المجموع : 6
ألاَ إنَّ نجدَ المجدِ أبيضُ مَلحوبُ
ألاَ إنَّ نجدَ المجدِ أبيضُ مَلحوبُ / وَلكنَّهُ جَمُّ المَهالِكِ مَرهوبُ
هُوَ العسلُ المَاذيُّ يَشتارُه امرؤٌ / بَغاهُ وأطرافُ الرماحِ يَعاسيبُ
ذُقِ الموتَ إن شِئتَ العُلى وَاطعَمِ الردى / فَنيلُ الأَمَاني بالمنيَّةِ مَكسوبُ
خُضِ الحتفَ تَأمن خِطةَ الخسفِ إِنَّما / يبوخُ ضرامُ الخطب والخطبُ مشبوبُ
ألَم تخبرِ الأخبارَ في فتحِ خَيبرٍ / فَفيها لِذي اللبِّ الملبِّ أَعاجيبُ
وَفَوزُ عليٍّ بالعُلى فوزُها بِهِ / فكلٌّ إلى كلٍّ مُضافٌ ومَنسوبُ
حُصونٌ حَصان الفرج حَيثُ تبرّجت / وَمَا كلّ ممتطّ الجزَارة مَركوبُ
يناط عليها لِلنُّجومِ قَلائدٌ / ويَسفلُ عَنها لِلغمامِ أهاضيبُ
وتنهلُّ للجرباء فيها وَلم تصِب / رذاذاً على شمّ الجبالِ أساكيبُ
وكَم كسَّرت جَيشاً لِكِسرى وقصّرت / يَدَي قيصرٍ تِلك القِنانُ الشَّناخيبُ
وكَم مِن عَميدٍ بَات وهوَ عَميدُها / ومن حَرِب أضحى بِها وهوَ محروبُ
وَأَرعن موَّارٍ ألمَّ بمورِها / فَلم يغنِ فيها جَرُّ مجرٍ وتكتيبُ
وَلا حَامَ خوفاً لِلعدى ذلكَ الحِمى / وَلا لاب شَوقاً لِلرَّدى ذلك اللّوبُ
فَللخَطبِ عَنها وَالصروف صَوارفٌ / كَما كَانَ عَنها للنَّواكبِ تنكيبُ
تَقاصرُ عنها الحادِثاتُ فَللرّدى / طَرائقُ إلا نَحوها وأساليبُ
فَلمّا أرادَ اللَّه فضَّ خِتامِها / وكلُّ عزيزٍ غَالَبَ اللَّه مَغلوبُ
رَماها بِجيش يَملأ الأرضَ فَوقَه / رِواقٌ مِنَ النَّصرِ الإلهيّ مَضروبُ
يُسدّدهُ هديٌ مِنَ اللَّه وَاضِحٌ / ويُرشِدُه نورٌ مِنَ اللَّه مَحجوبُ
مَغاني الرَّدى فيهِ فأصيَدُ أشوَسٌ / وَأجردُ ذيَّالٌ ومقَّاءُ سُرحوبُ
وقَضّاءُ زُعف كَالحبابِ قَتيرُها / وأسمرُ عسَّالٌ وأبيضُ مَخشوبُ
نَهارُ سُيوفٍ في دُجى لَيل عثير / فَأبيضُ وضَّاحٌ وأسودُ غِربيبُ
عليٌّ أميرُ المؤمنينَ زعيمهُ / وَقائدُه نَسرُ المفازةِ والذِّيبُ
فَصبّ عَليها مِنه سَوطَ بَليةٍ / عَلى كلِّ مَصبوبِ الإساءة مَصبوبُ
فغادَرها بَعد الأنيسِ وللصَّدى / بأرجائها ترجيعُ لحنٍ وتَطريبُ
يَنوحُ عَليها نوحَ هَارونَ يُوشعٌ / ويَذرِي عَليها دَمعَ يُوسف يَعقوبُ
بِها مِن زَمَاجيرِ الرّجالِ صَواعِقٌ / ومِن صَوبِ آذيِّ الدِّماء شآبيبُ
فكَم خَرَّ مِنها لِلبوارقِ مبرقٌ / وكم ذلَّ فيها للقنا السّلب مَسلوبُ
وكَم أصحبَ الصَّعبُ الحرونُ بأَرضها / وكَم باتَ فِيها صاحبٌ وهوَ مَصحوبُ
وَكَم عاصِبٍ بالعصبِ هامته ضُحى / ولم يُمسِ إِلا وهو بالعصبِ مَعصوبُ
