المجموع : 3
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ / وَرامَ اِصطِباراً حينَ عَزَّ التَصَبُّرُ
وَحاوَلَ إِخفاءَ الهَوى فَأَذاعَهُ / مَدامعُ لا يُغنيهِ مَعها تَستُّرُ
أَيَطوي هَوىً يُبديهِ لِلناس مَدمَعٌ / وَجفنٌ إِذا نامَ الخَليُّون يَسهَرُ
يَقولُ صحابي ما رَأَينا كَشَوقِهِ / أَلا إِنَّ ما أُخفي مِن الشَوقِ أَكثَرُ
أُحاذِرُ دَمعي أَن ينمَّ بِحرقَتي / فَيا دَمعُ حَتّى مِنكَ أَصبَحتُ أَحذَرُ
وَهَبني مَنَعتُ العَين أَن تَرِدَ البُكا / فَمَن يمنَعُ الزَفراتِ حينَ تَسَعَّرُ
فَمن مُبلِغٌ أَحبابَنا أَنَّ حُبَّهُم / مُقيمٌ وَإِن جَدَّت نَواهم وَأَبكَروا
مَنازِلُهم في القَلبِ آهِلَةٌ بِهم / وَمَنزِلُهُم بَينَ الطوَيلع مُقفِرُ
أَحِنُّ إِلى عَهدٍ تَولّى وَمَعشَرٍ / نَعِمتُ بِهم وَالعَيشُ رَيّانُ أَخضرُ
لَيالٍ جَمالُ العَيشِ قَصَّرَ طُولها / فَوَلَّت وَأَبقَت حَسرَةً لَيسَ تَقصُرُ
يُذكِّرني دَمعي جُمانَ كُؤوسِها / أُعلُّ بِها وَالشيء بِالشَيء يُذكَرُ
وَيُذكرني نَفحُ الرِياضِ عَبيرَها / فَأَمكثُ يَطويني الغَرامُ وَيَنشُرُ
وَكَم لَيلَة قَصَّرت طُولَ ظَلامِها / يَعِفُّ بِها سِرٌّ وَيَنعمُ مَنظَرُ
إِلى أَن بَدا نَجمُ الصَباحِ كَأَنَّهُ / تَبَسّمُ زنجِيٍّ عَن السن يَكشِرُ
أَلا فَسَقى ذاكَ الزَمانَ مُرِنَّةٌ / وَإِن كانَ يُسقى عَبرةً تَتَحدَّرُ
تَغَيَّر ذاكَ الدَهرُ وَاِنقَشَع الصِبا / وَمَن ذا الَّذي ياعَزُّ لا يَتَغيرُ
وَبُدِّلتُ مِنهُ عَصرَ بُؤسٍ وَرِفقَةٍ / كَدُنياهُمو وَالفَرع مِن حَيثُ يَظهَرُ
إِذا ما رَأَتهُم مُقلَتي نجِست بِهم / فَتُغسلُ من ماءِ الدُموعِ فَتَطهرُ
وَذَلِكَ رَأيٌ كَالمُهنَّدِ صارِماً / قَذَفتُ بِهِ وَالحَقُّ لا شَكَّ يَظفَرُ
أَمِيزُ بِهِ تِبرَ الكَلامِ وَتُربَه / كَما لاحَ مَعروفٌ مِن الصُبح أَشقَرُ
أَلا أَبلغا شَوقي عَلى نَأيِ دارِهِ / مَقالا كَنَفحِ المِسكِ رَيّاه تُنشَرُ
بِأَنَّ مَعانيهِ تَطُول وَتَعتَلي / وَيا رُبَّ لَفظٍ في البَلاغَةِ يَقصُرُ
كَرُوحٍ بِلا جِسم وَحَسناءَ أُلبِسَت / مَعَ الحُسنِ ثَوباً لَيسَ بِالحُسنِ يَجدُرُ
