القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ هانِئ الأَندَلُسِي الكل
المجموع : 36
أقول دمىً وهيَ الحسانُ الرّعابيبُ
أقول دمىً وهيَ الحسانُ الرّعابيبُ / ومن دونِ أستارِ القِبابِ محَاريبُ
نَوىً أبْعَدَتْ طائيّةً ومزارَها / ألا كلُّ طائيٍّ إلى القلْبِ محْبوب
سَلوا طَيِّءَ الأجبال أينَ خِيامُها / وما أجَأٌ إلاّ حِصانٌ ويعبوب
هُمُ جَنَبوا ذا القلبَ طَوعَ قيادهم / وقد يشهدُ الطِّرْفُ الوغى وهو مجنوب
وهم جاوزوا طلح الشواجن والغضا / تخبّ بهم جُرْدُ اللقاءِ السراحيب
قِبابٌ وأحبابٌ وجُلهَمَةُ العِدى / وخَيلٌ عِرابٌ فوقَهنّ أعاريب
إذا لم أذُدْ عن ذلك الماء وِردَهمْ / وإنْ حَنّ وُرّادٌ كما حنّتِ النِّيب
فلا حَمَلتْ بِيضَ السيوفِ قوائِمٌ / ولا صَحِبَتْ سُمْرَ الرماحِ أنابيب
وهل يَرِدُ الغَيْرانُ ماءً وَرَدْتُهُ / إذا وَرَدَ الضّرْغامُ لم يَلِغِ الذئب
وعهدي بهِ والعيشُ مثلُ جِمامهِ / نميرٌ بماءِ الوَردِ والمسكِ مقطوب
وما تفْتأُ الحسناءُ تُهدي خَيالَها / ومن دونِها إسْآد خمسٍ وتأويب
وما رَاعَني إلاّ ابنُ وَرقاءَ هاتِفٌ / بعينَيْهِ جَمرٌ من ضلوعيَ مشبوب
وقد أنكَرَ الدّوْحَ الذي يستظلّه / وسحّتْ له الأغصانُ وهي أهاضيب
وحَثَّ جَناحَيْهِ ليخْطَفَ قَلبَه / عِشاءً سذانيقُ الدجى وهو غِربيب
ألا أيّها الباكي على غيرِ أيْكهِ / كِلانا فريدٌ بالسماوَةِ مَغلوب
فُؤادُكَ خفّاقٌ ووكْرُكَ نازحٌ / وروضُكَ مطلولٌ وبانُكَ مهضوب
هَلُمّ على أنّي أقِيكَ بأضْلُعي / فأملِكُ دَمعي عنْك وَهْو شآبيب
تُكِنُّكَ لي مَوْشِيّةٌ عبقريّةٌ / كَريشِكَ إلاّ أنّهُنّ جَلابيب
فلا شَدْوَ إلاّ من رَنينِكَ شائِقٌ / ولا دَمعَ إلاّ من جفونيَ مسكوب
ولا مَدْحَ إلاّ للمعِزّ حقِيقَةً / يُفصَّلُ دُرّاً والمديحُ أساليب
نِجارٌ على البيتِ الإماميّ مُعْتَلٍ / وحكمٌ إلى العدلِ الربوبيّ منسوب
يصلّي عليه أصفر القدح صائب / وعوجاء مرنانٌ وجرداء سرحوب
وأسمرُ عَرّاصُ الكعوب مثقَّفٌ / وأبيضُ مشقوقُ العقيقة مخشوب
لأسيافهِ من بُدْنِه وعُصاته / نجيعان مُهراقٌ عَبيطٌ ومصبوب
فإنْ تكُ حرْبٌ فالمفارِقُ والطُّلى / وإن يكُ سِلمٌ فالشوى والعراقيب
أعِزّةُ مَن يُحْذَى النعالَ أذِلّةٌ / له ومُلوكُ العالَمينَ قراضيب
وما هو إلاّ أن يشيرَ بلَحْظِهِ / فتَمخُر فُلكٌ أو تُغِذّ مقانيب
فلا قارعٌ إلاّ القنا السُّمرُ بالقنا / إذا قُرِعَتْ للحادثاتِ الظّنابيب
ولم أرَ زَوّاراً كسيفك للعِدى / فهل عند هام الرّومِ أهلٌ وترحيب
إذا ذكروا آثارَ سيفك فيهمُ / فلا القَطر معدودٌ ولا الرّمل محسوب
وفيما اصطلوا من حرّ بأسك واعظٌ / وفيما أُذيقوا من عذابكَ تأديب
ولكنْ لعلّ الجاثليقَ يَغُرُّه / على حَلَبٍ نَهْبٌ هنالكَ مَنهوب
وثغْرٌ بأطرافِ الشآمِ مضَيَّعٌ / وتفريقُ أهواءٍ مِراضٍ وتخريب
وما كلُّ ثغْرٍ ممكِنٌ فيه فرصَةٌ / ولا كلّ ماءٍ بالجدالةِ مَشروب
ومِن دون شِعْبٍ أنتَ حاميه معرَكٌ / وبيءٌ وتصْعيدٌ كَريهٌ وتصويب
وصَعْقٌ بُركْنِ الأفقِ وابنُ طهارة / يَذُبُّ عن الفرقانِ بالتاجِ معصوب
وجُرْدٌ عناجيجٌ وبِيضٌ صوارِمٌ / وصُيّابةٌ مُرْدٌ وكُرّامةٌ شِيب
وسُفْنٌ إذا ما خاضتِ اليمّ زاخراً / جلَتْ عن بياض النصر وهي غرابيب
تُشَبُّ لها حمراءُ قانٍ أُوارها / سَبوحٌ لها ذيلٌ على الماء مسحوب
لَقيتَ بني مروانَ جانبَ ثَغْرِهمْ / وحظُّهمُ من ذاك خُسرٌ وتتْبيب
وعارٌ بقومٍ أن أعدّوا سوابحاً / صُفُوناً بها عن نصرَةِ الدين تنكيب
وقد عجزوا في ثغرِهمْ عن عدوّهمْ / بحيث تجول المُقرَبات اليعابيب
وجيْشُكَ يعْتاد الهِرَقْلَ بسيفه / ومن دونهِ اليمُّ الغُطامطُ واللُّوب
يُخضْخِضُ هذا الموجَ حتى عُبابه / إذا التجّ من هام البطاريق مخضوب
فمأثور ذكرِ المجد فيها مُفَضَّضٌ / وفوقَ حديدِ الهندِ منهُنّ تذهيب
ومن عجبٍ أن تشجُرَ الرومُ بالقنا / فتوطَأ أغمارٌ وهضْبٌ شناخيب
ونَومُ بني العبّاس فوقَ جُنوبهم / ولا نَصْرَ إلاّ قيْنَةٌ وأكاويب
وأنتَ كَلوءُ الدهرِ لا الطرفُ هاجعٌ / ولا العزمُ مرْدوعٌ ولا الجأش منخوب
همُ أهلُ جرّاها وأنتَ ابنُ حربِها / ففي القرب تبعيدٌ وفي البعد تقريب
ولا عجَبٌ والثّغْرُ ثغرُك كلّه / وأنتَ وليُّ الثّأرِ والثّأرُ مطلوب
وأنتَ نِظامُ الدّينِ وابنُ نَبيّهِ / وذو الأمرِ مدعُوٌّ إليه فمَندوب
سيجلو دُجى الدين الحنيفِ سُرادقٌ / من الشمس فوق البّر والبحر مضروب
وعزْمٌ يُظِلُّ الخافقين كأنّه / على أُفُقِ الدّنْيا بِناءٌ وتطنيب
ويُسْلِمُ أرمِينِيّةً وذَواتِها / صَليبٌ لنُصْحِ الأرمنيّينَ منصوب
وحسْبيَ مما كانَ أو هو كائنٌ / دليلان عِلمٌ بالإله وتَجريب
ولم تخترِقْ سجْفَ الغيوبِ هواجسي / ولكنّه مَن حاربَ اللّهَ محروب
وأعلَمُ أنّ اللّهَ مُنجِزُ وعْدِهِ / فلا القولُ مأفوكٌ ولا الوعدُ مكذوب
وأنتَ مَعَدٌّ وارثُ الأرض كلّها / فقد حُمّ مقدورٌ وقد خُطّ مكتوب
وللّه عِلْمٌ ليس يُحجَب دونَكم / ولكنّه عن سائر الناس محجوب
ألا إنّما أسماؤكم حَقُّ مِثلِكم / وكلُّ الذي تُسمى البريّةُ تلقيب
إذا ما مَدحناكم تضَوّعَ بيننا / وبينَ القوافي من مَكارمكم طيب
فإن أكُ مَحسوداً على حُرّ مَدحكم / فغَيرُ نَكيرٍ في الزمان الأعاجيب
أراني إذا ما قلت بيتاً تنَكّرَتْ / وجوهٌ كما غَشّى الصّحائفَ تتريب
أفي كلّ عصرٍ قلتُ فيه قصيدةً / عليّ لأهلِ الجهلِ لوْمٌ وتَثريب
وما غاظ حُسّادي سوى الصدق وحده / وما من سَجايا مِثليَ الإفكُ والحُوب
وما قصدُ مثلي في القَصيد ضراعَةٌ / ولا من خِلالي فيه حِرْصٌ وترغيب
أرى أعيُناً خُزْراً إليّ وإنّما / دليلا نفوسِ الناس بِشرٌ وتقطيب
أبِنْ موضِعي فيهم ليفخرَ غالبٌ / يَبِينُ بسيماه ويُدْحَرَ مغلوب
وقد أكثروا فاحكُم حكومةَ فيصَلٍ / ليُعرَفَ رَبٌّ في القريض ومرْبوب
فمدحُك مفروضٌ وحكمُك مرتضىً / وهديُك مرغوبٌ وسخطُك مرهوب
وذِكرُكَ تَقديسٌ وأنتَ دلالَةٌ / وحُبُّك تصديقٌ وبُغضُك تكذيب
ألا إنّما الدّنيا رِضاكَ لعاقِلٍ / وإلاّ فإنّ العيشَ هَمٌّ وتَعذيب
وإنْ طالَ عمرٌ في نَعيمٍ وغِبطَةٍ / فما هوَ إلاّ من يَمينكَ موْهوب
لمن صَولجانٌ فوقَ خدّكِ عابِثُ
لمن صَولجانٌ فوقَ خدّكِ عابِثُ / ومَن عاقدٌ في لحظ طرفكِ نافثُ
ومَن مذنِبٌ في الهجرِ غيَركِ مجرمٌ / ومَن ناقضٌ للعهدِ غيرَكِ ناكث
مليكٌ إذا مالَ الرّضى بجفونِهِ / رأيتَ مُميتاً بينَ عينيهِ باعِث
عيونَ المها لا سهمُكُنّ ملبَّثٌ / ولا أنا مما خامَرَ القلبَ لابث
أيحسَبُ ساري الليلةِ البدرَ واحداً / وفي كِلَلِ الأظعانِ ثانٍ وثالث
سرينَ بقُضْبِ البانِ وهي موائدٌ / تثنّى وكُثبِ الرّمل وهي عثاعث
أُريدُ لهذا الشمل جمعاً كعهدنا / وتأبَى خطوبٌ للنوى وحوادث
عَبِثتُ زماناً بالليالي وصَرفِها / فها هي بي لو تعلمون عوابث
لئن كان عشقُ النفس للنفس قاتلاً / فإنيَ عن حتفي بكفِّيَ باحِث
وإن كان عمرُ المرءِ مثلَ سَماحِهِ / فإنّ أميرَ الزّاب للأرْض وارث
إذا نحن جئناه اقتسمنا نوالَه / كما اقتُسمتْ في الأقربينَ الموارث
وإنّ حراماً أن يُؤمَّلَ غيرُه / كما حُرّمَتْ في العالَمين الخبائث
تَبَسَّمتِ الأيّامُ عنه ضواحكاً / كما ابتسمت حُوُّ الرياضِ الدمائث
وسَدّ ثُغورَ المُلكِ بعدَ انثلامِها / وقد أظلمتْ تلك الخطوبُ الكوارث
فما راد في بُحبوحة المُلك رائدٌ / ولا عاثَ في عِرّيسةِ اللّيثِ عائث
وقد كان طاحَ المُلكُ لولا اعتِلاقُه / حبائِلَ هذا الأمْرِ وهيَ رَثائِث
رَمَى جبلَ الأجبال بالصَّيْلَمِ التي / يغشّي جبينَ الشمس منها الكثاكث
وما راعهمْ إلاّ سُرادقُ جعفرٍ / تحُفُّ به أُسْدُ اللّقاءِ الدّلاهِث
فَجدّلهم عن صهوة الطِّرف راكبٌ / وأظعنهمْ عن جانب الطودِ ماكث
صقيلُ النُّهى لا ينكثُ السيفُ عهدَه / إذا غرّتِ القومَ العهودُ النكائث
مُضاعَفُ نسج العِرضِ يمشي كأنما / يلُوثُ به سِرْبالَ داودَ لائث
قديمُ بناءِ البيتِ والمجد أُسِّسَتْ / قواعدُه شرُّ الأمورِ الحدائث
سريعٌ إلى داعي المكارم والعُلى / إذا ما استريث النكس والنكس رائث
وما تستوي الشَّغواءُ غيرَ حثيثةٍ / قوادمُها والكاسراتُ الحثائث
شَجاً لِعِداه لا مزار نفوسهم / قريبٌ ولا الأعمار فيهِم لوابث
لَعمري لئن هاجُوكَ حرباً فإنّها / أكُفُّ رجالٍ عن مُداها بواحث
تركتَ فؤادَ الليثِ في الخيس طائراً / وقد كان زأْآراً فها هو لاهِث
فلا نُقِضَ الرأيُ الذي أنتَ مُبرمٌ / ولا خُذِل الجيشُ الذي أنت باعث
تورّعتَ عن دنياكَ وهي غَريرةٌ / لها مبسِمٌ بَردٌ وفرعٌ جُثاجِث
وما الجودُ شيئاً كان قبلك سابقاً / بل الجودُ شيءٌ في زمانك حادث
كأنّك في يومِ الهِياجِ مرَنَّحٌ / تهِيجُ المثاني شَجْوَه والمثالث
لئن أثَّ ما بيني وبينك في النّدى / فإنّ فروع الواشجات أثائث
نظمتُ رقيقَ الشعر فيك وجَزلَه / كأنّيَ بالمَرجان والدُّرّ عابث
سقيتُ أعاديكَ الذُّعافَ مُثَمَّلاَ / كأنّ حُبابَ الرّملِ من فيّ نافث
حلفتُ يميناً إنّني لكَ شاكرٌ / وإنّي وإنْ برّتْ يميني لحانث
وكيف ولم تشكركَ عنّي ثلاثةٌ / وما ولدتْ سامٌ وحامٌ ويافث
أمِنْكِ اجْتِيازُ البرْقِ يلتاحُ في الدُّجى
أمِنْكِ اجْتِيازُ البرْقِ يلتاحُ في الدُّجى / تَبَلّجْتِ مِنْ شَرْقِيّهِ فتبلّجَا
كأنّ به لمّا شَرى منكِ واضحاً / تبسّم ذا ظَلمٍ شنيباً مُفَلَّجا
مُطارُ سنىً يُزجي غماماً كأنّما / يُجاذبُ خَصْراً في وشاحك مُدمجا
ينوءُ إذا ما ناءَ منك رُكامُه / برادفَةٍ لا تَستَقِلُّ منَ الوَجَى
كأنّ يداً شَقّتْ خِلالَ غُيومِهِ / جُيوباً أوِ اجتابَتْ قباءً مُفرَّجا
هلمّا نُحيّي الأجرَعَ الفردَ واللّوى / وعُوجا على تلك الرّسومِ وعَرّجَا
مواطىءُ هِنْدٍ في ثَرىً مُتَنَفِّسٍ / تَضَوّعَ مِنْ أردانِها وتأرّجا
مُنَعَّمَةٌ أبْدَتْ أسِيلاً مُنَعَّماً / تضرّجَ قبلَ العاشقين وضرّجا
إذا هَزّ عِطْفَيْها قَوامٌ مُهَفْهَفٌ / تَداعى كثِيبٌ خَلفَهَا فترَجْرَجا
أنافِسُ في عِقْدٍ يُقبّلُ نَحْرَها / وأحْسُدُ خَلخالاً عليها ودُمْلُجا
لقد فُزتُ يوم النابضين بنظرةٍ / فلم تَلْقَ إلاّ بَدْرَ تّمٍ وهَودَجا
وأسْعَدَني مُرْفَضُّ دمعي كأنها / تَساقَطُ رأدَ اليْومِ دُرّاً مُدَحْرَجا
ألَذُّ بما تَطْويه فيكِ جَوانحي / وأشجى تَباريحاً وأسْتعْذِب الشَّجا
أجَدِّكَ ما أنْفَكُّ إلاّ مُغَلِّساً / يجوز الفَلا أو ساريَ الليل مُدلِجا
ترفّعَ عنّا سِجْفُه فكأنّه / يُحيّي بيحيَى صبْحَه المتبَلِّجا
ترامَى بنا الأكوارُ في كلّ صَحصَحٍ / تَظَلُّ المهاري عُسَّجاً فيه وُسَّجا
سَرَينا وفودَ الشّكر من كلّ تلعةٍ / إذا ما وَزَعنا الليلَ باسمك أُسرجا
غمَرْتَ ندىً جزْلاً فلا البْرقُ خُلَّباً / لديكَ ولا المزْنُ الكنَهْوَرُ زِبرِجا
وما أمَّكَ العَافُونَ إلاّ تعرّفُوا / جنابَكَ مأنُوساً وظِلَّكَ سَجسَجا
ولم تُرَ يوْماً غيرَ عاقِدِ حُبوةٍ / لتدبيرِ مُلْكٍ أو كمِيّاً مُدَجَّجَا
وكنْتَ إذا ثارَتْ عَجاجَةُ قَسْطَلٍ / فجَلّلَتِ الأفقَ البَهيمَ يَرَندَجا
تخلّلْتَها في المَعرَكِ الضَّنكِ مُقدِماً / وخُضْتَ غِمارَ الموت فيها مُلجِّجا
فلم ترَ إلاّ بارقاً متألّقاً / تخَلّلَهَا أو كَوكَباً مَتأجّجا
فداؤك نفسي ماجِداً ذا حفيظَةٍ / يُدير رَحى العَليا على قُطُبِ الحِجى
وسيّدَ ساداتٍ إذا ما رأيتَه / عَرَفْتَ يمَانيّ النّجار متوَّجا
تألّقَ في أوضاحِهِ وحُجُولِهِ / فلم تَرَ عيني منظراً كان أبهَجا
لقد نَبّهَ الآدابَ بعدَ خُمُولِها / وجَدّدَ منها عافِي الرّسمِ مَنهَجا
له شِيمَةٌ كالأرْيِ صَفْوٌ سِجالُها / وما السَّمُّ إلاّ أن يُقانَى ويُمزَجا
ألا لا يَرُعْه بأسُ يومِ كريهةٍ / فلن يَذعَرَ اللّيثُ الهِزَبْرُ مُهَجهِجا
نَحى المغربَ الأقصى بسَطْوةِ بأسِهِ / فغادَرَه رَهْواً وقد كان مُرتَجا
مُطِلاٍّ على الأعداءِ يُنهِجُ بينها / بسُمْرِ العوالي والقواضِبِ مَنهَجا
ليالي حُروبٍ شِدْتَ فيها لجعْفَرٍ / مَآثِرَ لم يُخْلِفْنَه فيك ما رجا
وكمْ بِتَّ يقظانَ الجفونِ مُسهَّداً / تُريهِ شُموسَ الرأيِ في غَسَقِ الدُّجى
فلاحَظَ عَضْباً عن يمينكَ مُرْهَفاً / وطِرْفاً جَواداً عن يسارك مُسْرَجا
وكم لكَ من يوْمٍ بها جِدِّ مُعلَمٍ / يُصَلّي الأعادي جَمرَه المُتَوَهِّجا
تَقومُ به بينَ السّماطَينِ خاطِباً / إذا يومَ فَخْرٍ ذو البيانِ تَلجْلَجا
أيا زكريّاءَ الأغَرّ أهِبْ بَها / وقائعَ ألهَجْنَ القريضَ فألهِجا
لِتَهْنِئْكَ أمثالُ القوافي سوائراً / وكُنْتَ حرِيّاً أن تُسَرّ وتُبْهَجا
فَدُمْ للشّبابِ المُرجَحِنّ وعَصْرِهِ / تُؤمَّلُ فينا للخُطوب وتُرتَجَى
أنُظلِمُ أن شِمنا بوارقَ لُمَّحا
أنُظلِمُ أن شِمنا بوارقَ لُمَّحا / وضحنَ لساري الليل من جنب تُوضحا
بعينك أن باتت تُحرِّقُ كُورَها / محجَّلةً غُرّاً من المُزنِ دُلَّحا
ولمّا احتضَنّ الليلَ أرهَفنَ خصرَهُ / فباتَ بأثناء الصّباح مُوشَّحا
تَحمّلَ ساريها إلينا تحِيّةً / فهيّجَ تذكاراً ووَجداً مُبرِّحا
