المجموع : 12
لَقَد طالَ يا دُنيا إِلَيكِ رُكوني
لَقَد طالَ يا دُنيا إِلَيكِ رُكوني / وَدامَ لُزومي ضِلَّتي وَفُتوني
وَطالَ إِخائي فيكِ قَوماً أَراهُم / وَكُلُّهُمُ مُستَأثِرٌ بِكِ دوني
وَكُلُّهُمُ عَنّي قَليلٌ غِنائُهُ / إِذا غَلِقَت في الهالِكينَ رُهوني
فَيا رَبِّ إِنَّ الناسَ لا يُنصِفونَني / وَكَيفَ وَلَو أَنصَفتُهُم ظَلَموني
وَإِن كانَ لي شَيءٌ تَصَدَّوا لِأَخذِهِ / وَإِن جِئتُ أَبغي شَيئَهُم مَنَعوني
وَإِن نالَهُم رِفدي فَلا شُكرَ عِندَهُم / وَإِن أَنا لَم أَبذُل لَهُم شَتَموني
وَإِن وَجَدوا عِندي رَخاءً تَقَرَّبوا / وَإِن نَزَلَت بي شِدَّةٌ خَذَلوني
وَإِن طَرَقَتني نَكبَةٌ فَكِهوا بِها / وَإِن صَحِبَتني نِعمَةٌ حَسَدوني
سَأَمنَعُ قَلبي أَن يَحِنَّ إِلَيهِمُ / وَأَحجُبُ عَنهُم ناظِري وَجُفوني
وَأَقطَعُ أَيّامي بِيَومِ سُهولَةٍ / أُزَجّي بِهِ عُمري وَيَومَ حُزونِ
أَلا إِنَّ أَصفى العَيشِ ما طابَ غِبُّهُ / وَما نِلتُهُ في عِفَّةٍ وَسُكونِ
هِيَ النَفسُ لا أَعتاضُ عَنها بِغَيرِها
هِيَ النَفسُ لا أَعتاضُ عَنها بِغَيرِها / وَكُلُّ ذَوي عَقلٍ عَلى مِثلِها يَحنو
لَها أَطلُبُ الأُخرى فَإِن أَنا بِعتُها / بِشَيءٍ مِنَ الدُنيا فَذاكَ هُوَ الغَبنُ
أَمِنتُ الزَمانَ وَالزَمانُ خَؤونُ
أَمِنتُ الزَمانَ وَالزَمانُ خَؤونُ / لَهُ حَرَكاتٌ بِالبِلى وَسُكونُ
رُوَيدَكَ لا تَستَبطِ ما هُوَ كائِنٌ / أَلا كُلُّ مَقدورٍ فَسَوفَ يَكونُ
سَتَذهَبُ أَيّامٌ سَتَخلُقُ جِدَّةٌ / سَتَمضي قُرونٌ بَعدَهُنَّ قُرونُ
سَتَدرُسُ آثارٌ وَتَعقِبُ حَسرَةٌ / سَتَخلو قُصورٌ شُيِّدَت وَحُصونُ
سَتُقطَعُ آمالٌ وَتَذهَبُ جِدَّةٌ / سَيَغلَقُ بِالمُستَكثِرينَ رُهونُ
سَتَنقَطِعُ الدُنيا جَميعاً بِأَهلِها / سَيَبدو مِنَ الشَأنِ الحَقيرِ شُؤونُ
وَما كُلُّ ذي ظَنٍّ يُصيبُ بِظَنِّهِ / وَقَد يُستَرابُ الظَنُّ وَهوَ يَقينُ
يَحولُ الفَتى كَالعودِ قَد كانَ مَرَّةً / لَهُ وَرَقٌ مُخضَرَّةٌ وَغُصونُ
نَصونُ فَلا نَبقى وَلا ما نَصونُهُ / أَلا إِنَّنا لِلحادِثاتِ نَصونُ
وَكَم عِبرَةٍ لِلناظِرينَ تَكَشَّفَت / فَخانَت عُيونَ الناظِرينَ جُفونُ
نَرى وَكَأَنّا لا نَرى كُلَّ ما نَرى / كَأَنَّ مُنانا لِلعُيونِ شُجونُ
وَكَم مِن عَزيزٍ هانَ مِن بَعدِ عِزَّةٍ / أَلا قَد يَعِزُّ المَرءُ ثُمَّ يَهونُ
أَلا رُبَّ أَسبابٍ إِلى الخَيرِ سَهلَةٌ / وَلِلشَرِّ أَسبابٌ وَهُنَّ حُزونُ
أَرى المَوتَ لي حَيثُ اعتَمَدتُ كَمينا
