المجموع : 26
لَقَد أَرسَلَت لَيلى رَسُولاً بِأَن أَقمِ
لَقَد أَرسَلَت لَيلى رَسُولاً بِأَن أَقمِ / وَلا تَقرَبَنّا فَالتَجَنُّبُ أَمثَلُ
لَعَلَّ العُيُونَ الرامِقات لِوُدِّنا / تُكَذَّبُ عَنّا أَو تَنامُ فَتُغفَلُ
أُناسٌ امِنّاهُم فَنَثُّوا حَدِيثَنا / فَلَمّا كَتَمنا السِرَّ عَنهُم تَقَوَّلُوا
فَما حَفظُوا العَهدَ الَّذي كانَ بَينَنا / وَلا حِينَ هَمُّوا بِالقَطيعَةِ أَجمَلُوا
فَإِن نِساءً قَد تَحَدَّثنَ أَنَّنا / عَلى عَهدِنا وَالعَهدُ إِن دامَ أَجمَلُ
فَقُلت وَقَد ضاقَت بِلادي برُحبِها / عَلَيَّ لَما قَد قِيلَ وَالعَينُ تَهمِلُ
سَأَجتَنِبُ الدارَ الَّتي أنتُمُ بِها / وَلَكنَّ طَرفي نَحوَها سَوفَ يَعمَلُ
أَلم تَعلَمي أَني وَهَل نافِعي / لَدَيكِ وَما أُخفي مِن الوَجد فصَلُ
أُرى مُستَقيم الطَرفِ ما الطَرفُ أَمَّكُم / وَإِن أَمَّ طَرفي غَيرَكُم فَهوَ أَحوَلُ
صَحاحُبُّ مَن يَهوى وَأَخلَقَهُ البِلى / وَحُبُّكِ في مَكنُونِ قَلبي مُطَّللُ
وَبُحتُ بِما قَد وَسَّعَ الناسُ ذِكرَهُ / وَأَكثَرُهُ في الصَدرِ مِنيِّ مُزَمَّلُ
وَما بُحتُ إِلّا أَن نَسِيتُ وَإِنَّما / بِهِ كُلُّ مَن يَهوى هَوىً يَتَمَثَّلُ
فَلا تُجمِعي أَن تَحبِسيني وَتمطلي / أَأُححبَس عَن أَرضي هُديتِ وَأُمطَلُ
فَإِنَّ ثَوائي عِندَكُم لا أَزوُرُكُم / وَلا أَنا مَردُودٌ بِيَأسٍ مُزَحَّلُ
وَلا أَنا مَحبُوسٌ لِوَعدٍ فَأَرتَجي / وَلا أَنا مَردُودٌ بِيَأسٍ فَأَرحَلُ
كَمُقتَنِصٍ صَيداً يَراهُ بِعَينِهِ / يُطيفُ بِهِ مِن قُر بِهِ وَهُوَ أَعزَلُ
وَمُمتَرِسٍ بِالماءِ أَحرَقَهُ الظَما / تَحَلّا فَلا يَندى وَلا هُوَ مُمَثَلُ
فَفِي بَعضِ هَذا اليضوم لِلنَّفسِ بَينُها / وَأَيُّ طَريقَيها إِلى المَوتِ أَسهَلُ
أَتَصدُرُ بِالداءِ الَّذي وَرَدَت بِهِ / فَتَهلكُ أَم تَثوي كَذا لا تُنَوَّلُ
وَكَم لَيلَةٍ طَخياءَ ساقِطَةِ الدُجى / تَهِبُّ الصَبا فيها مِراراً وَتَشملُ
كَأَنَّ سَقِيطَ الثَلجِ ما حَصَّبَت بِهِ / عَلى الأَرضِ عَصب أَو دَقيقٌ مُغَربَلُ
لِحُبِّكِ أُسريها وَحُبُّكِ قادَني / إِلَيكِ مَع الأَهوالِ وَالسَيفُ مُخضِلُ
رَكِبتُ لَها طِرفاً جَواداً كَأَنَّهُ / إِذا خَبَّ سِرحانُ المَلا حِينَ يَعسِلُ
أَقَبُّ شَديدُ الصُلبِ تَحسِبُ مَتنَهُ / يُفَرّجُ عَنهُ بِالحَيازِيمِ مُجفِلُ
لَهُ ثَرَّةٌ تَنهَلُّ مِن جَوفِ رَأسِهِ / تَكاد لَها مِنهُ العُرُوقُ تَبَزَّلُ
كَما انهَدَّ جَدرٌ مائِلٌ كانَ حَشوَهُ / مَعَ الآجُرِ المَطبُوخِ شِيدٌ وَجَندَلُ
قَرُوصٌ عَلى الآرِيِّ لِلسائِسِ الَّذي / يُطِيفُ بِهِ مُستَأنِسٌ مَتَأكِّلُ
نَشِيطٌ وَلَم يُخلَق صَوُولاً كَأَنَّهُ / بِهِ مازِحٌ لِعّابُهُ يَتَبَطَّلُ
عَرِيض الوَظيفِ مُكرَبُ القَصِّ لَم يَذُق / حَديداً وَلَم يَسهَر لَهُ اللَيل أَبجَلُ
إِذا لَم تُطِق خَيلٌ أَداةَ رِجالِها / فَفارِسُهُ مِن شِكَّةِ الحَربِ مُكملُ
كَأَنّا نُداري حِينَ نَسرُو جِلالُهُ / بِهِ مَلِكاً مِن عِزَّةٍ يَتَخَيُّلُ
وَيَرضى بَصِيرٌ خَلقَهُ وَهوَ مُدبِرٌ / كَما هُوَ راضٍ خَلقَهُ وَهُوَ مُقبِلُ
عَلى مِثلِهِ أَنتابُ لَيلى وَأَهلَها / وَآتى الوَغى وَاللَهُ يَكفي وَيَحمِلُ
أَلا أَيُّها الرَبعُ الَّذي خَفَّ أَهلُهُ
أَلا أَيُّها الرَبعُ الَّذي خَفَّ أَهلُهُ / وَأَمسى خَلاءً مُوحِشاً غَيرَ آهِلِ
هَلَ أَنتَ مُنَبّى أَينَ أَهلُكَ ذا هَوى / وَأَنتَ خَبيرٌ لَو نَطَقتَ لِسائِلِ
لِعِرّانَ سارُوا أَم لِحَربٍ تَيَمَّمُوا / لَكَ الوَيلُ أَم حَلُّوُا بِقَرنِ المَنازِلِ
وَأَيَّ بِلادِ اللَهِ حَلُّوا فَإِنَّني / عَلى العَهدِ راعٍ لِلخَليطِ المَزايِلِ
فَقالَ رَفيقي ما الوُقُوفُ بِمَنزِلٍ / وَنُؤىٍ كَعِنوانِ الصَحِيفَةِ ماثِلِ
بِنَعفِ اللِوى قَد غَيَّرَ القَطرُ عَهدَهُ / مَعَ المُورِ أَو نَسجُ الصَبا وَالشَمائِلِ
تَعاوَرَهُ العَصرانِ حَتّى كَأَنَّما / يُغَربَلُ أَعلى تُربِهِ بِالمَناخِلِ
وَكُلُّ هَزيمِ الرَعدِ جَونٍ مُجَلجِلٍ / لَهُ هَيدَبٌ دانٍ مِن الأَرضِ هاطِلِ
فَلَستَ وَلَو أَنباكَ عَمَّن سَأَلتَهُ / سِوى حَزَنٍ مِنهُم طَويلٍ بِنائِلِ
فَكُن حازِماً وَامنَح وَصالَكَ وَاصِلاً / لَكَ الخَيرُ وَاصرم حَبلَ مَن لَم يُواصِلِ
فَقُلتُ لَهُ حُبُّ القَتُولِ وَتِربِها / رُضَيّا وَرَبِّ العَرشِ يا صاحِ قاتِلي
رُضَيّا رَمَت قَلبي فَلَم تَشوِ إِذ رَمَت / وَلَم تَرمِ مِن قَلبي قُلُوبَ الزَوائِلِ
بِعَيني مَهاةٍ لا بِقَوسٍ وَأَسهُمٍ / وَلا نَبلَ أَدهى مِن عُيُوِ العَقائِلِ
لِمَن بَعدَها أَهوى القَوافي وَأَمتَطي / جَوادي وَأَعصي لأَماتِ العَواذِلِ
وَأَسرى إِذا ما ذُو الهَوى هالَهُ السُرى / وَأُعمِلُ لَيلَ الناجِياتِ اليَعامِلِ
وَأَبكي مَع القَمريِّ ذي الشَجو بِالضُحى / إِذا هَتَفَ القُمرِيُّ أَو بِالأَصائِلِ
