المجموع : 3
وما بالذي قد دان باللَه من عمى
وما بالذي قد دان باللَه من عمى / ولكنما حب السلامة يعميه
ولا يتحرى المرء ديناً لنفسه / ولكنه يأبى معارضة فيه
تمتع بلذات الحياة فإنها
تمتع بلذات الحياة فإنها / إذا ما انقضت يوماً فليس لها بقيا
وليس لإنسان حياة سوى التي / يعيش بها الإنسان في هذه الدنيا
وقفت على المستنصرية باكياً
وقفت على المستنصرية باكياً / ربوعاً بها للعلم أمست خواليا
وقفت بها أبكي قديم حياتها / وأبكي بها الحسنى وأبكي المعاليا
وقفت بها أبكي بشعري بناتها / وأنعى سجاياها وأنعى المساعيا
بكيت بها عهداً مضى في عِراصها / كريماً فليت العهد لم يك ماضيا
بكيت بها المدفون في حجراتها / من العلم حتى بلَّ دمعي ردائيا
أكفكف بالأيدي بوادر أدمعي / ويأبين إلا أن يفضن جواريا
وطأطأت رأسي في ذراها تواضعاً / وحييت بالتسليم منها المغانيا
وسرحت أنظاري بها فوجدتها / بناءً لتشييد المعارف عاليا
بناءً فخيماً عز للعلم مثله / فقلت كذا فليبن من كان بانيا
والفيت قسماً قد تداعى جداره / وقسماً على ما كان من قبل باقيا
تهبُّ رياح الصيف في حجراتها / فتلبسها ثوباً من النقع هابيا
وتسعى الجدران منها عناكب / تُجِدّ لها فيما تداعى مبانيا
فالممت فيها بالرسوم دوارسا / وساءلت منهن الطلول بواليا
وقلت لدار البحث عظِّمت محفلا / وقلت لنادي الدرس حييت ناديا
أكلية العلم الذي كان روضه / نضيراً كما شاء التقدم ناميا
بأية ريح فيكِ هبت زعازع / تصوَّح ذاك الروض فاجتث ذاويا
لقد كنت فيما قد مضى دار حكمة / بها يعلم الناس الحقائق ماهيا
فكنتِ بأفق الشرق شمساً مضيئة / تشعين نوراً للمعارف زاهيا
وكانت بلاد الغرب إذ ذاك في عمى / تقاسى من الجهل الكثيف الدياجيا
فأين رجال فيك كانوا مشائخاً / إليهم يحث الطالبون النواجيا
وكانوا بحاراً للعلوم عميقة / وكانوا جبالاً للحلوم رواسيا
وكانوا مصابيح الهدى ونجومها / بهم يهتدى من كان في الليل ساريا
يميتون في نشر العلوم يهارهم / ويحيون في حل العويص اللياليا
نواحيك من طلابها اليوم أقفرت / وكانوا ألوفاً يملأون النواحيا
فقالت وقاك اللَه لا تسأَلنّني / فمالك نفع في السؤال ولا ليا
فقلت أجييني كما كنتِ سابقاً / تجيبين من قد جاء للعلم راجيا
فقالت ألمت حادثات عظيمة / وجرَّت عَلَى هذي البلاد دواهيا
هناك استبد الدهر بالناس مُبدلا / فرفّع مخفوضاً وسفّل عاليا
هناك اضمحلت دولة عربية / بها كانت الأيام ترفع شانيا
وعُوّض عنها دولة ثم دولة / تُسَرُّ بكون الجهل في الناس فاشيا
وذاك لأن العلم للمرء مرشد / يعلمه عن حقه أن يحاميا
عرت نكبات الدهر بغدادَ بعدما / بها رَدَحاً ألقى السلام المراسيا
فأذهب ما للعلم من رونق الصبا / تتابعُ أحداثٍ يُشبن النواصيا
وأدنى الذي قد نابها من نوائب / خرابى ولولاها لما كان دانيا
فكابدت منهن الصروف نوازلاً / وقاسيت منهن الخطوب عواديا
وأبدى على عزى القديم إهانتي / رجال لشخص العلم كانوا أعاديا
وأُهملت حتى انهد مني كما ترى / مبانٍ لنشر العلم عزت مبانيا
وصرت على حكم الذين تحرّزوا / من العلم يا هذا إلى ما ترانيا
فقد ذوىَ الغصن الذي كان ناضراً / وقد عطِّل الجيد الذي كان حاليا
أضاءت قرون بي هي اليوم قد خلت / فسل إن تشأ عني القرون الخواليا
وكنت أرجى أن تعود عمارتي / إذا بعث الرحمن للعلم راعيا
فأمّلت عمراً ذلك العَود باطلاً / وعشت له دهراً أُمنَّى الأمانيا
أرجِّى بها أني ألاقي شبيبتي / فأيقنت هذا اليوم أن لا تلاقيا
لقد نقض الأيام بالعجم مِرّتي / ومرُّ الليالي يَتبّعن اللياليا
ورنَّق عدوان الزمان معيشتي / فمن ليَ أن ألقى الزمان مصافيا
ومزَّقني الباغون كل ممزَّق / ولا أحد عن فعل ذلك ناهيا
فقد صيروا للحفم بعضى مخازناً / وبعضي حوانيتاً وبعضي ملاهيا
وحُطَّت بساحاتي ابتغاء رسومها / بضائع للتجار تشقى الأهاليا
ولاقيت منهم كل خسف وجفوةٍ / فماذا عسى من بعد ذا أن أُلاقيا
أَبِيتُ بِلا ضوء ينير دجنتي / وَيدفع عني وحشتي وظلاميا
أُغل فلا أُسقى من الماءِ شربة / ودجلة تجري بالنمير أماميا
فيا ليتني كنت امَّحَوت بأجمعي / ولا كان في حالي كذا الذل باديا
كما أنه أختى النظامية امحَّت / ولم يبقِ من آثارها الدهر باقيا
وكل جديدٍ سوف يرجع للبِلى / إذا لم يكن منه له اللَه واقيا