أَرى المَوتَ لي حَيثُ اعتَمَدتُ كَمينا / فَأَصبَحتُ مَهموماً هُناكَ حَزينا
سَيُلحِقُني حادي المَنايا بِمَن مَضى / أَخَذتُ شِمالاً أَو أَخَذتُ يَمينا
يَقينُ الفَتى بِالمَوتِ شَكٌّ وَشَكُّهُ / يَقينٌ وَلَكِن لا يَراهُ يَقينا
عَلَينا عُيونٌ لِلمُنونِ خَفِيَّةٌ / تَدِبُّ دَبيباً بِالمَنِيَّةِ فينا
وَما زالَتِ الدُنيا تُقَلِّبُ أَهلَها / فَتَجعَلُ ذا غَثّا وَذاكَ سَمينا
تَزَوَّد مِنَ الدُنيا مُسِرّاً وَمُعلِنا
تَزَوَّد مِنَ الدُنيا مُسِرّاً وَمُعلِنا / فَما هُوَ إِلّا أَن تُنادى فَتَظعَنا
يُريدُ امرُؤٌ أَلّا تُلَوَّنَ حالُهُ / وَتَأبى بِهِ الأَيّامُ إِلّا تَلَوَّنا
عَجِبتُ لِذي الدُنيا وَقَد حَطَّ رَحلَهُ / بِمُستَنِّ سَيلٍ فَابتَنى وَتَحَصَّنا
تَزَيَّن لِيَومِ العَرضِ ما دُمتَ مُطلَقاً / وَما دامَ دونَ المُنتَهى لَكَ مُمكِنا
وَلا تُمكِنَنَّ النَفسَ مِن شَهَواتِها / وَلا تَركَبَنَّ الشَكَّ حَتّى تَيَقَّنا
وَما الناسُ إِلّا مِن مُسيءٍ وَمُحسِنٍ / وَكَم مِن مُسيءٍ قَد تَلافى فَأَحسَنا
إِذا ما أَرادَ المَرءُ إِكرامَ نَفسِهِ / رَعاها وَوَقّاها القَبيحَ وَزَيَّنا
أَلَيسَ إِذا هانَت عَلى المَرءِ نَفسُهُ / وَلَم يَرعَها كانَت عَلى الناسِ أَهوَنا
رَضيتُ بِبَعضِ الذُلِّ خَوفَ جَميعِهِ
رَضيتُ بِبَعضِ الذُلِّ خَوفَ جَميعِهِ / وَلَيسَ لِمِثلي بِالمُلوكِ يَدانِ
وَكُنتُ امرَأً أَخشى العِقابَ وَأَتَّقي / مَغَبَّةَ ما تَجني يَدي وَلِساني
وَلَو أَنَّني عاتَبتُ صاحِبَ قُدرَةٍ / لَعَرَّضتُ نَفسي صَولَةَ الحَدَثانِ
فَهَل مِن شَفيعٍ مِنكَ يَضمَنُ تَوبَتي / فَإِنّي امرُؤٌ أوفي بِكُلِّ ضَمانِ
لَشَتّانَ ما بَينَ المَخافَةِ وَالأَمنِ
لَشَتّانَ ما بَينَ المَخافَةِ وَالأَمنِ / وَشَتّانَ ما بَينَ السُهولَةِ وَالحَزنِ
تَنَزَّه عَنِ الدُنيا وَإِلّا فَإِنَّها / سَتَأتيكَ يَوماً في خَطاطيفِها الحُجنِ
إِذا حُزتَ ما يَكفيكَ مِن سَدِّ خَلَّةٍ / فَصِرتَ إِلى ما فَوقَهُ صِرتَ في سِجنِ
أَيا جامِعَ الدُنيا سَتَكفيكَ جَمعَها / وَيا بانِيَ الدُنيا سَيَخرَبُ ما تَبني
أَلا إِنَّ مَن لا بُدَّ أَن يَطعَمَ الرَدى / وَشيكاً حَقيقٌ بِالبُكاءِ وَبِالحُزنِ
تَعَجَّبتُ إِذ أَلهو وَلَم أَرَ طَرفَةً / لِعَينِ امرِئٍ مِن سَكرَةِ المَوتِ لا تَدني
وَلِلدَهرِ أَيّامٌ عَلَينا مُلِحَّةٌ / تُصَرِّحُ لي بِالمَوتِ عَنهُنَّ لا تَكني
أَيا عَينُ كَم حَسَّنتِ لي مِن قَبيحَةٍ / وَما كُلُّ ما تَستَحسِنينَ بِذي حُسنِ