وَجلّ مَعانيهِ خَيالٌ كَأَنَّما / يَفِيضُ عَلَيهِ بِالتَخيُّلِ عَبقَر
وَفيما أَراهُ أَنَّهُ خَيرُ شاعِرٍ / وَإِن خَفَّ أَلفاظاً فَذَلِكَ يُغفَرُ
وَلِلكاشف المَعنى الَّذي خَطَراتُهُ / صِعابٌ عَلى من رامَها تَتَعذَّرُ
يميِّزُهُ عَمَّن سِواهُ اِعتِمادُهُ / عَلى نَفسِهِ كَالبَحر بِالماءِ يزخَرُ
يَفيضُ عَلى قِرطاسِهِ وَحيُ فِكرِهِ / سِوى أَنهُ يَكبُو قَليلاً وَيعثرُ
فَتِلكَ مَعانيهِ وَأَمّا بَيانُهُ / فَلا عَيب فيهِ غَير يُبسٍ يُنَفِّرُ
زَها بِبَيانِ القَولِ شعر مُحرَّمٍ / لَهُ مِن عُقُودِ اللَفظِ دُرٌّ وَجَوهَرُ
وَمَعناهُ لا عال وَلا هُوَ ساقِطٌ / وَبكرُ مَعانيهِ قَليلٌ مُبَعثَرُ
وَأَمّا نَسيمٌ فَهوَ في الهَجوِ أَخطَلٌ / تَرى قارِعاتِ الدَهرِ فيما يُسطِّرُ
وَإِن لَهُ لَفظاً يَروقُكَ نسجُهُ / وَإِن مساوِيهِ تُعَدُّ وَتُحصرُ
وَصَبري أَميرُ الشعرِ في صُغرياتِهِ / لَهُ نَفثاتٌ تَستَبيكَ وَتَسحَرُ
لَهُ قِطَعٌ تُلهي الفَتى عَن شَبابه / وَتُخجِل زَهرَ الرَوضِ وَالرَوضُ مُزهِرُ
أَعادَ لَنا عَهدَ الوَليد بِشِعرِهِ / فَمَعناهُ بَينَ الشَرق وَالغَرب يُؤثَرُ
وَحافظُ في مصرٍ بَقيَّةُ أُمَّةٍ / بِها كانَ رَوضُ الشعرِ يَذكُو وَينضرُ
مَتينُ القَوافي يُدرك الفهمُ لَفظَها / وَلَو لَم تَكُن في آخِرِ البَيتِ تُذكَرُ
وَيُحكِمُ نَسجَ القَولِ حَتّى كَأَنَّما / قَصائِدُهُ في ذَلِكَ النَسج تُفطَرُ
يُصوِّرُ مَعناهُ فَتَحسَبُ أَنَّهُ / لِتلكَ المَعاني شاعِرٌ وَمُصوِّرُ
سِوى أَنَّهُ يَحشُو وَيَستُر حشوَه / بِلَفظٍ كَصَفو الخَمرِ رَيّاه تُسكرُ
وَميَّزَ حفني بسطةٌ في بَيانِهِ / فَلَستَ تَرى مَعنىً لَهُ يَتَعَسَّرُ
تَراهُ وَلُوعاً بِالبَديع وَإِنَّما / يُحسِّنُه من بَعد ما كادَ يُنكَرُ
قَليلُ اِبتِكارٍ لِلمَعاني وَإِنَّما / كَساها بَهاء رقة ثم تندُرُ
وَإِنَّ لَهُ ظَرفاً وَحسنَ فُكاهَةٍ / يَكادُ لَها ذاوي الأقاحِ يُنوِّرُ
وَيا حَسَناً أَبدَعتَ لَولا تكلُّفٌ / بِلَفظِكَ يُخفِي ما تُريد وَيَستُرُ
وَلَكِنَّهُ يَسبيكَ مِنهُ نسيبُهُ / لعفَّتِهِ وَالشعرُ ما عَفَّ يَكبرُ
