المجموع : 30
أغاباتُ أُسْدٍ أمْ بُروجُ كَواكِبِ
أغاباتُ أُسْدٍ أمْ بُروجُ كَواكِبِ / أَمِ الطَّفُ فيهِ اسْتُشْهِدَتْ آلُ غالِبِ
وَنَشْرُ الخُزامى سارَ تَحملُهُ الصَّبا / أَمِ الطّيبُ مِنْ مَثْوى الكِرامِ الأَطايِبِ
وَقفْتُ بِهِ رَهْنَ الحَوادِثِ أَنْحَني / مِنَ الوَجْدِ حَتّى خِلْتُني قَوْسَ حاجِبِ
تَمَثَّلْتُ في أَكْنافِهِ رَكبَ هاشِمٍ / تَهاوَتْ إِليْهِ فيهِ خُوصُ الرَّكائِبِ
أَتَوْها وَكُلُّ الأَرْضِ ثَغْرٌ فَلمْ يَكُنْ / لَهُمْ مَلْجَأٌ إِلّا حُدودَ القَواضِبِ
وَسُمْراً إِذا ما زَعْزَعوها حَسِبْتَها / مِنَ اللِّينِ أَعْطافَ الحِسانِ الكَواعِبِ
وَإِنْ أَرْسَلوها في الدُّروعِ رَأَيْتَها / أَشَدَّ نُفوذًا مِنْ أَخِ الرَّمْلِ واثِبِ
هُمُ القَوْمُ تُؤْمٌ للعَلاءِ وَليدُهُمْ / وَناشِؤُهُمْ لِلْمَجْدِ أَصْدَقُ صاحِبِ
إِذا هُوَ غنَّتْهُ المراضِعُ بِالثَّنا / صَغى آنِساً بِالمدحِ لا بِالمحالِبِ
وَمِن قَبلِ تَلقينِ الأَذانِ يَهُزُّهُ / نِداءُ صَريخٍ أَو صَهيلُ سَلاهِبِ
بِنَفْسي هُمُ مِنْ مُسْتَميتينَ كَسَّروا / جُفونَ المَواضي في وُجوهِ الكَتائِبِ
وَصالوا عَلى الأعداءِ أُسْداً ضَوارياً / بِعُوجِ المَواضي لا بِعُوجِ المَخالِبِ
تَراهُمْ وإنْ لَم يُجْهَلوا يَوْمَ سِلْمِهِمْ / أَقَلَّ ظُهوراً مِنهُمُ في المِواكِبِ
إذا نَكِرَتهُمْ بِالغُبارِ عَجاجةٌ / فَقَد عَرَفتهُمْ قُضْبُهُمْ بِالمَضارِبِ
بَهالِيلُ لم يَبْعثْ لَها العَتْبَ باعِثٌ / إذا قَرَّطَ الكَسْلانَ قَولُ المُعاتِبِ
فما بالُهُمْ صَرْعى ومِنْ فَتَياتِهِمْ / بِهمْ قدْ أَحاطَ العَتْبُ مِن كلِّ جانِبِ
تُعاتِبُهُم وَهْيَ العَليمَةُ أَنَّهُمْ / بَريئونَ مِمّا يَقْتَضي قَوْلُ عاتِبِ
ومَذْهولةٍ في الخَطْبِ حتّى عَنِ البُكا / فَتَدْعو بِطَرْفٍ جامِدِ الدَّمعِ ناضِبِ
تُلَبّي بَنو عَبْسِ بنِ غَطْفانَ فِتْيةً / لَهُمْ قُتِلَتْ صَبْراً بِأَيْدي الأَجانِبِ
وصِبْيَتُكُمْ قَتْلى وَأَسْرى دَعَتْ بِكُمْ / فَما وَجَدَتْ مِنْكُمْ لَها مِن مُجاوِبِ
وَما ذاكَ مِمّا يَرتَضيهِ حِفاظُكُمْ / قَديماً وَلَمْ يُعْهَدْ لَكُمْ في التَّجارِبِ
عَذَرتُكُمُ لَم أَتَّهِمْكُمْ بِجَفوةٍ / ولا ساوَرَتْكُمْ غَفْلةٌ في النَّوائِبِ
شَكَتْ وارْعَوَتْ إِذْ لَم تَجِدْ مَن يُجيبُها / وما في الحَشا ما في الحَشا غَيرُ ذاهِبِ
وباكية حرى الفؤاد دموعها / تصعد عن قلب من الوجد ذائب
تصك يديها في الترائب لوعةً / فتلهب ناراً من وراء الترائب
ومدت إلى نحو الغريين طرفها / ونادت أباها خير ماشٍ وراكب
أَبا حَسَنٍ إِنَّ الذينَ نَماهُمُ / أبو طالِبٍ بِالطَّفِّ ثَأْرٌ لِطالِبِ
تَعاوَتْ عَلَيهِمْ مِنْ بَني صَخْرَ عُصْبَةٌ / لِثاراتِ يَومِ الفَتْحِ حَرّى الجَوانِبِ
وَسامُوهُمُ إِمّا الحَياةُ بِذِلَّةٍ / أَوِ المَوْتَ فَاخْتاروا أَعَزَّ المَراتِبِ
فَهاهُمْ عَلى الغَبْراءِ مالَتْ رِقابُهُمْ / وَلمّا تَمِلْ مِن ذِلَّةٍ في الشَّواخِبِ
سُجودٌ عَلى وَجْهِ الصَّعيدِ كَأَنّما / لَها في مَحاني الطَّفِّ بَعضُ المَحارِبِ
معارضها مخضوبةً فكأنها / ملاغم أسدٍ بالدماء خواضب
تفجر من أجسامها السمر أعيناً / وتشتق منها أنهر بالقواضب
ومما عليك اليوم هون ما جرى / ثووا لا كموثوى خائف الموت ناكب
أصيبو ولكن مقبلين دماؤهم / تسيل على الأقدام دون العراقب
ممزقة الأدراع تلقا صدورها / ومحفوظة ما كان بين المناكب
تأسى بهم آل الزبي فذللت / لمصعب في الهيجاء ظهور المصاعب
ولولاهم آل المهلب لم تمت / لدى واسط موت الأبي المحارب
وزيد وقد كان الأباء سجيةً / لأبائه الغر الكرام الأطائب
كأن عليه ألقي الشبح الذي / تشكل فيه شبه عيسى لصالب
فقل للذي أخفى عن العين قبره / متى خفيت شمس الضحى بالغياهب
وهل يختفي قبر امرئٍ مكرماته / بزغن نجوماً كالنجوم الثواقب
ولو لم تنم القوم فيه إلى العدى / لنمت عليه واضحات المناقب
كأن السما والأرض فيه تنافساً / فنال الفضا عفواً سني الرغائب
لئن ضاق بطن الأرض فيه فإنه / لمن ضاق في آلائه كل راحب
عجبت وما أحدى العجائب فاجأت / بمقتل زيد بل جميع العجائب
أتطرد قربي أحمد عن مكانه / بنو الوزغ المطرود طرد الغرائب
وتحكم في الدين الحنيف وإنها / لأنصب للإسلام من كل ناصب
أما في بَياضِ الشَّيبِ حِلْمٌ لأَحمَقِ
أما في بَياضِ الشَّيبِ حِلْمٌ لأَحمَقِ / بِهِ يَتَلافى مِن لَياليهِ ما بَقي
وما بِالأُلى بانوا نَذيرٌ لسامِعٍ / فَإِنَّ مُناديهم يُنادي الحَقِ الحَقِ
وإِنَّ امْرَأً سِرْنَ اللَّيالي بِظَعْنِهِ / لأَسْرَعُ ممَّنْ سارَ مِنْ فَوق أَينُقِ
وسِيّانَ عِندَ المَوتِ مَن كان مُصْحِراً / ومَنْ كانَ مِن خَلفِ الخِباءِ المُسَرْدَقِ
وهَلْ تُؤْمَنُ الدُّنيا التي هِيَ أَنزلَتْ / سُليمانَ مِن فَوقِ البِناءِ المُحَلَّقِ
وَلا سَدَّ فيها السَّدُّ عَمَّنْ أَقامَهُ / طَريقَ الرَّدى يَوماً ولا ردَّ ما لَقي
وَأَعْظَمُ ما يُلْقى مِنَ الدَّهرِ فادِحٌ / رَمى شَملَ آلِ المُصْطَفى بالتَّفَرُّقِ
فَمِن بَينِ مَسمومٍ وَبينِ مُشَرَّدٍ / وبينِ قَتيلٍ بالدِّماءِ مُخَلَّقِ
غَداةَ بَني عَبدِ المنافِ أُنوفُهُمْ / أَبَتْ أَنْ يُسافَ الضَّيمُ مِنها بمَنْشَقِ
سَرَتْ لم تُنكِّبْ عَنْ طَريقٍ لِغَيرِهِ / حِذارَ العِدى بَلْ بِالطَّريقِ المُطَرَّقِ
ولا دَخَلَتْ تَحتَ الذِّمامِ ولا اتَّقَتْ / بِغَيرِ القَنا أَعْداءَها يَومَ تَتَّقي
إِلى أَنْ أَتَتْ أَرضَ الطُّفوفِ فَخَيَّمتْ / بِأَعْلى سَنامٍ للعَلاءِ وَمَفْرِقِ
وَأَخْلَفَها مَن قَدْ دَعاها فَلَمْ تَجِدْ / سِوى السَّيفِ مهما يُعْطِها الوَعْدَ يَصْدُقِ
فمالَتْ إِلى أَرْماحِها وَسُيوفِها / وَأَكْرِمْ بِها أَنصارَ صِدْقٍ وأَخلِقِ
تَعاطتْ عَلى الجُرْدِ العِتاقِ دَمَ الطِّلا / ولا كَمُعاطاةِ المُدامِ المُعَتَّقِ
فما بَرِحَتْ تَلْقى الحَديدِ بِمِثْلِهِ / قُلوباً فَتَثْني فَيْلَقاً فَوقَ فَيْلَقِ
إِلى أَنْ تَكَسَّرْنَ العَواسِلُ والظُّبا / وَمُزِّقَتِ الأَدْراعِ كُلَّ مُمَزَّقِ
وَتاقَتْ إِلى لُقْيا الإِلهِ نُفوسُها / فَفارَقْنَ مِنْها كُلَّ جِسْمٍ مُفَرَّقِ
وَما فارَقَتْ أَيمانَها بِيضُ قُضْبِها / وَما سَقَطَتْ إِلّا بِكَفٍّ وَمِرْفَقِ
وَما رَبِحَتْ مِنْها العِدى بَعدَ قَتْلِها / مِن السَّلبِ إِلا بِالدِّلاصِ المُخَرَّقِ
أَلا مُتْهِمٌ يَنْحُو المَدينةَ مُسرِعاً / لِيوصِلَها عَنّي رِسالَةَ مُعْرِقِ
إِذا حَلَّ مِنْها مَهْبِطَ الوَحْيِ فَلْيُنِخْ / وَيُعْوِلْ كَإِعْوالِ الوَلودِ المُطَرِّقِ
أَهاشِمُ هُبّي لِلْكِفاحِ فَلَمْ أَخَلْ / على الضَّيْمِ يَوْماً أَنْ تَقَرّي وَتُخْفِقي
فَإِنَّ دَمَ الأَنْجابِ مِنْ آلِ غالِبٍ / أُريقَ عَلى كَفِّ ابنِ ضَبْعٍ مُلَفَّقِ
فَلَيْسَ بِمُجْدٍ بَعدَ غَبنِكِ فيهِمُ / بِأَنْ تَقْرَعي سِنًّا عَليهِمْ وَتَصْفِقي
مَضى مَنْ قُصَيٍّ مَن غَدَتْ لِمُضِيِّهِ / كَوَجهِ قَصِيرٍ شانَهُ جَدْعُ مَنْشَقِ
وَكَمْ مِن صَبِيٍّ لمْ يَشِبَّ تَرَفُّعًا / عَنِ الطَّوقِ ذي جِيدٍ بِسَيفٍ مُطَوَّقِ
وَطِفْلٍ عَلى الغَبْراءِ تَنظُرُ وَجْهَهُ / كَشِقَّةِ بَدْرٍ بالثُّرَيّا مُقَرْطَقِ
أَذاقُوهُمُ حَرَّ الحَديدِ عَواطِشاً / وَمِنْ عَذْبِ ماءٍ قَطْرَةً لم تَذَوَّقِ
لَوَ انَّ رَسولَ اللهِ يُرْسِلُ نَظْرَةً / لَرُدَّتْ إِلى إِنْسانِ عَينٍ مَؤَرَّقِ
وَهانَ عَليهِ يَومُ حَمْزَةَ عَمِّهِ / بِيومِ حُسَينٍ وَهْوَ أَعْظَمُ ما لَقي
وَنالَ شَجًا مِنْ زَيْنَبٍ لمْ يَنَلْهُ مِنْ / صَفِيَّةَ إِذْ جاءَتْ بِدَمْعٍ مُدَفَّقِ
فَكَمْ بَينَ مَنْ لِلْخِدْرِ عادَتْ كَريمَةً / وَمَنْ سَيَّروها في السَّبايا لِجِلَّقِ
وَلَيْتَ الذي أَحْنى عَلى وُلْدِ جَعْفَرٍ / بِرِقَّةِ أَحْشاءٍ وَدَمْعٍ مَرَقْرَقِ
رَأى بَيْنِ أَيْدي القَوْمِ أَيْتامَ سِبْطِهِ / سَبايا تَهادى مِنْ شَقِيٍّ إِلى شَقي
وَرَيّانَةِ الأَجْفانِ حَرّانَةِ الحَشا / فَفي مُحْرِقٍ قامَتْ تَنوحُ وَمُغْرِقِ
فَلا حَرُّ أَحشاها مُجَفِّفُ دَمْعِها / وَلا الدَّمعُ ماضٍ عَن حشاها بمحرق
فَقُلْ لِلنُّجومِ المُشرِقاتِ أَلا اغرُبي / وَلا تَرْغَبي بَعدَ الحُسَينِ بِمَشْرِقِ
فَقَدْ غابَ مِنها في ثَرى القَبْرِ نَيِّرٌ / مَتى هِيَ تَستَقْبِلْ مُحَيّاه تُشْرِقِ
وَقُلْ لِلبِحارِ الزّاخِراتِ أَلا انضُبي / مَضى مَن نَداه مَدَّها بِالتَّدَفُّقِ
إذا أنا لا أبكي لمثلك حق لي
إذا أنا لا أبكي لمثلك حق لي / بكائي على أني لمثلك لا أبكي
وكيف يصان الدمع من بعدما اجتروا / على حرمات اللَه أعداك بالهتك
أأنسى دموعاً أو دماءاً تجاريا / من الآل يوم الطف بالسفح والسفك
بنفسي ملوك العز كافحت العدى / على العدل ما بين الورى لا على الملك
إلى أن مضوا صرعى فميز قتلهم / إلى الناس ما بين الهداية والشرك
فإن جحدوا حق الوصي وفاطم / وتمزيق ذاك للصك
وسم سليل المصطفى الحسن الذي / بنكهته اعتاض النبي عن المسك
فلم يجحدوا ذبح الحسين وما جرى / عليه غداة الطف من أعظم الفتك
فتلك رزايا في السماء إلى الثرى / فمن ملك يبكي عليه ومن ملك
كفى حزناً أن المحاريب أظلمت / غداه توارى في الثرى كوكب النسك
لقد حرمت سلمى عليك خيالها
لقد حرمت سلمى عليك خيالها / فلم تتوقع بعد ذاك وصالها
فمن كل عن أمر وحاول فوقه / فقد رام من بين الأمور محالها
ومن لم ينل داني السحاب فضلة / إذا رام من شهب السماء هلالها
وهاجرة والشيب علةٌ هجرها / وتلك لديها عثره لن تقالها
لقد كان يدنيها إليك مودةٌ / فتأمن فيه هجرها وملالها
سواد قذالٍ كان في العين أثمدا / فسرعان ما ولى وأبقى القذا لها