كَأَنَّ امرَأً لَم يَغنَ في الناسِ ساعَةً / إِذا نُفِضَت عَنهُ الأَكُفُّ مِنَ الدَفنِ
أَلا هَل إِلى الفِردَوسِ مِن مُتَشَوِّقٍ / تَحِنُّ إِلَيها نَفسُهُ وَإِلى عَدنِ
وَما يَنبَغي لي أَن أُسَرَّ بِلَيلَةٍ / أَبيتُ بِها مِن ظالِمٍ لي عَلى ضِغنِ
وَمَن طابَ لي نَفساً بِقُربٍ قَبِلتُهُ / وَمَن ضاقَ عَن قُربي فَفي أَوسَعِ الإِذنِ
لَعَمرُكَ ما ضاقَ امرُؤٌ بَرَّ وَاتَّقى / فَذو البِرِّ وَالتَقوى مِنَ اللَهِ في ضَمنِ
وَأَبعِد بِذي رَأيٍ مِنَ الحُبِّ لِلتُقى / إِذا كانَ لا يُقصي عَلَيها وَلا يُدني
أَغَرَّكَ أَنّي صِرتُ في زِيِّ مِسكينِ
أَغَرَّكَ أَنّي صِرتُ في زِيِّ مِسكينِ / وَصِرتَ إِذِ استَغنَيتَ عَنّي تُنَحّيني
تَباعَدتُ إِذ باعَدتَني وَاطَّرَحتَني / وَكُنتُ قَريبَ الدارِ إِذ كُنتَ تَبغيني
فَإِن كُنتَ لا تَصفو صَبَرتُ عَلى القَذى / وَغَمَّضتُ عَيني مِن قَذاكَ إِلى حينِ
وَحَسَّنتُ أَو قَبَّحتُ كَيما تَلينَ لي / فَحَسَّنتَ تَقبيحي وَقَبَّحتَ تَحسيني
رَضيتُ بِإِقلالي فَعِش أَنتَ موسِراً / فَإِنَّ قَليلي عَن كَثيرَكَ يَكفيني
وَبَعدُ فَلا يَذهَب بِكَ التيهُ في الغِنى / لَعَلَّ الَّذي أَغناكَ عَنّي سَيُغنيني
وَما العِزُّ إِلّا عِزُّ مَن عَزَّ بِالتُقى / وَما الفَضلُ إِلّا فَضلُ ذي الفَضلِ وَالدينِ
وَفي اللَهِ ما أَغنى وَفي اللَهِ ما كَفى / وَفي الصَبرِ عَمّا فاتَني ما يُسَلّيني
وَعِندي مِنَ التَسليمِ لِلَّهِ وَالرِضى / إِذا عَرَضَ المَكروهُ لي ما يُعَزّيني
وَحَسبي فَإِنّي لا أُريدُ لِصاحِبٍ / قَبيحاً وَلا أُعنى بِما لَيسَ يَعنيني
وَإِنّي أَرى أَن لا أُنافِسَ ظالِماً / وَأُرضي بِكُلِّ الحَقِّ مَن لَيسَ يُرضيني
رَكَنتَ إِلى الدُنيا عَلى ما تَرى مِنها
رَكَنتَ إِلى الدُنيا عَلى ما تَرى مِنها / وَأَنتَ مُذُ استَقبَلتَها مُدبِرٌ عَنها
وَلِلنَفسِ دونَ العارِفاتِ صُعوبَةٌ / فَإِن صَعُبَت يَوماً عَلَيكَ فَهَوِّنها
وَلِلنَفسِ طَيرٌ يَنتَفِضنَ إِلى الهَوى / بِأَجنِحَةٍ تَهوي إِلَيهِ فَسَكِّنها
أَلا مَن لِمَهمومِ الفُؤادِ حَزينِهِ
أَلا مَن لِمَهمومِ الفُؤادِ حَزينِهِ / إِذا ابتَزَّ مِنهُ العَزمَ ضَعفُ يَقينِهِ
وَإِذ هُوَ لا يَدري لَعَلَّ كِتابَهُ / سَيُعطاهُ مَنشوراً بِغَيرِ يَمينِهِ
وَيَلتَمِسُ الإِحسانَ بَعدَ إِساءَةٍ / فَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ غَيرَ مُعينِهِ
إِذا ما اتَّقى اللَهُ امرُؤٌ في أُمورِهِ / وَكانَ إِلى الفِردَوسِ جُلُّ حَنينِهِ
