القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد الزّين الكل
المجموع : 3
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ / وَرامَ اِصطِباراً حينَ عَزَّ التَصَبُّرُ
وَحاوَلَ إِخفاءَ الهَوى فَأَذاعَهُ / مَدامعُ لا يُغنيهِ مَعها تَستُّرُ
أَيَطوي هَوىً يُبديهِ لِلناس مَدمَعٌ / وَجفنٌ إِذا نامَ الخَليُّون يَسهَرُ
يَقولُ صحابي ما رَأَينا كَشَوقِهِ / أَلا إِنَّ ما أُخفي مِن الشَوقِ أَكثَرُ
أُحاذِرُ دَمعي أَن ينمَّ بِحرقَتي / فَيا دَمعُ حَتّى مِنكَ أَصبَحتُ أَحذَرُ
وَهَبني مَنَعتُ العَين أَن تَرِدَ البُكا / فَمَن يمنَعُ الزَفراتِ حينَ تَسَعَّرُ
فَمن مُبلِغٌ أَحبابَنا أَنَّ حُبَّهُم / مُقيمٌ وَإِن جَدَّت نَواهم وَأَبكَروا
مَنازِلُهم في القَلبِ آهِلَةٌ بِهم / وَمَنزِلُهُم بَينَ الطوَيلع مُقفِرُ
أَحِنُّ إِلى عَهدٍ تَولّى وَمَعشَرٍ / نَعِمتُ بِهم وَالعَيشُ رَيّانُ أَخضرُ
لَيالٍ جَمالُ العَيشِ قَصَّرَ طُولها / فَوَلَّت وَأَبقَت حَسرَةً لَيسَ تَقصُرُ
يُذكِّرني دَمعي جُمانَ كُؤوسِها / أُعلُّ بِها وَالشيء بِالشَيء يُذكَرُ
وَيُذكرني نَفحُ الرِياضِ عَبيرَها / فَأَمكثُ يَطويني الغَرامُ وَيَنشُرُ
وَكَم لَيلَة قَصَّرت طُولَ ظَلامِها / يَعِفُّ بِها سِرٌّ وَيَنعمُ مَنظَرُ
إِلى أَن بَدا نَجمُ الصَباحِ كَأَنَّهُ / تَبَسّمُ زنجِيٍّ عَن السن يَكشِرُ
أَلا فَسَقى ذاكَ الزَمانَ مُرِنَّةٌ / وَإِن كانَ يُسقى عَبرةً تَتَحدَّرُ
تَغَيَّر ذاكَ الدَهرُ وَاِنقَشَع الصِبا / وَمَن ذا الَّذي ياعَزُّ لا يَتَغيرُ
وَبُدِّلتُ مِنهُ عَصرَ بُؤسٍ وَرِفقَةٍ / كَدُنياهُمو وَالفَرع مِن حَيثُ يَظهَرُ
إِذا ما رَأَتهُم مُقلَتي نجِست بِهم / فَتُغسلُ من ماءِ الدُموعِ فَتَطهرُ
وَذَلِكَ رَأيٌ كَالمُهنَّدِ صارِماً / قَذَفتُ بِهِ وَالحَقُّ لا شَكَّ يَظفَرُ
أَمِيزُ بِهِ تِبرَ الكَلامِ وَتُربَه / كَما لاحَ مَعروفٌ مِن الصُبح أَشقَرُ
أَلا أَبلغا شَوقي عَلى نَأيِ دارِهِ / مَقالا كَنَفحِ المِسكِ رَيّاه تُنشَرُ
بِأَنَّ مَعانيهِ تَطُول وَتَعتَلي / وَيا رُبَّ لَفظٍ في البَلاغَةِ يَقصُرُ