وهب أنها من فعلها الهجر والجفا / هل النوم من عينيك جاري فعالها
ليالي طالت بالصدود قصارها / وقد قصرت الوصل القديم طوالها
في الغيد إن دام الشباب يداً وإن / أزيل فلا تأمن هناك زوالها
يعذبن قلبي والشباب شفيعه / فكيف وساعي الشيب فيه سعى لها
لقد كن في ليل الشباب كواكباً / فلما بدا صبح المشيب أزالها
وما الشيب إلا مثل نار ضياؤها / بفودك والأحشاء تصلي اشتعالها
وإن سراج العيش حان انطفاؤها / فقد أشعلت نار المشيب ذبالها
وكل بعيدٍ للحياة مقرب / إذا ما حدت فيه الليالي جمالها
ألا هبةً للنفس من سنة الهوى / إلى رتبة من حارب النوم نالها
فلو لم تنم أجفان عمرو بن كاهل / لما نالت النمران منه منالها
فلمها على سوء الفعال ابتداؤها / لتختم في حسن المقال فعالها
إذا النفس لم تختم عواقب فعلها / بمدح بني الهادي أطالت ضلالها
ولم يبتكر فيه المعاني وإنما / تكرر في القرآن ما اللَه قالها
أعزاء إلا أنها لضيوفها / تذل فتنسى النازلين ارتحالها
أنالت بني الآمال فوق مرامها / وما كدرت بالمن يوماً نوالها
فلم تكن الدنيا لها غير دارها / وما كان خلق اللَه إلا عيالها
إذا جاءت الوفاد تسأل رفدها / كفتها تبعجيل الهبات سؤالها
وقد علمت أقارنها ولظى الوغى / تشب إلى أم السماء اشتعالها
إذا ما دعت يوماً نزال تبادرت / إليها كماة لا تطيق نزالها
محطمةً أرماحها في صدورها / ومغمدة بالهام منها نصالها
سرت بعميد لا تغص جفونه / على الضيم أو تلعو الصعيد جبالها
أخي هبوات حجب الشمس ليلها / وأبدى من البيض الصفاح مثالها
وذي غزواتٍ تملأ السمع صيحةً / وتخرس ذعراً من أراد مقالها
بوادره مرهوبةٌ وحروبه / وتقاسي ملوك الأرض منها عضالها
سما فاستغاثت فيه ملة جسده / وهل تستغيث الناس إلا ثمالها
غداة أحل الظالمون حرامها / كما حرموا منها عناداً حلالها
فسار بظل السمهرية فوقها / من الطير ما أضحى العجاج ظلالها
إلى أن أتى أرض العراقين هادياً / أناسٌ أبت في الدين إلا ضلالها
فسدت عليه السبل من كف حيدرٍ / أطاحت برغم الأنف منها سبالها
وأهل قلوب قد شجتها معاشرٌ / عليها لدى بدر القليب أهالها
كفاها افتضاحاً حيث قامت تسومه / دماءاً بسيف اللَه قدماً أسالها
كأني به والصحب صرعى كأنها / ضراغمة غول المنية غالها
يكافح والهيجاء تغلي بخطبها / مراجلها فرسانها ورجالها
يريك إذا ما أومض السيف في الوغى / وقد أخذت منه الدماء انهمالها
وميض حسامٍ في سحاب عجاجةٍ / وقطر دماءٍ لا تجف انهطالها
وما أشغلت منه الحفاظ نقيبة / أطالت بحفظ الكائنات اشتعالها
إلى أن جرى حكم المشيئة بالذي / جرى وعروش الدين قسراً أمالها
وقوض بالصبر الجميل فتى به / فقدن حسان المكرمات جمالها
لك اللَه مقتولاً بقتلى لك الهدى / أباح قديماً قتلها وقتالها
فليت رماحاً شجرتك صدورها / تلقيت في أحشاء صدري طوالها
وليت قسياً قد رمتك سهامها / يقاسي فؤادي في فداك نبالها
وبيض صفاح صافحتك فليتني / وقيتكها في صفحتي صقالها
وأعظم ما يرمي القلوب بمحرق / وتهمي له سحب الجفون سحالها
عقائلكم تسري بهن إلى العدى / نجائب إنساها المسير عقالها
وزينب تدعو والشجى ملؤ صدرها / بمن ملأت صدر الفضاء نوالها
أيا إخوتي لا أبعد اللَه منكم / وجوهاً تود الشهب تمسي مثالها
نشدتكم هل ترجعون لحيكم / فتحي عفاة أتلف الدهر حالها
نشدتكم هل تركزون رماحكم / بدار لها الوفاد شدت رحالها
وهل اسمعن تصهال خيلكم التي / يود بأن يمسي الهلال نعالها
وهل أنظر البض المحلاة بالدما / تقلدتموها وانتضيتم نصالها
فيا ليت شعري هل ابيتن ليلةً / ببحبوحةٍ تحمي وأنتم حمى لها
وتمسي دياري مثل ما قد عهدتها / ملاذ دخيل ظل يأوي حجالها
فنيتم ولم تبلغ كهول قبيلكم / مشيباً ولا الشبان تلقى اكتهالها
هبو أنكم قاتلتم فقلتم / فما ذنب أطفالٍ تقاسي نبالها
رجالهم صرعى وأسرى نساؤهم / وأطفالهم في الأسر تشكو حبالها
فما لقصى أحجمت عن عداتها / مذ استقصت الأوتار منها فما لها
وألوية الأشراف آل لويها / لوتها الأعادي بعد ما اللَه شالها
ووإن قناة الفخر من فهرر قصدت / ولم تلق من بعد الحسين اعتدالها
ومدركةً تدري عشية أدركت / مناها العدى منها ونالت منالها
بنفسي قوماً زايلتني فلم أزل / أرى كل آنٍ نصب عيني خيالها
وكيف انثنت مقطوعةً وصلاتها / ولم تر إلا بالنبي اتصالها
تعل القنا منهم وتنتهل الضبا / وتغدو دماها علها وانتهالها
مصائب لا نسطيع يوماً سماعها / فواعجباً كيف استطعنا مقالها
فيا من عليهم تجعل الناس في غدٍ / وفي اليوم من بعد الإله اتكالها
زففت إليكم من حجال بديهتي / عروس نظامٍ دان أهل الحجى لها
فإن قبلت هانت عظائم عثرتي / وأيقنت أن اللَه فيها أقالها
فما ضر ديواني سواد طروسه / إذا لقيت في الحشر منكم صقالها
وما ضر ميزاني ثقال جرائمي / إذا كنت فيها مستخفاً ثقالها
ولا أختشي هولاً وإن كنت طالحاً / إذا قيل يوم الحشر صالح قالها