لَقد كانَ فيها عِبرةٌ لمجرّب / وإن شابَ ضرّاً بالمنافعِ تجريبُ
وما أنسَ لا أنسَ اللّذين تقدَّما / وفرَّهُما والفرُّ قد عَلما حُوبُ
ولِلرايةِ العُظمى وَقد ذَهبا بِها / مَلابس ذُلّ فَوقَها وجَلابيبُ
يَشلُّهما مِن آلِ مُوسى شَمَردَلٌ / طَويلُ نِجادٍ أجيدُ يَعبوبُ
يَمجّ مَنوناً سَيفُهُ وسِنانُهُ / ويَلهَبُ ناراً غِمدُهُ والأنابِيبُ
أحَضرُهُما أم حَضرُ أَخرَجَ خاضِبٍ / وَذانِ هُما أم ناعِمُ الخدِّ مَخضُوبُ
عَذَرتُكما إنَّ الحِمامَ لمبغَضٌ / وإِنَّ بَقاءَ النَّفسِ للنَّفسِ محبُوبُ
ليكرهُ طَعمُ الموتِ والموتُ طالبٌ / فَكيفَ يَلذُّ الموتُ والموتُ مطلوبُ
دَعا قَصبَ العَليَاءِ يَملِكُها امرؤٌ / بغيرِ أفَاعيلِ الدناءةِ مقضُوبُ
يَرى أنَّ طُولَ الحَرب والبُؤسِ راحَةٌ / وأَنّ دَوامَ السِّلم والخَفضِ تَعذيبُ
فلِلَّهِ عينا مَن رآهُ مُبارِزاً / وَللحَربِ كأسٌ بالمنيّةِ مَقطوبُ
جَوادٌ عَلا ظَهر الجوادِ وأَخشَبٌ / تَزَلزَل مِنهُ في النزالِ الأخاشِيبُ
وأبيَضُ مَشطُوبُ الفرند مُقَلَّدٌ / به أبيَضٌ ماضي العَزيمةِ مَشطُوبُ
أجدَّكَ هَل تَحيا بمَوتِكَ إنَّني / أرى الموتَ خَطباً وهو عندك مَخطوبُ
دِماءُ أَعاديكَ المدامُ وغَابةُ الر / رِماحِ ظِلالٌ والنِّصالُ أكاويبُ
تَجلّى لكَ الجبَّارُ في مَلَكُوتهِ / ولِلحَتفِ تَصعيدٌ إليكَ وتَصويبُ
وللشَّمسِ عَينٌ عن عُلاكَ كَليلةٌ / وَللدَّهرِ قَلبٌ خافِقٌ منكَ مرعوبُ
فَعايَنَ ما لولا العَيَانُ وَعلمُه / لَما ارتاب شكّاً أَنهُ فيكَ مَكذوبُ
وَشَاهَدَ مَرأىً جَلّ عَن أَن يَحدَّهُ / مِنَ القَومِ نَظمٌ في الصَحائفِ مَكتوبُ
وأَصلتَ فِيها مرحبُ القوم مِقضباً / جرازاً بِه حَبلُ الأمانيِّ مَقضوبُ
وقَد غَصَّتِ الأرضُ الفضاءُ بخيله / وضُرِّجَ مِنها بِالدماءِ الظَّنابيبُ
يَعاقيبُ رَكضٍ في الرّبُودِ سَوابحٌ / يُماثِلُها لولا الوُكونُ اليعَاقيبُ
فَأشرَبهُ كأسَ المنيّة أحوَسٌ / مِنَ الدّم طعِّيمٌ وللدّم شرّيبُ
إذا رامه المقدارُ أو رام عكسَهُ / فَلِلقُربِ تَبعيدٌ ولِلبُعدِ تقريبُ
فَلم أرَ دَهراً يَقتُلُ الدّهرَ قَبلَها / ولا حتفَ عَضبٍ وهوَ بالحتفِ مَعضُوبُ
حَنانيكَ فَازَ العُربُ مِنكَ بسؤدَدٍ / تَقاصَرَ عنهُ الفُرسُ والرُّومُ والنوبُ
فما ماسَ مُوسى في رداءٍ منَ العُلى / وَلا آب ذِكراً بَعدَ ذِكرِك أَيُّوبُ
أرى لَكَ مَجداً ليسَ يُجلَب حَمدُهُ / بمدحٍ وَكلّ الحمدِ بالمدحِ مجلوبُ