أَرِقتُ بِسَلعٍ إِنَّ ذا الشَوقِ يَأرَقُ
أَرِقتُ بِسَلعٍ إِنَّ ذا الشَوقِ يَأرَقُ / لِبَرقٍ تَبَدّى آخِرَ اللَيلِ يَخفُقُ
أَشِيمُ سَناهُ مِن بَعِيدٍ وَرُبَّما / تُشامُ البُرُوقُ مِن بَعِيدٍ فَتَصدُقُ
فَما ذِقتُ مِن نَومٍ وَما زالَ عامِلاً / إِلى الصُبحِ ذاكَ البارِقُ المُتَأَلِّقُ
لَهُ تَعتَري المَرءَ الغَرِيبَ صَبابَةٌ / وَشَوقٌ إِلى أَوطانِهِ حِينَ يَبرُقُ
فضنَبَّهتُ لَمّا شَفَّني الوُجدُ وَالبُكا / أَخاً لِلَّذي قَد غالَني وَهوَ مُطرِقُ
عَزُوفاً عَنِ الأَهواءِ لَم يُحى لَيلَةً / لِشَوقٍ وَلَم يُرفَع إِلى الجَنب مِرفَقُ
خَفِيّاً عَلى ظَهرِ الفِراشِ كَأَنَّهُ / بِهِ فَقَرٌ مِن حُبِّهِ النَومَ مُلصِقُ
فَهَبَّ وَما هَبَّت مِنَ العَجزِ عَينُهُ / وَمِن سِنَةٍ أَوصالُهُ لا تُطَلَّقُ
إِذا رامَ تَكلِيمي بَداهُ بِبُحَّةٍ / وَسَدَّ سَبِيلَ القَولِ رِيقٌ فَيَشرَقُ
يَقُولُ فَيَلحاني كَثيراً وَإِنَّهُ / إِذا لامَني عِلمي مِراراً لَأَخرَقُ
يُكَلِّفُني جَمعاً لِقَلبٍ مُفَرَّقٍ / وَيَأبى اِجتِماعاً قَلبُكَ المُتَفَرِّقُ
فَمِنُهُ فَرِيقٌ بِالحَرامِ وَبَعضُهُ / بِوَجٍّ وَبَعضٌ بِالمَدينَةِ مُوثَقُ
فَهَلّا وَدارُ الحَيِّ مُصقِبَةٌ بِهِم / وَشَملُكَ مَجمُوعٌ وَغُصنُكَ مُونِقُ
بَكَيتُ لَما قَد كانَ أَوهُوَ كائِنٌ / مِنَ النَأيِ وَالهُجرانِ إِن كُنتَ تُشفِقُ
إِلى أَيِّ دَهرٍ فَافتَدِه أَنتَ هَكَذا / وَقَلبُكَ بِالشَجوِ المُبَرِّحِ مُعَلَقُ
إِذا رُمتَ كِتماناً لِوَجدِكَ حَرَّشَت / عَلَيكَ العِدى عَينٌ بِسِرِّكَ تَنطُقُ
لَها شاهِدٌ مِن دَمعِها كُلَّما رَقا / جَرى شاهِدٌ مِن دَمعِها مُتَرَقرِقُ
أَقُولُ عَشاءً لِلطَويلِ تَعَجُّباً
أَقُولُ عَشاءً لِلطَويلِ تَعَجُّباً / وَقَد فاضَ ماءُ العَينِ مِنّي فَأَسجَما
فَوَاللَهِ ما أَدرى أَحَوباءُ أَهلِها / هُمُ ظَلَمُوني أَم أَنا كُنتُ أَظلَمَا
قَعَدتُ فَلَم أُرسِل وَلا أَرسَلُوا هُمُ / بِشَيءٍ إِلَينا صاحِ حَولاً مُجَرَّما
فَهَل أَنتَ آتٍ أَهلَ لَيلى فَناظِرٌ / لِذَنبي جَفَوني أَم جَفَوني تَعَرُّما
فَإِن يَكُ في ذَنبي ففي ذاكَ حُكمُهُم / وَحَسبُ امرئٍ في حَقِّنا أَن يَحكَّما
فَإِن تَكُ لَيلى أَذنَبَت وَتَعَتَّبَت / لِتَعلَم ما عِندي مَشَيتُ تَزَغُّما
إِلَيها فَلَم أَذكُر حَياتي ذَنبَها / وَأَطلَلت حَقِّي إِن أَصابَت لَنادَما
فَكُن لي طَبيباً وَاشفِ نَفساً مَرِيضَةً / بِلَيلى وَقَلباً ذا خَبالٍ مُقَسَّما
تَكُن لَكَ عِندي نِعمَةٌ بَعدَ نِعمَةٍ / أَصابَت بِها قَلبي كِلابَةُ بَعدَما
تَناءى بِلَيلى ذُو شَتاتٍ فَنِلتَها / بِها حَيثُ أَقصاها وَلَم أَرقَ سُلَّما
وَلَكن بِرفقٍ أَو رُقىً لَودَعَت بِها / مِن الرُقشِ في لِصبٍ تَقَرَّبَ أَعرَما
كمثل شِهابِ النار في كَفِّ قابِسٍ / إِذا الريح هَبَّت وَهوَ كابٍ تَضَرَّما
أَبَنَّ عَلى الحُوّاءِ حَتّى تَناذَرُوا / حِماهُ فَأَحماهُ مِن الناسِ وَاِحتَمى
لَظَلَّ مُصِيخاً سامِعاً ثُمَ إِنَّها / إِذا نَفَثَت لَم يَألُ إِلّا تَقَدُّما
وَما ذاكَ مِن سِحرٍ وَلَكِنَّ رِفقَها / إِذا نالَ صَعباً كانَ حَرّانَ سَلَّما
أَلا مَن لِعَينٍ لا تَزالُ تَسِيلُ
أَلا مَن لِعَينٍ لا تَزالُ تَسِيلُ / وَعَينُ المُحبِّ المُستَهامِ هَمُولُ
وَطَرفٍ أَبى يا عَمرَ إِلّا اتِّباعَكُم / وَقَلبٍ أَبى إِلّا عَلَيكِ يَجُولُ
أَبي شِقوةً أَن يَرعَوي وَهوَ مالَهُ / إِلَيها أُرى حَتّى المَماتِ سَبيلُ
وَهاجَ لَهُ حُبُّ البَخيلَةِ حُزنَهُ / وَقِدماً يُحَبُّ الشَيءُ وَهوَ بَخيلُ
وَإِنّي وَإِنحَلَّأتِ قَلبي لَقائلٌ / وَذَو البَثِّ يَعنيهِ الهَوى فَيَقُولُ
حَبَستِ هَداكِ اللَهُ قَلبي لِحَقِّهِ / وَتَقضي نِساءٌ ما لَهُنَّ قَليلُ
وَلَو شاءَ قَلبي باعَ غَيرَكِ فَاِقتَضى / وَلَكِنَّهُ يَأَبى وَأَنتِ مَطُولُ
وَإِنَّ إِنصِرافي عَنكِ لا تُنقِصينَ لي / مِنَ الحَقِّ شَيئاً فَاعلَمي لِثَقِيلُ
يَقُولُ نِساءٌ حُبُّ عَمرَةَ شَفَّني / زَعَمنَ وَفي جِسمي لِذاكَ نُحُولُ
وَوَاللَهِ ما أَحبَبتُها حُبَّ رِيبَةٍ / وَلَكنَّما ذاكَ الحُبابُ قَتُول
دَعَت قَلبَهُ عَينٌ إِلَيها مَشُومَةٌ / عَلَيهِ وَعَينٌ لِلفُؤاذِ دَليلُ
لَدى الجَمرَةِ الوُسطى أَصيلاً وَحَولَها / نَواعِمُ حُورٌ دَلُّهُنَّ جَميلُ
تَكَنَّفنَها مِن كُلِّ شِقٍّ كَأَنَّها / سَحابَةُ صَيفٍ تَنجَلي وَتَحيلُ
إِذا ضَرَبَت بِالبُردِ مِن دُونِ وَجهِها / تَلالا أَحَمُّ المُقلَتَينِ أَسِيلُ
عَلى جِيدِ أَدماءٍ مِنَ الوَحشِ حُرَّةٍ / لَها نَظَرٌ يُبلي المَشُوقَ كَلِيلُ
أَقُولُ بِأَعلى نَخلَتَينِ وَقَد مَضى
أَقُولُ بِأَعلى نَخلَتَينِ وَقَد مَضى / مِنَ اللَيلِ شَطرُ اللَيلِ وَالرَكبُ هاجِعُ
لِذي لَطَفٍ مِن صُحبَتي وَهوَ دُونَهُم / أَقاتِلتي إِني إِلى اللَهِ راجِعُ