وعارضَهُ تِلقاءَ أسماءَ عارضٌ / تَكفّى ثَبيرٌ فوقَهُ فترجّحا
ولمّا تَهادَى نكّبَ البِيدَ مُعْرِضاً / وأتْأقَ سَجْلاً للرّياض فَطفّحا
تَدلّى فخِلتُ الدُّكنَ من عَذَباتهِ / كواسِرَ فُتْخاً في حِفافيْه جُنَّحا
لِتَغْدُ غَواديهِ بمُنعَرج اللّوى / موائحَ رَقراقٍ من الرِّيّ مُتَّحا
سقَته فمجّتْ صائك المسكِ حُفَّلاً / تسُحُّ وأذرَتْ لؤلؤ النظم نُضَّحا
فلم تُبق من تلك الأجارع أجرعاً / ولم تُبقِ من تلك الأباطح أبطَحا
وللّه أظْعانٌ ببُرْقَةِ ثَهْمَدٍ / وقد كرَبتْ تلك الشموسُ لتَجنحا
أجَدِّكَ ما أنْفَكُّ إلاّ مُغَبَّقاً / بكأس النوى صِرْفاً وإلاّ مصَبَّحا
وأبيضَ من سِرّ الخِلافَةِ واضِحٍ / تجلّى فكان الشمسَ في رونقِ الضّحى
عنيفٌ ببَذلِ الوَفرِ يَلحي عُفاتَه / على صَفَدٍ ما كان نُهزَةَ من لَحى
تَوَخّاهُمُ قبلَ السؤالِ تبرّعاً / بمعروفِ ما يُولي وسِيلَ فأنجحا
صَحا أهلُ هذا البذل ممّنْ عَلمتَه / وأمسكَ بالأموال نشوانُ ما صَحا
ذروا حاتماً عنّا وكَعباً فإنّنا / رأيناه بالدنيا على الدين أسمحا
أريكَ به نَهْجَ الخلافة مَهيَعاً / يُبين وأعلامَ الخلافة وُضَّحا
كثيرُ وجوه الحزْم أردى به العِدى / وأنحى به ليْثَ العَرينَةِ فانتحى
ولمّا اجتباه والملائكُ جُندهُ / لمَهلكهم دارت على قُطبها الرّحى
فقلّدهَا جَمَّ السياسةِ مِدرهاً / إذا شاء رام القصْدَ أو قال أفصَحا
نحاهم به أمضى من السيف وَقعُه / وأجزَلَ من أركان رَضوى وأرجحا
وقد نَصَحَتْ قُوّادُه غيرَ أنّني / رأيتُ ربيبَ المُلكِ للملكِ أنصَحا
رآه أميرُ المؤمنين كعهدِهِ / تشبُّ لَظى الهيجاء ألفَحَ ألفَحا
رَمى بك قارونَ المغاربِ عاتياً / وفرعونَها مستحيياً ومذبِّحا
ورامَ جِماحاً والكتائبُ حَولَه / فوافاكَ في ظلّ السُّرادق أجمَحا
فلمّا اطلَخَمّ الأمرُ أخفَتَ زأرَه / فمجمج تعريضاً وقد كان صرّحا
مُرَدِّدُ جأشٍ في التراقي فضَحتَه / وكانتْ له أُمُّ المنيّةِ أفضَحا
ومُطّرِحُ الآراءِ ما كَرّ طَرفَه / ولا ارتدّ حتى عادَ شِلْواً مُطرَّحا
فلم يُدْعَ إرناناً ولا اصْطفَقَتْ له / حلائلُه في مأتَمِ النَّوح نُوَّحا
وغُودِرَ في أشياعهِ نَبأً وقدْ / مَحوْتَ به رسمَ الدّلالة فامّحى
وأدركتَ سُولاً في ابن واسول عَنوةً / وَزَحزَحتَ منه يذبُلاً فتزَحزَحا
وإلا أبنْه في العُصاةِ فإنّني / أرى شارباً منهم يميل مُرَنَّحا
يموت ويَحْيا بينَ راجٍ وآيسٍ / فكانَ له الهُلْكُ المُواشكُ أرْوَحا
تضَمّنَه حَجْلٌ كلَبّة أرقَمٍ / إذا خَرِسَ الحادي ترَنّمَ مُفصِحا
أُريكَ بمرآةِ الإمَامَةِ كاسْمها / على كُورِ عَنْسِ والإمامَ المرشَّحا
وقد سَلَبَتْه الزّاعبيّةُ ما ادّعى / فأصْبحَ تِنّيناً وأمسَى ذُرَحْرَحا
فما خطبهُ شاهَتْ وجوه دُعاتهِ / وجُدّعَ من مأفون رأيٍ وقُبّحا
وكان الجذاميُّ الطويلُ نجادُه / بهيماً مَدى أعصارِهِ فتوضّحا
عَجِلتَ له بَطشاً وإنّ وراءه / لَخَرْقاً من البيد المرَوراتِ أفيحا
مُعاشِرُ حربٍ يحلب الدهرَ أشطُراً / فلم يتّرِكْ سَعْياً ولم يأتِ مَنجَحا
أقولُ له في موثَقِ الأسرِ عاتباً / تُجاذبُه الأغلالُ والقيدُ مُقْمَحا
لئن حَمَلَتْ أشياعُ بغْيكَ فادحاً / يغولُ لقد حُمّلتَ ما كان أفدحا
ولا كابنه أذكى شهاباً بمعركٍ / وأجمحَ في ثِنْي العنانِ وأطمحا
مَرَت لك في الهيجاء ماءَ شبابهِ / يدٌ فَجّرَتْ منه جداولَ سُيَّحا
وأثكَلْتَه منه القضيبَ تهَصّرَتْ / أعاليه والرّوْضُ المُفوَّفُ صُوّحا
لَعَمري لَئنْ ألحقتَهُ أهلَ ودّه / لقد كان أوحاهم إلى مأزِقِ الرّحى
وكم هاجعٍ ليلَ البَياتِ اهتَبَلتَه / فصَبّحتَه كأسَ المنيّةِ مُصْبِحا
وهدّمْتَ ما شادَ العِنادُ وقد رَسَتْ / أواخِيهِ في تلك الهَزاهزِ رُجَّحا
على حينَ ضَجّ الأفقُ من شُرفاتهِ / وأعنانِهِ حتى هَوَتْ فتَفَسّحا
وقد كان باباً مُرْتَجاً دونَ جَنّةٍ / فلمّا دَنَتْ تلك اليمينُ تَفتَّحا
ليالي حُروبٍ كُنّ شُهْباً ثَواقباً / لها شُعَلٌ كانتْ سَمائمَ لُفَّحا
رأى ابنُ أبي سفيانَ فيها رشادَه / وعَفّى على إثْرِ الفسادِ وأصْلحا
دَعاكَ إلى تأمينهِ فأجَبْتَه / ولو لم تَدارَكْه بعارفةٍ طَحا
وفي آلِ موسى قد شنَنتَ وقائعاً / أهَبْتَ لهم تلك الزّعازع لُقَّحا
فلمّا رأوا أنْ لا مفَرّ لهارِبٍ / وأبدَتْ لهم أُمُّ المنيّة مَكلَحا
وأكدى عليهم زاخرُ اليمّ مَعبراً / وضاقَ عليهم جانبُ الأرضِ مسرَحا
صَفحتَ عن الجانينَ مَنّاً ورأفةً / وكنتَ حريّاً أن تَمُنّ وتَصفحا
وقد أزمعوا عن ذلكَ السِّيفِ رِحْلَةً / فملّكْتَ أَولاهمْ عِناناً مُسرَّحا
وكان مَشيدُ الحصْنِ هَضْبَ مُتالعٍ / فغادَرْتَه سَهْباً بتَيْماءَ صَحصَحا
قضى ما قضى منه البَوارُ فلم يُقَلْ / نعمتَ ولا حُيّيتَ مُمسىً ومُصْبَحا
معالِمُ لا يُنْدَبنَ آوِنَةً ولا / تنوحُ حمامُ الأيك فيهنّ صُدَّحا
وكانوا وكانَتْ فترةٌ جَاهِليّةٌ / فقد نَهّجَ اللّهُ السبيلَ وأوضَحا
لأفلحَ منهم مَن تزكّى وقادَهُ / حوارِيُّ أملاكٍ تَزكّى وأفلحا
حلفتُ بمستَنّ البِطاحِ أليّةً / وبالركن والغادي عليه مُمسِّحا
لَرُدّوا إلى الآياتِ مُعجِزةً فلو / لمستَ الحصى فيهم بكفّيكَ سَبّحا
سرى وجناحُ الليلِ أقتمُ أفتَخُ
سرى وجناحُ الليلِ أقتمُ أفتَخُ / ضجيعُ مِهادٍ بالعبيرِ مُضَمَّخُ
فحيّيْتُ مُزْوَرَّ الخَيالِ كأنّه / مُحَجَّبُ أعلى قُبّةِ المَلْكِ أبلخُ
وما راعَ ذاتَ الدَّلّ إلاّ مُعَرَّسي / ومُلْقى نِجادي والجُلالُ المنوَّخُ
وخِرقٌ له في لِبْدَةِ الليْثِ مَرتعٌ / وفي لهواتِ الأرقمِ الصَّلِ مَرسَخُ
إذا زارها انحطّتْ عُقابُ مَنيّةٍ / وليسَ لها إلاّ الجَماجِمُ أفرُخُ
يَحِلُّ على الأمْواهِ تُتْلَعُ دونَها / رؤوسُ العوالي والمذاكي فتُشدخُ
بحيث مَجَرُّ الجيش وهوَ عَرَمْرَمٌ / وأجْبُلُه من قَسطلٍ وهيَ شُمَّخُ
بَميْثاءَ تَروي المسكَ بالخمرِ كلما / تَسلسَلَ فيها جَدولٌ يتنضّحُ
بها أُرْجُوانِيُّ الشقيقِ كأنّه / خُدورٌ تُدَمّى أو نحورٌ تُلَخْلَخ
لئن كان هذا الحسنُ يُعجَمُ أسطُراً / لأنْتِ التي تُمْلينَ والبدرُ يَنسَخ
ثكلْتُكِ شَمْساً من وَرَاء غَمامَةٍ / وجَنّةَ خُلْدٍ دونَها حالَ بَرزَخ
فإنْ تسأليني عن غليلٍ عَهِدتِهِ / فكالجمرِ في خَدّيْكِ لا يتبوّخ
ألا لا تُنَهْنِهْني الخطوبُ بحادثٍ / فلي همّةٌ تَبري الخطوبَ وتَنتِخ
فلا تَشْمَخِ الدّنْيا عليّ بقَدْرِها / فإنّي بأيام المُعزّ لأَشمَخ
يؤيّدهُ المقدارُ بالِغَ أمْرِهِ / ويُمْدَحُ بالسَّبْع المَثاني ويُمدَخ
فمَهْلاً عِداه ما على اللّه مَعْتَبٌ / وليس لما يأتي به الوَحيُ مَنسَخُ
لكَ الأرضُ دونَ الوارثينَ وإنما / دعَوتَ الورى فيها عُفاةً فبخبَخوا
أشَبْتَ قُرونَ المُلكِ قبلَ مشيبهِ / فأرضاكَ منه أشْيَبُ الحلم أشيَخ
تَفَرّدتَ بالآراءِ لا يومُها غَدٌ / ولا سُرُجُ الآياتِ فيهنّ بُوَّخ
وليس ظِهارٌ يحجُبُ الغيبَ دونَها / ولكنّها قدسيّةٌ فيه تَرسُخ
على الشمس دون البدر منها أسرّةٌ / وفي يَذْبُلٍ منها شَماريخُ بُذَّخ
وقد وفَد الأسطولُ والبحرُ طالبَيْ / ندى مُزْمعي هيجاءَ هذا لذا أخ
كما التَهَبَتْ في ناظرِ البرقِ شُعلةٌ / تلَقّى سَناها من فمِ الرّيح مَنفَخ
لديكَ جنودُ اللّهِ غضْبَى على العِدى / لها منكَ في الجندِ الرُّبوبيّ مُصرِخ
فلو أنّ بحراً يَلتَهِمنَ عُبابَه / لمَرّ نُفاثاً بينَها يتسَوّخ
ترى الفجرَ منها تحتَ ليلٍ مُسبَّجٍ / كأنّ حداداً فيه بالنِّقْسِ يُلطَخ
لها لَجَبٌ يستجفلُ المزنَ صَعقُه / ويقْرَعُ سمعَ الرّعدِ زأراً فيصمخ
زئيرُ ليوثٍ مُدّ في لهَواتها / وهَدْرُ قُرومٍ في الشقاشق بخبخوا
نَضوا كلّ لَفْحٍ من غِرارِ مهنّدٍ / هو الجَمرُ إلاّ أنّه ليس يُنفَخ
يَشُقُّ جُيوبَ الغِمْدِ عنه اتقادُه / وللحيّةِ الرّقشاءِ في القيظ مَسلخ
إلى كُلّ عَرّاصِ الكُعوب كأنّه / نَوَى القَسْبِ إلاّ أنه ليس يُرضَخ
بكلّ ثِقافٍ من عواليكَ مَدعَسٌ / وفي كلّ سِمحاقٍ من الرأس مَشدَخ
لقد سارتِ الرُّكْبانُ بالنّبَإِ الذي / يَشيبُ له طفلٌ وينصاتُ أجْلخ
وضَجّتْ له الأصنامُ إن ضَجيجَها / صَدىً من بني مروان حرّان يَصرخ
بني هاشمٍ هل غَيرُ عَصْرٍ مُذَلَّلٍ / لَياليهِ أقْتابٌ عليها وأشْرُخ
أتيتم وراء الهول فاليمّ مَشرَعٌ / وقرَّبتمُ الآفاق فالأرض فرسخ
وكنتُمْ إذا ما ماجَ عُثنونُ قسطلٍ / كما اغبرّ مجهولُ المخارِم سَرْبَخ
قَرَيتُمْ سباعَ الأرض في كل معركٍ / كأنّ القنا فيه طُهاةٌ وطُبَّخ
وقُدتُمْ إلَيْها كُلَّ ذي جَبَريّةٍ / على المُقرَباتِ الجُرْد تَبأى وتبذخ
من الطالباتِ البرْقَ لا الشأو مُرهَقٌ / ولا العِطف مجنوب ولا الرِّدف أبزخُ
إذا شَدَخَتْه مَشْقَةٌ أنّ مُوقَذاً / حَسيراً كما أنّ الأميمُ المُشدَّخ
كثيرُ جِهاتِ الحسنِ تَهمي جداولاً / ولكنّها بين المحاجر ثُوَّخ
يُعَوَّذُ من مكحولةِ الخِشفِ إن بدا / ويُنضَحُ نفْتَ الراقياتِ ويُنْضَخ
فداءٌ لفاديكم من الناس معشرٌ / لَهم رَوعُ دهرٍ منكمُ ليس يُفْرَخ
رجالٌ أضّلوا رائداً وهَدَيتُمُ / وجَلّيتُمُ عنه العَماءَ وطَخطخوا
لعَمري لئن كانت قريشاً بزَعمها / فإنّا وجَدنَا طينةَ المسكِ تَسنَخ
نصَحتَ ملوكَ العُرْبِ والعُجم بالتي / يراها عَمٍ منهم ويسمع أصْلخ
أتدْرونَ أيُّ المَاءِ أكثرُ ساقياً / وأيُّ جبالِ اللّه في الأرضِ أرسخ
هُدىً واعتصاماً قبل تُطمس أوجهٌ / تُشاه بلَعْنِ اللاعنينَ وتُمْسخ
مُعِزُّ الهُدى للّهِ حَوضُ شفاعةٍ / يُسلسَلُ تحتَ العرش رِيّاً ويَنقخ
سقيتَ فلا لبُّ اللبيبِ مُعَطَّشٌ / لديكَ ولا كافورَةُ العهدِ تَسنخ
مُبينٌ بعَقدِ التاج ما أنتَ بالغٌ / وميقاتُ مَلْكِ الخافقَينِ المؤرَّخ
وأينَ بثَغْرٍ عنكَ يُبْغى سِدادُه / وخيلُكَ في كرخيّة الكرخ تُكرخ
وقد عجمَتْ هندَ الملوك وسِندَهَا / ليالٍ تركنَ الفيلَ كالبَكرِ يَقْلخ
لأصْليتَها ناراً هي النّارُ لا التي / تُنَتِّخُ فيها ألفَ عامٍ وتُمْرَخ
فإن يَختطِفْها الدينُ خَطفَةَ بارقٍ / فمنْ أسَدٍ ناتي البراثنِ تُمْلَخ
أآياتُ نَصْرٍ أمْ ملائكُ حُوَّمٌ / وأطرافُ أرضٍ أم سَماءٌ تُدَوَّخ
وما بلغتْكَ البُردُ أنضاءَ نيّةٍ / ولكنّها أرماقُ ريحٍ تَفسَّخ
سَرَينَ فخلّفْنَ النّجومَ كأنّها / هَجائنُ عِيسٍ في المبارِكِ نُوَّح
فقُلْ للخميس الطُّهْرِ إنّ لواءكمْ / نخا نخوةَ النصرِ المُعِزِّيّ فانتَخوا
ألِكْني إليهم والتّنائفُ دونهم / سقَتهم أهاضيبٌ من المُزن نُضَّخ
كهولٌ بنادي السلم قد عقدوا الحُبى / شبابٌ إذا ما ضَجّ في الحيّ صُرَّخ
لَنِعْمَ وُكورُ الدينِ تَدرُجُ بينها / فإنّا رأينا دارجَ الطّيرِ يُفْرِخ
وأخْلِقْ به فالعنزُ تُنتَجُ سَخْلَةً / ويبزلُ نابٌ بعد ذاك ويَشرخ
ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ
ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ / وفي الحَيّ أيْقاظٌ ونحنُ هُجُودُ
وقد أعجَلَ الفَجرُ المُلَمَّعُ خَطَوها / وفي أُخْرَياتِ اللّيلِ منْهُ عَمودُ
سرَتْ عاطلاً غضْبَى على الدُّرّ وحده / فلَم يدرِ نحرٌ ما دَهاه وجِيدُ
فَما برِحتْ إلاّ ومن سِلكِ أدْمُعي / قَلائِدُ في لَبّاتِها وعُقُودُ
وما مُغزِلٌ أدْماءُ دانٍ بَريرُها / تَرَبَّعُ أيْكاً ناعِماً وتَرُودُ
بأحْسَنَ منها حِينَ نَصّتْ سَوالِفاً / تَرُوغُ إلى أتْرابِها وتَحِيدُ
ألَمْ يأتِها أنّا كَبُرْنا عنِ الصِّبَى / وأنّا بَلينا والزّمانُ جَديدُ
فلَيتَ مَشيباً لا يزالُ ولم أقُلْ / بكاظمَةٍ ليتَ الشّبابَ يَعودُ
ولم أرَ مثلي ما له من تجلُّدٍ / ولا كجفوني ما لهنّ جُمودُ
ولا كالليالي ما لَهُنّ مواثِقٌ / ولا كالغواني ما لَهُنّ عُهُود
ولا كالمُعِزّ ابْنِ النبيّ خليفةً / له اللّهُ بالفضلِ المبينِ شَهِيد
وما لسماءٍ أن تُعَدّ نجومُها / إذا عُدّ آباءٌ لهُ وجُدود
فأسيافُهُ تلك العواري نصولُها / إلى اليوم لم تُعْرَفْ لهُنّ غُمود
ومِنْ خَيْلِهِ تلك الجوافِلُ إنّهَا / إلى الآن لم تُحْطَطْ لهُنّ لُبود
فيا أيها الشّانِيهِ خَلْفَكَ صادياً / فإنّكَ عن ذاك المَعِينِ مَذود
لغيرِكَ سُقيا الماء وهو مُرَوَّقٌ / وغيرِك رفُّ الظلّ وهو مَديد
نجاةٌ ولكنْ أينَ منكَ مَرامُها / وحوضٌ ولكن أين منكَ ورود
إمَامٌ لهُ ممّا جهِلتَ حقيقةٌ / وليس لهُ مما علمتَ نَديد
من الخطَلِ المعدودِ أن قيلَ ماجِدٌ / ومادِحُهُ المُثْني عليه مَجِيد
وهل جائزٌ فيهِ عَمِيدٌ سَمَيْذَعٌ / وسائلُهُ ضَخْمُ الدّسيعِ عَمِيد
مدائحُهُ عن كلّ هذا بمَعْزَلٍ / من القولِ إلاّ ما أخَلّ نشيد
ومَعلومُها في كلّ نفسٍ جِبِلّةٌ / بها يَسْتهلّ الطفلُ وهو وليد
أغيرَ الذي قد خُطّ في اللوح أبتغي / مديحاً لهُ إنّي إذاً لَعَنُود
وهل يستوي وحيٌ من اللّه مُنزَلٌ / وقافيةٌ في الغابرينَ شَرُود
ولكن رأيتُ الشعرَ سُنّةَ مَن خَلا / له رَجَزٌ ما ينقضي وقصيد
شكرْتُ وِداداً أنّ منكَ سَجيّةً / تَقَبّلُ شُكرَ العبدِ وهو وَدود
فإنْ يكُ تقصيرٌ فمني وإنْ أقُلْ / سَداداً فمرْمَى القائلين سديد