كَرُوحٍ بِلا جِسم وَحَسناءَ أُلبِسَت / مَعَ الحُسنِ ثَوباً لَيسَ بِالحُسنِ يَجدُرُ
وَجلّ مَعانيهِ خَيالٌ كَأَنَّما / يَفِيضُ عَلَيهِ بِالتَخيُّلِ عَبقَر
وَفيما أَراهُ أَنَّهُ خَيرُ شاعِرٍ / وَإِن خَفَّ أَلفاظاً فَذَلِكَ يُغفَرُ
وَلِلكاشف المَعنى الَّذي خَطَراتُهُ / صِعابٌ عَلى من رامَها تَتَعذَّرُ
يميِّزُهُ عَمَّن سِواهُ اِعتِمادُهُ / عَلى نَفسِهِ كَالبَحر بِالماءِ يزخَرُ
يَفيضُ عَلى قِرطاسِهِ وَحيُ فِكرِهِ / سِوى أَنهُ يَكبُو قَليلاً وَيعثرُ
فَتِلكَ مَعانيهِ وَأَمّا بَيانُهُ / فَلا عَيب فيهِ غَير يُبسٍ يُنَفِّرُ
زَها بِبَيانِ القَولِ شعر مُحرَّمٍ / لَهُ مِن عُقُودِ اللَفظِ دُرٌّ وَجَوهَرُ
وَمَعناهُ لا عال وَلا هُوَ ساقِطٌ / وَبكرُ مَعانيهِ قَليلٌ مُبَعثَرُ
وَأَمّا نَسيمٌ فَهوَ في الهَجوِ أَخطَلٌ / تَرى قارِعاتِ الدَهرِ فيما يُسطِّرُ
وَإِن لَهُ لَفظاً يَروقُكَ نسجُهُ / وَإِن مساوِيهِ تُعَدُّ وَتُحصرُ
وَصَبري أَميرُ الشعرِ في صُغرياتِهِ / لَهُ نَفثاتٌ تَستَبيكَ وَتَسحَرُ
لَهُ قِطَعٌ تُلهي الفَتى عَن شَبابه / وَتُخجِل زَهرَ الرَوضِ وَالرَوضُ مُزهِرُ
أَعادَ لَنا عَهدَ الوَليد بِشِعرِهِ / فَمَعناهُ بَينَ الشَرق وَالغَرب يُؤثَرُ
وَحافظُ في مصرٍ بَقيَّةُ أُمَّةٍ / بِها كانَ رَوضُ الشعرِ يَذكُو وَينضرُ
مَتينُ القَوافي يُدرك الفهمُ لَفظَها / وَلَو لَم تَكُن في آخِرِ البَيتِ تُذكَرُ
وَيُحكِمُ نَسجَ القَولِ حَتّى كَأَنَّما / قَصائِدُهُ في ذَلِكَ النَسج تُفطَرُ
يُصوِّرُ مَعناهُ فَتَحسَبُ أَنَّهُ / لِتلكَ المَعاني شاعِرٌ وَمُصوِّرُ
سِوى أَنَّهُ يَحشُو وَيَستُر حشوَه / بِلَفظٍ كَصَفو الخَمرِ رَيّاه تُسكرُ
وَميَّزَ حفني بسطةٌ في بَيانِهِ / فَلَستَ تَرى مَعنىً لَهُ يَتَعَسَّرُ
تَراهُ وَلُوعاً بِالبَديع وَإِنَّما / يُحسِّنُه من بَعد ما كادَ يُنكَرُ
قَليلُ اِبتِكارٍ لِلمَعاني وَإِنَّما / كَساها بَهاء رقة ثم تندُرُ
وَإِنَّ لَهُ ظَرفاً وَحسنَ فُكاهَةٍ / يَكادُ لَها ذاوي الأقاحِ يُنوِّرُ
وَيا حَسَناً أَبدَعتَ لَولا تكلُّفٌ / بِلَفظِكَ يُخفِي ما تُريد وَيَستُرُ
وَلَكِنَّهُ يَسبيكَ مِنهُ نسيبُهُ / لعفَّتِهِ وَالشعرُ ما عَفَّ يَكبرُ
