سلام على الدنيا جميعاً وما فيها
سلام على الدنيا جميعاً وما فيها / غداة نَعَتْ شمسُ الخلافة من فيها
نَعَتْ مَلِكَ الأملاك والكاملَ الذي / يكفّ عوادي الحادثات ويكفيها
عميدَ بني الأنصار غير مدافع / ومحيي معاليها ومولى مواليها
وبدر دياجيها وشمس نهارها / وبشرَ مُحيّاها ونورَ مجاليها
خفا الكوكب الوقاد قد كان نورُهُ / يُجلِّي من الدُّهمْ الخطوب دياجيها
هوى القمر الوضاح من أفق العلا / فأظلم جوُّ النّيِّرات بساريها
وقد كُسفت شمسُ الهداية بعدما / أبانَ سبيلَ الحق للخَلْق هاديها
هو الجبل الراسي تصدّع بعدما / أقرت به شُمُّ الجبال رَوَاسيها
يعز على دين الهدى أن شمسه / يطول بأطباق التراب تواريها
يعز على زُهر النجوم متى سَرَتْ / ولا تلمحُ الهديَ الذي كان يَهديها
لأندلسٍ ثكلٌ عليه مُرَدَّدٌ / له لبست سودَ المسوح نواحيها
ثلاثين حولاً بعد خمس تعوّدت / يدافع عنها كلَّ خطب ويحميها
أُبكِّيه للرايات يخفُقُ بَنْدها / وفي مرقب النصر المؤزر يُعليها
أُبكِّيه للخيل المغيرة بالضّحى / وقد أبعد الفتح المبين مراميها
ويبكيه معمورُ البسيطة كلَّها / وما ضم من داني البلاد وقاصيها
وتبكيه سحب أخجلتها بنانُهُ / وترسل دمع الغيث حزناً مآقيها
وتبكيه حتى الشهب في أفق العلا / وتلبَسُ جلباب الظلام جواريها
عزاءً أمين المسلمين فإنها / مقادير رب الخلق في الخلق يُجريها
هو الموت وِدٌ للخليقة كلِّها / أواخرها تقفُو سبيل أواليها
وما بيننا حيٌّ وما بين آدم / ألا هكذا سوِّى البريَّة باريها
وفي موت خير الخلق أكبرُ أسوة / تُصبِّر أحرار النفوس وتُسْليها
أمولايَ لو كان الفداء مسوّغاً / فديناك بالدنيا جميعاً وما فيها
أمولايَ كم من نعمة لك عندنا / إذا نحن رُمنا حصرها ليس نُحصيها
أمولايَ خلّفت العبيد إلى الأسى / يناجيك من فرط الشجون مُناجيها
تحَفَّيت بي حتى نضوتُ شبيبتي / عزيزاً وجيهاً حيثما رمتُ تَوْجيها
وقد كان ظني أن تكون جنازتي / يُشيِّعها منك الرضا ويُواريها
وقد عشتُ حتى ذقتُ فقدك قَلَّما / تُبلَّغ نفس ما تريد أمانيها
ولولا أبو الحجاج نَجْلُك لم يكن / لدين الهدى كرّاتُ بحر يُزّجّيها
ولكنه واللهُ يُجمل صبره / مناقبَك الغُرَّ الكرامَ سيُحييها
فخلفتنا منه لأكرم كافل / يُحَمِّلُ أعباء الخلافة كافيها
سريرتُه الرُّحمى وسيرتُه الرضا / وأخلاقه الغرُّ الكريمة تَدريها
وسيلتك العظمى وظلّك فوقنا / وعُمدتنا والله في العز يُبقيها
فما كنت غلاّ الشمسَ قد غَرَبَتْ لنا / وأنوارها بدرُ التمام يُجلّيها
وما أنت إلاّ المسك إن تخْفَ ذاتُه / ينمَّ بها العَرف الذكي فيُفْشيها
ألا قدّس الرحمن نفساً كريمة / بكلِّ عزيز في الوجود نُفدّيها
وبُشْرى لنا أن السعادة نُزْلُها / وأنّ رضا الله الكريم يُرضّيها
وحاشا وكلاّ أن تضيع وسائل / سيذخرها الربُّ الكريم ويُنْشيها
فكم من جهاد قد رفعت بنوده / وقد أثمرت فيها المعالي عواليها
كسرتَ تماثيل الصّليب وأُخرسَتْ / نواقيسُ كانت بالضلال تناغيها
وكم من منار قد أعدتَ أذانَه / وأعلن فيه دعوة الحق داعيها
وكم من رياض للكتائب قد غدت / تضيق بمستَنْ الجياد نواحيها
وملتف زرع بالأسنة مزهرٍ / ولكن به المرّان تحلو مجانيها
إذا ظمئت منها الذوابل في الوغى / جداولُ أنهارِ السيوف تُروّيها
غِراسٌ زكيٌّ للجهاد غرستَهُ / فصرت إلى دار السعادة تجنيها
ولم لم يكن إلا سنينَ قطعتها / رهينَ شكاة لا تزال تعانيها
صبرتَ لها صبر الكرام وإنما / ذخرتَ أجوراً فضلُ ربِّك جاريها
أمالك في الأنصار خير وسيلة / وقد كنت بالنصر العزيز تُحيِّيها
وحسبُك بالمختار أكرم شافع / وسنته والله لا زلت تُحييها
على علم الدنيا وفخر ملوكها / تحيّة ربٍّ لا يزال يُواريها
سأبكيه ما دام الحمام مطوّقاً / وما سجعت تبكي الهديلَ قماريها
وأهديه من طيب السلام معطّراً / كما فتقت أيدي التِّجار غواليها
وأسبلَ ربّ العرش سُحبَ كرامةٍ / تَسُحُّ على ذاكَ الضريح غواديها
ونسألُ فتحاً للخليفةِ يوسفٍ / يُملّكُه أقصى البلاد ومن فيها