يَمانِيَةٌ مِن أَهلِ فَوزٍ تَشُوقُني / وَتَأتي بِرَيّاها الرِياحُ الزَعازِعُ
وِمِمّا يَهيجُ القَلبَ يا صاحِ نَحوَها / إِذا باكَرَ الأَيكَ الحَمامُ السَواجِعُ
كَأَنّي لِذِكراها إِذا اللَيلُ جَنَّني / أَسيرُ عَدُوٍّ أَسهرَتهُ الجَوامِعُ
يَرى المَوتَ غُنماً راحَةً وَالَّذي بِهِ / عَلَيهِ عَناءٌ فَهُوَ بِالمَوتِ طامِعُ
فَكَيفَ بِذِكراها وَبِالعَرجِ مَسكَني / وَمِن دُونِها الشُمُّ الجِبالُ الفَوارِعُ
بَلى في المطيٍّ القُودِ لِلمَرءِ في الهَوى / إِذا ضافَهُ هَمٌ شَديدٌ مَنافِعُ
وَنِعمَ دَواءُ النَأي وَالكَرب جَسرَةٌ / وَأَبيَضُ مَصقُولُ الغَرارَينِ قاطِعُ
أَجُولُ بِها عَرمَ السُرى بِتَنُوفَةٍ / بِها لِلقَطا قَد فارَقَتهُ مَواقِعُ
كَمُفتَحَصِ المَقرُورِ بِاللَيلِ شَفَّهُ / ضَرَيبٌ فَلِلِّحيَينِ مِنهُ قَعاقِعُ
فَإِنّي وَإِيعاد العِدى فِيكِ نَحوَكُم / أَنُوفَ العِدى حَتّى أَزُرَكِ جادِعُ
وَوَرّادُ حَوضٍ أَنتِ حَضرَةُ مائِهِ / وَإِن ذادَني الذُوّاد عَنهُ فَشارِعُ
أَلَم تَعلَمي أَن رُبَّ باذِلَةٍ لَنا / هَواها فَلا أَدنُو لَها فَتُصانِعُ
عَلَيَّ وَإِنّي بِالقَليلِ مِن الَّذي / لَدَيكِ وَلَو صَرَّدتِهِ لِيَ قانِعُ
مِنَ الحُورِ لَو تَبدُو لِأَشمَطَ راهِبٍ / تَعَبَّدَ مِمّا أَحرَزَتهُ الصَوامِعُ
ثَمانينَ عاماً رامَها إِن دَنَت لَهُ / وَضاقَ بِهِ مِحرابُهُ وَهوَ واسِعُ
إِذا اللَيلُ آواها إِلى السِترِ بَعدَما / تَضَمَّنَ سُمّارَ النَدِيِّ المَضاجِعُ
تَفُوحُ خُزامى طَلِّهِ مِن ثِيابِها / تُخالِطُ مِسكاً أَنبَتَتها الأَجارِعُ
يَشُبُّ مُتُونُ الجَمرِ بِالند نارَهُ / وَبِالعَنبَرِ الهِندِيِّ فَالعَرفُ ساطِعُ
كَأَنَّ عُقاراً قَهوَةً مَقدِيَّةً / أَبى بَيعَها خبٌّ مِنَ التَجرِ خادِعُ
ثَلاثَةَ أَحوالٍ يُحاوِلُ فُرصَةً / مِنَ السُوقِ لا يَدري مَتى السُوقُ نازِعُ
يُعَلُّ بِها أَنيابُها بَعدَ هَجعَةٍ / وَقَد مالَ لِلغورِ النُجُومُ الطَوالِعُ
رَأَتني خَضِيبَ الرأسِ شَمَّرتُ مِئزَري
رَأَتني خَضِيبَ الرأسِ شَمَّرتُ مِئزَري / وَقَد عَهِدتني أَسوَدَ الرَأسِ مُسبِلا
صَريعَ هَوىً ما يَبرَحُ العِشقُ قائِدي / لِغَيٍّ فَلَم أَعدِل عَنِ الغَيِّ مَعدِلا
أَطَعتُ ذَوي الأَحلام وَالرَأي وَالنُهى / حَديثاً وَقَد كُنتُ المَلُومَ المُعَذَّلا
حَطُوطاً إِلى اللَذاتِ جَرَرتُ مِقوَدي / كَإِجرارِكَ الحَبلَ الجَوادَ المُجَلَّلا
إِذا قادَهُ السُوّاسُ لا يَملِكُونَهُ / وَكانَ الَّذي يَألُونَ قَولاً لَهُ هَلا
مُعَنّىً بِذكرى كُلِّ خَودٍ تَخالُها / إِذا نَظَرَت حَوراءَ بِالفَرشِ مُغزِلا
أَسِيلَةِ مَجرى الدَمع مَهضُومَةِ الحَشا / إِذا ما مَشَت لَم تَمشِ إِلّا تَمَيُّلا
كَخُوطَةِ بانٍ بَلَّهُ صَوبُ دِيمَةٍ / إِذا حَرَّكَتهُ الرِيحُ بِالماءِ أَخضَلا
مُبتّلَةٍ نُفجِ الحَقيبَةِ بادِنٍ / تُمِيلُ عَلى اللِيَتينِ وَحفاً مُرَجَّلا
لَدى الجَمرَةِ الوُسطى فَرِيعَت وَهَلَّلَت / وَمَن رِيعَ في حَجٍ مِن الناس هَلَّلا
وَقالَت لِأُخرى عِندَها تَعرِفينَهُ / أَلَيسَ بِهِ قالَت بَلى ما تَبَدَّلا
سِوى أَنَّهُ قَد حالَتِ الشَمسُ لَونَهُ / وَفارَقَ أَشياعَ الصِبا وَتَبَذَّلا
وَلاحَ قَتِيرٌ في مَفارِقِ رَأسِهِ / إِذا غَفَلَت عَنهُ الخَواضِبُ أَنسَلا
وَكانَ الشَبابَ الغَضَّ كَالغَيمِ خَيَّلَت / سَماءٌ بِهِ إِذ هَبَّت الرِيحُ فَاِنجَلى
فَلَمَّا أَرادَت أَن تَبَيَّنَ مَن أَنا / وَتَعلَمَ ما قالَت لَها وَتَأَمَّلا
أَماطَت كِساءَ الخَزِّعَن حُرِّ وَجهِها / وَأَدنَت عَلى الخَدَّينِ بُرداً مُهَلهَلا
فَلاحَ وَمِيضُ البَرقِ في مُكفَهَّرةٍ / مِنَ المُزنِ لَمّا لاحَ فيها تَهَلَّلا
مِنَ اللاءِ لَم يَحجِجنَ يَبغِينَ حِسبَةً / وَلَكِن لِيَقتُلنَ البَرئِ المُغَفَّلا
وَتَرمي بِعَينَيها القُلُوبَ إِذا بَدَت / لَها فِقرَةٌ لَم تُخطِ مِنهُنَّ مَقتَلا
فَقالَت وَأَومَت نَحوَها قَد عَرَفتُهُ / ثَكَلتُ إِذَن بَيضاءَ أُمّي وَنَوفلا
لِمَن طَلَلٌ بِالنَعفِ نَعفِ وَقِيرِ
لِمَن طَلَلٌ بِالنَعفِ نَعفِ وَقِيرِ / يُشَبَّهُ مَغناهُ كِتابَ زَبُورِ
أَضَرَّ بِهِ بَعدَ الأُلى عَمَرُوا بِهِ / تَقادُمُ أَرواحٍ وَمَرُّ دُهُورِ
أَقُولُ لِعَبدِ اللَهِ وَالقَلبُ واجِبٌ / وَمِن قَبلِهِ ما قُلتُهُ لِكَثِيرِ
فَما أَنسَ مِلأَ شَياءِ لا أَنسَ مَجلِساً / لَنا وَلَها بِالسَفحِ دُونَ ثَبِيرِ
وَلا قَولَها وَهناً وَقَد بَلَّ نَحرَها / سَوابِقُ دَمعٍ ما يَجِفُّ غَزَيرِ
أَأَنتَ الَّذي حُدِّثتُ أَنَّكَ راحِلٌ / غَداةَ غَدٍ أَو رائِحٌ بِهَجِيرِ
فَقُلتُ يَسِيرٌ بَعضُ يَومٍ أَغيبُهُ / وَما بَعضُ يَومٍ غِبتِه بِيَسِيرِ
أَحِينَ عَصَيتُ العاذِلينَ إِلَيكُمُ / وَنازَعَ حَبلي في هَواكِ أَمِيري
وَأَنهَمَني فِيكِ الأَقارِبُ كُلُّهُم / وَباحَ بِما يُخفى الفُؤادُ ضَمِيري
