المجموع : 5
أَتعطشُ أولادي وأنت غمامة
أَتعطشُ أولادي وأنت غمامة / تعم جميع الخلق بالنفع والسقيا
وتُظلم أوقاتي ووجهك نيّرٌ / تفيض به الأنوار للدين والدنيا
وجَدُّك قد سماك ربُّك باسمه / وأورثك الرحمنُ رتبته العليا
وقد كان أعطاني الذي أنا سائلٌ / وسوَّغني من غيرِ شرط ولا ثُنيا
وشعريَ في غرِّ المصانع خالدٌ / يحييه عني في الممات وفي المحْيَا
وما زلتُ أُهدي المدح مِسكاً مُفَتّقاً / فتحمله الأرواحُ عاطرة الرَّيَّا
وقد أكثر العبدُ التشكّي وإنه / وحقك يا فخر الملوك قد استحيا
وما الجود إلا ميِّتٌ غير أنه / إذا نفحت يُمناك في روحه يحيا
فمن شاء أن يدعو لدين محمد / فيدعو لمولانا الخليفة بالبُقُيا
كتبتُ ودمعي بلَّلَ الركبَ قطرُهُ
كتبتُ ودمعي بلَّلَ الركبَ قطرُهُ / وأجرى به بين الخيام السواقيا
حنيناً لمولى أتلف المالَ جودُهُ / ولكنه قد خلّد الفخر باقيا
وما عشتُ بعد البين إلا لأنني / أرجّي بفضل الله منه التلاقيا
يكلفني مولايَ رجعَ جوابه
يكلفني مولايَ رجعَ جوابه / وما لتعاطي المعجزات وماليا
أجيبك للفضل الذي أنت أهلُه / وأكتب مما قد أفدت الأماليا
فأنت الذي طوَّقْتَني كل منة / وأحسبت آمالي وأكسبت ماليا
وأنت الذي أعدى الزمانَ كمالُهُ / وصيَّرت أحرارَ الزمان مَواليا
فلا زلت للفعل الجميل مواصلاً / ولا زلتَ للشكر الجزيل مُواليا
معاذ الهوى أن أصحبَ القلب ساليا
معاذ الهوى أن أصحبَ القلب ساليا / وأن يشغل اللوام بالعذل باليا
دعانيَ أُعطِ الحبَّ فضلَ مقادتي / ويقضي عليَّ الوجد ما كان قاضيا
ودون الذي رام العواذلُ صبوةٌ / رمتْ بيَ في شِعبِ الغرام المراميا
وقلب إذا ما البرق أومض مَوْهنا / قدحتُ به زنداً من الشوق واريا
خليليَّ إنّي يومَ طارقة النوى / شقيت بمن لو شاء أنعم باليا
وبالخيف يومَ النفر يا أم مالك / تخلّفتِ قلبي في حبالك عانيا
وذي أشَر عذب الثنايا مخصّر / يُسقِّي به ماء النعيم الأقاحيا
أحوم عليه ما دجا الليل ساهراً / وأصبح دون الورد ظمآن صاديا
يضيء ظلامَ الليل ما بين أضلعي / إذا البارق النجديُّ وهُناً بدا ليا
أجيرتنا بالرمل والرمل منزلٌ / مضى العيش فيه بالشبيبة حاليا
ولم أر ربعاً منه أقضى لبانةٌ / وأشجى حماماتٍ وأحلى مجانيا
سقتُ طلَّة الغرُّ الغوادي ونظّمت / من القطر في جيد الغُصُون لآليا
أبثُّكُمُ إني على النأي حافظٌ / ذمامَ الهوى لو تحفظون ذماميا
أناشدكم والحرُّ أَوْفَى بعهده / ولن يعدم الإحسانُ والخيرُ جاريا
هل الودُّ إلا ما تحاماه كاشحٌ / وأخفق في مسعاه من جاء واشيا
تأوّبني والليل يُذكي عيونه / ويسحب من ذيل الدُّجُنَّةِ ضافيا
وقد مَثَلَتْ زهرُ النجوم بأفقه / حباباً على نهر المجرة طافيا
خيالٌ على بعد المزار أَلَمَّ بي / فأذكرني من لم أكن عنه ساليا