وَفَضلاً جَليلاً إن ونى فَضلُ فاضلٍ / تعاقبَ إدلاجٌ عَليه وتأويبُ
لِذاتِكَ تَقديسٌ لِرَمسِكَ طُهرَةٌ / لِوَجهِكَ تعظيمٌ لمجدِكَ تَرجيبُ
تقيلتَ أفعالَ الرُّبوبيَّةِ التي / عذرتُ بها من شكّ أنَّكَ مَربوبُ
وَقَد قِيلَ في عيسى نَظيركَ مثلَه / فخسرٌ لمن عادى عُلاك وَتَتبيبُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَّه يا خَيرَ من مَشى / به بَازلٌ عَبر المَهامهِ خُرعُوبُ
ويا خيرَ من يُغشى لدفعِ ملمّةٍ / فيأمنُ مرعوبٌ ويترفُ قُرضوبُ
ويَا ثاوياً حَصباءُ مَثواهُ جوهَرٌ / وَعيدانُه عُودٌ وتُربَتُه طيبُ
تكُوسُ به غرُّ الملائكِ رفعَةً / ويَكبرُ قدراً أن تكوسَ به النّيبُ
يَجلُّ ثَراهُ أن يضرِّجه الدّمُ ال / مُراقُ وَتَغشاهُ الشوى والعَراقيبُ
وَيا عِلّة الدُّنيا وَمَن بَدو خَلقها / له وَسَيتلو البدو في الحشر تَعقيبُ
وَيا ذا المَعالي الغُرّ والبَعضُ مُحسَب / دَليلٌ على كُلٍّ فما الكُلُّ محسُوبُ
ظَنَنتُ مَديحي في سِواكَ هِجاءه / وَخِلتُ مَديحي أنه فيكَ تَشبيبُ
وقال لهُ الرَّحمنُ ما قالَ يوسُفٌ / عَداكَ بِما قدَّمتَ لومٌ وتثريبُ
جَلَلتَ فلمَّا دَقَّ في عَينِك الورَى
جَلَلتَ فلمَّا دَقَّ في عَينِك الورَى / نَهَضتَ إلى أُمِّ القُرى أيِّدَ القرى
جَلبتَ لها قُبَّ البُطونِ وإنّما / تَقودُ لها بالقودِ أُمَّ حبوكرا
وَسُقتَ إليها كُلَّ أَسوَق لو بَدَت / لَه معفر ظنَّتهُ بالرَّملِ جُؤذرا
يَبيتُ عَلى أَعلى المصادِ كأنَّما / يَؤمُّ وكونَ الفتخ يَلتَمِسُ القِرى
يَفوقُ الرياحَ العاصفاتِ إذا مشى / وَيسبقُ رَجعَ الطَّرفِ شدّاً إذا جرى
جِيادٌ عَليها للوَجيه ولاحِقٍ / دَلائلُ صِدقٍ واضحاتٌ لمن يَرى
فَفيها سُلوٌّ للمُحِبِّ وَشاهِدٌ / على حِكمةِ اللَّه المدبِّر للورى
هي الرَّوضُ حُسناً غَيرَ أنكَ إن تَبِر / لها مِخبراً تَسمج لِعينيكَ مَنظرا
عليها كماةٌ من لَؤيِّ بن غَالِبٍ / يَجرُّونَ أذيالَ الحديد تَبخترا
رَمَيتَ أبا سفيان مِنها بِجحفَل / إذا قيسَ عَدّاً بالثّرى كَانَ أكثراً
يدبّره رأيُ النَّبي وَصارمٌ / بِكِفِّكَ أَهدى في الرّؤوس منَ الكرى
فَطارَ إلى أعلى السَّماءِ تَصاعداً / فَلمَّا رأى أن لا نَجاةَ تَحدّرا
وَحاذرَ غربي مشرفيٍّ مذكَّرٍ / هَزَزتَ فَألقى المشرفيَّ المذكَّرا
وَأعطى يَداً لَم يُعطِها عَن مَحبَّةٍ / وقَول هُدىً ما قالهُ مُتخيرا
فَكنتَ بذاك العفو أولى وبالعُلى / أحَقّ وبالإحسان أحرى وأجدَرا
