ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا / أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى / تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا / و تغري بي الوجد الطيور شواديا
فأبكي لما بي من جوى و صبابة / و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة / و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها / و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
يشقّ على خدع فؤاده / و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
طلبت على البلوى معينا ففاتني / يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها / يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
رميت من الدنيا بما لو قليله / رميت به الأيّام صارت لياليا
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني / ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة / و أحزان قلبي باقيات كما هيا
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى / سلوت و لكن أمّتي و بلاديا
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة / طربت فألقى منكباي ردائيا
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها / و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة / و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي / بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله / و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى / و صار بنوها العاقلون ضواريا
فما تنبت الغبراء غير مصائب / و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه / و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
و بات سبيل كان يسري به الفتى / بلا حارس يمشي به الجيش خاشيا
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم / فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
و كان لنا في الكتب عون على الأسى / و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا / و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه / بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
و تعلم نفسي أنّه غير عالم / و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا / و طال فبتنا ما نكذّب راويا
أقضي نهاري طائر النفس حائرا / و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
فما هم بأموات فنبكي عليهم / ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم / حفاة عراة جائعين صواديا
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم / و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم / كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
كأنّي بالدّور الحسان خرائب / كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي / كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي / كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه / و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما / عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد / و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا "
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره / فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا / من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا
و يا ليت من باع البلاد و أهلها / " بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا
فيا أمّة قد طال عهد سباتها / متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
إلى كم تودّين البقاء لمعشر / بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم / تسامون منهم ما تسام المواشيا
أم آن يسترجع التاج أهله / و يسترجع التاج المهابة ثانيا
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا / فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم / فكونوا لمن ضلّ المحجّة هاديا
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله / فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
أرى ظلمات مطبقات حوالكم / فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
غدا ينشر التاريخ حديثه / و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا / و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
و يا أيّها الجالون بلادكم / تناديكم لو تسمعون مناديا
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة / وساق عليها جبشه الجوع غازيا
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم / كأنّهم ماء أضاع المجاريا
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم / على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
من العار أين يكسو الحرير جسومكم / و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
من العار أن يبقى عليكم جمودكم / وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه / رآه عليه العالمون مخازيا
إذا المرء لم يسع لخير بلاده / يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا