القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مِهْيار الدَّيْلمِي الكل
المجموع : 7
ألم أتحدّثْ وَالحديثُ شجونُ
ألم أتحدّثْ وَالحديثُ شجونُ / بما كان منكم أنه سيكونُ
وأُعلمكلم أن الليالي رؤوسُها / وإن صعُبت شيئا فسوف تلينُ
وأزجُر طيرَ اليمن فيكم عيافةً / فتجري لكم بالخير وهي يمينُ
وأعلم أنّ اللهَ في نظم أمرِكم / كفيلٌ برعْيِ المكرماتِ ضمينُ
بشائرُ صدقٍ لم تخِب ولوايِحٌ / من الرشدِ لم تكذِب لهنّ عيونُ
وما الغيبُ طِبيّ فيكُمُ غيرَ أنني / ظننتُ وظنُّ الألمعيّ يقينُ
وغَرَّ الأعادي والجدودُ سوابقٌ / بكم أن هفا من بينهن حَرونُ
وأن رُفِعَتْ صيفيّةٌ حَلَبِيَّةٌ / تحلُّ حُلولَ الطيف ثم تبينُ
فما كلّ جوّ خادعَ العينَ ماطرٌ / وإن نشأت منه سحائبُ جُونُ
سمت أعين مغضوضة وتوسَّعتْ / أمانٍ لهم مكذوبةٌ وظنونُ
ونمَّت قلوبٌ كاتماتٌ بسرّها / وطالعَ داءٌ في الضلوع دفينُ
وحدّث فيها بالفَكاكِ ضميرَه / أسيرٌ ببغضاء الكرام رهينُ
خبيثُ المطاوي شرُّه دون خيرهِ / إذا اغتبط الأحرارُ فهو حزينُ
نزى نزوة الأفعى القصير فعاقَهُ / طريق بنيران الرقاة دخينُ
ومرتصد ذو كلبتين بفيهما / إلى نابه وهو السّمامُ حنينُ
تمنَّى تماما فيكمُ وهو ناقصٌ / وطاولكم بالكِبر وهو مَهينُ
وأطعمه فيكم وُقورُ حلومكم / وبشرٌ لكم عند اللقاء ولينُ
ولم يدر أن الزَّند أملسَ ليِّنا / يُمَسُّ وجسم النار فيه كمينُ
تطرَّفَ يبغي الصيدَ حول بيوتكم / وشرُّ مكانٍ للقنيص عرينُ
وناطحَ منكم صخرة لا يُزِلُّها / من الرأس وحفُ الوفرتين دهينُ
تطامَنْ فقد أقصاكَ عن موطن العلا / ولو كنتَ فوقا أن نفسك دونُ
ولا تحسبنَّ الخُلف يُصلح بيننا / فربَّ يمينٍ بالفسوق تمينُ
وقعتَ ذُنابى في العلا وأكارعا / فأخفتك فيها أظهر وبطونُ
وما كلُّ حصباءِ البحار جواهرٌ / ولا كلُّ أعضاءِ الجسوم عيونُ
ولا المجدُ إلا دوحةٌ فارسيّةٌ / لها من بني عبد الرحيم غصونُ
هم المانعونَ الجارَ ترمَح ظهرَه / على الوِتر عسراء المِراس زبونُ
مزمجِرةٌ تَغلي الحقائدُ وسطَها / رحاها لحبّات القلوب طَحُونُ
إذا سال واديها فلا الطودُ معقِلٌ / لناجٍ ولا الحصنُ الأشمُّ حصينُ
فباتَ عزيزا لا يداس ترابُهُ / وجارُ رجالٍ آخرين يهونُ
تراه على قُرب المدى مُقَل لنا / بعيدا خفيَّ الشخص وهو يبينُ
بنَوا في جِوار الشمس بيتا عِقابُهُ / على المرتقِي خُشْنُ الظهورِ حُزونُ
بنَوْه قطينا بالنجوم مشيّدا / إذا حجرٌ شادَ البيوتَ وطينُ
ميامينُ بسّامون والجوّ قاطبٌ / مساميحُ والبحر الجوادُ ضنينُ
إذا سئلوا لم ينكُتُوا بعِصِيِّهم / ولم يعتقوا بالعذرِ وهو مبينُ
ولا يحسَبون البخلَ يُخلِد ربَّه / ولا حَيْنُ نفسٍ بالعطاء يحينُ
نَمى المجدُ منهم كلَّ أغلبَ ناهضٍ / له الحزم تِربٌ والحسامُ قرينُ
سقى الفخرُ عرقيه وتمَّ فزاده / علاً باعثٌ من نفسه ومُعينُ
إذا جئته مسترضِعا دَرَّ كفِّه / حلبتَ وما كلُّ الأكفّ لَبونُ
كفى بأبي سعدٍ عليهم طليعةً / تريك كمالَ المرء كيف يكونُ
فتى عذُبت أخلاقُه فكأنّه / ضعيفٌ وحبلُ العزم منه متينُ
وحُمِّل أعباءَ السيادة يافعا / فقام قويٌّ في الخطوب أمينُ
وقَى الملكَ من آرائه البيضِ ما وقَتْ / سوادَ العيونِ الرامقات جفونُ
ولما هفتْ أمسِ الحلومُ بربِّها / وشووِرَ مدخولُ الحفاظِ صَنينُ
ونيطت قلاداتُ الأمور بغيره / وبين الرجال في التحدّث بُونُ
درى الملك أيُّ الساعدين يمينُه / وأيَّ حساميه يفي ويخونُ
وأيُّ الجيادِ السابقاتُ وأيّها / قيامٌ بأكتاد الكَلالِ صُفونُ
حمى السِّربَ بالجَمّاء يبغي ذيادَها / فيالكَ نطحا لو يكون قرونُ
فعاد على الأعقاب يُعرِقُ كفَّه / له الهمُّ خِدنٌ والندامةُ دِينُ
يلُمُّ انتشارَ الحبلِ من حيثُ حَلَّه / ويجبر من حيث اعترته وهُونُ
ويعطى صِقالاً ما استطاعَ وحِلْيةً / ظُباً لم تدنَّس فوقهن جُفونُ
تَزين بعِطفيك الحمائلَ والكُسَى / وغيرُك محبوّاً بهنَّ يشينُ
ويُمطيك إعظاما قَرا كلِّ سابقٍ / مكانُك منه في العلاء مكينُ
مُنىً إن تراءتك اللواحظُ فوقه / فأمَّا على الأعداء فهو منونُ
نَسجنا لما أُلبستَ فهي تمائمٌ / تحوطُك من غِشِّ الردى وتصونُ
وعَطفا على الأمر الذي لك قاده / نزاعٌ إلى أوطانه وحنينُ
فككتَ وقد راجعته عُنْقَه وفي / حبالهمُ شكوى لهم وأنين
فداؤك من يشقى بسعدك جده / ويحييك طيبُ الذكر وهو دفينُ
إذا ما رآك اعتاضَ لوناً بلونه / وديَر به حتى يقالَ جنونُ
يساميك لا كسرى أبوه ولا له ال / مَدائنُ دارٌ والجبالُ حصونُ
يعُدُّ أباً في الملك أوقصَ لم يَطُل / له بنجادٍ عاتقٌ ووتينُ
ولا صرَّ أعوادُ السرير به ولا / تغضَّن تحت التاج منه جبينُ
بعثت بآمالي الغرائبِ نحوكم / ومغناكُمُ أُنْسٌ لها وقطينُ
فما لبث الغادي الخميصُ بجوّكم / يطوِّفُ حتى راحَ وهو بطينُ
وكم حملتنا نبتغي المجد عندكم / أو الرفدَ فتلاءُ الذراع أمونُ
بُنيَّةُ عامٍ وابنُ عامين قارحٌ / تشابَه نِسعٌ فوقه ووضينُ
نواحلُ مُدَّتْ كالحنايا شخوصُنا / عليها سهامٌ والظلام طعينُ
إذا ذرعت من نفنفٍ عَرضَه انبرتْ / نفانفُ لم تُذرع لهن صحونُ
وإن علِقت حبل الدجى عاد متنه / بأسحمَ لا تبقى عليه متونُ
تَعِجُّ بأثقال الرجاء كأنها / عوائمُ في بحر السراب سفينُ
إلى أن حططنا والثرى روضةٌ بكم / وماءُ الندى للواردين مَعينُ
بجودكم استعلت يداي وأعذبت / بفيَّ نِطافُ المدح وهو أجونُ
لكلِّ قبيلٍ من بني المجد شاعرٌ / يزيد علاهم رفعةً ويزينُ
ومنّي لكم كفٌّ وسيفٌ وجنُةٌ / وخِلٌّ وعبدٌ شاكرٌ وخدينُ
وَفَى لِيَ هذا الشعرُ فيكم وإنه / خذولٌ لبعض القائلين خئونُ
بقِيتُ له وحدي فلي عُظمُ شأنه / وللناس فيما يخبطون شئون
وكم غرت من قوم ولي في بيوتكم / غرائب أبكارٌ تُزَفُّ وعُونُ
تهَشُّ لها الأسماعُ شوقا كأنها / وإن بعدت منها اللُّحونُ لحُونُ
على أنها ملذوعةٌ بجفائكم / عطاشٌ أواناً والسحابُ هتونُ
وغضبَى بأن تُلوَى لديكم وتُقتَضَى / حقوقٌ لها ممطولةٌ وديونُ
وكم ثوبِ عزّ أغفل القِسمُ حظَّه / وقد غَضَّ منه والتغافلُ هُونُ
ووعدٍ ولم يُنجزه أمسِ لعلّه / من اليوم أن يلقى النجاح قمينُ
صبرتُ لعام الجدب والظُّلمُ كلهُّ / مع الخصب أن أضوَى وأنت سمينُ
ولابدّ من قِسمي إذا نعمةٌ طرت / ومن أثَرٍ فيها عليَّ يبينُ
ومن لِبسةٍ تَشجا صدورٌ بغيظها / عليّ وترنو للجمال عيونُ
فلا تجعلوها عن كريم استماعكم / بمزلقةٍ إن الكريم أذينُ
أناقشُكم قولا وسرِّي مسامِحٌ / وشَرِّي وإن حاف اللسان أمينُ
وأنفُخُ بالشكوى وقلبيَ شاكر / وكم حركاتٍ تحتهنّ سكونُ
شريتكُمُ بالناس مغتبطا بما / ملكتُ إذا عضَّ البنان غبينُ
وملَّكتُكم نفسي فَرُبُّوا جِوارَها / وغالُوا بها إن العزيزَ ثمينُ
فليت صريحَ الودّ بيني وبينكم / فداه دخيلٌ في الوداد هجينُ
وليتَ الليالي بعد أن قد ولدنكم / عَقمنَ فلم تُنجِب لهنّ بطونُ
نَقيلُ مع الدنيا وقد أورقت لنا
نَقيلُ مع الدنيا وقد أورقت لنا / إلى دَوحةٍ لا ظلَّ فيها ولا جنى
ونغترُّ عُجبا بالبقاءِ وإنما / بقاؤك يا مغرورُ ساقَ لك الفنا
أقمتُ وسار السابقون فسرَّني / وما ظعنَ الجيرانُ إلا لأظعنا
وصوَّت دهري باسم غيري مغالطا / وإني وإن لم يُسْمِ أوَّلُ من عنَى
وكيف نرجِّي ودَّ يوم وليلةٍ / يزيدان مما يُعديان بنقصنا
يُسيغ أبونا الدهرُ منّا دماءَنا / وتأكُلنا من هذه الأرض أمُّنا
ألا طرَقتْ صَمَّاءُ لا تفهم الرُّقَى / ولا ترهبُ الحاوين مسرىً ومَكمَنا
لأبنائنا ما فوّقتْ من نبالها / رمتْ أعزلاً أو دارعا متحصِّنا
أصابتْ صميما من رجالٍ أعزّةٍ / علَيَّ نَحتْهم والمصابُ بها أنا
أحبّاي مدّ الدهرُ نحو حبيبهم / يدا لم تصافِح قطُّ إلا لتغبُنا
تراءت عيونُ الخطب خُزرا لعينهم / ألا ليت أعمى ناظراً لهُمُ رَنا
سقَى الله قبرا بالخُضَيريّة الحيا / فخضَّره ما أمطرَ المُزْنُ أدكنا
أميلوا أميلوا من هوادي جيادِكم / إليه فحيّوا نخبةَ المجد والسنا
قِفوا جِّردوها واعقِلوها عقيرةً / ليهزلَها فِقدانُ من كان أسمنا
ومجرورة مبروزة من سروجها / مكسّرة من حولها البيضُ والقنا
لعلّ أبا نصرٍ يردُّ تحيّةً / وما هو إلا فاعلٌ لو تمكّنا
أيا صاحبي والترب بيني وبينه / برغميَ ما اخترتُ الثرى لك مسكنا
عهدتك منّاعا أبياً فما الذي / خُدعتَ به فانقدتَ للموت مذعِنا
نعاك ليَ الناعي فما كدتُ منكِرا / ليومك وهو الحقُّ أن أتيقَّنا
فشكَّكْتُه مستوحشا من سماعه / وعمَّيتُه حتى انجلى وتبيَّنا
أصابَ الردى من شاءَ بعدك إنني / أرى كلَّ يومٍ بعدَ يومك هيِّنا
لخولستُ منك البدرَ ليلةَ تمِّهِ / وجوذبتُ منك الغصنَ ساعةَ يجتنَى
وكنت لآمالي الفسحية مَسرَحا / لوَ اَن المنايا فيك أمهلتِ المُنى
عُرِكتَ بقرنٍ لا هَوادةَ عندَه / فعمَّق ما اسطاعَ الجروحَ وأثخنا
إلى ساعةٍ لا يبلغُ الكيُّ داءَها / ولم تَشفَ منها جِلدةُ القَرْفِ بالهِنا
ومازلتُ من أخذ الضنا منك مشفقا / عليك إلى أن جاء ما هوَّن الضَّنا
وأستبعدُ اليومَ الذي فيه راحةٌ / لما تشتكي حتى دنا شرَّ ما دنا
أبا طالب صبرا وإن كان مُعوِزا / فلا فضلَ في صبرٍ إذا كان ممكنا
سُلبتَ أخاً فاحفظ عليك ثوابَه / فما ضَمِن اللهُ الثوابَ لتحزَنا
بكرهيَ أصفيتُ المودّة باكيا / له وقضَيتُ الحقَّ فيه مؤبِّنا
على أنه لو هالكٌ رده البكا / نثرنا خدودا في ثراه وأجفنا
وكان خبالا في رزيَّة مثلِه / ولُؤماً بدمع أن يصانَ ويُخزَنا
ولكنَّه ما لان جنبٌ لطارقٍ / من الدهر إلا كان أصعبَ أخشنا
ومن نازَل الأحداثَ بالدمع والبكا / فمقلتَهُ أدمَى وأضلعَهُ حَنا
أيا صاحبي بالخيف حُيِّيت مغضَباً
أيا صاحبي بالخيف حُيِّيت مغضَباً / نفَرتَ ولكنّي نظرتُ لحيْني
رميت وسهم ربما مرَّ خاطئا / بسهمين من قاريةٍ نضليْنِ
فإما تَرَى جُرحي وتجهلُ طِبَّه / فخذ علمَه من ظبية العلَميْنِ
فسلْ وتعجَّب كيف تعيا ببُردِها / وتحملُ مع ثِقل الأمانةِ دَيْني
أمالكةً حلمي وتاركةً دمي / بغَبنِيَ من قلبي يفيضُ وعيْني
هبِي ذنبَ قلبي أنه يومَ بينكم / شكاك لوجدٍ أو لروعة بيْنِ
فما بال عيني عوقبت وهِيَ التي / سعتْ بينكم حتى عشِقتُ وبيني
بكَرتِ عليه ضَلَّةً تعذُلينَهُ
بكَرتِ عليه ضَلَّةً تعذُلينَهُ / متى كان دِينُ الغدرِ قبلَكِ دِينَهُ
ترى عينُه وجهاً صديقاً من الهوى / ويلقَى عدوَّ السمعِ ما تأمرينَهُ
أبَى غيرَ قلبي وابتغَى السرَّ مودِعٌ / أبَى اللهُ إلا أن أكونَ أمينَهُ
مشَى يومَ سلع للوَداع فهل درى / أراكٌ بسلعٍ فيمَ حنَّى غصونَهُ
أذاتَ الرُّضاب العذبِ هل من قضيّةٍ / سوى المطلِ في الدَّينْ الذي تعِدينَهُ
وهل من عطاء والندى الغمرُ فيكُمُ / لذي عُسرة لم يُعطَ ما تمنعينَهُ
يعُدُّ نعيما ما تمنَّى وغبطةً / بأن يرِدَ الماءَ الذي ترِدينَهُ
أُدارِي بجَمع طرفَ عينٍ قضى البكا / عليه انتشارا أن طوَى البينُ عِينَهُ
وهبني أضمُّ بالرداء دموعَهُ / فمن ذا يضمُّ بالرقاد جفونَهُ
أحبايَ والوادي يسيل بأهله / أما من يدٍ في موقفٍ تقِفونَهُ
نفستمْ بلُبنَى واقتراحِيَ كلُّه / حديثٌ بلُبنَى أعلقتني شجونَهُ
أمن حاجةٍ في الدهرِ ظوهرتُمُ بها / قلبتم ظهورَ الغدر لي وبطونَهُ
عقدتُ بكم حَبْلي وإنِّي لعالمٌ / بأن الذي أبرمتُه تنقُضونَهُ
وكيفَ نُزَنُّ بالغباوةِ فيكُمُ / فنجزِيَكم صعبَ الزمان ولينَه
ولكنّكم ماءُ الطريق كددتهُ / على بَرْضه لمَّا عدِمتُ مَعينَهُ
لبستكم بعد ابن عيسى ضرورة / وما جل لبس المرء حتى يزينه
تعوَّضتُكم عنه تعلُّلَ مدنفٍ / إذا خانه البرءُ استغاثَ أنينَهُ
وفارقتُ منه يومَ فارقتُ باذلا / فؤادا برغم الجسم ألَّا يصونَهُ
ولما رأيت السير دوني يصُدّهُ / ولا دفعَ في صدرِ النوى لِيَ دونَهُ
حملتُ عليه الصبرَ مستقبحا له / ويحمِلُه قوم ويستجملُونَهُ
أسائل قلبي كيف كان اشتياقُه / يُميلُ حَمامَ الدَّوح لي وحنينَهُ
رعيتُ الفراقَ حُلوَهُ وهشيمَهُ / وأُورَدُ كُرها مِلحَهُ وأَجُونَهُ
فإن غادرتْ أمسِي نحولا صروفُهُ / فلليوم حتى أستعيدَ سمينَهُ
ويستصعِبُ الأمرَ الفتى من صدوره / فتَقضِي له الأعجازُ أن يستهينَهُ
تبدَّلتُ من حَرِّ الأسى ونفوره / على كبِدي بَرْدَ الغنَى وسكونَهُ
وكنتُ مرُوعا من ذئابٍ تنوشني / فأمناً فقد عاد الهزبرُ عرينَهُ
بنفسي على قرب المزار وبُعدِه / فتىً لم أكنْ بالشوق إلا ضمينَهُ
وزاد بعيني قُرَّةً مذ وجدتُهُ / كَهَمِّ المنى أنّي عدمتُ قرينَهُ
تردَّدَ في سرِّ الوزارة ماجدٌ / نسيبٌ نفَى العرقُ العتيقُ هجينَهُ
إذا حُقَّت الآمالُ ودَّ عدوُّه / على ما طَوى من بُغضه أن يكونَهُ
يضيق اتساعُ الدَّست عن ضمِّ حلمهِ / وفي العين شخصٌ دقَّ أن يستبينَهُ
إذا هز أبناءُ الوغَى ذُبَّلَ القنَا / خِفافا إلى الضيم الذي يدفعونَهُ
يدوسون ظهرَ الخطبِ خيفتْ وُعورُه / يسوقون أبكارَ الكلام وعُونَهُ
فإنك مَن ملَّكتُه الودَّ مُرخِصا / فلم أك مع إرخاص بيعي غبينَهُ
وأقسمتُ أني قد ظفِرتُ ببغيتي / لك الله من خلٍّ صَدَقتُ يمينَهُ
وعندي لك المستغنِياتُ بنشرها / عن الطِّيبِ يكفينَ العلا ما ولينَهُ
يجُبنَ الملا حتى يخضنَ بحورَهُ / بأحمالهنَّ أو يلِجنَ حُصونَهُ
إذا وَسَمتْ بالعزِّ عِرضَك أَلبستْ / عدوَّك ذلَّاً عمَّ وسماً جبينَهُ
تخيَّلْتُ عقلَ الدهر لي مذ كفَلتني / وأغفلتني شيئاً فجُنَّ جُنونَهُ
وحسبُك عتبُ المهرجانِ شهادةً / إذا كنتَ في النيروز تقضي ديونَهُ
كم النَّحتُ في جنبيّ والحزُّ في متني
كم النَّحتُ في جنبيّ والحزُّ في متني / أما يُشبع الأيامَ ما أكلتْ منّي
تُلاحِمُ ما تَفريه فيّ بما فرَتْ / وتحسِمُ ما تجنِي عليَّ بما تجني
أريها نُدوبي كي ترِقَّ وأشتكي / إليها فلا تأوي بعينٍ ولا أذْنِ
أرئِّفُ منها بالبكا باردَ الحشا / وأحوِي بعُوذاتِ الرُّقَى ماردَ الجنِّ
تسُلُّ جَناحي ريشةً بعد ريشةٍ / وتخلِسُ غصنا من فروعي إلى غصنِ
مصابٌ ولم أمسح يدي من قسيمهِ / وجُلَّى وما نفَّضتُ من أختها رُدْني
كأنّيَ لم يؤمر بغير صروفُها / ولا وجدتْ بالشرِّ مندوحةً عنّي
نُزوعَكِ يا دنيا وصدَّك إنني / سمحتُ بحظّي من هواكِ على ضنِّ
تركتُكِ للمخدوع منك بخالبٍ / من الومْض مسمومِ الحيا صَعِقِ المُزنِ
قليلٌ وإن سرَّ الرياضَ بقاؤها / عليه وما إبقاؤه وهُو المفني
هجرتِك لما صار وصلكِ سُبّةً / وخِفتُكِ لمّا أن دُهيتُ من الأمنِ
وإنك للحَسناءُ وجها وشارةً / ولكنه غدرٌ يشوِّهُ بالحسنِ
فطنتُ لرأي الحزم فيكِ وهمّتي / تشيرُ إلى رأي الضراعةِ والوهْنِ
أُصادَى وتُرمَى صفحتي بخفيّةٍ / تُوَلَّجُ أبوابَ النفوس بلا إذنِ
إذا ما اتقيتُ السهمَ منها بجِلدتي / تنفَّستُه من جلد خِلِّيَ أو خِدْني
وأعلم إن ماطلت بالودّ أنني / على قَرَبٍ لا بدَّ تُدلَى له شَنِّي
فلو كنتُ عَضباً قد فنِيتُ تفلّلاً / ولوكنتُ هَضْباً مال ركني على ركني
أيعلم ما أدَّتْ حقيبةُ رحلهِ / من الشرِّ ناعٍ ليته لم يبلِّغْني
نعَى ثمّ ألقاها إليّ صحيفةً / فضضت إِشاحَيْها وفضَّتْ عُرَى جفني
بدأتُ بها واليومُ أصبحَ مشمساً / وأنهيتُها والعينُ بالدمع في دَجْنِ
كَنَى باسم عِزِّي أنه اغتاله الردى / ونفسي عَنَى لو كان يعلَم من يكني
خليلي إذا اعتلَّ الخليلُ وصاحبي ال / صريحُ إذا ملَّ الفتى صحبةَ الهُجْنِ
فُجعتُ به غضَّ الشمائل والهوى / مسنَّ الحجا والفضلِ مقتبلَ السنِّ
على حين قامت للمنى فيه سُوقُها / وحقَّت شهاداتُ المخايلِ والظنِّ
ورشّحتُه يرمِي الشواكلَ رأيُهُ / ويُغني وأطرافُ الأسنّة لا تُغني
وللخصم يستشري عليَّ سفاهةً / وذي الودِّ يستعلي حؤولا ويستسني
وللكاتم الشحناء يرهبُ حدّه / إذا اهتزَّ دوني والمكاشفِ بالضَّغنِ
وقام بما حمّلتُه ناهضَ الذُّرَى / خفيفَ الصليفِ تامكَ الجنبِ والمتنِ
وتمَّ فسمَّتهُ النجابةُ كاملا / إذا مال في فنّ بها مار في فنِّ
وصرتُ إذا طالبتُ دهري بمثله / طلبتُ وِلاد العُقم من أظهر العُنِّ
ينمّ ارتيادي فيه عن حسن ما أرى / ويفصح غرسي فيه عن طيب ما أجني
ولم أدرِ أن الموتَ فيه مُراصدي / يقرِّفُ ما آسو ويهدِمُ ما أبني
أبا قاسم لبَّيت لو كنتَ سامعا / غراما بصوتي وارتياحا إلى لَحني
على أيّ سمتٍ تقتفيك نشيدتي / وأيّ مسيل أقتري عنك أو رَعْنِ
وهل ينقُلُ السُّفَّارُ أخبارَ هالكٍ / فأَستقربَ الأسفارَ عنك وأَستدني
ترقَّبتُ يوماً من لقائك نجتني / ثمارَ الإياب الحلوِ من غصنه اللَّدْنِ
وداريتُ عيني عنكَ بالوعد والمنى / مماطلَة المأسور يطمَع في المنِّ
كأنّ فراخَ الوُكْنِ بين جوانحي / أقمنَ وطار الأمّهاتُ عن الوُكْنِ
أغار عليّ الدهرُ فيك ولم أخَلْ / نزولَك منقادا بشلٍّ ولا شَنِّ
فلا أنت قُدَّامَ الركاب طليعةٌ / لعيني ولا مستأخر أثرَ الظُّعْنِ
طحَا بك بُعدٌ لا قرابةَ بعده / مسافةَ مقطوع المدَى غَلِقِ الرهنِ
مجاورَ قومٍ لا تجاوُرَ بينهم / تضاحَوا وهم تحتَ الأظلّةِ والكِنِّ
بدائدَ أُلَّافٍ كأنّ قبورَهم / جواثمَ بالبيداءِ معقورةُ البُدْنِ
بعيدٌ على وِرد الحياضِ التقاؤهم / وإن هم تدانَوا في المنازل والقَطنِ
غريبٌ وثاوٍ بين جُدران أهلهِ / لهم قشفُ البيداءِ في ترفِ المُدْنِ
عَذيريَ من أفواهِ دِجلةَ بُدِّلتْ / من الغدِقِ السلسال بالراكدِ الأجْنِ
شربتُ وقد غالتك دمعي وماءها / فما افترقا لي في الملوحة والسَّخْنِ