لأَفصحتَ يا مُخفي العَداوَةِ ناطِقا / بتَعظيمِ مَن عاديتَهُ مُتستِّرا
وَحَسبُك أَن تُدعى ذَليلاً مُنافِقاً / وتُبطن ضدّاً للّذي ظلت مُظهرا
وجُستَ خِلال المروَتينِ فلم تدَع / حَطيماً وَلَم تَترُك ببكةَ مَشعرا
طَلعتَ عَلى البيتِ العتيقِ بعارضٍ / يَمجُّ نجيعاً مِن ظبى الهِندِ أحمَرا
فَألقى إليكَ السلمَ من بعدِ ما عَصى / جُلندى وأعيى تُبَّعاً ثُمّ قَيصرا
وَأظهرتَ نُورَ اللَّه بَينَ قَبائلٍ / مِنَ الناسِ لم يَبرح بِها الشِّركُ نَيِّرا
وَكسَّرتَ أصناماً طَعنتَ حُماتها / بسُمرِ الوَشيجِ اللَّدنِ حَتى تَكسَّرا
رَقيتَ بأسمى غارب أحدقت به / مَلائِكُ يَتلونَ الكتاب المسطَّرا
بغاربِ خَيرِ المرسلينَ وأشرف ال / أنام وأَزكى ناعِلٍ وطئ الثَّرى
فَسَبَّحَ جبريلٌ وَقَدّسَ هَيبةً / وَهَلَّلَ إسرافيلُ رُعباً وكبّرا
فَيا رُتبةً لَو شئتَ أن تلمسَ السُّها / بها لَم يَكن مَا رُمتَه مُتعذِّرا
ويَا قدَميهِ أيّ قُدسٍ وطَئتما / وأيّ مقامٍ قُمتُما فيهِ أنورا
بحيثُ أَفاءت سِدرَةَ العرش ظلَّها / بضوجَيه فَاعتدّت بذلك مَفخرا
وَحَيثُ الوَميضُ الشعشانيُّ فائضٌ / مِنَ المصدرِ الأَعلى تَباركَ مَصدَرا
فليسَ سُواعٌ بَعدَها بمعَظَّمٍ / وَلا اللاتُ مَسجُوداً لَها ومُعَفَّرا
وَلا ابن نُفَيل بَعدَ ذاكَ وَمقيسٌ / بأوَّل مَن وَسّدته عَفرَ الثَّرى
صدَمتَ قُريشاً والرِمَاحُ شَواجِرٌ / فقطَّعتَ مِن أرحامِها ما تشَجَّرا
فَلولا أنَاةٌ في ابنِ عمِّك جَعجَعَت / بِعَضبِك أجرى مِن دَمِ القومِ أَبحرا
وَلكنَّ سِرّ اللَّه شُطِّرَ فيكما / فَكنتَ لِتسطو ثمَّ كانَ لِيَغفِرا
وردتَ حُنيناً والمنايا شواخِصٌ / فَذلّلت مِن أركانِها ما توَعَّرا
فَكم مِن دم أضحى بسيفِكَ قَاطِراً / بِها من كميٍّ قَد تَرَكتَ مُقطَّرا
وكم فاجِرٍ فَجَّرتَ يَنبوع قَلبهِ / وَكم كافرٍ في التُّرب أضحى مُكفَّرا
وَكَم مِن رُؤوسٍ في الرّماح عَقدتَها / هُناكَ لأجسامٍ مُحلَّلةِ العُرا
وَأَعجبَ إنساناً مِنَ القوم كثرةٌ / فَلم يُغنِ شَيئاً ثُمَّ هَروَلَ مُدبِرا
وضاقَت عَليه الأرضُ مِن بَعد رحبها / وَلِلنَّصِّ حُكمٌ لا يُدافع بالمرا
وَليسَ بنكرٍ في حُنينٍ فِرارُه / فَفي أحدٍ قَد فرَّ خوفاً وَخيبرا
رُوَيدَكَ إنَّ المجدَ حُلوٌ لِطاعمٍ / غريبٌ فَإن مَارَسته ذُقتَ مُمقرا
وما كلُّ مَن رَامَ المعالي تحمَّلت / مَناكبهُ منها الرّكامَ الكنهورا
تَنَحَّ عن العلياءِ يَسحبُ ذيلَها / هُمامٌ تَردّى بالعُلى وتَأَزّرا
