المجموع : 38
بَلَغتُكَ لَم أَنسُب وَلَم أَتَغَزَّلِ
بَلَغتُكَ لَم أَنسُب وَلَم أَتَغَزَّلِ / وَلَمّا أَقِف بَينَ الهَوى وَالتَذَلُّلِ
وَلَمّا أَصِف كَأساً وَلَم أَبكِ مَنزِلاً / وَلَم أَنتَحِل فَخراً وَلَم أَتَنَبَّلِ
فَلَم يُبقِ في قَلبي مَديحُكَ مَوضِعاً / تَجولُ بِهِ ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
رَأَيتُكَ وَالأَبصارُ حَولَكَ خُشَّعٌ / فَقُلتُ أَبو حَفصٍ بِبُردَيكَ أَم عَلي
وَخَفَّضتُ مِن حُزني عَلى مَجدِ أُمَّةٍ / تَدارَكتَها وَالخَطبُ لِلخَطبِ يَعتَلي
طَلَعتَ بِها بِاليُمنِ مِن خَيرِ مَطلَعٍ / وَكُنتَ لَها في الفَوزِ قِدحَ اِبنِ مُقبِلِ
وَجَرَّدتَ لِلفُتيا حُسامَ عَزيمَةٍ / بِحَدَّيهِ آياتُ الكِتابِ المُنَزَّلِ
مَحَوتَ بِهِ في الدينِ كُلَّ ضَلالَةٍ / وَأَثبَتَّ ما أَثبَتَّ غَيرَ مُضَلَّلِ
لَئِن ظَفِرَ الإِفتاءُ مِنكَ بِفاضِلٍ / لَقَد ظَفِرَ الإِسلامُ مِنكَ بِأَفضَلِ
فَما حَلَّ عَقدَ المُشكِلاتِ بِحِكمَةٍ / سِواكَ وَلا أَربى عَلى كُلِّ حُوَّلِ
تَعَمَّدتُ قَتلي في الهَوى وَتَعَمَّدا
تَعَمَّدتُ قَتلي في الهَوى وَتَعَمَّدا / فَما أَثِمَت عَيني وَلا لَحظُهُ اِعتَدى
كِلانا لَهُ عُذرٌ فَعُذري شَبيبَتي / وَعُذرُكَ أَنّي هِجتُ سَيفاً مُجَرَّدا
هَوينا فَما هُنّا كَما هانَ غَيرُنا / وَلَكِنَّنا زِدنا مَعَ الحُبِّ سُؤدُدا
وَما حَكَمَت أَشواقُنا في نُفوسِنا / بِأَيسَرَ مِن حُكمِ السَماحَةِ وَالنَدى
نُفوسٌ لَها بَينَ الجُنوبِ مَنازِلٌ / بَناها التُقى وَاِختارَها الحُبُّ مَعبَدا
وَفَتّانَةٍ أَوحى إِلى القَلبِ لَحظُها / فَراحَ عَلى الإيمانِ بِالوَحيِ وَاِغتَدى
تَيَمَّمتُها وَاللَيلُ في غَيرِ زَيِّهِ / وَحاسِدُها في الأُفقِ يُغري بِيَ العِدا
سَرَيتُ وَلَم أَحذَر وَكانوا بِمَرصَدٍ / وَهَل حَذِرَت قَبلي الكَواكِبُ رُصَّدا
فَلَمّا رَأَوني أَبصَروا المَوتَ مُقبِلاً / وَما أَبصَروا إِلّا قَضاءً تَجَسَّدا
فَقالَ كَبيرُ القَومِ قَد ساءَ فَألُنا / فَإِنّا نَرى حَتفاً بِحَتفٍ تَقَلَّدا
فَلَيسَ لَنا إِلّا اِتِّقاءُ سَبيلِهِ / وَإِلّا أَعَلَّ السَيفَ مِنّا وَأَورَدا
فَغَطّوا جَميعاً في المَنامِ لِيَصرِفوا / شَبا صارِمي عَنهُم وَقَد كانَ مُغمَدا
وَخُضتُ بِأَحشاءِ الجَميعِ كَأَنَّهُم / نِيامٌ سَقاهُم فاجِئُ الرُعبِ مُرقِدا
وَرُحتُ إِلى حَيثُ المُنى تَبعَثُ المُنى / وَحَيثُ حَدا بي مِن هَوى النَفسِ ما حَدا
وَحَيثُ فَتاةُ الخِدرِ تَرقُبُ زَورَتي / وَتَسأَلُ عَنّي كُلَّ طَيرٍ تَغَرَّدا
وَتَرجو رَجاءَ اللِصِّ لَو أَسبَلَ الدُجى / عَلى البَدرِ سِتراً حالِكَ اللَونِ أَسوَدا
وَلَو أَنَّهُم قَدّوا غَدائِرَ فَرعِها / فَحاكوا لَهُ مِنها نِقاباً إِذا بَدا
فَلَمّا رَأَتني مُشرِقَ الوَجهِ مُقبِلاً / وَلَم تَثنِني عَن مَوعِدي خَشيَةُ الرَدى
تَنادَت وَقَد أَعجَبتُها كَيفَ فُتَّهُم / وَلَم تَتَّخِذ إِلّا الطَريقَ المُعَبَّدا
فَقُلتُ سَلي أَحشاءَهُم كَيفَ رُوِّعَت / وَأَسيافَهُم هَل صافَحَت مِنهُم يَدا
فَقالَت أَخافُ القَومَ وَالحِقدُ قَد بَرى / صُدورُهُمُ أَن يَبلُغوا مِنكَ مَقصِدا
فَلا تَتَّخِذ عِندَ الرَواحِ طَريقَهُم / فَقَد يُقنَصُ البازي وَإِن كانَ أَصيَدا
فَقُلتُ دَعي ما تَحذَرينَ فَإِنَّني / أُصاحِبُ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ أَيِّدا
فَمالَت لِتُغريني وَمالَأَها الهَوى / فَحَدَّثتُ نَفسي وَالضَميرُ تَرَدَّدا
أَهُمُّ كَما هَمَّت فَأَذكُرُ أَنَّني / فَتاكَ فَيَدعوني هُداكَ إِلى الهُدى
كَذَلِكَ لَم أَذكُركَ وَالخَطبُ يَلتَقي / بِهِ الخَطبُ إِلّا كانَ ذِكرُكَ مُسعِدا
أَميرَ القَوافي إِن لي مُستَهامَةً / بِمَدحٍ وَمَن لي فيكَ أَن أَبلُغَ المَدى
أَعِرني لِمَدحيكَ اليَراعَ الَّذي بِهِ / تَخُطُّ وَأَقرِضني القَريضَ المُسَدَّدا
وَمُر كُلَّ مَعنىً فارِسِيٍّ بِطاعَتي / وَكُلَّ نُفورٍ مِنهُ أَن يَتَوَدَّدا
وَهَبنِيَ مِن أَنوارِ عِلمِكَ لَمعَةً / عَلى ضَوئِها أَسري وَأَقفو مَنِ اِهتَدى
وَأَربو عَلى ذاكَ الفَخورِ بِقَولِهِ / إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِدا
سَلَبتَ بِحارَ الأَرضِ دُرَّ كُنوزِها / فَأَمسَت بِحارُ الشِعرِ لِلدُرِّ مَورِدا
وَصَيَّرتَ مَنثورَ الكَواكِبَ في الدُجى / نَظيماً بِأَسلاكِ المَعاني مُنَضَّدا
وَجِئتَ بِأَبياتٍ مِنَ الشِعرِ فُصِّلَت / إِذا ما تَلَوها أُلقِيَ الناسُ سُجَّدا
إِذا ذَكَروا مِنهُ النَسيبَ رَأَيتَنا / وَداعي الهَوى مِنّا أَقامَ وَأَقعَدا
وَإِن ذَكَروا مِنهُ الحَماسَ حَسِبتَنا / نَرى الصارِمَ المَخضوبَ خَدّاً مُوَرَّدا
وَلَو أَنَّني نافَرتُ دَهري وَأَهلَهُ / بِفَخرِكَ ما أَبقَيتُ في الناسِ سَيِّدا
مَطالِعُ سَعدٍ أَم مَطالِعُ أَقمارِ
مَطالِعُ سَعدٍ أَم مَطالِعُ أَقمارِ / تَجَلَّت بِهَذا العيدِ أَم تِلكَ أَشعاري