وَإِنّ لَهُ شعراً يَكادُ لرقَّةٍ / يَذُوب وَمَعناهُ أَغَرُّ مُشَهَّرُ
وَإِنَّ شَفيقاً يَستَبيكَ مُجونُه / وَقَد كادَ مِن بَعد النّواسيِّ يُهجَرُ
وَأَلفاظُهُ لَيسَت تُواتي مُجونَه / وَلَو رَقّ أَلفاظاً فَذَلِكَ أَجدَرُ
وَإِنّ لَهُ شِعراً يَفيضُ جَلالُه / عَلى حالتيهِ إِذ يَجِدُّ وَيهذرُ
وَإِنّ لَهُ شَكوى مِن الدَهر مُرّةً / تَكادُ لَها أَكبادُنا تَتَفطَّرُ
أَلا أَبلغا مُطران أَنّ بَيانَه / خَفيٌّ وَمَعناهُ عَن اللَفظِ أَكبَرُ
وَيُوجِزُ في الأَلفاظِ حَتّى تَظنَّه / عَلى غَيرِ عيٍّ بِالمَقالة يحصَرُ
وَيُشبهه عَبدُ الحَليم تَكلُّفاً / إِلى أَن تَرى فيهِ النُهى تَتَحيَّرُ
وَيا رُبَّ مَعنىً لاحَ في لَيلِ لَفظِهِ / يُضيءُ كَنجم في الدجنَّة يُزهِر
وَمُطَّلب في شعرِهِ ذُو بَداوَةٍ / وَلَكنهُ في بَعضِهِ يَتَحَضَّرُ
وَيُغرِب في أَلفاظِهِ وَلَعَلَّهُ / يُريد بِها إِحياءَ ما كادَ يُقبَرُ
فَلَو كانَ لِلأَشعارِ في مصر كَعبةٌ / لَكانَ عَلى أَستارِها مِنهُ أَسطُرُ
وَيُشبهه في لَفظِهِ الفَخم كاظِمٌ / سِوى أَنهُ مِن رقَّةِ المُدنِ يصفرُ
تَراهُ بِصَحراءِ العُذَيبِ وَبارِق / مُقيماً فَلا يَمضي وَلا يَتَأَخَّرُ
فَأَشعارُهُ ثَوبٌ مِن القَزِّ نَسجُه / وَلَيسَ لِهَذا الثَوبِ مَن يَتدَثَّر
وَلا تَنسيا عُثمان إِنَّ قريضَه / يُعيدُ لَنا عَهد البداء وَيُذكِرُ
يُؤَرِّقهُ بَرقُ الغَضا وَيَشُوقه / نَسيمٌ عَلى أَزهار تُوضح يَخطِرُ
فَذاكَ امرؤٌ أَهدته أَيامُ وائِلٍ / لأَيامِنا فَالعَصر لِلعَصرِ يَشكُرُ
وَإِنَّ عَليّاً يَستبيك نَسيبُهُ / وَيُروى بِهِ نبتُ العُقولِ فَيُزهِرُ
جَرى في مَعانيهِ مَع العَصرِ جِدَّةً / وَأَطلع صُبحاً في البَلاغَةِ يُسفِرُ
أَلا أَبلغا العَقّادَ تَعقيدَ لَفظِهِ / وَمَعناهُ مثلُ النَبتِ ذاوٍ وَمُثمِرُ
يُحاوِلُ شعرَ الغَربِ لَكن يَفوتُه / وَيَبغي قَريضَ العُرب لَكن يُقصِّرُ
وَلا تَشكرا شُكرى عَلى حُسنِ شعرِهِ / فَذَلِكَ شعرٌ بِالبَلاغَةِ يَكفُرُ
فَلَستُ أَرى في شعِرِهِ ما يَروقُني / وَلَكن عَناوينُ القَصيدِ تغرِّرُ
وَيفضُل شعرُ المازِنيِّ بِلَفظِهِ / فَذَلِكَ مِن إِلفيهِ أَجلى وَأَشهَرُ