عجبت له كيف اهتدى نحو مضجعي / ولم يُبْقِ مني السّقم والشّوق باقيا
رفعت له نار الصبابة فاهتدى / وخاض لها عرضَ الدُّجُنَّةِ ساريا
ومما أجدَّ الوجد سربٌ على النّقا / سوانح يصقلن الطّلَى والتراقيا
نزعن عن الألحاظ كلَّ مسدَّدٍ / فعادرنَ أفلاذَ القلوب دواميا
ولما تراءى السرب قلت لصاحبي / وأيقنت أن الحبّ ما عشتُ دانيا
حذارَك من سقم الجفون فإنه / سيُعدي بما يعيي الطبيب المداويا
وإن أمير المسلمين محمداً / ليُعدي نداه الساريات الهواميا
تضيء النجومَ الزاهراتِ خِلالُهُ / وينفث في رُوع الزّمان المعاليا
معالٍ إذا ما النجم صوَّبَ طالباً / مبالغها في العزّ حَلّق وانِيا
يسابقُ عُلْوِيَّ الرياح إلى الندى / ويفضح جدوى راحَتَيْهِ الغواديا
ويغضي عن العوراء إغضاء قادرٍ / ويرجحُ في الحِلم الجبالَ الرواسيا
همام يروع الأسد في حومة الوغى / كما راعت الأسدُ الظباءَ الجوازيا
مناقبُ تسمو للفخار كأنما / تجاريّ إلى المجد النجوم الجواريا
إذا استبق الأملاك يوماً لغايةٍ / أبيتَ وذاك المجدَ إلاَّ التناهيا
بهرت فأخفيت الملوك وذكرها / ولا عجبٌ فالشمس تخفي الدراريا
جلوتَ ظلامَ الظلم من كل مُعتدٍ / ولا غرو أن تجلو البدور الدَّياجيا
هديتَ سبيلَ الله من ضَلَّ رشده / فلا زلتَ مهدياً إليه وهاديا
أفدت وَجِيَّ الملك مما أفدته / وطوّقتَ أشرافَ الملوك الأياديا
وقد عرفت منها مرينٌ سوابقاً / تقر لها بالفضل أخرى اللياليا
وكان أبو زيّان جيداً مُعطَّلاً / فزينته حتى اغتدى بك حاليا
لك الخير لم تقصد بما قد أفدتَه / جزاءً ولكن همةٌ هي ماهيا
فما تُكبرُ الأملاكُ غيرَك آمراً / ولا ترهبُ الأشرافُ غيرك ناهيا
ولا تشتكي الأيام من داء فتنة / فقد عَرفَتْ منك الطبيب المداويا
وأندلساً أوليتَ ما أنت أهلُهُ / وأوردتها وِرداً من الأمن صافيا
تلافيت هذا الثغر وهو على شفاً / وأصبحت من داء الحوادث شافيا
ومن بعد ما ساءت ظنونٌ بأهلها / وحاموا على وِرد الأماني صواديا
فما يأملون العيش إلاّ تعلُّلاً / ولا يعرفون الأمن إلاّ أمانيا
عطفت على الأيام عطفة راحمٍ / وألبستها ثوب امتنانك ضافيا
فآنس من تلقائك الملكُ رشدَه / ونال بك الإسلام ما كان راجيا
وقفت على الإسلامِ نفساً كريمةً / تصدُّ عدوّاً عَنْ حماه وعاديا
فرأيٌ كما انشقَّ الصباح وعزمةٌ / كما صقل القينُ الحسامَ اليمانيا
وكانت رماح الخَطِّ خُمصاً ذوابلاً / فأنهلتَ منها في الدماء صواديا
وأوردتَ صفحَ السيف أبيضَ ناصعاً / فأصدرتَه في الرَّوْع أحمرَ قانيا
لك العزم تستجلي الخطوب بهديه / ويُلْفَى إذا تنبو الصوارم ماضيا
إذا أنت لم تفخرْ بما أنت أهلُهُ / فما الصبح وضاح المشارق عاليا
ويهنيك دون العيد عيدٌ شرعتَهُ / نبتُّ به في الخافقين التهانيا
أقمتَ به من فطرة الدين سُنّةً / وجدَّدْتَ من رسم الهداية عافيا