إِلى سُدَّةِ العَبّاسِ وَجَّهتُ مِدحَتي / بِتَهنِئَةٍ شَوقِيَّةِ النَسجِ مِعطارِ
مَليكٌ أَباحَ العيدُ لَثمَ يَمينِهِ / وَيالَيتَ ذاكَ العيدَ يَبسُطُ أَعذاري
وَيَحمِلُ عَنّي لِلعَزيزِ تَحِيَّةً / وَيَذكُرُ شَيئاً مِن حَديثي وَأَخباري
لِآلِ عَلِيٍّ زينَةُ المُلكِ وِجهَتي / وَإِن قيلَ شيعِيٌّ فَقَد نِلتُ أَوطاري
أَحِنُّ لِذِكراهُم وَأَشدو بِمَدحِهِم / كَأَنّي بِجَوفِ اللَيلِ هاتِفُ أَسحارِ
وَأُنشِدُ أَشعاري وَإِن قالَ حاسِدي / نَعَم شاعِرٌ لَكِنَّهُ غَيرُ مِكثارِ
فَحَسبي مِنَ الأَشعارِ بَيتٌ أَزينُهُ / بِذِكرِكَ يا عَبّاسُ في رَفعِ مِقداري
كَذا فَليَكُن مَدحُ المُلوكِ وَهَكَذا / يَسوسُ القَوافي شاعِرٌ غَيرُ ثَرثارِ
وَيَسلُبُ أَصدافَ البِحارِ بَناتَها / بِنَفثَةِ سِحرٍ أَو بِخَطرَةِ أَفكارِ
مَعانٍ وَأَلفاظٌ كَما شاءَ أَحمَدٌ / طَوَت جَزلَ بَشّارٍ وَرِقَّةَ مَهيارِ
إِذا نَظَرَت فيها العُيونُ حَسِبنَها / لِحُسنِ اِنسِجامِ القَولِ كَالجَدوَلِ الجاري
أَمَولايَ هَذا العيدُ وافاكَ فَاِحبُهُ / بِحُلَّةِ إِقبالٍ وَيُمنٍ وَإيثارِ
وَيَمِّنهُ وَاِنثُر مِن سُعودِكَ فَوقَهُ / وَتَوِّجهُ بِالبُشرى وَمُرهُ بِإِسفارِ
فَلا زالَتِ الأَعيادُ تَبغي سُعودَها / لَدى مَلِكٍ يَسري عَلى عَدلِهِ الساري
وَلا زِلتَ في دَستِ الجَلالِ مُؤَيَّداً / وَلا زالَ هَذا المُلكُ في هَذِهِ الدارِ
لَمَحتُ جَلالَ العيدِ وَالقَومُ هُيَّبُ
لَمَحتُ جَلالَ العيدِ وَالقَومُ هُيَّبُ / فَعَلَّمَني آيَ العُلا كَيفَ تُكتَبُ
وَمَثَّلَ لي عَرشَ الخِلافَةِ خاطِري / فَأَرهَبَ قَلبي وَالجَلالَةُ تُرهِبُ
سَلوا الفَلَكَ الدَوّارَ هَل لاحَ كَوكَبٌ / عَلى مِثلِ هَذا العَرشِ أَو راحَ كَوكَبُ
وَهَل أَشرَقَت شَمسٌ عَلى مِثلِ ساحَةٍ / إِلى ذَلِكَ البَيتِ الحَميدِيِّ تُنسَبُ
وَهَل قَرَّ في بُرجِ السُعودِ مُتَوَّجٌ / كَما قَرَّ في يَلديزَ ذاكَ المُعَصَّبُ
تَجَلّى عَلى عَرشِ الجَلالِ وَتاجُهُ / يَهِشُّ وَأَعوادُ السَريرِ تُرَحِّبُ
سَما فَوقَهُ وَالشَرقُ جَذلانُ شَيِّقٌ / لِطَلعَتِهِ وَالغَربُ خَذلانُ يَرقُبُ
فَقامَ بِأَمرِ اللَهِ حَتّى تَرَعرَعَت / بِهِ دَوحَةُ الإِسلامِ وَالشِركُ مُجدِبُ
وَقَرَّبَ بَينَ المَسجِدَينِ تَقَرُّباً / إِلى المَلِكِ الأَعلى فَنِعمَ المُقَرَّبُ
وَكَم حاوَلوا في الأَرضِ إِطفاءَ نورِهِ / وَإِطفاءُ نورِ الشَمسِ مِن ذاكَ أَقرَبُ
فَراعَهُمُ مِنهُ بِجَيشٍ مُدَجَّجٍ / لَهُ في سَبيلِ اللَهِ وَالحَقِّ مَذهَبُ
يُداني شُخوصَ المَوتِ حَتّى كَأَنَّما / لَهُ بَينَ أَظفارِ المَنِيَّةِ مَطلَبُ
إِذا ثارَ في يَومِ الوَغى مالَ مَنكِبٌ / مِنَ الأَرضِ وَالأَطوادِ وَاِنهالَ مَنكِبُ
لَهُ مِن رُؤوسِ الشُمِّ في البَرِّ مَركَبٌ / وَمِن ثائِرِ الأَمواجِ في البَحرِ مَركَبُ
فِدىً لَكَ يا عَبدَ الحَميدِ عِصابَةٌ / عَصَت أَمرَ باريها وَحِزبٌ مُذَبذَبُ
مَلَكتَ عَلَيهِم كُلَّ فَجٍّ وَلُجَّةٍ / فَلَيسَ لَهُم في البَرِّ وَالبَحرِ مَهرَبُ
تَقاذَفُهُم أَيدي اللَيالي كَأَنَّهُم / بِها مَثَلٌ لِلناسِ في القَومِ يُضرَبُ
وَكَم سَأَلوها لَثمَ أَذيالِكَ الَّتي / لَها فَوقَ أَجرامِ السَمَواتِ مَسحَبُ
فَما بَلَغوا سُؤلاً وَلا بَلَغوا مُنىً / كَذَلِكَ يَشقى الخائِنُ المُتَقَلِّبُ
فَيا صاحِبَ العيدَينِ لا زِلتَ سالِماً / يُهَنّيكَ بِالعيدَينِ شَرقٌ وَمَغرِبُ
فَفي كُلِّ رَوضٍ مِنكَ طيبٌ وَنَضرَةٌ / وَفي كُلِّ أَرضٍ مِنكَ عيدٌ وَمَوكِبُ
أَرى مِصرَ وَالأَنوارُ مِنها مُوَرَّدٌ / وَمِنها لُجَينِيٌّ وَمِنها مُذَهَّبُ
وَأَشكالُها شَتّى فَهَذا مُنَظَّمٌ / وَذَلِكَ مَنثورٌ وَذاكَ مُقَبَّبُ
وَبَعضٌ تَجَلّى في مَصابيحَ زَيتُها / يُضيءُ وَلا نارٌ وَبَعضٌ مُكَهرَبُ
وَأَنظُرُ في بُستانِها النَجمَ مُشرِقاً / فَهَل أَنتَ يا بُستانُ أُفقٌ مُكَوكَبُ
وَأَسمَعُ في الدُنيا دُعاءً بِنَصرِهِ / يُرَدِّدُهُ البَيتُ العَتيقُ وَيَثرِبُ
صَدَفتُ عَنِ الأَهواءِ وَالحُرُّ يَصدِفُ
صَدَفتُ عَنِ الأَهواءِ وَالحُرُّ يَصدِفُ / وَأَنصَفتُ مِن نَفسي وَذو اللُبِّ يُنصِفُ
صَحِبتُ الهُدى عِشرينَ يَوماً وَلَيلَةً / فَقَرَّ يَقيني بَعدَما كانَ يَرجُفُ
فَرُحتُ وَفي نَفسي مِنَ اليَأسِ صارِمٌ / وَعُدتُ وَفي صَدري مِنَ الحِلمِ مُصحَفُ
وَكُنتُ كَما كانَ اِبنُ عِمرانَ ناشِئاً / وَكانَ كَمَن في سورَةِ الكَهفِ يوصَفُ
كَأَنَّ فُؤادي إِبرَةٌ قَد تَمَغطَسَت / بِحُبِّكَ أَنّى حُرِّفَت عَنكَ تَعطِفُ
كَأَنَّ يَراعي في مَديحِكَ ساجِدٌ / مَدامِعُهُ مِن خَشيَةِ اللَهِ تَذرِفُ
كَأَنَّكَ وَالآمالُ حَولَكَ حُوَّمٌ / نَميرٌ عَلى عِطفَيهِ طَيرٌ تُرَفرِفُ
وَأَزهَرَ في طِرسي يَراعي وَأَنمُلي / وَلَفظي فَباتَ الطِرسُ يَجني وَيَقطِفُ
وَجَمَّعَ مِن أَنوارِ مَدحِكَ طاقَةً / يُطالِعُها طَرفُ الرَبيعِ فَيُطرَفُ