وَرُبَّ خَيالٍ مِنهُ عَقَّد لَفظَه / فَمَعناهُ في أَلفاظِهِ يَتَعَثَّرُ
تَضيعُ مَعاني الرافعيِّ بِلَفظِهِ / فَلا نُبصر المَعنى وَهَيهاتَ نُبصِرُ
مَعانيهِ كَالحَسناءِ تَأبى تَبذُّلاً / لِذاكَ تَراها بِالحِجابِ تُخَدَّرُ
وَإِنَّ أَخي كَالرافِعيِّ وَإِنَّما / مَعانيهِ مِنها ما يَجلُّ وَيَكبُرُ
فَمَعناهُ مثلُ البَدرِ خَلفَ سَحابَةٍ / سِوى لَمعَةٍ كَالبَرقِ تَبدو فَتبهرُ
وَإِنَّ لهرّاوِي سُهولَة شِعرِهِ / فَتَحسبُه لَولا قَوافيه يَنثرُ
مَعانيه لا تَرضى الحِجاب عَن النُهى / يَرنحها فيهِ الجَمال فَتَظهَرُ
وَلا عَيب فيهِ غَير أَن خَيالَه / يَقلّ إِذا أَهلُ التخيلِ أَكثَروا
وَلا تَنسيا بِاللَهِ أَن تَذكُرا لَه / بِأَني صَديقٌ لا كَما قالَ عَنبَرُ
وَشِعرُ نيازِي كَالبَهاءِ عُذُوبَةً / وَيَغلُبُ ذِكرُ الشَوقِ فيهِ وَيَكثُرُ
وَيا ربَّ لَفظ خَفَّ في جَزل شِعرِهِ / وَيا ربَّ مَعنىً مِن مَعانيهِ يَفتُرُ
وَأَكبرَ مَهدِيّاً تَخيَّر لَفظهِ / فَلَستَ تَرى لَفظاً يَخفُّ وَيَحقرُ
وَإِنَّ لَهُ شِعراً كَبُردٍ مُفَوَّفٍ / وَبَعض مَعانيهِ قَديمٌ مُكَرَّرُ
وَشِعرُ نَظيمٍ مِثلُ شَدوٍ مُرتَّلٍ / تَكادُ بِهِ الأَطيارُ تَشدو وَتَصفرُ
وَلَو كانَ لِلتَوشيح في مصرَ إِمرةٌ / عَلى أَهلِ هَذا العَصرِ فَهوَ المؤمَّرُ
وَشعرُ عِمادٍ في قَوافيهِ خِفَةٌ / عَلى أَنَّ بَعضَ اللَفظِ لا يُتَخَيَّرُ
وَجُلُّ مَعانيهِ تَخيُّلُ شاعِرٍ / وَلَكنَّهُ فيها مُجيدٌ مُفَكِّرُ
أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ
أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ / وَصَوغُ دَمٍ أَقضي بِهِ حَقَّ صاحِبِ
أوَدِّعُ صَحبي واحِداً بَعدَ واحِدٍ / فَأَفقِد قَلبي جانِباً بَعدَ جانِبِ
تَساقَطُ نَفسي كُلَّ يَومٍ فَبَعضُها / بِجَوفِ الثَرى وَالبَعضُ رَهنُ النَوائِبِ
فَيا دَهرُ دَع لي مِن فُؤادِي بَقيَّةً / لِوَصلِ وَدُودٍ أَو تَذكُّرِ غائِبِ
وَدَع لي مِن ماءِ الجُفونِ صبابَةً / أُجِيبُ بِها في البَينِ صَيحةَ ناعِبِ
وَهَل صِيغَ قَلبي أَو ذَخَرتُ مَدامِعي / لِغَيرِ وَفاءٍ أَو قَضاءٍ لِواجِبِ