وإنّ الذي سَمّاكَ خيرَ خليفَةٍ / لَمُجري القضاءِ الحتمَ حيث تريد
لكَ البَرُّ والبحرُ العظيمُ عُبابُهُ / فسِيّانِ أغمارٌ تُخاضُ وبِيد
أمَا والجواري المنشَآتِ التي سَرت / لقد ظاهَرَتْها عُدّةٌ وعَديد
قِبابٌ كما تُزْجَى القبابُ على المَها / ولكنّ مَنْ ضَمّتْ عليه أُسود
وللّهِ ممّا لا يرون كتائبٌ / مُسَوَّمَةٌ تَحْدُو بهَا وجنُود
أطاعَ لها أنّ الملائكَ خلفَها / كما وقَفَتْ خلْفَ الصّفوفِ ردود
وأنّ الرّياحَ الذارياتِ كتائبٌ / وأنّ النجومَ الطّالعاتِ سُعود
وما راعَ مَلْكَ الرّوم إلاّ اطّلاعُها / تُنَشَّرُ أعْلامٌ لها وبنُود
عَلَيْها غَمامٌ مُكْفَهِرٌّ صَبيرُه / لهُ بارقاتٌ جَمّةٌ ورُعود
مَواخرُ في طامي العُباب كأنّهُ / لعَزْمكَ بأسٌ أو لكفّك جود
أنافَتْ بها أعلامُها وسَما لها / بناءٌ على غيرِ العَراء مَشيد
وليسَ بأعلى كبْكَبٍ وهو شاهقٌ / وليس من الصُّفّاحِ وهو صَلود
من الرّاسياتِ الشُّمّ لولا انتقالُها / فمنها قِنَانٌ شُمَّخٌ ورُيود
من الطّيرِ إلاّ أنّهُنّ جَوارِحٌ / فليسَ لها إلاّ النفوسُ مَصيد
من القادحاتِ النّارَ تُضْرَمُ للطُّلى / فليس لها يومَ اللّقاء خُمود
إذا زَفَرَتْ غَيظاً ترَامَتْ بمارجٍ / كما شُبّ من نَارِ الجحيمِ وقُود
فأنفاسُهُنّ الحامياتُ صَواعقٌ / وأفواهُهُنّ الزافراتُ حَديد
تُشَبُّ لآلِ الجاثليقِ سَعيرُهَا / وما هيَ منْ آل الطريدِ بعيد
لها شُعَلٌ فوقَ الغِمارِ كأنّها / دِماءٌ تَلَقّتْها ملاحفُ سود
تُعانِقُ موجَ البحرِ حتى كأنّهُ / سَليطٌ لها فيه الذُّبالُ عَتيد
ترى الماءَ منْها وهو قانٍ عُبابُهُ / كما باشَرَتْ رَدْعَ الخَلوق جُلود
وغيرُ المذاكي نَجْرُها غيرَ أنّهَا / مُسوَّمَةٌ تحتَ الفوارسِ قُود
فليس لها إلاّ الرّياحَ أعِنّةٌ / وليسَ لها إلاّ الحَبابَ كَديد
ترى كلَّ قَوداءِ التليلِ كما انثنَتْ / سَوالِفُ غِيدٌ للمَها وقُدود
رحيبةُ مَدّ الباعِ وهي نَتيجةٌ / بغيرِ شَوىً عذراءُ وهيَ وَلود
تكبّرْنَ عن نَقْعٍ يُثارُ كأنّها / مَوالٍ وجُردُ الصافِناتِ عبيد
لها من شُفوفِ العبقريّ ملابِسٌ / مُفوَّفَةٌ فيها النُّضارُ جَسيد
كما اشتملتْ فوق الأرائكِ خُرَّدٌ / أوِ التَفَعَتْ فوقَ المنابرِ صِيد
لَبوسٌ تكفُّ الموجَ وهو غُطامِطٌ / وتَدْرَأُ بأسَ اليَمّ وهو شديد
فمنها دُروعٌ فوقها وجَواشنٌ / ومنها خفاتينٌ لها وبُرود
ألا في سبيلِ اللّهِ تَبْذُلُ كلَّ مَا / تَضِنُّ به الأنواءُ وهْيَ جُمود
فلا غَرْوَ أنْ أعزَزْتَ دينَ محمّدٍ / فأنْتَ لهُ دونَ الأنامِ عقيد
وباسمِكَ تدعوهُ الأعادي فإنْهُمْ / يُقِرّونَ حَتْماً والمُرادُ جُحود
غَضِبتَ له أن ثُلّ بالشامِ عرشُهُ / وعادَكَ من ذكر العواصم عِيد
فبِتَّ له دونَ الأنام مُسَهَّداً / ونامَ طَليقٌ خائنٌ وطريد
برَغْمِهِمُ أن أيّدَ الحَقَّ أهلُهُ / وأن باءَ بالفعلِ الحميدِ حميد
فللوحْي منهمْ جاحِدٌ ومكذِّبٌ / وللدينِ منهُمْ كاشِحٌ وعَنود
وما سرّهم ما ساءَ أبناءَ قَيصرٍ / وتلك تِراتٌ لم تزَلْ وحُقود
هُمُ بَعُدُوا عنهم على قُرْبِ دارِهم / وجَحْفَلُكَ الدّاني وأنتَ بَعيد
وقلتُ أناسٍ ذا الدمستقُ شكرَهُ / إذا جاءهُ بالعفْوِ منكَ بَريد
وتقبيلَهُ التُّربَ الذي فوقَ خدّهِ / إلى ذِفْرَيَيْهِ من ثَراه صَعيد
تُناجيكَ عنه الكُتْبُ وهي ضراعَةٌ / ويأتيك عنه القولُ وهو سُجود
إذا أنكرتْ فيها التراجِمُ لفظَهُ / فأدمُعُهُ بينَ السّطورِ شُهود
لياليَ تَقفو الرُّسْلَ رُسْلٌ خواضعٌ / ويأتيكَ من بعد الوفود وفود
وما دَلَفَتْ إلاّ الهُمومُ وراءَهُ / وإنْ قال قومٌ إنّهُنّ حُشود
ولكن رأى ذُلاًّ فهانَتْ مَنِيّةٌ / وجَرّبَ خُطباناً فلَذّ هَبيد
وعرّضَ يَسْتجدي الحِمامَ لنفسِهِ / وبعضُ حِمامِ المُستريح خُلود
فإنْ هَزّ أسيافَ الهِرَقْلِ فإنّهَا / إذا شِئْتَ أغلالٌ له وقيودُ
أفي النومِ يستامُ الوغى ويشُبُّهَا / ففيمَ إذاً يلقَى القَنا فيحيد
ويُعْطي الجِزا والسلمَ عن يدِ صاغرٍ / ويقضي وصدرُ الرّمحِ فيه قصيد
يُقَرِّبُ قُرْباناً على وَجَلٍ فإنْ / تَقَبّلْتَهُ مِنْ مِثْلِهِ فسِعيد
أليسَ عجيباً أنْ دعاكَ إلى الوغى / كما حَرّضَ الليثَ المُزَعْفَرَ سِيدُ
ويا رُبّ منْ تُعلِيهِ وهو مُنافِسٌ / وتُسْدي إليه العُرْفَ وهو كَنود
فإنْ لم تكنْ إلاّ الغوايةُ وحدها / فإنّ غِرارَ المَشرفيّ رَشيد
كذا بكَ عَزمٌ للخطوبِ مُوكَّلٌ / علهيم وسيفٌ للنفوس مُبيد
إذا هَجروا الأوطانَ رَدّهُمُ إلى / مصارِعِهِم أن ليس عنك مَحِيد
وإنْ لم يكُنْ إلاّ الدّيارُ ورُعْتَهُمْ / فتلكَ نَواويسٌ لهم ولُحُود
ألا هل أتاهُمْ أنّ ثغرَكَ مُوصَدٌ / وليسَ له إلاّ الرماحَ وصِيد
وليسَ سواءً في طريقٍ لسالكٍ / حُدورٌ إلى ما يبتغي وصُعُود
وعزْمُكَ يلقى كلَّ عزْمٍ مُمَلَّكٍ / كما يَتَلاقَى كائدٌ ومَكيد
وفُلكك يلقى الفلكَ في اليمّ من علٍ / كما يتَلاقَى سَيّدٌ ومَسود
فليتَ أبا السبطين والتربُ دونَه / يَرى كيف تُبْدي حكمَه وتُعيد
ومَلْكَكَ ما ضمّتْ عليه تهائمٌ / ومَلْكَكَ ما ضَمّتْ عليه نجود
وأخذَكَ قسراً من بني الأصفر الّذي / تذَبذَبَ كسرى عنه وهو عنيد
إذاً لرأى يُمناك تخضِبُ سيفَهُ / وأنتَ عن الدين الحنيفِ تَذود
شهدتُ لقد أُوتيتَ جامعَ فضْلِهِ / وأنتَ على علمي بذاكَ شَهيد
ولو طُلِبَتْ في الغيثِ منكَ سجيّةٌ / لقد عَزّ موجودٌ وعزّ وُجود
إليك يفِرُّ المسلِمونَ بأسرِهِمْ / وقد وُتِروا وتْراً وأنتَ مُقيد
وإنّ أميرَ المؤمنينَ كعهدِهِمْ / وعندَ أمير المؤمنينَ مزيد
بلى هذه تَيماءُ والأبْلَقُ الفَرْدُ
بلى هذه تَيماءُ والأبْلَقُ الفَرْدُ / فسل أجَماتِ الأُسْد ما فعل الأُسْدُ
يقولونَ هل جاءَ العراقَ نذيرُها / فقلتُ لهم ما قالتِ العِيس والوَخد
أصيخوا فما هذا الذي أنا سامعٌ / برَعدٍ ولكن قَعقَعَ الحَلَقُ السَّرد
تؤمُّ أميرَ المؤمنين طوالعاً / عليه طلوعَ الشمس يقدمُها السَّعد
فتوحاتُ ما بينَ السماءِ وأرضِها / لها عند يومِ الفخرِ ألسنةٌ لُدُّ
سيَعْبَقُ في ثوبِ الخليفةِ طيبُهَا / وما نَمّ كافورٌ عليه ولا نَدُّ
وتُعْقَدُ إكْليلاً على رأس مَلْكِهِ / وتُنْظَمُ فيه مثلَ ما نُظمَ العِقد
حَروريَّةٌ ما كبّرَ اللّهَ خاطبٌ / عليها ولا حَيّا بها مَلِكاً وفْد
وكانت هيَ العجماءَ حتى احْتبى بها / ملوكُ بني قحطانَ والشِّعرُ والمجد
لذاكَ تراها اليومَ آنَسَ من مِنىً / وأفْيَحَ من نَجدٍ وما وصلتْ نجْد
وما رُكزَتْ في جوّها قبلك القَنا / ولا ركَضَتْ فيها المسوَّمةُ الجُرد
ولا التمعتْ فيها القِبابُ ولا التقَتْ / بها لَأْمَةٌ سَرْدٌ وقافيةٌ شَرْد
رَفَعْتَ عليها بالسُّرادقِ مثلَها / وجلَّلْتَها نوراً وساحاتُها رُبْد
يقابلُ منكَ الدّهرُ فيها شبيهَ مَا / يقابل من شمس الضُّحى الأعين الرُّمد
مَباءةُ هذا الحيِّ من جنِّ عبقَرٍ / فليس لها بالإنْسِ في سالفٍ عهد
تذوبُ لقُرْبِ الماءِ لولا جَمادُها / وتُحرق فيها الشمس لولا الصفا الصَّلد
معَ الفَلك الدَّوّار لا هي كوكبٌ / ولا هي مما يُشْبهُ الرَّيدُ والفِند
ولولا الهُمامُ المعتلي لتعذَّرتْ / على أبطُنِ الحيّاتِ أقطارُها المُلد
وأعْيَت فلم يَحمِلْ بها بَزَّ فارسٍ / حِصانٌ ولم يثبُتْ على ظهرِها لِبد
ولمّا تجَلّى جعْفَرٌ صَعِقتْ لَهُ / وأقبلَ منها طورُ سَيناءَ يَنهدُّ
شَهِدتُ له أنّ الملائكَ حولَهُ / مُسوَّمَةٌ واللّهُ من خلفِهِ رِدُّ
أقَمْنَا فمنْ فُرسانِنا خُطباؤنا / ومنبرُنا من بِيض ما تطبعُ الهِنْد
ولو لم يقُمْ فيها بحمدِكَ خاطبٌ / علينا وفينا قامَ يخطُبُنا الحَمد
على حين لم يُرْفَعْ بها لخليفةٍ / مَنارٌ ولم يَشدُدْ بها عُرْوَةً عَقْدُ
وكانت شجاً للمُلكِ سِتّينَ حِجّةً / وما طيبُ وَصْلٍ لم يكنْ قبلَه صَدُّ
بها النارُ نار الكفرِ شُبَّ ضِرامُها / ولو حُجبَت في الزَّنْدِ لاحترقَ الزَّند
فمن جَمْرَةٍ قد أُطفئَتْ مَخْلديّةٍ / وأُخرى لها بالزّابِ مذ زمَنٍ وَقْد
رأتْ هاشمٌ من تلك ما قد بدا لها / وفي هذه مَكنُونُ ما لم يكن يبدو
وعادَ لها الدّاءُ القديمُ فأصبحتْ / بها نافِضٌ منه وليس بها وِرْد
وكُفَّ على بحرٍ إلى اليوم موجُهُ / فليس له جَزْرٌ وليس له مَدُّ
وعادتْ بهم حرب الأزارق لاقِحاً / وإن لم يكن فيها المُهَلَّبُ والأزد
حوادثُ غُلْبٌ في لُؤيِّ بنِ غالِبٍ / وخَطْبٌ لعَمرُ اللّه في أُدَدٍ إدُّ
أطافت بخِرْقٍ يَسبِقُ القولَ فعلُهُ / فليس ليوميه وعيدٌ ولا وعد
فليس له من غير طِرفٍ أريكةٌ / وليس له من غير سابغةٍ بُرْد
فتىً يشجعُ الرِّعديدُ من ذكر بأسه / ويشرُفُ من تأميله الرجلُ الوَغد
ولمّا اكفهَرَّ الأمْرُ أعجَلتَ أمرَهَا / فألقَتْ وَليدَ الكفر وهي له مَهْد
أخَذْتَ على الأعداء كلَّ ثنيَّةٍ / وأعقبتَ جُنداً واطئاً ذيلَه جُند
كأنَّ لهمْ من حادث الدهرِ سائِقاً / يسوقُهُمُ أو حادياً بهمُ يحدو
كأنّك وكَّلتَ الغَمامَ بحربهم / فمن عارضٍ يمسي ومنْ عارضٍ يغدو
كأنَّ عليهم منك عَنقاءَ تعتلي / فليس لها من أن تَخَطَّفَهُم بُدُّ
من الصائداتِ الإنسَ بينَ جُفونها / إذا ما جرَتْ بَرْقٌ وفي ريشها رَعد
فلمّا تقنَّصْتَ الضّراغِمَ منهُمُ / فلم يبقَ إلاّ كُسعةٌ خلفهم تعدو
كثيرٌ رزاياهمْ قليلٌ عديدُهم / وكانوا حصى الدهناء جمعاً إذا عُدُّوا
أتَوكَ فلم يُرْدَدْ مُنيبٌ ولم يُبَح / حريمٌ ولم يُخمَش لغانيةٍ خَدُّ
وما عنْ أمانٍ يومَ ذاكَ تَنَزَّلوا / ولكنْ أمانُ العفوِ أدركهُم بَعْد
ألا رُبَّ عانٍ في يديك مُصَفَّدٍ / شكتْ ذِفرَياه القِدَّ حتى اشتكى القِدُّ
بعَيْنَيَّ يومَ العفوِ حتى أعَدْتَه / نشوراً وحتى شُقَّ عن ميَّتٍ لحد
نُهِيتُ عن الإكثار في جعفرٍ ولنْ / يقاسَ بشيءٍ كلُّ شيءٍ لهُ ضِدُّ
إذا كانَ هذا العفْوُ من عزَماتِهِ / ففي أيِّ خطب الدهر يُستغرق الجهد
إذا كان تدبيرُ الخلائِقِ كلِّهَا / له لَعِباً فانظُرْ لمن يُذخَرُ الجِدُّ
فما ظنُّكم لو كان جرَّدَ سيفَهُ / إذا كان هذا بعض ما فَعَل الغِمد
وما كان بِين الجوِّ بالشمس فوقهم / تُكَوَّرُ إلاّ أن يُسَلَّ له حدُّ
لأمرٍ غدتْ في كفِّه الأرضُ قبضَةً / وقرَّبَ قُطْرَيها وبينهما بُعد
وغودِرَ شأوُ السابقينَ لسابقٍ / له مَهيَعٌ من حيثُ لم يعلموا قَصد
ألا عبقرِيُّ الرأي يَفري فَرِيَّه / ألا نَدُسٌ طَبٌّ ألا حازمٌ جَلد
وأحرى بِمنْ أقْيالُ قَحطانَ كلُّها / له خَوَلٌ أنْ لا يكون له نِدُّ
فيا أسَدَ اللّهِ المسَلَّطَ فيهمُ / أتَعْلمُ ما يَلقى بكَ الأسدُ الوَردُ
وللّهِ فيما شئتَ فينَا مشيَّةٌ / فإمّا فَناءٌ مثلَ ما قيل أو خُلد
شهدتُ لقد مُلِّكتَ بالزّاب تَدمُراً / وفُتِّحَ في أيام إقبالكَ السَّدُّ
ومِثلُكَ مَن أرضَى الخليفةَ سعيُهُ / فإن رضيَ المولى فقد نَصَحَ العبد
تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ
تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ / فقُل لبَني العباسِ قد قُضيَ الأمْرُ
وقد جاوزَ الاسكندريّةَ جوهَرٌ / تُطالعُه البُشرَى ويقْدُمُه النَّصْر
وقد أوفَدَتْ مصْرٌ إليه وفُودَهَا / وزِيدَ إلى المعقود من جِسرِها جسر
فما جاء هذا اليومُ إلاّ وقد غدَتْ / وأيديكُمُ منها ومِنْ غَيرِها صفْر
فلا تُكثِروا ذكرَ الزمان الذي خلا / فذلك عصْرٌ قدْ تَقَضّى وذا عَصْر
أفي الجيش كنتمْ تمْترونَ رُويدكمْ / فهذا القنا العرّاصُ والجحفلُ المَجْر
وقد أشرَفَتْ خيلُ الإله طوالِعاً / على الدين والدنيا كما طَلَعَ الفجر
وذا ابنُ نبيِّ اللّه يطلُبُ وِتْرَهُ / وكانَ حَرٍ أن لا يضيعَ له وِتر
ذَرُوا الوِرْدَ في ماء الفُراتِ لخيلِهِ / فلا الضَّحلُ منه تمنعون ولا الغَمر
أفي الشمس شكٌّ أنها الشمسُ بعدما / تجلَّتْ عِياناً ليس من دونها سِتر
وما هي إلاّ آيةٌ بعْد آيةٍ / ونُذْرٌ لكم إن كان يغنيكم النُّذر
فكونوا حصيداً خامدينَ أوِ ارعَوُوا / إلى مَلِكٍ في كفِّه الموتُ والنشر
أطِيعوا إماماً للأئمّةِ فاضِلاً / كما كانتِ الأعمالُ يَفضُلُها البِرُّ
رِدُوا ساقياً لا تَنزِفونَ حِياضَهُ / جَموماً كما لا تَنزِفُ الأبحُرَ الذَّرُّ
فإن تتبعوه فهو مولاكمُ الّذي / له برسولِ اللّه دونكمُ الفخر
وإلاّ فبعُداً للْبَعِيدِ فبينَهُ / وبينكُمُ ما لا يُقرِّبُهُ الدّهر
أفي ابنِ أبي السِّبْطَينِ أم في طليقكم / تنَزَّلَتِ الآياتُ والسُّوَرُ الغُرُّ
بَني نَتْلَةٍ ما أورَثَ اللّهُ نَتْلَةً / وما نسَلَتْ هل يستوي العبدُ والحُرُّ
وأنّى بهذا وهي أعْدَتْ برِقِّهَا / أباكم فإياكم ودعوىً هي الكُفر
ذرُوا الناسَ رُدُّوهم إلى من يَسوسهم / فما لكمُ في الأمرِ عُرْفٌ ولا نُكْرُ
أسَرْتُمْ قُروماً بالعراق أعِزَّةً / فقد فُكَّ من أعناقهم ذلك الأسر
وقد بزَّكم أيامَكُم عُصَبُ الهُدى / وأنصارُ دينِ اللّهِ والبِيضُ والسُّمر
ومُقْتَبَلٌ أيامُه متهلِّلٌ / إليه الشبابُ الغَضُّ والزَّمنُ النَّضر
أدارَ كما شاءَ الوَرَى وتحيَّزَتْ / على السّبعةِ الأفلاكِ أنمُلُه العَشر
