المجموع : 4
أَقولُ لِرَكبٍ رائِحينَ لَعَلَّكُم
أَقولُ لِرَكبٍ رائِحينَ لَعَلَّكُم / تَحِلّونَ مِن بَعدي العَقيقَ اليَمانِيا
خُذوا نَظرَةً مِنّي فَلاقوا بِها الحِمى / وَنَجداً وَكُثبانَ اللِوى وَالمَطالِيا
وَمُرّوا عَلى أَبياتِ حَيٍّ بِرامَةٍ / فَقولوا لَديغٌ يَبتَغي اليَومَ راقِيا
عَدِمتُ دَوائي بِالعِراقِ فَرُبَّما / وَجَدتُم بِنَجدٍ لي طَبيباً مُداوِيا
وَقولوا لِجيرانٍ عَلى الخَيفِ مِن مِنىً / تَراكُم مَنِ اِستَبدَلتُمُ بِجِوارِيا
وَمَن حَلَّ ذاكَ الشِعبَ بَعدي وَراشَقَت / لَواحِظُهُ تِلكَ الظِباءَ الجَوازِيا
وَمَن وَرَدَ الماءَ الَّذي كُنتُ وارِداً / بِهِ وَرَعى الرَوضَ الَّذي كُنتُ راعِيا
فَوالَهفَتي كَم لي عَلى الخَيفِ شَهقَةً / تَذوبُ عَليها قِطعَةٌ مِن فُؤادِيا
صَفا العَيشُ مِن بَعدي لَحَيٍّ عَلى النَقا / حَلَفتُ لَهُم لا أَقرَبُ الماءَ صافِيا
فَيا جَبَلَ الرَيّانِ إِن تَعَر مِنهُمُ / فَإِنّي سَأَكسوكَ الدُموعَ الجَوارِيا
وَيا قُربَ ما أَنكَرتُمُ العَهدَ بَينَنا / نَسيتُم وَما اِستَودَعتُمُ الوُدَّ ناسِيا
أَأَنكَرتُمُ تَسليمَنا لَيلَةَ النَقا / وَمَوقِفَنا نَرمي الجِمارَ لَيالِيا
عَشِيَّةَ جاراني بِعَينَيهِ شادِنٌ / حَديثَ النَوى حَتّى رَمى بي المَرامِيا
رَمى مَقتَلي مِن بَينِ سِجفي عَبيطِهِ / فَيا رامِياً لا مَسَّكَ السوءُ رامِيا
فَيا لَيتَني لَم أَعلُ نَشزاً إِلَيكُمُ / حَراماً وَلَم أَهبِط مِنَ الأَرضِ وادِيا
وَلَم أَدرِ ما جَمعٌ وَما جَمرَتا مِنىً / وَلَم أَلقَ في اللاقينَ حَيّاً يَمانِيا
وَيا وَيحَ قَلبي كَيفَ زايَدتُ في مِنىً / بِذي البانِ لا يُشرَينَ إِلّا غَوالِيا
تَرَحَّلتُ عَنكُم لي أَمامِيَ نَظرَةٌ / وَعَشرٌ وَعَشرٌ نَحوَكُم لي وَرائِيا
وَمِن حَذَرٍ لا أَسأَلُ الرَكبَ عَنكُمُ / وَأَعلاقُ وَجدي باقِياتٌ كَما هِيا
وَمَن يَسأَلِ الرُكبانَ عَن كُلِّ غائِبٍ / فَلا بُدَّ أَن يَلقى بَشيراً وَناعِيا
وَما مُغزِلٌ أَدماءُ تُزجي بِرَوضَةٍ / طَلاً قاصِراً عَن غايَةِ السِربِ وانِيا
لَها بَغَماتٌ خَلفَهُ تُزعِجُ الحَشى / كَجَسِّ العَذارى يَختَبِرنَ المَلاهِيا
يَحورُ إِلَيها بِالبُغامِ فَتَنثَني / كَما اِلتَفَتَ المَطلوبُ يَخشى الأَعادِيا
بِأَروَعَ مِن ظَمياءَ قَلباً وَمُهجَةً / غَداةَ سَمِعنا لِلتَفَرُّقِ داعِيا
تُوَدِّعنُا ما بَينَ شَكوى وَعَبرَةٍ / وَقَد أَصبَحَ الرَكبُ العِراقِيُّ غادِيا
فَلَم أَرَ يَومَ النَفرِ أَكثَرَ ضاحِكاً / وَلَم أَرَ يَومَ النَفرِ أَكثَرَ باكِياً