أتكثر في الأبصار هذي الثواقب
أتكثر في الأبصار هذي الثواقب / وتعظم للوراد هذي المشارب
ببيت ابن من قام الوجود بسرهم / فمن جودهم أنهاره والكواكب
ولو هبطت وهو الصعود لبيتهم / ذكاء وما منها الأشعة كاسب
وسالت من الأنهار ما قد أعده / آله الورى للمتقين الأطائب
لما كان ذا إلا القليل بحقهم / وما كان إلا بعض ما هو واجب
بكاظمهم غيظاً سما حسن العلا / وأحمدهم فعلاً تنال الرغائب
كأن الذي يعطيه باقٍ بكفه / وأن الذي يبقى وإن قل ذاهب
فتى لا يبالي إن تفرق ماله / وقد جمعت فيه لديه المناقب
ومن عجب أنى يلام على الندى / فتى قد نمته الأكرمون الأطائب
إذا كانت الأبناء فيها شمائل / لآبائها فالأمهات نجائب
ولما رأى الأعراب تعلي بيوتها / وتطلب فخراً وهو نعم المطالب
بنى بيت شعرٍ فيه يجتمع النهى / وتفخر أملاك السما لا الأعارب
إذا قلته جون السحاب يقول لي / صه أين مني في المنال السحائب
إذا انعقدت أبدت على الناس غيهباً / وأني الذي تنجاب عن الغياهب
كأن عمادي سوق دوحٍ ثماره / وأوراقه شهب السماء الثواقب
فهن رجوم للعدا وهدايةٌ / لطلاب نهج الحق والحق لاحب
وإن أنس لا أنس الهمام أخا النهى / فتى كنهه عن طائر الفكر عازب
له أسوةٌ في كل داعٍ إلى الهدى / وإن قيل في الدعوى وحاشاه كاذب
عليه سلام اللَه ما ذكر اسمه / ووافاه في أسماء آباه خاطب
وما أشرقت شمس النهار بمشرقٍ / وما حازها عند المساء المغارب
أضاءت ولا مثل النجوم الثواقب
أضاءت ولا مثل النجوم الثواقب / مصابيح بيت من بيوتات غالب
مصابيح كانت للمحب هدايةً / ولكن رجوماً للعدو المجانب
ترى ضوءها أهل السماء كما ترى / لدى الأفق أهل الأرض نور الكواكب
ولو أنها في الأفق كانت لما غشى / جوانبه في الدهر لون الغياهب
ولم يفتقر أفق السماء لكوكب / سواها وقد أغنته عن كل ثاقب
ولاحت ولا كالشمس تحت غمامةٍ / بدا حاجبٌ منها وضنت بحاجب
ولكنها لاحت كنار قراهم / تحيي البرايا من جميع الجوانب
يؤججها وهاجةً في سما العلا / فتى قد نمته الصيد من آلا غالب
أخو الهمة العلياء أحمود من غدا / لأحمد ينمى أصله في المناسب
ويترع عذباً خاله الناس كوثراً / به فاز من قبل الظما كل شارب
لدى ليلةٍ لو مثلها كل ليلةٍ / أمن الليالي موبقات النوائب
سمت وتعالت رفقة بمسرةٍ / لمولى سما بالملك أعلى المراتب
يؤدي لها ما كان فرضاً ومثله / فتى ليس يلهو قط عن كل واجب
يعظم في الدنيا شعائر دولةٍ / معظمةٍ في شرقها والمغارب
يواسي مليكاً بالمسرة طلما / يواسي رعاياه بجم الرغائب
تقاسمه الناس المسرات مثلما / تقاسمه أمواله في المواهب
مليك له دان الملوك فأصبحت / وهم بين راجي النيل منه وراغب
أقول وقد أهديتها بدويةٌ / تتيه على من في بيوت الأعارب
أبت كفؤها إلا ذوابة هاشم / وفاقت علواً من جميع الذوائب
أحلماً ودين اللَه أوشك يتلف
أحلماً ودين اللَه أوشك يتلف / وصبراً وداعي الشرك يدعو ويهتف
وحتى متى سيف الإله معللٌ / بضرب طلا أعدائه ومسوف
هو السيف ما لم يألف الغمد نصله / وما السيف سيف وهو للغمد يألف
أما آن أن تحيي الهدى بعد موته / بيوم يميت الشمس نقعاً ويكسف
وشعواء فيها الدهر يرجف خيفةً / وينسد منها الأفق والأرض ترجف
ويعقد فيها النقع غيماً مظللاً / وترعد فيها الأسد والبيض تنطف
كتائب ينطحن الخميس كباشها / ولا روق إلا ذابل ومثقف
إذا نزلت أرض العدو طمت بها / بحار دمٍ فعم على النجم تشرف
تزاحم برج الحوت حتى يعومها / وتدنو من الكف الخضيب فتغرف
وإن فغرت للحرب فاغرة الردى / رموها بما فيه تغص وتقذف
فلا عيب فيهم غير مطلٍ عدوهم / إذا استقرضوا منه الدما وتسلفوا
وأوفى عباد اللَه إلا بحالةٍ / إذا وعدوا البيض الغمود فلم يفوا
يميلون شوقاً للوغى فكأنما / كؤوس الردى صرف المدامة قرقف
إذا ما احتفت يوم الهياج جيادهم / نعلن من الهامات ما البيض تنقف
أبا القاسم المهدي لا عز أو ترى / لك الكتب تتلى والكتائب تزحف
فقم طالباً حق الخلافة معلماً / فهاهي في أيدي العدو تلقف
أتصدر وراداً لكم عن كيها / محلأة والقوم منهن تنزف
وتوحش هاتيك المنابر منكم / وتنزو عليهن القرود وتشرف
أما هاشم قدماً أذلوا صعابها / فما بالها تيمٌ رقوها وأردفوا
وهذا لواء المسلمين برغمهم / على رأس أشقى العالمين يرفرف
إذا أومض البرق الحجازي في الدجى / كعرنين قن من بني الزنج يرعف
شخصنا إليه مثلما شخصت إلى / الحمائم أفراخ لها تتشوف
رجاءاً إلى السيف الذي في وميضه / عن الخلق طراً ظلمة الجور تكشف
حسام إذا ما واكل الموت في الوغى / مضى بفم أضحى على الموت يجحف
وإن ورد الأعناق يوماً حكينه / من الهيم بعد الخمس عطشى تلهف
على سابق لو رامت الريح سبقه / لعادت إليه ضالعاً تتقحف
دعوتك والأبصار شاخصةٌ إلى / وميض حسام للنواظر يخطف
دعوتك للتوحيد قد غال أهله / أناسٌ على الأوثان تحنو وتعكف