فَقارِب أَخاكَ الدَّهرَ وَالعَيشُ مُسعِفٌ / فَسَوفَ تُرى بِالمَوتِ غَيرَ مُقارِبِ
حَياةُ الفَتى بَعدَ الأَخلاءِ زَفرَةٌ / تَرَدَّدُ ما بَينَ الحَشا وَالتَرائِبِ
رَعى اللَهُ فِتياناً وَفَوا حَقَّ شاعِرٍ / وَفيٍّ عَلى مَضِّ الخُطوبِ الحَوازِبِ
وَفِيٍّ لِمصرٍ لَم يُدَنِّس قَرِيضَهُ / بِحَمدِ خَئُونٍ أَو بِإِطراءِ كاذِبِ
وَفِيٍّ وَفاءَ الرُسلِ بَينَ مَعاشِرٍ / نَصِيبُ الحِمى مِنهُم وَفاءُ الثَعالِبِ
يَدُورُونَ بِالأَمداح يَبغُونَ مَأرَباً / فَيا ضَيعَةَ الأَوطانِ بَينَ المَآرِبِ
فَبَينا نَرى حَمداً نَرى الذَمَّ بَعدَهُ / يُريكَ فُصُولَ العامِ شِعرُ الأَكاذِبِ
فَدَع عَنكَ شِعرَ الحَمدِ وَالذَمِّ إِنَّني / نَصَحتُ بِما قَد أَقنَعَتني تَجارِبي
وَكُن أُمَّةً لَم تُعنَ إِلّا بِأُمَّةٍ / فَنَفسُكَ لَم تُخلَق لِسحرِ الأَلاعِبِ
مَتى تَخلِص الأَقلامُ للِنيلِ وَحدَه / فَمِن شاعِرٍ عالي الشُعورِ وَكاتِبِ
إِذا الشَّعبُ بِالنُوّاب عَزَّ مَكانُهُ / فَشِعرُكَ إِن تُنصِفهُ أَبلَغُ نائِبِ
وَهَل نائِبٌ زَكَّيتُمُوه كَنائِبٍ / يُزَكِّيهِ صَوتُ اللَهِ أَعدَلُ ناخِبِ
وَشتّانَ بَينَ اِثنَينِ نائِبِ أُمَّةٍ / وَنائِبِ إِنسانِيةٍ في المَصاعِبِ
فَهَذا إِلى وَقتٍ مِن الدَهرِ يَنقَضي / وَذاكَ عَن الأَجيالِ آتٍ وَذاهِبِ
لَقَد فَقَدَت مصرٌ بِفقدانِ حافِظٍ / لِساناً كَوَقعِ المُرهَفاتِ القَواضِبِ
فَسَل عَنهُ في المَوتى كرُومَرَ إِنَّه / سَقاهُ بِكَأسِ الشِعرِ سُمَّ العَقارِبِ
أَلَم يَرمِهِ في دِنشِوايَ بِضَربَةٍ / سَرى وَقعُها في شَرقِها وَالمَغارِبِ
أَطارَ فُؤادَ اللُوردِ صاعِقُ هَولِها / فَوَلّى عَلى أَعقابِهِ غَيرَ آئِبِ
وَشَدَّ عَلى قَصرِ الدُبارَةِ شَدَّةً / تَبَيَّنَ فيها اللُوردُ سُوءَ العَواقِبِ
تَداعَت بِها أَركانُهُ وَتَجاوَبَت / مَقاصِيرُهُ تَبكي بُكاءَ النَوادِبِ
وَكادَ يَقُولُ القَصرُ لِلُوردِ أَخلِني / فَلَو دامَ هَذا القَذفُ لا ندَكَّ جانِبي
ظُلِمتُ فَما ذَنبي تعرضُ ساحَتي / عِناداً لِلَيثٍ مُرهَفِ النابِ غاضِبِ
فَلَو كانَ لي في ساكِني مُتَخَيَّرٌ / لأَغلَقتُ بابي دُونَ إِيواءِ غاصِبِ