تَهادى بِها الأَرواحُ في كُلِّ سُحرَةٍ / وَتَمشي عَلى وَجهِ الرِياضِ فَتَعرُفُ
إِمامَ الهُدى إِنّي أَرى القَومَ أَبدَعوا / لَهُم بِدَعاً عَنها الشَريعَةُ تَعزِفُ
رَأَوا في قُبورِ المَيِّتينَ حَياتَهُم / فَقاموا إِلى تِلكَ القُبورِ وَطَوَّفوا
وَباتوا عَلَيها جاثِمينَ كَأَنَّهُم / عَلى صَنَمٍ لِلجاهِلِيَّةِ عُكَّفُ
فَأَشرِق عَلى تِلكَ النُفوسِ لَعَلَّها / تَرِقُّ إِذا أَشرَقتَ فيها وَتَلطُفُ
فَأَنتَ بِهِم كَالشَمسِ بِالبَحرِ إِنَّها / تَرُدُّ الأُجاجَ المِلحَ عَذباً فَيُرشَفُ
كَثيرُ الأَيادي حاضِرُ الصَفحِ مُنصِفٌ / كَثيرُ الأَعادي غائِبُ الحِقدِ مُسعِفُ
لَهُ كُلَّ يَومٍ في رِضى اللَهِ مَوقِفٌ / وَفي ساحَةِ الإِحسانِ وَالبِرِّ مَوقِفُ
تَجَلّى جَمالُ الدينِ في نورِ وَجهِهِ / وَأَشرَقَ في أَثناءِ بُردَيهِ أَحنَفُ
رَأَيتُكَ في الإِفتاءِ لا تُغضِبُ الحِجا / كَأَنَّكَ في الإِفتاءِ وَالعِلمِ يوسُفُ
فَأَنتَ لَها إِن قامَ في الشَرقِ مُرجِفٌ / وَأَنتَ لَها إِن قامَ في الغَربِ مُرجِفُ
كَمُلتَ كَمالاً لَو تَناوَلَ كُفرَهُ / لَأَصبَحَ إيماناً بِهِ يُتَحَنَّفُ
قَصَرتُ عَلَيكَ العُمرَ وَهوَ قَصيرُ
قَصَرتُ عَلَيكَ العُمرَ وَهوَ قَصيرُ / وَغالَبتُ فيكَ الشَوقَ وَهوَ قَديرُ
وَأَنشَأتُ في صَدري لِحُسنِكَ دَولَةً / لَها الحُبُّ جُندٌ وَالوَلاءُ سَفيرُ
فُؤادي لَها عَرشٌ وَأَنتَ مَليكُهُ / وَدونَكَ مِن تِلكَ الضُلوعِ سُتورُ
وَما اِنتَقَضَت يَوماً عَلَيكَ جَوانِحي / وَلا حَلَّ في قَلبي سِواكَ أَميرُ
كَتَمتُ فَقالوا شاعِرٌ يُنكِرُ الهَوى / وَهَل غَيرُ صَدري بِالغَرامِ خَبيرُ
وَلَو شِئتُ أَذهَلتُ النُجومَ عَنِ السُرى / وَعَطَّلتُ أَفلاكاً بِهِنَّ تَدورُ
وَأَشعَلتُ جِلدَ اللَيلِ مِنّي بِزَفرَةٍ / غَرامِيَّةٍ مِنها الشَرارُ يَطيرُ
وَلَكِنَّني أَخفَيتُ ما بي وَإِنَّما / لِكُلِّ غَرامٍ عاذِلٌ وَعَذيرُ
أَرى الحُبَّ ذُلّاً وَالشِكايَةَ ذِلَّةً / وَإِنّي بِسَترِ الذِلَّتَينِ جَديرُ
وَلي في الهَوى شِعرانِ شِعرٌ أُذيعُهُ / وَآخَرُ في طَيِّ الفُؤادِ سَتيرُ
وَلَولا لَجاجُ الحاسِدينَ لَما بَدا / لِمَكنونِ سِرّي في الغَرامِ ضَميرُ
وَلا شَرَعَت هَذا اليَراعَ أَنامِلي / لِشَكوى وَلَكِنَّ اللَجاجَ يُثيرُ
عَلى أَنَّني لا أَركَبُ اليَأسَ مَركَباً / وَلا أُكبِرُ البَأساءَ حينَ تُغيرُ
فَكَم حادَ عَنّي الحَينُ وَالسَيفُ مُصلَتٌ / وَهانَ عَلَيَّ الأَمرُ وَهوَ عَسيرُ
وَكَم لَمحَةٍ في غَفلَةِ الدَهرِ نَفَّسَت / هُموماً لَها بَينَ الضُلوعِ سَعيرُ
فَقَد يَشتَفي الصَبُّ السَقيمُ بِزَورَةٍ / وَيَنجو بِلَفظٍ عاثِرٌ وَأَسيرُ
عَسى ذَلِكَ العامُ الجَديدُ يَسُرُّني / بِبُشرى وَهَل لِلبائِسينَ بَشيرُ
وَيَنظُرُ لي رَبُّ الأَريكَةِ نَظرَةً / بِها يَنجَلي لَيلُ الأَسى وَيُنيرُ
مَليكٌ إِذا غَنّى اليَراعُ بِمَدحِهِ / سَرَت بِالمَعالي هِزَّةٌ وَسُرورُ
أَمَولايَ إِنَّ الشَرقَ قَد لاحَ نَجمُهُ / وَآنَ لَهُ بَعدَ المَماتِ نُشورُ
تَفاءَلَ خَيراً إِذ رَآكَ مُمَلَّكا / وَفَوقَكَ مِن نورِ المُهَيمِنِ نورُ
مَضى زَمَنٌ وَالغَربُ يَسطو بِحَولِهِ / عَلَيَّ وَما لي في الأَنامِ ظَهيرُ
إِلى أَن أَتاحَ اللَهُ لِلصَقرِ نَهضَةً / فَفَلَّت غِرارَ الخَطبِ وَهوَ طَريرُ
جَرَت أُمَّةُ اليابانِ شَوطاً إِلى العُلا / وَمِصرٌ عَلى آثارِها سَتَسيرُ
وَلا يُمنَعُ المِصرِيُّ إِدراكَ شَأوِها / وَأَنتَ لِطُلّابِ العَلاءِ نَصيرُ
فَقِف مَوقِفَ الفاروقِ وَاُنظُر لِأُمَّةٍ / إِلَيكَ بِحَبّاتِ القُلوبِ تُشيرُ
وَلا تَستَشِر غَيرَ العَزيمَةِ في العُلا / فَلَيسَ سِواها ناصِحٌ وَمُشيرُ
فَعَرشُكَ مَحروسٌ وَرَبُّكَ حارِسٌ / وَأَنتَ عَلى مُلكِ القُلوبِ أَميرُ
أَهَنّيكَ أَم أَشكو فِراقَكَ قائِلاً
أَهَنّيكَ أَم أَشكو فِراقَكَ قائِلاً / أَيا لَيتَني كُنتُ السَجينَ المُصَفَّدا
فَلَو كُنتَ في عَهدِ اِبنِ يَعقوبَ لَم يَقُل / لِصاحِبِهِ اِذكُرني وَلا تَنسَني غَدا
تَراءى لَكَ الإِقبالُ حَتّى شَهِدناهُ
تَراءى لَكَ الإِقبالُ حَتّى شَهِدناهُ / وَدانَ لَكَ المِقدارُ حَتّى أَمِنّاهُ
سُلَيمانُ ذَكَّرتَ الزَمانَ وَأَهلَهُ / بِعِزِّ سُلَيمانٍ وَإِقبالِ دُنياهُ
إِذا سِرتَ يَوماً حَذَّرَ النَملُ بَعضَهُ / مَخافَةَ جَيشٍ مِن مَواليكَ يَغشاهُ
وَإِن كُنتَ في رَوضٍ تَغَنَّت طُيورُهُ / وَصاحَت عَلى الأَفنانِ يَحرُسُكَ اللَهُ
وَكانَ اِبنُ داوُدٍ لَهُ الريحُ خادِمٌ / وَتَخدُمُكَ الأَيّامُ وَالسَعدُ وَالجاهُ
تَحُلُّ بِحَيثُ المَجدُ أَلقى رِحالَهُ / فَطاهِرَةٌ وَالبَيتُ وَالقُدسُ أَشباهُ
لَبِستَ الشِفا ثَوباً جَديداً مُبارَكاً / فَأَلبَستَنا ثَوباً مِنَ العِزِّ نَرضاهُ
وَكانَ عَلَيكَ الدَهرُ يَخفِقُ قَلبُهُ / فَلَمّا شَفاكَ اللَهُ أَهدَأتَ أَحشاهُ