أتدرونَ مَن أزكى البريّةِ منَصِباً / وأفضلُها إنْ عُدِّدَ البدْوُ والحضْر
تَعالَوا إلى حُكّام كلِّ قَبيلةٍ / ففي الأرض أقيالٌ وأنْديةٌ زُهْر
ولا تَعْدِلوا بالصِيدِ من آلِ هاشمٍ / ولا تتْرُكوا فِهرْاً وما جمعَتْ فِهْر
فجيئوا بمن ضَمَّتْ لُؤيُّ بن غالبٍ / وجيئوا بمن أدتْ كِنانَةُ والنَّضْر
ولا تَذَرُوا عليا مَعَدٍّ وغيرِهَا / لِيُعْرَفَ منكم مَن له الحقُّ والأمر
ومن عجَبٍ أنَّ اللسانَ جرَى لهمْ / بذكرٍ على حين انقضَوا وانقضى الذكر
فبادُوا وعفّى اللّهُ آثارَ مُلكِهِمْ / فلا خَبَرٌ يلقاكَ عنهمْ ولا خُبْر
ألا تِلكمُ الأرضُ العريضةُ أصحبتْ / وما لبني العبّاس في عرضِها فِتر
فقد دالتِ الدنيا لآل محمّدٍ / وقد جرَّرت أذيالَها الدولةُ البِكر
ورَدَّ حقوقَ الطالبيّينَ مَن زكَتْ / صنائعُه في آلهِ وزكا الذُّخر
مُعِزُّ الهُدَى والدين والرَحِمِ التي / به اتَّصَلتْ أسبابُها ولهُ الشُّكْر
مَنِ انتاشَهُم في كلِّ شرقٍ ومَغربٍ / فبُدّلَ أمْناً ذلك الخوْفُ والذُّعْرُ
فكُلُّ إمَامِيٍّ يجيءُ كأنّمَا / على يدِهِ الشِّعْرَى وفي وجهه البدر
ولمّا تولّتْ دولةُ النُّصْبِ عنهمُ / تولّى العمى والجهلُ واللؤمُ والغدرُ
حقوقٌ أتَتْ من دوِنها أعصُرٌ خلتْ / فما ردَّهَا دَهْرٌ عليهم ولا عصر
فجرَّدَ ذو التّاج المقاديرَ دونها / كما جُرِّدتْ بِيضٌ مضاربُها حُمرُ
فأنْقَذَهَا من بُرْثُنِ الدّهرِ بعدما / تَواكَلَها القِرْسُ المُنَيَّب والهصرُ
فأجرْى على ما أنْزَلَ اللهُ قَسْمَها / فلم يُتَخَرَّمْ منهُ قُلٌّ ولا كُثْر
فدونكموها أهلَ بيتِ محمدٍ / صَفَتْ بمُعِزّ الدين جمّاتُها الكُدر
فقد صارتِ الدنيا إليكم مصيرَها / وصار له الحمدُ المضاعَفُ والشكر
إمامٌ رأيْتُ الدِّينَ مُرْتَبِطاً بِهِ / فطاعتُهُ فوزٌ وعِصْيانُهُ خُسْر
أرى مدحَهُ كالمدح للهِ إنّهُ / قُنوتٌ وتسبيحٌ يُحَطُّ به الوِزر
هو الوارثُ الدُّنيا ومن خُلقتْ لهُ / من الناس حتى يلتقي القُطرُ والقُطر
وما جهِلَ المنصورُ في المهدِ فضلَهُ / وقد لاحتِ الأعلامُ والسِّمَةُ البَهر
رأى أن سيُسْمَى مالكَ الأرض كلها / فلمّا رآهُ قال ذا الصَّمَدُ الوَتْر
وما ذاكَ أخذاً بالفِراسة وَحدَها / ولا أنّه فيها إلى الظنِّ مضطَرُّ
ولكنًّ موجوداً من الأثَر الذي / تَلقَّاهُ من حِبرٍ ضَنينٍ به حِبْر
وكنزاً من العِلم الرُّبوبيِّ إنّهُ / هو العلمُ حقّاً لا القِيافةُ والزَّجْر
فبشر به البيتَ المحرَّمَ عاجِلاً / إذا أوجفَ التطوافُ بالناس والنَّفر
وها فكأنْ قد زارَهُ وتَجانَفَتْ / به عن قصور المُلك طَيْبةُ والسُّرُّ
هل البيتُ بيتُ اللهِ إلاّ حريمُهُ / وهل لغريبِ الدار عن دارِه صَبر
منازلُهُ الأولى اللَّواتي يشُقْنَهُ / فليس له عنهُنَّ معْدىً ولا قصْر
وحيثُ تلَقّى جدُّهُ القدسَ وانتحَتْ / له كلماتُ اللهِ والسرُّ والجَهرُ
فإن يَتَمَنَّ البيتُ تلك فقد دَنَتْ / مواقيتُها والعُسرُ من بعدهِ اليُسر
وإن حَنَّ من شوْقٍ إليكَ فإنّهُ / لَيوجَدُ من رَيّاكَ في جوِّه نَشْر
ألستَ ابنَ بانيهِ فلو جئتَهُ انجَلَتْ / غواشيه وابيضَّتْ مناسكهُ الغُبْر
حبيبٌ إلى بطحاءِ مكّةَ موسِمٌ / تُحيّي مَعَدّاً فيه مكّةُ والحِجْر
هناك تُضيءُ الأرضُ نوراً وتلتقي / دُنُوّاً فلا يَستبعِدِ السَّفَرَ السَّفْر
وتدري فُروضَ الحجِّ من نافِلاتِهِ / ويمتازُ عندَ الأمَّةِ الخَيرُ والشرُّ
شهِدتُ لقد أعززتَ ذا الدينَ عزَّةً / خَشِيتُ لها أن يَستبِدَّ به الكِبْر
فأمضَيتَ عَزماً ليس يَعصيك بعدَه / من الناس إلاّ جاهلٌ بك مغترُّ
أُهنّيكَ بالفتْحِ الذي أنا ناظِرٌ / إليه بعَينٍ ليسَ يُغمِضُها الكفْر
فلم يَبقَ إلا البُردُ تَتْرَى وما نأى / عليكَ مدىً أقصى مواعيده شَهر
وما ضَرَّ مصراً حينَ ألقَتْ قِيادَهَا / إليكَ أمَدَّ النّيلُ أم غالَهُ جَزْر
وقد حُبِّرَتْ فيها لك الخُطَبُ التي / بدائعُها نَظْمٌ وألفاظُها نَشْر
فلم يُهَرَقْ فيها لذي ذمَّةٍ دمٌ / حرامٌ ولم يُحمَلْ على مسلِمٍ إصْر
غدا جوهرٌ فيها غمامةَ رحمَةٍ / يَقي جانبَيها كلَّ حادثةٍ تَعْرُو
كأنّي به قد سارَ في الناس سيرةً / تَوَدُّ لها بغْدادُ لو أنّها مِصْر
وتحسُدُهَا فيه المشارقُ أنّهُ / سواءٌ إذا ما حلَّ في الأرض والقَطر
ومن أين تَعْدوهُ سياسةُ مثلِها / وقد قُلِّصَتْ في الحربِ عن ساقِه الإزر
وثُقِّفَ ثَثْقيفَ الرُّدَيْنيِّ قبلَهَا / وما الطِّرْفُ إلاّ أن يُهذِّبَهُ الضُّمر
وليسَ الذي يأتي بأوَّل ما كفى / فشُدَّ به مُلْكٌ وسُدَّ به ثَغر
فما بمداه دون مَجدٍ تَخَلُّفٌ / ولا بخُطاهُ دونَ صالحةٍ بُهْر
سننْتَ له فيهم من العدلِ سُنَّةً / هي الآيةُ المُجْلى ببُرْهَانِها السّحر
على ما خلا من سنَّةِ الوحي إذْ خلا / فأذيالُها تضفو عليهم وتنجّرُّ
وأوصيتَهُ فيهم برِفقكَ مُرْدَفاً / بجودكَ معقوداً به عهدُك البَرُّ
وصاةً كما أوصى بها اللهُ رُسْلَهُ / وليس بأُذنٍ أنت مُسْمِعُها وَقْر
وثنَّيْتَها بالكُتْبِ من كلِّ مُدْرَجٍ / كأنَّ جميعَ الخيرِ في طَيّهِ سَطْر
يقولُ رجالٌ شاهَدوا يوم حكمِهِ / بِذا تُعْمَرُ الدُّنيا ولو أنّها قَفْر
بِذا لا ضِياعٌ حَلَّلوا حُرُماتِهَا / وأقطاعَها فاستُصفيَ السَّهْلُ والوعْر
فحسبُكمُ يا أهلَ مِصرٍ بعَدْلِهِ / دليلاً على العدل الذي عنه يَفترُّ
فذاك بيانٌ واضحٌ عن خليفةٍ / كثيرُ سواهُ عند معروفه نَزْر
رضينا لكُمْ يا أهلَ مِصرٍ بدولَةٍ / أطاعَ لنا في ظلِّها الأمْنُ والوَفْر
لكُمْ أُسْوةٌ فينا قديماً فلم يكنْ / بأحوالنا عنكم خَفاءٌ ولا سَتر
وهل نحنُ إلاّ مَعشَرٌ من عُفاتِهِ / لنا الصافناتُ الجُردُ والعَكَرُ الدَّثْر
فكيْفَ مَوالِيهِ الّذينَ كأنّهُمْ / سَماءٌ على العافينَ أمطارُهَا التِّبْر
لَبِسْنا به أيّامَ دهرٍ كأنّمَا / بها وَسَنٌ أو مالَ مَيلاً بها السُّكْر
فيا مالِكاً هَديُ الملائكِ هَديُهُ / ولكنّ نَجْرَ الأنْبياء له نَجر
ويا رازقاً من كفِّهِ نَشَأ الحَيَا / وإلاّ فمِنْ أسرارِها نَبَعَ البحر
ألا إنّما الأيامُ أيامُكَ الّتي / لك الشَّطرُ من نعمائها ولنا الشَّطر
لك المجد منها يا لك الخيرُ والعُلى / وتَبقى لنا منها الحَلوبةُ والدَّرُّ
لقد جُدْتَ حتى ليس للمالِ طالِبٌ / وأنفقْتَ حتى ما لمُنْفِسَةٍ قَدْر
فليسَ لمن لا يرتقي النجمَ هِمَّةٌ / وليس لمن لا يستفيدُ الغِنى عُذر
وَدِدتُ لجِيلٍ قد تقَدَّمَ عصرُهم / لوِ استأخروا في حَلبة العُمرِ أو كروا
ولو شَهِدوا الأيامَ والعيشُ بعدهم / حدائقُ والآمالُ مونِقَةٌ خُضْر
فلو سَمِعَ التثويبَ مَن كان رِمَّةً / رُفاتاً ولبّى الصوتَ مَن ضَمَّه قَبر
لناديتُ من قد ماتَ حيَّ بدولةٍ / تُقامُ لها الموتى ويُرتَجَعُ العمر
ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا
ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا / وأوردَ عن رأي الإمام وأصدَرا
هديَّةُ مَن أعطى النَّصيحةَ حقّها / وكانَ بما لم يُبصِرِ الناسُ أبصَرا
ألا هكذا فلتُجْلَبِ العِيسُ بُدَّناً / ألا هكذا فلتُجنَبِ الخيلُ ضُمَّرا
مُرَفَّلَةً يسْحبنَ أذيالَ يُمنَةٍ / ويركُضْنَ ديباجاً وَوَشْياً مَحبَّرا
تَراهُنَّ أمثالَ الظباءِ عَواطِياً / لَبِسنَ بِيبَرينَ الربيعَ المُنَوَّرا
يُمَشِّينَ مشيَ الغانياتِ تهادياً / عليهنَّ زِيُّ الغانِياتِ مُشَهَّرا
وجَرَّرنَ أذيالَ الحِسان سوابغاً / فعلَّمْنَ فيهنَّ الحِسانَ تَبختُرا
فلا يَستُرَنَّ الوَشيُ حُسنَ شِياتِها / فيَسْتُرَ أحلى منه في العين منظَرا
تَرى كلَّ مكحول المدامعِ ناظِراً / بمقلةِ أحوى ينفُضُ الضَّأل أحورا
فكمْ قائِلٍ لمّا رآها شوافِناً / أمَا تركوا ظَبياً بتَيماءَ أعفرا
وما خِلتُ أنَّ الروْضَ يختالُ ماشِياً / ولا أن أرَى في أظهُرِ الخيل عَبقرا
غداةَ غدتْ من أبلقٍ ومُجَزَّعٍ / ووردٍ ويَحمومٍ وأصدى وأشقرا
ومن أدرَعٍ قد قُنِّعَ الليلَ حالكاً / على أنّه قد سُرْبلَ الصبحَ مُسفِرا
وأشعلَ ورديٍّ وأصفرَ مُذْهَبٍ / وأدهمَ وضّاحٍ وأشهبَ أقمرا
وذي كُمْتَةٍ قد نازَعَ الخمرَ لونَها / فما تدَّعيهِ الخمرُ إلاّ تنمَّرا
محجَّلَةً غُرّاً وزُهراً نواصعاً / كأنَّ قُباطِيّاً عليها مُنشَّرا
ودُهْماً إذا استقبلْنَ حُوّاً كأنّما / عُلِلنَ إلى الأرساغ مسكاً وعنبرا
يُقِرُّ بعيني أن أرى من صِفاتِها / ولا عجبٌ أن يُعجِبَ العينَ ما تَرى
أرى صُوَراً يستعبدُ النفسَ مثلُها / إذا وجدتْهُ أو رأتْهُ مُصَوَّرا
أُفَكِّهُ منها الطَّرْفَ في كلِّ شاهِدٍ / بأنَّ دليلَ اللّهِ في كلِّ ما برا
فأخلِسُ منها اللحظَ كلَّ مُطَهَّمٍ / ألَذَّ إلى عينِ المُسَهَّدِ مِن كرَى
وكلَّ صَيودِ الإنسِ والوحش ثم لا / يُسائلُ أيٌّ منهُمُ كان أحضَرا
تَوَدُّ البُزاةُ البِيضُ لوْ أنّ قوتَها / عليه ولم تُرْزَقْ جَناحاً ومِنْسَرا
وَوَدَّتْ مهاةُ الرَّمل لو تُركتْ لهُ / فأعطَتْ بأدنَى نظرةٍ منه جُؤذَرا
ألا إنّما تُهدَى إلى خير هاشمٍ / وأفضلِ مَن يَعلو جَواداً ومنبَرا
مَنِ استَنَّ تفضيلَ الجِياد لأهلِها / فأوطأهَا هامَ العِدى والسَّنوَّرا
وجَلَّلَها أسلابَ كلِّ مُنافِقٍ / وكلِّ عنيدٍ قد طغى وتجبَّرا
وقلَّدها الياقوتَ كالجمرِ أحمراً / يُضيءُ سَناهُ والزُّمرُّدَ أخضرا
وقَرَّطَها الدُّرَّ الذي خُلقَتْ لهُ / وِفاقاً وكانتْ منه أسْنى وأخْطرا
فكم نظمِ قُرطٍ كالثُّريّا مُعَلَّقٍ / يزيدُ بها حُسناً إذا ما تمَرمَر
وكم أُذُنٍ من سابحٍ قد غدتْ بهِ / يُناطُ عليها مُلْكُ كِسرى وقيصرا
تحلّى بما يستغرِقُ الدهرَ قيمةً / فتختالُ فيه نخوةً وتكبُّرا
وما ذاك إلاّ أن يُخاضَ بها الرَّدى / فتَنهَشَ تِنّيناً وتَضْغَمَ قَسْوَرا
فطَوراً تُسقّى صافيَ الماءِ أزرقاً / وطَوراً تُسقّى صائكَ الدمِ أحمرا
لذاك ترى هذا النُّضارَ مُرصَّعاً / عليها وذاكَ الأتْحميَّ مُسيَّرا
إذا ما نَسيجُ التِّبرِ أْضحى يُظلُّها / أفاءَ لها منْهُ غماماً كَنَهْوَرا
وأهْلٌ بأنْ تُهْدَى إليه فإنّهُ / كَناها وسمّاها وحَلّى وسَوَّرا
وأسكنَها أعْلى القِبابِ مَقاصِراً / وأحسنَها عاجاً وساجاً ومَرْمَرا
وبَوَّأها من أطَيبِ الأرضِ جَنّةً / وأجرى لها من أعذبِ الماءِ كوثرا
يُجِدُّ لها في كلِّ عامٍ سُرادقاً / ويَبني لها في كلِّ عَلياء مَظهرا
ألا إنّما كانت طلائعُ جوهَرٍ / ببعضِ الهدايا كالعُجالةِ للقِرى
ولو لم يُعجِّلْ بعضَها دون بعضِها / لضاقَ الثَّرى والماءُ طُرْقاً ومعبَرا
أقولُ لِصَحْبي إذ تلقَّيْتُ رُسْلَهُ / وقد غَصَّتِ البيَداءُ خُفّاً ومَنسِرا
وقد مارَت البُزلُ القناعيسُ أجبُلاً / وقد ماجَتِ الجُرْدُ العناجيجُ أبحُرا
فطابَتْ ليَ الأنْباءُ عنهُ كأنّهُ / لَطائمُ إبْلٍ تحملُ المِسكَ أذفَرا
لعَمري لئن زانَ الخلافةَ ناطِقاً / لقد زانَ أيّامَ الحروبِ مُدبِّرا
تَضِجُّ القَنَا منْهُ لمَا جَشَّمَ القَنَا / وتَضْرَعُ منه الخيلُ والليل والسُّرَى
هو الرمحُ فاطعنْ كيفَ شئتَ بصدره / فلن يَسأمَ الهيجا ولن يتكسَّرا
لقد أنجَبَتْ منه الكتائبُ مِدْرَهاً / سريعَ الخُطى للصّالحاتِ مُيسَّرا
وصَرَّفَ منه الملكُ ما شاء صارماً / وسهماً وخَطّيّاً ودِرعاً ومِغفرا
ولم أجدِ الإنسانَ إلاّ ابنَ سعيهِ / فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهِمَّةِ العَلياءِ يُرقى إلى العلى / فمن كان أرقى هِمّةً كان أظهرا
ولم يتَأخَّرْ مَن يريد تقدُّماً / ولم يتَقَدَّمْ من يريد تأخُّرا
وقد كانتِ القوّادُ من قبلِ جوهرٍ / لَتَصْلَحُ أن تسعَى لِتخدمَ جوهرا
على أنهم كانوا كواكبَ عصرهم / ولكن رأينا الشمسَ أبهى وأنوَرا
فلا يُعْدِمَنَّ اللّهُ عبدَكَ نَصْرَه / فما زالَ منصورَ اليدَين مُظفَّرا
إذا حاربتْ عنهُ الملائكةُ العِدى / ملأنَ سماءَ اللّه باسمكَ مُشعَرا
وما اخترْتَه حتى صفا ونفى القَذى / بلِ اللّهُ في أُمِّ الكتابِ تخيَّرا
ووكَّلْتَهُ بالجيشِ والأمْرِ كلِّهِ / فوكَّلت بالغِيلِ الهِزَبرَ الغضَنفرا
كأنّكَ شاهدْتَ الخفايا سوافراً / وأعجلتَ وجهَ الغيبِ أن يتَستَّرا
فعُرِّفْتَ في اليْوم البصيرَةَ في غدٍ / وشاركتَ في الرَّأي القضاءَ المقدَّرا
وما قِيسَ وَفُر المال في كلِّ حالةٍ / بجودك إلاّ كان جودُكَ أوفرا
فلا بُخُلٌ يا أكرمَ النّاس مَعشَراً / وأطيَبَ أبناءِ النبيِّينَ عُنصُرَا
فإنّك لم تترُكْ على الأرْض جاهِلاً / وإنّك لم تترُكْ على الأرْض مُعسِرا
ألا انظُرْ إلى الشمس المنيرةِ في الضحَى / وما قَبضَتْهُ أو تَمُدُّ على الثرى
فأثْقَبُ منها نارُ زَنْدِكَ للقِرى / وأشهرُ منها ذِكرُ جودك في الورى
بلغتُ بك العليا فلم أدنُ مادحاً / لأسألَ لكنّي دنوتُ لأشكُرا
وصدَّقَ فيكَ اللّهُ ما أنا قائِلٌ / فلستُ أُبالي مَن أقَلَّ وأكثرا
ما شِئتَ لا ما شاءَتِ الأقْدارُ / فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنْتَ النبيُّ مُحمّدٌ / وكأنّما أنصارُكَ الأنصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرُنَا بهِ / في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