أَيَعلَمُ قَبرٌ بِالجُنَينَةِ أَنَّنا
أَيَعلَمُ قَبرٌ بِالجُنَينَةِ أَنَّنا / أَقَمنا بِهِ نَنعى النَدى وَالمَعالِيا
حَطَطنا فَحَيَّينا مَساعيهِ أَنَّها / عِظامُ المَساعي لا العِظامَ البَوالِيا
مَرَرنا بِهِ فَاِستَشرَفَتنا رُسومُهُ / كَما اِستَشرَفَ الرَوضُ الظِباءَ الجَوازِيا
وَما لاحَ ذاكَ التُربُ حَتّى تَحَلَّبَت / مِنَ الدَمعِ أَوشالٌ مَلَأنَ المَآقِيا
نَزَلنا إِلَيهِ عَن ظُهورِ جِيادِنا / نُكَفكِفُ بِالأَيدي الدُموعَ الجَوارِيا
وَلَمّا تَجاهَشنا البُكاءَ وَلَم نُطِق / عَنِ الوَجدِ إِقلاعاً عَذَرنا البَواكِيا
أَقولُ لِرَكبٍ رائِحينَ تَعَرَّجوا / أُريكُم بِهِ فَرعاً مِنَ المَجدِ ذاوِيا
أَلِمّوا عَليهِ عاقِرينَ فَإِنَّنا / إِذا لَم نَجِد عَقراً عَقَرنا القَوافِيا
وَحُطّوا بِهِ رَحلَ المَكارِمِ وَالعُلى / وَكُبّوا الجِفانَ عِندَهُ وَالمقارِيا
وَلَو أَنصَفوا شَقّوا عَلَيهِ ضَمائِراً / وَجَزّوا رِقاباً بِالظُبى لا نَواصِيا
وَقَفنا فَأَرخَصنا الدُموعَ وَرُبَّما / تَكونُ عَلى سَومِ الغَرامِ غَوالِيا
أَلا أَيُّها القَبرُ الَّذي ضَمَّ لَحدُهُ / قَضيباً عَلى هامِ النَوائِبِ ماضِيا
هَلِ اِبنُ هِلالٍ مِنذُ أَودى كَعَهدِنا / هِلالاً عَلى ضَوءِ المَطالِعِ باقِيا
وَتِلكَ البَنانُ المورِقاتُ مِنَ النَدى / نَواضِبُ ماءٍ أَو بَواقٍ كَما هِيا
فَإِن يَبلَ مِن ذاكَ اللِسانِ مَضاؤُهُ / فَإِنَّ بِهِ عُضواً مِنَ المَجدِ باقِيا
يُجيبُ الدَواعي جائِداً وَمُدافِعاً / هُناكَ مُرِمٌّ لا يُجيبُ الدَواعِيا
وَما كُنتُ آبى طولَ لَبثٍ بِقَبرِهِ / لَوَ اَنّي إِذا اِستَعدَيتُهُ كانَ عادِيا
تَرى الكَلِمَ الغُرّاتِ مِن بَعدِ مَوتِهِ / نَوافِرَ عَمَّن رامَهُنَّ نَوائِيا
هُوَ الخاضِبُ الأَقلامَ نالَ بِها عُلىً / تَقاصَرَ عَنها الخاضِبونَ العَوالِيا
مُعيدُ ضِرابٍ بِالِسانِ لَوَ أَنَّهُ / بِيَومِ وَغىً فَلَّ الجُرازَ اليَمانِيا
مَريرُ القُوى نالَ المَعالِيَ واثِباً / إِذا غَيرُهُ نالَ المَعالِيَ حابِيا
مَضى لَم يُمانِع عَنهُ قَلبٌ مُشَيَّعٌ / إِذا هَمَّ لَم يَرجِع عَنِ الهَمِّ نابِيا
وَلا مُسنِدوهُ بِالأَكُفِّ عَنِ الحَشى / عَلى جَزَعٍ وَالمُفرِشوهُ التَراقِيا
وَلا رَدَّ في صَدرِ المَنونِ بِراحَةٍ / يَرُدُّ بِها سُمرَ القَنا وَالمَواضِيا
خَلا بَعدَكَ الوادي الَّذي كُنتَ أُنسَهُ / وَأَصبَحَ تَعروهُ النَوائِبُ وادِيا
