القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 3
إذا ما الفتى في دهره أحسن الظنّا
إذا ما الفتى في دهره أحسن الظنّا / فما أدرك المغزى ولا فهم المعنى
وما الحزم إلا أن نرى الدهر هاجماً / فنبنيَ من تدبيرنا دونه حصنا
وما الدهر إلا مبهرِ في طباعه / يغرّر بالأقوام يفتنهم فَتنا
يروع بنيه صائلاً بنباته / فقد ضلّ مَن من دهره يطلب الأمنا
يذفّ عليهم بالظبي من خطوبه / فكم جدعت أنفاً وكم صلمت أذنا
وما شهبه إلا مخالب كيده / تمدّ بجوف الليل دامية حجنا
إذا ما تشممت الزمان وطبعه / تشمّمت من أعماق طينته نتنا
إليك فتى السعدون جئت مهنّئاً / بما نلته عند الإله من الحسنى
إذا ما دممنا الدهر يوماً وأهله / فإنك من تلك المذمّات مستثنى
أتى يومك الدامي بذكراك حافلا / فجدّد في كل البلاد لنا حزنا
ففي مثل هذا اليوم بتّ مضرّجاً / وبتنا نحاكي في مداعمنا المزنا
وفي مثل هذا اليوم في حفرة البلى / جعلنا بك الآمال مدفونة هنّا
عشيّةً أطلقت المسدّس ناره / على قلبك الخفّاق من يدك اليمنى
فللّه نار قد بردت بحرّها / وإن سال منها دمعنا بالجوي سخنا
لئن أفقدت بالموت قلبك نبضه / فكم أنبضت بالحزن أفئدةً منّا
وكم أنطقت دمع المحاجر بالأسى / على أنها بالهول أخرست اللسنا
فيا طلقةً ريع العراق بصوتها / فبانت به الآفاق عابسةً دكنا
وردّد مجرى الرافدين لصوتها / صدى الحزن من أقصى العراق إلى الأدنى
لقد جمع الأموال باسمك معشر / لتخليدهم ذكراك في معهد يبنى
وما علموا أن المباني كلّها / وإن قويت تفنى وذكرك لا يفنى
وأعظم تخليداً لذكراك منهم / فعائلك الغرّاء والخلق الأسنى
سعيت إلى استقلال قومك مخلطصاً / وما كنت في يوم على القوم ممتنّا
وقعت بأعباء السياسة ناهضاً / يهمّة لاوانٍ ولا ناكصٍ جبنا
وأبديت في تلك المواقف كلّها / أصالة رأيٍ قط لم يعرف الأفنا
فإن كنت لم تنجح فليس لعلّةٍ / سوى أن خصم القوم في كيده افتنّا
زكت لك نفس بين جنبيك حرّة / فلا أظهرت كبراً ولا أضمرت ضغنا
لنا المثل الأعلى بحلمك والنّدى / فكم بهما أثنى عليك الذي أثنى
فأحنف ربّ الحلم بالحلم فقته / وفي الجود قد فقت ابن زائدة معنا
ألست الذي قدم رام قتلك قاتل / فأطلقته عفواً وأوسعته مَنّا
سيبقى على الأيام ذكرك خالداً / به صحف التأريخ قاطبةً تعنى
فيا بطلاً بالنفس ضحّى وإنما / بذلك لاستقلالنا سنّةً سنّا
فعلّمنا أنّ التفادي واجب / على كل قوم حاولوا شرف المغنى
سنسعى إلى ما قد سعيت من العلا / بصادق عزم ينكر الضعف والوهنا
وإنا لقوم مستقلّون فطرةً / إذا أنكر استقلالنا منكر ثرنا
فلو جعلت تبراً سبيكاً بيوتنا / ولسنا بحكام أبينا بها السكنى
يهون علينا في السياسة أننا / نصلّب في الأعواد أو ندخل السجنا
