أرى طالباً مِنّا الزِّيادةَ لا الحسْنى
أرى طالباً مِنّا الزِّيادةَ لا الحسْنى / بفِكرٍ رَمى سهْماً فعَدَّى بهِ عدْنا
وطالِبَنا مطلوبُنا مِن وُجودِنا / نغيبُ به عَنَّا لدَى الصَّعْقِ إِذْ عَنَّا
ترَكْنا حُظُوظا من حضيض لحُوظِنا / مع المقصد الأقصى إِلى المطلب الأسنى
ولم نُلف كُنْه الكَوْن إِلا تَوهُّماً / وليْس بشيءٍ ثابِت هكذا الفيْنا
فرفْضُ السِّوى فرْضٌ علينا لأنَّنا / بِملَّةِ محوِ الشركِ والشَّكِّ قد دنَّا
ولكِنّه كيف السَّبيلُ لرَفضِهِ / ورافِضُه المرفوضُ نحن وما كُنَّا
فيَا قائِلاً بالوصْل والوقْفةِ التي / حجِبت بها اسمعْ وارعوى مثل ما أبْنا
تقيَّدْت بالأوهام لمَّا تداخَلتْ / عليك ونورُ العَقْلِ أورثك السجْنا
وهِمْت بأنْوارِ فهِمْنا أصولَها / ومنْبعها منْ أينَ كان فما هِمنا
وقد تحْجُبُ الأنوار للعبْدِ مثْل ما / تقيَّد من إِظلامِ نفْس حوَتْ ضِغنا
وأيُّ وِصالٍ في القضيَّة يُدَّعى / وأكملُ مَنْ في النَّاس لم يدَّع الأمنْا
ولوْ كان سرُّ الله يُدركُ هكذا / لقالَ لنَا الجمهورُ ها نحن ما خِبْنا
فكم دونَه من فِتْنةٍ وبليَّةٍ / وكم مَهْمهٍ من قبْل ذلك قد جُبْنا
فلا تلْتفِتْ في السَّير غيراً وكلُّ ما / سِوى الله غيرُ فاتخِذْ ذِكرَه حِصْنا
وكلُّ مَقامِ لاتقُمْ فيهِ إِنَّه / حجابٌ فجِدَّ السَّير واستَنْجِدْ العوْنا
ومهْما ترى كلُّ المراتِبِ تجْتلي / عليْكَ فحلْ عنها فعَين مِثْلها حُلْنا
وقُلْ ليْس لي في غَير ذاتِكَ مَطْلٌ / فلا صورةٌ تُجْلى ولا طُرفة تُجْنى
وسِرْ نحْو أعْلام اليمين فإنها / سبيلٌ بها يُمْنٌ فلا تتركَ اليمُنا
أمامَك هَولٌ فاسْتمِعْ لوصيَّتي / عِقال من العَقْلِ الذي منه قد تُبْنا
أبادَ الوَرى بالمشْكلات وقَبْلهم / بأوهامِه قد أهْلَك الجِنَّ والبِنَّا
محجَّتُنا قطْع الحجا وهوَ حجُّنا / وحَجَّتُنا تتلوه باءٌ بِها تُهْنا
يُبطِّئنا عند الصُّعودِ لأنَّه / يودُّ لوَانَّا للصَّعيدِ قد أخْلَدْنا
تلوحُ لَنا الأطْوارُ منه ثلاثَةً / كَرَّاءٍ ومَرْئِيِّ ورؤيةِ ما قُلْنا
ويُبْصر عبْداً عنْد طورِ بقائِهِ / ويرجِع موْلى بالفَنا وهوَ لا يَفْنى
ولوْحاً إِذا لاحَت سُطورُ كَيانِنا / له فيه وهو اللَّوْح والقلم الأدنى
يكُدُّ خُطوط الدَّهْر عنْد التفاتِه / إِحاطَتَه القُصوى التي فيه أظْهرْنا
أقام دُوَين الدهْرِ سِدرَةَ ذاتِه / ونحو ووصْف الكلِّ في وصفه حِرنا
يقَيِّد بالأزمانِ للدَّهْرِ مثْل ما / يكيِّف للأجسام من ذاتِهِ الأبْنا
وعرشاً وكُرسيًّا وبرجاً وكوكبَا / وحشْواً لجِسْم الكلِّ في بحرِهُ عمْنا
وفتْقٌ لأفْلاكِ جواهِره الذي / يشَكلَه سِرُّ الحروف بحَرْفيْنا
يُفرِّق مجموع القضيَّة ظاهراً / وتجمع فَرقاً من تداخُله فُزنا
وعَدَّد شيئاً لم يكُن غير واحِدٍ / بألفاظِ أسماءِ بها شتَّت المعْنى
ويعْرجُ والمعْراجُ منه لذاتِهِ / لتطْوِيرِه العُلويِّ بالوهْم أسرَيْنا