أَراحَت عَلَينا ثَلَّةُ الوَجدِ تَرتَعي / ضَمائِرَنا أَيّامَها وَاللَيالِيا
وَلولاكَ كانَ الصَبرُ مِنكَ سَجِيَّةً / تُراثاً وَرِثناهُ الجُدودَ الأَوالِيا
رَضيتُ بِحُكمِ الدَهرِ فيكَ ضَرورَةً / وَمَن ذا الَّذي يَغدو بِما ساءَ راضِيا
وَطاوَعتُ مَن رامَ اِنتِزاعَكَ مِن يَدي / وَلَو أَجِدُ الأَعوانَ أَصبَحتُ عاصِيا
وَطَأمَنتُ كيما يَعبُرَ الخَطبُ جانِبي / فَأَلقى عَلى ظَهري وَجَرَّ زِمامِيا
مَلَأتَ بِمَحياكَ البِلادَ فَضائِلاً / وَيَملَأُ مَثواكَ البِلادَ مَناعِيا
كَما صَمَّ عالي ذِكرِكَ الخَلقَ كُلَّهُ / كَذاكَ أَقَمتَ العالَمينَ نَواعِيا
رَثَيتُكَ كَي أَسلوكَ فَاِزدَدتُ لَوعَةً / لِأَنَّ المَراثي لا تَسُدُّ المَرازِيا
وَأَعلَمُ أَن لَيسَ البُكاءُ بِنافِعٍ / عَلَيكَ وَلَكِنّي أُمَنّي الأَمانِيا
أَمُلتَمِساً مِنّي صَديقاً لِنَوبَةٍ
أَمُلتَمِساً مِنّي صَديقاً لِنَوبَةٍ / وَأَنتَ صَديقي لا أَرى لَكَ ثانِيا
لَحا اللَهُ دَهراً خانَني فيهِ أَهلُهُ / وَأَحشَمَني حَتّى اِحتَشَمتُ الأَدانِيا
فَلَستُ أَرى إِلّا عَدُوّاً مُكاشِفاً / وَلَستُ أَرى إِلّا صَديقاً مُداجِيا
أُراعي بُلوغَ الشَيبِ وَالشَيبُ دائِيا
أُراعي بُلوغَ الشَيبِ وَالشَيبُ دائِيا / وَأُفني اللَيالي وَاللَيالي فَنائِيا
وَما أَدَّعي أَنّي بَريءٌ مِنَ الهَوى / وَلَكِنَّني لا يَعلَمُ القَومُ ما بِيا
تَلَوَّنَ رَأسي وَالرَجاءُ بِحالِهِ / وَفي كُلِّ حالٍ لا تَغُبُّ الأَمانِيا
خَليلَيَّ هَل تَثنى مِنَ الوَجدِ عَبرَةٌ / وَهَل تُرجِعُ الأَيّامُ ما كانَ ماضِيا
إِذا شِئتَ أَن تَسلى الحَبيبَ فَخَلَّهِ / وَراءَكَ أَيّاماً وَجُرَّ اللَيالِيا
أَعِفُّ وَفي قَلبي مِنَ الحُبِّ لَوعَةٌ / وَليسَ عَفيفاً تارِكُ الحُبِّ سالِيا
إِذا عَطَفَتني لِلحَبيبِ عَواطِفٌ / أَبَيتُ وَفاتَ الذُلُّ مَن كانَ آبِيا
وَغَيرِيَ يَستَنشي الرِياحَ صَبابَةً / وَيُنشي عَلى طولِ الغَرامِ القَوافِيا
وَأَلقى مِنَ الأَحبابِ ما لَو لَقيتُهُ / مِنَ الناسِ سَلَّطتُ الظُبى وَالعَوالِيا
فَلا تَحسَبوا أَنّي رَضيتُ بِذِلَّةٍ / وَلَكِنَّ حُبّاً غادَرَ القَلبَ راضِيا
رَعى اللَهُ مَن وَدَّعَتهُ يَومَ دابِقٍ / وَوَلَّيتُ أَنهى الدَمعَ ماكانَ جارِيا
وَأَكتُمُ أَنفاسي إِذا ما ذَكَرتُهُ / وَما كُلُ ما تُخفيهِ يا قَلبُ خافِيا
فَعِندي زَفيرٌ ما تَرَقّى مِنَ الحَشى / وَعِندي دُموعٌ ما طَلَعنَ المَآقِيا
مَضى ما مَضى مِمَّن كَرِهتُ فِراقَه / وَقَد قَلَّ عِندي الدَمعُ إِن كُنتُ باكِيا