ولسنا نبالي دون أحياء مجدنا / أعشنا على وجه البسيطة أم مُتنا
إذا أدرك المجد المؤثّل معشر / أُحاد فأنّا نحن ندركه مثنى
نفوساً ورثناها كباراً أبيةً / أبت في الدنى أن تحمل الضيم والغبنا
أما آن أن تُنْسى من القوم أضغان
أما آن أن تُنْسى من القوم أضغان / فيُبنَي على أسّ المؤاخاة بنيان
أما آن يُرمَى التخاذُل جانبا / فتكسبَ عزاً بالتناصُر أوطان
علام التعادي لأختلاف ديانة / وأن التعادي في الديانة عُدوان
وما ضَرَّ لو كان التعاوُن ديننا / فتَعْمُرَ بلدان وتأمنَ قطّان
إذا جمعتنا وحدة وطنيّة / فماذا علينا أن تَعَدَّد أديان
إذا القوم عَمَّتْهم أمور ثلاثة / لسان وأوطان وباللَّه إيمان
فأيّ اعتقادٍ مانعٌ من أخوّة / بها قال أنجيل كما قال قرآن
كتابان لم يُنزلهما اللَّه ربنا / على رُسْله إلاّ ليَسعَد أنسان
فمن قام باسم الدين يدعو مُفّرِقاً / فدعواه في أصل الديانة بُهتان
أنَشقى بأمر الدين وهو سعادة / إذاً فإتباع الدين يا قوم خُسران
ولكن جهل الجاهلين طَحا بهم / إلى كل قول لم يؤيّده برهان
فهامُوا بتَيْهاء الأباطيل كالذي / تخَبَّطَه من شدة المَسّ شيطان
مَواطنكم يا قوم أُمّ كريمة / تدُرّ لكم منها مدى العمر ألبان
ففيِ حضنها مهدٌ لكم ومَباءةٌ / وفي قلبها عطف عليكم وتَحْنان
فما بالكم لا تُحسنون وواجب / على الابن للام الكريمة أحسان
أصبراً وقد أمسَى العدوّ يُهينها / أما فيكم شَهْم على الام غَيْران
أجل أنكم تأبى الحياة نفوسُكم / إذا لم يكن فيها على المجد عُنوان
ألستم من القوم الذين عَلاؤُهم / تَقاعس عنه الدهر وأنحطّ كيوان
نمَتْكم إلى المجد المُؤثَّل تغلبٌ / كما قد نمتكم للمكارم غَسّان
فلا تُنكروا عهد الأخاء وقد أتت / تصافحكم فيه نزار وعدنان
أجبْ أيها النَدْب المسيحيّ مسلماً / صفا لك منه اليوم سرٌّ وأعلان
فلا تَحرِما الأوطان أن تتحالفا / يداً بيدٍ حتى تؤكَّد أيمان
ألا فانهضا نحو العِدي وكلاهما / لصاحِبه في المأزِق الضَنْكِ معوان
وقولا لمن قد لام صَهْ وَيْك أننا / على حال في المواطن أخوان
فمَنْ مبلغُ الأعداءِ أن بلادنا / مَآسِد لم يَطرُق َذراهنّ سرحان
وأنّا إذا ما الشّر أبدى نُيوبه / رددناه عنا بالظُبي وهو خَزيان
سنَستَصرخ الآساد من كل مَربض / فتمشي إلى الهَيْجاءِ شيب وشُبان
أسود وغىً تأبى الحياة ذَمِيمةً / وتلبس بالعزّ الرَدىَ وهو أكْفان
مَقاحِيم تَصْلَى المَعمَعان مُشِيحةً / إذا أحتَدَمت في حَوْمة الحرب نيران
وتكسو العَراء الرَحب مسْح عجاجة / يَمُجّ بها السيفُ الرَدى وهو عُريان
سننهض للمجد المخلَّد نهضة / يقرّ بها حَوران عيناً ولُبنان
وتعتزّ من أرض الشَآم دمشقها / وتهتز من أرض العراقَيْن بغدان
وتطرَب في البيت المقدَّس صخرة / وترتاح في البيت المحرَّم أركان