صنيعٌ تولّى الله تشييد فخره / وكان لما أوليت فيه مجازيا
تودُّ النجومُ الزُهرُ لو مَثَلَتْ به / وقضّت من الزُّلفى إليك الأمانيا
وما زال وجه اليوم بالشمس مشرقاً / سروراً به والليلُ بالشهب حاليا
على مثله فلْيعقدِ الفخْرُ تاجه / ويسمو به فوق النجوم مراقبا
به تغمرُ الأنواءُ كلَّ مُفَوَّهٍ / ويحدو به من كان بالقفر ساريا
ويوسُفُ فيه بالجمال مُقَنَّعٌ / كأنَّ له من كلِّ قلب مناجيا
وأقبل ما شاب الحياءَ مهابةً / يُقلِّب وجه البدر أزهر باهيا
وأقدمَ لا هيّابة الحفل واجماً / ولا قاصراً فيه الخطى متوانيا
شمائلُ فيه من أبيه وجَدّه / ترى العزَّ فيها مستكناً وباديا
فيا عَلَقاً أشجى القلوب لَوَ أنَّنا / فديناك بالأعلاق ما كنت غالبا
جريْتَ فأَجرْيتَ الدموع تعطفاً / وأطلعتَ فيها للسرور نواشيا
وكم من وليٍّ دون بابك مخلصٍ / يُفدِّيه بالنفس النفيسة واقيا
وصيد من الحيَّيْن أبناء قيلةٍ / تكفُّ العوادي أو تبيد الأعاديا
بهاليلُ غرٌّ إن أعدّوا لغارةٍ / أعادوا صباح الحيِّ أظلم داجيا
فوالله لولا أن توخَّيتَ سُلَّةً / رضيت بها أن كان ربُّك راضيا
لكان بها للأعوجيَّاتِ جولةٌ / تُشيبُ من الغُلبِ الشبابِ النّواصيا
وتترك أوصالَ الوشيج مقصَّداً / وبيضَ الظُبي حمرَ المتون دواميا
ولما قضى من سنة اله ما قضى / وقد حسدت منه النجوم المساعيا
أفضنا نُهنِّي منك أكرم منعم / أبى لعميم الجود إلاّ تواليا
فيهني صفاح الهندِ والبأسَ والندى / وسمرَ العوالي والعتاق المذاكيا
ويهني البنودَ الخافقاتِ فإنها / سيعقدها في ذمة النصر غازيا
كأني به يُشقي الصوارم والظُّبى / ويحطمُ في اللأم الصلابِ العواليا
كأني به قد توّج الملك يافعاً / وجَمّع أشتات المكارم ناشيا
وقضَّى حقوق الفخر في ميعة الصِّبا / وأحسن من ديْن الكالِ التقاضيا
وما هو إلاّ السعدُ إنْ رُمْتَ مطلعاً / وسدَّدْت سهماً كان ربُّك راميا
فلا زلت يا فخر الخلافة كافلاً / ولا زلت يا خير الأئمة كافيا
ودمتَ قريرَ العين منه بغبطةٍ / وكان له ربُّ البريّةَ واقيا
نظمتُ له حرَّ الكلام تمائماً / جعلتُ مكان الدُّرِّ فيها القوافيا
لآلٍ بها تبأى الملوك نفاسة / وجلَّت لعمري أن تكون لآليا
أرى المال يرميه الجديدان بالبى / وما إن أرى إلا المحامدَ باقيا
سَلِ الأفق بالزُّهر الكواكب حاليا
سَلِ الأفق بالزُّهر الكواكب حاليا / فإنِّيَ قد أودعْتُه شرحَ حاليا
وحَمَّلْتُ معتلَّ النسيم أمانةً / قطعتُ بها عمر الزمان أمانيا
فيَا مَنْ رأى الأَرواحَ وهي ضعيفةٌ / أُحَمِّلُها ما يستخفُّ الرواسيا
وساوسُ كم جدّتْ وجدَّ بيَ الهوى / فعُذَّبه القلبُ المقلَّبُ هازيا
ومن يُطعِ الألحاظ في شرعة الهوى / فلا بدَّ أن يعصي نصيحاً ولاحيا
عدلتُ بقلبي عن ولاية حكمه / غداة ارتضى من جائر اللحظ واليا
