تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ / أخو وَلَهٍ مضنى الفؤادِ مُعنّاهُ
دعا لُبَّهُ داعي الغرامِ ودونكمْ / مفاوزُ تَعني الناجياتِ فلبّاهُ
مشوقٌ إذا ما الليلُ جُنَّ ظلامهُ / تضاعفَ فيه بالأحبَّةِ بلواهُ
دعاهُ اليهم قائدُ الشوقِ عَنْوَةً / ودونهمُ رملُ العُذَيبِ ومَرْماهُ
موامٍ تَكِلُّ النُّجبُ في جنباتِها / وخَرْقٌ يهولُ الأرحبيَّةَ مسراهُ
وهَجْلٌ إذا ما قلتُ للعيسِ هذه / أواخرُه كانتْ مِن البعدِ أُولاهُ
يحاذرُه الخِرَّيتُ مِن بعدِ خرقهِ / اِذا ما طمى لُجُّ السَّرابِ ويخشاهُ
كأنَّ عتاقَ النُّجبِ فيه سفائنٌ / وموّارَ آذيَّ العساقيلِ أمواهُ
أحبَّتَنا بِنتمْ فلي بعد بينكمْ / فؤادٌ أَجَدَّ الوجدُ لي فيه ذِكراهُ
نأيتمْ فلي قلبٌ شديدٌ خُفُوقُه / وبِنتمْ فلي طرفٌ جفا النومَ جفناهُ
أُسائلُ عنكمْ كلَّ ربعٍ رأيتُه / لكم مُقْفِراً قد أنهجَ الدهرُ مغناهُ
وأبكي بجفنٍ مِن أليمِ نواكمُ / قريحٍ ألحَّ الدمعُ فيه فادماهُ
تُجدَّدُ لي ربّاهُ كلُّ صبابةٍ / وتُذْكِرُني عهداً تقادمَ رؤياهُ
وتُسعِدُني عينايَ فيه بدمعِها / فيا ويحَ مَنْ أمسى وعيناهُ عوناهُ
لقد قلَّ أنصارُ الذي قد غدتْ له / على البينِ عوناً في المحبَّةِ عيناهُ
وأرخصَ في يومِ التفرُّقِ دمعَهُ / بحكمِ النوى والهجرِ ما كانَ أغلاهُ
وأبدى عليه مِن سرائرِ حبَّهِ / بما فاضَ منه كلُّ ما كانَ أخفاهُ
حنيناً على بعدِ الديارِ وقربِها / الى جيرةٍ بالمنحنى يتقاضاهُ
وشوقاً إلى أهلِ العقيقِ كثيرُه / يذودُ الكرى عن مقلتيِه وأدناهُ
أمِنْ بعدِ ما شابَ في الوجدِ فَودُهُ / وأبلى الشبابَ الغضَّ فيهم وأفناهُ
تناءوا وأمسى قانعاً بسلامِهم / على النأي أو طيفٍ إذا نامَ يغشاه
وما كانَ في ظنَّ المحبَّ بأنَّه / تخيبُ أمانيهِ ويُخفِقُ مسعاهُ
وقد كانَ لا يرضى على قربِ دارِهمْ / بما كانَ يرجوه وما يتوخّاهُ
ولمّا نأى ذاكَ الفريقُ عنِ الحِمى / وسارتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ مطاياهُ
وسارَ غزالٌ كانَ يَهدي مع الصبَّا / اِذا منعوه مِن وصالي تحاياهُ
وأصبحَ قلبي وهو في الحبَّ مُوثَقٌ / يروحُ ويغدو وهو مِن بعضِ أسراهُ
سَمَحتُ بدمعي والسحابُ بدمعهِ / ضنينٌ على الربعِ المُحيلِ فرّواهُ
وأجريتُ دمعاً في الطلولِ مورَّداً / غزيرَ الحيا لا يبلغُ القطرُ شرواهُ
وقلتُ لقلبي طالَ عهدُكَ باللَّوى / فأين لياليهِ ومَنْ كنتَ تهواهُ
وقلتُ لِمَنْ قد كانَ يَعذِلُني على / غرامي به دعْ عنكَ ما لستُ أرضاهُ
فما لجَّ بالمشتاقِ في مذهبِ الهوى / على ما أراه العَذْلُ إلا وأغراهُ
وما كنتُ قبلَ البينِ والشمل جامعٌ / أرى العيشَ مخضرَّ الجنابِ بلقياهُ
حميداً إذا ما ربعُه عادَ مُكِثباً / شهيّاً إذا لم تفقدِ العينُ مرآهُ
فما كانَ أصفى ذلكَ العيشَ برهةً / وقد غابَ واشيه وما كانَ أسناهُ
وليلةَ وافاني على غيرِ موعدٍ / يجوبُ الدجى لا أصغرَ اللهُ ممشاهُ
وباتَ وذاكَ الحسنُ يجلوه طائعاً / على ناظري في الليلِ نورُ محيّاهُ
فبتُّ ولي ضوءانِ ضوءُ جبينهِ / على غرَّةِ الواشي وضوءُ ثناياهُ
أُعاطيهِ كأساً مِن مُدامٍ كأنَّما / عصارةُ خدَّيهِ الذي يتعاطاهُ
مُدامٌ إذا راقتْ ورقَّتْ حسبتَها / جنى ظَلْمِه مقطوبةً وسجاياهُ
وحيّاً بها صبّاً أماتَ سرورَهُ / تطاولُ أيامِ البعادِ فأحياهُ
وروَّحَ قلباً طالَ بالبينِ هَمُّهُ / وصبّاً به طولُ التفرُّقِ أضناهُ
ومضنًى يُراعي النيَّراتِ لأجلِه / غراماً فهلاّ في المحبَّةِ يرعاهُ
وما كانَ يدري ما الفراقُ ولا الهوى / ولا مؤلماتُ الصدَّ والبينِ لولاهُ
وما الروضُ سقّاهُ الغمامُ بمائهِ / فطرَّزهُ دمعُ السحابُ ووشّاهُ
تأرَّجَ طيباً عندما هبَّتِ الصبَّا / على جانبيهِ نَوْرُه وخُزماهُ
وأطلعَ فيه الزهرَ أخلافُ دَرَّهِ / كشعري إذا ما دبَّجَ الفكرُ معناهُ
يصوغُ له اللفظَ الصحيحَ فيغتدي / جلياً على الفَهمِ السقيمِ مُعمّاهُ
له نشواتٌ في العقولِ كأنَّما / أُديرتْ على الأذهانِ منه حُميّاهُ
ويلعبُ بالألبابِ سِحْرُ كلامِه / متى أوردتْهُ في المحافلِ أفواهُ
قريضٌ إذا فصَّلتُ جوهرَ لفظهِ / وبينَّتُ معناهُ وأحكمتُ مبناهُ
دنا جيدُ هذا الدهرِ منه وطالما / غدا عاطلاً مِن قبلِ شعري فحلاّهُ