ويجْعلُ سُفليها ويوهِمُ أنَّه / لِسُفْلِيِّه المجعول بالذَّاتِ أهبِطْنا
يقدِّر وصْلاً بعْد فصْل لِذاتِه / وفرض مسافات يجذلها الدهنا
يجَلى لنا طور المعِيَّةِ شكَّه / وإِن لمعَت منه فلتلحق الميْنا
ويُلْحقُها بالشِّرْك من مثْنوِيَّةٍ / يلوحُ بها وهو الملوَّح والمثْنى
فنحن كَدودِ القزِّ يحصرُنا الذي / صنعْنا بدَفْع الحصْرِ سجْناً لنا مِنَّا
فكم واقِفٍ أرْدَى وكم سائرٍ هَدَّى / وكم حكمةٍ أبْدى وكم مملقٍ أغْنى
وتِّيم الباب الهرامِس كلِّهم / وحسْبُك من سقْراط أسكَنُه الدِّنَّا
وجرّد أمثَالَ العوالِم كلَّها / وأبدأ أفْلاطون في أمْثلِ الحسنى
وهامَ أرِسطو حتى مشى من هُيامِه / وبثَّ الذي ألقى إِليْه وما ضنَّا
وكان لِذِي القرْنينِ عوناً على الذي / تبدَّى له وهُو الذي طلَب العَيْنا
ويبحث عن أسباب ما قد سمعتم / وبالبحث غطى العين إذ رده غينا
وذوَّق للحلاَّج طعْم اتحادِه / فقال أنا مَن لا يُحيطُ به معْنى
فقيل له ارجَعْ عن مقالِك قال لا / شربْت مُداماً كلَّ من ذاقَها غنىَّ
وانطلّق للشِّبْلي بالوحْدة التي / أشار بها لمَّا مجا عنده الكوْنا
وكان لذات النَّفرِي مولِّهَا / يخاطبُ بالتَّوحيد صَيَّره خِدْنا
وكان خطيبَا بين ذاتين مَن يكُن / فقيراً يَرَ البحر الذي فيه قد غُصْنا
وأصْمت للجنَيِّ تجريدُ خلقِه / مع الأمر إِذْ صارت فصاحتُه لُكنْا
تثَنىَّ قضيب البان من شُرْب خمرهِ / فكان كمثْلِ الغير لكنَّه ثنَّا
وقد شَذَّ بالشُّوذىّ عن نوْعِهِ فلم / يملْ نحْو أخْدان ولا ساكِنْ مُدْنا
وأصبح فيه السُّهْر ورديِّ حائراً / يصيحُ فما يُلْقى الوجود له أذْنا
ولابن قسيِّ خلْع نَعْل وجودِه / وليْس إِحاطات من الحجر قد تُبْنا
أقام على ساقِ المسرَّة نجْلُها / لِما رمز الأسرَارَ واسْتمطر المزْنا
ولاحَ سَني برْقِ من الغَرْب للنُّهَى / لِنَجْل بنِ سيناء الذي ظنَّ ما ظنَّا
وقد خلَّد الطُّوسيُّ ما قد ذَكَرْتُه / ولكنَّه نحْو التَّصرِّف قد حَنَّا
ولابْن طُفيْل وابن رشْدٍ تيقُّظٌ / رسالةُ يقظان أقْضى فتْحَه الحيْنا
كَسا لشُعَيْب ثوْب جْمع لذاته / يجُرُّ على حُسَّاده الذَّيْل والرُّدنا
وعنْه طَوى الطّائيُّ بُسط كيانِه / به سكْرة الخَلاَّع إذْ أذهب الوهْنا
تسَمَّى بروح الروح جَهْراً فلم يُبَل / ولم ير ندَّا في المقام ولا خِدْنا
به عمر بن الفارِض النَّاظم الذي / تجرَّد للأسْفار قد سَهَّل الحزْنا
وباحَ بها نجْلُ الحرالي عنْدما / رأى كتْمه ضعْفاً وتلويحُه غيْنا
وللأموِيِّ النَّظْم والنَّثر في الذي / ذكَرْنا وإِعْراب كما نحن أعْرَبْنا
وأظهر منه الغافِقي لِمَا خفى / كشَّف عن أطوارِه الغَيمَ والدُّجنا
وبيَّن أسرارَ العُبوديَّة التي / عن أعرابها لمَ يرفعوا اللَّبْس واللَّجْنا
كشفْنا غِطاءً عَن تداخلِ سرِّها / فأصبح ظهْراً ما رأيْتم له بطْنا
هدانا لِدين الحقِّ ما قد تولَّهتْ / لِعزَّته ألْبابُنا وله هُدْنا
فمن كان يَبغى السَّير للجانب الذي / تقدَّس فلْيأتِ فلْيأخُذْه عنّا