وَهَنّا جَديداهُ الزَمانَ وَأَصبَحَت / تَسوقُ لَنا الأَيّامُ ما نَتَمَنّاهُ
وَباتَ بَنوكَ الغُرُّ ما بَينَ رافِلٍ / بِحُلَّةِ يُمنٍ أَو شَكورٍ لِمَولاهُ
سُلَيمانُ دُم ما دامَتِ الشُهبُ في الدُجى / وَما دامَ يَسري ذَلِكَ البَدرُ مَسراهُ
وَكُن لِعَلِيٍّ بَهجَةَ العُرسِ إِنَّهُ / بِعِزِّكَ في الأَفراحِ تَمَّت مَزاياهُ
وَلا تَنسَ مَن أَمسى يُقَلِّبُ طَرفَهُ / فَلَم تَرَ إِلّا أَنتَ في الناسِ عَيناهُ
مُنىً نِلتَها يا لابِسَ المَجدِ مُعلَماً
مُنىً نِلتَها يا لابِسَ المَجدِ مُعلَماً / أَديناً وَدُنيا زادَكَ اللَهُ أَنعُما
فَلِلَّهِ ما أَبهاكَ في مِصرَ حالِياً / وَلِلَّهِ ما أَتقاكَ في البَيتِ مُحرِما
أَقولُ وَقَد شاهَدتُ رَكبَكَ مُشرِقاً / وقَد يَمَّمَ البَيتَ العَتيقَ المُحَرَّما
مَشَت كَعبَةُ الدُنيا إِلى كَعبَةِ الهُدى / يَفيضُ جَلالُ المُلكِ وَالدينِ مِنهُما
فَيالَيتَني اِسطَعتُ السَبيلَ وَلَيتَني / بَلَغتُ مُنى الدارَينِ رَحباً وَمَغنَما
وَفي الرَكبِ شَمسٌ أَنجَبَت أَنجَبَ الوَرى / فَتى الشَرقِ مَولانا الأَميرَ المُعَظَّما
تَسيرُ إِلى شَمسِ الهُدى في حَفاوَةٍ / مِنَ العِزِّ تَحدوها الزَواهِرُ أَينَما
فَلَم أَرَ أُفقاً قَبلَ رَكبِكَ أَطلَعَت / جَوانِبُهُ بَدراً وَشَمساً وَأَنجُما
وَلَو أَنَّني خُيِّرتُ لَاِختَرتُ أَن أَرى / لِعيسِكَ وَحدي حادِياً مُتَرَنِّما
أَسيرُ خِلالَ الرَكبِ نَحوَ حَظيرَةٍ / عَلى رَبِّها صَلّى الإِلَهُ وَسَلَّما
إِلى خَيرِ خَلقِ اللَهِ مَن جاءَ ناطِقاً / بِآياتِهِ إِنجيلُ عيسى بنِ مَريَما
حَلَلتَ بِأَكنافِ الجَزيرَةِ عابِراً / فَأَنضَرتَ واديها وَكُنتَ لَها سَما
وَأَشرَقتَ في بَطحاءِ مَكَّةَ زائِراً / فَباتَ عَلَيكَ النيلُ يَحسُدُ زَمزَما
وَما ظَفِرَت مِن بَعدِ هارونَ أَرضُها / بِمِثلِكَ مَيمونَ النَقيبَةِ مُنعِما
وَلا أَبصَرَ الحُجّاجُ مِن بَعدِ شَخصِهِ / عَلى عَرَفاتٍ مِثلَ شَخصِكَ مُحرِما
رَمَيتَ فَسَدَّدتَ الجِمارَ فَلَم تَكُن / جِماراً عَلى إِبليسَ بَل كُنَّ أَسهُما
وَإِنَّ الَّذي تَرميهِ وَقفٌ عَلى الرَدى / وَإِن لاذَ بِالأَفلاكِ يا خَيرَ مَن رَمى
وَبَينَ الصَفا وَالمَروَةِ اِزدَدتَ عِزَّةً / بِسَعيِكَ يا عَبّاسُ لِلَّهِ مُسلِما
تُهَروِلُ لِلمَولى الكَريمِ مُعَظِّماً / وَكَم هَروَلَ الساعي إِلَيكَ وَعَظَّما
وَطُفتَ وَكَم طافَت بِسُدَّتِكَ المُنى / وَكَم أَمسَكَ الراجي بِها وَتَحَرَّما
وَلَمّا اِستَلَمتَ الرُكنَ هاجَت شُجونُهُ / فَلَو أَنَّهُ اِسطاعَ الكَلامَ تَكَلَّما
تَذَكَّرَ زَينَ العابِدينَ وَجَدَّهُ / وَما كانَ مِن قَولِ الفَرَزدَقِ فيهِما
فَلَو يَستَطيعُ الرُكنُ أَمسَكَ راحَةً / مَسَحتَ بِها يا أَكرَمَ الناسِ مُنتَمى
دَعَوتَ لَنا حَيثُ الدُعاءُ إِجابَةٌ / وَأَنتَ بِدَعوى اللَهِ أَطهَرُنا فَما
أَمانِيُّكَ الكُبرى وَهَمُّكَ أَن تَرى / بِأَرجاءِ وادي النيلِ شَعباً مُنَعَّما
وَأَن تَبنِيَ المَجدَ الَّذي مالَ رُكنُهُ / وَأَن تُرهِفَ السَيفَ الَّذي قَد تَثَلَّما
دَعَوتَ لِمِصرٍ أَن تَسودَ وَكَم دَعَت / لَكَ اللَهَ مِصرٌ أَن تَعيشَ وَتَسلَما
فَلَيتَ مُلوكَ المُسلِمينَ تَشَبَّهوا / بِمَلكٍ إِذا ما أَحجَمَ الدَهرُ أَقدَما
سَليلُ مُلوكٍ يَشهَدُ اللَهُ أَنَّهُم / أَقاموا عَمودَ الدينِ لَمّا تَهَدَّما
لَئِن باتَ بِالمَجدِ المُؤَثَّلِ مُغرَماً / لَقَد كانَ إِبراهيمُ بِالمَجدِ مُغرَما
وَإِن تامَ حُبُّ المَكرُماتِ فُؤادَهُ / لَقَد كانَ إِسماعيلُ فيها مُتَيَّما
وَإِن سَكَنَت تَقوى المُهَيمِنِ قَلبَهُ / فَقَد كانَ مِنها قَلبُ تَوفيقَ مُفعَما
وَإِن باتَ نَهّاضاً بِمِصرَ إِلى الذُرا / فَمِن جَدِّهِ الأَعلى عَلِيٍّ تَعَلَّما
حَوى ما حَوى مِن مَجدِهِم وَنِجارِهِم / وَزادَ فَأَعيا المادِحينَ وَأَفحَما
دَعَوا بِكَ وَاِستَسقَوا فَلَبّى دُعاءَهُم / مِنَ الأُفقِ هَتّانٌ مِنَ المُزنِ قَد هَمى
أَلَحَّ عَلى أَوعارِهِم وَسُهولِهِم / وَحَيّا عَبوسَ القَفرِ حَتّى تَبَسَّما
وَلَمّا طَوى بَطحاءَ مَكَّةَ هَزَّهُ / إِلى البَيتِ شَوقُ المُستَهامِ فَيَمَّما
أَطافَ بِهِ ثُمَّ اِنثَنى عَن فِنائِهِ / وَلَو عَبَّ مِنهُ السامِرِيُّ لَأَسلَما
طَلَعتَ عَلَيهِم أَسعَدَ الخَلقِ مَطلَعاً / وَعُدتَ إِلَينا أَيمَنَ الخَلقِ مَقدَما
رَجَعتَ وَقَد داوَيتَ بِالجودِ فَقرَهُم / وَكُنتَ لَهُم في مَوسِمِ الحَجِّ مَوسِما
وَأَمَّنتَ لِلبَيتِ الحَرامِ طَريقَهُ / وَكانَ طَريقُ البَيتِ مِن قَبلِها دَما
وَيَسَّرتَهُ حَتّى اِستَطاعَ رُكوبَهُ / أَخو الفَقرِ لا يَطويهِ جوعٌ وَلا ظَما
وَجُدتَ وَجادَت رَبَّةُ الطُهرِ وَالتُقى / عَلى العامِ حَتّى أَخصَبَ العامُ مِنكُما
فَلَم تُبقِيا فَوقَ الجَزيرَةِ بائِساً / وَلَم تَترُكا في ساحَةِ البَيتِ مُعدِما
فَأَرضَيتُما الدَيّانَ وَالدينَ كُلَّهُ / لَقَد رَضِيَ الدَيّانُ وَالدينُ عَنكُما