دعوتك للدين الحنيف فقد غدا / ضئيلاً عليه الشرك يقوى فيضعف
دعوتك للقرآن راح ممثلاً / بأيدي أناسٍ غيروه وحرفوا
دعوتك للشرع الشريف مغيراً / بما قعدوا أهل الضلال ووظفوا
دعوتك للمظلوم ضاع حقوقه / وليس له من عصبة الجور منصف
إليك ولي اللَه بث شكايةً / تهدلها الأطواد والأرض تخسف
أترضى وأنت المستجار بأننا / بأيدي العدا من أرضنا نتخطف
وما ألفت أكبادنا حب غيركم / فكيف إلى أعدائكم نتألف
وأنى وأهل الدين تصحب عصبةٌ / سوى الجبت ديناً في الورى ليس تعرف
وكيف نغادي أو نراوح معشراً / يميل بنا عنهم ولا كم ويصرف
إذا أنت بالأغضاء عاملت كاشحاً / فمن ذا على أشياعكم يتعطف
ومن يكشف الغماء عن متلهفٍ / أضر بأحشاه إليك التلهف
ومن ذا إذا ما صرح الدهر خطبه / بمنعته يحمي الطريد المخوف
وأيسر ما يشجيك أن مجاوري / ضريح أبيك السبط عن قبره نفوا
يعدوان قيد الرمح عنه مسافةً / فكيف بهم والبعد وعروٌ ونفنف
ومن لم تطلق حمل الرداء متونه / فكيف بحمل الراسيات يكلف
فما آدم في يوم راحٍ مفارقٌ / لجنان بدمع يستهل ويذرف
بأغزر دمعاً منهم يوم فارقوا / ذرى حرم بابن النبي يشرف
فآهً لأرض الطف في كل برهةٍ / يجدد فيها حادثٌ لا يكيف
وأن نساء المؤمنين ذواعرٌ / تراع كل ريع الحمام المغدف
يلاحظها رجسٌ ويقرف عرضها / غبي بأصناف اللعائن يقرف
أيامي ولم يثكلن بعلا وحولها / يتامى وأبى لهم ليس تحتف
وأعظم مفقود من الناس آخذ / عن الأهل نأياً حاله ليس يعرف
لئن ضرب الأمثال في فقد يوسف / وما نال من يعقوب فيه التأسف
فها نحن في جيل به كل والد / من الناس يعقوب ينائيه يوسف
فهذا ولم تهتك حجاب تصبرٍ / عليك بإمها العدو يسجف
ولم تنتض السيف الذي حده على / رقاب العدا من شفرة الموت أرهف
أيملك أمر العرب من لا أباً له / ولم ينمه منهم نزار وخندف
لئيم فما للصفح عند اقتداره / محلٌّ وما للحلم أن هاج موقف
أحب الورى من ليس يحنو عليه / لديه وإعداهم له المتلطف
ومن لقطته العاهرات من الخنا / فكيف بأبناء العفائف يلطف
وما لبني الآمال إلا ابن حرة / يغار عليهم أن يضاموا ويأنف
وأنا لندري أن يومك كائن / وإن حال فيه عن سواه التخلف
ولكننا لا نستطيع تصبراً / لطول أناةٍ منك للقلب تحتف
وأين الجبال الراسيات رزانةً / من الذر فوق الأرض والريح تعصف
أقول لنفسي عندما ضاق رحبها / وكادت على سبل المهالك تشرف
وكادت ممضات الزمان تميل بي / إلى هلع يلقى له الحلم أحنف
رويداً كأني بالأماني صدقنني / بإنجاز وعد للهدى ليس يخلف
إليك ابن طه بنت فكر زففتها / تتيه على أترابها وتغطرف
تجر ذيولاً من برود شكايةٍ / تطرز في حسن الرجا وتفوف
عتبت عليه لو يرق لعاتبٍ
عتبت عليه لو يرق لعاتبٍ / وناشدته لو كان يوماً مجاوبي
وأطنب في الشكوى إليه لو أنه / سميع لشكوى وأجد القلب لأهب
أفي كل يومٍ للمنية غارةٌ / تعود بها الأرواح طعمة ناهب
هو الموت من حيث التفت وجدته / على كل حي كان ضربة لازب
فلا رد عن اسكندر ما افتدى به / ولا سد عنه السد ثغر النوائب
ولا مالت الأموال عنه بحتفه / ولم يمح مكتوب قضى بالكتائب
ولا مثل يوم المرتضى يوم نكبةٍ / أبانت بأن اللَه أغلب غالب
وراءك من ناع كأنك للورى / من النفخة الأولى أتيت بعاطب
أوانك إدراك الأنام سلبته / فلم يفرقوا ما بين أنف وحاجب
يخبر أن الدين قد أزمع النوى / وكان من الترحال من فوق غاربي
لك اللَه من ندب إلى اللَه ضاعن / وللدين والدنيا صراخ النوادب
إذا صرخت أقصى المشارق ثاكلٌ / تجاوبها ثكلى بأقصى المغارب
متى تلد الدنيا نظير مالكاً / لها تاركاً في وصلها غير راغب
ترى بيضها بيض السيوف وصفرها / إذا قاربت كفيك صفر العقارب
أتتك بأبهى ما بها من بشاشةٍ / فلاقيتها في وجه أعبس قاطب
فما تركت من حيلةٍ عملت بها / وجاءتك ترجو الصيد كل جانب
فأرجعتها عطلى تجر شراكها / رجوع امرئٍ عن مؤمل الصيد خائب
ألحت فلم تنعم عليك خطابها / وكم نفخت نشزاً على كل خاطب
كأنك والدنيا المسيح وغادةً / فكنت حصوراً مثله لم تقارب
ألا م يعزي آل بيت محمدٍ / بمؤتمنٍ ما خان نيلة شارب
وكافل أيتام لهم وأرامل / وهادي محبيهم سواء المذاهب
وكوكب محراب ومنطيق منير / وفيصل أحكام وغيث مواهب
ومستجمع الأضداد من بشر عالم / وهيبة سلطانٍ وحالة راهب
فلا تشمت الحساد في فقد ذاهب / فللَه فينا حجة غير ذاهب
أبو صالح المهدي واحد عصرنا / فأكرم به من واحد العصر صاحب
يهتك أتسار الغيوب بفكرةٍ / إذا هي زجت أحضرت كل غائب
ينبؤنا بالمشكلات صريحةً / فيشكل فينا أمره بالعجائب
يحدث أصحاباً ويقضي خصومةً / ويرقم مجهول العلوم الغرائب
فلم تلهه أقلامه عن مخاطب / ولا ينتهي عنها بقول المخاطب
ولو أنه قد كان في عصر جده / لأصبح منهم بين غالٍ وناصب
أخو همةٍ لم يحدث الدهر فتنةً / على الناس إلا غالها بالمعاطب