هذا إمامُ المتَّقينَ ومَنْ بهِ / قد دُوِّخَ الطُّغيانُ والكُفّار
هذا الّذي تُرْجَى النجاةُ بحُبِّهِ / وبه يُحَطُّ الإصْرُ والأوزار
هذا الذي تُجدي شفاعتُه غداً / حقّاً وتخمُدُ أنّ تراهُ النّار
من آل أحمدَ كلُّ فخْرٍ لم يكُنْ / يُنْمَى إليهم ليس فيه فَخار
كالبدرِ تحتَ غَمامةٍ من قَسطَلٍ / ضَحْيانُ لا يُخفيهِ عنك سِرار
في جَحْفَلٍ هَتَمَ الثنايا وَقْعُه / كالبحر فهو غُطامِطٌ زَخّار
غَمَرَ الرِّعانَ الباذخاتِ وأغرَقَ ال / قُنَنَ المُنيفةَ ذلك التَّيّار
زَجِلٌ يُبِرِّحُ بالفضاءِ مَضِيقُهُ / فالسهْلُ يَمٌّ والجبِالُ بحار
للّه غزْوَتُهم غداةَ فراقسٍ / وقد استُشِبَّتْ للكريهةِ نار
والمُستظِلُّ سماؤهُ من عِثْيَرٍ / فيها الكواكبُ لَهْذمٌ وغِرار
وكأنَّ غَيضاتِ الرِّماحِ حدائقٌ / لُمَعُ الأسِنّةِ بينها أزهار
وثمارُها من عِظْلِمٍ أو أيْدَعٍ / يَنَعٍ فليس لها سواه ثِمار
والخيلُ تَمْرَحُ في الشَّكيمِ كأنّها / عِقبانُ صارَةَ شاقَها الأوكار
من كلِّ يعْبوبٍ سَبوحٍ سلْهَبٍ / حَصُّ السّياطِ عِنانُه الطيّار
لا يَطّبيهِ غيرُ كَبّةِ مَعْرَكٍ / أو هَبْوَةٌ من مَأقِطٍ ومَغار
سَلِطُ السنابك باللُّجَينِ مُخَّدمٌ / وأُذيبَ منْه على الأديم نُضار
وكأنَّ وفْرَتَهُ غَدائِرُ غادةٍ / لم يَلْقَها بُؤسٌ ولا إقْتار
وأحَمُّ حَلْكُوكٌ وأصفرُ فاقِعٌ / منها وأشهبُ أمهقٌ زَهّار
يَعْقِلنَ ذا العُقّال عن غاياتِهِ / وتقولُ أن لنْ يَخطُرَ الأخطار
مَرّتْ لغايتِها فلا واللّهِ ما / عَلِقَتْ بها في عَدْوِها الأبصار
وجَرَتْ فقلتُ أسابحٌ أم طائرٌ / هَلاّ استشَارَ لوَقعِهِنَّ غُبار
من آلِ أعوَجَ والصريح وداحسٍ / فيهنَّ منْها مِيسَمٌ ونِجار
وعلى مَطاها فِتيَةٌ شِيعيّةٌ / ما إن لها إلاّ الوَلاءَ شِعار
مِن كلِّ أغلبَ باسلٍ مُتخَمِّطٍ / كاللَّيْثِ فهو لقِرنه هَصّار
قَلِقٌ إلى يوم الهِياجِ مُغامرٌ / دَمُ كلِّ قَيْلٍ في ظُباهُ جُبار
إنْ تخْبُ نارُ الحْرب فهو بفتكِهِ / مِيقادُهَا مِضرَامُها المِغْوار
فأداتُهُ فَضْفاضَةٌ وتَريكَةٌ / ومثقَّفٌ ومُهنَّدٌ بتّار
أُسْدٌ إذا زارت وِجارَ ثعالِبٍ / ما إنْ لهَا إلاّ القلوبَ وِجار
حَفّوا براياتِ المُعِزِّ ومَن بهِ / تَسْتَبشِرُ الأملاكُ والأقطار
هل للدُّمستق بعد ذلك رَجْعَةٌ / قُضِيَتْ بسيفك منهمُ الأوطار
أضْحَوْا حصِيداً خامدين وأقفرتْ / عَرَصَاتُهُمْ وتعطّلَتْ آثار
كات جِناناً أرضُهم معروشةً / فأصابها من جيشه إعصار
أمْسَوْا عشاءَ عروبةٍ في غِبطةٍ / فأناخَ بالموْتِ الزّؤامِ شِيار
واستقطع الخَفَقانُ حَبَّ قلوبهم / وجلا الشرورَ وحُلَّتِ الأدعار
صدعت جيوشُك في العجاج وعانشتْ / ليلَ العَجاجِ فوِرْدُها إصدار
ملأوا البلادَ رغائباً وكتائباً / وقواضباً وشوازباً إن ساروا
وعواطفاً وعوارفاً وقواصفاً / وخوانِفاً يشتاقُها المِضمار
وجَداولاً وأجادلاً ومَقاولاً / وعواملاً وذوابلاً واختاروا
عكسوا الزّمانَ عَواثنِاً ودواخنِاً / فالصُّبْحُ ليلٌ والظَّلامُ نهار
سفَرُوا فأخلتْ بالشموس جباهُهُمْ / وتَمَعْجَرَتْ بغَمامها الأقمار
ورَسَوْا حِجىً حتى استُخِفَّ متالعٌ / وهَمَوا نَدىً فاستحيتِ الأمطار
وتَبَسَّموا فزَها وأخصَبَ ماحِلٌ / وافترَّ في رَوضاتِه النُّوّار
واستبسلوا فتخاضَعَ الشُّمُّ الُّذرَى / وسَطَوْا فذَلَّ الضيغمُ الزَّأآر
أبناءَ فاطمَ هل لنا في حشرِنا / لَجَأٌ سواكم عاصم ومجار
أنتم أحِبّاءُ الإلهِ وآلُهُ / خُلفاؤهُ في أرضهِ الأبرار
أهلُ النبوَّةِ والرِّسالةِ والهُدى / في البيّناتِ وسادةٌ أطهار
والوحيِ والتّأويلِ والتَّحريمِ وال / تحليلِ لا خُلْفٌ ولا إنكار
إن قيل مَن خيرُ البريّة لم يكُنْ / إلاّكُمُ خَلْقٌ إليه يُشار
لو تلمسونَ الصَّخرَ لانبجستْ بهِ / وتفجَّرَتْ وتدفّقَتْ أنهار
أو كان منكُمْ للرُّفاتِ مُخاطِبٌ / لَبَّوا وظنّوا أنّه إنشار
لستَمْ كأبناء الطليقِ المُرتدي / بالكُفْرِ حتى عضَّ فيه إسار
أبناءَ نتْلَةَ ما لكم ولمعشرٍ / هُمْ دوحةُ اللّهِ الذي يختار
رُدُّوا إليهم حقَّهم وتنكَّبوا / وتَحَمَّلوا فقد استحمَّ بَوار
ودَعوا الطّريق لفضلهم فهم الأُلى / لهُمُ بمَجْهَلةِ الطريقِ مَنَار
كم تَنهضُونَ بعبءِ عارٍ واصِمٍ / والعارُ يأنَفُ منكُمُ والنَار
يُلهِيهِمُ زَمْرُ المثاني كلّما / ألهاكُمُ المَثْنِيُّ والمِزْمار
أمُعِزَّ دينِ اللّه إنّ زمانَنا / بكَ فيه بَأوٌ جَلَّ واستكبار
ها إنّ مَصَر غداةَ صرْتَ قَطينَها / أحْرَى لتحسدها بك الأقطار
والأرضُ كادت تفخَرُ السبْعَ العلى / لولا يُظِلُّكَ سقفُها المَوّار
والدّهرُ لاذَ بحَقوَتيكَ وصرفُه / ومُلوكُهُ وملائكٌ أطوار
والبحرُ والنِّينانُ شاهدةٌ بكم / والشّامخاتُ الشُّمُّ والأحجار
والدَّوُّ والظُّلمانُ والذُّؤبانُ وال / غِزلانُ حتى خِرنِقٌ وفُرار
شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت بك ال / أرزاقُ والآجالُ والأعمار
عطِرت بك الأفواه إذ عذبت لك ال / أمواه حينَ صَفَتْ لكَ الأكدار
جلَّتْ صِفاتُكَ أن تُحَدَّ بِمقوَلٍ / ما يصْنعُ المِصْداقُ والمِكثار
واللّهُ خصَّكَ بالقُرانِ وفضلِه / واخجلتي ما تَبلُغُ الأشعار
قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري
قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري / وإلاّ فمشياً مثلَ مشْي القطا الكُدري
قِفا نتَبَيَّنْ أينَ ذا البرْقُ منهُمُ / ومن أين تسري الرّيح عاطرةَ النَّشْر
لعلَّ ثرَى الوادي الذي كنتُ مرّةً / أزورُهُمُ فيه تَضَوَّعَ للسَّفْر
وإلاّ فذا وادٍ يسيلُ بعنبرٍ / وإلاّ فما تدري الرِّكابُ ولا ندري
أكُلَّ كِناسٍ في الصَّريمِ تظنّه / كِناسَ الظباء الدُّعج والشُدَّن العُفر
فهَلْ علِموا أنّي أسِيرٌ بأرْضِهِمْ / وما لي بها غَيرُ التعسُّفِ منْ خُبرِ
ومن عجَبٍ أنّي أُسائلُ عنهمُ / وهُمْ بينَ أحْناءِ الجوانجِ والصدر
ولي سَكَنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ / فيبعُدُ عن عيني ويقرُبُ من فِكري
إذا ذكرَتْهُ النفسُ جاشتْ لذكرهِ / كما عثَرَ السّاقي بكأسٍ من الخمر
ولم يُبْقِ لي إلاّ حُشاشَةَ مُغْرَمٍ / طوَى نفَسَ الرَّمضاءِ في خلل الجمر
وما زِلْتُ تَرميني الليّالي بنَبْلِها / وأرمي اللّيالي بالتجلُّدِ والصَّبرِ
وأحملُ أيّامي على ظَهرِ غادةٍ / وتَحْمِلُني منها على مركَبٍ وعر
وآليْتُ لا أُعطي الزّمانَ مَقادَةً / إلى مثلِ يحيَى ثمّ أُغضي على وَتْرِ
وأنْجَدَني يحيَى على كلِّ حادثٍ / وقلَّدَني منه بصَمصَامتَيْ عَمْرِو
وخوَّلَني ما بينَ مَجدٍ إلى لُهىً / وأورثَني ما بينَ عُقْرٍ إلى عُقْرِ
حَللْتُ به في رأس غُمْدانَ مَنعةً / وتوَّجني تاجاً من العِز والفخر
وما عبِتُهُ إلاّ بأني وصَفتُهُ / وشبّهْتُهُ يوماً من الدهرِ بالقَطر
وما ذاكَ إلاّ أنّ ألسُنَنا جَرَتْ / على عادةِ التشبيه في النظمِ والنثر
فلا تسألاني عن زماني الذي خَلا / فوَالعصْرِ إني قبل يحيَى لفي خُسر
وحسبي بجَذْلانٍ كأنّ خِصالَهُ / أكاليلُ دُرٍّ فوقَ نَصْلٍ من التّبر
رقيقِ فِرِندِ الوجهِ والبِشرِ والرِّضَى / صقيلِ حواشي النفس والظرفِ والشعر
فيا ابنَ عليٍّ ما مدحتُك جاهِلاً / فإنكّ لم تُعدَلْ بشَفْعٍ ولا وَتْر
ويا ابنَ عليٍّ دُمْ لمَا أنْتَ أهْلُهُ / فأهْلٌ لعَقْدِ التاجِ دونَ بني النضر
فتىً عندهُ البيتُ الحرامُ لآمِلٍ / ولي منه ما بينَ الحَجون إلى الحِجر
ولمّا حططتُ الرَّحْلَ دون عِراصِهِ / أخذتُ أمانَ الدهر من نُوَب الدهر
وكادَ نَداهُ لا يَفي بالّذي جَنى / عليَّ من الإثم المُضاعَفِ والوِزْر
وذلكَ أني كنْتُ أجْحَدُ سَيْبَه / ومعروفَه عندي لعجزي عن الشكر
إذا أنا لم أقدِرْ على شُكْرِ فضْلِهِ / فكيْفَ بشكْرِ اللّه في موضعِ الحَشْر
حَنيني إليْهِ ظاعِناً ومُخيِّماً / وليسَ حنينُ الطيرِ إلاّ إلى الوكْرِ
فما راشتِ الأملاكُ سَهماً يَريشُه / وما بَرَتِ الأملاكُ سَهماً كما يَبري
فقد قيَّدَ الجُرْدَ السوابقَ بالرُّبَى / وقطَّعَ أنفاسَ العناجيج بالبُهْر
فيا جبلاً من رحمةِ اللّه باذِخاً / إليه يفِرُّ العُرْفُ في زمَن النُّكر
فداؤكَ حتى البدرُ في غَسَق الدُّجى / منيراً وحتى الشمس فضْلاً عن البدر
سلَبْتَ الحُسامَ المَشرَفيَّ خِصالَهُ / فهزَّتُهُ فيه ارتعادٌ من الذُّعر
ولو قيل لي مَنْ في البرِيّةِ كلِّها / سِواكَ على علمي بها قلتُ لا أدري
ألستَ الذي يَلْقى الكتائبَ وحدَهُ / ولو كُنَّ من آناءِ ليلٍ ومن فَجْرِ
ولو أنّ فيها رَدْمَ يأجوجَ من ظبىً / مُشَطَّبَةٍ أو مِن رُدَيْنِيّةٍ سُمْر
فرِفْقاً قَلِيلاً أيها الملِك الرِّضَى / بنفسك واتركْ منك حظّاً على قَدْر
فذاكَ وهذا كلُّهُ أنت مُدرِكٌ / فأشفقْ على العَليا وأشفِق على العمر
فبالسَّعْي للعَليا يُشادُ بناؤهَا / وفي اللهوِ أيضاً راحةُ النفس والفكر
ومن حقِّ نفسٍ مثل نفسك صَونُها / ليوم القَنا الخطِّيِّ والفتكةِ البِكر
ولو لم تُرِحْ صِيدُ الملوكِ نفوسَها / وَنَينَ لما حُمِّلْنَ من ذلك الإصر
غَضارةُ دنيا واعتدالُ شَبيبَةٍ / فما لك في اللذّاتِ واللهوِ من عُذر
ولا خيرَ في الدّنيا إذا لم يفُزْ بها / مليكٌ مُفَدّىً في اقتِبالٍ من العمر
ألا انْعَمْ بأيّامٍ ألَذَّ من المُنى / تحلَّتْ بآدابٍ أرَقَّ من السَّحر
فرغت من المجد الذي أنت شائد / فجرَّ ذيول العيش في الزمن النضر
لَتَهدا جِيادٌ ليس تنفكُّ من سُرىً / ويسكُنُ غمضٌ ليس تنفكُّ من نَفر
ومثلُك يدعو المرهَفَ العضْبَ عزمُه / وتدعُو هواه كلَّ مُرهَفَةِ الخَصر
وما زلت تروي السيف في الرَّوع من دمٍ / فحقُّك أن تَرْوي الثرى من دم الخمر
وتنعَمَ بالبِيض الأوانسِ كالدُّمى / وتَرفُلَ من دُنياكَ في حُلَلٍ خُضر
وإنَّ التي زارتك في الحِذْرِ مَوْهِناً / أحَقُّ المَها بالخُنزُوانةِ والكِبر
يَوَدُّ هِرقَلُ الرّوم ذو التاج أنّه / يَنالُ الذي نالتْه من شرفِ القدر
حَباكَ بها مَن أنتَ شطرُ فؤادِهِ / وما شطْرُ شيءٍ بالغنيِّ من الشطر
أخوكَ فلا عَينٌ رأتْ مثلَهُ أخاً / إذا ما احتبى في مجلس النهي والأمر
وقد وقعَتْ منك الهديّةُ إذ أتَتْ / مواقعَ برد الماء من غَلَل الصدر
فمِن مَلِكٍ سامٍ إلى مَلِكٍ رِضىً / تهادتْ ومن قَصرٍ مُنيفٍ إلى قَصر
فما هي إلاّ السعدُ وافقَ مطلعاً / وما هي إلاّ الشمسُ زُفَّت إلى البدر
ستَنمي لك الأقيالُ من آلِ يعرُبٍ / ذوي الجفنات البِيضِ والأوجُه الغُرِّ
وقُلتُ لِمُهديها إليك عقيلةً / مُقابَلَةَ الأنسابِ مُعرَقَةَ النَّجر
حبوْتَ بها من ليس في الأرض مثلُه / لجيشٍ إذا اصْطكَّ العِرابُ ولا ثَغر
فيا جعفر العَلياء يا جعفرَ النّدى / ويا جعفرَ الهيجاء يا جعفرَ النصر
لَنِعْمَ أخاً في كلِّ يوْم كريهَةٍ / تصولُ بهِ غيرَ الهِدانِ ولا الغَمر
كبدر الدجى كالشمس كالفجر كالضحى / كصرف الردى كالليث كالغيث كالبحر
لَعمري لقد أُيّدتَ يومَ الوغى به / كما أُيِّدتْ كفّاكَ بالأنمل العَشر
لذلك ناجى اللّهَ موسى نبيُّهُ / فنادى أن اشرح ما يَضيقُ به صدري
وَهَبْ لي وَزيراً من أخي أستعِنْ به / وشُدَّ به أزري وأشركْه في أمري
لنِعْمَ نِظامُ الأمرِ والرُّتَبِ العُلى / ونِعْمَ قِوامُ المُلكِ والعسكر المَجر
إليك انتمى في كلِّ مجدٍ وسودَدٍ / ويكفيه أن يُعزَى إليك من الفخر
وخلفَك لاقى كلَّ قَرْمٍ مُدَجَّجٍ / ومن حِجرِك اقتاد الزمانَ على قَسر
فما جالَ إلاّ في عجاجك فارساً / ولا شَبَّ إلا تحتَ راياتك الحُمر
قررتَ به عيناً وأنتَ اصطنَعْتَهُ / وشِدْتَ له ما شِدتَ من صالح الذكر
فما مثلُ يحيَى من أخٍ لك تابِعٍ / ولا كبَنِيهِ من جَحاجِحَةٍ زُهر
ولستَ أخاه بل أباهُ كفلتَهُ / وآوَيتَهُ في حالةِ العُسْرِ واليُسر
يَوَدُّ عليٌّ لو يَرى فيهِ ما تَرَى / لِيعلَمَ آيَ النَّصْلِ والصارم الهَبر
إذاً قامَ يُثْني بالذي هو أهلُهُ / عليه ثَناءً واستهلَّ من العَفْر
وما كنتُ أدري قبل يحيَى وجعفَرٍ / بأنَّ ملوكَ الأرض تُجمَعُ في عَصر
عجِبْتُ لهذا الدهرِ جادَ بجعْفَرٍ / ويحيَى وليس الجودُ من شِيَمِ الدهر
وما كانتِ الأيامُ تأتي بمثلكم / قديماً ولكن كنتُمُ بَيْضَةَ العُقر
وما المدحُ مدحاً في سواكم حقيقةً / وما هو إلا الكفرُ أو سببُ الكفْر
ولو جاد قومٌ بالنفوس سماحةً / لَما منعتْكُمْ شيمةُ الجود بالعمر
إذا ما سألتُ اللّهَ غيرَ بقائكُمْ / فلا بؤتُ بالإخلاصِ في السرِّ والجَهر
أأدعو إلهي بالسّعادةِ عندكُمْ / وأنتم دَراريُّ السعود التي تَسري
أأبغي لديه طالباً ما كفيتَهُ / وأسألُهُ السُّقيا ودجلةُ لي تجري
لَعمري لقد أجرَضْتموني بنَيلكُم / وحمّلْتُموني منه قاصمةَ الظَّهر
أُسِرْتُ بما أسديتُمُ مِن صَنيعةٍ / وما خِلتُكُمْ ترضَوْنَ للجارِ بالأسْرِ
فمهلاً بني عَمّي وأعيانَ مَعْشَري / وأملاكَ قومي والخضارمَ من نجري