لصافحتُ من أمواجها كفَّ غادرٍ / سواء عليها الغَمزُ في الرَّخْصِ والشَّثْنِ
روِيتَ بها حتى غدا الريُّ لهفةً / وصافقتَها للفوز فانقدتَ للغَبنِ
وما خلتُ وِرد الماءِ بابا إلى الصدى / ولا أنّ عومَ البحر ضربٌ من الدفنِ
جرت بالقذى من بعد يومك والأذى / ولا ذُكرتْ إلا على السبِّ واللعنِ
وضاقت بها حافَاتُها وتملَّأتْ / جنادلَ تكبو بالقلوعِ وبالسُّفنِ
ويا ليت شِعرَ الحزم كيف ركبتَها / على غَررٍ من لينِ أظهرها الخُشْنِ
وما كنتَ ممن يأكلُ الطيشُ حلمَهُ / ولا من فريس العجزِ عندي ولا الأفْنِ
ذممتك فيها بالشجاعة مقدِماً / ولو قد جبُنتَ اخترتُ حمدي على الجُبنِ
هوَيتَ إليها مطلَقا حان أسرُهُ / فلم يغنَ بالأُفحوصِ عنها ولا الرَّشْنِ
ولو أنه العادي عليك ابنُ لأمةٍ / تسربلَ أو ذو غابة داميَ الحِضْنِ
وقَيتُك لا أخشى يدَ الليث مالئاً / محاجرَه مني ولا صولةَ القِرنِ
وقامتْ رِجالاتٌ فمدَّت أكفَّها / طوالاً فذبتَّ عنك بالضرب والطعن
وألحمتُها شعواءَ يرفُلُ نقعُها / على العلَق المحمرِّ في الأزُرِ الدُّكْنِ
يصُكُّ الكماةَ بالكماةِ مِصاعُها / خِلاطا وترمي بالحجورِ على الحُصْنِ
ولكن نَعانِي فيك من لا أروعُه / بسفك دمٍ يحميك منه ولا جفنِ
هو الفاجع النسرَ المحلِّقَ بابنه / على الطود والضبَّ المنقَّبَ بالمكْنِ
ووالجُ ما بين الفتى وإزارِه / بلا وازعٍ ينهَى ولا رادعٍ يَثني
رقى ما رقى الحاوون لسعةَ نابه / وطبُّوا فلا بالسحر جاءوا ولا الكَهْنِ
أذمُّ إليك العيشَ بعدك إنه / بُضيعَة لا المُغني المفيدِ ولا المقني
أهيم ولم يظفَرْ بعفراءَ عُروةٌ / وأشكو ولم يقدِر جميلٌ على بُثنِ
كأنيَ لم أنظر من الجوّ في ملاً / سواك ولم أُسرع من الأرض في صحنِ
ولا رفعت كفي على إثر هالك / ردائي على عيني ولا قرعت سنّي
بمن أدفع اليوم المريضة شمسه / وليلة غمّي قال همّي لها جنّي
ومن أترك الشكوى به غير قانط / فيحمل عني عبأها غير ممتنِّ
ويعضدني والرأي أعمى مُدَلَّهٌ / ببلجة خطاف البصيرة معتنِّ
سددت مدى طرفي وأوحشت جانبي / من الناس حتى ربت فاستوحشوا مني
وكنت يدي بانت وعيني تعذرت / عليَّ وسيفي ترَّ من خللِ الجفنِ
فأصبحتُ أرمي في العدا غيرَ صائبٍ / بسهم وأرمَى بالأذى غير مجتنِّ
وكم أزلقتني وقفة بين حاسدي / وبيني وأعيتني فقلت لك ارشدني
ومرهِقة أعددت بِرَّك بي لها / فكنت أخي فيها كأنك كنت ابني
فلا قلت يا نفسي بخلٍّ تأنسي / ويا كبدي حنّي إلى سكنٍ حنِّي
مضى من به بعت الورى غير جاهل / بربحيَ واستوحدته غير مستثني
ثويت وأبقيت الجوى ليَ والأسى / فموتك ما يبلي وعيشيَ ما يفني
كأني كنزت الذخر منك لفاقتي / بفقدك واستثمرت من غبطتي حزني
هَنَا التُّربَ في قُوسانَ أنك نازلٌ / بأدراجه إن بُشِّرَ التُّربُ أو هُنِّي
تطيبُ بك الأرضُ الخبيثُ صعيدُها / ولو فطنتْ أثنت عليك كما أُثني
وزارك محلولُ الوديعةِ مسبِلٌ / رفيقٌ على فرط الوكيفةِ والهَتْنِ
أحمُّ شَماليٌّ كأنَّ غمامَه / سُروبُ ظباءٍ أو ندائفُ من عِهْنِ
إذا اختلفت أرضٌ خُفوضا ورفعةً / طغَى شامخا فاستبدل السهلَ بالحَزْنِ
تألَّت لك الأنواءُ أن ليس بعده / عقابيلُ في حوزٍ لهنّ ولا خَزْنِ
تَصُوبُ وأبكى دائبيْن فإن ونت / ففوِّض إلى دمعي وعوّل على جفني
أمنكِ خيالٌ ضوَّع الركبَ مُوْهِنا
أمنكِ خيالٌ ضوَّع الركبَ مُوْهِنا / وقد قيَّد التأويبُ سُوقا وأجفنا