فَقُلتُ لَها قَولَ أمرئٍ شَفَّهُ الهَوى / إِلَيها وَلَو طالَ الزَمانُ فَقِيرِ
وَيُخفى بِها وَجداً شَديداً وَقَلبُهُ / إِلَيها كَمَشدُودِ الوِثاقِ أَسِيرِ
وَما أَنا إِن شَطَّت بي الدارُ أَودَنَت / بي الدارُ عَنكُم فَاعلَمي بِصَبُور
أَشارَت لِتِربَيها إِلَيَّ وَأَومَضَت / فَأَحبِب بِها مِن مُومِضٍ وَمُشِيرِ
فَلَمّا تَجَلّى لَيلُنا وَبَدَت لَنا / كَواكِبُ فَجرٍ بَعدَ ذاكَ مُنِيرِ
وَقُلنَ أَنطَلِق لا كانَ آخر عَهدِنا / بِمَلقاكَ في سِترٍ سُترتَ سَتِيرِ
فَإِنّا نَخافُ الحَيَّ أَن يَفزَعُوا بِنا / وَعَينَ عَدُوٍّ أَن يَراكَ بَصِيرِ
نَهَضنَ بِأَعجاز ثِقالٍ تُمِيلُها / فَتَسمُو بِأَعناقٍ لَها وَصُدُورِ
كَعِبرِيِّ بانٍ أَثبتَتهُ أُصُولُهُ / يُحَرِّكُ أَعلاهُ نَسيمُ دَبُورِ
فَلَمّا اِستَوَت أَقدامُهُنَّ وَلَم تَكَد / عَلى هُضمِ أَكبادٍ وَلُطفِ خُصُورِ
تَهادى نِعاجِ الرَملِ مَرَّت سَواكِناً / بِأَجرَعَ مُوليِّ الدِماثِ مَطِيرِ
تَرَبَّعنَ غَورَ الأَرضِ حَتّى إِذا بَدَت / مِنَ النَجمِ أَرواحٌ ذَواتُ حَرُورِ
وَأَورَدَ أَهلَ الماءِ غِيّاً وَأَفصَحَت / حَمامَةُ أَيكٍ ناضِرٍ بِهَديرِ
دَعاهُنَّ نَجدٌ لِلجِلاسِ فَذُكِّرَت / ظِلالَ بَساتينٍ بِهِ وَقُصُورِ
وَكُنَّ بِهِ في صيفَةِ الحَيِّ كُلِّها / إِلى سَرَبٍ في رَوضَةٍ وَغَديرِ
يَقُولُ خَلِيلي وَالمَطِيُّ خَواضِعٌ
يَقُولُ خَلِيلي وَالمَطِيُّ خَواضِعٌ / بِنا بَينَ جِزعِ الطَلحِ وَالمُتَهَوّمِ
أَفي طَلَلٍ أَقوى وَمَغنى مُخَيَّمٍ / كَسَحقِ رِداءٍ ذي حَواشٍ مُنَمنَمِ
أَضَرَّت بِهِ الأَرواحُ كُلَّ عَشِيَّةٍ / وَكُلُّ هَزِيمِ الرَعدِ بِالماءِ مُرهَمِ
ظَلِلتَ تَكُفُّ العَينَ أَن جادَ غَربُها / بِمُنحَدِرٍ مِن وَاكِفِ السَحِّ مُسجِمِ
وَمِن صَوت حَمّاءِ العَلاطينِ غَرَّدَت / تُبَكّي عَلى غُصنٍ مِنَ الضالِ أَسحَمِ
تُذَكِّرُكَ العَيشَ الَّذي لَيسَ راجِعاً / وَدَهراً مَضى يا لَيتَها لَم تَرَنَّمِ
فَقُلتُ لَهُ ماذا يُهَيِّجُ ذا الهَوى / إِذا لَم تَهِجهُ وَالفُؤادِ المُتَيَّمِ
حَمامَةُ أَيكٍ باكَرَتها حَمائِمٌ / يُجاوِبنَها أَعلى عَسِيبٍ مُقَوَّمِ
وَمَغنى حَبيبٍ أَقصَدَ القَلبَ ذِكرُهُ / فَفي القَلبِ مِنهُ قُرحَةٌ لَم تَلأمِ
إِذا قُلتُ قَد خَفَّت وَأَدبَرَ سُقمُها / نَكاها هَوى لَيلى فَلَم تَرقَ مِن دَمِ
نَأَت دارُها وَاِحتَلَّ بِالجَوفِ حُبُّها / مَحَلَّةَ بَينَ القَلبِ وَالمُتَبَسَّمِ
تَعاقَلتَ فَاترُكنِي لَما بِيَ وَاغفِني / مِن اللَومِ في لَيلي وَسِرّيَ فاكتُمِ
أَمَرتُ فُؤادي بَعدَ ما نَشِبَت بِهِ / حَبائِلُ لَيلي جاهِداً بِالتَسَلُّمِ
وَقُلتُ لَهُ وَالرُشدُ سَهلٌ طَرِيقُهُ / لِعامِدِهِ حَزنٌ إِذا لَم يُتَمَّمِ
أَيا قَلبُ لا تَكلَف فلَيلى مَزارُها / بَعِيدٌ وَلَيلى ناكِحٌ غَيرُ أَيِّمِ
قَطُوفُ الخُطا لَو تَنحَل الخُلدَ إِن مَشَت / سِوى حَذفَةٍ أَوقَدرَها لَم تَقدَمَّمِ
وَإِن نَهَضَت بَعدَ القُعُودِ فَلَم تَقُم / مَعَ الجَهدِ إِلّا بَعدَ طُولِ التَجَشُّمِ
تَنُوءُ بِأَعلى خَلفِها فَيُطِيعُها / وَيَأبى نَقاً في الحُقوِ خَدلَ المُخَدَّمِ
سبَتني غَداةَ النَحرِ مِنها بِفاحِمٍ / وَذي أُشُرٍ أَطرافُهُ لَم تَثَلَّمِ
وَأَنفٍ كَحَدِّ السَيفِ دَقَّ وَحاجِبٍ / وَصَدرٍ كَفا ثَورِ اللُجَينِ وَمِعصَمِ
تُذَكِّرُني وَالحَبس داري وَرُبَّما / يَهِيجُ الحِجازي ذِكرَةُ المُتَهِّمِ
أَظَلُّ نَهاري مِن هَواها كَأَنَّني / مِنَ الوَجدِ في داد مِنَ اللَيلِ مُظلِمِ
أَفي رَسمٍ دارٍ دَمعُكَ المُتَحَدِّرُ
أَفي رَسمٍ دارٍ دَمعُكَ المُتَحَدِّرُ / سَفاهاً وَما اِستِخبارُ ما لَيسَ يُخبِرُ
بِمُجتَمَعِ الرَضمَينِ غَيَّرَهُ البِلى / وَنَكباءُ تُزجى خارِجَ المُورِ صَرصَرُ
وَأَسحَمُ رَجّافٌ مِنَ الدَلوِ مُرزِمٌ / جَرُورٌ إِذا ما رَجَّهُ الرَعدُ مُمطِرُ
تَغَيَّرَ ذاكَ الرَبعُ مِن بَعدِ جِدَّةٍ / وَكُلُّ جَديدٍ مَرَّةً مُتَغَيِّرُ
لِأَسماءَ إِذ قَلبي بِأَسماءَ مُغرَمٌ / وَفي ذِكرِ أَسماءَ المَليحَةِ مُهجَرُ
وَمَمشى ثَلاثٍ بَعدَ هدءٍ كَواعِبٍ / كَمَثلِ الدُمى بَل هُنَّ مِن ذاكَ أَنضَرُ
إِلَيَّ وَقَد بَلَّ الرُبا ساقِطُ النَدى / وَنامَ الأُولى كُنا مِنَ الناسِ نَحذَرُ
تَهادى نِعاجِ الرَملِ مَرَّت سَواكِناً / تُرِيعُ إِلى أُلافِها وَتَأَطَّرُ
بِجَوٍّ مِنَ الجَهراءِ يُمرِج نَبتُهُ / وَيَذهَبُ طُولاً في السَما وَيُحَيَّرُ
يَرُوقُ الأَلاءُ الجَعدُ وَالمَكر وَحشَهُ / وَحُوذانُهُ وَالأُقحُوانُ المُنَوَّرُ
فَلَمّا هَداهُنَّ الجَرِيُّ لِمجلِسٍ / وَهَنَّ بِهِ لَولا التَجاهُلُ أَبصَرُ
يُسَلِّمنَ تَسليماً خَفِياً وَسَقَّطَت / كَما سَقَّطَت ظُلعٌ مِنَ السَيرِ حُسَّرُ
لَها أَرَجٌ مِن زاهِرِ البَقلِ وَالثَرى / وَبُردٌ إِذا ما باشَرَ الجِلدَ يَخصَرُ
