي نالتْه من شرفِ القدر
حَباكَ بها مَن أنتَ شطرُ فؤادِهِ / وما شطْرُ شيءٍ بالغنيِّ من الشطر
أخوكَ فلا عَينٌ رأتْ مثلَهُ أخاً / إذا ما احتبى في مجلس النهي والأمر
وقد وقعَتْ منك الهديّةُ إذ أتَتْ / مواقعَ برد الماء من غَلَل الصدر
فمِن مَلِكٍ سامٍ إلى مَلِكٍ رِضىً / تهادتْ ومن قَصرٍ مُنيفٍ إلى قَصر
فما هي إلاّ السعدُ وافقَ مطلعاً / وما هي إلاّ الشمسُ زُفَّت إلى البدر
ستَنمي لك الأقيالُ من آلِ يعرُبٍ / ذوي الجفنات البِيضِ والأوجُه الغُرِّ
وقُلتُ لِمُهديها إليك عقيلةً / مُقابَلَةَ الأنسابِ مُعرَقَةَ النَّجر
حبوْتَ بها من ليس في الأرض مثلُه / لجيشٍ إذا اصْطكَّ العِرابُ ولا ثَغر
فيا جعفر العَلياء يا جعفرَ النّدى / ويا جعفرَ الهيجاء يا جعفرَ النصر
لَنِعْمَ أخاً في كلِّ يوْم كريهَةٍ / تصولُ بهِ غيرَ الهِدانِ ولا الغَمر
كبدر الدجى كالشمس كالفجر كالضحى / كصرف الردى كالليث كالغيث كالبحر
لَعمري لقد أُيّدتَ يومَ الوغى به / كما أُيِّدتْ كفّاكَ بالأنمل العَشر
لذلك ناجى اللّهَ موسى نبيُّهُ / فنادى أن اشرح ما يَضيقُ به صدري
وَهَبْ لي وَزيراً من أخي أستعِنْ به / وشُدَّ به أزري وأشركْه في أمري
لنِعْمَ نِظامُ الأمرِ والرُّتَبِ العُلى / ونِعْمَ قِوامُ المُلكِ والعسكر المَجر
إليك انتمى في كلِّ مجدٍ وسودَدٍ / ويكفيه أن يُعزَى إليك من الفخر
وخلفَك لاقى كلَّ قَرْمٍ مُدَجَّجٍ / ومن حِجرِك اقتاد الزمانَ على قَسر
فما جالَ إلاّ في عجاجك فارساً / ولا شَبَّ إلا تحتَ راياتك الحُمر
قررتَ به عيناً وأنتَ اصطنَعْتَهُ / وشِدْتَ له ما شِدتَ من صالح الذكر
فما مثلُ يحيَى من أخٍ لك تابِعٍ / ولا كبَنِيهِ من جَحاجِحَةٍ زُهر
ولستَ أخاه بل أباهُ كفلتَهُ / وآوَيتَهُ في حالةِ العُسْرِ واليُسر
يَوَدُّ عليٌّ لو يَرى فيهِ ما تَرَى / لِيعلَمَ آيَ النَّصْلِ والصارم الهَبر
إذاً قامَ يُثْني بالذي هو أهلُهُ / عليه ثَناءً واستهلَّ من العَفْر
وما كنتُ أدري قبل يحيَى وجعفَرٍ / بأنَّ ملوكَ الأرض تُجمَعُ في عَصر
عجِبْتُ لهذا الدهرِ جادَ بجعْفَرٍ / ويحيَى وليس الجودُ من شِيَمِ الدهر
وما كانتِ الأيامُ تأتي بمثلكم / قديماً ولكن كنتُمُ بَيْضَةَ العُقر
وما المدحُ مدحاً في سواكم حقيقةً / وما هو إلا الكفرُ أو سببُ الكفْر
ولو جاد قومٌ بالنفوس سماحةً / لَما منعتْكُمْ شيمةُ الجود بالعمر
إذا ما سألتُ اللّهَ غيرَ بقائكُمْ / فلا بؤتُ بالإخلاصِ في السرِّ والجَهر
أأدعو إلهي بالسّعادةِ عندكُمْ / وأنتم دَراريُّ السعود التي تَسري
أأبغي لديه طالباً ما كفيتَهُ / وأسألُهُ السُّقيا ودجلةُ لي تجري
لَعمري لقد أجرَضْتموني بنَيلكُم / وحمّلْتُموني منه قاصمةَ الظَّهر
أُسِرْتُ بما أسديتُمُ مِن صَنيعةٍ / وما خِلتُكُمْ ترضَوْنَ للجارِ بالأسْرِ
فمهلاً بني عَمّي وأعيانَ مَعْشَري / وأملاكَ قومي والخضارمَ من نجري
فلا تُرهِقُوني بالمزيدِ فحسبُكمْ / وحسبي لديكُم ما ترَوْنَ من الوَفرِ
أسَرَّكُمُ أنّي نهضْتُ بلا قُوىً / كما سَّركم أنّي اعتذرتُ بلا عذر
وإنّي لأسْتَعفيكُمُ أن ترونَني / سريعاً إلى النُّعمى بطيئاً عن الشكر
فإنْ أنا لم أستحيِ ممَا فعلتُمُ / فلستُ بمستحيٍ من اللؤمِ والغَدْر
وذي شُطَبٍ قد جَلَّ عن كلِّ جوهرٍ
وذي شُطَبٍ قد جَلَّ عن كلِّ جوهرٍ / فليس له شَكلٌ وليس له جِنسُ
كما قابَلَتْ عينٌ من اليَمِّ لُجّةً / وقد نَحَرَتْها من مَطالعها الشمسُ
أرِقْتُ لِبُرقٍ يستطيرُ له لَمْعُ
أرِقْتُ لِبُرقٍ يستطيرُ له لَمْعُ / فعصفَرَ دمعي جائلٌ من دمي رَدْعُ
ذكرتُكِ ليلَ الركبِ يَسري ودونَنا / على إضَمٍ كُثْبانُ يَبرِينَ فالجِزْع
وللّه ما هاجَتْ حمامَةُ أيْكَةٍ / إذا أعْلَنَتْ شَجْواً أُسِرَّ لها دَمْع
تَداعَتْ هَديلاً في ثيابِ حِدادهَا / فخُفِّضَ فَرْعٌ واستقلَّ بها فَرْع
ولم أدْرِ إذ بَثّتْ حنيناً مُرَتَّلاً / أشَدْوٌ على غُصْنِ الأراكةِ أم سَجْع
خليليَّ هُبّا نصْطبِحْها مُدامَةً / لها فَلَكٌ وَتْرٌ به أنجُمٌ شَفْع
تَلِيّةُ عامٍ فُضَّ فيه خِتامُهَا / خلا قبلهُ التسعون في الدَّنِّ والتسع
إذا أبدَتِ الأزْبادَ في الصَّحن راعَنا / بِرازُ كميِّ البأسِ من فوقه دِرع
سأغدو عليها وهي إضريجُ عَندَمٍ / لها منْظَرٌ بِدْعٌ يجيءُ بهِ بِدْع
وأتَبعُ لْهوي خالعاً ويُطيعُني / شبابٌ رطيبٌ غُصْنُهُ وجنىً يَنْع
لَعمرُ اللّيالي ما دَجى وَجهُ مَطلبي / ولا ضاق في الأرض العريضة لي ذَرْع
وتعرِفُ مني البِيدُ خِرْقاً كأنّمَا / تَوَغّلَ منْهُ بينَ أرجائِها سِمْع
وأبيضَ مْحجوبِ السُّرادقِ واضِحٍ / كبدر الدجى للبرْق من بِشره لَمع
إذا خَرِسَ الأبطالُ راقَك مُقدِماً / بحيث الوشيجُ اللَّدنُ تُعطفُ والنَّبع
وكلُّ عميمٍ في النّجادِ كأنَّمَا / تمطّى بمتنَيْهِ على قَرنِه جِذع
إلى كلِّ باري أسهُمٍ مُتَنَكِّبٍ / لهَّن كأنّ الماسِخِيَّ له ضِلع
تَشَكّى الأعادي جعفراً وانتقامَهُ / فلا انجلَتِ الشكوى ولا رُئبَ الصَّدع
ولمّا طَغَوا في الأرض أعصُرَ فتنةٍ / وكان دبيبَ الكفر في الدولة الخَلع
سموْتَ بمَجْرٍ جاذبَ الشمسَ مسلكاً / وثارَ وراءَ الخافِقَينِ له نَقْع