وما الحبُّ إلا نظرةٌ تبعث الهوى / وتُعقب ما يُعيي الطبيب المداويا
فيا عجباً للعين تمشي طليقةً / ويصبح من جرّائها القلبُ عانيَا
ألا في سبيل الله نفس نفيسةٌ / يُرخّصُ منها الحبُّ ما كان غاليا
ويا رُبَّ عهدٍ للشباب قضيتُهُ / وأحسنت من دَيْنَ الوصال التقاضيا
خلوتُ بمن أهواه من غير رِقبةٍ / ولكنْ عفافي لم أكن عنه خاليا
ويوم بمستنّ الظباء شهدتُهُ / أجدَّ وصالاً بالياً فيه باليا
ولم أَصحُ من خمر اللحاظ وقد غدا / به الجوُّ وضّاح الأسِرَّةِ صاحبا
وجرّد من غمد الغمامة صارماً / من البرق مصقول الصفيح يمانيا
تبسّم فاستبكى جفونيَ غمرةً / ملأتُ بدُرِّ الدمع فيها ردائيا
وأذكرني ثغراً ظمئتُ بِورْدِهِ / ولا والهوى العذريّ ما كنْتُ ناسيا
وراح خَفوق القلب مثلي كأنما / ببرق الحمى من لوعة الحبِّ ما بيا
وليلةَ بات البدرُ فيها مضاجعي / وباتتْ عيون الشهب نَحوي روانيا
كرعتُ بها بين العُذَيْب وبارقٍ / بمورد ثغر بات بالدارِّ حاليا
رشفتُ به شهدَ الرُّضاب سُلافةٌ / وقبّلْتُ في ماء النعيم الأقاحيا
فيا برد ذاك الثغر رَوَّيتَ غُلَّتي / ويا حَرَّ أنفاسي أَذَيْتَ فؤاديا
وروضة حسن للشباب نضيرةٍ / هصرتُ بغصن البانِ فيها المجانيا
وبتُّ أُسقّي وردة الخد أدمعي / فأصبح فيها نرجسُ اللحظ ذاويا
ومالت بقلبي مائِلاتُ قدودها / فما للقدود المائلاتِ وماليا
جزى الله ذاك العهدّ عَوْداً فطالما / أعاد على ربعي الظباء الجوازيا
وقلْ لليالٍ في الشباب نعمتُها / وقضَّيْتُها أُنساً سُقيتِ لياليا
ويا واديا رفّت عليَّ ظلالهُ / ونحن ندير الوصل قُدِّستِ لياليا
رمتني عيونُ السرب فيه وإنما / رَمَيْنَ بقلبي في الغرام المراميا
فلولا اعتصامي بالأمير محمّد / لما كنتُ من فتك اللواحظ ناجيا
فقل للذي يبني على الحسن شعرَهُ / عليه مَعَ الإحسان لا زلتَ بانيا
فكم من شكاةٍ في الهوى قد رفأتُها / ورفَّعتُها بالمدح إذ جاء تاليا
وكم ليلةٍ في مدحه قد سهرتُها / أُباهي بدُرِّ النظم فيه الدّراريا
ولاح عمود الصبح مثل انتسابه / رفعتُ عليه للمديح المبانيا
إمامٌ أفادَ المكرماتِ زمانَهُ / وشاد له فوق النجوم المعاليا
وجاوز قدْر البدر نوراً ورِفْعَةً / ولم يرضَ إلا بالكمال مُواليا
هو الشمس بَثَّتْ في البسيطة نفعَها / وأنوارها أهدت قريباً وقاصيا
هو البحر بالإحسان يزخُر موجُهُ / ولكنه عذبٌ لمن جاء عافيا
هو الغيث مهما يُمسكِ الغيث سُحبه / يُروِّ بسحب الجود من كان صاديا
شمائلُ لو أن الرياضَ بحسنها / لما صّار فيها زهرها الغضُّ ذاويا
فيا ابن الملوك الصيد من آل خزرجٍ / وذا نسبٌ كالصبح عَزَّ مُساميا
ألستَ الذي ترجو العفاةُ نوالَهُ / فتُخْجِلُ جدواه السحابَ الغواديا
ألستَ الذي تخشى البغاةُ صيالَه / فتوجِلُ علياهُ الصعابَ العَواديا