فَقالَت لِتِربَيها الغَداةَ تَنَقَّبا / لِعَينٍ وَلا تَستَبعِدا حِينَ أُبصِرُ
وَلا تُظهِرا بُردَيكُما وَعَلَيكُما / كِساءان مِن خَزٍّ بِنَقشٍ وَأَخضَرُ
فَعَدّى فَما هَذا العِتابُ بِنافِعٍ / هَوايَ وَلا مُرجى الهَوى حِينَ يُقصِرُ
لَقَد أَرسَلَت في السِرِّ لَيلى تَلُومُني
لَقَد أَرسَلَت في السِرِّ لَيلى تَلُومُني / وَتَزعُمُني ذامَلَّةٍ طَرِفاً جَلدا
تَقُولُ لَقَد أَخلَفتَنا ما وَعَدتَنا / وَوَاللَهِ ما أَخلَفتُها طائِعاً وَعدا
فَقُلتُ مَرُوعاً لِلرَسُولِ الَّذي أَتى / تُراهُ لَكَ الوَيلاتُ مِن نَفسِها جِدّا
إِذا جِئتَها فَاقرى السَلام وَقُل لَها / دَعي الجَورَ لَيلى وَاِنهِجي مِنهجاً قَصدا
تعُدّينَ ذَنباً أَنتِ قَبلي جَنَيتِهِ / عَلَيَّ وَلا أُحصِي ذُنُوبَكُمُ عَدّا
أَفي غَيبَتي عَنكُم لَيالي مَرَضتُها / تَزِيدينَني لَيلى عَلى مَرَضي جَهدا
تَجاهَلُ ما قَد كانَ لَيلى كَأَنَّما / أُقاسي بِهِ مِن حَرَّةٍ حَجَراً صَلدا
غَداً يَكثُرُ الباكُونَ مِنّا وَمِنكُمُ / وَتَزدادُ داري مِن دِيارِكُمُ بُعدا
فَإِن شِئتِ أَحرَمتُ النِساءَ سِواكُمُ / وَإِن شِئتِ لَم أَطعَم نُقاخاً وَلا بَردا
وَإِن تَغفِري مازَلَّ مِنّي وَتَصفَحي / فَقَد هَدَّ عَظمي قَبلَها حُبُّكُم هَدّا
وَإِن تَصرِمِيني لا أَرَ الدَهرَ لَذَّةً / لِشَيءٍ وَلَن أَلقى سُروراً وَلا سَعدا
وَإِنشِئتِ غُرنا مَعكُمُ حَيثُ غُرتُمُ / بِمَكَّةَ حَتّى تَجلِسُوا قابِلاً نَجدا
لِكَي تَعلَمي أَنّي أَشَدُّ صَبابَةً / وَأَحسَنُ عِندَ البَينِ مِن غَيرِنا عَهدا
تَقَطَّعَ إِلّا بِالكِتابِ عِتابُكُم / سِوى ذِكرٍ لا أَستَطيعُ لَها رَدّا
فَقالَت وَأَذرَت دَمعَها لا بَعِدتُمُ / فَعَزَّ عَلَينا أَن نَرى لَكُمُ بُعدا
أَلم يُنسِ لَيلى عَهدُكَ المُتَباعِدُ
أَلم يُنسِ لَيلى عَهدُكَ المُتَباعِدُ / وَدَهرٌ أَتى بَعدَ الَّذي زَلَّ فاسِدُ
فُؤادَكَ أَن يَهتاجَ لَما بَدَت لَهُ / رُسُومُ المَغاني وَالأَثافي الرَواكِدُ
وَمَربَطُ أَفراسٍ وَخَيمٌ مُصَرَّعٌ / وَهابٍ كَجُثمانِ الحَمامَةِ هامِدُ
وَمَربَعُ حَيٍّ صالِحينَ نأَت بِهِم / نَوىً بَعدَ إِسعافٍ وَسَكنٌ مَعاهدُ
فَعِشتُ بِعَيشٍ صالِحٍ إِذ هُمُ بِهِ / فَبادُوا وَعَيشُ المَرءِ لا بُدَّ بائِدُ
فَلِلهِ عَيناً مِن رَأى مِثلَ مَجلِسٍ / بِكَرسانَ أَسقاهُ الغَمامُ الرَواعِدُ
لَقِيتُ بِهِ سِرباً تَنَظَّرنَ مَوعِدي / وَقِدماً وَفَت مِنّي لَهُنَّ المَواعِدُ
فَبُغتُ بِسَأوي الزَعفَرانَ فَلَم أَرِم / مَعَ القَومِ حَتّى لَم تُخِفني المَراصِدُ
وَحَتّى بَدَت أُخرى النُجوم وَباشَرَت / خُدُودَ الرِجالِ لِلرُقادِ الوَسائِدُ
فَلَمّا بَدا جَرسٌ مِنَ ليلِ وَاِحتَوَت / كِلابَ الرِعاءِ المُوسَداتِ المَواقِدُ
فَقُمتُ إِلى طِرفٍ مِنَ الخَيلِ لَم يَبِت / مُذالاً وَلَم تُقفِر عَلَيهِ المَذاوِدُ
بِوَردٍ كَسِيدٍ الغِيلِ ذي مَيعَةٍ لَهُ / إِذا ما جَرى في الخَيلِ عَقبٌ وَشاهِدُ
فَلَأمَ شَملي بَعدَ ما شُتَّ حِقبَةً / بِهِنَّ وَذُو الأَضغانِ عَنهُنَّ هاجِدُ
بِحُورٍ كَأَمثالِ الدُمى قُطُفِ الخُطا / لَهَونَ وَهُنَّ المُحصَناتُ الخَرائِدُ
أَمِنَّ العُيُونَ الرامِقاتِ وَلَم يَكُن / لَهُنَّ بِهِ عَينٌ سِوى الصُبحِ ذائِدُ
فَبِتُّ صَريعاً يَبنَهُنَّ كَأَنَّني / أَخُو سَقَمٍ تَحنُو عَلَيهِ العَوائِدُ
أَطَفنَ بِمَعسُولِ الدُعابَةِ سادِرٍ / كَخُوطِ الأَبالم يَهصِرِ العُودَ عاضِدُ
كَما طافَ أَبكارٌ هِجانٌ بِمُصعَبٍ / طَرِبنَ لِأَعلى هَدرِهِ وَهوَ سامِدُ
يُسِّدنَني جُمَّ المُرافِقِ زانَها / جَبائِرُها غَصَّت بِهِنَّ المَعاضِدُ
يُفَدِّينَني طَوراً وَيَضمُمنَ تارَةً / كَما ضَمَّ مَولُوداً إِلى النَحرِ وَالِدُ
يَقُلنَ أَلا تُبدى الهَوى سَتَزِدَنني / وَقَد يُستَزادُ ذُو الهَوى وَهوَ جاهِدُ
لَعَمري لَئِن أَبدينَ لي الوَجد إِنَّني / بِهِنَّ وَإِن أَخفَيتُ وَجدي لِواجِدُ
كَأَنَّ نِعاجَ الرَملِ أَهدَت عُيُونَها / إِذا مجمَجَت أَشفارَهُنَّ المَراوِد
لَهُنَّ وَأَعناقَ الظِباءِ اِستَعَرنَها / إِذا ما كَسَت لَباتِهِنَّ القَلائِدُ
تَعِلُّ قُرُوناً في الوَفاءِ كَأَنَّها / إِذا سُدِلَت فَوقَ المُتُونِ الأَساوِدُ
مَجاسِدُها نُفحٌ مِلاءٌ كَأَنَّها / نَواعِمُ حُورٌ تَحتَهُ الماءُ راكِدُ
أَقُولُ اِشتِكاءَ بِالحَرامِ لِصاحِبي
أَقُولُ اِشتِكاءَ بِالحَرامِ لِصاحِبي / وَذُو البَثِّ شَكُوهُ وَإِن كانَ مُقصَدا
فَلَم أَرَ مَطرُوقاً كَلَيلي لِحاجَةٍ / أَضَنَّ بِها مِن غَيرِ فَقرٍ وَأَبعَدا
نَوالاً لِمُحتاجٍ يُريدُ نَوالَها / وَأَجدَرُ إِن حَدَّت بِهِ أَن تُصَرِّدا
تَوَدَّدتُها قَبلاً فَما لانَ قَلبُها / وَأَقسى خَليلاً خِلتَهُ مُتَوَدِّدا
فَلَو كُنتُ أُرقى بِالَّذي قَد رَقَيتُها / بِهِ يابِساً صَلداً مِنَ الصَخرِ جَلمَدا