فَتىً لَم يُعرِّق فيه تيمُ بن مُرّةٍ / وَلا عَبدَ اللات الخبيثةَ أعصرا
ولا كانَ معزُولاً غداةَ بَرَاءةٍ / ولا عن صلاةٍ أمّ فيها مُؤخّرا
ولا كانَ في بَعثِ ابن زيدٍ مُؤمَّرا / عليه فأضحى لابنِ زيدٍ مؤمّرا
وَلا كَانَ يَومَ الغارِ يَهفو جنانهُ / حِذاراً وَلا يَوم العريش تستَّرا
إمام هُدىً بالقرص آثر فاقتضى / لَهُ القرصُ ردّ القرص أبيضَ أزهرا
يزاحمهُ جِبريلُ تَحتَ عَباءةً / لَها قيل كل الصيد في جانب الفرا
حَلفتُ بِمثواهُ الشّريفِ وَتُربةٍ / أحَالَ ثرَاها طيب ريَّاهُ عَنبرا
لأستنفدنّ العمرَ في مِدَحي لهُ / وإن لامَني فِيه العذولُ فَأكثرا
لِمن ظعنٌ بَينَ الغَميم وَحَاجر
لِمن ظعنٌ بَينَ الغَميم وَحَاجر / بَزَغنَ شُموساً في ظلام الديَّاجِر
شبيهات بيضات النعام يقلُّها / من العيس أشباه النعام النوافِر
ومن دونِ ذاكَ الخدرِ ظَبيةُ قايضِ / تُريق دِماء المشبلات الخوادِر
تَنوءُ بأعباءِ الحليِّ وإِنّها / لتَضعف عَن لَمحِ العُيونِ النَّواظِر
إذا اعتَجَرت قاني الشُّفوفِ فَيا لَها / تبارِيحُ وَجدٍ في قُلوبِ المغافِرِ
تَميلُ كَما مَالَ النَّزِيفُ وتَنثني / تَثنيَ مَنصورِ الكتيبَةِ ظافِر
لها مَحضُ وُدّي في الهوى وَتَحنُّني / وخالصُ إضماري وصفوُ سَرائِري
فَيا رَبِّ بَغِّضها إلى كل عَاشِقٍ / سوَايَ وقبِّحها إلى كل نَاظِرِ
وبَغِّض إليها النَّاسَ غَيري كَما أرى / قَبيحاً سواها كلَّ بَادٍ وَحاضر
فيا جَنَّة فِيها العَذابُ وَلم أخَف / حُلُولَ عذابٍ في الجنانِ النَّواضِر
يعاقَبُ في حُسبانِها غَيرُ مُشركٍ / ويُحرمُ من نعمائِها غَيرُ كافِر
علمتك لا قرب الدِّيار بنافعي / لديكَ ولا بُعدُ الديارِ بِضائِري
ومَا قُربُ أوطانٍ بها مُتَباعِدُ ال / مَوَدَّةِ إلا مثلُ قُربِ المقابِرِ
حلَفت بربِّ القعضبيَّة والقنا / المثقَّفِ والبيضِ الرّقاقِ البواتِر
وبالسَّابحَاتِ السَّابِقات كأنها / من النَّاشراتِ الفارِقاتِ الأَعاصِر
وعُوجٍ مُرنَّاتٍ وصفرٍ صوائب / وفُلكٍ بآذيِّ العُبابِ مَواخِر
لَقد فَازَ عَبدٌ للوَصيِّ ولاؤه / وَلو شَابَه بِالموبقاتِ الكَبائِر
وَخابَ مُعادِيه ولَو حَلَّقت بِه / قَوادِمُ فَتخاءِ الجناحَينِ كاسِر
هُوَ النَّبأ المكنونُ والجوهَر الذي / تَجسَّدَ مِن نُورٍ مِنَ القدس زاهِر
وذُو المعجزَاتِ الواضِحاتِ أقلُّها / الظهورُ على مُستودعات السَّرائِر
ووَارِثُ علمِ المُصطفى وشَقيقُه / أخاً ونَظيراً في العلي والأواصِر
ألا إنَّما الإسلامُ لَولا حُسَامهُ / كعفطةِ عَنزٍ أو قلامةِ حَافِر