وَإِنّ لَهُ شعراً يَكادُ لرقَّةٍ / يَذُوب وَمَعناهُ أَغَرُّ مُشَهَّرُ
وَإِنَّ شَفيقاً يَستَبيكَ مُجونُه / وَقَد كادَ مِن بَعد النّواسيِّ يُهجَرُ
وَأَلفاظُهُ لَيسَت تُواتي مُجونَه / وَلَو رَقّ أَلفاظاً فَذَلِكَ أَجدَرُ
وَإِنّ لَهُ شِعراً يَفيضُ جَلالُه / عَلى حالتيهِ إِذ يَجِدُّ وَيهذرُ
وَإِنّ لَهُ شَكوى مِن الدَهر مُرّةً / تَكادُ لَها أَكبادُنا تَتَفطَّرُ
أَلا أَبلغا مُطران أَنّ بَيانَه / خَفيٌّ وَمَعناهُ عَن اللَفظِ أَكبَرُ
وَيُوجِزُ في الأَلفاظِ حَتّى تَظنَّه / عَلى غَيرِ عيٍّ بِالمَقالة يحصَرُ
وَيُشبهه عَبدُ الحَليم تَكلُّفاً / إِلى أَن تَرى فيهِ النُهى تَتَحيَّرُ
وَيا رُبَّ مَعنىً لاحَ في لَيلِ لَفظِهِ / يُضيءُ كَنجم في الدجنَّة يُزهِر
وَمُطَّلب في شعرِهِ ذُو بَداوَةٍ / وَلَكنهُ في بَعضِهِ يَتَحَضَّرُ
وَيُغرِب في أَلفاظِهِ وَلَعَلَّهُ / يُريد بِها إِحياءَ ما كادَ يُقبَرُ
فَلَو كانَ لِلأَشعارِ في مصر كَعبةٌ / لَكانَ عَلى أَستارِها مِنهُ أَسطُرُ
وَيُشبهه في لَفظِهِ الفَخم كاظِمٌ / سِوى أَنهُ مِن رقَّةِ المُدنِ يصفرُ
تَراهُ بِصَحراءِ العُذَيبِ وَبارِق / مُقيماً فَلا يَمضي وَلا يَتَأَخَّرُ
فَأَشعارُهُ ثَوبٌ مِن القَزِّ نَسجُه / وَلَيسَ لِهَذا الثَوبِ مَن يَتدَثَّر
وَلا تَنسيا عُثمان إِنَّ قريضَه / يُعيدُ لَنا عَهد البداء وَيُذكِرُ
يُؤَرِّقهُ بَرقُ الغَضا وَيَشُوقه / نَسيمٌ عَلى أَزهار تُوضح يَخطِرُ
فَذاكَ امرؤٌ أَهدته أَيامُ وائِلٍ / لأَيامِنا فَالعَصر لِلعَصرِ يَشكُرُ
وَإِنَّ عَليّاً يَستبيك نَسيبُهُ / وَيُروى بِهِ نبتُ العُقولِ فَيُزهِرُ
جَرى في مَعانيهِ مَع العَصرِ جِدَّةً / وَأَطلع صُبحاً في البَلاغَةِ يُسفِرُ
أَلا أَبلغا العَقّادَ تَعقيدَ لَفظِهِ / وَمَعناهُ مثلُ النَبتِ ذاوٍ وَمُثمِرُ
يُحاوِلُ شعرَ الغَربِ لَكن يَفوتُه / وَيَبغي قَريضَ العُرب لَكن يُقصِّرُ
وَلا تَشكرا شُكرى عَلى حُسنِ شعرِهِ / فَذَلِكَ شعرٌ بِالبَلاغَةِ يَكفُرُ
فَلَستُ أَرى في شعِرِهِ ما يَروقُني / وَلَكن عَناوينُ القَصيدِ تغرِّرُ
وَيفضُل شعرُ المازِنيِّ بِلَفظِهِ / فَذَلِكَ مِن إِلفيهِ أَجلى وَأَشهَرُ