وهدْيُك مهما ضلّتِ الشّهبُ قصدها / تولَّتْهُ في جنح الدُّجُنَّةِ هاديا
وعزمك أمضى من حسامك في الوغى / وإن كان مصقول الغِرَارَيْنِ ماضيا
فكم قادحٍ في الدين يكفر ربَّه / قدحتَ له زند الحفيظة واريا
وما راعه إلاّ حسامٌ وعزمةٌ / يضيئان في ليل الخطوب الدَّواجيا
فلولاك يا شمسَ الخلافة لم يَبِنْ / سبيلُ جهاد كان من قبلُ خافيا
ولولاك لم تُرفع سماءُ عجاجَةٍ / تلوحُ بها بيضُ النصول دراريا
ولولاك لم تنهلْ غصونٌ من القنا / وكانت إلى وردِ الدماءِ صواديا
فأثمر فيها النصلُ نصراً مؤزّراً / وأجنى قطاف الفتح غضَّاً ودانيا
ومهما غدا سفّاح سيفك عاريا / يغادر وجهَ الأرض بالدم كاسيا
قضى الله من فوق السَّموات أنه / على من أبى الإسلام في الأرض قاضيا
فكم معقلٍ للكفر صبَّحتَ أهلَه / بجيشٍ أعادَ الصبح أظلم داجيا
رقيتَ إليه والسيوف مُشِيحةٌ / وقد بلغت فيه النفوس التراقيا
ففتحتَ مرقاه الممنّعَ عَنْوَةً / وبات به التوحيد يعلو مناديا
وناقوسه بالقسْرِ أمسى معطّلاً / ومنْبرُه بالذكر أصبح حاليا
عجائب لم تخطر ببالِ وإنما / ظفرنا بها عن همة هي ما هيا
فمنك استفاد الدهرُ كلَّ عجيبةٍ / يباهي بها الأملاك أخرى لياليا
وعنك يُروّي الناسُ كلَّ غريبة / تخطُّ على صفح الزمان الأماليا
ولله مبناك الجميل فإنهُ / يفوق على حكم السعود المبانيا
فكمْ فيه للأبصار من مُتَنَزَّهٍ / تجدُّ به نفس الحليم الأمانيا
وتهوى النجوم الزهرُ لو ثبتت به / ولم تكُ في أفق السماء جواريا
ولو مثلَتْ في سابقيه لسابقت / إلى خدمةٍ ترضيك منها الجواريا
به البهوُ قد حاز البهاءَ وقد غدا / به القصرُ آفاقَ السماء مُباهيا
وكم حلَّةٍ جلَّلْتَه بحُليِّها / من الوشي تُنْسي السابرِيَّ اليمانيا
وكم من قِسيّ في ذراه ترفَّعت / على عُمُدٍ بالنور باتت حواليا
فتحسبها الأفلاك دارت قِسيُّها / تظل عمود الصبح إذ بات باديا
سواريَ قد جاءت بكلّ غريبة / فطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمرُ المجلوُّ قد شفَّ نورُهُ / فيجلو من الظلماء ما كانَ داجيا
وكم حلَّةٍ جلَّلْتَه بحُليِّها / من الوشي تُنْسي السابرِيَّ اليمانيا
وكم من قِسيّ في ذراه ترفَّعت / على عُمُدٍ بالنور باتت حواليا
فتحسبها الأفلاك دارت قِسيُّها / تظل عمود الصبح إذ بات باديا
سواريَ قد جاءت بكلّ غريبة / فطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمرُ المجلوُّ قد شفّ نورُهُ / فيجلو من الظلماء ما كانَ داجيا
إذا ما ضاءت بالشّعاع تخالها / على عِظَمِ الأجرام منها لآليا
به البحر دفّاع العباب تخاله / إذا ما انبرى وفد النسيم مُباريا
إذا ما جَلَتْ أيدي الصَّبا متن صفحه / أرتنا دُروعاً أكسبتنا الأياديا
وراقصةٍ في البحر طوع عِنانها / تراجع ألحانَ القيان الأغانيا