فيصلح من جهالها كل فاسد / ويخمد من نيرانها كل ثاقب
فتى ساس أهل الدهر في طب حكمه / فجربهم ثم اغتنى بالتجارب
يمرن أبناه على المجد صبيةً / كما مرن البازي كف الملاعب
وما ذاك من خوف الخمول وإنما / لتنتدب الفرسان فوق السلاهب
جرى وجروا في إثره نحو غايةٍ / فما اختلفوا إلا برور المناكب
وكل على كل تقدم في العلى / على قدر فضل السن غير مغالب
تقدم مقدار الجلالة جعفر / فحل من المهدي أعلى المراتب
ترقى براق العلم بل رفرف التقى / إلى قاب قوس مدرك العقل عازب
وكل إذا أبصرته شمت كوكباً / وضيئ المحيا في محل الكواكب
أخو فطنةٍ فيها استطال نباهةً / على كل كثلٍ للكرام وشائب
فلو أنه يملي على كل كاتب / قديم القضايا أعجزت كل كاتب
يكاد بأن يروي بعظهم أطلاعه / إلى ابن أبي الدنيا قديم العجائب
ولو رام كعب أن يجاري حديثه / كساه من الخجلان حلة كاعب
أضاءت بهم فيحاء بابلٍ مثلما / أضاءت قديماً في السنين الذواهب
فليست تبالي بعد أن ظفرت بهم / أغاب الذي قد غاب أم غير غائب
أعدتم لنا العصر القديم ومن به / من العلماء الفاضلين الأطائب
ألا طرق الأسماع ما قد أصمها
ألا طرق الأسماع ما قد أصمها / وكلم أحشاء تكابد كلمها
مصاب به خص الكرام من الورى / ولم يعد باقي العالمين فعمها
حمدت الليالي برهة قبل وقعه / وقد حق لي من بعده أن أذمها
ليالي لم تبرح تجد بحربنا / وإن لعبت يوماً فعاينت سلمها
ليالي لا ينفك في النسا جورها / فسل أن تسل عنها جديساً وطسمها
مضت بعظيم القدر وابن عظيمه / وما استعظمت بين البرية جرمها
مضت بالفتى المهدي من شاد للعلا / دعائم لا يسطيع ذا الدهر هدمها
مضت بالذي يمضي على الدهر حكمه / وقد أنفذت فيه المنية حكمها
دنت من مليك دونه حاجب النهى / يذود فأنى أقصدت فيه سهمها
مضى مطعم الغرثى بداجيةٍ الشتا / فكيف أذاقته المنية طعمها
مضى من ينسي الضيف أهليه بالقرى / وينسي اليتامى ساعة الشكل يتمها
مضى من أباد البخل في سيف جوده / وللجود أسياف أبي المجد ثلمها
مضى واصل الأرحام بعد انقطاعها / إذا قطعت أهل المروة رحمها
إلى تربةٍ عادت عبيراً فأصبحت / تحاول أملاك السماوات لثمها
إلى خير قبر ما رأى الناس مثله / ثرى جمعت فيه المعالي فضمها
له الحلما شقوا الجيوب وزايلت / عشيةً عنهم شخصه زال حلمها
إذا احتشمت لطم الخدود أكفها / فقد جعلت حزناً على الهام لطمها
فلم أدر حتى وارت الأرض شخصه / جبال النهى يخفي الصعيد أشمها
فلم أدر حتى وارت الأرض شخصه / بدور الهدى يخفى الصعيد أتمها
فلم أدر حتى وارت الأرض شخصه / بحور الندى يخفي الصعيد خضمها
لئن أسفت فيه النفوس فأنسها / بوالده أضحت تنفس غمها
فتى باذلاً في اللَه للناس ماله / فلا حمدها يرجو ولم يخش ذمها
فتى سورة الإخلاص ملء فؤاده / وفي سورة الأنعام للناس عمها
إذا جمحت خيل السنين بأهلها / لوى بالندى رغماً على الدهر لجمها
علا لو تراءت من خصيب وحاتم / ومعن لباتوا يحسدونك عظمها
علا مالها إلا محمد صالح / فمن رام أدناها فقد رام ظلمها
به وأخيه وابنه وشبولهم / سماهم المعالي أزهر اللَه نجمها
فكانوا نجوماً في سماء سماحةٍ / أنالت شياطين الأشحاء رجمها
خلائقها تدني إليها وفودها / وهيبتها عنها تباعد خصمها
كأن لأفراخ الأنام بيوتها / وكون ترى فيها أباها وأمها
فصبراً جبال الحلم صبراً وإن يكن / مصابكم دك الجبال وأكمها
فإن سقمت في رزئكم مهجة الهدى / ففيكم أزال اللَه في الدهر سقمها
ولا نقص عندي في السماء وبدرها / مضيء إذا ما الشهب زايل نجمها
سقى غيث عفو اللَه قبراً بلحده / عظام فلم يعلم سوى اللَه عظمها
كفى الدهر ذلاً حين غالت غوائله
كفى الدهر ذلاً حين غالت غوائله / خباً ما رأت شهب السماء عقائله
وقاح فما أدري أهل كان عالماً / بأعظم ما قد جاء أم هو جاهله
تخطى إلى خدر ولو كان عاقلاً / رأى من ندى أهليه ما هو عاقله
وأسلم منه للمنايا كريمةً / ببيت كرام ما رأى الضيم نازله
دفينة خدرٍ لم يزد في حجابها / ثرى القبر مذ هيلت عليها جنادله
محجبةً لم يطرق السمع صوتها / ولا شخصها يومها تراءت شمائله
ولا أنقص التأنيث في الدهر فضلها / وعنها يعزى واحد الدهر فاضله
يعزى أبو المهدي عنها ومن غدت / أواخره ممدوحةً وأوائله
فتى أوقف الحوبا على النسك والتقى / إلى أن غدت فرضاً عليه نوافله
فتى شاغل في مدحه كل مذود / ومذوده حمد المهيمن شاغله
إذا مر يوماً الأصم يخاله / يحييه أو عن بعض شيءٍ يسائله
إذا ضمه المحراب أبصرت كوكباً / أضاء الدجى والليل قد حال حائله
فتشفق أن عاينته متهجداً / لكثرة ما يرعدن خوفاً مفاصله
إذا ما احتبى وجه النهار بدسته / وغصت بأرباب الفخار محافله
سمعت بليغ القول من نطق فيصلٍ / إذا قال أمضى كل ما هو قائله
ألا لا تقس فيه سواه مخاطباً / ولا تعدلن فيه إذا فاض نائله
فما يستوي في النطق قس وباقل / ولا يستوي طل السحاب ووابله