وَرُبَّ خَيالٍ مِنهُ عَقَّد لَفظَه / فَمَعناهُ في أَلفاظِهِ يَتَعَثَّرُ
تَضيعُ مَعاني الرافعيِّ بِلَفظِهِ / فَلا نُبصر المَعنى وَهَيهاتَ نُبصِرُ
مَعانيهِ كَالحَسناءِ تَأبى تَبذُّلاً / لِذاكَ تَراها بِالحِجابِ تُخَدَّرُ
وَإِنَّ أَخي كَالرافِعيِّ وَإِنَّما / مَعانيهِ مِنها ما يَجلُّ وَيَكبُرُ
فَمَعناهُ مثلُ البَدرِ خَلفَ سَحابَةٍ / سِوى لَمعَةٍ كَالبَرقِ تَبدو فَتبهرُ
وَإِنَّ لهرّاوِي سُهولَة شِعرِهِ / فَتَحسبُه لَولا قَوافيه يَنثرُ
مَعانيه لا تَرضى الحِجاب عَن النُهى / يَرنحها فيهِ الجَمال فَتَظهَرُ
وَلا عَيب فيهِ غَير أَن خَيالَه / يَقلّ إِذا أَهلُ التخيلِ أَكثَروا
وَلا تَنسيا بِاللَهِ أَن تَذكُرا لَه / بِأَني صَديقٌ لا كَما قالَ عَنبَرُ
وَشِعرُ نيازِي كَالبَهاءِ عُذُوبَةً / وَيَغلُبُ ذِكرُ الشَوقِ فيهِ وَيَكثُرُ
وَيا ربَّ لَفظ خَفَّ في جَزل شِعرِهِ / وَيا ربَّ مَعنىً مِن مَعانيهِ يَفتُرُ
وَأَكبرَ مَهدِيّاً تَخيَّر لَفظهِ / فَلَستَ تَرى لَفظاً يَخفُّ وَيَحقرُ
وَإِنَّ لَهُ شِعراً كَبُردٍ مُفَوَّفٍ / وَبَعض مَعانيهِ قَديمٌ مُكَرَّرُ
وَشِعرُ نَظيمٍ مِثلُ شَدوٍ مُرتَّلٍ / تَكادُ بِهِ الأَطيارُ تَشدو وَتَصفرُ
وَلَو كانَ لِلتَوشيح في مصرَ إِمرةٌ / عَلى أَهلِ هَذا العَصرِ فَهوَ المؤمَّرُ
وَشعرُ عِمادٍ في قَوافيهِ خِفَةٌ / عَلى أَنَّ بَعضَ اللَفظِ لا يُتَخَيَّرُ
وَجُلُّ مَعانيهِ تَخيُّلُ شاعِرٍ / وَلَكنَّهُ فيها مُجيدٌ مُفَكِّرُ
أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ
أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ / وَصَوغُ دَمٍ أَقضي بِهِ حَقَّ صاحِبِ
أوَدِّعُ صَحبي واحِداً بَعدَ واحِدٍ / فَأَفقِد قَلبي جانِباً بَعدَ جانِبِ
تَساقَطُ نَفسي كُلَّ يَومٍ فَبَعضُها / بِجَوفِ الثَرى وَالبَعضُ رَهنُ النَوائِبِ
فَيا دَهرُ دَع لي مِن فُؤادِي بَقيَّةً / لِوَصلِ وَدُودٍ أَو تَذكُّرِ غائِبِ
وَدَع لي مِن ماءِ الجُفونِ صبابَةً / أُجِيبُ بِها في البَينِ صَيحةَ ناعِبِ
وَهَل صِيغَ قَلبي أَو ذَخَرتُ مَدامِعي / لِغَيرِ وَفاءٍ أَو قَضاءٍ لِواجِبِ