إذا ما علتْ في الجو ثم تحدَّرتْ / تُحلّي بمرفضِّ الجُمان النواحيا
بذوب لجين سال بين جواهرٍ / غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا
تشابَهَ جارٍ للعيون بجامدٍ / فلمْ أَدْرِ أَيّاً منها كان جاريا
فإِنْ شئت تشبيهاً له عن حقيقةٍ / تصيب بها المرمى وبوركتَ راميا
فقلْ أرقصت منها البحيرة متنها / كما يُرقصُ المولودَ من كان لاهيا
أَرتنا طباعَ الجود وهي وليدة / ولم ترضَ في الإحسان أَلاَّ تُغاليا
سقَتْ ثغر زهر الرّوض عذب بُرودها / وقامت لكي تهدي إلى الدهر ساقيا
كأنْ قد رأت نهر المجرّة ناضباً / فرامت بأن تُجري إليه السَّواقيا
وقامت بنات الدوح فيه موائلاً / فرادى ويتلو بعضهنّ مثانيا
رواضع في حجر الغرام تَرَعْرَعَتْ / وشبَّت فشَبَّتْ حبِّها في فؤاديا
بها كلُّ ملتفّ الغدائر مسبل / تُجيل به أيدي النسيم مداريا
وأشرف جيدُ الغصن فيها معطلاً / فقلّدتِ النوّارَ منه التراقيا
إذا ما تحلّت درَّ زهْر غُروسُهُ / يبيتُ لها النَّمَّامُ بالطّيب واشيا
مصارفة النقدين فيها بمثلها / أجاز بها قاضي الجمال التقاضيا
فإن ملأت كف النسيم بمثلها / دراهمَ نَوْرٍ ظلَّ عنها مُكافيا
فيملأ حجر الروض حول غصونها / دنانيرَ شمس تترك الروض حاليا
تغرِّدُ في أفنانها الطيرُ كلّما / تجسُّ به أيدي القيان الملاهيا
تراجعُها سجعاً فتحسب أنها / بأصواتها تُملي عليها الأغانيا
فلم ندرِ روضاً منه أنعَمَ نَضْرَةً / وأعطرَ أرجاءً وأحلى مجانيا
ولم نرَ قصراً منه أعلى مظاهراً / وأرفع آفاقاً وأفسح ناديا
معانيَ من نفس الكمال انتقيتَها / وزيَّنْتَ منها بالجمال المغانيا
وفاتحتَ مبناه بعيدٍ شرعتَهُ / تبثُّ به في الخافقين التهانيا
ولما دعوتَ الناس نحو صنيعه / أجابوا لهم من جانب الغور داعيا
وأمُّوهُ من أقصى البلاد تقرُّباً / وما زال منك السعد يدني الأقاصيا
وأذكرتَ يوم العرض جوداً ومنعةً / بموقفِ عرضٍ كنتَ فيه المجازيا
جزيت به كلاًّ على حال سعيه / فما غرسَتْ يمناهُ أصبح جانيا
وأطلعت من جزل الوقود هوادجاً / تُذكِّرُ يوم النّفر من كان ساهيا
وحينَ غدا يُذكى ببابك للقرى / فلا غرو أن أجريت فيه المذاكيا
وطامحةٍ في الجو غير مطالةٍ / يردُّ مداها الطرفَ أحسرَ عانيا
تمدُّ لها الجوزاءُ كفَّ مُصَافحٍ / ويدنو لها بدرُ السماء مناجيا
ولا عجبٌ أن فاتت الشُّهبَ بالعُلا / وأن جاوزت منها المدى المتناهيا
فبين يدَيْ مثواك قامت لخدمة / ومن خدمَ الأعلى استفاد المعاليا
وشاهدُ ذا أنّي ببابك واقفٌ / وقد حَسَدَتْ زُهر النجوم مكانيا
وقد أرضعت ثديَ الغمائم قبلها / بحجر رياض كانَّ فيه نواشيا
فلما أُبينت عن قرارة أصلها / أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا
وعدَّت لقاء السحب عيداً وموسماً / لذاك اغتدت بالزَّمرِ تُلهي الغواديا
فأضحكتِ البرق الطروبَ خلالها / وباتت لأكواس الدراري مُعاطيا
رأت نفسها طالتْ فظنّتْ بأنها / تفوتُ على رغم اللحاق المراميا
فخفّتْ إليها الذابلاتُ كأنها / طيورٌ إلى وكر أطلْنَ تهاويا
حكت شبهاً للنحل والنحلُ حولَه / عصيٌّ إلى مثواه تهوي عواليا
فمن مثبتٍ منها الرمية مدركٍ / ومن طائرٍ في الجو حلّق وانيا
وحصنٍ منيع في ذراها قد ارتقى / فأبعد في الجو الفضاء المراقيا
كأن بروقَ الجو غارتْ وقد أَرتْ / بروجَ قصورٍ شِدتَهُنَّ سواميا
فأنشأتَ برجاً صاعداً متنزّلاً / يكون رسولاً بينَهُنّ مداريا
تطوُّرَ حالاتٍ أتى في ضروبها / بأنواع حَلْي تستفزُّ الغوانيا
فحِجْلٌ برجليها وشاحٌ بخصرِها / وتاجٌ إذا ما حلَّ منها الأعاليا
وما هو إلا طيرُ سعد بذروةٍ / غدا زاجراً من أشهب الصبح بازيا
أمولايَ يا فخر الملوك ومَنْ به / سيبلُغُ دينُ الله ما كان راجيا
بَنُوكَ على حكم السعادة خمسةٌ / وذا عدد للعين ما زال واقيا
تبيتُ لهم كفُّ الثريّا مُعيذةً / ويصبحُ معتلُّ النواسم راقبا
أَسامٍ عليها للسعادة مِيسمٌ / ترى العزّ فيها مستكناً وباديا
جعلت أبا الحجّاج فاتحَ طرسهم / وقد عرفتْ منك الفتوحُ التواليا
وحسبُك سعدٌ ثم نصرٌ يليهمُ / محمّدٌ الأرضَى فما زلت راضيا
أقمتَ به من فطرة الدين سُنْةً / وجدْدت في رسم الهداية عافيا
وجاءوا به مِلءَ العيون وسامةً / يُقبّلُ وجْهَ الأرض أزهر باهيا
فيا عاذراً ما كان أجرأ مثلَه / فمثلُك لا يُدمي الأسود الضواريا
وجاءتك من مصر التحايا كرائماً / فما فتقت أيدي التِّجار الغواليا
ووافتك من أرض الحجاز تميمةٌ / تُتَمِّمُ صنعَ الله لا زال باديا
وناداك بالتحويل سلطانُ طَيْبَةٍ / فيا طيب ما أهدى إليك مناديا
وقام وقد وافى ضريح محمّدٍ / لسلطانك الأعلى هنالك داعيا
سريرتك الرُّحْمَى جزاك بسعيها / إلهٌ يُوفِّي بالجزاء المساعيا
فوالله لولا سُنَّةٌ نبوية / عهدناه مهديّاً إليها وهاديا
وعذر من الإعذار قرر حكمه / من الشرع أخبارٌ رُفعن عواليا
لراعت بها للحرب أهوال موقفٍ / تُشيبُ بمبيضّ النصول العواليا
لك الحمدُ فيه من صنيع تعدُّه / فثالثُه في الفخر عزّز ثانيا
تشدُّ له الجوزاء عِقدَ نطاقها / لتخدمَ فيه كي تنال المعاليا
وهُنّيت بالأمداح فيه وقد غدا / وجودك فيه بالإجادة وافيا
ودونك من بحر البيان جواهراً / كَرُمْنَ فما يُشْرَيْنَ إِلاَّ غَواليا
وطارتُ لفيها وصف كلِّ غريبةٍ / فأعجزتُ من يأتي ومن كان ماضيا
فيا وارث الأنصار لا عن كلالةٍ / تراثَ جلال يستخفُّ الرواسيا
بأمداحه جاء الكتاب مفصلاً / يرتِّلُه في الذكر من كان تاليا
لقد عرفَ الإِسلام مما أفدتَهُ / مكارمَ أنصاريّةً وأياديا
عليك سلامُ الله فاسلم مخلَّداً / تُجدِّد أعياداً وتبلي أعاديا