فلا تُرهِقُوني بالمزيدِ فحسبُكمْ / وحسبي لديكُم ما ترَوْنَ من الوَفرِ
أسَرَّكُمُ أنّي نهضْتُ بلا قُوىً / كما سَّركم أنّي اعتذرتُ بلا عذر
وإنّي لأسْتَعفيكُمُ أن ترونَني / سريعاً إلى النُّعمى بطيئاً عن الشكر
فإنْ أنا لم أستحيِ ممَا فعلتُمُ / فلستُ بمستحيٍ من اللؤمِ والغَدْر
وذي شُطَبٍ قد جَلَّ عن كلِّ جوهرٍ
وذي شُطَبٍ قد جَلَّ عن كلِّ جوهرٍ / فليس له شَكلٌ وليس له جِنسُ
كما قابَلَتْ عينٌ من اليَمِّ لُجّةً / وقد نَحَرَتْها من مَطالعها الشمسُ
أرِقْتُ لِبُرقٍ يستطيرُ له لَمْعُ
أرِقْتُ لِبُرقٍ يستطيرُ له لَمْعُ / فعصفَرَ دمعي جائلٌ من دمي رَدْعُ
ذكرتُكِ ليلَ الركبِ يَسري ودونَنا / على إضَمٍ كُثْبانُ يَبرِينَ فالجِزْع
وللّه ما هاجَتْ حمامَةُ أيْكَةٍ / إذا أعْلَنَتْ شَجْواً أُسِرَّ لها دَمْع
تَداعَتْ هَديلاً في ثيابِ حِدادهَا / فخُفِّضَ فَرْعٌ واستقلَّ بها فَرْع
ولم أدْرِ إذ بَثّتْ حنيناً مُرَتَّلاً / أشَدْوٌ على غُصْنِ الأراكةِ أم سَجْع
خليليَّ هُبّا نصْطبِحْها مُدامَةً / لها فَلَكٌ وَتْرٌ به أنجُمٌ شَفْع
تَلِيّةُ عامٍ فُضَّ فيه خِتامُهَا / خلا قبلهُ التسعون في الدَّنِّ والتسع
إذا أبدَتِ الأزْبادَ في الصَّحن راعَنا / بِرازُ كميِّ البأسِ من فوقه دِرع
سأغدو عليها وهي إضريجُ عَندَمٍ / لها منْظَرٌ بِدْعٌ يجيءُ بهِ بِدْع
وأتَبعُ لْهوي خالعاً ويُطيعُني / شبابٌ رطيبٌ غُصْنُهُ وجنىً يَنْع
لَعمرُ اللّيالي ما دَجى وَجهُ مَطلبي / ولا ضاق في الأرض العريضة لي ذَرْع
وتعرِفُ مني البِيدُ خِرْقاً كأنّمَا / تَوَغّلَ منْهُ بينَ أرجائِها سِمْع
وأبيضَ مْحجوبِ السُّرادقِ واضِحٍ / كبدر الدجى للبرْق من بِشره لَمع
إذا خَرِسَ الأبطالُ راقَك مُقدِماً / بحيث الوشيجُ اللَّدنُ تُعطفُ والنَّبع
وكلُّ عميمٍ في النّجادِ كأنَّمَا / تمطّى بمتنَيْهِ على قَرنِه جِذع
إلى كلِّ باري أسهُمٍ مُتَنَكِّبٍ / لهَّن كأنّ الماسِخِيَّ له ضِلع
تَشَكّى الأعادي جعفراً وانتقامَهُ / فلا انجلَتِ الشكوى ولا رُئبَ الصَّدع
ولمّا طَغَوا في الأرض أعصُرَ فتنةٍ / وكان دبيبَ الكفر في الدولة الخَلع
سموْتَ بمَجْرٍ جاذبَ الشمسَ مسلكاً / وثارَ وراءَ الخافِقَينِ له نَقْع
فألقَى بأجْرَامٍ عليهِمْ كأنّمَا / تَكفّتْ على أرضٍ سمواتُها السَّبْع
كتائبُ شُلّتْ فابذَعَرّتْ أُمَيّةٌ / فأوْجُهُهَا للخزي أُثْفِيّةٌسُفع
فمهْلاً عليهم لا أبَا لأبِيهمِ / فللهِ سهم لا يطيش له نزع
ألا ليت شعري عنهم أملوكهم / تُدبِّرُ مُلكاً أمْ إماؤهمُ اللُّكع
تَجافَوا عن الحِصْن المَشِيدِ بناؤهُ / وضاقَ بهم عن عزم أجنادهم وُسْع
وقد نَفِدَتْ فيه ذخائرُ مُلكهم / وما لم يكنْ ضرّاً فأكثره نَفْع
تعَفّى فما قُلنا سُقِيتَ غمامَةً / ولا انعِمْ صباحاً بعدهم أيها الرَّبْع
وراحَ عمِيدُ المُلحِدينَ عميدُهم / لأحشائِهِ من حَرِّ أنفْاسِهِ لَذْع
ولمّا تسَنّمْتَ الجبِالَ إزاءَهُ / تَراءتْ له الراياتُ تَخفِقُ والجَمْع
تَشَرّفْتَ من أعلامِها وَدَعَوْتَهُ / فخَرَّ مُلَبّي دعوةٍ ما له سَمْع
فقُل لمُبِينِ الخُسْرِ كيفَ رأيتَ مَا / أظَلَّكَ من دَوح الكنَهْبلِ يا فَقْع
وتلك بنو مروانَ نعلاً ذليلةً / لواطِىءِ أقدامٍ وأنتَ لها شِسْع
ولو سُرِقُوا أنسابَهم يومَ فخرِهم / ونَزْوَتِهِمْ ما جاز في مِثلها القَطع
لأجفَلَ إجفالاً كنَهورُ مُزْنِهِم / فلم يَبقَ إلاّ زِبْرِجٌ منه أو قِشع
أبا أحمدَ المحمودَ لا تكفرَنّ مَا / تقلّدتَ وليُشكَرْ لك المَنُّ والصُّنْع
هي الدولةُ البيضاءُ فالعفوُ والرّضَى / لمقتبلٍ عَفواً أو السيْفُ والنِّطع
رأيْتُ بعيني فوقَ ما كنتُ أسمعُ
رأيْتُ بعيني فوقَ ما كنتُ أسمعُ / وقد راعني يوْمٌ من الحَشرِ أرْوَعُ
غداةَ كأنّ الأُفْقَ سُدّ بمثلِهِ / فعادَ غروبُ الشمسِ من حيثُ تطلع
فلمْ أدرِ إذ سلَّمتُ كيفَ أُشيِّعُ / ولم أدْرِ إذ شَيّعْتُ كيفَ أُودِّع
وكيف أخوض الجيشَ والجيشُ لُجّةٌ / وإنّي بمن قد قاده الدهَر مولَع
وأينَ وما لي بين ذا الجمْع مسْلَكٌ / ولا لجوادي في البسيطة موضع
ألا إنّ هذا حَشْدُ من لم يذُقْ لَهُ / غِرارَ الكرى جَفنٌ ولا بات يهجَع
نصيحتُهُ للمُلْكِ سَدّتْ مذاهبي / وما بين قِيدِ الرُّمحِ والرُّمح إصبع
فقد ضَرِعَتْ منْه الرّواسي لما رأتْ / فكيف قلوب الإنس والإنس أضرع
فلا عسكرٌ من قبلِ عَسكرِ جوهرٍ / تَخُبُّ المطايا فيه عَشراً وتوضِع
تسيرُ الجبالُ الجامداتُ بسَيرِهِ / وتسجُدُ من أدْنَى الحفيفِ وتركَعُ
إذا حَلّ في أرضٍ بناها مَدائنِاً / وإن سار عن أرضٍ ثَوَتْ وهي بلقع
سَمَوْتُ لهُ بعد الرّحيلِ وفاتَني / فأقسمْتُ ألاّ لاءَمَ الجنبَ مَضجَع
فلمّا تداركْتُ السُّرادِقَ في الدّجَى / عَشَوْتُ إليْه والمشاعلُ تُرفَع
فتَخرُقُ جَيبَ المُزْن والمُزْنُ دالِحٌ / وتُوقِدُ موجَ اليَمِّ واليَمُّ أسفَع
فبِتُّ وباتَ الجيشُ جَمّاً سميرُهُ / يُؤرِّقُني والجِنُّ في البِيدِ هُجّع
وهَمهَمَ رَعْدٌ آخِرَ اللّيلِ قاصِفٌ / ولاحَتْ مع الفَجرِ البَوراقُ تَلمع
وأوحَتْ إلينا الوَحشُ ما اللّهُ صانِعٌ / بنا وبكم من هوْل ما نتسمّع
ولم تعلمِ الطيرُ الحوائمُ فوقَنا / إلى أين تستذري ولا أين تَفزَع
إلى أنْ تَبَدّى سيْفُ دولةِ هاشمٍ / على وجهِهِ نورٌ من اللّه يَسْطَع
كأنّ ظِلالَ الخافِقاتِ أمامَهُ / غمائِمُ نَصْرِ اللّه لا تَتَقَشّع
كأنّ السيوفَ المُصْلَتاتِ إذا طَمَتْ / على البَرِّ بحْرٌ زاخِرُ الموجِ مُترَع
كأنّ أنابِيبَ الصِّعادِ أراقمٌ / تَلَمَّظُ في أنيابِها السمُّ مُنقَع
كأنّ العِتاقَ الجُرْدَ مجْنوبَةً لَهُ / ظِباءٌ ثَنَتْ أجيادَها وهي تُتْلع
كأنّ الكُماةَ الصِّيدَ لمّا تغَشْمَرَتْ / حوالَيْهِ أُسْدُ الغِيلِ لا تتكعكَع
كأنّ حُماةَ الرَّجْلِ تحتَ ركابِهِ / سُيولُ نَداهُ أقبَلتْ تتدفّع
كأنّ سِراعَ النُّجْبِ تُنشَرُ يَمْنَةً / على البِيدِ آلٌ في الضّحى يترفّع
كأنّ صِعابَ البُختِ إذ ذُلِّلَتْ لهُ / أُسارى مُلوكٍ عضَّها القِدُّ ضُرَّع
كأنّ خلاخِيلَ المطايا إذا غدتْ / تَجَاوَبُ أصْداءُ الفَلا تترجّع
يُهَيِّجُ وَسواسُ البُرِينَ صَبابَةً / عليها فتُغرَى بالحنينِ وتُولَع
لقد جَلّ مَن يَقتادُ ذا الخَلقَ كلَّه / وكلٌّ له من قائمِ السيْفِ أطوَع
تَحُفُّ به القُوّادُ والأمرُ أمرُهُ / ويَقدمُهُ زِيُّ الخِلافةِ أجمَع
ويَسحَبُ أذيالَ الخِلافَةِ رادِعاً / به المسكُ من نَشرِ الهُدى يَتضَوّع
له حُلَلُ الإكرامِ خُصَّ بفضلها / نَسائجَ بالتِّبْرِ المُلمَّعِ تَلمَع
بُرودُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ بُرودُه / كساهُ الرِّضَى منهُنَّ ما ليس يُخلَع
وبين يَدَيْهِ خيلُه بسُرُوجِهِ / تُقادُ عليهِنَّ النُّضَارُ المُرَصَّع
وأعْلامُهُ مَنْشُورَةٌ وقِبابُهُ / وحُجّابُهُ تُدْعَى لأمْرٍ فتُسرع
مليكٌ ترى الأملاكَ دونَ بِساطِهِ / وأعناقُهُم مِيلٌ إلى الأرض خُضَّع
قِياماً على أقدامِهَا قد تَنَكّبَتْ / صوارمَها كلٌّ يُطيعُ ويَخضَع
تَحِلُّ بيوتُ المالِ حيثُ يَحِلُّهُ / وجَمُّ العطايا والرِّواقُ المُرَفَّع
إذا ماجَ أطنابُ السُّرادقِ بالضُّحَى / وقامَتْ حَواليْهِ القَنا تتَزَعْزَع
وسَلَّ سيوفَ الهند حول سريره / ثمانون ألفاً دارعٌ ومُقَنَّع
رأيتَ مَنِ الدنيا إليه مَنوطَةٌ / فيَمضي بما شاء القضاءُ ويَصْدَع
وتَصْحبُهُ دارُ المقامة حيثما / أناخَ وشَمْلُ المسلمينَ المجمَّع
وتعنو له الساداتُ من كُلِّ مَعْشَرٍ / فلا سّيدٌ منه أغرُّ وأمنَعُ
فللّه عينَا مَن رآه مُخيّماً / إذا جمَعَ الأنصارَ للإذنِ مجْمَع
وأقبلَ فوجٌ بعد فوجٍ فشاكرٌ / له أو سَؤولٌ أو شفيعٌ مُشَفَّع
فلم يفْتَأُوا من حُكم عدلٍ يَعُمُّهُمْ / وعارفَةٍ تُسْدَى إليهم وتُصْنَع
يسوسُهُمُ منْهُ أبٌ متَكَفِّلٌ / بَرعي بَنِيهِ حافِظٌ لا يُضَيِّع
فسِتْرٌ عليهم في المُلِمّاتِ مُسْبَلٌ / وكَنْزٌ لهم عند الأئمّة مُودَع
بَطيءٌ عن الأمرِ الذي يكرهونَهُ / عَجُولٌ إليهِمْ بالنَّدى مُتَسَرِّع
وللّه عَيْنَا مَنْ رآه مُقَوِّضاً / إذا جعلتْ أُولى الكتائبِ تسرع
ونُودِيَ بالتّرحال في فحمةِ الدجى / فجاءتهُ خيْلُ النّصرِ تَردي وتمزَع
فلاحَ لها من وجهِهِ البدرُ طالعاً / وفي خَدّهِ الشِّعْرَى العَبورُ تَطَلَّع
وأضحى مُرَدّىً بالنِّجادِ كأنّهُ / هِزَبْرُ عَرينٍ ضَمّ جَنْبَيْهِ أشجع
فكبّرَتِ الفُرْسانُ للّهِ إذ بَدا / وظَلّ السّلاحُ المنتضى يتقعقع
وحفَّ بهِ أهلُ الجِلادِ فمُقدِمٌ / وماضٍ وإصْلِيتٌ وطَلْقٌ وأروع
وعَبَّ عُبابُ الموكبِ الفخم حولَهُ / وزَفّ كما زَف الصّباحُ المُلَمَّع
وثار بِرَيّا المندليِّ غبارُهُ / ونُشِّرَ فيه الروضُ والروضُ مُوقِع
وقد رُبّيَتْ فيهِ الملوكُ مراتِباً / فمن بين متبوعٍ وآخَرَ يَتبَع
تسير على أقدارها في عجاجَةٍ / ويقدُمُهَا منْه العزيزُ الممنَّع
وما لَؤمَتْ نَفسٌ تُقِرُّ بفضلهِ / وما اللؤمُ إلاّ دَفعُ ما ليس يُدفَع
لقد فازَ منْهُ مشرقُ الأرضِ بالّتي / تَفيضُ لها من مغرِبِ الأرض أدمُع
ألا كلُّ عَيشٍ دونَهُ فمحرَّمٌ / وكلُّ حريمٍ بعده فمضيَّع
وإنّ بِنا شوقاً إليْهِ ولَوعَةً / تَكادُ لها أكبادُنَا تَتَصَدّع
ولكنما يُسلي من الشوقِ أنّهُ / لنا في ثُغورِ المجدِ والدِّين أنفع
وأنّ المَدَى منه قريبٌ وأنّنَا / إليه من الإيماءِ باللّحظِ أسرَع
فسِرْ أيها المَلْكُ المُطاعُ مُؤيَّداً / فللدّينِ والدنْيا إليك تَطَلُّعُ
وقد أشعرَتْ أرضُ العِراقَينِ خِيفَةً / تكادُ لها دارُ السّلام تَضَعْضَع
وأعطَتْ فلسطينُ القِيادَ وأهلُهَا / فلم يَبْقَ منْها جانِبٌ يَتَمنّع
وما الرّملَةُ المقصورةُ الحَظوِ وحدها / بأوّلِ أرضٍ ما لها عنك مَفَزع
وما ابنُ عُبَيدِ اللّهِ يدعوكَ وحدَهُ / غداةَ رأى أن ليسَ في القوس مَنزَع
بل الناسُ كلُّ الناسِ يدعوك غيَره / فلا أحَدٌ إلاّ يَذِلُّ ويَخضَع
وإنّ بأهلِ الأرضِ فَقراً وفاقَةً / إليك وكلُّ النّاس آتيك مُهْطِع
ألا إنّما البرهانُ ما أنتَ مُوضِحٌ / من الرّأيِ والمقدارُ ما أنْتَ مُزْمِع
رحلتَ إلى الفُسطاطِ أيمنَ رِحْلَةٍ / بأيمنِ فالٍ في الذي أنتَ مُجمِع
ولمّا حثثْتَ الجيشَ لاحَ لأهْلِهِ / طريقٌ إلى أقصَى خُراسانَ مَهيَع
إذا استقبَلَ الناسُ الرّبيعَ وقد غَدَتْ / مُتونُ الرُّبَى في سُندُسٍ تتلفّع
وقد أخضَلَ المُزْنُ البلادَ ففُجِّرَتْ / ينابيعُ حتى الصّخْرُ أخضَلُ أمرَع
وأصْبحَتِ الطُّرقُ التي أنْتَ سالِكٌ / مُقدَّسَةَ الظُّهْرانِ تُسقى وتُربَع
وقد بسَطتْ فيها الرياضُ دَرانِكاً / منَ الوَشيِ إلاّ أنّها ليس تُرقَع
وغَرّدَ فيها الطيرُ بالنّصْرِ واكتَسَتْ / زرابيَّ من أنوارها لا تُوَشَّع
سقاها فروّاهَا بك اللّه آنِفاً / فنِعْمَ مَرَادُ الصّيْفِ والمُتَرَبَّع
وما جِهلتْ مِصرٌ وقد قيل مَن لها / بأنّكَ ذاك الهِبْرِزِيُّ السَّمَيذَع
وأنّك دونَ الناس فاتِحُ قُفْلِهَا / فأنْتَ لها المَرْجُوُّ والمُتَوقَّع
فإنْ يكُ في مصرٍ رجالُ حلومِهَا / فقد جاءهم نِيلٌ سوى النيلِ يُهرِع
ويمّمَهُمْ مَنْ لا يَغيرُ بنعْمَةٍ / فَيَسْلُبَهُمْ لكن يزيدُ فيُوسِع
ولو قد حططتَ الغيثَ في عُقرِ دارهمْ / كشَفتَ ظلامَ المَحْلِ عنهم فأمرعوا
وداويتَهم من ذلك الدّاء إنّهُ / إلى اليَومِ رِجْزٌ فيهمُ ليسَ يُقْلِع
وكفكَفْتَ عنهم مَن يجور ويعتَدي / وأمّنْتَ منهم من يخافُ ويجْزَع
إذاً لَرَأوْا كيفَ العطايا بحقِّها / لسائِلها منهُمْ وكيْفَ التبرُّع
وأنساهمُ الإخشيدَ مَن شِسْعُ نَعلِهِ / أعزُّ من الإخشيدِ قدْراً وأرفَع
سيعلمُ مَن ناواك كيف مصيرُهُ / ويُبْصِرُ مَن قارعتَهُ كيفَ يُقْرَع
إذا صُلْتَ لم يَكُرمْ على السيْفِ سيّدٌ / وإن قلتَ لم يُقْدِمْ على النطق مِصْقَع
تقيك اللّيالي والزمانُ وأهلُهُ / ومُصْفِيكَ محْضَ الودِّ والمُتصَنِّع
فكْلُّ امرِىءٍ في الناس يسعى لنفسِهِ / وأنتَ امرُؤ بالسّعي للملك مُولَع
تعبْتَ لكيما تُعقِبَ الملكَ راحَةً / فمَهْلاً فِداكَ المستريحُ المُوَدِّع
فأشْفِقْ على قَلْبِ الخِلافَةِ إنّهُ / حَناناً وإشفاقاً عليك مُرَوَّع
تحمَّلْتَ أعْباءَ الخلافَةِ كلّهَا / وغيرُكَ في أيّام دُنْياهُ يَرتَع
فواللّهِ ما أدري أصدرُكَ في الذّي / تُدَبّرُهُ أم فضْلُ حلمك أوسع
نصَحتَ الإمامَ الحَقَّ لمّا عرَفتَهُ / وما النُّصْحُ إلاّ أن يكونَ التَّشيُّعُ
فأنْتَ أمينُ اللّهِ بعد أمِينِهِ / وفي يدِكَ الأرزاقُ تُعطي وتَمنَع
وما بلغَ الإسكندرُ الرتبَةَ التي / بلغْتَ ولا كِسرَى الملوكِ وتُبّع
سموتَ من العَلْيا إلى الذّروة التّي / تُرى الشمسُ فيها تحت قدرِكَ تَضْرَع
إلى غايَةٍ ما بعدَهَا لكَ غايَةٌ / وهل خلفَ أفلاكِ السموات مطلع
إلى أينَ تَبغي ليس خَلفك مذهبٌ / ولا لجوادٍ في لحاقك مطمع
لقد أشبَهَتْني شَمْعَةٌ في صَبابَةٍ
لقد أشبَهَتْني شَمْعَةٌ في صَبابَةٍ / وفي هَوْلِ ما ألقى وما أتَوَقّعُ
نُحولٌ وحُزْنٌ في فَناءٍ ووحْدَةٍ / وتسْهِيدُ عينٍ واصْفرِارٌ وأدمُعُ