اللانَ لِقَولي أَو لَعادَو وَما اِعتَصى / عَلَيَّ بِعاداً غِلظَةً وَتَشَدُّدا
فَلَما بَدا لي أَنَّها مُستَفِزَّةٌ / قَد اضرَمَها الواشي عَلَيَّ وَأَوقَدا
أَقُولُ لَها وَالعَينُ قَد فاضَ دَمعُها / وَقَد كانَ فيها دَمعُها قَد تَرَدَّدا
أَسَلّاكِ عَنّي النَأيُ أَم عاقَكِ العِدى / بِما اِقتَرَفوا أَم جِئتِ صَرمى تَعَمُّدا
أَلم أَكُ أَعصي فيكِ أَهل قَرابَتي / وَأُرغِمُ فيكِ الكاشِحَ المُتَهَدِّدا
وَأَمتَهِنُ الوَردَ الأَغَرَّ إِلَيكُم / مِن أَجلِكِ حَتّى لَحمُهُ قَد تَخَدَّدا
فَقالَت مَنَنتَ الوَصلِ مِنكَ وَلَلَّذي / أَتَيتَ إِلَينا كانَ أَدنى وَأَزهَدا
مِنَ أَشياءَ قَد لاقَيتُها فيكَ لَم يَكُن / لِيُحصيها مَن مَنَّ وَصلاً وَعَدَّدا
وَلا تَحسَبَن صَرمَ الصَدِيقِ مُرُوءَةً / وَلا نائِلاً ما عِشتَ بِالصَرمِ سُؤدَدا
وَإِنَّكَ قَد أَلفَيتَ عِندي مَوَدَّةً / مِنَ الحُبِّ ما تَزدادُ إِلّا تَجَدُّدا
فَلِن لِلَّذي يَهواكَ وَاغلُظ عَلى الَّذي / قَلاكَ وَعَوِّدهُ الَّذي قَد تَعَوَّدا
وَمِلآنَ فاضرِب لي وَلا تَخلُفَّنني / لَدى شُعبَةِ الأصغاءِ إِن شِئتَ مَوعِدا
فَقُلتُ لَها في أَربَعٍ سَوفَ نَلتَقي / هُدُوءاً إِذا ما سامِرُ الحَيِّ رَقَّدا
فَلَمَّا تَقَضَّت أَربَعٌ قُلتُ هاتِيا / جَوادي وَقَلِّدهُ لِجاماً وَمِقوَدا
فَجاءَ بِهِ العَبدانِ لَيلاً كَأَنَّما / يَقُودانِ قَرماً ضارِياً حِينَ أُلبِدا
فَشَدّا عَلَيهِ السَرحَ ثُمَّ عَلَوتُهُ / كُمَيتاً إِذا ما مَسَّهُ السَوطُ أَهمَدا
خَبُوبَ الخَبارِ يَركَبُ الوَعثَ كُلَّما / تَسَلَّمَ مِن وَعثٍ إِلى غَيرِهِ عَدا
يَزيدُ إِذا قاسَ اللِجامُ شَجاً بِهِ / وَعَضَّ بِنابَيهِ الشَكيمَ فَأَزبَدا
فَقَرَّبَني مِن بَعدِ بُعدٍ كَأَنَّما / يَرى الجَبَلَ الوَعرَ المُمَنَّعَ فَدفَدا
فَلَمّا بَلَغنا جانِبَ المَوعِدِ الَّذي / وُعِدتُ بِهِ أَقَللتُ أَن أَتَلَدَّدا
مَكَثتُ قَلِيلاً ثُمَّ أَوشَكتُ أَن أَرى / وَما أَطوَلَ المُكثَ الغُلامَ المُوَلَّدا
فَأَزجا فَأَنبا بِالَّذي كُنتُ أَهلَهُ / سُرِرتُ بِهِ مِنهُ وَلاقَيتُ أَسعُدا
وَمِن خَلفِهِ صَفراءُ غَرثٌ وِشاحُها / تَأَوَّدُ في المَمشى القَريبِ تَأَوُّدا
تَمُورُ كَما مارَت مَهاةٌ بِذي الغُضا / تُزَجّى بِبَطحاءِ القَسِيَّةِ فَرقَدا
فَلَمّا التَقَينا رَحبَّت وَتَهَلَّلَت / كِلانا إِلى ذي وُدِّهِ كانَ أَقوَدا
كِلانا يُمَنّى في الخَلاءِ جَليسَهُ / صَفاءً وَوُدّاً ما بَقينا مُخَلَّدا
وَباتَ جَوادِي غُلُّهُ ساقُ طَلحَةٍ / بِأَبهَرَ مَولِيِّ الرُبا ساقِطِ النَدى
يَتُوقُ فَيَثنيهِ عَلِيٌّ مُقَوَّمٌ / نَما فَرعُهُ وَاخضَلَّ حَتّى تَخَضَّدا
وَساخَت عُروق الأَرض مِنهُ فَصادَفَت / بِجانِبِ خَوّارٍ مِن التُربِ رَغَّدا
وَيَمنَعُهُ أَن يَطمَئِنَّ بِأَنَّهُ / تَذَكَرَ جُلّاً فَازدهاهُ وَمِقوَدا
وَبَيتاً يَقِيهِ الحَرَّ في كُلِّ صَيفَةٍ / وَمَصعَ ضَرِيبِ القَرِّ إِن هُوَ أَبرَدا
فَلَم يَستَفِق مِن سَكرَةِ الحُبِّ بَينَنا / لَهُ سَكرَةٌ كانَت قَدِيماً تَعَدُّدا
بِضَوءِ عَمُودِ الصُبحِ حَتّى كَأَنَّما / تَجَلّى عَمُودُ الصُبحِ يَوماً مُوَرَّدا
خَلِيلَيَّ عُوجا حَيِّيا اليَومَ زَينَبا
خَلِيلَيَّ عُوجا حَيِّيا اليَومَ زَينَبا / وَلا تَترُكاني صاحِبَيَّ وَتَذهَبا
إِذا ما قَضَينا ذاتَ نَفسٍ مَريضَةٍ / إِلَيها وَقَرَّت بشالهَوى العَينُ فَاِركَبا
فَإِنَّكُما إِن تَدعُواني لِمثلِها / إِلى حاجَةٍ فَاستَيقِنا لا تُؤَنَّبا
أَقُولُ لِواشٍ سالَني وَهوَ شامِتٌ / سَعى بَينَنّا بِالصَرمِ حيناً وَأَجلَبا
سُؤال امرئٍ يُبدى لَنا النُصحَ ظاهِراً / يَجُنُّ خِلالَ النُصحِ غِشّاً مُغَيَّبا
عَلى العَهد لَيلى كَالبَريِّ وَقَد بَدا / لَنا لاهَداهُ اللَهُ ما كانَ سَبَّبا
بَغاني لَدَيها بَعدَ ما خِلتُ أَنَّهُ / لَهُ الوَيلُ عَن بَغيٍ عَلَينا قَد اَضرَبا
فَإِن تَكُ لَيلى قَد جَفَتني وَطاوَعَت / بِعاقِبَةٍ بِيَ مَن وَشى وَتَكَذَّبا
فَقَد باعَدَت نَفساً عَلَيها شَفِيقَةً / وَقَلباً عَصى فيها الحَبيبَ المُقَرَّبا
فَلَستُ وَإِن لَيلى تَوَلَّت بِوُدِّها / وَأَصبَحَ باقي الوَصلِ مِنها تَقَضَّبا
بِمُثنٍ سِوى عُرفٍ عَلَيها وَمُشمِتٍ / وَشاةً بِها حَولي شُهُوداً وَغُيَّبا
عَلى أَنَّني لا بُدَّ أَنّي لَقائِلٌ / وَذُو البَثِّ قَوّالٌ إِذا ما تَعَتَّبا
فَلا مَرحَباً بِالشامِتينَ بِهَجرِها / وَلا زَمَنٍ أَمسى بِها قَد تَقَلَّبا
فَما زالَ بي ما ضَمَّنتِني مِنَ الجَوى / وَسُقمٍ بِهِ أَعيا عَلى مَن تَطَبَّبا
وَكَثرَةِ دَمعِ العَينِ حَتّى لَو أَنَّني / يَراني عَدُوٌّ كاشِحٌ لَتَحَوَّبا
فَذا العَرش أَنس القَلب ما عشت ذِكرها / فَفَد طالَما أَمسي إِلَيها تَحَبَّبا