فألقَى بأجْرَامٍ عليهِمْ كأنّمَا / تَكفّتْ على أرضٍ سمواتُها السَّبْع
كتائبُ شُلّتْ فابذَعَرّتْ أُمَيّةٌ / فأوْجُهُهَا للخزي أُثْفِيّةٌسُفع
فمهْلاً عليهم لا أبَا لأبِيهمِ / فللهِ سهم لا يطيش له نزع
ألا ليت شعري عنهم أملوكهم / تُدبِّرُ مُلكاً أمْ إماؤهمُ اللُّكع
تَجافَوا عن الحِصْن المَشِيدِ بناؤهُ / وضاقَ بهم عن عزم أجنادهم وُسْع
وقد نَفِدَتْ فيه ذخائرُ مُلكهم / وما لم يكنْ ضرّاً فأكثره نَفْع
تعَفّى فما قُلنا سُقِيتَ غمامَةً / ولا انعِمْ صباحاً بعدهم أيها الرَّبْع
وراحَ عمِيدُ المُلحِدينَ عميدُهم / لأحشائِهِ من حَرِّ أنفْاسِهِ لَذْع
ولمّا تسَنّمْتَ الجبِالَ إزاءَهُ / تَراءتْ له الراياتُ تَخفِقُ والجَمْع
تَشَرّفْتَ من أعلامِها وَدَعَوْتَهُ / فخَرَّ مُلَبّي دعوةٍ ما له سَمْع
فقُل لمُبِينِ الخُسْرِ كيفَ رأيتَ مَا / أظَلَّكَ من دَوح الكنَهْبلِ يا فَقْع
وتلك بنو مروانَ نعلاً ذليلةً / لواطِىءِ أقدامٍ وأنتَ لها شِسْع
ولو سُرِقُوا أنسابَهم يومَ فخرِهم / ونَزْوَتِهِمْ ما جاز في مِثلها القَطع
لأجفَلَ إجفالاً كنَهورُ مُزْنِهِم / فلم يَبقَ إلاّ زِبْرِجٌ منه أو قِشع
أبا أحمدَ المحمودَ لا تكفرَنّ مَا / تقلّدتَ وليُشكَرْ لك المَنُّ والصُّنْع
هي الدولةُ البيضاءُ فالعفوُ والرّضَى / لمقتبلٍ عَفواً أو السيْفُ والنِّطع
رأيْتُ بعيني فوقَ ما كنتُ أسمعُ
رأيْتُ بعيني فوقَ ما كنتُ أسمعُ / وقد راعني يوْمٌ من الحَشرِ أرْوَعُ
غداةَ كأنّ الأُفْقَ سُدّ بمثلِهِ / فعادَ غروبُ الشمسِ من حيثُ تطلع
فلمْ أدرِ إذ سلَّمتُ كيفَ أُشيِّعُ / ولم أدْرِ إذ شَيّعْتُ كيفَ أُودِّع
وكيف أخوض الجيشَ والجيشُ لُجّةٌ / وإنّي بمن قد قاده الدهَر مولَع
وأينَ وما لي بين ذا الجمْع مسْلَكٌ / ولا لجوادي في البسيطة موضع
ألا إنّ هذا حَشْدُ من لم يذُقْ لَهُ / غِرارَ الكرى جَفنٌ ولا بات يهجَع
نصيحتُهُ للمُلْكِ سَدّتْ مذاهبي / وما بين قِيدِ الرُّمحِ والرُّمح إصبع
فقد ضَرِعَتْ منْه الرّواسي لما رأتْ / فكيف قلوب الإنس والإنس أضرع
فلا عسكرٌ من قبلِ عَسكرِ جوهرٍ / تَخُبُّ المطايا فيه عَشراً وتوضِع
تسيرُ الجبالُ الجامداتُ بسَيرِهِ / وتسجُدُ من أدْنَى الحفيفِ وتركَعُ
إذا حَلّ في أرضٍ بناها مَدائنِاً / وإن سار عن أرضٍ ثَوَتْ وهي بلقع
سَمَوْتُ لهُ بعد الرّحيلِ وفاتَني / فأقسمْتُ ألاّ لاءَمَ الجنبَ مَضجَع
فلمّا تداركْتُ السُّرادِقَ في الدّجَى / عَشَوْتُ إليْه والمشاعلُ تُرفَع
فتَخرُقُ جَيبَ المُزْن والمُزْنُ دالِحٌ / وتُوقِدُ موجَ اليَمِّ واليَمُّ أسفَع
فبِتُّ وباتَ الجيشُ جَمّاً سميرُهُ / يُؤرِّقُني والجِنُّ في البِيدِ هُجّع
وهَمهَمَ رَعْدٌ آخِرَ اللّيلِ قاصِفٌ / ولاحَتْ مع الفَجرِ البَوراقُ تَلمع
وأوحَتْ إلينا الوَحشُ ما اللّهُ صانِعٌ / بنا وبكم من هوْل ما نتسمّع
ولم تعلمِ الطيرُ الحوائمُ فوقَنا / إلى أين تستذري ولا أين تَفزَع
إلى أنْ تَبَدّى سيْفُ دولةِ هاشمٍ / على وجهِهِ نورٌ من اللّه يَسْطَع
كأنّ ظِلالَ الخافِقاتِ أمامَهُ / غمائِمُ نَصْرِ اللّه لا تَتَقَشّع
كأنّ السيوفَ المُصْلَتاتِ إذا طَمَتْ / على البَرِّ بحْرٌ زاخِرُ الموجِ مُترَع
كأنّ أنابِيبَ الصِّعادِ أراقمٌ / تَلَمَّظُ في أنيابِها السمُّ مُنقَع
كأنّ العِتاقَ الجُرْدَ مجْنوبَةً لَهُ / ظِباءٌ ثَنَتْ أجيادَها وهي تُتْلع
كأنّ الكُماةَ الصِّيدَ لمّا تغَشْمَرَتْ / حوالَيْهِ أُسْدُ الغِيلِ لا تتكعكَع
كأنّ حُماةَ الرَّجْلِ تحتَ ركابِهِ / سُيولُ نَداهُ أقبَلتْ تتدفّع
كأنّ سِراعَ النُّجْبِ تُنشَرُ يَمْنَةً / على البِيدِ آلٌ في الضّحى يترفّع
كأنّ صِعابَ البُختِ إذ ذُلِّلَتْ لهُ / أُسارى مُلوكٍ عضَّها القِدُّ ضُرَّع
كأنّ خلاخِيلَ المطايا إذا غدتْ / تَجَاوَبُ أصْداءُ الفَلا تترجّع
يُهَيِّجُ وَسواسُ البُرِينَ صَبابَةً / عليها فتُغرَى بالحنينِ وتُولَع
لقد جَلّ مَن يَقتادُ ذا الخَلقَ كلَّه / وكلٌّ له من قائمِ السيْفِ أطوَع
تَحُفُّ به القُوّادُ والأمرُ أمرُهُ / ويَقدمُهُ زِيُّ الخِلافةِ أجمَع
ويَسحَبُ أذيالَ الخِلافَةِ رادِعاً / به المسكُ من نَشرِ الهُدى يَتضَوّع
له حُلَلُ الإكرامِ خُصَّ بفضلها / نَسائجَ بالتِّبْرِ المُلمَّعِ تَلمَع
بُرودُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ بُرودُه / كساهُ الرِّضَى منهُنَّ ما ليس يُخلَع
وبين يَدَيْهِ خيلُه بسُرُوجِهِ / تُقادُ عليهِنَّ النُّضَارُ المُرَصَّع
وأعْلامُهُ مَنْشُورَةٌ وقِبابُهُ / وحُجّابُهُ تُدْعَى لأمْرٍ فتُسرع
مليكٌ ترى الأملاكَ دونَ بِساطِهِ / وأعناقُهُم مِيلٌ إلى الأرض خُضَّع
قِياماً على أقدامِهَا قد تَنَكّبَتْ / صوارمَها كلٌّ يُطيعُ ويَخضَع
تَحِلُّ بيوتُ المالِ حيثُ يَحِلُّهُ / وجَمُّ العطايا والرِّواقُ المُرَفَّع
إذا ماجَ أطنابُ السُّرادقِ بالضُّحَى / وقامَتْ حَواليْهِ القَنا تتَزَعْزَع
وسَلَّ سيوفَ الهند حول سريره / ثمانون ألفاً دارعٌ ومُقَنَّع
رأيتَ مَنِ الدنيا إليه مَنوطَةٌ / فيَمضي بما شاء القضاءُ ويَصْدَع
وتَصْحبُهُ دارُ المقامة حيثما / أناخَ وشَمْلُ المسلمينَ المجمَّع
وتعنو له الساداتُ من كُلِّ مَعْشَرٍ / فلا سّيدٌ منه أغرُّ وأمنَعُ