فَقارِب أَخاكَ الدَّهرَ وَالعَيشُ مُسعِفٌ / فَسَوفَ تُرى بِالمَوتِ غَيرَ مُقارِبِ
حَياةُ الفَتى بَعدَ الأَخلاءِ زَفرَةٌ / تَرَدَّدُ ما بَينَ الحَشا وَالتَرائِبِ
رَعى اللَهُ فِتياناً وَفَوا حَقَّ شاعِرٍ / وَفيٍّ عَلى مَضِّ الخُطوبِ الحَوازِبِ
وَفِيٍّ لِمصرٍ لَم يُدَنِّس قَرِيضَهُ / بِحَمدِ خَئُونٍ أَو بِإِطراءِ كاذِبِ
وَفِيٍّ وَفاءَ الرُسلِ بَينَ مَعاشِرٍ / نَصِيبُ الحِمى مِنهُم وَفاءُ الثَعالِبِ
يَدُورُونَ بِالأَمداح يَبغُونَ مَأرَباً / فَيا ضَيعَةَ الأَوطانِ بَينَ المَآرِبِ
فَبَينا نَرى حَمداً نَرى الذَمَّ بَعدَهُ / يُريكَ فُصُولَ العامِ شِعرُ الأَكاذِبِ
فَدَع عَنكَ شِعرَ الحَمدِ وَالذَمِّ إِنَّني / نَصَحتُ بِما قَد أَقنَعَتني تَجارِبي
وَكُن أُمَّةً لَم تُعنَ إِلّا بِأُمَّةٍ / فَنَفسُكَ لَم تُخلَق لِسحرِ الأَلاعِبِ
مَتى تَخلِص الأَقلامُ للِنيلِ وَحدَه / فَمِن شاعِرٍ عالي الشُعورِ وَكاتِبِ
إِذا الشَّعبُ بِالنُوّاب عَزَّ مَكانُهُ / فَشِعرُكَ إِن تُنصِفهُ أَبلَغُ نائِبِ
وَهَل نائِبٌ زَكَّيتُمُوه كَنائِبٍ / يُزَكِّيهِ صَوتُ اللَهِ أَعدَلُ ناخِبِ
وَشتّانَ بَينَ اِثنَينِ نائِبِ أُمَّةٍ / وَنائِبِ إِنسانِيةٍ في المَصاعِبِ
فَهَذا إِلى وَقتٍ مِن الدَهرِ يَنقَضي / وَذاكَ عَن الأَجيالِ آتٍ وَذاهِبِ
لَقَد فَقَدَت مصرٌ بِفقدانِ حافِظٍ / لِساناً كَوَقعِ المُرهَفاتِ القَواضِبِ
فَسَل عَنهُ في المَوتى كرُومَرَ إِنَّه / سَقاهُ بِكَأسِ الشِعرِ سُمَّ العَقارِبِ
أَلَم يَرمِهِ في دِنشِوايَ بِضَربَةٍ / سَرى وَقعُها في شَرقِها وَالمَغارِبِ
أَطارَ فُؤادَ اللُوردِ صاعِقُ هَولِها / فَوَلّى عَلى أَعقابِهِ غَيرَ آئِبِ
وَشَدَّ عَلى قَصرِ الدُبارَةِ شَدَّةً / تَبَيَّنَ فيها اللُوردُ سُوءَ العَواقِبِ
تَداعَت بِها أَركانُهُ وَتَجاوَبَت / مَقاصِيرُهُ تَبكي بُكاءَ النَوادِبِ
وَكادَ يَقُولُ القَصرُ لِلُوردِ أَخلِني / فَلَو دامَ هَذا القَذفُ لا ندَكَّ جانِبي
ظُلِمتُ فَما ذَنبي تعرضُ ساحَتي / عِناداً لِلَيثٍ مُرهَفِ النابِ غاضِبِ
فَلَو كانَ لي في ساكِني مُتَخَيَّرٌ / لأَغلَقتُ بابي دُونَ إِيواءِ غاصِبِ
