مكانكَ يا بدرٌ وإنْ كنتَ واشياً
مكانكَ يا بدرٌ وإنْ كنتَ واشياً / لعلكَ تروي عندها بعضَ ما بيا
مكانكَ يا بدرٌ لأشكوَ حبّها / وتشهدُ عندَ اللهِ عن كنتَ رائيا
مكانكَ لا تعجلْ لتحضرَ ساعتي / فإني أرى ساعاتِ عمري ثوانيا
ويا بدرُ خذ عيني فذاكَ سريرُها / وتلكَ وإن لمْ أدعُها باسمِها هيا
أغارُ عليها أن تقابلَ وجهها / فتنقلَ عنهُ للوشاةِ معانيا
وأخشى عليها من شعاعكَ مثلما / يخافُ على النفسِ الجبانُ المواضيا
فإني أرى جسماً لو أن مدامعي / جرينَ عليهِ أصبحَ الجسمُ داميا
وما عجبي إلا من البدرِ يدعي / تمنع ليلى ثمَّ ألقاهُ عاريا
فيا بدرُ إني موضعُ الصنعِ فاتخذْ / يداً لكَ عندي تلقني الخيرَ جازيا
وذي قبلةُ مني إليها فألقها / على فمها وارجعْ بأنفاسها لِيا
وإن لم يكن في الحسنِ إلا عواذلٌ / فيا بدرُ كنْ خيراً عذولاً وواشيا
أذِع حسنَها في كلِّ أفقٍ تنيرُهُ / وأحصِ علينا ما حيينا اللياليا
كأنَّ الهوى قد خُطّ قبل وجودنا / كتاباً على ما يلبثُ الكونُ باقيا
لهُ البدرُ عنوانٌ وقد امستِ السما / صحائفُ فيهِ والحروفُ الدراريا
وإني قسمتُ الروعَ شطرينِ واحدٍ / بجسمي وشطرٍ عندها لا يرانيا
ولا بدَّ من يومٍ تعودُ لأصلها / فإمَّا بوصلٍ بيننا أو فنائيا
ولم أرَ غيري بعضُهُ خانَ بعضَهُ / فأصبحَ مشغولاً واصبحَ خاليا
بربّكِ يا نفسي وربُّكِ شاهدٌ / أتهنئةٌ كانَ الهوى أم تعازيا
وهلْ ذكرتني هندُ يوماً فأشفقتْ / لما بي وحاكتني بكا أو تباكيا
وهلْ حدثتها نفسُها أنني بها / شديدُ الهوى أو أنني بتُّ ساليا
يكادُ يفيضُ القلبُ من ذكرها دماً / لأكتبَ منهُ في هواها القوافيا
وتذهبُ نفسي حسرةً إن رأيتُها / وأُصرعُ وجداً كلما قالتْ آه يا
ولو أنني أرجو لهانتْ مصائبي / ولكن منها أنني لستُ راجيا
فيا من تجير النومَ مني جفونُها / أجيري إذنْ من ذي الجفونِ فؤاديا
تحرمُ عيني ما لعينيكِ مثلما / تَجَنَّبُ مولاها العبيدُ تحاشيا
وأقسمُ لو تبكينَ يوماً من الهوى / لما كنتُ إجلالاً لجفنيكِ باكيا
أما لي عذرُ في الغرامِ وأعيني / ترى كلَّ شيءٍ فيكِ للحبِّ داعيا
وقد رفعتكِ الناسُ حتى ظننتهم / لأجلكِ يدعونَ النجومَ جواريا
وكم أتصابى فيك حتى كأنما / وجدتكِ حسناً قد تحلتْ تصابيا
فلو سألوني عن أمانيَّ لم أزد / على أن تميتني وأخلقُ ثانيا