فللّه عينَا مَن رآه مُخيّماً / إذا جمَعَ الأنصارَ للإذنِ مجْمَع
وأقبلَ فوجٌ بعد فوجٍ فشاكرٌ / له أو سَؤولٌ أو شفيعٌ مُشَفَّع
فلم يفْتَأُوا من حُكم عدلٍ يَعُمُّهُمْ / وعارفَةٍ تُسْدَى إليهم وتُصْنَع
يسوسُهُمُ منْهُ أبٌ متَكَفِّلٌ / بَرعي بَنِيهِ حافِظٌ لا يُضَيِّع
فسِتْرٌ عليهم في المُلِمّاتِ مُسْبَلٌ / وكَنْزٌ لهم عند الأئمّة مُودَع
بَطيءٌ عن الأمرِ الذي يكرهونَهُ / عَجُولٌ إليهِمْ بالنَّدى مُتَسَرِّع
وللّه عَيْنَا مَنْ رآه مُقَوِّضاً / إذا جعلتْ أُولى الكتائبِ تسرع
ونُودِيَ بالتّرحال في فحمةِ الدجى / فجاءتهُ خيْلُ النّصرِ تَردي وتمزَع
فلاحَ لها من وجهِهِ البدرُ طالعاً / وفي خَدّهِ الشِّعْرَى العَبورُ تَطَلَّع
وأضحى مُرَدّىً بالنِّجادِ كأنّهُ / هِزَبْرُ عَرينٍ ضَمّ جَنْبَيْهِ أشجع
فكبّرَتِ الفُرْسانُ للّهِ إذ بَدا / وظَلّ السّلاحُ المنتضى يتقعقع
وحفَّ بهِ أهلُ الجِلادِ فمُقدِمٌ / وماضٍ وإصْلِيتٌ وطَلْقٌ وأروع
وعَبَّ عُبابُ الموكبِ الفخم حولَهُ / وزَفّ كما زَف الصّباحُ المُلَمَّع
وثار بِرَيّا المندليِّ غبارُهُ / ونُشِّرَ فيه الروضُ والروضُ مُوقِع
وقد رُبّيَتْ فيهِ الملوكُ مراتِباً / فمن بين متبوعٍ وآخَرَ يَتبَع
تسير على أقدارها في عجاجَةٍ / ويقدُمُهَا منْه العزيزُ الممنَّع
وما لَؤمَتْ نَفسٌ تُقِرُّ بفضلهِ / وما اللؤمُ إلاّ دَفعُ ما ليس يُدفَع
لقد فازَ منْهُ مشرقُ الأرضِ بالّتي / تَفيضُ لها من مغرِبِ الأرض أدمُع
ألا كلُّ عَيشٍ دونَهُ فمحرَّمٌ / وكلُّ حريمٍ بعده فمضيَّع
وإنّ بِنا شوقاً إليْهِ ولَوعَةً / تَكادُ لها أكبادُنَا تَتَصَدّع
ولكنما يُسلي من الشوقِ أنّهُ / لنا في ثُغورِ المجدِ والدِّين أنفع
وأنّ المَدَى منه قريبٌ وأنّنَا / إليه من الإيماءِ باللّحظِ أسرَع
فسِرْ أيها المَلْكُ المُطاعُ مُؤيَّداً / فللدّينِ والدنْيا إليك تَطَلُّعُ
وقد أشعرَتْ أرضُ العِراقَينِ خِيفَةً / تكادُ لها دارُ السّلام تَضَعْضَع
وأعطَتْ فلسطينُ القِيادَ وأهلُهَا / فلم يَبْقَ منْها جانِبٌ يَتَمنّع
وما الرّملَةُ المقصورةُ الحَظوِ وحدها / بأوّلِ أرضٍ ما لها عنك مَفَزع
وما ابنُ عُبَيدِ اللّهِ يدعوكَ وحدَهُ / غداةَ رأى أن ليسَ في القوس مَنزَع
بل الناسُ كلُّ الناسِ يدعوك غيَره / فلا أحَدٌ إلاّ يَذِلُّ ويَخضَع
وإنّ بأهلِ الأرضِ فَقراً وفاقَةً / إليك وكلُّ النّاس آتيك مُهْطِع
ألا إنّما البرهانُ ما أنتَ مُوضِحٌ / من الرّأيِ والمقدارُ ما أنْتَ مُزْمِع
رحلتَ إلى الفُسطاطِ أيمنَ رِحْلَةٍ / بأيمنِ فالٍ في الذي أنتَ مُجمِع
ولمّا حثثْتَ الجيشَ لاحَ لأهْلِهِ / طريقٌ إلى أقصَى خُراسانَ مَهيَع
إذا استقبَلَ الناسُ الرّبيعَ وقد غَدَتْ / مُتونُ الرُّبَى في سُندُسٍ تتلفّع
وقد أخضَلَ المُزْنُ البلادَ ففُجِّرَتْ / ينابيعُ حتى الصّخْرُ أخضَلُ أمرَع
وأصْبحَتِ الطُّرقُ التي أنْتَ سالِكٌ / مُقدَّسَةَ الظُّهْرانِ تُسقى وتُربَع
وقد بسَطتْ فيها الرياضُ دَرانِكاً / منَ الوَشيِ إلاّ أنّها ليس تُرقَع
وغَرّدَ فيها الطيرُ بالنّصْرِ واكتَسَتْ / زرابيَّ من أنوارها لا تُوَشَّع
سقاها فروّاهَا بك اللّه آنِفاً / فنِعْمَ مَرَادُ الصّيْفِ والمُتَرَبَّع
وما جِهلتْ مِصرٌ وقد قيل مَن لها / بأنّكَ ذاك الهِبْرِزِيُّ السَّمَيذَع
وأنّك دونَ الناس فاتِحُ قُفْلِهَا / فأنْتَ لها المَرْجُوُّ والمُتَوقَّع
فإنْ يكُ في مصرٍ رجالُ حلومِهَا / فقد جاءهم نِيلٌ سوى النيلِ يُهرِع
ويمّمَهُمْ مَنْ لا يَغيرُ بنعْمَةٍ / فَيَسْلُبَهُمْ لكن يزيدُ فيُوسِع
ولو قد حططتَ الغيثَ في عُقرِ دارهمْ / كشَفتَ ظلامَ المَحْلِ عنهم فأمرعوا
وداويتَهم من ذلك الدّاء إنّهُ / إلى اليَومِ رِجْزٌ فيهمُ ليسَ يُقْلِع
وكفكَفْتَ عنهم مَن يجور ويعتَدي / وأمّنْتَ منهم من يخافُ ويجْزَع
إذاً لَرَأوْا كيفَ العطايا بحقِّها / لسائِلها منهُمْ وكيْفَ التبرُّع
وأنساهمُ الإخشيدَ مَن شِسْعُ نَعلِهِ / أعزُّ من الإخشيدِ قدْراً وأرفَع
سيعلمُ مَن ناواك كيف مصيرُهُ / ويُبْصِرُ مَن قارعتَهُ كيفَ يُقْرَع
إذا صُلْتَ لم يَكُرمْ على السيْفِ سيّدٌ / وإن قلتَ لم يُقْدِمْ على النطق مِصْقَع
تقيك اللّيالي والزمانُ وأهلُهُ / ومُصْفِيكَ محْضَ الودِّ والمُتصَنِّع
فكْلُّ امرِىءٍ في الناس يسعى لنفسِهِ / وأنتَ امرُؤ بالسّعي للملك مُولَع
تعبْتَ لكيما تُعقِبَ الملكَ راحَةً / فمَهْلاً فِداكَ المستريحُ المُوَدِّع
فأشْفِقْ على قَلْبِ الخِلافَةِ إنّهُ / حَناناً وإشفاقاً عليك مُرَوَّع
تحمَّلْتَ أعْباءَ الخلافَةِ كلّهَا / وغيرُكَ في أيّام دُنْياهُ يَرتَع
فواللّهِ ما أدري أصدرُكَ في الذّي / تُدَبّرُهُ أم فضْلُ حلمك أوسع
نصَحتَ الإمامَ الحَقَّ لمّا عرَفتَهُ / وما النُّصْحُ إلاّ أن يكونَ التَّشيُّعُ
فأنْتَ أمينُ اللّهِ بعد أمِينِهِ / وفي يدِكَ الأرزاقُ تُعطي وتَمنَع
وما بلغَ الإسكندرُ الرتبَةَ التي / بلغْتَ ولا كِسرَى الملوكِ وتُبّع
سموتَ من العَلْيا إلى الذّروة التّي / تُرى الشمسُ فيها تحت قدرِكَ تَضْرَع
إلى غايَةٍ ما بعدَهَا لكَ غايَةٌ / وهل خلفَ أفلاكِ السموات مطلع
إلى أينَ تَبغي ليس خَلفك مذهبٌ / ولا لجوادٍ في لحاقك مطمع
لقد أشبَهَتْني شَمْعَةٌ في صَبابَةٍ
لقد أشبَهَتْني شَمْعَةٌ في صَبابَةٍ / وفي هَوْلِ ما ألقى وما أتَوَقّعُ
نُحولٌ وحُزْنٌ في فَناءٍ ووحْدَةٍ / وتسْهِيدُ عينٍ واصْفرِارٌ وأدمُعُ
أليلَتَنا إذ أرْسَلَتْ وارداً وَحْفَا
أليلَتَنا إذ أرْسَلَتْ وارداً وَحْفَا / وبتنا نرى الجوزْاءَ في أُذنِها شَنفا
وباتَ لنَا ساقٍ يقومُ على الدّجَى / بشمعةِ نجمٍ لا تُقَطُّ ولا تُطْفى
أغَنُّ غضيضٌ خفّفَ اللّينُ قَدَّهُ / وثقّلَتِ الصّهباءُ أجفانَهُ الوُطْفا
ولم يُبْقِ إرعاشُ المُدامِ لَهُ يَداً / ولم يُبْقِ إعناتُ التثنّي له عِطفا
نَزيفٌ قضاهُ السِّكْرُ إلاّ ارتجاجَهُ / إذا كَلَّ عنه الخصْرُ حمَّله الرِّدفا
يقولون حِقْفٌ فوقه خَيْزُرانَةٌ / أما يعرِفونَ الخَيْزُرانَةَ والحِقفا
جعلنا حشايانا ثيابَ مُدامِنَا / وقدَّتْ لنا الظلماءُ من جِلدِها لُحفا
فمن كَبِدٍ تُدْني إلى كَبِدٍ هوىً / ومن شَفَةٍ تُوحي إلى شَفَةٍ رَشْفا
بعيشك نَبِّهْ كأسَه وجُفونَهُ / فقد نُبِّهَ الإبريقُ من بعدِ ما أغْفى
وقد وَلّتِ الظّلماءُ تقفو نجومَها / وقد قام جيشُ الفجرِ للّيل واصْطفّا
وولّتْ نجُومٌ للثُّرَيّا كأنّهَا / خواتيمُ تَبْدو في بَنان يدٍ تَخْفى
ومَرّ على آثارِهَا دَبَرَانُهَا / كصاحبِ رِدءٍ كُمِّنتْ خيلُه خَلفا
وأقبَلَتِ الشِّعرى العَبورُ مُكِبّةً / بمِرْزَمِها اليَعبوبِ تَجنُبُهُ طِرْفا
وقد بادَرَتْها أُخْتُها منْ ورائِها / لتَخْرُقَ من ثِنيَيْ مَجرَّتها سِجفا
تخافُ زَئيرَ الليثِ يَقدُمُ نَثرَةً / وبَرْبَرَ في الظلماء يَنسِفها نَسْفا
كأنّ السِّماكَينِ اللّذينِ تَظاهَرا / على لِبْدَتَيْهِ ضامِنانِ له حَتْفا
فذا رامحٌ يُهوي إليه سِنانَهُ / وذا أعزَلٌ قد عَضَّ أنمُلَهُ لَهْفا
كأنّ رقيبَ النجمِ أجدَلُ مَرْقَبٍ / يُقلِّبُ تحتَ الليل في ريشه طَرفا
كأنّ بني نَعشٍ ونعشاً مَطافِلٌ / بوَجرةَ قد أضْللنَ في مَهمَهٍ خِشفا
كأنّ سُهَيْلاً في مطالِعِ أُفقهِ / مُفارِقُ إلْفٍ لم يَجِدْ بعدَه إلفا
كأنّ سُهاها عاشِقٌ بين عُوَّدٍ / فآوِنَةً يَبدو وآونَةً يَخْفى
كأنّ مُعلَّى قُطبِها فارسٌ لَهُ / لِواءانِ مركوزانِ قد كرِه الزحفا
كأنّ قُدامَى النَّسرِ والنَّسرُ واقعٌ / قُصِصْنَ فلم تَسْمُ الخَوافي به ضعفا
كأنّ أخاه حينَ دَوّمَ طائِراً / أتى دون نصفِ البدر فاختطفَ النصفا
كأنّ الهَزيعَ الآبنُوسيَّ لونُهُ / سَرَى بالنسيج الخُسرُوانيِّ مُلتفّا
كأنّ ظلامَ الليلِ إذ مالَ مَيْلَةً / صريعُ مُدامٍ باتَ يشرَبُها صِرفا
كأنّ عمودَ الفجرِ خاقانُ عسكرٍ / من التركِ نادى بالنجاشيّ فاستخفى
كأنّ لِواءَ الشمسِ غُرَّةُ جعْفَرٍ / رأى القِرْنَ فازدادتْ طلاقته ضِعفا
وقد جاشَتِ الدأماءُ بِيضاً صَوارِماً / ومارنَةً سُمْراً وفَضْفاضَةً زَغْفا
وجاءتْ عِتاقُ الخيل تَردي كأنّها / تَخُطُّ له أقلامُ آذانها صُحْفا
هنالك تلقى جعفراً غيرَ جَعْفَرٍ / وقد بُدِّلَتْ يُمْناهُ من رِفْقها عنفا
وكائِنْ تَراهُ في الكريهةِ جاعِلاً / عزيمتَهُ بَرْقاً وصولتَه خَطْفا
وكائِنْ تراه في المقامةِ جاعلاً / مَشاهدَه فَصْلاً وخطبتَه حَرْفا
وتأتي عطاياهُ عِدادَ جُنُودِهِ / فما افترقتْ صِنفاً ولا اجتمعتْ صِنفا
ويَعْيَا بما يأتي خطيبٌ وشاعِرٌ / وإن جاوز الإطناب واستغرق الوصفا
هوَ الدهرُ إلاّ أنّني لا أرى له / على غير من ناواه خَطباً ولا صَرْفا
إذا شَهِدَ الهيجاءَ مَدّتْ لهُ يداً / كأنّ عليها دُمْلُجاً منْهُ أو وقْفا
وصالَ بها غضبانَ لو يستقي الذي / تُريقُ عواليه من الدّم ما استَشفى
جزيلُ الندى والباس تصدُرُ كفُّه / وقد نازلَتْ ألفاً وقد وهبَتْ ألفا
يدٌ يستهلُّ الجود فيها معَ النّدى / ويعبَقُ منها الموتُ يومَ الوغى عَرفا
وما سُدّدَ الأملاكُ من قبل جعفَرٍ / ولا أنكرُوا نُكراً ولا عرفوا عُرفا
هُمُ ساجَلوه والسَّماحُ لأهْلِهِ / فأكدَوا وما أكدى وأصْفَوا وما أصفى
إذا أصْلدوا أورى وإن عجِلوا ارتأى / وإن بخِلوا أعطى وإن غَدروا أوفى
فللمجدِ ما أبقَى وللجودِ ما اقتَنى / وللناسِ ما أبدى وللّهِ ما أخفى
يغولُ ظُنونَ المُزْنِ والمُزْنُ وافِرٌ / ويُغرِق موْجَ البحرِ والبحرُ قد شَفّا
فلو أنّني شَبّهْتُهُ البحرَ زاخِراً / خَشيتُ بكونِ المدحِ في مثله قذْفا
وما تَعْدِلُ الأنواءُ صُغرى بَنانِهِ / فكيْفَ بشْيءٍ يعدِلُ الزَّند والكفّا
مليكُ رقابِ الناسِ مالِكُ وُدِّهم / كذلك فليستَصْفِ قوماً من استصْفى
فتىً تَسْحَبُ الدّنيا بهِ خُيَلاءَهَا / وقد طمَحتْ طَرفاً وقد شَمختْ أنفا
وتسْألُهُ النّصْفَ الحوادثُ هَونةً / وكانتْ لقَاحاً لم تسَلْ قبله النصفا
وكانتْ سماءُ اللّهِ فوْقَ عِمادِهَا / إلى اليْوم لم تُسقِطْ على أحَدٍ كِسفا
وقد مُلِئَتْ شُهْباً فلمّا تمرّدَتْ / حَوالَيْه أعداءُ الهدى أحدثتْ قَذفا
ألا فامزِجوا كأسَ المُدامِ بذكْرِهِ / فلن تجِدُوا مَزْجاً أرَقَّ ولا أصْفى
تَبَغْددَ منْهُ الزّابُ حتى رأيْتُهُ / يهبّ نسيمُ الروض فيهِ فيُستَجفى
تكادُ عقودُ الغانياتِ تَؤودُهُ / رَفاهِيَةً والجوُّ يَسْرِقُه لُطْفا