وَسَل بَعدَهُ غُورستَ ما فَعَلت بِهِ / بَواتِرُ أَمضى مِن نِصالِ المَضارِبِ
بَواتِرُ صاغَتها قَرِيحةُ شاعِرٍ / مِن اللَفظِ لَم تَحفِل بِحَشدِ الكَتائِبِ
تُمزِّقُ مِن أَعراضهم لا جُسومِهم / فَما القَتلُ أَن تُعنى بِحَشوِ الجَلابِبِ
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالهَجوِ إِنَّهُم / يَرَونَ أَلِيمَ الطَعنِ طَعنَ المَناقِبِ
وَلَم أَرَ سَيفاً كَاللِسانِ قِرابُهُ / فَمٌ وَشَباهُ مِن قَوافٍ صَوائِبِ
يَرى شِعرَهُ بَينَ الصُفوفِ مُحارِباً / وَصاحِبُهُ في الناسِ غَيرُ مُحارِبِ
وَسَل مَجلِسَ الشُورى تَجبكَ من البِلى / مَواقِفُ صَرعى الجاهِ صَرعى المَناصِبِ
رَآهُم لأَغراضِ العَميد مَطِيَّةً / وَأَنَّ لِحَى الأَشياخِ لُعبَةُ لاعِبِ
فَأَوتَرَ قَوسَ النَقدِ غَيرَ مُصانِعٍ / وَسوَّدَ مُبيضَّ اللِّحى غَيرَ هائِبِ
فَذاكَ جَلالُ الشِّعرِ لا شِعر عُصبَةٍ / يُطالِعُنا تَجديدُهم بِالحَواصِبِ
هُمُ جُدَريُّ الشِعر أَذوَوا جَمالَه / بِما أَلصَقُوا في حُسنِهِ مِن مَعايِبِ
عَناوينُ كَالأَلغازِ حَيَّرَت النُهى / وَما تَحتَها مَعنىً يَلذّ لِطالِبِ
دَواوِينُ حُسنُ الطَبعِ قُوَّةُ قُبحِها / وَهَل يَخدَعُ النُقّادَ نَقشُ الخَرائِبِ
فَيا ضَيعَةُ الأَوراقِ في غَيرِ طائِلٍ / وَيا طُولَ ما تَشكو رَفُوفُ المَكاتِبِ
وَكَم دافَعوا عَن مَذهَبِ العَجزِ جُهدَهم / فَما غَسَلوا أَسواءَ تِلكَ المَذاهِبِ
وَكَم ملئُوا بِالزَهرِ وَالنَهرِ شِعرَهُم / بِلا طِيبِ مُستافٍ وَلا رِيِّ شارِبِ
وَكَم يَذكُرونَ الأَيكَ وَالطَيرَ صُدَّحاً / عَلَيها فَلَم نَسمَع سِوى صَوتِ ناعِبِ
وَكَم لَهِجُوا بِالشَمسِ حَتّى تَبَرَّمت / بِهم وَتَمَنَّت مَحوَها في الغَياهِبِ
وَكَم أَقلَقُوا بَدرَ الدُجى في سُكونِهِ / وَكَم أغرَقُوا سُمّاعَهم بِالسَحائِبِ
وَكَم هاتِفٍ بِالخُلدِ مِنهُم وَشِعرُهُ / تُوفيَ سِقطاً قَبلَ عَقد العَصائِبِ
وَشاكٍ كَواهُ الحُبُّ أَطفأَ جَمرَهُ / بِشعرٍ كَبَردِ الثَلجِ جَمِّ المَثالِبِ
فَأُقسِمُ لَو يَبغي وِصالاً بِشعرِهِ / لجانَبَهُ مَن لَم يَكُن بِمُجانِبِ
إِذا ما اِحتَفى بَعضٌ بِبَعضٍ فَإِنَّهُم / نَواضِبُ عِلمٍ تَحتَفي بِنَواضِبِ