وَلا خَيرَ في الدُنيا إِذا كُنتُ حاضِراً / وَكانَ الَّذي يَغرى بِهِ القَلبُ نائِيا
إِذا اللَيلُ واراني خَفيتُ عَنِ الكَرى / وَأَيدي المَطايا جِنحَ لَيلي إِزائِيا
وَما طالَ لَيلي غَيرَ أَنَّ عَلاقَةً / بِقَلبِيَ تَستَقري بِعَيني الدَرارِيا
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَرى غَيرَ موجَعٍ / وَهَل أَلقَيَن قَلباً مِنَ الوَجدِ خالِيا
بِأَيِّ جَنانٍ قارِحٍ أَطلُبُ العُلى / وَأُطمِعُ سَيفي أَن يُبيدَ الأَعادِيا
إِذا كُنتُ أُعطي النَفسَ في الحُبِّ حُكمَها / وَأُودِعُ قَلبي وَالفُؤادَ الغَوانِيا
وَلَم أَدنُ مِن وُدٍّ وَقَد غاضَ وِدُّهُ / وَلَكِنَّني داوَيتُهُ بِبِعادِيا
تَعَمَّدَني بِالضَيمِ حَتّى شَكوتُهُ / وَمَن يَشكُ لا يَعدَم مِنَ الناسِ شاكِيا
وَإِنّي إِذا أَبدى العَدُوُّ سَفاهَةً / حَبَستُ عَنِ العَوراءِ فَضلَ لِسانِيا
وَكُنتُ إِذا اِلتاثَ الصَديقُ قَطَعتُهُ / وَإِن كانَ يَوماً رائِحاً كُنتُ غادِيا
سَجِيَّةُ مَضّاءٍ عَلى ما يُريدُهُ / مُقِضٍّ عَلى الأَيّامِ ما كانَ قاضِيا
أَرى الماءَ أَحلى مِن رُضابٍ أُذوقُهُ / وَأَحسَنَ مِن بيضِ الثُغورِ الأَقاحِيا
وَأَطيَبُ مِن داري بِلاداً أَجوبُها / إِلى العِزِّ جَوبي بِالبَنانِ رِدائِيا
وَرَبُّ مُنىً سَدَّدتُ فيهِ مَطالِبي / وَأَيُّ سِهامٍ لَو بَلَغنَ المَرامِيا
وَهَمٌّ سَقَيتُ القَلبَ مِنهُ وَحاجَةٌ / رَكِبتُ إِلَيها غارِبَ اللَيلِ عارِيا
وَعارِيَةُ الأَيّامِ عِندي سَيِّئَةٌ / أَسَأتُ لَها قَبلَ الأَوانِ التَقاضِيا
أَرى الدَهرَ غَصّاباً لِما لَيسَ حَقَّهُ / فَلا عَجَبٌ أَن يَستَرِدَّ العَوارِيا
وَما شِبتُ مِن طولِ السِنينَ وَإِنَّما / غُبارُ حُروبِ الدَهرِ غَطّى سَوادِيا
وَما اِنحَطَّ أولى الشَعرِ حَتّى نَعَيتُهُ / فَبَيَّضَ هَمُّ القَلبِ باقي عِذارِيا
أَرى المَوتَ داءً لا يُبَلُّ عَليلُهُ / وَما اِعتَلَّ مَن لاقى مِنَ الدَهرِ شافِيا
فَما لِيَ وَقِرناً لا يُغالَبُ كُلَّما / مَنَعتُ أَمامي جاءَني مِن وَرَآئِيا
يُحَرِّكُني مَن ماتَ لي بِسُكونِهِ / وَتَجديدُ دَهري أَن أُرى الدَهرَ باكِيا
وَأَبعَدُ شَيءٍ مِنكَ ما فاتَ عَصرُهُ / وَأَقرَبُ شَيءٍ مِنكَ ما كانَ جائِيا
وَلَستُ بِخَزّانٍ لِمالٍ وَإِنَّما / تُراثُ العُلى وَالفَضلِ وَالمَجدِ مالِيا
وَإِتلافُ ما لي عَن حَياتي أَلَذُّ لي / وَلا خَيرَ أَن يَبقى وَأُصبِحَ فانِيا
وَإِنّي لَأَلقى راحَتي في تَقَنُّعي / وَفي طَلَبِ الإِثراءِ طولَ عَنائِيا