بحيْثُ أبو الأيّامِ يَلحَفُني لهُ / جَناحاً وأُمُّ الشمس تُرضِعُني خِلفا
فلا منزِلاً ضَنكاً تَحُلُّ ركائبي / ولا عَقَداً وَعْثاً ولا سَبْسَباً قُفّا
تسيرُ القوافي المذهَباتُ أحوكُها / فتمضي وإن كانتْ على مجدكم وقفا
منَ اللاء تغدو وهي في السلم مركبي / ولو كانتِ الهيجاءُ قدَّمتُها صَفّا
يمانِيّةٌ في نَجْرِها أزدِيّةٌ / أُفصّلُها نَظماً وأُحْكِمُها رَصْفا
صرفتُ عِنانَ الشعر إلاّ إليكُمُ / وفيكم فإني ما استطعتُ لكم صَرفا
وما كنْتُ مَدّاحاً ولكنْ مُفَوَّهاً / يُلبّى إذا نادى ويُكفى إذا استكفى
أبا أحمدٍ قد كان في الأرض مَوئِلٌ / فلم أبغِ لي ركْناً سواكَ ولا كهفا
وأنتَ الذي لم يُطلِع اللّهُ شَمسَهُ / على أحَدٍ منْهُ أبَرَّ ولا أوفى
وما الشمس تكسو كلَّ شيء شُعاعَها / بأسبغَ عندي من نَداك ولا أضفى
أخذتَ بضَبعي والخطوبُ رَوَاغِمٌ / فسُمتَ زماني كلّهُ خُطّةً خَسفا
فمن كَبِدٍ لمّا اعتلَلتَ تقطَّعَتْ / ومن أُذُنٍ صَمّتْ ومن ناظرٍ كُفّا
وقد كان لي قلْبٌ فغودرَ جَمْرَةً / عليك وعيشٌ سجسجٌ فغدا رَضفا
ولم أرَ شيئاً مثلَ وصْلِ أحِبّتي / شِفاءً ولكن كان بُرؤكَ لي أشفى
وكيفَ اتّراكي فيك بَشّاً ولوعَةً / ولم تتّرِك رُحماً لقومي ولا عطفا
أمنْتُ بكَ الأيّامَ وهي مخوفَةٌ / ولو بيديكَ الخُلدُ أمّنْتَني الحَتْفا
أمِنْ أُفْقِها ذاك السّنا وتألُّقُهْ
أمِنْ أُفْقِها ذاك السّنا وتألُّقُهْ / يُؤرِّقُنَا لو أنّ وَجْداً يُؤرِّقُهْ
وما انفكَ مُجتازٌ من البرْقِ لامِعٌ / يُشَوِّقُنا تِلقاءَ مَن لا يُشَوِّقُهْ
وما إن خَبا حتى حسِبْتُ من الدّجى / على الأفْقِ زنجيّاً تكشَّفَ يَلمَقُه
تَخَلّلَ سِجْفَ الليلِ للّيلِ كالِئاً / يُراعِيهِ بالصُّبْحِ الجَلِيِّ ويَرمُقُه
ولم يكتحِلْ غُمْضاً فباتَ كأنّمَا / يروغُ إلى إلفٍ من المُزْنِ يَعشقه
فمِنْ حُرَقٍ قد باتَ وَهْناً يَشُبُّهَا / بذكراكِ تُذكَى في الفؤادِ فتُحرِقه
عنى الوالِهَ المتبولَ منكِ ادِّكارُهُ / وأضناهُ طيْفُ من خَيالكِ يَطرُقُه
لأُبرِحْتُ من قلْبٍ إليكِ خُفُوقُهُ / نِزاعاً ومن دَمْعٍ عليكِ تَرَقرُقُه
وَحَشْوَ القِبابِ المستقِلّةِ غَادَةٌ / أُجَدِّدُ عَهدَ الوُدِّ منها وتُخلِقُه
غريرةُ دَلٍّ ضاقَ دِرْعٌ يزينُهَا / وأقلَقَ مستنَّ الوِشاحَينِ مُقْلِقُه
يَميلُ بها اللحظُ العَليلُ إلى الكرَى / إذا رَنّقَ التفتيرَ فيهِ مُرَنِّقه
تهادى بعِطْفَيْ ناعِمٍ جاذَبَ النَّقَا / مُنَطَّقُهُ حتى تَشَكّى مُقَرطَقُه
يُغالِبُهَا سُكْرُ الشبابِ فتنثَني / تَثَنّيَ غُصْنِ البانِ يَهتزُّ مُورِقُه
وما الوَجدُ ما يَعتادُ صَبّاً بذكرهَا / ولكنّهُ خَبْلُ التّصابي وأولَقُه
بوديَ لو حَيّا الربيعُ رُبوعَها / ونَمَّقَ وَشيَ الرّوضِ فيها منمِّقُه
تَقَضّتْ ليالينا بها ونَعيمُها / فكَرَّ على الشمل الجميعِ مُفرِّقه
أقولُ لسَبّاقٍ إلى أمَدِ العُلى / بحيْثُ ثَنى شأوَ المُرَهَّقِ مُرْهِقُه
لَسَعيُكَ أبطى عن لَحاق ابن جعفرٍ / وسَعيُ جَهْولٍ ظَنَّ أنّك تَلحقُه
لَعَلّكَ مُودٍ أن تقَاذَفَ شَأوُهُ / إلى أمَدٍ أعيا عليك تَعَلُّقُه
لهُ خُلُقٌ كالرّوضِ يُنْدي تبرُّعاً / إذا ما نَبا بالحُرِّ يوماً تَخَلُّقُه
وكالمَشرَفيِّ العَضْبِ يَفري غِرارُهُ / وكالعارضِ الوسميِّ يَنهَلُّ مُغدِقُه
وكالكوكبِ الدُّرّيِّ يُحمدَ في الوغى / تألُّقُ بِيضِ المُرهَفاتِ تألُّقُه
ويَعنُفُ في الهيجاءِ بالقِرْن رِفْقُهُ / وأعنَفُ ما يسطو به السيْفُ أرفَقُه
لهُ من جُذامٍ في الذّوائبِ مَحتِدٌ / زكا منبتاً في مَغرسِ المجدِ مُعرَقُه
رفيعُ بناءِ البيتِ فيهم مُشيدُهُ / مُطَنِّبُهُ بالمَأثُراتِ مُرَوِّقُه
هُمُ جوهرُ الأحساب وهو لُبابُهُ / وإفْرِندُهُ المُعْشي العيونَ ورَونقُه
إذا ما تجلّى من مَطالِعِ سَعْدِهِ / تجلّى عليك البدرُ يَلتاحُ مَشرِقُه
لَئِنْ مُلِئَتْ منهُ الجوانحُ رَهْبَةً / لقد راقَها من منظرِ العَينِ مُونِقُه
مُقَلَّصُ أثناءِ النّجادِ مُعَصَّبٌ / بتاج العُلى بين السماكينِ مَفْرَقُه
لهُ هاجِسٌ يَفْري الفَرِيَّ كأنّهُ / شَبَا مَشرَفّيٍ ليسَ ينبو مُذَلَّقُه
يُصيبُ بيانَ القوْل يُوفي بحَقّهِ / على باطِلِ الخَصْمِ الألَدِّ فيمحَقُه
أطاعَ له بَدءُ السَّماحِ وعَودُهُ / فكان غَماماً لا يَغُبُّ تَدَفُّقُه
دَلوحاً إذا ما شِمتَهُ افتَرَّ وَبْلُهُ / وإرْهامُهُ سَحّاً عليكَ ورَيّقُه
إذا شاءَ قادَ الأعوَجِيّاتِ فيْلَقاً / ومنْ بينِ أيْديها الحِمامُ وفَيْلَقُه
وكنْتَ إذا ازوَرَّتْ لقَوْمٍ كتيبَةٌ / وعارَضَها من عارِضِ الطعن مُبرِقُه
وقُدْتَ بها قُبَّ الأياطِلِ شُزَّباً / تُسابقُ وَقْدَ الرّيحِ عَدْواً فتَسبقُه
تخَطّى إلى النّهْبِ الخميسَ ودونَهُ / سُرَادِقُ خَطّيّاتِهِ ومُسَرْدَقُه
إذا شارَفَتْهُ قلتَ سِربُ أجادِلٍ / يُشارِفُ هَضْباً من ثَبيرٍ مُحلِّقُه
رعى اللّهُ إبراهيمَ مِنْ مِلكٍ حَنا / على المُلكِ حانِيهِ وأشفَقَ مُشفِقُه
وأورى بزند الأرقمِ الصِّلّ جعفَرٌ / ولم يُعْيِهِ فَتْقُ من الأرضِ يَرتقُهُ
إلى ذاك رأيُ الهِبْرِزِيِّ إذا ارتأى / وصِدْقُ ظنونِ الألَمعيِّ ومَصْدَقُه
على كُلِّ قُطْرٍ منه لَفْتَةُ ناظِرٍ / يُراعي بها الثّغْرَ القَصِيَّ ويَرمقُه