توغَّلَ من غربيِّ وجرةَ راكبا / قُنِيَّ العدا حتى أناف على قنَا
ألمَّ بمخدوعين عن كل راحةٍ / بما طلبوا العُليا مُناخا ومظعَنا
إذا هدموا الأشخاص لم ينتقصهُمُ / ضؤولٌ لها من حيث ما المجدُ يبتنَى
فحيَّا فبلَّ الوجد بل شبَّ نارَه / فلله منه ما أساء وأحسنا
عجبتُ له كيف اقترى الجوَّ نافضا / وكيف طوى وادي الغضا متبطَّنا
شجاعا وفي أمثالها كان مثلَه / جريُّ الفؤاد أن يخورَ ويجبُنا
أرتنا به ظمياءُ وصلا مموّها / على سفهِ المسرَى وزُوراً مميَّنا
وفاءً بأضغاثِ الكرى وخيانةً / متى ذُكِرت يقظَى بنا وتلوُّنا
تسائل وفدَ النوم عنّا حفيَّة / ولا تسأل الركبانَ من أرضنا بنا
سقى الله أياما نصلنَ على مِنىً / حياً يستردّ العيش بالخيف من مِنى
وحيّا الغصونَ والمَهَا ما حكت لنا / قدودا على وادي الجِمار وأعينا
فكم من فؤادٍ طاح في ذلك الحصا / بدائدَ لو فتَّشتَ عنه تبيّنا
ومن حاجةٍ تُقضَى وليس بمَنسَكٍ / عُنينا بها في الحج ما الله ما عنا
أَلِكْنِى إلى الأيام علَّ صروفَها / يُخفَّفنَ عن ظهري وقد كنّ وُزَّنا
حملتُ إلى أن جُبّ ظهرٌ وغاربٌ / وجلَّت قُروف أن تسدَّد بالهِنا
وعاتبتها حُلوَ العتاب ومرَّه / فلم أر منها واعيا متأذِّنا
فلما رأيتُ العتبَ يَذهبُ صعبُه / بأسماعها أصبحتُ بالذنب مُهوِنا
وألجأتُ ظهري مسنَدا بمعاشر / حَموا من هُنا أطرافَ سرحي ومن هُنا
إلى أُسرةٍ لا يأكل الضيمُ جارَهم / وإن هو أثرى في ذَراهم وأسمنا
كأنّ الغريبَ الدارِ يسكن فيهُمُ / تخيّر بين النَّسر والنَّسر مسكنا
تعلَّق من أذيالهم ووفائهم / بِذروة ممطولِ الشماريخ أرعنا
يحبّ الحيا للحلم والزادَ للقِرى / وكسبَ العلا للخلد والمالَ للفنا
ملوكٌ يَعدّون النجومَ أباً أباً / وإن فضَلوها الجودَ والمجدَ والسنا
لهم دوحةٌ عبدُ الرحيم قضيبها ال / رطيب إذا اخضرّت وأبناؤها الجنَى
حلَوا وزكَوا من أصلهم وتزيّدوا / بأنفسهم تزيُّدَ البُوع بالقنا
وبذّوا القرومَ البزل نشطا ونهضة / وسنّهمُ بين الجِذاع إلى الثِّنا
قضى الله فيهم كلَّ نذرِ مُزاحمٍ / على مجلس العلياء حتى تمكنا
إذا قالت الغَمّاء من فيكُمُ فتىً / يفرِّجني إن ضقتُ قال لها أنا
هم الأنملات الخمس راحة جودهم / غدت ليس عن كُبرَى وصُغرَى لها غنَى
قضَوا كلّ دَين للمعالي ووفّروا / نصيبا على عين الكفاة تعيَّنا
فقام بما ولَّوْه لا متعذرا / حَصورا ولا رِخو العروق مهجَّنا
فتىً وسِعت أخلاقُه الناسَ قادرا / وأصبح في سلطانها الفظّ ليِّنا
وملّكه البِشْرُ القلوبَ فما ترى / فؤاد امرىء لم يتخذ فيه موطِنا
فلو لم يحز بالمال حمدا لأحرزت / كرامُ سجاياه له الحمدَ والثنا
حمولٌ لأعباء الرياسة ناهضٌ / بأثقالها إن قصّر الغمرُ أو ونى
سليمُ الوفاءِ أبيضُ الودّ كلّما / ذممتَ الفتى ذا صِبغتين مُلوَّنا
ويعطي بلا مَنٍّ مُقِلَّاً ومكثراً / بكفٍّ سواءٍ عندها الفقرُ والغنى
تقطَّرَ فِرسانُ الكفاية وارتدوْا / ومرّ على سِيسائها متمرِّنا
وكان لها العينَ البصيرةَ إذ عَمُوا / فشكّوا على عَوصائها وتيقَّنا
غلامٌ كنصل السيف هُزَّ فما نبا / مضاءً وصدرِ الرمح شُدَّ فما انثنى
تمطّت به أمُّ النجابة واحدا / يطول عليها أن يُؤاخَى ويُقرَنا
فداءُ عليٍّ طامعٌ في مكانه / من المجد لم تصدُقه خادعةُ المنى
أراد فلم يبلغ فمات بغيظه / وما كلّ موت أن يُوارَى فيُدفَنا
خُلقتم على قدْرٍ شجاً لعدوِّكم / وعَطفا على مولاكُمُ وتحنُّنا