يُحَيّيكَ مِن أَرضِ الكِنانَةِ شاعِرٌ
يُحَيّيكَ مِن أَرضِ الكِنانَةِ شاعِرٌ / شَغوفٌ بِقَولِ العَبقَرِيّينَ مُغرَمُ
وَيُطرِبُهِ في يَومِ ذِكراكَ أَن مَشَت / إِلَيكَ مُلوكُ القَولِ عُربٌ وَأَعجَمُ
نَظَرتَ بِعَينِ الغَيبِ في كُلِّ أُمَّةٍ / وَفي كُلِّ عَصرٍ ثُمَّ أَنشَأتَ تَحكُمُ
فَلَم تُخطِئِ المَرمى وَلا غَروَ أَن دَنَت / لَكَ الغايَةُ القُصوى فَإِنَّكَ مُلهَمُ
أَفِق ساعَةً وَاُنظُر إِلى الخَلقِ نَظرَةً / تَجِدهُم وَإِن راقَ الطِلاءُ هُمُ هُمُ
عَلى ظَهرِها مِن شَرِّ أَطماعِهِم دَمٌ / وَفَوقَ عُبابِ البَحرِ مِن صُنعِهِم دَمُ
تَفانَوا عَلى دُنيا تَغُرُّ وَباطِلٍ / يَزولُ إِلى أَن ضَجَّتِ الأَرضُ مِنهُمُ
فَلَيتَكَ تَحيا يا أَبا الشِعرِ ساعَةً / لِتَنظُرَ ما يُصمى وَيُدمى وَيُؤلِمُ
وَقائِعَ حَربٍ أَجَّجَ العِلمُ نارَها / فَكادَ بِها عَهدُ الحَضارَةِ يُختَمُ
وَتَعلَمُ أَنَّ الطَبعَ لازالَ غالِباً / سَواءَ جَهولُ القَومِ وَالمُتَعَلِّمُ
فَما بَلَغَت مِنهُ الحَضارَةُ مَأرَباً / وَلا نالَ مِنهُ العِلمُ ما كانَ يَزعُمُ
أَهَبتَ بِهَذا مِن قُرونٍ ثَلاثَةٍ / وَكُنتَ عَلى تِلكَ الطَبائِعِ تَنقِمُ
وَما هَدَمَ التَجريبُ رَأياً بَنَيتَهُ / وَلا زالَتِ الآراءُ تُبنى وَتُهدَمُ
أَلا إِنَّ ذِكرى شِكسِبيرَ بَدَت لَنا / بَشيرَ سَلامٍ ثَغرُهُ يَتَبَسَّمُ
فَلَو أَنصَفوا أَبطالَهُم لَتَهادَنوا / قَليلاً وَحَيَّوا شِعرَهُ وَتَرَنَّموا
وَلَم يُطلِقوا في يَومِ ذِكراهُ مِدفَعاً / وَلَم يُزهِقوا نَفساً وَلَم يَتَقَحَّموا
لَهُ قَلَمٌ ماضي الشَباةِ كَأَنَّما / أَقامَ بِشِقَّيهِ القَضاءُ المُحَتَّمُ
طَهورٌ إِذا ما دُنِّسَت كَفُّ كاتِبٍ / وَثَوبٌ إِذا ما قَرَّ في الطِرسِ مِرقَمُ
وَلوعٌ بِتَصويرِ الطِباعِ فَلَم يَجُز / بِعاطِفَةٍ إِلّا حَسِبناهُ يَرسُمُ
أَرانِيَ في ماكبيثَ لِلحِقدِ صورَةً / تَكادُ بِها أَحشاؤُهُ تَتَضَرَّمُ
وَمَثَّلَ في شَيلوكَ لِلبُخلِ سِحنَةً / عَلَيها غُبارُ الهونِ وَالوَجهُ أَقتَمُ
وَأَقعَدَني عَن وَصفِ هَمليتَ حُسنُها / وَفي مِثلِها تَعيا اليَراعَةُ وَالفَمُ
دَعِ السِحرَ في رُميو وَجوليتَ إِنَّما / يُحِسُّ بِما فيها الأَديبُ المُتَيَّمُ
أَتاهُم بِشِعرٍ عَبقَرِيٍّ كَأَنَّهُ / سُطورٌ مِنَ الإِنجيلِ تُتلى وَتُكرَمُ
نَدِيٍّ عَلى الأَيّامِ يَزدادُ نَضرَةً / وَيَزدادُ فيها جِدَّةً وَهوَ يَقدُمُ
يُؤَتّى إِلى قُرّائِهِ أَنَّ نَسجَهُ / لِيَومٍ وَأَنَّ الحائِكَ اليَومَ فيهِمُ
كَتِلكَ النُقوشِ الزاهِياتِ بِمَعبَدٍ / لِفِرعَونَ لا زالَت عَلى الدَهرِ تَسلَمُ
فَلَم يَدنُ مِن إِحسانِهِ مُتَأَخِّرٌ / وَلَم يَجرِ في مَيدانِهِ مُتَقَدِّمُ
أَطَلَّ عَلَيهِم مِن سَماءِ خَيالِهِ / وَحَلَّقَ حَيثُ الوَهمُ لا يَتَجَشَّمُ
وَجاءَ بِما فَوقَ الطَبيعَةِ وَقعُهُ / فَأَكبَرَ قَومٌ ما أَتاهُ وَأَعظَموا
وَقالوا تَحَدّانا بِما يُعجِزُ النُهى / فَلَسنا إِذَن آثارَهُ نَتَرَسَّمُ
وَلَم يَتَحَدَّ الناسَ لَكِنَّهُ اِمرُؤٌ / بِما كانَ في مَقدورِهِ يَتَكَلَّمُ
لَقَد جَهِلوهُ حِقبَةً ثُمَّ رَدَّهُم / إِلَيهِ الهُدى فَاِستَغفَروا وَتَرَحَّموا
كَذاكَ رِجالُ الشَرقِ لَو يُنصِفونَهُم / لَقامَ لَهُم في الشَرقِ وَالغَربِ مَوسِمُ
أَضاءَ بِهِم بَطنُ الثَرى بَعدَ مَوتِهِم / وَأَعقابُهُم عَن نورِ آياتِهِم عَموا
فَقُل لِبَني التاميزِ وَالجَمعُ حافِلٌ / بِهِ يُنثَرُ الدُرُّ الثَمينُ وَيُنظَمُ
لَئِن كانَ في ضَخمِ الأَساطيلِ فَخرُكُم / لَفَخرُكُمُ بِالشاعِرِ الفَردِ أَعظَمُ
بَلابِلَ وادي النيلِ بِالمَشرِقِ اِسجَعي
بَلابِلَ وادي النيلِ بِالمَشرِقِ اِسجَعي / بِشِعرِ أَميرِ الدَولَتَينِ وَرَجِّعي
أَعيدي عَلى الأَسماعِ ما غَرَّدَت بِهِ / يَراعَةُ شَوقي في اِبتِداءٍ وَمَقطَعِ
بَراها لَهُ الباري فَلَم يَنبُ سِنُّها / إِذا ما نَبا العَسّالُ في كَفِّ أَروَعِ
مَواقِعُها في الشَرقِ وَالشَرقُ مُجدِبٌ / مَواقِعُ صَيبِ الغَيثِ في كُلِّ بَلقَعِ
لَدَيها وُفودُ اللَفظِ تَنساقُ خَلفَها / وُفودُ المَعاني خُشَّعاً عِندَ خُشَّعِ
إِذا رَضِيَت جاءَت بِأَنفاسِ رَوضَةٍ / وَإِن غَضِبَت جاءَت بِنَكباءَ زَعزَعِ
أَحَنُّ عَلى المَكدودِ مِن ظِلِّ دَوحَةٍ / وَأَحنى عَلى المَولودِ مِن ثَديِ مُرضِعِ
عَلى سِنِّها رِفقٌ يَسيلُ وَرَحمَةٌ / وَرَوحٌ لِمَن يَأسى وَذِكرى لِمَن يَعي
تَسابَقُ فَوقَ الطِرسِ أَفكارُ رَبِّها / سِباقَ جِيادٍ في مَجالٍ مُرَبَّعِ
تَطيرُ بُروقُ الفِكرِ خَلفَ بُروقِها / تُناشِدُها بِاللَهِ لا تَتَسَرَّعي
تُحاوِلُ فَوتَ الفِكرِ لَو لَم تَكُفَّها / أَنامِلُهُ كَفَّ الجَموحِ المُرَوَّعِ
أَلَم تَعلَموا أَنّا بُذُخرَي نَباغَةٍ / نُفاخِرُ أَهلَ الشَرقِ في أَيِّ مَجمَعِ
نُفاخِرُ مِن شَوقِيِّنا بِيَراعَةٍ / وَنَزدادُ فَخراً مِن عَلِيٍّ بِمِبضَعِ