وأعيَا الحروريّينَ مُتَّقِدُ النُّهَى / مُظاهِرُ عِقدِ الحزْمِ بالحزْم موثِقُه
فكم فِيهِمِ من ذي غِرارَينِ قد نَبَا / ومِدْرَهِ قَومٍ قد تَلَجْلَجَ منطِقُه
يرونَ بإبراهيمَ سَهْماً يَريشُهُ / لهم بالمَنَايا جعفرٌ ويُفَوِّقُه
مؤازِرُهُ في عُنفُوانِ شبابهِ / يُسَدِّدُهُ في هَدْيِهِ ويُوَفِّقُه
يَطيبُ نسيمُ الزّابِ من طِيبِ ذكره / كما فتّقَ المِسكَ الذكيَّ مُفتِّقُه
ويعبق ذاك الترب من أوجه الدجى / كما فاح من نثر الأجنة أعبقه
وقد عمَّ من في ذلك الثغرِ نائِلاً / كما افترقَتْ تَهمي من المُزْن فُرَّقُه
أإخبْاتُهُ أحْفَى بهم أم حَنَانُهُ / ورأفَتُهُ أم عَدْلُهُ وتَرَفُّقُه
ثَوَى بكَ عز المُلكِ فيهم ولم تَزَلْ / وأنتَ لهُ العِلْقُ النفيسُ ومَعْلَقُه
شَهِدْتُ فلا واللّهِ ما غابَ جَعفرٌ / ولا باتَ ذا وَجْدٍ إليك يُؤرِّقُه
وبالمغرب الأقصَى قَريعُ كتائبٍ / تخُبُّ بمَسراهُ فيرجُفُ مَشرِقُه
سيُرضيكَ منهُ بالإيابِ وسَعْدِهِ / ويجمَعُ شَملاً شادَ مجْداً تَفَرُّقُه
ويَشفي مشوقاً منكَ بالقُربِ لوعَةً / وبَرْحَ غليلٍ في الجوانحِ يُقْلِقُه
ويُبْهِجُ أرضَ الزّاب بهجةَ سؤددٍ / وتُبْهِجُه أفوافُ زَهْرٍ وتُونِقُه
لك الخير قد طالَتْ يدايَ وقصّرَتْ / يدا زَمَنٍ ألْوى بنَحضي يمزِّقه
كفى بعضُ ما أوْليْتَ فأذَنْ لقِافلٍ / بفضلك زُمَّتْ للترَحُّلِ أينُقُه
أفَضْتَ عليه بالنّدى غيرَ سائِلٍ / بحارَكَ حتى ظنَّ أنّك تُغْرِقُه
سأشكركَ النُّعْمَى عليَّ وإنّني / بذاك لَواني الشّأوِ عنك مُرهَّقُه
وما كحميدِ القولِ ينمي مزيدُه / ولا كاليَدِ البيضاء عندي تحَقُّقُه
وما أنا أو مثلي وقولٌ يقوله / إذا لم أكُنْ أُلفي به مَن يُصَدِّقُه
أرَيّاكِ أمْ رَدعٌ من المسك صائكُ
أرَيّاكِ أمْ رَدعٌ من المسك صائكُ / ولحظُكِ أم حَدٌّ من السيْفِ باتِكُ
وأعطافُ نَشوَى أم قَوامٌ مُهَفْهَفٌ / تأوَّدَ غصْنٌ فيهِ وارتَجَّ عانِك
وما شقّ جيْبَ الحُسنِ إلاّ شقائقٌ / بخدّيكِ مفتوكٌ بهِنّ فواتِك
أرى بينَها للعاشقين مَصارعاً / فقد ضرّجَتْهُنَّ الدّماءُ السّوافك
ألم يُبْدِ سِرَّ الحُبّ أنّ منَ الضّنى / رقيباً وإنْ لم يهتِكِ السترَ هاتِك
وليلٍ عليهِ رَقْمُ وَشْيٍ كأنّما / تُمَدُّ عليه بالنّجومِ الدَّرانك
سَرَيْنا فطفُنَا بالحِجالِ وأهِلها / كما طافَ بالبيتِ المُحجَّبِ ناسك
وكُنّا إذا ما أعيُنُ العِينِ رُقْنَنَا / أدَرْنَ عُيوناً حَشْوُهُنَّ المَهالِك
فتَكْنَا بمُحْمَرِّ الخُدودِ وإنّهَا / بما اصفرَّ من ألوانِنا لَفَواتِك
تكونُ لنَا عندَ اللّقاءِ مَواقِفٌ / ولكنّها فوقَ الحَشايا مَعارك
نُنازِلُ من دون النّحورِ أسِنّةً / إذا انتصَبَتْ فيها الثُّدِيُّ الفَوالك
نَشاوَى قُدودٍ لا الخدودُ أسِنّةٌ / ولا طُرَرٌ من فَوقهِنَّ حَوالِك
سَرَينَ وقد شَقّ الدُّجى عن صَباحِهِ / كواكب عِيسٍ بالشموسِ رواتك
وكائِنْ لها فوقَ الصّعيدِ مناسمٌ / يَطأنَ وفي سِرِّ الضّميرِ مَبارك
أقيموا صُدورَ النّاعِجاتِ فإنّهَا / سبيلَ الهوى بينَ الضُّلوع سَوالك
ألم تَرَيا الرّوْضَ الأريضَ كأنّمَا / أسِرّةُ نورِ الشمسِ فيها سبائك
كأنّ كُؤوساً فيه تسري براحِها / إذا علّلَتْها السّارياتُ الحواشك
كأنّ الشّقيقَ الغَضَّ يُكحَلُ أعيُناً / ويَسْفِكُ في لبّاتِهِ الدّمَ سافك
وما تُطلِعُ الدّنيا شُموساً تُريكَها / ولا للرّياضِ الزُّهْرِ أيدٍ حَوائك
ولكنما ضاحَكنَنَا عن محاسِنٍ / جَلَتْهُنّ أيّامُ المُعِزِّ الضّواحك
سقَى الكوْثَرُ الخُلديُّ دَوحةَ هاشمٍ / وحَيّتْ معِزَّ الدّينِ عنّا الملائك
شَهِدتُ لأهْلِ البيْتِ أن لا مَشاعِرٌ / إذا لم تكن منهم وأن لا مناسك
وأن لا إمامٌ غيرُ ذي التاجِ تلتقي / عليه هَوادي مجدِه والحَوارك
لَهُ نَسَبُ الزَّهْراءِ دِنْياً يَخُصُّهُ / وسالفُ ما ضَمّتْ عليه العَواتك
إمامٌ رأى الدنيا بمؤخِرِ عيْنِهِ / فمن كان منها آخذاً فهو تارك
إذا شاءَ لم تَمْلِكْ عليه أناتُه / بَوادِرَ عَزْمٍ للقَضاءِ مَوالِك
لألْقَتْ إليه الأبحُرُ الصُّمُّ أمرَهَا / وهبّتْ بما شاءَ الرّياحُ السَّواهك
وما سارَ في الأرض العريضَةِ ذكرُهُ / ولكنّهُ في مسلَكِ الشمسِ سالِك
وما كُنْهُ هذا النّورِ نورُ جَبِينِهِ / ولكنّ نورَ اللّهِ فيه مُشارِك
لهُ المُقْرَباتُ الجُرْدُ يُنعِلُها دَماً / إذا قَرَعَتْ هامَ الكُماة السنابك
يُريقُ عليْها اللؤلؤُ الرَّطْبُ ماءَهُ / ويَسْبِكُ فيها ذائِبَ التّبر سابك
صقيلاتُ أبْشارِ البُرُوقِ كأنّمَا / أُمِرّتْ عليها بالسَّحابِ المَداوك
يُباعِدْنَ ما بَينَ الجَماجمِ والطُّلى / فتَدنو مَرَورَاتٌ بها ودكادِك
لك الخيرُ قَلِّدْهَا أعِنّةَ جَرْيها / فهُنّ الصُّفُونُ المُلجَماتُ العوالك
ووالِ فُتوحاتِ البِلادِ كأنّها / مَباسِمُ ثَغْرٍ تُجْتَلاى ومضاحك
يُمِدُّكَ عزْمٌ في شَبا السيف قاطعٌ / وبُرثُنُ سَطْوٍ في طُلى الليثِ شابك
أمَتَّ بل استحيَيتَ والموتُ راغمٌ / كأنّكَ للآجَالِ خَصْمٌ مُماحِك
لك العَرَصَاتُ الخُضرُ يَعبَقُ تُربُها / وتَحيا برَيّاها النفوسُ الهوالك
يَدٌ لأيادي اللّهِ في نَفَحَاتِها / غِنىً لِعَزالي المُزنِ وهي ضرائك