وَسَل بَعدَهُ غُورستَ ما فَعَلت بِهِ / بَواتِرُ أَمضى مِن نِصالِ المَضارِبِ
بَواتِرُ صاغَتها قَرِيحةُ شاعِرٍ / مِن اللَفظِ لَم تَحفِل بِحَشدِ الكَتائِبِ
تُمزِّقُ مِن أَعراضهم لا جُسومِهم / فَما القَتلُ أَن تُعنى بِحَشوِ الجَلابِبِ
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالهَجوِ إِنَّهُم / يَرَونَ أَلِيمَ الطَعنِ طَعنَ المَناقِبِ
وَلَم أَرَ سَيفاً كَاللِسانِ قِرابُهُ / فَمٌ وَشَباهُ مِن قَوافٍ صَوائِبِ
يَرى شِعرَهُ بَينَ الصُفوفِ مُحارِباً / وَصاحِبُهُ في الناسِ غَيرُ مُحارِبِ
وَسَل مَجلِسَ الشُورى تَجبكَ من البِلى / مَواقِفُ صَرعى الجاهِ صَرعى المَناصِبِ
رَآهُم لأَغراضِ العَميد مَطِيَّةً / وَأَنَّ لِحَى الأَشياخِ لُعبَةُ لاعِبِ
فَأَوتَرَ قَوسَ النَقدِ غَيرَ مُصانِعٍ / وَسوَّدَ مُبيضَّ اللِّحى غَيرَ هائِبِ
فَذاكَ جَلالُ الشِّعرِ لا شِعر عُصبَةٍ / يُطالِعُنا تَجديدُهم بِالحَواصِبِ
هُمُ جُدَريُّ الشِعر أَذوَوا جَمالَه / بِما أَلصَقُوا في حُسنِهِ مِن مَعايِبِ
عَناوينُ كَالأَلغازِ حَيَّرَت النُهى / وَما تَحتَها مَعنىً يَلذّ لِطالِبِ
دَواوِينُ حُسنُ الطَبعِ قُوَّةُ قُبحِها / وَهَل يَخدَعُ النُقّادَ نَقشُ الخَرائِبِ
فَيا ضَيعَةُ الأَوراقِ في غَيرِ طائِلٍ / وَيا طُولَ ما تَشكو رَفُوفُ المَكاتِبِ
وَكَم دافَعوا عَن مَذهَبِ العَجزِ جُهدَهم / فَما غَسَلوا أَسواءَ تِلكَ المَذاهِبِ
وَكَم ملئُوا بِالزَهرِ وَالنَهرِ شِعرَهُم / بِلا طِيبِ مُستافٍ وَلا رِيِّ شارِبِ
وَكَم يَذكُرونَ الأَيكَ وَالطَيرَ صُدَّحاً / عَلَيها فَلَم نَسمَع سِوى صَوتِ ناعِبِ
وَكَم لَهِجُوا بِالشَمسِ حَتّى تَبَرَّمت / بِهم وَتَمَنَّت مَحوَها في الغَياهِبِ
وَكَم أَقلَقُوا بَدرَ الدُجى في سُكونِهِ / وَكَم أغرَقُوا سُمّاعَهم بِالسَحائِبِ
وَكَم هاتِفٍ بِالخُلدِ مِنهُم وَشِعرُهُ / تُوفيَ سِقطاً قَبلَ عَقد العَصائِبِ
وَشاكٍ كَواهُ الحُبُّ أَطفأَ جَمرَهُ / بِشعرٍ كَبَردِ الثَلجِ جَمِّ المَثالِبِ
فَأُقسِمُ لَو يَبغي وِصالاً بِشعرِهِ / لجانَبَهُ مَن لَم يَكُن بِمُجانِبِ
إِذا ما اِحتَفى بَعضٌ بِبَعضٍ فَإِنَّهُم / نَواضِبُ عِلمٍ تَحتَفي بِنَواضِبِ
