هي الدّارُ موقوفٌ عليك بكاها
هي الدّارُ موقوفٌ عليك بكاها / فلا تعدُها يوماً تؤمُّ سواها
وخلِّ اِعتذاراً بالرّكاب فإنّما / بكفّ الّذي يعدو الرّكابَ خُطاها
هويتُ ثراها قاصداً مَن مشى بها / ولولا هواها ما هويتُ ثَراها
ولمّا عرفنا دارَها بمُحَجَّرٍ / وَحَلَّتْ عيونٌ بالدّموعِ حُباها
نظرتُ إليها يوم سارتْ حُدوجُها / فلم يكُ للأجفانِ غيرُ قَذاها
وقفنا عليها طاعةً لقلوبنا / رِكاباً حَداها الشّوقُ حين حَداها
فكان حنينَ المُهْجَساتِ رُعودُها / وصوبَ دموعِ النّاشجين حَياها
فيا منزلاً بانتْ وفيه ضياؤها / وليستْ به وَهْناً وفيه نَشاها
سقاكَ من الأنواءِ ما شئتَ من ندىً / ولا زلتَ ريّانَ الثّرى وسَقاها
أُحبّكَ والبيتِ الّذي طوّفَتْ به / قريشٌ ومسّتْ تُربَهُ بلحاها
ومَنْ حَطَّهُ بيتاً عتيقاً محرّماً / وجاب له الأحجارَ ثمّ بناها
وقومٍ نَضَوْا بالمَوْقِفَيْنِ ذنوبهمْ / ومَن حلَّ في وادي مِنىً وأتاها
وبالحَصَياتِ اللّاتي يُنبذن حِسْبَةً / ومَنْ قَلَّها من صخرها ورماها
لَئِنْ كنتِ من دارِ الغرامِ صحيحةً / فلي مُهْجَةٌ لم يبقَ غيرُ ذَماها
وَزارتْ وِسادي في الظّلامِ خَرِيدةٌ / أَراها الكرى عيني ولستُ أراها
تَمانَعُ صبحاً أنْ أراها بناظري / وتبذلُ جُنحاً أنْ أُقبِّلَ فاها
ولمّا سَرَتْ لم تخشَ وَهْناً ضلالةً / ولا عرف العُذّالُ كيف سُراها
فما ذا الّذي من غير وعدٍ أتى بها / وماذا على بُعدِ المزارِ هَداها
ويا ليتني لمّا نزلتُ بشِعْبها / تكون قِرَايَ أوْ أكون قِراها
وقالوا عساها بعد زَوْرةِ باطلٍ / تزور بلا ريبٍ فقلتُ عساها
ألا نكّب الأنواءُ دارَ مَهانةٍ / فما عندنا للنّفسِ غيرُ ضَناها
مقيمٌ بلا زادٍ سوى الصّبر والحِجى / على شَجَراتٍ لا أذوق جَناها
لغيري اِخضرارٌ من فروعِ غُصونِها / وليس عليه بَلْ عليَّ ذَواها
أَشيمُ بُروقاً لا أرى الغيثَ بعدها / وأرقبُ سُحباً لا يَطُلُّ نَداها
ولو كنتُ أرجوها قنعتُ فإنّني / حُرِمْتُ بها فيما حُرِمتُ مُناها
وإنّي لَمغرورٌ بقومٍ أذِلَّةٍ / يحِلّون من أرضِ الهوانِ ذُراها
وإنْ جئتهمْ تشكو مضيضَ مُلِمَّةٍ / تَقَوْا بك مغلولَ اليدين شَباها
وكلِّ مَليءٍ وبالمَلامِ مذمَّمٍ / عَرَتْه المخازي مرّةً وعَراها
يهشُّ إلى العَوْراءِ وهْيَ قَصِيَّةٌ / ويَعْمى عن العلياءِ وهو يراها
صحبْتكُمُ أجلو بكمْ عنِّيَ القَذا / فَأَعشى عيوني قربُكمْ وغَطاها
وكنتُ أُرَجِّي صُبحَكمْ بحنادِسٍ / فكنتمْ نهاراً للعيونِ دُجاها
فَلَيت الّذي ما كان للعين قرّةً / وقد أبصَرَته لا يكون عَماها
وَدارُكمُ دارٌ إِذا ما مضى بها / كريمٌ عداها مُعرِضاً وطَواها
إِذا قرّبَتْ شَيئاً لديه اِنتوى لها / وإنْ عرضتْ يوماً عليه أباها
وما هانَ إلّا خائفٌ يستجيرها / وَلا خابَ إلّا مَنْ مَنا فَرَجاها
وما المُسلَمُ المخدوعُ إلّا نَزولُها / ولا المُهْمَلُ المبذولُ غيرُ حِماها
فلا باركَ الرّحمَن فيمنْ أحبَّها / وبارك فيمن مَلَّها فقلاها
ولا بَلَغَتْها النّاجياتُ طَلَبْنَها / وعُقِّلْنَ عن إدراكها بوَجاها
فأيُّ اِنتِفاعٍ بالبلادِ عريضةً / وبات قصيراً في الرّجال جَداها
فكلُّ بلادٍ لم يُفِدْك اِقتِرابها / فَما قربُها إلّا كبُعدِ مداها
رُمِ المَطرَحَ الأعلى من الفضل كلّهِ / ولا ترضَ في أُكرومةٍ بسواها
وَخلِّ ضنيناً بالحياةِ فإنّه / فداها ببذلِ العِرْضِ حين فَداها
فَلستَ لدى حكمِ العشيرةِ شيخها / إذا لم تكنْ يوم الطّعانِ فتاها
وكيف ولم تحملْ بظهرك ثِقْلَها / تدور على قطبٍ نَصَبْتَ رحاها
وما سُدْتَها في يوم سِلْمٍ ولم تكنْ / بسيِّدها في الضَّربِ يوم وغاها
فَكُن إِنْ أَردتَ العزَّ فيها مسالماً / شِفارَ مَواضيها وزُرْقَ قناها
فَلي في معاريضِ الكلامِ تَعِلَّةٌ / ومن عِلَلِ الأدواء منه شفاها
فإن يمكن التّصريحُ صرّحتُ آنفاً / وروّيتُ أحشاءً أطَلْتُ ظماها
وإلّا فَجمجامٌ من القولِ سائرٌ / بِأيدي عِناق النّاعجاتِ كفاها