طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني / وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت / مقاصير أحلامي كبيت من التّبن
وكانت رياضي حاليات ضواحكا / فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة / فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية في فمي / وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظريَّ وقلّما / فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء بعدك غيرها / ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكبي تبر الضحى وعقيقه / وقلبي في نار وعيناي في دجن
أبحت الأسى دمعي وأنهبته دمي / وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي / كمستنكر في عاصف رعشة الغصن
يقول المعزّي ليس يجدي البكا الفتى / وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا / إلى ما وراء البحر أدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها / فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو اني كنت في القوم عندما / نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها / فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها / وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب / وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني
أقول : لو انّي كي أبرّد لوعتي / فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى / أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني / أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى / فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا / ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى / ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة / كأرض بلا ماء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها / وضحكك والإيناس للجار والخدن
جريء على الباغي عيوف عن الخنا / سريع إلى الداعي كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر / لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة / ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني
برغمك فارقت الربوع وإنّنا / على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا / من المليك السامي إلى عبده القنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها / وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه / كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى / فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معرفةً به / كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده / وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض / على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة / وحصن الوفاء الحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلدة / أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها / وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره / أريج به نفسي عن العطر تستغني