المجموع : 61
يقول أبعد اليأس تبكي صبابة
يقول أبعد اليأس تبكي صبابة / فقلت وهل قبل الأياس بكاء
أبكي على من لست أرجو ارتجاعه / وأبكي على أن لا يكون رجاء
زعمت بنفسي أنت أنك مغرم
زعمت بنفسي أنت أنك مغرم / بذكري وإني عن وصالك مضرب
أعد نظراً فيما ادعيت ولا تحد / لتعلم من منا الشقي المعذب
أمن يتجنى ثم ينكر ما جنى / على إلفه أم من يقر ويعتب
ولو كنت تجزي بالذي نستحقه / غضبت ولكني من الهجر أهرب
فأغضي على جمر الغضا خشية القلى / ولولا الهوى ما ضاق عني مهرب
فحتام لا أنفك شوقاً إلى الرضا / أصدق من صدقي لديه مكذب
وما لي من ذنبٍ إليك تعده / علي سوى أن ليس لي عنك مذهب
وكنت أرى أن قد تناهي بي الهوى
وكنت أرى أن قد تناهي بي الهوى / إلى غايةٍ ما بعدها لي مذهب
فلما تفرقنا تذكرت ما مضى / فأيقنت أني إنما كنت ألعب
فقد والذي لو شاء لم يخلق النوى / عرضت فما أدري إلى أين أذهب
لعمرك ما قرب الديار بنافعٍ
لعمرك ما قرب الديار بنافعٍ / إذا لم يصل حبل الحبيب حبيب
وليس غريباً من تناءت دياره / ولكن من يجفى فذاك غريب
ومن يغترب والألف راعٍ لعهده / وإن جاوز السدين فهو قريب
أرى كل مرتاب يخاف خياله
أرى كل مرتاب يخاف خياله / كأن عيون العالمين تراقبه
يكاد لفرط الخوف يبدي ضميره / لكل امرئٍ تخشى عليه عواقبه
على بوادٍ من يخاف اغتيابه / تبت لديها في الأنام مناقبه
فإياكما يا صاحبي ومشهداً / تنسيكما ما سر منه عواقبه
وإياكما والذنب ترتكبانه / وإن كان في الأحيان يعذر راكبه
فما كل معذورٍ حقيقاً بعذره / ولا كل معذولٍ تعيب معايبه
رعى اللَه دهراً فات لم أقض حقه
رعى اللَه دهراً فات لم أقض حقه / وقد كنت طباً بالأمور مجربا
ليالي ما كانت رياحك شمالاً / علي ولا كانت بروقك خلبا
ليالي وفيت الهوى فوق حقه / وفاءً وظرفاً صادقاً وتأدبا
فلم أر وداً عاد ذنباً وقد مضت / له حقب يشجي بذكراه من صبا
ولم أر سهماً هتك الدرع وانتهى / إلى القلب قدماً ثم قصر أو نبا
ولا عذر للصمصام أن بلغ الحشا / وكل ولم يثلم له العظم مضربا
ولا لجوادٍ سابق الريح سالماً / وقام فأعيا بل تقطر أو كبا
فأني بعذرٍ في أطراحي وجفوتي / ونقض عهودٍ أكدت زمن الصبا
إذا عوقب الجاني على قدر جرمه / فتعنيفه بعد العقاب من الربا
أبت غلبات الشوق ألا تقربا
أبت غلبات الشوق ألا تقربا / إليك ونأي العذل ألا تجنبا
علي رقيب منك خالٍ بمهجتي / إذا أنا سلهت اطراحك صعبا
فهاءنذا وقف عليه مجرب / إذا ما نبا بي مركب رمت مركبا
وما كان صدي عنك صد ملالةٍ / ولا كان إقبالي عليك تطربا
ولا كان ذاك العذل إلا نصيحةً / ولا ذلك الأغضاء إلا تهيبا
ولا الهجر إلا فرط من ولا الرضى / بلا سبب إلا اشتياقاً معذبا
ومن يمنع العذب الزلال ويمتنع / من الشرب من سؤر الكلاب تغضبا
خليق إذا لم يستطع شرب غيره / وخاف المنايا أن يذل فيشربا