فَذاكَ شِفاءُ الجِسمِ تَدمى جِراحُهُ / وَتِلكَ شِفاءُ الوالِهِ المُتَوَجِّعِ
نَمَتكَ ظِلالٌ وارِفاتٌ وَأَنعُمٌ / وَلَيِّنُ عَيشٍ في مَصيفٍ وَمَربَعِ
وَمَن كانَ في بَيتِ المُلوكِ ثَواؤُهُ / يُنَشَّأُ عَلى النُعمى وَيَمرَح وَيَرتَعِ
لَئِن عَجِبوا أَن شابَ شَوقي وَلَم يَزَل / فَتِيَّ الهَوى وَالقَلبِ جَمَّ التَمَتُّعِ
لَقَد شابَ مِن هَولِ القَوافي وَوَقعِها / وَإِتيانِهِ بِالمُعجِزِ المُتَمَنِّعِ
كَما شَيَّبَت هودٌ ذُؤابَةَ أَحمَدٍ / وَشَيَّبَتِ الهَيجاءُ رَأسَ المُدَرَّعِ
يَعيبونَ شَوقي أَن يُرى غَيرَ مُنشِدٍ / وَما ذاكَ عَن عِيٍّ بِهِ أَو تَرَفُّعِ
وَما كانَ عاباً أَن يَجيءَ بِمُنشِدٍ / لِآياتِهِ أَو أَن يَجيءَ بِمُسمِعِ
فَهَذا كَليمُ اللَهِ قَد جاءَ قَبلَهُ / بِهارونَ ما يَأمُرهُ بِالوَحيِ يَصدَعِ
بَلَغتَ بِوَصفِ النيلِ مِن وَصفِكَ المَدى / وَأَيّامَ فِرعَونٍ وَمَعبودِهِ رَعِ
وَما سُقتَ مِن عادِ البِلادِ وَأَهلِها / وَما قُلتَ في أَهرامِ خوفو وَخَفرَعِ
فَأَطلَعتَها شَوقِيَّةً لَو تَنَسَّقَت / مَعَ النَيِّراتِ الزُهرِ خُصَّت بِمَطلَعِ
أَمِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى قَد تَفَجَّرَت / يَنابيعُ هَذا الفِكرِ أَم أُختُ يوشَعِ
وَفي توتَ ما أَعيا اِبتِكارَ مُوَفَّقٍ / وَفي ناشِئٌ في الوَردِ إِلهامُ مُبدِعِ
أَسالَت سَلا قَلبي شُؤوني تَذَكُّرا / كَما نَثَرَت ريمٌ عَلى القاعِ أَدمُعي
وَسَل يَلدِزاً إِنّي رَأَيتُ جَمالَها / عَلى الدَهرِ قَد أَنسى جَمالَ المُقَنَّعِ
أَطَلَّت عَلَينا أُختُ أَندَلُسٍ بِما / أَطَلَّت فَكانَت لِلنُهى خَيرَ مَشرَعِ
وَفي نَسجِ صَدّاحٍ أَتَيتَ بِآيَةٍ / مِنَ السَهلِ لا تَنقادُ لِاِبنِ المُقَفَّعِ
وَرائِع وَصفٍ في أَبي الهَولِ سُقتَهُ / كَبُستانِ نورٍ قَبلَ رَعيِكَ ما رُعي
خَرَجتَ بِهِ عَن طَوقِ كُلِّ مُصَوِّرٍ / يُجيدُ دَقيقَ الفَنِّ في جَوفِ مَصنَعِ
وَفي اُنظُر إِلى الأَقمارِ زَفرَةُ واجِدٍ / وَأَنَّةُ مَقروحِ الفُؤادِ مُوَزَّعِ
بَكَيتَ عَلى سِرِّ السَماءِ وَطُهرِها / وَما اِبتَذَلوا مِن خِدرِها المُتَرَفِّعِ
شَياطينُ إِنسٍ تَسرِقُ السَمعَ خِلسَةً / وَلا تَحذَرَ المَخبوءَ لِلمُتَسَمِّعِ
وَسينِيَّةٍ لِلبُحتُرِيِّ نَسَختَها / بِسينِيَّةٍ قَد أَخرَسَت كُلَّ مُدَّعي
أَتى لَكَ فيها طائِعاً كُلُّ ما عَصى / عَلى كُلِّ جَبّارِ القَريحَةِ المَعي
شَجا البُحتُري إيوانُ كِسرى وَهاجَهُ / وَهاجَت بِكَ الحَمراءُ أَشجانَ موجَعِ
وَقَفتَ بِها تَبكي الرُبوعَ كَما بَكى / فَيا لَكُما مِن واقِفَينِ بِأَربُعِ
فَنَسجُكَ كَالديباجِ حَلّاهُ وَشيُهُ / وَفي النَسجِ ما يَأتي بِثَوبٍ مُرَقَّعِ
وَشِعرُكَ ماءُ النَهرِ يَجري مُجَدَّداً / وَشِعرُ سَوادِ الناسِ ماءٌ بِمَنقَعِ
أَأَفضى إِلى خَتمِ الزَمانِ فَفَضَّهُ / مِنَ الوَحيِ وَالإِلهامِ أَم قَولُ لَوذَعي
وَقَلبي اِدَّكَرتَ اليَومَ غَيرَ مُوَفَّقٍ / رُقى السِحرِ أَم أَنّاتُ أَسوانَ مولَعِ
تَمَلَّكتَ مِن مُلكِ القَريضِ فَسيحَهُ / فَلَم تُبقِ يا شَوقي لَنا قَيدَ إِصبَعِ
فَبِاللَهِ دَع لِلناثِرينَ وَسيلَةً / تُفيءُ عَلَيهِم وَاِتَّقِ اللَهَ وَاِقنَعِ
عَمِلتَ عَلى نَيلِ الخُلودِ فَنِلتَهُ / فَقُل في مَقامِ الشُكرِ يا رَبِّ أَوزِعِ
جَلا شِعرُهُ لِلناسِ مِرآةَ عَصرِهِ / وَمِرآةَ عَهدِ الشِعرِ مِن عَهدِ تُبَّعِ
يَجيءُ لَنا آناً بِأَحمَدَ ماثِلاً / وَآوِنَةً بِالبُحتُرِيِّ المُرَصَّعِ
وَيَشأو رُقى هوجو وَيَأتي نَسيبُهُ / لَنا مِن لَيالي أَلفَريدَ بِأَربَعِ
وَإِن خَطَرَت ذِكرى الفُحولِ بِفارِسٍ / وَما خَلَّفوا في القَولِ مِن كُلِّ مُشبِعِ
أَتانا بِرَوضٍ مُزهِرٍ مِن رِياضِهِم / وَحافِظُهُم فيهِ يُغَنّي وَيَرتَعي
فَقُل لِلَّذي يَبغي مَداهُ مُنافِساً / طَمِعتَ لَعَمرُ اللَهِ في غَيرِ مَطمَعِ
فَذَلِكَ سَيفٌ سَلَّهُ اللَهُ قاطِعٌ / فَأَيّانَ يَضرِب يَفرِ دِرعاً وَيَقطَعِ
وَهَل تَدفَعُ الدِرعُ المَنيعَةُ صارِماً / بِهِ يَضرِبُ المِقدارُ في كَفِّ سَلفَعِ
نُفيتَ فَلَم تَجزَع وَلَم تَكُ ضارِعاً / وَمَن تَرمِهِ الأَيّامُ يَجزَع وَيَضرَعِ
وَأَخصَبتَ في المَنفى وَما كُنتَ مُجدِباً / وَفي النَفيِّ خِصبُ العَبقَرِيِّ السَمَيذَعِ
لَقَد زادَ هوجو فيهِ خِصبَ قَريحَةٍ / وَآبَ إِلى أَوطانِهِ جِدَّ مُمرِعِ
وَأَدرَكَ سامي بِالجَزيرَةِ غايَةً / إِلَيها مُلوكُ القَولِ لَم تَتَطَلَّعِ
تَذَكَّرتَ عَذبَ النيلِ وَالنَفسُ صَبَّةٌ / إِلى نَهلَةٍ مِن كوبِ ماءٍ مُشَعشَعِ
وَأَرسَلتَ تَستَسقي بَني مِصرَ شَربَةً / فَقَطَّعتَ أَحشائي وَأَضرَمتَ أَضلُعي
أَنَروى وَلا تَروى وَأَنتَ أَحَقُّنا / بِرِيٍّ فَيا قَلبَ النُبوغِ تَقَطَّعِ
وَإِن شِئتِ عَنّا يا سَماءُ فَأَقلِعي / وَيا ماءَها فَاِكفُف وَيا أَرضُ فَاِبلَعي