وَإِنِّيَ إِن أَلقى صَديقاً مُوافِقاً / وَذَلِكَ شَيءٌ عازِبٌ عَن رَجائِيا
وَإِنَّ غَريبَ القَومِ مَن عاشَ فيهِمُ / وَليسَ يَرى إِلّا عَدُوّاً مُداجِيا
وَأَكثَرُ مَن تَلقاهُ كَالسَيفِ مُرهَفاً / عَلَيكَ وَإِن جَرَّبتَهُ كانَ نابِيا
وَما أَنا إِلّا غِمدُ قَلبي فَإِن مَضى / مَضَيتُ وَما لي مِنَّةٌ في مَضائِيا
وَما حَمَلَتني العيسُ إِلّا مُشَمِّراً / لِأَخرُقَ لَيلاً أَو لِأَقطَعَ وادِيا
طَوارِحَ أَيدٍ في اللَيالي كَأَنَّها / تُجاري إِلى الصُبحِ النُجومَ الجَوارِيا
إِذا ما رَحَلناها مِنَ الصَيفِ لَيلَةً / فَلا حَلَّ حَتّى يَنظُرَ النَجمَ رائِيا
طَواهُنَّ طَيَّ السَيرِ في كُلِّ مُهمَهٍ / وَرُحنَ خِماصاً قَد طَوَينَ المَوامِيا
مَرَرنَ بِمَيّاسِ الثُمامِ وَحَزنِهِ / خِفافاً كَأَطرافِ العَوالي نَواجِيا
وَكَم جاوَزَت مِن رَملَةٍ ثُمَّ عاقِرٍ / وَأُخرى يَضُفُّ الرَوضُ فيها الغَوادِيا
وَمِن نَفَرٍ لا يَعرِفُ الضَيفَ كَلبُهُم / وَيَسغَبُ حَتّى يَقطَعَ اللَيلَ عاوِيا
تَهابُ النَدى أَيديهِمُ فَكَأَنَّما / تُلاطِمُ مِن بَذلِ النَوالِ الأَثافِيا
وَأَعلى الوَرى مَن وافَقَ الرُمحُ باعَهُ / وَكانَ لَهُ في كِبَّةِ الخَيلِ ساقِيا
وَأَشرَفُهُم مَن يُطلِقُ الكَفَّ بِالنَدى / سَخِيّاً بِبَذلِ المالِ أَو مُتَساخِيا
وَإِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ لَحابِسٌ / رِكابِيَ أَن أَرمي بِها ما أَمامِيا
مُعيني عَلى الأَيّامِ إِن غالَبَت يَدي / وَإِن كُنتُ مَعدُوّاً عَلَيَّ وَعادِيا
إِذا شِئتُ عَنهُ رِحلَةً حَطَّ جودُهُ / حَقائِبَ أَذوادي وَرَدَّ المَثانِيا
وَلَولاهُ ما اِنصانَت لِوَجهي طَلاوَةٌ / وَلا كُنتُ إِلّا شاحِبَ اللَونِ طاوِيا
جَريئاً أَروعُ الوَحشَ في كُلِّ ظُلمَةٍ / وَأَخلِطُ بِالنَقعِ المَثارِ الدَياجِيا
هُوَ السَيفُ إِن أَغمَدتَهُ كانَ حازِماً / وَقوراً وَإِن جَرَّدتَهُ كانَ عادِيا
لَهُ كُلَّ يَومٍ مَعرَكٌ إِن شَهِدتَهُ / تَرى قُضُباً عوناً وَهاماً عَذارِيا
يَضُمُّ عَليها جانِبَ النَقعِ بِالقَنا / يُبادِرنَ قُدّامَ السُيوفِ التَراقِيا
وَيُرسِلُ في الأَقرانِ كُلَّ خَفِيَّةٍ / تَخالُ بِها طَيراً مِنَ الريحِ هافِيا
وَيَثني جَواداً مِن دَمِ الطَعنِ ناعِلاً / وَيُزجي نَجيباً مِن وَجى السَيرِ حافِيا
تَسافَهُ في الغاراتِ أَشداقُ خَيلِها / عَلى اللُجمِ حَتّى تَكرَعَ الماءَ دامِيا
عَظيمٌ عَلى غَيظِ الرِجالِ مُحَسَّدٌ / غَلوبٌ إِذا ما جاذَبوهُ المَعالِيا