إذا المرء لم يقدر له ما يريده / أراد الذي يقضي له شاء أم أبى
قصرت عليك النفس حتى توهمت
قصرت عليك النفس حتى توهمت / بل استيقنت أن ليس غيرك مطلبا
فرامت بديلاً منك لما جفوتها / فحارت كأن لم يخلق اللَه منجبا
فإن تتفكر في انصرافي خائباً / وغدرك تعلم أينا عاد أخيبا
كسبت ملاماً واكتسبت بصيرة / بأمرك فانظر أينا عاد مكسبا
سأشكر ذنب الدهر فيك ولم أكن / على غير الأيام أشكر مذنبا
قسمك عليك الدهر نصفاً تعتبا
قسمك عليك الدهر نصفاً تعتبا / لفعلك في الماضي ونصفاً ترقبا
إذا استيقنت نفسي بأن لست عاذراً / لي الظن والإشفاق ألا تريبا
فقد والذي لو شاء غلب واحداً / فروح قلباً آمناً متهيبا
شككت فلا أدري لفرط مودتي / يبريك أم ظني يرينيك مذنبا
ولو كان قصدي منك وصلاً أناله / لقد كنت لي أندى جناباً وأخصبا
لو أدنو لأقللت العتاب ولم أزد / على أن تراني في امتداحك مطنبا
ولكن بي ظناً أبى أن يقيمني / لديك بما لا أرتضيه مصوبا
لئن رقد الواشي سروراً بما رأى
لئن رقد الواشي سروراً بما رأى / وهان عليه أن يقر وأنصبا
لقد أسهر العينيين مني صبابةً / وغادر قلبي مستهاماً معذبا
عدمت الهوى أن كنت عاشرت وافياً / سواك وقد طوفت شرقاً ومغربا
فإن لم تدع ما لا أحب تظرفاً / ولا راعياً عهدي فدعه تحوبا
سأكفيك نفسي لا كفاية غادرٍ
سأكفيك نفسي لا كفاية غادرٍ / ولا سامعاً عذلاً ولا متعتبا
ولكن يأساً لم ير الناس مثله / وصبراً على مر المقادير منصبا
وفي دون ما بلغته بل رأيته / بلاغ ولكن لا أرى عنك مذهبا
إلى اللَه أشكو عبرةً قد أظلت
إلى اللَه أشكو عبرةً قد أظلت / ونفساً إذا ما عزها الشوق ذلت
تحن إلى أرض الحجاز ودونها / تنائف لو تسري بها الريح ظلت
وإني بها لو لا أماني تغرها / وقد أرجفت هوج المطايا وكلت
أأمنع من وادي زبالة شربةٍ / وقد نهلت منه الكلاب وعلت
سقى اللَه رمل القاع والقاع فاللوى / فقد عطفت نفسي إليه وحنت
وأسقي لوى جبلي زرود ومربخاً / سحائب لا يلقي الظما ما أظلت
هممت فلم أربع على الفكر لحظةً / وقد كان حظ النفس أن لو تأنت
وأصبحت لهفاناً على ما أضعته / كذاك يكون الرأي ما لم يثبت
أمولاي لم تبعد عليك مطالبي
أمولاي لم تبعد عليك مطالبي / ولم تخش إن فكرت في فواتي
أمولاي لا أين المفر من الهوى / فقل لي لما بادرت بالنقمات
أأنسيت عهدينا بوادٍ معظمٍ / وليس بذي زرعٍ سوى الحسنات
وأنت حرام حرمة الحج والهوى / على العين ألا هفوة اللحظات
أخنتك كان العفو أولى بذي الهوى / أم أبلغت زوراً لم شفيت وشاني
سقى اللَه رمل القاع في النخلات
سقى اللَه رمل القاع في النخلات / فذاك الكثيب الفرد في السمرات
فقبر العبادي الذي دون مربخٍ / فمربخ فالغدران فالهضبات
فجبلي زرودٍ فالطليحة فاللوى / فإن لها عندي يداً وهنات
ولم يبق من لذاتها غير ذكرةٍ / تقطع نفسي عندها حسرات