وتَحسُن للعُرب الكرام عواقب / فيحمَدها مُفتٍ ويشكر مطران
ولو أنصفتنا ساسة الغرب لأغتدت / دمشق لها من ساسة الغرب أعوان
ورقّت قلوب للعراق وأهله / وأصغت إلى شكوى فلسطين آذان
ولكنهم رانت عليهم مطامع / فأمسَوْا وهم صُمٌّ عن الحق عُميان
لقد قيل أن الغرب ذو مدنيّة / فقلت وهل معنى التمدن عُدوان
وأيّ فَخارٍ كائنٌ في تمَدُّن / إذا لم يقُم في الغرب للعدلِ ميزان
إذا كانت الأخلاق غير شريفة / فماذا عسى تُجْدي علوم وعِرفان
بنفسي أفدي في العراق مَنابتاً / يفوح بها شِيحٌ ويَعبَق حَوْذان
رياض رَعَتْها النائبات بأذْؤب / من الجَور فأرتاعت ظباء وغِزلان
لقد كان فيها الرَنْد والبان زاهياً / فأصبح لارند هناك ولا بان
وأصبح مَرْصوداً بها كل مَنْهَل / عليه من التَرْنيق بالظلم ثعبان
وظلّ ابنها عن كل حَوْض مُحَلأً / يَحُوم على سَلساله وهو عطشان
سأبكي عليها كلما هبّت الصَبا / فمالت بها من حول دجلة أغصان
ومَن ذَرَفت آماقه الدمعَ لؤلؤاً / ذرفت عليها أدمُعي وهي مَرْجان
بكت في ظلام الليل تندب أهلها
بكت في ظلام الليل تندب أهلها / بصوت له الصخر الأصمَ يَلين
وباتت وقد جلّ المُصاب حزينةً / لها في مناحى الغُوطتين أنين
تئن وقد مدّ الظلام رِواقه / وخيّم صمت في الدجى وسكون
إذا هي مدّت في الدُجُنّة صوتها / تَميد له في الغوطتين غصون
وتلهب منه في الفضاء شرارة / فتُبصرها في الرافدين عيون
وتَهبو له في ساحل النيل هَبوة / أبو الهول منها واجد وحزين
ومن بعد وهن أشرق البدر طالعاً / فأسفر منها عارض وجبين
فأبصرت منها الوجه أزهر مشرقاً / بخديه سر للجمال مصون
جمال بديع بالجلال متَّوج / له سبب في المكُرمات متين
وبَرقَعَها حزن فكان لوجهها / مكان من الحسن المَهيب مكين
فتاة جَثَت في الأرض تبكي وحولها / صريع على وجه الثرى وطعين
فضمت إلى الصدر اليدين وعينها / تقاذفُ منها بالدموع شؤون
وقد شَخَصت نحو السماء بطرفها / لها كلَّ آن زَفرة وحنين
وما أنس لا أنس العشّية أنها / تورّمَ منها بالبكاء جفون
وإن غزير الدمع خدّد خّدها / فلاحت من الأشجان فيه فتون
ولما انقضى صبري تراميت نحوها / كما ترتمي بالعاصفات سَفين
وقلت لها مَن أنت رُحماك إنني / لك اليوم خِلٌ صادق وأمين
فقالت وقد ألقت إليّ بنظرة / عن القصد فيها مُعرب ومُبين
أنا البلدة الثكلى دمشق ابنة العلا / أما أنت في مغنى دمشق قَطين
ألم تر أبنائي يُساقون للردى / فمنهم قتيل بالظُبى وسجين
فأين أباة الضيم من آل يعرب / ألم يأتِ منهم ناصرٌ ومُعين
فقلت لها لبَّيك يا أُمّ إنهم / سيأتيك منهم بارزٌ وكمين
سندرك فيك الثأثر من أنفس العدى / ونُوقِد نار الحرب وهي زَبون
فهذي دمشق يا كرام وهذه / أحاديث عنها كلهن شُجون

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025