حَرامٌ عَلَينا أَن نَلَذَّ بِنَهلَةٍ / وَأَنتَ تُنادينا وَنَحنُ بِمَسمَعِ
أَبى اللَهُ إِلّا أَن يَرُدَّكَ سالِماً / وَمَن يَرعَهُ يَسلَم وَيَغنَم وَيَرجِعِ
وَعُدتَ فَقَرَّت عَينُ مِصرٍ وَأَصبَحَت / رِياضُ القَوافي في رَبيعٍ مُوَشَّعِ
وَأَدرَكتَ ما تَبغي وَشَيَّدتَ آيَةً / عَلى الشاطِئِ الغَربِيِّ في خَيرِ مَوقِعِ
يَحُفُّ بِها رَوضٌ يُحَيّي بُدورَها / بُكوراً بِرَيّا عَرفِهِ المُتَضَوِّعِ
حِمىً يَتَهادى النيلُ تَحتَ ظِلالِهِ / تَهادِيَ خَودٍ في رِداءٍ مُجَزَّعِ
لَقَد كُنتَ تَرجو مِنهُ بِالأَمسِ قَطرَةً / فَدونَكَهُ فَاِبرُد غَليلَكَ وَاِنقَعِ
أَميرَ القَوافي قَد أَتَيتُ مُبايِعاً / وَهَذي وُفودُ الشَرقِ قَد بايَعَت مَعي
فَغَنِّ رُبوعَ النيلِ وَاِعطِف بِنَظرَةٍ / عَلى ساكِني النَهرَينِ وَاِصدَح وَأَبدِعِ
وَلا تَنسَ نَجداً إِنَّها مَنبِتُ الهَوى / وَمَرعى المَها مِن سارِحاتٍ وَرُتَّعِ
وَحَيِّ ذُرا لُبنانَ وَاِجعَل لِتونُسٍ / نَصيباً مِنَ السَلوى وَقَسِّم وَوَزِّعِ
فَفي الشِعرِ حَثُّ الطامِحينَ إِلى العُلا / وَفي الشِعرِ زُهدُ الناسِكِ المُتَوَرِّعِ
وَفي الشِعرِ ما يُغني عَنِ السَيفِ وَقعُهُ / كَما رَوَّعَ الأَعداءَ بَيتٌ لِأَشجَعِ
وَفي الشِعرِ إِحياءُ النُفوسِ وَرِيُّها / وَأَنتَ لِرِيِّ النَفسِ أَعذَبُ مَنبَعِ
فَنَبِّه عُقولاً طالَ عَهدُ رُقادِها / وَأَفئِدَةً شُدَّت إِلَيها بِأَنسُعِ
فَقَد غَمَرَتها مِحنَةٌ فَوقَ مِحنَةٍ / وَأَنتَ لَها يا شاعِرَ الشَرقِ فَاِدفَعِ
وَأَنتَ بِحَمدِ اللَهِ ما زِلتَ قادِراً / عَلى النَفعِ فَاِستَنهِض بَيانَكَ وَاِنقَعِ
وَخُذ بِزِمامِ القَومِ وَاِنزِع بِأَهلِهِ / إِلى المَجدِ وَالعَلياءِ أَكرَمَ مَنزِعِ
وَقِفنا عَلى النَهجِ القَويمِ فَإِنَّنا / سَلَكنا طَريقاً لِلهُدى غَيرَ مَهيَعِ
مَلَأنا طِباقَ الأَرضِ وَجداً وَلَوعَةً / بِهِندٍ وَدَعدٍ وَالرَبابِ وَبَوزَعِ
وَمَلَّت بَناتُ الشِعرِ مِنّا مَواقِفاً / بِسِقطِ اللِوى وَالرَقمَتَينِ وَلَعلَعِ
وَأَقوامُنا في الشَرقِ قَد طالَ نَومُهُم / وَما كانَ نَومُ الشِعرِ بِالمُتَوَقَّعِ
تَغَيَّرَتِ الدُنيا وَقَد كانَ أَهلُها / يَرَونَ مُتونَ العيسِ أَليَنَ مَضجَعِ
وَكانَ بَريدُ العِلمِ عيراً وَأَينُقاً / مَتى يُعيِها الإيجافُ في البيدِ تَظلَعِ
فَأَصبَحَ لا يَرضى البُخارَ مَطِيَّةً / وَلا السِلكَ في تَيّارِهِ المُتَدَفِّعِ
وَقَد كانَ كُلَّ الأَمرِ تَصويبُ نَبلَةٍ / فَأَصبَحَ بَعضُ الأَمرِ تَصويبُ مِدفَعِ
وَنَحنُ كَما غَنّى الأَوائِلُ لَم نَزَل / نُغَنّي بِأَرماحٍ وَبيضٍ وَأَدرُعِ
عَرَفنا مَدى الشَيءِ القَديمِ فَهَل مَدىً / لِشَيءٍ جَديدٍ حاضِرِ النَفعِ مُمتِعِ
لَدى كُلِّ شَعبٍ في الحَوادِثِ عُدَّةٌ / وَعُدَّتُنا نَدبُ التُراثِ المُضَيَّعِ
فَيا ضَيعَةَ الأَقلامِ إِن لَم نَقُم بِها / دِعامَةَ رُكنِ المَشرِقِ المُتَزَعزِعِ
أَتَمشي بِهِ شُمَّ الأُنوفِ عُداتُهُ / وَرَبُّ الحِمى يَمشي بِأَنفٍ مُجَدَّعِ
عَزيزٌ عَلَيهِ يا بَني الشَرقِ أَن تُرى / كَواكِبُهُ في أُفقِهِ غَيرَ طُلَّعِ
وَأَعلامُهُ مِن فَوقِهِ غَيرَ خُفَّقٍ / وَأَقلامُهُ مِن تَحتِها غَيرَ شُرَّعِ
وَكَيفَ يُوَقّى الشَرَّ أَو يَبلُغُ المُنى / عَلى ما نَرى مِن شَملِهِ المُتَصَدِّعِ
فَإِن كُنتَ قَوّالاً كَريماً مَقالُهُ / فَقُل في سَبيلِ النيلِ وَالشَرقِ أَو دَعِ
إِلَيكُنَّ يُهدي النيلُ أَلفَ تَحِيَّةٍ
إِلَيكُنَّ يُهدي النيلُ أَلفَ تَحِيَّةٍ / مُعَطَّرَةٍ في أَسطُرٍ عَطِراتِ
وَيُثني عَلى أَعمالِكُنَّ مُوَكِّلي / بِإِطراءِ أَهلِ البِرِّ وَالحَسَناتِ
أَقَمتُنَّ بِالأَمسِ الأَساسَ مُبارَكاً / وَجِئتُنَّ يَومَ الفَتحِ مُغتَبِطاتِ
صَنَعتُنَّ ما يُعيي الرِجالَ صَنيعُهُ / فَزِدتُنَّ في الخَيراتِ وَالبَرَكاتِ
يَقولونَ نِصفُ الناسِ في الشَرقِ عاطِلٌ / نِساءٌ قَضَينَ العُمرَ في الحُجُراتِ
وَهَذي بَناتُ النيلِ يَعمَلنَ لِلنُهى / وَيَغرِسنَ غَرساً دانِيَ الثَمَراتِ
وَفي السَنَّةِ السَوداءِ كُنتُنَّ قُدوَةً / لَنا حينَ سالَ المَوتُ بِالمُهُجاتِ
وَقَفتُنَّ في وَجهِ الخَميسِ مُدَجَّجاً / وَكُنتُنَّ بِالإيمانِ مُعتَصِماتِ
وَما هالَكُنَّ الرُمحُ وَالسَيفُ مُصلَتاً / وَلا المِدفَعُ الرَشّاشُ في الطُرُقاتِ
تَعَلَّمَ مِنكُنَّ الرِجالُ فَأَصبَحوا / عَلى غَمَراتِ المَوتِ أَهلَ ثَباتِ
صَفِيَّةُ قادَتكُنَّ لِلمَجدِ وَالعُلا / كَما كانَ سَعدٌ قائِدَ السَرَواتِ
عَرَفنا لَها في مَجدِ سَعدٍ نَصيبَها / مِنَ الحَزمِ وَالإِقدامِ في الأَزَماتِ
تُهَوِّنُ لِلشَيخِ الجَليلِ هُجومَهُ / عَلى الهَولِ بِالتَشجيعِ وَالبَسَماتِ
وَتَدفَعُهُ لِلمَوتِ وَالثَغرُ باسِمٌ / وَفي صَدرِها نَوءٌ مِنَ الزَفَراتِ
كَذا فَليَكُن صُنعُ الكَريمِ وَصَبرُهُ / عَلى دَهرِهِ وَالدَهرُ غَيرُ مُواتي