فلو شاهد الطائي بعض هباته / لأبهره ثم انثنى وهو عاذله
هو النير الموفي الذي كل نير / له هالة والبحر والبحر ساحله
ألم تره لما اقتفاه شقيقه / حباه من العلياء ما لا تحاوله
كريم له طبع النسيم إذا سرى / شمالاً وطيب العنبر الغض شامله
متى تلقه تلق امرءاً متبسماً / طليق المحيا مؤمنات غوائله
تواضع حتى كاد يخفى تواضعاً / على أنه فوق السماك منازله
ونال الرضا من فخره غاية الرضا / فأسخط من أعداه من لا يشاكله
فتى زانه رأي الكهول وربما / تثفن من قوت المساكين كاهله
خلائقه لو للكواكب أزهرت / نهاراً ولم يأفل من الأفق آفله
سجايا تلافاها الجواد فأصبحت / لكل جوادٍ حسرةً لا تزايله
إذا ما تمناها الكرام ترفعت / وما كل من قد حاول الشيء واصله
ومنه اكتسى ثوب الفخار محمدٌ / فقصر من قد كان جهلاً يطاوله
إذا قسته في أهله فهو جعفرٌ / وإلا فبحر والكرام جداوله
أولئك آحاد الزمان كرامه / أماجده أنجابه وأفاضله
علمت سجاياهم فصغت مديحهم / وما كل من قد يعلم الشيء فاعله
وماذا انتفاع المرء يوماً بعلمه / إذا لم يكن دون الورى هو عامله
إذا السيف لم تضرب به يوم معركٍ / فسيان ملقى كان أو أنت حامله
إليك أبا المهدي تهدي عقيلةً / تدين لها من كل فكرٍ عقائله
معزية الندب الغني بحلمه / وعلام أضعاف الذي أنا قائله
وماذا يزيد البحر ماء سحائبٍ / وإن هطلت عمر الزمان هواطله
وهل في ضياء الشمس فقر لمن غدت / توقد آناء النهار مشاعله
ولكن هذا الفرض أوجبه الوفا / فإني مؤديه وأنك قابله
تعاليت قدراً أن تكون لك الفدى
تعاليت قدراً أن تكون لك الفدى / نفوس الورى طراً مسوداً وسيدا
وكيف تفدي في الزمان ولم يكن / لديك به الذبح العظيم فتفتدى
بذاك استحلت حرمة المجد جهرةً / وإن الردى يجري عليك لتفقدوا
وكيف تخطى في حماك ألم يكن / لهيبتك العظمى أسيراً مقيدا
مصاب تعدى حد كل عظيمةٍ / وأغرق نزعاً في النضال بل اعتدى
بان أبا داوود عاجله الردى / وكان الذي ينتاشنا من يد الردى
لأن أضحت الهلاك منه بأجرد / فيا طالما كان الرواق الممدا
وكان أمان العالمين فحق أن / يحل بها الأرجاف في الدهر سرمدا
أغر إذا لاقيته أجلت العلا / لعينيك بشراً من محياه فرقدا
حذا حذو آباه الألى أسسوا العلا / فوطد من فوق الأساس وشيدا
إلى أن غدا فينا لأحمد معجزاً / ألا كل قولٍ منه معجز أحمدا
إذا لبس الدنيا الرجال فإنه / لعمري منها د ما قد تجردا
فواللَه ما ضلت عليه طريقها / ولو شاء من أي النواحي لها اهتدى
فما مالت الأيام فيه بشهوةٍ / وما ملكت منه الدنية مقودا
وإن حاولته راغ عنها محقاً / كما راغ وحشي تشوف أريدا
إذا ما توسمت الرجال رأيته / أقلهم مالاً وأكثرهم ندى
فقل لقريشٍ تخلق الصبر دهشةً / وتلبس ثوباً للمصيبة أسودا
وتصفق جذ الراحتين بمثلها / وتغضى على الأقذاء طرفا تسهدا
فقد عمها الرزء الذي جدد الأسى / عليها بما خص النبي محمدا
بطود علاء قد تفيأ ظله / من الناس من قد كان أدنى وأبعدا
وشمس نار يستضيء بنورها / جميع الورى من غار منهم وأنجدا
فللَه ذاك الطود من ذا أزاله / وللَه ذاك النور من كان أخمدا
فيا مغمضاً عينيه عند وفاته / ويا ناشراً من فوقه فاضل الردا
لغطيت وجهاً فيه يستنزل الحيا / وغمضت جفناً لا يزال مسهدا
وسكنت أمواج البحار عشيةً / عدوت على تلك اليدين ممدا
أقول لمشتق الضريح لجسمه / شققت قلوباً للهداة وأكبدا
أتدري على من تشرج اللبن جهرةً / على مقلة الإيمان بل مهجة الهدى
أحيدر يا ابن الشاكرين من الثنا / يسيراً ومعطين الكثير من الندى
لانت الذي في العز من آل هاشم / كهاشم فخراً من قريشٍ وسؤددا
رأيتك أعلى أن تعزى ومن ترى / يناشد بدر التم أن يتوقدا
حذاري أن تمسي وحاشاك جازعاً / حذاري على الأطواد أن تتميدا
لك الحكم اللاتي فضحن بلفظها / لبيداً ولكن بالمعاني مبلدا
فكم من مضلٍ في سبيل جهالةٍ / تلقيته فيهن فانصاع مرشدا
فحسبك بل حسبي وكل موحدٍ / أبو صالحٍ المهدي منتجع الهدى
عماد قباب الدين دام علاؤه / وأيده رب السماء وسددا
هو الحجة البيضاء لم يخف أمرها / على أحد إلا الذي كان ألحدا
يرى نفسه الأدنى من الناس رتبةً / على أنه الأعلى محلاً ومحتدا
عزيز إذا ما جاء للناس محفلا / ذليل إذا ما جاء للَه مسجدا
فكم شمل خطب لا نطيق دفاعه / فزعنا إلى عليائه فتبددا
هو الملتجي دنياً وديناً فمن يمل / إلى غيره ضل السبيل وما اهتدى
أبو الغر كل صالحٍ بعد جعفر / يكون حسيناً في العلاء محمدا
أجل الورى قدراً وأعذب منطقاً / وأوفرهم علماً وأسمحهم يدا
وأزكاهم نفساً وأكثرهم تقىً / وأصوبهم رأياً وأفصح مذودا
نعى فشجى قلب الشريعة إذا نعى
نعى فشجى قلب الشريعة إذا نعى / وعاد لديه أصبر الناس أجزعا
وضيع أهل الحزم قوة حزمهم / كما أن حسن الحلم أضحى مضيعا
ولم تر هذا الكون إلا بدهشةٍ / كأن الفنا في الناس نادى فاسمعا