تُغاديهِ إِلّا في حَرامٍ مُغامِراً / وَتَلقاهُ إِلّا عَن نَوالٍ مُحامِيا
وَما قَضَباتُ السَبقِ إِلّا لِماجِدٍ / سَعى فَاِحتَوى دونَ الرِجالِ المَساعِيا
أَيا عَلَمَ الإِسلامِ وَالمَجدِ وَالعُلى / رَضيناكَ مَهدِيّاً لِدينٍ وَهادِيا
وَما حَمَلَتكَ الخَيلُ إِلّا رَدَدتَها / عَنِ الرَوعِ حُمراً بِالدِماءِ قَوانِيا
وَشُعثَ النَواصي يَتَّخِذنَ دَمَ الطُلى / دِهاناً وَأَطرافَ العَوالي مَدارِيا
وَغَيرُكَ يَقتادُ الجِيادَ لِغارَةٍ / وَيُرجِعُها مُلسَ الجُلودِ كَما هِيا
وَما الخَيلُ إِلّا أَن تَكونَ سَوابِقاً / وَما الأُسدُ إِلّا أَن تَكونَ ضَوارِيا
وتَترُكُ صُبحَ الجَهلِ يَغبَرُّ ضَوؤُهُ / وَنَقعُكَ أَخّاذٌ عَلَيهِ الضَواحِيا
بِيَومِ طِرادٍ يَصطَلي القَومُ تَحتَهُ / بِنارِ الحَنايا وَالقَنا وَالمَواضِيا
وَجُردٍ يُناقِلنَ الرِماحَ عَوابِساً / وَيَرمينَ بِالعَدوِ القَطا وَالحَوامِيا
خَوارِجَ مِن ذَيلِ الغُبارِ كَأَنَّها / أَنامِلُ مَقرورٍ دَنا النارَ صالِيا
بِكُلِّ سِنانٍ لا يَرى الدُرعَ جُنَّةً / وَكُلِّ حُسامٍ لا يَرى البَيضَ واقِيا
وَلا سِلمَ حَتّى يَخضِبَ الحَربُ أَرضَها / وَيَغدو فَمُ البَيداءِ بِالنَقعِ راغِيا
إِذا ما لَقيتَ الجَيشَ أَفنَيتَ جُلَّهُ / رَدىً وَرَدَدتَ القافِلينَ نَواعِيا
وَما كُلُّ مَن أَومى إِلى العِزِّ نالَهُ / وَدونَ العُلى ضَربٌ يُدَمّي النَواصِيا
إِلى كَم أُمَنّي النَفسَ يَوماً وَليلَةً / وَتُعلِمُني الأَيّامُ أَن لا تَلاقِيا
وَكَم أَنا مَوقوفٌ عَلى كُلِّ زَفرَةٍ / عَليلُ جَوىً لَو أَنَّ ناساً دَوائِيا
أَيَسنَحُ لي رَوضاً وَأُصبِحُ عازِباً / وَيَعرِضُ لي ماءً وَأُصبِحُ صادِيا
وَما أَنا إِلّا أَن أَراكَ بِقانِعٍ / وَإِن كُنتَ جَرّاراً إِلَيَّ الأَعادِيا
تَرَكتُ إِلَيكَ الناسَ طُرّاً وَكُلُّهُم / يَتوقُ إِلى قُربي وَيَهوى مَقامِيا
وَفارَقتُ أَقواماً كِراماً أَكُفُّهُم / وَما ضِقتُ عَنهُم في البِلادِ مَلاقِيا
وَيَمنَعُني مِن عادَةِ الشِعرِ أَنَّني / رَأَيتُ لِباسَ الذُلِّ بِالمالِ غالِيا
إِذا لَم أَجِد بُدّاً مِنَ السَيفِ شِمتُهُ / وَفَقدِ ذَلولٍ أَركَبُ الصَعبَ ماشِيا
فَإِن كُنتُ لا أَعلو عَلى عودِ مِنبَرٍ / فَلَستُ أُلاقي غَيرَ مَجدِيَ عالِيا
عَليكَ سَلامُ اللَهِ إِنّي لَنازِعٌ / إِلَيكَ وَإِن لَم أُعطَ مِنكَ مُرادِيا
وَدُمتَ دَوامَ الشَمسِ وَالبَدرِ في الدُنا / تُجَدِّدُ أَيّاماً وَتَنضو لَيالِيا