ألا إنَّما التَوحيدُ لولا عُلومُه / كعُرضةِ ضِلّيلٍ وَنهبة كافِر
ألا إنَّما الأَقدارُ طوع يَمينِهِ / فَبوركَ من وترٍ مُطاع وقادِر
فَلو ركَضَ الصُّمّ الجلامِدَ واطِئاً / لفجَّرَها بالمترَعاتِ الزَّواخِر
ولَو رَامَ كَسفَ الشَّمسِ كوّرَ نورَها / وعَطَّلَ مِن أفلاكها كلَّ دَائِر
هُوَ الآيةُ العُظمى ومُستنبِطُ الهدى / وَحيرةُ أربابِ النُّهى والبَصَائِر
رَمى اللَّه منهُ يوم بَدرٍ خُصومَه / بِذي فُذذٍ في آلِ بدرٍ مُبادِر
وَقد جاشَتِ الأرضُ العريضةُ بالقَنا / فَلم يُلفَ إلا ضامرٌ فوقَ ضَامِر
فَلو نَتَجَت أمُّ السَّماء صَواعِقاً / لما شَجَّ منها سارِحٌ رأسَ حاسِر
فَكانَ وكَانُوا كالقُطاميّ نَاهَضَ ال / بُغَاثَ فَصرَّى شِلوَهُ في الأَظافِر
سرى نَحوهم رِسلاً فسَارَت قُلوبُهم / مِنَ الخَوفِ وخداً نحوَه في الحناجِر
كانَّ ضُبَاتِ المشرَفيَّة من كرى / فَما يَبتَغي إلا مَقرَّ المَحاجِر
فَلا تَحسَبَنَّ الرَّعدَ رِجس غَمامَةٍ / ولكنَّه مِن بَعض تِلكَ الزماجِر
ولا تحسبنَّ البَرقَ نَاراً فإنه / وَمِيضٌ أتى مِن ذِي الفِقار بفاقِر
وَلا تَحسبنَّ المزنَ تَهمي فإنَّها / أنامِلهُ تَهمي بأوطفَ هامِر
تَعالَيتَ عَن مَدحٍ فأبلَغُ خاطب / بِمدحِكَ بَينَ الناسِ أَقصرُ قاصِر
صِفاتُكَ أسماءٌ وَذاتُكَ جَوهَرٌ / بَريء المَعالِي مِن صِفاتِ الجَواهِر
يجلُّ عَنِ الأعراضِ والأينِ والمتى / ويَكبرُ عَن تَشبيههِ بالعَنَاصِر
إذا طَافَ قَومٌ في المَشاعِرِ والصَّفا / فَقبرُكَ رُكني طَائِفاً وَمشاعِري
وإن ذَخِرَ الأقوامُ نُسكَ عِبادة / فحبُّكَ أَوفى عُدَّتي وذَخائِري
وإن صَامَ ناسٌ في الهواجِرِ حِسبَةً / فَمدحُكَ أَسنى مِن صِيامِ الهَواجِر
وأعلَمُ أنَّي إِن أطَعتُ غِوايَتي / فحبُّكَ أُنسي في بُطُونِ الحَفائِر
وإن أكُ فيما جِئتهُ شرَّ مذنبٍ / فَربُّكَ يا خَيرَ الوَرى خَيرُ غافِر
فَواللَّه لا أقلَعتُ عن لهو صَبوَتي / ولا سمعَ اللاحُونَ يَوماً معاذِري
إِذا كُنت للنِّيرانِ في الحَشر قاسماً / أطعت الهَوى والغيَّ غيرَ مُحاذِر
نَصَرتكَ في الدُّنيا بِما أَستَطيعه / فَكُن شَافِعي يَومَ المعادِ ونَاصِري
فَلَيتَ تُراباً حال دُونَكَ لم يَحل / وَساتِرَ وَجهٍ مِنكَ لَيسَ بِساتِر
لتنظرَ ما لاقى الحسينُ وَما جَنَت / عَلَيه العِدَى مِن مُفظِعاتِ الجَرائِر
مِنِ ابنِ زيادٍ وابنِ هندٍ وإمرة اب / نِ سعدٍ وأبناء الإماءِ العَواهِر