أَكُلُّ مَتاعِ كاسِدٍ عِندَ غَيرِكُم / يَرُوجُ لَدَيكُم يا بِلادَ الأَعاجِبِ
وَكُلُّ أَخي زَيفٍ نَفاهُ سِواكُمُ / يُرى فيهِ مِن أَخيارِكُم أَلفُ راغِبِ
لَقَد راجَ دَجلُ الشِعر عِندَ رِجالِكُم / كَما راجَ دَجلُ السِحرِ عِندَ الكَواعِبِ
تَواصَت بِغَبنٍ شيبُكُم وَشَبابُكُم / وَفَوضى الهَوى ساوَت مُجدّاً بِلاعِبِ
فَأَحجم عَن مَيدانِها كُلُّ سابِقٍ / جَوادٍ وَجَلّى فيهِ تَهريجُ صاخِبِ
وَأَمسى زِمامُ الفِكرِ في يَدِ عُصبَةٍ / هُمُ المَثَل الأَعلى لِسُخفِ المَواهِبِ
عَلامَ يُجيدُ الفَنَّ في مصرَ مُتقِنٌ / إِذا كانَ بِالتَهريجِ نَيلُ المَراتِبِ
فَيا جَهلُ واصِلنا وَيا عِلمُ فَاِبتَعِد / وَيا حُمقُ لازِمنا وَيا عَقلُ جانِبِ
أَرى الجَهلَ نُوراً في بِلادٍ رِجالُها / خَفافيشُ يعشيها ضِياءُ الكَواكِبِ
إِذا الشَعبُ بِالإِهمالِ أَرسبَ عالياً / فَلا بِدعَ لَو يَعلُو بِهِ كُلُّ راِسِبِ
أَرى الدَهرَ إِن صارَعتَهُ فَهوَ صارِعُ
أَرى الدَهرَ إِن صارَعتَهُ فَهوَ صارِعُ / وَهَل يَصلُ الإِنسانُ ما اللَهُ قاطِعُ
أَقُولُ لِعَين لا تَملُّ بُكاءَها / لَكِ اللَهُ ما تُجدي عَلَيكِ المَدامِعُ
وَنَفسٍ أَبَت إِلا مُقاماً عَلى الأَسى / رُويدَكِ هَل ما فاتَ بِالحُزنِ راجِعُ
فَوا لَهفَ نَفسي ما أُجِنُّ مِن الهَوى / وَيا شَدَّ ما تُحنى عَلَيهِ الأَضالِعُ
إِذا أَمسَكَت عَيني بِفَضلٍ مِن الكَرى / تَمَنَّعَ أَمّا سُهدُها فَيُطاوِعُ
وَمُختَبِطٍ في غَيِّهِ ضَلَّ قَصدَهُ / لَهُ أَمَلٌ في ضَيِّقِ العُمرِ واسِعُ
وَمَن عَرفَ الأَيامَ مَعرِفَتي رَأى / مَناياهُ عَن تِلكَ المُنى وَهيَ وازِعُ
تَبَيَّنتُ قَبري في القُبُورِ وَمَن رَأى / بِعَيني رَأى اللَذّاتِ وَهيَ مَصارِعُ
يَذُمُّ الفَتى أَيامَهُ وَهوَ طامِعٌ / وَيَصفحُ عَن زَلاتِها وَهوَ قانِعُ
فَيا ناعِيَي وُدّي إِلَيَّ تَبَيَّنا / وَرِفقاً بقَلبٍ صَدَّعتهُ الفَجائِعُ
وَلا تَنعَياهُ واِنعَيا مَن أَرَدتُما / فَتِلكَ الَّتي تَستَكُّ مِنها المَسامِعُ
فَقالا دَعاهُ حَينُه قُلتُ فِريةٌ / أَلُوذُ بِظَنِّ الخَيرِ وَالشَرُّ واقِعُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025