أَكُلُّ مَتاعِ كاسِدٍ عِندَ غَيرِكُم / يَرُوجُ لَدَيكُم يا بِلادَ الأَعاجِبِ
وَكُلُّ أَخي زَيفٍ نَفاهُ سِواكُمُ / يُرى فيهِ مِن أَخيارِكُم أَلفُ راغِبِ
لَقَد راجَ دَجلُ الشِعر عِندَ رِجالِكُم / كَما راجَ دَجلُ السِحرِ عِندَ الكَواعِبِ
تَواصَت بِغَبنٍ شيبُكُم وَشَبابُكُم / وَفَوضى الهَوى ساوَت مُجدّاً بِلاعِبِ
فَأَحجم عَن مَيدانِها كُلُّ سابِقٍ / جَوادٍ وَجَلّى فيهِ تَهريجُ صاخِبِ
وَأَمسى زِمامُ الفِكرِ في يَدِ عُصبَةٍ / هُمُ المَثَل الأَعلى لِسُخفِ المَواهِبِ
عَلامَ يُجيدُ الفَنَّ في مصرَ مُتقِنٌ / إِذا كانَ بِالتَهريجِ نَيلُ المَراتِبِ
فَيا جَهلُ واصِلنا وَيا عِلمُ فَاِبتَعِد / وَيا حُمقُ لازِمنا وَيا عَقلُ جانِبِ
أَرى الجَهلَ نُوراً في بِلادٍ رِجالُها / خَفافيشُ يعشيها ضِياءُ الكَواكِبِ
إِذا الشَعبُ بِالإِهمالِ أَرسبَ عالياً / فَلا بِدعَ لَو يَعلُو بِهِ كُلُّ راِسِبِ
أَرى الدَهرَ إِن صارَعتَهُ فَهوَ صارِعُ
أَرى الدَهرَ إِن صارَعتَهُ فَهوَ صارِعُ / وَهَل يَصلُ الإِنسانُ ما اللَهُ قاطِعُ
أَقُولُ لِعَين لا تَملُّ بُكاءَها / لَكِ اللَهُ ما تُجدي عَلَيكِ المَدامِعُ
وَنَفسٍ أَبَت إِلا مُقاماً عَلى الأَسى / رُويدَكِ هَل ما فاتَ بِالحُزنِ راجِعُ
فَوا لَهفَ نَفسي ما أُجِنُّ مِن الهَوى / وَيا شَدَّ ما تُحنى عَلَيهِ الأَضالِعُ
إِذا أَمسَكَت عَيني بِفَضلٍ مِن الكَرى / تَمَنَّعَ أَمّا سُهدُها فَيُطاوِعُ
وَمُختَبِطٍ في غَيِّهِ ضَلَّ قَصدَهُ / لَهُ أَمَلٌ في ضَيِّقِ العُمرِ واسِعُ
وَمَن عَرفَ الأَيامَ مَعرِفَتي رَأى / مَناياهُ عَن تِلكَ المُنى وَهيَ وازِعُ
تَبَيَّنتُ قَبري في القُبُورِ وَمَن رَأى / بِعَيني رَأى اللَذّاتِ وَهيَ مَصارِعُ
يَذُمُّ الفَتى أَيامَهُ وَهوَ طامِعٌ / وَيَصفحُ عَن زَلاتِها وَهوَ قانِعُ
فَيا ناعِيَي وُدّي إِلَيَّ تَبَيَّنا / وَرِفقاً بقَلبٍ صَدَّعتهُ الفَجائِعُ
وَلا تَنعَياهُ واِنعَيا مَن أَرَدتُما / فَتِلكَ الَّتي تَستَكُّ مِنها المَسامِعُ
فَقالا دَعاهُ حَينُه قُلتُ فِريةٌ / أَلُوذُ بِظَنِّ الخَيرِ وَالشَرُّ واقِعُ