رَمَوهُ بِيَحمُومٍ أديمٍ غُطامطٍ / تُعيدُ الحَصى رَفغاً بِوقع الحَوافِر
لهامٌ فلا فَرع النُّجومِ بِمسبَلٍ / عَلَيهِ ولا وَجهُ الصَّباحِ بِسافِر
فَيا لَكَ مَقتولاً تَهدَّمت العلى / وثلَّت بِهِ أركانُ عرشِ المَفاخِر
ويا حَسرَتا إذ لَم أكُن في أوائِل / منَ النَّاسِ يتلى فضلُهُم في الأواخِر
فَأنصرَ قَوماً إن يكن فاتَ نَصرُهم / لَدى الرَّوع خطَّاري فَما فَاتَ خَاطِري
عَجِبتُ لأطوَادِ الأخاشِيبِ لَم تمد / ولا أَصبَحتَ غوراً مِياهُ الكوَافِر
وَلِلشَّمس لم تُكسَف وللبَدرِ لم يَحل / وللشُّهبِ لم تَقذف بأشأمِ طائِر
أما كانَ في رزء ابن فاطم مقتض / هُبوط رواسٍ أو كُسوف زواهِر
ولكنما غَدرُ النُّفوس سَجيَّةٌ / لَها وَعزيزٌ صَاحبٌ غير غادِر
بني الوحي هل أَبقى الكتابُ لناظِمٍ / مَقالَةَ مَدحٍ فيكمُ أو لناثِر
إذا كانَ مَولى الشَّاعِرين وَرَبُّهم / لَكم بانياً مَجداً فَما قَدرُ شاعِر
فَأُقسِمُ لَولا أنَّكُم سُبلُ الهُدى / لضلَّ الوَرى عَن لاحبِ النَّهجِ ظاهِر
ولَو لَم تَكُونوا في البَسيطَةِ زلزلت / وأُخربَ من أرجائِها كل عامِر
سأمنَحُكُم مني مَودة وامقٍ / يَغضُّ قلى عن غيركم طَرف هاجِر
تحير أرباب النهى وتعجبوا
تحير أرباب النهى وتعجبوا / من الفلك الأقصى لماذا تحركا
فقيل بطبع كالثقيل إذا هوى / وقيل اختياراً والمحقق شككا
فرد حديث الطبع إذ كان دائراً / وليس على سمت قويم فيسلكا
وقيل لمن قال اختياراً فما الذي / دعاه إلى أن دار ركضاً فأوشكا
فقالوا لوضع حادث يستجده / يعاقب منه مطلباً ثم متركا
فقيل لهم هذا الجنون بعينه / ولو رامه منا امرؤ كان أعفكا
ولو أن إنساناً غدا ليس قصده / سوى الوضع واستخراجه عد مضحكا
عجبت لقوم يزعمون نبي
عجبت لقوم يزعمون نبي / هم رأى ربه بالعين تباً لهم تبا
وهل تدرك الأبصار غير مكيف / وكيف تبيح العين ما يمنع القلبا
إذا كان طرف القلب عن كنهه نبا / حسيراً فطرف العين عن كنهه أنبى
وحقك لو أدخلتني النار قلت لل
وحقك لو أدخلتني النار قلت لل / ذين بها قد كنت ممن يحبه
وأفنيت عمري في دقيقق علومه / وما بغيتي إلا رضاه وقربه
هبوني مسيئاً أوتغ الحلم جهله / وأوبقه دون البرية ذنبه
أما يقتضي شرع التكرم عفوه / أيحسن أن ينسى هواه وحبه
أما رد زيغ ابن الخطيب وشكه / وتمويهه في الدين إذ عز خطبه
أما كان ينوي الحق فيما يقوله / ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه
وغاية صدق الصب أن يعذب الأسى / إذا كان من يهوى عليه يصبه