سَعى يَبتَغي عَوناً عَلى البِرِّ وَالتُقى / لِيَبتاعَهُ مِن مالِهِ بِثَمينِهِ
فَصَفَّ الخَدينَ ما استَطَعتَ مِنَ القَذى / أَلا إِنَّما كُلُّ امرِئٍ بِخَدينِهِ
وَخَيرُ قَرينٍ أَنتَ مُقتَرِنٌ بِهِ / قَرينٌ نَصيحٌ مُنصِفٌ لِقَرينِهِ
وَكُلُّ امرِئٍ فيهِ وَفيهِ فَدارِهِ / عَلى ذاكَ وَاحمِل غَثَّهُ لِسَمينِهِ
لِكُلِّ مَقامٌ قائِمٌ لا يَجوزُهُ / فَدَع غَيَّ قَلبٍ خائِضٍ في فُتونِهِ
وَأَفضَلُ هَديٍ هَديَ سَمتِ مُحَمَّدٍ / نَبِيٍّ تَنَقّاهُ الإِلَهُ لِدينِهِ
عَلَيهِ السَلامُ كانَ في النُصحِ رَحمَةً / وَفي بِرِّهِ بِالعالَمينَ وَلينِهِ
إِمامُ هُداً يَنجابُ عَن وَجهِهِ الدُجى / كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت بِجَبينِهِ
بِحَبلِ رَسولِ اللَهِ أَوثَقتُ عِصمَتي / وَخيرَتِهِ في خَلقِهِ وَأَمينِهِ
أَيا جامِعي الدُنيا لِمَن تَجمَعونَها
أَيا جامِعي الدُنيا لِمَن تَجمَعونَها / وَتَبنونَ فيها الدورَ لا تَسكُنونَها
وَكَم مِن مُلوكٍ قَد رَأَينا تَحَصَّنَت / فَعَطَّلَتِ الأَيّامُ مِنها حُصونَها
وَكَم مِن ظُنونٍ لِلنُفوسِ كَثيرَةٍ / فَكَذَّبَتِ الأَحداثُ مِنها ظُنونَها
وَإِنَّ العُيونَ قَد تَرى غَيرَ أَنَّهُ / كَأَنَّ القُلوبَ لَم تُصَدِّق عُيونَها
أَلا رُبَّ آمالٍ إِذا قيلَ قَد دَنَت / رَأَيتَ صُروفَ الدَهرِ قَد حُلنَ دونَها
أَيا آمِنَ الأَيّامِ مُستَأنِساً بِها / كَأَنَّكَ قَد واجَهتَ مِنها خُؤونَها
لَعَمرُكَ ما تَنفَكُّ تَهدي جَنازَةً / إِلى عَسكَرِ الأَمواتِ حَتّى تَكونَها
ذَوي الوُدِّ مِن أَهلِ القُبورِ عَلَيكُم / سَلامٌ أَما مِن دَعوَةٍ تَسمَعونَها
سَكَنتُم ظُهورَ الأَرضِ حيناً بِنَضرَةٍ / فَما لَبِثَت حَتّى سَكَنتُم بُطونَها
وَكُنتُم أُناساً مِثلَنا في سَبيلِنا / تَضِنّونَ بِالدُنيا وَتَستَحسِنونَها
وَما زالَتِ الدُنيا مَحَلَّ تَرَحُّلٍ / تَجوسُ المَنايا سَهلَها وَحُزونَها
وَقَد كانَ لِلدُنيا قُرونٌ كَثيرَةٌ / وَلَكِنَّ رَيبَ الدَهرِ أَفنى قُرونَها
وَلِلناسِ آجالٌ قِصارٌ سَتَنقَضي / وَلِلناسِ أَرزاقٌ سَيَستَكمِلونَها
رَضيتُ بِبَعضِ الذُلِّ خَوفَ جَميعِهِ
رَضيتُ بِبَعضِ الذُلِّ خَوفَ جَميعِهِ / وَلَيسَ لِمِثلي بِالمُلوكِ يَدانِ
وَكُنتُ امرَأً أَخشى العِقابَ وَأَتَّقي / مَغَبَّةَ ما تَجني يَدي وَلِساني
وَلَو أَنَّني عَنَدتُ صاحِبَ قُدرَةٍ / لَعَرَّضتُ نَفسي صَولَةَ الحَدَثانِ
فَهَل مِن شَفيعٍ مِنكَ يَضمَنُ تَوبَتي / فَإِنّي امرُؤٌ أُفي بِكُلِّ ضَمانِ