فَكَم مِن مُشِتٍّ قَد جَمَعتَ بِقُدرَةٍ / وَمُجتَمِعٍ شَعَّبَتهُ فَتَشَعَّبا
تَأَوَّبني طَيفٌ بَعِيدُ التَأَوُّبِ
تَأَوَّبني طَيفٌ بَعِيدُ التَأَوُّبِ / هُدُوّاً وَلَم يَشعُر بِذَلِكَ صاحِبي
تَذَكُّرُ لَيلى إِنَّني خِلتُ ذِكرَها / يَؤُوبُ فُؤادي اللَيلَ مِن كُلِّ جانِبِ
فَقُلتُ أَقعُدَا قَد عِيلَ صَبرُ أَخيكُما / وَكَفكَفتُ دَمعَ العَينِ وَالدَمعُ غالِبي
وَقَد كُنتُ أَرجُو أَن أَييتَ بِراحَةٍ / وَلَم أَدرِ أَنَّ الطَيفَ إِن بِتُّ طالِبي
وَوَاللَهِ لا يُنكا مُحِبُّ بِمثلِها / وَإِن كانَ مَكرُوهاً فِراقُ الحَبائِبِ
وَأُشِربَ جِلدي حُبُّها وَمَشى بِهِ / تَمَشّي حُمَيّا الكَأسِ في جِلدِ شارِبِ
يَدِبُّ هَواها في عِظامي وَحُبُّها / كَما دَبَّ في المَلدُوغِ سَمُّ العَقارِبِ
تَبَدَّت لَنا يَومَ الرَحيلِ كَأَنَّها / أَحَمُّ المَآقي في نِعاجٍ الرَبائِبِ
تَكَفّا وَيَمشينَ الهُوَينا تَأَوُّداً / كَما أَنآدَ غُصنٌ بَلَّهُ ضَربُ هاضِبِ
تَطاوَلُ أَيّامي وَلَيلي أَطوَلُ
تَطاوَلُ أَيّامي وَلَيلي أَطوَلُ / وَلامَ عَلى حُبِّي عُثَيَمةَ عُذَّلُ
يَلُومُونَ صَبّاً أَنحَلَ الحُبُّ جِسمَهُ / وَما ضَرَّهُم لَو لَم يَلُومُوا وَأَجمَلُوا
أَلم يَعلَمُوا لا بُرِكُوا أَنَّ قَلبَهُ / عَصى قَبلَهُم فيها العِدى فَهُوَ مُبهَلُ
وَقالَ أُناسٌ إِنَّهُ لِيُحِبُّها / ضَلالاً لَما لَم يَعلَمِ الناسُ أَفضَلُ
فَلَمّا بَراني الهَمُّ وَالحُزنُ حِقبَةً / وَأَشفَقتُ مِن خَوفِ الَّذي كُنتُ آمَلُ
وَأَبصَرتُ دَهراً لا يَقُومُ لِأَهلِهِ / عَلى ما أَحَبُّوا فاسِدٌ يَتَحَوَّلُ
تَوَكَّلتُ وَاِستَحدَثتُ رَأياً مُبارَكاً / وَأَحزَمُ هَذا الناسِ مَن يَتَوَكَّلُ
وَضَمَّنتُ حاجاتي إِلَيها رَفِيقَةً / بِها طَبَّةً مَيمُونَةً حِينَ تُرسَلُ
مِنَ البَربَرِيّاتِ اللَواتي وُجُوهُها / بِكُلِّ فَعالٍ صالِحٍ تَتَهلَّلُ
وَزيرٌ لَها إِبلِيسُ في كُلِّ حاجَةٍ / لَها عِندَما تَهوي لَهُ يَتَمَثَّلُ
رَآها نِعمَ الخَدينُ فَلَم يَزَل / لِحاجاتِها ما لَم تَحُل يَتَحَمَّلُ
تَخِفُّ لَما نَهوى مِراراً وَإِنَّها / عَن أَشياءَ لَيسَت مِن هَوانا سَتَثقُلُ
فَقالَت فَلا تَعجَل كَفَيتُكَ مَرَحباً / وَلِلسِّرِّ عِندي فَاعلَمَن ذاكَ مَحمِلُ
تَغُشَّت ثِيابَ اللَيلِ ثُمَّ تَأَطَّرَت / كَما اِهتَزَّ عِرقٌ مِن قَناً مُتَذَلِّلُ
فَجاءَت بَواراً طالَما قَد تَعَلّلَت / مِنَ الوَحشِ ما يَسطِيعُها المُتَحيِّلُ
بَدَتها بِقَولٍ لَيِّنٍ وَتَمَثَّلَت / مِنَ الشِعرِ ما يَرقي بِهِ المُتَمَثِّلُ
فَما كانَ إِلّا فَرطَ خَمسٍ حَسِبتُهُ / مِنَ الدَهرِ حَتّى جاءَ لا يَتَعَلَّلُ
بَشِيرٌ بِأَنّا قضد أَتَينا فَهَل لَنا / مِن الخوخة الصُغرى سِوى الباب مَدخَلُ
فَإِنَّ بِبَابِ الدارِ عَيناً وَإِن تَزُغ / حِذاراً لِتِلكَ العَينِ أَهيا وَأَمثَلُ
فَجاءَت بِها تَمشي عِشاءً وَسامَحَت / كَما اِنقادَ بِالحَبلِ الجَوادُ المُجَلَّلُ
تُحَذِّرُها في مَشيها الأَعيُنَ الَّتي / بِها إِن رَأَتها عِندَ ذي الضَغنِ تَجمُلُ
فَتُسرِعُ أَحياناً إِذا هِيَ لَم تَخَف / وَتَخشى عُيُوناً حَولَها فَتَمَيَّلُ
كَما مالَ غُصنٌ مِن أَراكِ بَرِيرَةٍ / تُحَرِّكُهُ رِيحٌ مِنَ الماءِ مُخضَلُ
فَلا أَنسَ فِيما قَد لَقِيتُ مَقالَها / عَلى رِقبةٍ وَالعِيسُ لِلبَينِ تُرحَلُ
تُراكَ لَئِن عِشنا إِلى صَيفِ قابِلٍ / مُلِمّاً بِنازوراً كَما كُنتَ تَفعَلُ
فَقُلتُ لَها إِن لَم أَمُت أَو تَعُوقُني / مَقادِيرُ عَمّا تَشتَهي النَفسُ تَعدِلُ
تَزُورُكِ عِيسٌ يَعتَسِفنَ بي المَلا / عَلأى الأَينِ أَطلاحٌ تَنصُّ وَتَذملُ
فَراخى وِثاقاً عَن فُؤادٍ أَسَرتِهِ / قَليلاً لَعَلِيّ لِلعِدى أَتَجَمَّلُ
وَبِاللَهِ رُدّي دَمعَ عَينَيَّ فِيهِما / إِلى أَيِّ دَهرٍ دَمعُ عَينَيَّ يَهمِلث
فَخافي عِقابَ اللَهِ في قَتلِ مُسلِمٍ / بَرِيءٍ وضلم يَقتُل قَتيلاً فَيُقتَلُ
أُسائِلُ عَن وَجناءَ في السِجنِ جارَها
أُسائِلُ عَن وَجناءَ في السِجنِ جارَها / لَعَمرُ أَبِيها إِنَّني لَمُكَلَّفُ
وَأَنّي لَكَ الوَجناءُ وَالسِجنُ دُونَها / وَيُغلَقُ دُوني ذُو أَواسٍ مُشَّرَّفُ
وَفي الرِجلِ مِنّي كَبلُ قَينٍ يُؤودُها / وَثِيقٌ إِذا ما جاءضهُ الخَطُو يَهتِفُ
كَأَنَّ شَبا مِسمارِهِ وَهوَ ناجِمٌ / شَبا نابِ قَرمٍ يَضرِبُ الشُولَ يَصرِفُ
يَمانِيَّةٌ هاجَت فُؤادي وَوَكِّلَت / بِها النَفس حَتّى دَمعُ عَينَيَّ يَذرِفُ
يُرَوَّعُ أَحياناً إِذا ذُكِرَت لَهُ / كَما رِيعَ مَشعُوفٌ مِنَ النَفرِ يُشعَفُ
وَأَنّي لَكَ الأسعافُ مِنها وَدارُها / جُنوبَ العِدى لَو سالمَتني وَتُنصِفُ
وَما زالَ بي حَيني وَحَمزَةُ دَلَّني / وَلِلحَينِ أَقدارٌ تُحَمُّ وَتُصرَفُ
مَعَ القَدَرِ المُكتُوبِ حَتّى تَعَطَّفَت / بِوَجناءَ نَفسٌ وَجدُها مُتَعِطِّفُ