أليلَتَنا إذ أرْسَلَتْ وارداً وَحْفَا
أليلَتَنا إذ أرْسَلَتْ وارداً وَحْفَا / وبتنا نرى الجوزْاءَ في أُذنِها شَنفا
وباتَ لنَا ساقٍ يقومُ على الدّجَى / بشمعةِ نجمٍ لا تُقَطُّ ولا تُطْفى
أغَنُّ غضيضٌ خفّفَ اللّينُ قَدَّهُ / وثقّلَتِ الصّهباءُ أجفانَهُ الوُطْفا
ولم يُبْقِ إرعاشُ المُدامِ لَهُ يَداً / ولم يُبْقِ إعناتُ التثنّي له عِطفا
نَزيفٌ قضاهُ السِّكْرُ إلاّ ارتجاجَهُ / إذا كَلَّ عنه الخصْرُ حمَّله الرِّدفا
يقولون حِقْفٌ فوقه خَيْزُرانَةٌ / أما يعرِفونَ الخَيْزُرانَةَ والحِقفا
جعلنا حشايانا ثيابَ مُدامِنَا / وقدَّتْ لنا الظلماءُ من جِلدِها لُحفا
فمن كَبِدٍ تُدْني إلى كَبِدٍ هوىً / ومن شَفَةٍ تُوحي إلى شَفَةٍ رَشْفا
بعيشك نَبِّهْ كأسَه وجُفونَهُ / فقد نُبِّهَ الإبريقُ من بعدِ ما أغْفى
وقد وَلّتِ الظّلماءُ تقفو نجومَها / وقد قام جيشُ الفجرِ للّيل واصْطفّا
وولّتْ نجُومٌ للثُّرَيّا كأنّهَا / خواتيمُ تَبْدو في بَنان يدٍ تَخْفى
ومَرّ على آثارِهَا دَبَرَانُهَا / كصاحبِ رِدءٍ كُمِّنتْ خيلُه خَلفا
وأقبَلَتِ الشِّعرى العَبورُ مُكِبّةً / بمِرْزَمِها اليَعبوبِ تَجنُبُهُ طِرْفا
وقد بادَرَتْها أُخْتُها منْ ورائِها / لتَخْرُقَ من ثِنيَيْ مَجرَّتها سِجفا
تخافُ زَئيرَ الليثِ يَقدُمُ نَثرَةً / وبَرْبَرَ في الظلماء يَنسِفها نَسْفا
كأنّ السِّماكَينِ اللّذينِ تَظاهَرا / على لِبْدَتَيْهِ ضامِنانِ له حَتْفا
فذا رامحٌ يُهوي إليه سِنانَهُ / وذا أعزَلٌ قد عَضَّ أنمُلَهُ لَهْفا
كأنّ رقيبَ النجمِ أجدَلُ مَرْقَبٍ / يُقلِّبُ تحتَ الليل في ريشه طَرفا
كأنّ بني نَعشٍ ونعشاً مَطافِلٌ / بوَجرةَ قد أضْللنَ في مَهمَهٍ خِشفا
كأنّ سُهَيْلاً في مطالِعِ أُفقهِ / مُفارِقُ إلْفٍ لم يَجِدْ بعدَه إلفا
كأنّ سُهاها عاشِقٌ بين عُوَّدٍ / فآوِنَةً يَبدو وآونَةً يَخْفى
كأنّ مُعلَّى قُطبِها فارسٌ لَهُ / لِواءانِ مركوزانِ قد كرِه الزحفا
كأنّ قُدامَى النَّسرِ والنَّسرُ واقعٌ / قُصِصْنَ فلم تَسْمُ الخَوافي به ضعفا
كأنّ أخاه حينَ دَوّمَ طائِراً / أتى دون نصفِ البدر فاختطفَ النصفا
كأنّ الهَزيعَ الآبنُوسيَّ لونُهُ / سَرَى بالنسيج الخُسرُوانيِّ مُلتفّا
كأنّ ظلامَ الليلِ إذ مالَ مَيْلَةً / صريعُ مُدامٍ باتَ يشرَبُها صِرفا
كأنّ عمودَ الفجرِ خاقانُ عسكرٍ / من التركِ نادى بالنجاشيّ فاستخفى
كأنّ لِواءَ الشمسِ غُرَّةُ جعْفَرٍ / رأى القِرْنَ فازدادتْ طلاقته ضِعفا
وقد جاشَتِ الدأماءُ بِيضاً صَوارِماً / ومارنَةً سُمْراً وفَضْفاضَةً زَغْفا
وجاءتْ عِتاقُ الخيل تَردي كأنّها / تَخُطُّ له أقلامُ آذانها صُحْفا
هنالك تلقى جعفراً غيرَ جَعْفَرٍ / وقد بُدِّلَتْ يُمْناهُ من رِفْقها عنفا
وكائِنْ تَراهُ في الكريهةِ جاعِلاً / عزيمتَهُ بَرْقاً وصولتَه خَطْفا
وكائِنْ تراه في المقامةِ جاعلاً / مَشاهدَه فَصْلاً وخطبتَه حَرْفا
وتأتي عطاياهُ عِدادَ جُنُودِهِ / فما افترقتْ صِنفاً ولا اجتمعتْ صِنفا
ويَعْيَا بما يأتي خطيبٌ وشاعِرٌ / وإن جاوز الإطناب واستغرق الوصفا
هوَ الدهرُ إلاّ أنّني لا أرى له / على غير من ناواه خَطباً ولا صَرْفا
إذا شَهِدَ الهيجاءَ مَدّتْ لهُ يداً / كأنّ عليها دُمْلُجاً منْهُ أو وقْفا
وصالَ بها غضبانَ لو يستقي الذي / تُريقُ عواليه من الدّم ما استَشفى
جزيلُ الندى والباس تصدُرُ كفُّه / وقد نازلَتْ ألفاً وقد وهبَتْ ألفا
يدٌ يستهلُّ الجود فيها معَ النّدى / ويعبَقُ منها الموتُ يومَ الوغى عَرفا
وما سُدّدَ الأملاكُ من قبل جعفَرٍ / ولا أنكرُوا نُكراً ولا عرفوا عُرفا
هُمُ ساجَلوه والسَّماحُ لأهْلِهِ / فأكدَوا وما أكدى وأصْفَوا وما أصفى
إذا أصْلدوا أورى وإن عجِلوا ارتأى / وإن بخِلوا أعطى وإن غَدروا أوفى
فللمجدِ ما أبقَى وللجودِ ما اقتَنى / وللناسِ ما أبدى وللّهِ ما أخفى
يغولُ ظُنونَ المُزْنِ والمُزْنُ وافِرٌ / ويُغرِق موْجَ البحرِ والبحرُ قد شَفّا
فلو أنّني شَبّهْتُهُ البحرَ زاخِراً / خَشيتُ بكونِ المدحِ في مثله قذْفا
وما تَعْدِلُ الأنواءُ صُغرى بَنانِهِ / فكيْفَ بشْيءٍ يعدِلُ الزَّند والكفّا
مليكُ رقابِ الناسِ مالِكُ وُدِّهم / كذلك فليستَصْفِ قوماً من استصْفى
فتىً تَسْحَبُ الدّنيا بهِ خُيَلاءَهَا / وقد طمَحتْ طَرفاً وقد شَمختْ أنفا
وتسْألُهُ النّصْفَ الحوادثُ هَونةً / وكانتْ لقَاحاً لم تسَلْ قبله النصفا
وكانتْ سماءُ اللّهِ فوْقَ عِمادِهَا / إلى اليْوم لم تُسقِطْ على أحَدٍ كِسفا
وقد مُلِئَتْ شُهْباً فلمّا تمرّدَتْ / حَوالَيْه أعداءُ الهدى أحدثتْ قَذفا
ألا فامزِجوا كأسَ المُدامِ بذكْرِهِ / فلن تجِدُوا مَزْجاً أرَقَّ ولا أصْفى
تَبَغْددَ منْهُ الزّابُ حتى رأيْتُهُ / يهبّ نسيمُ الروض فيهِ فيُستَجفى
تكادُ عقودُ الغانياتِ تَؤودُهُ / رَفاهِيَةً والجوُّ يَسْرِقُه لُطْفا
بحيْثُ أبو الأيّامِ يَلحَفُني لهُ / جَناحاً وأُمُّ الشمس تُرضِعُني خِلفا
فلا منزِلاً ضَنكاً تَحُلُّ ركائبي / ولا عَقَداً وَعْثاً ولا سَبْسَباً قُفّا
تسيرُ القوافي المذهَباتُ أحوكُها / فتمضي وإن كانتْ على مجدكم وقفا
منَ اللاء تغدو وهي في السلم مركبي / ولو كانتِ الهيجاءُ قدَّمتُها صَفّا
يمانِيّةٌ في نَجْرِها أزدِيّةٌ / أُفصّلُها نَظماً وأُحْكِمُها رَصْفا
صرفتُ عِنانَ الشعر إلاّ إليكُمُ / وفيكم فإني ما استطعتُ لكم صَرفا
وما كنْتُ مَدّاحاً ولكنْ مُفَوَّهاً / يُلبّى إذا نادى ويُكفى إذا استكفى
أبا أحمدٍ قد كان في الأرض مَوئِلٌ / فلم أبغِ لي ركْناً سواكَ ولا كهفا
وأنتَ الذي لم يُطلِع اللّهُ شَمسَهُ / على أحَدٍ منْهُ أبَرَّ ولا أوفى
وما الشمس تكسو كلَّ شيء شُعاعَها / بأسبغَ عندي من نَداك ولا أضفى
أخذتَ بضَبعي والخطوبُ رَوَاغِمٌ / فسُمتَ زماني كلّهُ خُطّةً خَسفا
فمن كَبِدٍ لمّا اعتلَلتَ تقطَّعَتْ / ومن أُذُنٍ صَمّتْ ومن ناظرٍ كُفّا
وقد كان لي قلْبٌ فغودرَ جَمْرَةً / عليك وعيشٌ سجسجٌ فغدا رَضفا
ولم أرَ شيئاً مثلَ وصْلِ أحِبّتي / شِفاءً ولكن كان بُرؤكَ لي أشفى
وكيفَ اتّراكي فيك بَشّاً ولوعَةً / ولم تتّرِك رُحماً لقومي ولا عطفا
أمنْتُ بكَ الأيّامَ وهي مخوفَةٌ / ولو بيديكَ الخُلدُ أمّنْتَني الحَتْفا
أمِنْ أُفْقِها ذاك السّنا وتألُّقُهْ
أمِنْ أُفْقِها ذاك السّنا وتألُّقُهْ / يُؤرِّقُنَا لو أنّ وَجْداً يُؤرِّقُهْ
وما انفكَ مُجتازٌ من البرْقِ لامِعٌ / يُشَوِّقُنا تِلقاءَ مَن لا يُشَوِّقُهْ
وما إن خَبا حتى حسِبْتُ من الدّجى / على الأفْقِ زنجيّاً تكشَّفَ يَلمَقُه
تَخَلّلَ سِجْفَ الليلِ للّيلِ كالِئاً / يُراعِيهِ بالصُّبْحِ الجَلِيِّ ويَرمُقُه
ولم يكتحِلْ غُمْضاً فباتَ كأنّمَا / يروغُ إلى إلفٍ من المُزْنِ يَعشقه
فمِنْ حُرَقٍ قد باتَ وَهْناً يَشُبُّهَا / بذكراكِ تُذكَى في الفؤادِ فتُحرِقه
عنى الوالِهَ المتبولَ منكِ ادِّكارُهُ / وأضناهُ طيْفُ من خَيالكِ يَطرُقُه
لأُبرِحْتُ من قلْبٍ إليكِ خُفُوقُهُ / نِزاعاً ومن دَمْعٍ عليكِ تَرَقرُقُه
وَحَشْوَ القِبابِ المستقِلّةِ غَادَةٌ / أُجَدِّدُ عَهدَ الوُدِّ منها وتُخلِقُه
غريرةُ دَلٍّ ضاقَ دِرْعٌ يزينُهَا / وأقلَقَ مستنَّ الوِشاحَينِ مُقْلِقُه
يَميلُ بها اللحظُ العَليلُ إلى الكرَى / إذا رَنّقَ التفتيرَ فيهِ مُرَنِّقه
تهادى بعِطْفَيْ ناعِمٍ جاذَبَ النَّقَا / مُنَطَّقُهُ حتى تَشَكّى مُقَرطَقُه
يُغالِبُهَا سُكْرُ الشبابِ فتنثَني / تَثَنّيَ غُصْنِ البانِ يَهتزُّ مُورِقُه
وما الوَجدُ ما يَعتادُ صَبّاً بذكرهَا / ولكنّهُ خَبْلُ التّصابي وأولَقُه
بوديَ لو حَيّا الربيعُ رُبوعَها / ونَمَّقَ وَشيَ الرّوضِ فيها منمِّقُه
تَقَضّتْ ليالينا بها ونَعيمُها / فكَرَّ على الشمل الجميعِ مُفرِّقه
أقولُ لسَبّاقٍ إلى أمَدِ العُلى / بحيْثُ ثَنى شأوَ المُرَهَّقِ مُرْهِقُه
لَسَعيُكَ أبطى عن لَحاق ابن جعفرٍ / وسَعيُ جَهْولٍ ظَنَّ أنّك تَلحقُه
لَعَلّكَ مُودٍ أن تقَاذَفَ شَأوُهُ / إلى أمَدٍ أعيا عليك تَعَلُّقُه
لهُ خُلُقٌ كالرّوضِ يُنْدي تبرُّعاً / إذا ما نَبا بالحُرِّ يوماً تَخَلُّقُه
وكالمَشرَفيِّ العَضْبِ يَفري غِرارُهُ / وكالعارضِ الوسميِّ يَنهَلُّ مُغدِقُه
وكالكوكبِ الدُّرّيِّ يُحمدَ في الوغى / تألُّقُ بِيضِ المُرهَفاتِ تألُّقُه
ويَعنُفُ في الهيجاءِ بالقِرْن رِفْقُهُ / وأعنَفُ ما يسطو به السيْفُ أرفَقُه
لهُ من جُذامٍ في الذّوائبِ مَحتِدٌ / زكا منبتاً في مَغرسِ المجدِ مُعرَقُه
رفيعُ بناءِ البيتِ فيهم مُشيدُهُ / مُطَنِّبُهُ بالمَأثُراتِ مُرَوِّقُه
هُمُ جوهرُ الأحساب وهو لُبابُهُ / وإفْرِندُهُ المُعْشي العيونَ ورَونقُه
إذا ما تجلّى من مَطالِعِ سَعْدِهِ / تجلّى عليك البدرُ يَلتاحُ مَشرِقُه
لَئِنْ مُلِئَتْ منهُ الجوانحُ رَهْبَةً / لقد راقَها من منظرِ العَينِ مُونِقُه
مُقَلَّصُ أثناءِ النّجادِ مُعَصَّبٌ / بتاج العُلى بين السماكينِ مَفْرَقُه
لهُ هاجِسٌ يَفْري الفَرِيَّ كأنّهُ / شَبَا مَشرَفّيٍ ليسَ ينبو مُذَلَّقُه
يُصيبُ بيانَ القوْل يُوفي بحَقّهِ / على باطِلِ الخَصْمِ الألَدِّ فيمحَقُه
أطاعَ له بَدءُ السَّماحِ وعَودُهُ / فكان غَماماً لا يَغُبُّ تَدَفُّقُه
دَلوحاً إذا ما شِمتَهُ افتَرَّ وَبْلُهُ / وإرْهامُهُ سَحّاً عليكَ ورَيّقُه
إذا شاءَ قادَ الأعوَجِيّاتِ فيْلَقاً / ومنْ بينِ أيْديها الحِمامُ وفَيْلَقُه
وكنْتَ إذا ازوَرَّتْ لقَوْمٍ كتيبَةٌ / وعارَضَها من عارِضِ الطعن مُبرِقُه
وقُدْتَ بها قُبَّ الأياطِلِ شُزَّباً / تُسابقُ وَقْدَ الرّيحِ عَدْواً فتَسبقُه
تخَطّى إلى النّهْبِ الخميسَ ودونَهُ / سُرَادِقُ خَطّيّاتِهِ ومُسَرْدَقُه
إذا شارَفَتْهُ قلتَ سِربُ أجادِلٍ / يُشارِفُ هَضْباً من ثَبيرٍ مُحلِّقُه
رعى اللّهُ إبراهيمَ مِنْ مِلكٍ حَنا / على المُلكِ حانِيهِ وأشفَقَ مُشفِقُه
وأورى بزند الأرقمِ الصِّلّ جعفَرٌ / ولم يُعْيِهِ فَتْقُ من الأرضِ يَرتقُهُ
إلى ذاك رأيُ الهِبْرِزِيِّ إذا ارتأى / وصِدْقُ ظنونِ الألَمعيِّ ومَصْدَقُه
على كُلِّ قُطْرٍ منه لَفْتَةُ ناظِرٍ / يُراعي بها الثّغْرَ القَصِيَّ ويَرمقُه
وأعيَا الحروريّينَ مُتَّقِدُ النُّهَى / مُظاهِرُ عِقدِ الحزْمِ بالحزْم موثِقُه
فكم فِيهِمِ من ذي غِرارَينِ قد نَبَا / ومِدْرَهِ قَومٍ قد تَلَجْلَجَ منطِقُه
يرونَ بإبراهيمَ سَهْماً يَريشُهُ / لهم بالمَنَايا جعفرٌ ويُفَوِّقُه
مؤازِرُهُ في عُنفُوانِ شبابهِ / يُسَدِّدُهُ في هَدْيِهِ ويُوَفِّقُه
يَطيبُ نسيمُ الزّابِ من طِيبِ ذكره / كما فتّقَ المِسكَ الذكيَّ مُفتِّقُه
ويعبق ذاك الترب من أوجه الدجى / كما فاح من نثر الأجنة أعبقه
وقد عمَّ من في ذلك الثغرِ نائِلاً / كما افترقَتْ تَهمي من المُزْن فُرَّقُه
أإخبْاتُهُ أحْفَى بهم أم حَنَانُهُ / ورأفَتُهُ أم عَدْلُهُ وتَرَفُّقُه
ثَوَى بكَ عز المُلكِ فيهم ولم تَزَلْ / وأنتَ لهُ العِلْقُ النفيسُ ومَعْلَقُه
شَهِدْتُ فلا واللّهِ ما غابَ جَعفرٌ / ولا باتَ ذا وَجْدٍ إليك يُؤرِّقُه
وبالمغرب الأقصَى قَريعُ كتائبٍ / تخُبُّ بمَسراهُ فيرجُفُ مَشرِقُه
سيُرضيكَ منهُ بالإيابِ وسَعْدِهِ / ويجمَعُ شَملاً شادَ مجْداً تَفَرُّقُه
ويَشفي مشوقاً منكَ بالقُربِ لوعَةً / وبَرْحَ غليلٍ في الجوانحِ يُقْلِقُه
ويُبْهِجُ أرضَ الزّاب بهجةَ سؤددٍ / وتُبْهِجُه أفوافُ زَهْرٍ وتُونِقُه
لك الخير قد طالَتْ يدايَ وقصّرَتْ / يدا زَمَنٍ ألْوى بنَحضي يمزِّقه
كفى بعضُ ما أوْليْتَ فأذَنْ لقِافلٍ / بفضلك زُمَّتْ للترَحُّلِ أينُقُه
أفَضْتَ عليه بالنّدى غيرَ سائِلٍ / بحارَكَ حتى ظنَّ أنّك تُغْرِقُه
سأشكركَ النُّعْمَى عليَّ وإنّني / بذاك لَواني الشّأوِ عنك مُرهَّقُه
وما كحميدِ القولِ ينمي مزيدُه / ولا كاليَدِ البيضاء عندي تحَقُّقُه
وما أنا أو مثلي وقولٌ يقوله / إذا لم أكُنْ أُلفي به مَن يُصَدِّقُه
أرَيّاكِ أمْ رَدعٌ من المسك صائكُ
أرَيّاكِ أمْ رَدعٌ من المسك صائكُ / ولحظُكِ أم حَدٌّ من السيْفِ باتِكُ
وأعطافُ نَشوَى أم قَوامٌ مُهَفْهَفٌ / تأوَّدَ غصْنٌ فيهِ وارتَجَّ عانِك
وما شقّ جيْبَ الحُسنِ إلاّ شقائقٌ / بخدّيكِ مفتوكٌ بهِنّ فواتِك
أرى بينَها للعاشقين مَصارعاً / فقد ضرّجَتْهُنَّ الدّماءُ السّوافك
ألم يُبْدِ سِرَّ الحُبّ أنّ منَ الضّنى / رقيباً وإنْ لم يهتِكِ السترَ هاتِك
وليلٍ عليهِ رَقْمُ وَشْيٍ كأنّما / تُمَدُّ عليه بالنّجومِ الدَّرانك
سَرَيْنا فطفُنَا بالحِجالِ وأهِلها / كما طافَ بالبيتِ المُحجَّبِ ناسك
وكُنّا إذا ما أعيُنُ العِينِ رُقْنَنَا / أدَرْنَ عُيوناً حَشْوُهُنَّ المَهالِك
فتَكْنَا بمُحْمَرِّ الخُدودِ وإنّهَا / بما اصفرَّ من ألوانِنا لَفَواتِك
تكونُ لنَا عندَ اللّقاءِ مَواقِفٌ / ولكنّها فوقَ الحَشايا مَعارك
نُنازِلُ من دون النّحورِ أسِنّةً / إذا انتصَبَتْ فيها الثُّدِيُّ الفَوالك