لِتَحيَ الغَواني في ظِلالِ مَليكَةٍ / سَمَت في مَعاليها عَلى المَلِكاتِ
وَظَلَّ فُؤادٌ مَفخَرَ الشَرقِ كُلِّهِ / كَثيرَ الأَيادي صادِقَ العَزَماتِ
هُنا يَستَغيثُ الطِرسُ وَالنِقسُ وَالَّذي
هُنا يَستَغيثُ الطِرسُ وَالنِقسُ وَالَّذي / يَخُطُّ وَمَن يَتلو وَمَن يَتَسَمَّعُ
مَخازٍ وَما أَدري إِذا ما ذَكَرتُها / إِلى الحَمدِ أُدعى أَو إِلى اللَومِ أُدفَعُ
لَقَد بِتُّ مَحسوداً عَلَيكَ لِأَنَّني
لَقَد بِتُّ مَحسوداً عَلَيكَ لِأَنَّني / فَتاكَ وَهَل غَيرُ المُنَعَّمِ يُحسَدُ
فَلا تُبلِغِ الحُسّادَ مِنّي شَماتَةً / فَفِعلُكَ مَحمودٌ وَأَنتَ مُحَمَّدُ
كَأَنّي أَرى في اللَيلِ نَصلاً مُجَرَّدا
كَأَنّي أَرى في اللَيلِ نَصلاً مُجَرَّدا / يَطيرُ بِكِلتا صَفحَتَيهِ شَرارُ
تُقَلِّبُهُ لِلعَينِ كَفٌّ خَفِيَّةٌ / فَفيهِ خُفوقٌ تارَةً وَقَرارُ
يُماثِلُ نَصلي في صَفاءِ فِرِندِهِ / وَيَحكيهِ مِنهُ رَونَقٌ وَغِرارُ
أَراهُ فَتُدنيني إِلَيهِ شَراسَتي / فَيَنأى وَفي نَفسي إِلَيهِ أُوارُ
وَأَهوي بِزَندي طامِعاً في اِلتِقاطِهِ / فَيُدرِكُهُ عِندَ الدُنُوِّ نِفارُ
تَخَبَّطَني مَسٌّ مِنَ الجِنِّ أَم سَرَت / بِأَجزاءِ نَفسي نَشوَةٌ وَخُمارُ
أَرانِيَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمٍ / فَيالَيتَ شِعري هَل يَليهِ نَهارُ
سَأَقتُلُ ضَيفي وَاِبنَ عَمّي وَمالِكي / وَلَو أَنَّ عُقبى القاتِلينَ خَسارُ
وَأُرضي هَوى نَفسي وَإِن صَحَّ قَولُهُم / هَوى النَفسِ ذُلٌّ وَالخِيانَةُ عارُ
فَيا أَيُّها النَصلُ الَّذي لاحَ في الدُجى / وَفي طَيِّ نَفسي لِلشُرورِ مَثارُ
تُرى خَدَعَتني العَينُ أَم كُنتُ مُبصِراً / وَهَذا دَمٌ أَم في شَباتِكَ نارُ
وَهَل أَنتَ تِمثالٌ لِكَيدٍ نَوَيتُهُ / وَذاكَ الدَمُ الجاري عَلَيكَ شِعارُ
فَإِن لَم تَكُن وَهماً فَكُن خَيرَ مُسعِدٍ / فَإِنّي وَحيدٌ وَالخُطوبُ كُثارُ
وَكُن لي دَليلاً في الظَلامِ وَهادِياً / فَلَيلي بَهيمٌ وَالطَريقُ عِثارُ
عَلى الفَتكِ يا دُنكانُ صَحَّت عَزيمَتي / وَإِن لَم يَكُن بَيني وَبَينَكَ ثارُ
فَإِن يَكُ حُبُّ التاجِ أَعمى بَصيرَتي / فَما لي عَلى هَذا القَضاءِ خِيارُ
أَعِرني فُؤاداً مِنكَ يا دَهرُ قاسِياً / لَو أَنَّ القُلوبَ القاسِياتِ تُعارُ
وَيا حِلمُ قاطِعني وَيا رُشدُ لا تَثُب / وَيا شَرُّ ما لي مِن يَدَيكَ فِرارُ
وَيا لَيلُ أَنزِلني بِجَوفِكَ مَنزِلاً / يَضِلُّ بِهِ سِربُ القَطا وَيَحارُ
وَإِن كُنتَ لَيلَ المانَوِيَّةِ فَليَكُن / عَلى سِرِّ أَهلِ الشَرِّ مِنكَ سِتارُ
وَيا قَدَمي سيري حِذاراً وَخافِتي / مِنَ المَشيِ لَو يُنجي الأَثيمَ حِذارُ
وَقَفتُ بِجَوفِ اللَيلِ وَقفَةَ ساحِرٍ / لَهُ الجِنُّ أَهلٌ وَالمَكايِدُ دارُ
إِذا اِشتَمَلَ اللَيلُ البَهيمُ عَلى الوَرى / تَجَرَّدَ لِلإيذاءِ حَيثُ يُثارُ
فَمالي كَأَنّي فاتِكٌ ذو عَشيرَةٍ / خِيارُهُمُ تَحتَ الظَلامِ شِرارُ
إِذا ما عَوى ذِئبُ الفَلا هَبَّ جَمعُهُم / إِلى الشَرِّ وَاِستُلَّت ظُباً وَشِفارُ
أُقَضّيهِ في الأَشواقِ إِلّا أَقَلَّهُ
أُقَضّيهِ في الأَشواقِ إِلّا أَقَلَّهُ / بَطيءَ سُرىً إِلى اللُبثِ مَيلَهُ
وَلَيسَ اِشتِياقي عَن غَرامٍ بِشادِنٍ / وَلَكِنَّهُ شَوقُ اِمرِئٍ فاتَ أَهلَهُ
فَيالَكَ مِن لَيلٍ أَعَرتُ نُجومَهُ / تَوَقُّدَ أَنفاسي وَعانَيتُ مِثلَهُ
وَمَلَّ كِلانا مِن أَخيهِ وَهَكَذا / إِذا طالَ عَهدُ المَرءِ بِالشَيءِ مَلَّهُ
وَفِتيانِ أُنسٍ أَقسَموا أَن يُبَدِّدوا
وَفِتيانِ أُنسٍ أَقسَموا أَن يُبَدِّدوا / جُيوشَ الدُجى ما بَينَ أُنسٍ وَأَفراحِ
فَهُبّوا إِلى خَمّارَةٍ قيلَ إِنَّها / قَعيدَةُ خَمرٍ تَمزُجُ الروحَ بِالراحِ
وَقالوا لَها إِنّا أَتَينا عَلى ظَماً / نُحاوِلُ وِردَ الراحِ رَغماً عَنِ اللاحي
فَقامَت وَفي أَجفانِها كَسَلُ الكَرى / وَفي رِدفِها وَاِستَعرَضَت جَيشَ أَقداحِ
وَمِن عَجَبٍ قَد قَلَّدوكَ مُهَنَّداً
وَمِن عَجَبٍ قَد قَلَّدوكَ مُهَنَّداً / وَفي كُلِّ لَحظٍ مِنكَ سَيفٌ مُهَنَّدُ
إِذا أَنتَ قَد جَرَّدتَهُ أَو غَمَدتَهُ / قَتَلتَ بِهِ وَاللَحظُ لا يَتَعَمَّدُ
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري / أُعيذُكَ مِن وَجدٍ تَغَلغَلَ في صَدري
خَليلَيَ هَذا اللَيلُ في زَيِّهِ أَتى / فَقُم نَلتَمِس لِلسُهدِ دِرعاً مِنَ الصَبرِ
وَهَذا السُرى نَحوَ الحِمى يَستَفِزُّنا / فَهَيّا وَإِن كُنّا عَلى مَركَبٍ وَعرِ
خَليلَيَ هَذا اللَيلُ قَد طالَ عُمرُهُ / وَلَيسَ لَهُ غَيرُ الأَحاديثِ وَالذِكرِ
فَهاتِ لَنا أَذكى حَديثٍ وَعَيتَهُ / أَلَذُّ بِهِ إِنَّ الأَحاديثَ كَالخَمرِ
أَذِنتُكِ تَرتابينَ في الشَمسِ وَالضُحى
أَذِنتُكِ تَرتابينَ في الشَمسِ وَالضُحى / وَفي النورِ وَالظَلماءِ وَالأَرضِ وَالسَما
وَلا تَسمَحي لِلشَكِّ يَخطِرُ خَطرَةً / بِنَفسِكِ يَوماً أَنَّني لَستُ مُغرَما