فَإِني لَما حُمِّلتُ مِنها لَبائِحٌ / وَلَو كانَ ما بي ما بِهِ بُحتُ يُعرَفُ
وَمُستَودِعٍ قَلبي هَوىً فَوقَ ما بَدا / لَوأَنَّ فُؤادي عَن هَواها يُكَشّضفُ
وَإِني لَمُوفيها مِنَ الوُدِّ كَيلَهُ / إِذا نَقَصَ الوُدَّ المُلُولُ المُطَفِّفُ
كَعابٌ إِذا قامَت قَليلاً تَأَوَّدَت / كَمَشي الحَسِيرِ مُكرَهاً وَهوَ مُزحَفُ
مِنَ البيضِ إِمّا ما يُوارى إِزارُها / فَفَقمٌ وَإِمّا ما عَلاهُ فَمُرهَفُ
كَغُصنِ الغَضا فَوقَ النَقا نَفَحَت لَهُ / جَنُوبٌ تُكَفّى فَرعَهُ وَهوَ مُشرِفُ
لَها مِعصَمٌ عَبلٌ وَجِيدُ جِدايَةٍ / وَبَطنٌ إِذا ناطَت بِهِ الوُشحَ مُخطَفُ
وَعَينا مَهاةٍ في كِناسٍ بِرَملَةٍ / بِهاسِنَةٌ مِن نَعسَةٍ حينَ تَطرِفُ
وَوَجهٌ كَمِثلِ البَدرِ إِذ تَمَّ فَاِستَوى / إِذا ما بَدا في ظُلمَةِ اللَيلِ يَسدِفُ
وَثَغرٌ عَلَيهِ الظُلمُ يَجري كَأَنَّهُ / إِذا اِبتَسمَت مِن كَثرَةِ الماءِ يَنطفُ
وَإِني لَأَهوى الأَزدَ طُرّاً لِحُبِّها / عَلى ذاكَ إِن حُلِّفتُ بِاللَهِ أَحلِفُ
بِرَبِّ الهَدايا الواجِباتِ جُنُوبُها / تَضَمَّنَها لِلّهِ في الحَجِّ مَوقِفُ
لَوَجناءُ أَلقاها فَأنظُرُ قائِماً / إِلَيها وَلَو كانَت تَصُدُّ وَتَصدِفُ
أَحَبُّ إِلى نَفسي مِن أُخرى قَريبَةٍ / لَها مادِحٌ عِندي إِذا قامَ يَهرِفُ
أَلا قاتَلَ اللَهُ الهَوى كَيفَ أَخلَقا
أَلا قاتَلَ اللَهُ الهَوى كَيفَ أَخلَقا / وَلَم تَلقَهُ إِلّا مَشُوباً مُمَذَّقا
وَما مِن حَبيبٍ يَستَزيدُ حَبيبَهُ / يُعاتِبُهُ في الوُدَّ إِلّا تَفَرَّقا
أَمَرَّ وِصالُ الغانِياتِ فَأَصبَحَت / فَظاعَتُهايَشجى بِها مِن تَمَطَّقا
تَعَلَّقَ هَذا القَلبُ لِلحِينِ مَعلقاً / غَزالاً تَحَلّى عِقدَ دُرٍّ وَيارَقا
مِنَ الأَدم يعطُو بِالعَشِيِّ وَبِالضُحى / مِنَ الضالِ غُصناً ناعِمَ النَبتِ مُرِقا
أَلُوفاً لِأضلالِ الكِناسِ وَلِلثَرى / إِذا ما ضِياءُ الشَمسِ في الصَيفِ أَشرَقا
شَجِي الحِجلِ يَغتالُ العَجيزَةَ مُرطُهُ / وَإِمّا وَشاحاهُ عَلَيهِ فَأَملَقا
ضَعِيفاً قَعِيعَ الصَوتِ لَذّاً دَلالُهُ / غَضِيضَ سَوامِ الطَرفِ في المَشِي أَخرَقا
إِذا بَلَّ الزَعفَرانِ لُبانَهُ / مَعَ المِسكِ يَزدادانِ طيباً وَيَعبَقا
تَخالُ خِمارَ الخَزِّ مِن فَوقِ جِيدِهِ / عَلى فَرعِ خوطٍ مِن أَباءٍ مُعَلَّقا
يَشُبُّ سَوادُ الفَرعِ مِنهُ بَياضَهُ / شُبُوبَ سَخابِ المِسكِ حَلياً مُبَرَّقا
دَعَتني إِلَيهِ العَينُ بِالخَيفِ مِن منى / فَهاجَت لَهُ قَلباً عَلُوقاً مُشَوَّقا
تُصَرِّفُهُ فِيما اِشتَهَت فَيُطِيعُها / كَما صَرَّفَ الراعي المُعِيدَ المُسَوَّقا
إِذا قُلتُ مَهلاً لِلفُؤادِ عَن الَّتي / دَعَتكَ إِلَيها العَينُ أَغضى وَأَطرَقا
فَوَاللَهِ ما إِن أَفتَحُ الدَهرَ بابَهُ / مِنَ القَولِ إِلّا رَدَّني ثُمَّ أَغلَقا
وَقالَ وَقالَت تَستَغِشّانِ ناصِحاً / قَديماً لعَمري كانَ مِن ذاكَ أَشفَقا
دَعاناً فَلَم نَسبِقُ مُحِبّاً بِما تَرى / فَما مِنكَ هَذا العَذلُ إِلّا تَخَرُّقا
فَقَد سَنَّ هَذا الحُبَّ مَن كانَ قَبلَنا / وَقادَ الصِبا المَرءَ الكَريم فَأَعنَقا
تُعَدِّدُ نَفسي مِن سُلَيمى عِدادَها
تُعَدِّدُ نَفسي مِن سُلَيمى عِدادَها / فَلَم تَرقَ عَيني وَاستطيرَ رُقادُها
فَأَيسَرُ ما تَلقى مِنَ الوَجدِ أَنَّها / مَعَ الحُزنِ مَغمُورٌ بِماءٍ سَوادُها
ذَرُوفُ النَهارِ حِينَ تَحمي مِن البُكا / كَثِيرٌ إِذا جَنَّ الظَلامُ اطِّرَادُها
عَلى عَبراتٍ تَعتَريني لَو أَنَّها / بِجانِبِ رَضوى أَنفَذَتهُ وِهادُها
يُجافِينَ جَنبي عضن فِراشي كَأَنَّها / عَلَيهِ سُيُوفٌ أَقلَقَتهُ حِدادُها
إِذا رامَتِ الأَصعادَ في الصَدرِ زَفرَةٌ / فَسَلمى عَلى بابِ الفُؤادِ رِدادُها
وَلَو فارَقَت جَوفي لَصادَفتُ راحَةً / وَلَكِنَّما في الجَوفِ مِنّي مُرادُها
فَقُلتُ لِعَيني أَعمِدي نَحوَ غَيرِها / بِنَفسي وَعَيني حَيثُ تَهوى قِيادُها
فَزادَت لِنَفسي العَينُ جُهداً وَإِنَّما / إِلى حُبِّ سَلمى حَيثُ كانَ مَعادُها
وَكَيفَ تُطِيقُ الهَجرَ نَفسٌ ضَعِيفَةٌ / بِكَفِّ سُلَيمى حَلُّها وَصِفادُها
فَمنّى عَلَيَّ اليَومَ سَلمى وَسَدِّدي / وَخَيرُ الأُمُورِ حِينَ تُنمى سَدادُها
فَما القَلبُ عَن سَلمى بِجَلدٍ وَإِن نَأَت / وَشَرُّ قُلوبِ الواجِدينَ جِلادُها
فَلا النفسُ تَرضى عَن سُلَيمى بِخُلَّةٍ / وَلَو نَحَلَت نَفسي وَطالَ بعادُها
حَياتي ما غَنّى حَمائِمُ أَيكَةٍ / وَما أَحصَنَت عُصمُ الفَلاةِ صَمادُها
أَتانا فَلَم نَشعُر بِهِ غَيرَ أَنَّهُ
أَتانا فَلَم نَشعُر بِهِ غَيرَ أَنَّهُ / لَهُ لِحيَةٌ طالَت عَلى حُمُقِ القَلبِ
كَرايَةِ بَيطارٍ بِأَعلى حَدِيدَةٍ / إِذا نُصِبَت لَم تَكسِبِ الحَمدَ بِالنَصبِ
أَتانا عَلى سَغبٍ يَعَرِّضُ بِالقِرى / وَهَل فَوقَ قُرصٍ مِن قِرى صاحِبِ السَغبِ