لكم دولَةُ الصّدْقِ التي لم يَقُمْ بها / نُتَيْلَةُ والأيّامُ هُوجٌ ركائك
إمامِيّةٌ لم يُخْزِ هارونُ سعيَها / ولا أشْركَتْ باللّهِ فيها البَرامك
تُرَدُّ إلى الفِرْدَوس منكم أرومَةٌ / يصلّي عليكم ربُّها والملائك
ثَنائي على وحيِ الكِتابِ عليكُمُ / فلا الوَحْيُ مأفوكٌ ولا أنا آفك
دعاني لكمْ ودٌّ فلبّت عَزائِمي / وعَنْسي وليلي والنجومُ الشّوابك
ومستكبِرٌ لم يُشْعِرِ الذُلَّ نفسَهُ / أبيٌّ بأبْكارِ المَهَاوِلِ فاتِك
ولو عَلِقَتْهُ من أُميّةَ أحْبُلٌ / لَجُبَّ سَنامٌ من بني الشعر تامك
ولمّا التَقَتْ أسيافها ورماحها / شراعاً وقد سدت علي المسالك
أجَزْتُ عليها عابراً وتركْتُهَا / كأنّ المَنَايا تحتَ جنبي أرائِك
وما نَقَمُوا إلاّ قديمَ تَشَيُّعي / فنَجّى هِزَبْراً شَدُّهُ المُتَدارك
وما عَرَفَتْ كَرَّ الجِيادِ أُمَيّةٌ / ولا حملَتْ بَزَّ القَنا وهو شابك
ولا جَرّدُوا نَصْلاً تُخَافُ شَباتُه / ولكِنّ فُولاذاً غَدا وهو آنُك
ولم تَدْمَ في حربٍ دروعُ أُمَيّةٍ / ولكنّهم فيها الإماءُ العَوارك
إذا حَضَروا المدّاحَ أُخْجِلَ مادِحٌ / وأظلَمَ دَيْجورٌ من الكُفْرِ حالك
ستُبْدي لك التثريبَ عن آل هاشِمٍ / ظُباتُ سيوفٍ حَشْوُهُنَّ المهالك
أأللّه تَتْلوُ كتبكم وشيوخُهَا / ببدرٍ رميمٌ والدّماءُ صَوائك
هُمُ لحظوكم والنّبُوّةُ فيكُمُ / كما لحَظَ الشِّيبَ النّساءُ الفوارك
وقد أبهجَ الإيمانَ أن ثُلَّ عرشُها / وأنْ خَزَرَتْ لحظاً إليهْا المَهالك
بني هاشمٍ قد أنجزَ اللّهُ وعدَهُ / وأطلعَ فيكم شَمْسَهُ وهي دالك
ونادَتْ بثاراتِ الحُسَينِ كتائِبٌ / تُمَطّي شِراعاً في قَناها المعارِك
تَؤمُّ وصيَّ الأوصياءِ ودونَهُ / صُدُورُ القَنا والمُرهَفاتُ البواتك
وضَرْبٌ مُبينٌ للشّؤونِ كأنّما / هَوَتْ بفَراشِ الهامِ عنه النّيازك
فَدُسْ بهمُ تلك الوُكونَ فإنّني / أرى رَخَماً والبَيضَ بَيضٌ تَرائك
لقد آنَ أن تُجْزَى قُرَيشٌ بسعيها / فإمّا حَياةٌ أو حِمامٌ مُواشِك
أرى شعراءَ المُلكِ تَنْحِتُ جانبي / وتَنبو عن اللّيْثِ المخاضُ الأوارك
تَخُبُّ إلى مَيْدان سَبقي بطاؤهَا / وتلك الظّنونُ الكاذباتُ الأوافك
رأتْني حِماماً فاقشَعَرّتْ جُلُودُهَا / وإني زعيمٌ أنْ تَلينَ العَرائك
تُسيءُ قَوافيها وَجُودُكَ مْحِسنٌ / وتُنْشِدُ إرْنَاناً ومجْدُكَ ضاحك
وتُجدى وأُكْدى والمناديحُ جَمّةٌ / فما لي غنيَّ البَالِ وهي الصّعالك
أبَتْ لي سبيلَ القوم في الشعر هِمّةٌ / طَمُوحٌ ونفْسٌ للدنِيَّة فارك
وما اقتادت الدنيا رجائي ودونها / أكُفُّ الرّجالِ اللاوياتُ المواعك
وما سَرّني تأمِيلُ غيرِ خليفَةٍ / وأنّيَ للأرضِ العَريضَةِ مالك
فحمِّلْ وريدي منكَ ثِقْلَ صَنيعةٍ / فإنّي لمَضْبورُ القَرا مُتلاحِك
أبَعْدَ التماحي التّاجَ مِلء محاجري / يَلوكُ أديمي من فم الدهر لائك
خُمولٌ وإقتارٌ وفي يدِكَ الغِنى / فمَحْياً فإنّي بين هاتينِ هالك
لآيَةِ ما تَسْري إليَّ نَوائبٌ / مُشَذِّبَةٌ عن جانبيَّ سَوادِك
فهُنَّ كما هُزَّتْ قَناً سمهرِيّةٌ / لِسِرْبالِ داودٍ عليَّ هواتِك
لديَّ لها الحَربُ العَوانُ أشُبُّهَا / فإلاّ تُؤيّدْني فإنّي مُتارك
وأيُّ لسانٍ ناطِقٌ وهو مُفحَمٌ / وأيُّ قَعُودٍ ناهِضٌ وهو بارك
قد مَرَرْنَا على مَغَانيكِ تلكِ
قد مَرَرْنَا على مَغَانيكِ تلكِ / فرأينَا فيهَا مَشابِهَ مِنكِ
عارَضَتْنا المَها الخوَاذِلُ أسْرا / باً بأجراعِهَا فلمْ نَسْلُ عنكِ
لا يُرَعْ للمَها بداركِ سِرْبٌ / فلقد أشبَهَتْكِ إن لم تَكُنْكِ
مُسعِدي عُجْ فقد رأيتَ مَعاجي / يومَ أبكي على الدّيارِ وتبكي
بحنينٍ مُرَجَّعٍ كحنيني / وتَشَكٍّ مُرَدَّدٍ كتَشَكّي
فاتّئِدْ تسكبِ الدموعَ كسكبي / ثمّ لا تَسفِكِ الدّماءَ كسَفْكي
لا أرى كابنِ جعفر بنِ عليٍّ / مَلِكاً لابِساً جلالَةَ مُلْكِ
تتفادى القلوبُ منه وجيباً / في مَقَامٍ على المتَوَّج ضَنْك
فكأنّا صَبيحَةَ الإذنِ نَلْقَى / دونَهُ المَشرَفِيَّ هُزَّ لِبَتْك
وطويلَ النِّجادِ فُرِّجَ عنْهُ / جانبُ السِّجْفِ عن حياةٍ وهُلك
لا أراهُ بتاركي حينَ يبْدو / وأشوبُ اليَقِينَ منْهُ بشَكِّ
هَتَكَ الظُّلمَ والظلامَ به ذو / رَوْعَةٍ لا يَريبُ سِتْراً بهَتْك
فهو فينا خليفةُ البدْرِ ما استح / لَكَ ليلٌ إذا تجلّى بحُلْك
مثل ماء الغمام يَنْدى شباباً / وهو في حُلَّتَيْ تَوَقٍّ ونُسْك
يطأ الأرضَ فالثّرى لؤلؤ رَطْ / بٌ وماءُ الثرى مُجاجَةُ مِسْك
مَنْسَكٌ للوفود يُعْتَامُ قد أن / ضَى المَطايا بطول وَخْدٍ ورَتك
أنا لولا نَوالُهُ آنِفاً لمْ / يَكْ لي من شكايةِ الدهرِ مُشك
سَحَّ شُؤبوبُهُ فأجرى شِعابي / وطَما بحْرُهُ فأغْرَقَ فُلْكي
قلتُ للمُزْنِ قد تَرى ما أراهُ / فاحكِهِ إن زَعَمْتَ أنّك تَحكي
وإذا زَعْزَعَ الوَشيجَ وألقْىَ / بجِرَانٍ عَلى الأعادي وبَرْك
نَظَمَ الفارسَ المُدَجَّجَ طَعْناً / تحتَ سَردٍ من لأمَةٍ ومِشَكِّ
جعفرٌ في الهِياجِ بأساً كبأسٍ / إنْ سَطا بالعِدى وفَتكاً كفَتْك
وإذا شاءَ قَلّدَتْهُ جُذامٌ / شَرَفَ البيتِ من أواخٍ وسَمْك
مَنصِبٌ فارِعٌ وغابُ أُسودٍ / لم تَدِنْهُ الملوكُ يوماً بمَلْك