لقصرٍ على وادي زبالة مشرفٍ / أكفكف في أكنافه عبراتي
أحب إلى نفسي وأشقى لشجوها / وأولى بها من هذه القريات
عسى اللَه لا تيأس سيأذن عاجلاً / بنصرة مظلومٍ وفك عناة
وترضى قلوبٌ قد تواتر سخطها / علي فعادتني بغير ترات
زبالة لا هم أسقها ثم روها
زبالة لا هم أسقها ثم روها / وقلت لها أضعاف ذي الدعوات
ألا هل إلى نجدٍ وماءٍ بقاعها / سبيل وأرواحٍ بها عطرات
وهل لي إلى تلك الطليحة عودة / على مثل تلك الحل قبل وفاتي
فأشرب من ماء السماء فأرتوي / وأرعى من الغزلان في الفلوات
وألصق أحشائي برمل زبالةٍ / وآنس بالظلمان والظبيات
أرقت بنارٍ بالطليحة أوقدت
أرقت بنارٍ بالطليحة أوقدت / تراءت للحظ العين ثم تسرت
علت وخبت ثم انجلت وتطاولت / على هضبات الرمل ثم تخفضت
فلم خب شوقي إذا خبت بل تلهبت / صبابة قلبي بالهوى إذ تلهبت
وما رد عنها الطرف بعد مكانها / ولكن دموع العين لما تهللت
ذكرت بها الدهر اذي ليس عائداً / وما نسيت أيامه بل تنسيت
فما أنصفت أذكت هوىً حين أذكيت / ولم تطف نيران الهوى حين أطفئت
وقد كان يسبي القلب في كل ليلةٍ
وقد كان يسبي القلب في كل ليلةٍ / ثامنون بل تسعون نفساً وارجح
يهيم بهذا ثم يعشق غيره / ويسلاهم من فوره حين يصبح
وكان فؤادي صاحياً قبل حبكم / وكان بحب الخلق يلهو ويمزح
فلما دعا قلبي هواك أجابه / فلست أراه عن ودادك يبرح
رميت بهجرٍ منك إن كنت كاذباً / وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح
وإن كان شيء في البلاد بأسرها / إذا غبت عن عينيَّ عندي يصلح
فإن شئت واصلني وإن شئت لم تصل / فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
وكم ليلةٍ قد بت أرقب صبحها
وكم ليلةٍ قد بت أرقب صبحها / وأنجمها في الجو ما تتزحزح
ويماني فوق القلب تبرد حره / ويسراي تحت الخد والعين تسفح
فأصبحت مجهوداً عميداً من الهوى / وقد كان قلبي بالصبابة يطفح
وما علم الواشون عن العدى / بسرٍّ وما مثلي بسرك يصفح
فإن كان هذا القول عذراً قبلته / وإن كان تعذيراً فمثلك يصفح
أهيم بذكر الكرخ مني صبابةً
أهيم بذكر الكرخ مني صبابةً / وما بي إلا حب من حل بالكرخ
تجرعت كأساً من صدود محمدٍ / فقد أوهنت عظمي وجازت على المخ
فلست أبالي بالردى بعد فقده / وله يجزع المذبوح من ألم السلخ
ولما وقفنا للوداع وبيننا
ولما وقفنا للوداع وبيننا / أحاديث يعيي الحاسبين عديدها
تبادر دمعي فانصرفت تهضني / إلى عبرتي بقيا عليك أذودها
فما أشبهت عيناي ألا سحابة / دنا صربها واستعجلتها رعودها
فما زال زجر الرعد يحدو سحابها / فتبدو وأرواح الشمال تحيدها
فما أقلعت حتى بكت فتضاحكت / رياض الربى فأخضر بالعشب عودها
وهل تتلافى ذات عقدٍ جمانها / إذا انسل من تلك النظام فريدها
فقال رفيقي ما للونك حائلاً / وعينيك ما يعدو جفونك جودها
فأغضيت عن رد الجواب تبلداً / وخير قلوب العاشقين بليدها