نَشاوَى قُدودٍ لا الخدودُ أسِنّةٌ / ولا طُرَرٌ من فَوقهِنَّ حَوالِك
سَرَينَ وقد شَقّ الدُّجى عن صَباحِهِ / كواكب عِيسٍ بالشموسِ رواتك
وكائِنْ لها فوقَ الصّعيدِ مناسمٌ / يَطأنَ وفي سِرِّ الضّميرِ مَبارك
أقيموا صُدورَ النّاعِجاتِ فإنّهَا / سبيلَ الهوى بينَ الضُّلوع سَوالك
ألم تَرَيا الرّوْضَ الأريضَ كأنّمَا / أسِرّةُ نورِ الشمسِ فيها سبائك
كأنّ كُؤوساً فيه تسري براحِها / إذا علّلَتْها السّارياتُ الحواشك
كأنّ الشّقيقَ الغَضَّ يُكحَلُ أعيُناً / ويَسْفِكُ في لبّاتِهِ الدّمَ سافك
وما تُطلِعُ الدّنيا شُموساً تُريكَها / ولا للرّياضِ الزُّهْرِ أيدٍ حَوائك
ولكنما ضاحَكنَنَا عن محاسِنٍ / جَلَتْهُنّ أيّامُ المُعِزِّ الضّواحك
سقَى الكوْثَرُ الخُلديُّ دَوحةَ هاشمٍ / وحَيّتْ معِزَّ الدّينِ عنّا الملائك
شَهِدتُ لأهْلِ البيْتِ أن لا مَشاعِرٌ / إذا لم تكن منهم وأن لا مناسك
وأن لا إمامٌ غيرُ ذي التاجِ تلتقي / عليه هَوادي مجدِه والحَوارك
لَهُ نَسَبُ الزَّهْراءِ دِنْياً يَخُصُّهُ / وسالفُ ما ضَمّتْ عليه العَواتك
إمامٌ رأى الدنيا بمؤخِرِ عيْنِهِ / فمن كان منها آخذاً فهو تارك
إذا شاءَ لم تَمْلِكْ عليه أناتُه / بَوادِرَ عَزْمٍ للقَضاءِ مَوالِك
لألْقَتْ إليه الأبحُرُ الصُّمُّ أمرَهَا / وهبّتْ بما شاءَ الرّياحُ السَّواهك
وما سارَ في الأرض العريضَةِ ذكرُهُ / ولكنّهُ في مسلَكِ الشمسِ سالِك
وما كُنْهُ هذا النّورِ نورُ جَبِينِهِ / ولكنّ نورَ اللّهِ فيه مُشارِك
لهُ المُقْرَباتُ الجُرْدُ يُنعِلُها دَماً / إذا قَرَعَتْ هامَ الكُماة السنابك
يُريقُ عليْها اللؤلؤُ الرَّطْبُ ماءَهُ / ويَسْبِكُ فيها ذائِبَ التّبر سابك
صقيلاتُ أبْشارِ البُرُوقِ كأنّمَا / أُمِرّتْ عليها بالسَّحابِ المَداوك
يُباعِدْنَ ما بَينَ الجَماجمِ والطُّلى / فتَدنو مَرَورَاتٌ بها ودكادِك
لك الخيرُ قَلِّدْهَا أعِنّةَ جَرْيها / فهُنّ الصُّفُونُ المُلجَماتُ العوالك
ووالِ فُتوحاتِ البِلادِ كأنّها / مَباسِمُ ثَغْرٍ تُجْتَلاى ومضاحك
يُمِدُّكَ عزْمٌ في شَبا السيف قاطعٌ / وبُرثُنُ سَطْوٍ في طُلى الليثِ شابك
أمَتَّ بل استحيَيتَ والموتُ راغمٌ / كأنّكَ للآجَالِ خَصْمٌ مُماحِك
لك العَرَصَاتُ الخُضرُ يَعبَقُ تُربُها / وتَحيا برَيّاها النفوسُ الهوالك
يَدٌ لأيادي اللّهِ في نَفَحَاتِها / غِنىً لِعَزالي المُزنِ وهي ضرائك
لكم دولَةُ الصّدْقِ التي لم يَقُمْ بها / نُتَيْلَةُ والأيّامُ هُوجٌ ركائك
إمامِيّةٌ لم يُخْزِ هارونُ سعيَها / ولا أشْركَتْ باللّهِ فيها البَرامك
تُرَدُّ إلى الفِرْدَوس منكم أرومَةٌ / يصلّي عليكم ربُّها والملائك
ثَنائي على وحيِ الكِتابِ عليكُمُ / فلا الوَحْيُ مأفوكٌ ولا أنا آفك
دعاني لكمْ ودٌّ فلبّت عَزائِمي / وعَنْسي وليلي والنجومُ الشّوابك
ومستكبِرٌ لم يُشْعِرِ الذُلَّ نفسَهُ / أبيٌّ بأبْكارِ المَهَاوِلِ فاتِك
ولو عَلِقَتْهُ من أُميّةَ أحْبُلٌ / لَجُبَّ سَنامٌ من بني الشعر تامك
ولمّا التَقَتْ أسيافها ورماحها / شراعاً وقد سدت علي المسالك
أجَزْتُ عليها عابراً وتركْتُهَا / كأنّ المَنَايا تحتَ جنبي أرائِك
وما نَقَمُوا إلاّ قديمَ تَشَيُّعي / فنَجّى هِزَبْراً شَدُّهُ المُتَدارك
وما عَرَفَتْ كَرَّ الجِيادِ أُمَيّةٌ / ولا حملَتْ بَزَّ القَنا وهو شابك
ولا جَرّدُوا نَصْلاً تُخَافُ شَباتُه / ولكِنّ فُولاذاً غَدا وهو آنُك
ولم تَدْمَ في حربٍ دروعُ أُمَيّةٍ / ولكنّهم فيها الإماءُ العَوارك
إذا حَضَروا المدّاحَ أُخْجِلَ مادِحٌ / وأظلَمَ دَيْجورٌ من الكُفْرِ حالك
ستُبْدي لك التثريبَ عن آل هاشِمٍ / ظُباتُ سيوفٍ حَشْوُهُنَّ المهالك
أأللّه تَتْلوُ كتبكم وشيوخُهَا / ببدرٍ رميمٌ والدّماءُ صَوائك
هُمُ لحظوكم والنّبُوّةُ فيكُمُ / كما لحَظَ الشِّيبَ النّساءُ الفوارك
وقد أبهجَ الإيمانَ أن ثُلَّ عرشُها / وأنْ خَزَرَتْ لحظاً إليهْا المَهالك
بني هاشمٍ قد أنجزَ اللّهُ وعدَهُ / وأطلعَ فيكم شَمْسَهُ وهي دالك
ونادَتْ بثاراتِ الحُسَينِ كتائِبٌ / تُمَطّي شِراعاً في قَناها المعارِك
تَؤمُّ وصيَّ الأوصياءِ ودونَهُ / صُدُورُ القَنا والمُرهَفاتُ البواتك
وضَرْبٌ مُبينٌ للشّؤونِ كأنّما / هَوَتْ بفَراشِ الهامِ عنه النّيازك
فَدُسْ بهمُ تلك الوُكونَ فإنّني / أرى رَخَماً والبَيضَ بَيضٌ تَرائك
لقد آنَ أن تُجْزَى قُرَيشٌ بسعيها / فإمّا حَياةٌ أو حِمامٌ مُواشِك
أرى شعراءَ المُلكِ تَنْحِتُ جانبي / وتَنبو عن اللّيْثِ المخاضُ الأوارك
تَخُبُّ إلى مَيْدان سَبقي بطاؤهَا / وتلك الظّنونُ الكاذباتُ الأوافك
رأتْني حِماماً فاقشَعَرّتْ جُلُودُهَا / وإني زعيمٌ أنْ تَلينَ العَرائك
تُسيءُ قَوافيها وَجُودُكَ مْحِسنٌ / وتُنْشِدُ إرْنَاناً ومجْدُكَ ضاحك
وتُجدى وأُكْدى والمناديحُ جَمّةٌ / فما لي غنيَّ البَالِ وهي الصّعالك
أبَتْ لي سبيلَ القوم في الشعر هِمّةٌ / طَمُوحٌ ونفْسٌ للدنِيَّة فارك
وما اقتادت الدنيا رجائي ودونها / أكُفُّ الرّجالِ اللاوياتُ المواعك
وما سَرّني تأمِيلُ غيرِ خليفَةٍ / وأنّيَ للأرضِ العَريضَةِ مالك
فحمِّلْ وريدي منكَ ثِقْلَ صَنيعةٍ / فإنّي لمَضْبورُ القَرا مُتلاحِك
أبَعْدَ التماحي التّاجَ مِلء محاجري / يَلوكُ أديمي من فم الدهر لائك
خُمولٌ وإقتارٌ وفي يدِكَ الغِنى / فمَحْياً فإنّي بين هاتينِ هالك
لآيَةِ ما تَسْري إليَّ نَوائبٌ / مُشَذِّبَةٌ عن جانبيَّ سَوادِك
فهُنَّ كما هُزَّتْ قَناً سمهرِيّةٌ / لِسِرْبالِ داودٍ عليَّ هواتِك
لديَّ لها الحَربُ العَوانُ أشُبُّهَا / فإلاّ تُؤيّدْني فإنّي مُتارك
وأيُّ لسانٍ ناطِقٌ وهو مُفحَمٌ / وأيُّ قَعُودٍ ناهِضٌ وهو بارك
قد مَرَرْنَا على مَغَانيكِ تلكِ
قد مَرَرْنَا على مَغَانيكِ تلكِ / فرأينَا فيهَا مَشابِهَ مِنكِ
عارَضَتْنا المَها الخوَاذِلُ أسْرا / باً بأجراعِهَا فلمْ نَسْلُ عنكِ
لا يُرَعْ للمَها بداركِ سِرْبٌ / فلقد أشبَهَتْكِ إن لم تَكُنْكِ
مُسعِدي عُجْ فقد رأيتَ مَعاجي / يومَ أبكي على الدّيارِ وتبكي
بحنينٍ مُرَجَّعٍ كحنيني / وتَشَكٍّ مُرَدَّدٍ كتَشَكّي
فاتّئِدْ تسكبِ الدموعَ كسكبي / ثمّ لا تَسفِكِ الدّماءَ كسَفْكي
لا أرى كابنِ جعفر بنِ عليٍّ / مَلِكاً لابِساً جلالَةَ مُلْكِ
تتفادى القلوبُ منه وجيباً / في مَقَامٍ على المتَوَّج ضَنْك
فكأنّا صَبيحَةَ الإذنِ نَلْقَى / دونَهُ المَشرَفِيَّ هُزَّ لِبَتْك
وطويلَ النِّجادِ فُرِّجَ عنْهُ / جانبُ السِّجْفِ عن حياةٍ وهُلك
لا أراهُ بتاركي حينَ يبْدو / وأشوبُ اليَقِينَ منْهُ بشَكِّ
هَتَكَ الظُّلمَ والظلامَ به ذو / رَوْعَةٍ لا يَريبُ سِتْراً بهَتْك
فهو فينا خليفةُ البدْرِ ما استح / لَكَ ليلٌ إذا تجلّى بحُلْك
مثل ماء الغمام يَنْدى شباباً / وهو في حُلَّتَيْ تَوَقٍّ ونُسْك
يطأ الأرضَ فالثّرى لؤلؤ رَطْ / بٌ وماءُ الثرى مُجاجَةُ مِسْك
مَنْسَكٌ للوفود يُعْتَامُ قد أن / ضَى المَطايا بطول وَخْدٍ ورَتك
أنا لولا نَوالُهُ آنِفاً لمْ / يَكْ لي من شكايةِ الدهرِ مُشك
سَحَّ شُؤبوبُهُ فأجرى شِعابي / وطَما بحْرُهُ فأغْرَقَ فُلْكي
قلتُ للمُزْنِ قد تَرى ما أراهُ / فاحكِهِ إن زَعَمْتَ أنّك تَحكي
وإذا زَعْزَعَ الوَشيجَ وألقْىَ / بجِرَانٍ عَلى الأعادي وبَرْك
نَظَمَ الفارسَ المُدَجَّجَ طَعْناً / تحتَ سَردٍ من لأمَةٍ ومِشَكِّ
جعفرٌ في الهِياجِ بأساً كبأسٍ / إنْ سَطا بالعِدى وفَتكاً كفَتْك
وإذا شاءَ قَلّدَتْهُ جُذامٌ / شَرَفَ البيتِ من أواخٍ وسَمْك
مَنصِبٌ فارِعٌ وغابُ أُسودٍ / لم تَدِنْهُ الملوكُ يوماً بمَلْك
حُفَّ مأثورُهُ بمَجْدٍ وفَخْرٍ / أغنَيَا فيه عن لَجاجٍ ومَحْك
هاكَ إحدى المحبَّراتِ اللّواتي / لم أشُبْ صِدقَها بزُورٍ وإفْك
نَظْمُها مُحْكَمٌ فقارَنَ بَينَ ال / دُرِّ نظمي وأخلصَ التِّبرَ سَبكي
ولَقِدْماً أخذْتُ من شُكْرِ نُعما / كَ بحظّي فكان أخذي كتَركي
بُؤتُ بالعَجز عن نَداك وقد أج / هَدتُ نَفْسي فقلتُ للنفس قَدْكِ
وأبْيَضَ من ماءِ الحديدِ كأنّمَا
وأبْيَضَ من ماءِ الحديدِ كأنّمَا / يبِيتُ عليه من خشونَتِهِ طَلُّ
ألا ثَكَلَتْ أُمُّ امرىءٍ هو بَزُّهُ / إذا لم يُفارِقْ عِزَّ أيّامِهِ الذُّلُّ
هُنالِكَ عَهْدي بالخليطِ المُزايلِ
هُنالِكَ عَهْدي بالخليطِ المُزايلِ / وفي ذلكَ الوادي أُصيبَتْ مَقاتلي
فلا مِثْلَ أيّامٍ لَنا ذَهَبِيّةٍ / قصيرةِ أعْمارِ البَقاءِ قلائلِ
إذِ الشَّمْلُ مجموعٌ بمنزِلِ غِبْطَةٍ / ودارِ أمَانٍ من صُرُوفِ الغَوائل
لَياليَ لم تأتِ اللّيالي مَساءتي / ولم تَقْتسِمْ دَمعْي رُسومُ المنازل
وأسْماءُ لم يَبْعُدْ لِهَجرٍ مَزارُهَا / ولم تتقَطّعْ باقِياتُ الرّسائل
ألا طرَقتْ تَسري بأنفاسِ رَوْضَةٍ / وأعْطافِ مَيّاسٍ من البانِ ذائل
فيا لكَ وَحْشِيّاً من العِينِ شارِداً / أُتِيحَ لإنْسيٍّ ضَعيفِ الحبائل
أأسْماءُ ما عهْدي ولا عهدُ عاهِدٍ / بخِدرِكِ يسري في الفيافي المَجاهل
فإنّكِ ما تَدرينَ أيَّ تَنائِفٍ / قطعْتُ بمكحولِ المدامعِ خاذل
تأوَّبَ مُرخَاةً عليه سُتُورُهُ / هُدُوءاً وقد نَامتْ عيونُ العَواذل
وإنّي إذا يَسْري إليَّ لَخائِفٌ / عليه حِبالاتِ العيونِ الحوائل
أغارُ عليْهِ أن يُجاذبَهُ الصِّبَا / فُضُولَ بُرُودٍ أو ذُيولَ غلائل
وقد شاقني إيماضُ بْرقٍ بذي الغَضى / كما حُرِّكتْ في الشمس بيض المناصل
إذا لم يَهِجْ شوْقي خَيالٌ مُؤرِّقٌ / تَطَلّعَ من أُفقِ البُدورِ الأوافِل
وما النّاسُ إلاّ ظاعِنٌ ومودِّعٌ / وثاوٍ قريح الجفنِ يبكي لراحل
فهل هذه الأيّامُ إلاّ كما خَلا / وهل نحنُ إلاّ كالقُرُونِ الأوائل
نُساقُ من الدّنيا إلى غيرِ دائِمٍ / ونبكي من الدنيا على غيرِ طائل
فما عاجِلٌ نَرْجوهُ إلاّ كآجِلٍ / ولا آجِلٌ نخشاه إلاّ كعاجلِ
فلو أوطَأتْني الشمسَ نعْلاً وتوَّجتْ / عِبِدّايَ تِيجانَ المُلوكِ العباهِل
ولو خُلِّدَتْ لم أقضِ منْها لُبانَةً / وكيْفَ ولم تَخْلُدْ لبكرِ بن وائل
لقوْمٍ نَمَوْا مثْلَ الأميرِ محمّدٍ / ففاؤوا كما فاءتْ شموسُ الأصائل
وإنّ بهِ منهمْ لكُفْواً ومَقْنَعاً / ولكنّنا نأسى لِفَقْدِ المَقاوِل
إذا نحنُ لم نَجْزَعْ لمن كان قبلَنا / لَهَوْنَا عن الأيّام لَهْوَ العقائل
ولكن إذا ما دامَ مثلُ محمّدٍ / ففي طَيِّ ثَوْبَيْهِ جميعُ القبائل
تَسَلَّ به عّمنْ سواه ومثلُهُ / يُريكَ أباه في صُدورِ المحافل
وإنّ مُلُوكاً أنْجَبَتْ ليَ مِثْلَهُ / أحَقُّ بني الدنْيا بتأبينِ عاقل
هُمُ أورَثوهُ المجدَ لا مجدَ غيرُهُ / وهم خيرُ حافٍ في البلاد وناعل
لهم من مَساعِيهِمْ دُرُوعٌ حصِينَةٌ / تُوَقّيهِمُ من كلِّ قوْلٍ وقائل
وهم يتَّقُونَ الذَّمَّ حتى كأنّهُ / ذُعافُ الأفاعي في شِفارِ المناصل
وحُقَّ لهمْ أن يَتّقوهُ فلمْ تَكُنْ / تُصابُ بهِ الأعراضُ دونَ المَقاتل
أُولئك مَن لا يُحسِنُ الجودَ غيرُهم / ولا الطَّعنَ شَزراً بالرِّماح الذوابل
فلم يَدْرِ إلاّ اللّهُ ما خُلِقُوا لهُ / ولا ما أثاروا من كُنوزِ الفضائل
شبيهٌ بأعلامِ النُّبوَّةِ ما أرى / لهم في النَّدى من مُعجزاتِ الشَّمائل
أُجِلُّكَ عَزَّ اللّهُ ذكْرَكَ فارساً / إذا صُرَّ آذانُ الجِيادِ الصَّواهِل
وما لسيوفِ الهندِ دونَكَ بَسْطَةٌ / ولو زِيدَ فِيه مثلُ ذَرع الحَمائل
تُرَشِّفُها في السّلْمِ ماءَ جُفونِها / فتَجزَأُ عن ماء الطُّلى والبآدل
وتَقلِسُ مِنْ رِيٍّ إذا ما أمَرْتَها / بتَصْديعِ هاماتٍ وفَتْقِ أباجل
فلا تَتَبعِ الحُسّادَ منكَ مَلامَةٌ / فما شَرَفُ الحُسّادِ منكَ بِباطل
وكم قد رأينَا من مَسولٍ وسائِلٍ / قديماً ومن مَفضُولِ قومٍ وفاضل
فكُلُّهُمُ يَفْديكَ من مُتَهلِّلٍ / إلى المُجتَدي العافي وأربَدَ باسل
تَقيكَ دِماءُ القِرْنِ من مُتَخَمِّطٍ / على القِرنِ مشبوحِ اليدين حُلاحِل
ضَمِينٌ بلَفِّ الصّفِّ بالصّفِّ كلما / تَبَاعدَ ما بينَ الكلى والعوامل
تُؤنِّسُهُ الهَيجا ويُطرِبُ سَمعَهُ / صريرُ العَوالي في صُدورِ الجَحافل
هو التّاركُ الثغْرَ القَصِيَّ دُروبُهُ / مَقَرّاً لفُسطاطٍ وداراً لنازل
فعارِضُهُ الأهْمَى لأوّلِ شائِمٍ / ودِرَّتُهُ الأولى لأوّلِ سائل
تَجودُكَ مِن يُمنْاهُ خمسةُ أبحُرٍ / تفيضُ دِهاقاً وهي خمسُ أنامل
عَطاءٌ بِلا مَنٍّ يُكَدِّرُ صَفْوَهُ / فليسَ بمنّانٍ وليسَ بباخل
تَرَى الملِكَ المخدومَ في زِيّ خادمٍ / حَوالَيْهِ والمأمولَ في ثوبِ آمل
كأنّا بنوه أهلُهُ وعَشِيرُهُ / يُرَشِّحُنَا بالمَأثُراتِ الجلائل
يُطيفُ بطَلق الوجهِ للعُرْفِ قائلٍ / وبالعُرْفِ أمّارٍ وللُعرْفِ فاعل
بمبسوط كفِّ الجودِ للرّزقِ قاسِمٍ / ومسلولِ سيْفِ النصرِ للدين شامل
فتىً كلُّ سعيٍ من مساعيهِ قِبلةٌ / يُصَلّي إليها كلُّ مجْدٍ ونائل
وفي كُلّ يوْمٍ فِيهِ للشّعرِ مَذهَبٌ / على أنّهُ لم يُبْقِ قَوْلاً لِقائل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025