حُفَّ مأثورُهُ بمَجْدٍ وفَخْرٍ / أغنَيَا فيه عن لَجاجٍ ومَحْك
هاكَ إحدى المحبَّراتِ اللّواتي / لم أشُبْ صِدقَها بزُورٍ وإفْك
نَظْمُها مُحْكَمٌ فقارَنَ بَينَ ال / دُرِّ نظمي وأخلصَ التِّبرَ سَبكي
ولَقِدْماً أخذْتُ من شُكْرِ نُعما / كَ بحظّي فكان أخذي كتَركي
بُؤتُ بالعَجز عن نَداك وقد أج / هَدتُ نَفْسي فقلتُ للنفس قَدْكِ
وأبْيَضَ من ماءِ الحديدِ كأنّمَا
وأبْيَضَ من ماءِ الحديدِ كأنّمَا / يبِيتُ عليه من خشونَتِهِ طَلُّ
ألا ثَكَلَتْ أُمُّ امرىءٍ هو بَزُّهُ / إذا لم يُفارِقْ عِزَّ أيّامِهِ الذُّلُّ
هُنالِكَ عَهْدي بالخليطِ المُزايلِ
هُنالِكَ عَهْدي بالخليطِ المُزايلِ / وفي ذلكَ الوادي أُصيبَتْ مَقاتلي
فلا مِثْلَ أيّامٍ لَنا ذَهَبِيّةٍ / قصيرةِ أعْمارِ البَقاءِ قلائلِ
إذِ الشَّمْلُ مجموعٌ بمنزِلِ غِبْطَةٍ / ودارِ أمَانٍ من صُرُوفِ الغَوائل
لَياليَ لم تأتِ اللّيالي مَساءتي / ولم تَقْتسِمْ دَمعْي رُسومُ المنازل
وأسْماءُ لم يَبْعُدْ لِهَجرٍ مَزارُهَا / ولم تتقَطّعْ باقِياتُ الرّسائل
ألا طرَقتْ تَسري بأنفاسِ رَوْضَةٍ / وأعْطافِ مَيّاسٍ من البانِ ذائل
فيا لكَ وَحْشِيّاً من العِينِ شارِداً / أُتِيحَ لإنْسيٍّ ضَعيفِ الحبائل
أأسْماءُ ما عهْدي ولا عهدُ عاهِدٍ / بخِدرِكِ يسري في الفيافي المَجاهل
فإنّكِ ما تَدرينَ أيَّ تَنائِفٍ / قطعْتُ بمكحولِ المدامعِ خاذل
تأوَّبَ مُرخَاةً عليه سُتُورُهُ / هُدُوءاً وقد نَامتْ عيونُ العَواذل
وإنّي إذا يَسْري إليَّ لَخائِفٌ / عليه حِبالاتِ العيونِ الحوائل
أغارُ عليْهِ أن يُجاذبَهُ الصِّبَا / فُضُولَ بُرُودٍ أو ذُيولَ غلائل
وقد شاقني إيماضُ بْرقٍ بذي الغَضى / كما حُرِّكتْ في الشمس بيض المناصل
إذا لم يَهِجْ شوْقي خَيالٌ مُؤرِّقٌ / تَطَلّعَ من أُفقِ البُدورِ الأوافِل
وما النّاسُ إلاّ ظاعِنٌ ومودِّعٌ / وثاوٍ قريح الجفنِ يبكي لراحل
فهل هذه الأيّامُ إلاّ كما خَلا / وهل نحنُ إلاّ كالقُرُونِ الأوائل
نُساقُ من الدّنيا إلى غيرِ دائِمٍ / ونبكي من الدنيا على غيرِ طائل
فما عاجِلٌ نَرْجوهُ إلاّ كآجِلٍ / ولا آجِلٌ نخشاه إلاّ كعاجلِ
فلو أوطَأتْني الشمسَ نعْلاً وتوَّجتْ / عِبِدّايَ تِيجانَ المُلوكِ العباهِل
ولو خُلِّدَتْ لم أقضِ منْها لُبانَةً / وكيْفَ ولم تَخْلُدْ لبكرِ بن وائل
لقوْمٍ نَمَوْا مثْلَ الأميرِ محمّدٍ / ففاؤوا كما فاءتْ شموسُ الأصائل
وإنّ بهِ منهمْ لكُفْواً ومَقْنَعاً / ولكنّنا نأسى لِفَقْدِ المَقاوِل
إذا نحنُ لم نَجْزَعْ لمن كان قبلَنا / لَهَوْنَا عن الأيّام لَهْوَ العقائل
ولكن إذا ما دامَ مثلُ محمّدٍ / ففي طَيِّ ثَوْبَيْهِ جميعُ القبائل
تَسَلَّ به عّمنْ سواه ومثلُهُ / يُريكَ أباه في صُدورِ المحافل
وإنّ مُلُوكاً أنْجَبَتْ ليَ مِثْلَهُ / أحَقُّ بني الدنْيا بتأبينِ عاقل
هُمُ أورَثوهُ المجدَ لا مجدَ غيرُهُ / وهم خيرُ حافٍ في البلاد وناعل
لهم من مَساعِيهِمْ دُرُوعٌ حصِينَةٌ / تُوَقّيهِمُ من كلِّ قوْلٍ وقائل
وهم يتَّقُونَ الذَّمَّ حتى كأنّهُ / ذُعافُ الأفاعي في شِفارِ المناصل
وحُقَّ لهمْ أن يَتّقوهُ فلمْ تَكُنْ / تُصابُ بهِ الأعراضُ دونَ المَقاتل
أُولئك مَن لا يُحسِنُ الجودَ غيرُهم / ولا الطَّعنَ شَزراً بالرِّماح الذوابل
فلم يَدْرِ إلاّ اللّهُ ما خُلِقُوا لهُ / ولا ما أثاروا من كُنوزِ الفضائل
شبيهٌ بأعلامِ النُّبوَّةِ ما أرى / لهم في النَّدى من مُعجزاتِ الشَّمائل
أُجِلُّكَ عَزَّ اللّهُ ذكْرَكَ فارساً / إذا صُرَّ آذانُ الجِيادِ الصَّواهِل
وما لسيوفِ الهندِ دونَكَ بَسْطَةٌ / ولو زِيدَ فِيه مثلُ ذَرع الحَمائل
تُرَشِّفُها في السّلْمِ ماءَ جُفونِها / فتَجزَأُ عن ماء الطُّلى والبآدل
وتَقلِسُ مِنْ رِيٍّ إذا ما أمَرْتَها / بتَصْديعِ هاماتٍ وفَتْقِ أباجل
فلا تَتَبعِ الحُسّادَ منكَ مَلامَةٌ / فما شَرَفُ الحُسّادِ منكَ بِباطل
وكم قد رأينَا من مَسولٍ وسائِلٍ / قديماً ومن مَفضُولِ قومٍ وفاضل
فكُلُّهُمُ يَفْديكَ من مُتَهلِّلٍ / إلى المُجتَدي العافي وأربَدَ باسل
تَقيكَ دِماءُ القِرْنِ من مُتَخَمِّطٍ / على القِرنِ مشبوحِ اليدين حُلاحِل
ضَمِينٌ بلَفِّ الصّفِّ بالصّفِّ كلما / تَبَاعدَ ما بينَ الكلى والعوامل
تُؤنِّسُهُ الهَيجا ويُطرِبُ سَمعَهُ / صريرُ العَوالي في صُدورِ الجَحافل
هو التّاركُ الثغْرَ القَصِيَّ دُروبُهُ / مَقَرّاً لفُسطاطٍ وداراً لنازل
فعارِضُهُ الأهْمَى لأوّلِ شائِمٍ / ودِرَّتُهُ الأولى لأوّلِ سائل
تَجودُكَ مِن يُمنْاهُ خمسةُ أبحُرٍ / تفيضُ دِهاقاً وهي خمسُ أنامل
عَطاءٌ بِلا مَنٍّ يُكَدِّرُ صَفْوَهُ / فليسَ بمنّانٍ وليسَ بباخل
تَرَى الملِكَ المخدومَ في زِيّ خادمٍ / حَوالَيْهِ والمأمولَ في ثوبِ آمل
كأنّا بنوه أهلُهُ وعَشِيرُهُ / يُرَشِّحُنَا بالمَأثُراتِ الجلائل
يُطيفُ بطَلق الوجهِ للعُرْفِ قائلٍ / وبالعُرْفِ أمّارٍ وللُعرْفِ فاعل
بمبسوط كفِّ الجودِ للرّزقِ قاسِمٍ / ومسلولِ سيْفِ النصرِ للدين شامل
فتىً كلُّ سعيٍ من مساعيهِ قِبلةٌ / يُصَلّي إليها كلُّ مجْدٍ ونائل
وفي كُلّ يوْمٍ فِيهِ للشّعرِ مَذهَبٌ / على أنّهُ لم يُبْقِ قَوْلاً لِقائل