لفقد سليل الأكرمين محمد / لقد كاد قلب الدين أن يتصدعا
فتى كان في ألفاظه ولحاظه / حسامان كانا من شبا الموت أقطعا
أبا حسن قد كنت للدهر بهجةً / فأوحش منها البين للدهر أربعا
وقد كنت عرنين الزمان الذي غدا / يزان به وجهاً فأصبح أجدعا
وكنت بعينيه الضياء فما الذي / أزال الضيا عنها وأبدل أدمعا
فما أظلم المحراب بعدك وحده / نعم مشرق الدنيا ومغربها معا
كأن ضياء الصبح قد حال لونه / أو الليل قد أرخى على الصبح برقعا
وما أنت من خص الأقارب رزؤه / ولكنه عم البرية أجمعا
ألم تر هذا الكون كالفلك إذ غدا / يعوم بموج كالجبال تدفعا
بنفسي طوداً ضعضع الكون ركنه / وما خلت ذاك الطود أن يتضعضعا
أبا جعفرٍ أنت المرجى لمحنةٍ / إذا أكشلت أضحى إلى الحق مشرعا
وأعلم خلق اللَه في كل موطن / وأرساهم في الخطب ركناً وأمنعا
كأنك أعطيت الجبال ثباتها / وأوصيتها في الخطب إلا تزعزعا
وما أنت إلا عيبة لمحمد / بها كل آيات النبوة أودعا
ليهن محاني مشهد الشمس أنه
ليهن محاني مشهد الشمس أنه / ثوى بدر أنسي عندها بثري القبر
وكان قديماً مشهد الشمس وحدها / فعاد حديثاً مشهد الشمس والبدر
بكى جزعاً مما به من زمانه
بكى جزعاً مما به من زمانه / فما لكما فوق الأسى تعذلانه
توهمتما أنه هاجه ذكر أهيف / يميل بأكناف الحمى ميل بانه
أو أن الصبا من أرض كاظمة سرى / عليلاً له فاعتل من سريانه
نعم كان في عهد الصبا وأوانه / يرقه ذكر الحمى وحسانه
وقد كان يصبي قلبه البرق لامعاً / فيحي الدجى شوقاً إلى لمعانه
ويبهجه الروض الأنيق بذي الغضا / فتصلي الغضا أحشاه من أقحوانه
فأصبح يليه عن اللهو همه / ويشغل شانيه الدموع لشانه
دعاه وما يلقى من الضر والجوى / إذا لم تكونا ويكما تنفعانه
لعل ابن خير المرسلين يغيثه / فيقذه من كربه وامتحانه
أقول لنفسي هوني الخطب واصبري / يهن أو يزل بالصبر صرف هوانه
ولا تجزعي من جور دهر وإن غدا / يروعك ما يأتي به ملوانه
فعندي مولى ضامن ما أخافه / وعندي يقين كافل لضمانه
وكيف تخافين الزمان ومفزعي / إلى القائم المهدي من حدثانه
لئن خوفتني النائبات فإنني / لجأت لسامي عزه وأمانه
وإن ضقت ذرعاً بالحياة لفاقة / فلي سعة من فضله وامتنانه
وقوفي تحت الغيث ما بلني القطر
وقوفي تحت الغيث ما بلني القطر / وعمت بلج البحر ما علني البحر
ورحت بما في معدن التبر طامعاً / فعدت وكفي وهي من صفرها صفر
وكنت قد استنصحت في الأمر رائداً / فقال هو الوادي به العشب والزهر
فلما حططت الرحل فيه وجدته / وامواهه نار وأزهاره الجمر
فواللَه ما أدري أأخطأ رائدي / أم أكذبني عمداً أم أنكس الأمر
وكم أطمعتك الغانيات بوصلها / فلما تدانى الوصل آيسك الهجر
وذلك من فعل النساء محبب / ولكنه من غيرها خلق وعر
على أنه ينمى إلى العيلم الذي / تمد البحار السبع أنمله الشر
فتى كاظم للغيظ ما ضاق صدره / إذا ضاق من وسع الفضا بالأذى صدر
إذا حسن البشر الوجوه فإنه / لمولى محياه به يحسن البشر
وما هو في حسن المناقب مكتس / فخاراً ولكن فيه يفتخر الفخر
أخو العلم إمازج في الغيب فكره / إلى ما وراء الستر يلقى له الستر
وذو معجزات به الدنيا زماناً ومذ مضى / أضاء بنوري نيريه لنا الدهر
هما الحسن الزاكي النجار وصنوه / الفتى أحمد الأفعال يعزى له الشكر
لقد جريا يوم الرهان لغاية / فجاءا معاً ما حال بينهما فتر
هما رقيا في المجد ما ليس يرتقي / بأجنحة نسر وما حله النسر
رعى اللَه فكري كم يقرب لي فكري
رعى اللَه فكري كم يقرب لي فكري / بعيداً كأن عنقاء مغرب في وكر
وكم لي من آمال نوكى بمعشر / أراني غنياً بت منهم على فقر
فهل نظرت عيناك مثلي في الورى / فتى هو في أيامه معدم مثري
وكم من محال ظلت أزعم ممكناً / كمن راح نحو البحر ملتقط الجمر
أرى الناس عاشوا بادعاء فضيلتي / فما لي محرومٌ وما لحقوا أثري
بلينا بقوم كالسباع ضورياً / تصول فما تبقي من الصيد في البر
إذا فترسوا لا يتركون للاعقٍ / دماً لا ولا فرثاً إلى جعل يسري
فأنيابهم مشغولةٌ بفريسةٍ / وأعينهم ترنو إلى الصيد في القفر
كان كل فردٍ منهم الحوتة التي / رأى شبعها عياً سليمان في البحر
تقول لي النفس التي سد دهرها
تقول لي النفس التي سد دهرها / عليها كما تبغي جميع المناهج
أيعييك بعد اليوم إدراك حاجةٍ / وقد جاءت فيك الحظ باب الحوائج
أبا القاسم المدعو في كل شدةٍ
أبا القاسم المدعو في كل شدةٍ / يزج بها المقدار أدعى نوائبه
إليك من الدهر العنيد شكايتي / ولا غرو أن يشكي الزمان لصاحبه
أترضى بما قد قال زيد معاكساً
أترضى بما قد قال زيد معاكساً / لقولي لما أن خلوت به يوما
طلبت فطوراً منه أذانا صائم / فأدبر عني قائلاً تبتغي صوما
فلو أن لبسي قدر نفسي لأصبحت
فلو أن لبسي قدر نفسي لأصبحت / تحاك ثيابي من جناح الملائك
ولو كان فيما استحق مجالسي / نصبن على هام السماك أرائكي