وكنتَ له وُسطى البنان وقَبضةَ ال / عِنان وباعا ينصُر السيف أََيْمَنا
عَلِقتُك ممسودَ الوفاء محرَّما / على الغدر محميَّ الحِفاظ محصَّنا
وأنزلتَني من دارِ أنسك منزلا / يُربِّبُ عزمي أن أروح فأظعنا
أمينا فسيحا فاجأتني ظلالُه / فحاطت ولم أشعر بها كيف تُبتنَى
رهنتُك رِقِّي عنه حبّاً ومهجتي / وكان عزيزا أن يباعا ويُرهنا
ولم أك في صفقِي على يدك التي / خطبت بها مدحي وودّي لأُغبَنا
وقد كان تقصيرٌ تسلَّفتُ ذَنبَهُ / فها أنا أمحوه منيباً ومذعِنا
صددتُ بوجهي عنك حينا وكنتَ لي / بوجهك مصدودَ المذاهبِ مُحزنا
كلانا جنى فاصفح ودع ذكرَ ما مضى / وراءً وإلا فاقسم العتبَ بينَنا
وهبْ للساني زَلَّة الصمتِ إنه / يكون غداً في وصف فضلك ألسُنا
ستسمعها يُفني الطروسَ ازدحامُها / وتُصبح خُلْقا للرُّواة وديدَنا
من الكلِم المخزونِ نَمَّ خفيُّه / إليك وأضحى سرهُّ فيك معلَنا
سوافر من أوصافكم عن مَراشفٍ / كما كشَف المشتارُ عن نحله الجنى
إذا وسم التعريفُ فوق جباهها / أبا حَسنٍ عادت بذكرك أحسنا
كجوهرة الغوّاص كانت يتيمةً / على اللمس والتقليبِ أغلى وأثمنا
يزورك منها المِهرجَان مقلَّدا / وشاحاً وطوقاً حَلَّياه وزيَّنا
ربائط ما كرّ النهارُ عليكُمُ / صواهلَ من حول البيوت وصُفَّنا
إذا ابتهل الداعونَ كان دُعَاؤها / ألا يا بني عبد الرحيم اسلموا لنا
صحا القلبُ لكن صبوةٌ وحنينُ
صحا القلبُ لكن صبوةٌ وحنينُ / وأقصرَ إلَّا أن يَخِفَّ قَطينُ
وراودَه داعي النُّهَى فأجابه / إلى الصبر إلّا أن يقالَ يخونُ
فما يستخِفُّ الهجرُ ميزانَ حلمهِ / ولا هو إن حُمَّ الفراقُ رزينُ
إذا سايرته فضلةٌ من جلادةٍ / على هاجرٍ عزَّته يومَ يبينُ
وقالوا يكون البينُ والمرء رابطٌ / حشاهُ بفضلِ الحزمِ قلتُ يكونُ
وقد يضمنُ القلبُ الصرامةَ لو وفَى / ويصدُق وعدُ الظنِّ ثم يَمينُ
دعوني فلي إن زُمَّت العيسُ وقفةٌ / أعلِّمُ فيها الصخرَ كيفَ يلينُ
وخلّوا دموعي أو يقالَ نعم بكا / وزفرةَ صدري أو يقالَ حزينُ
فلولا غليلُ الشوق أو دمعةُ النوى / لما خُلِقتْ لي أضلعٌ وجفونُ
وفي الركبِ لي إن أنجد الركب حاجةٌ / أُجِلُّ اسمَها أن تُقتَضَى وأصونُ
يماطلني عَنها المليُّ وقد درى / على غدره أن العهودَ ديونُ
وجوهٌ على وادي الغضا ما عدمتُها / فكلُّ عزيزٍ بالجمال يهونُ
تشبّثتُ بالأقمار عنها عُلالةً / وباناتِ سلع والفُروقُ تَبينُ
وهل عِوضٌ في أن تتِمَّ تشبُّهاً / بهنَّ بدورٌ أو تميدَ غصونُ
وعوَّذني عرَّافُ نجدٍ بذِكرها / فأعلَمني أن الغرامَ جنونُ
تعوَّدَ داءً ظاهراً أن يَطُبَّه / فكيف له بالداءِ وهو دفينُ
لقد نصحَ القاريُّ في رامياتنا / بسلع وبعض الوالدات ضنين
رمين بعيدا والقسيُّ حواجبٌ / فاخلصنَ فينا والسهامُ عُيونُ
أيا صاحبي قدِّمْ جميلا فإنما / تُدانُ بما تُولِي غداً وتدينُ
كفيتُك في طُرقِ الهوى أن تُعِزّني / فهل أنت في طرق العلاء مُهينُ
وفي الناس مَولَى نعمةٍ حاسدٌ لها / عدوٌّ وفي الجُلَّى أخٌ وخدينُ
أثِرْها على حبِّ الوفاء وحسنهِ / تَصعَّبُ في أشطانها وتلينُ
جوافل من طردِ الرياحِ قريبة / عليها فِجاجُ الأرض وهي شَطونُ
مُضبَّرَةٌ فتلاءُ تُروَى إذا بكت / من الظِّمءِ فتلاءُ الذراعِ أمونُ
تَشَعَّثُ أوبارُ المهارَى وظهرها / من الخِصب وحفُ الوفرتين دهينُ
لها وهي خُرْسٌ تحت عضِّ رحالِها / تشكٍّ إذا جدَّ السُّرَى وأنينُ
ظهورُ المطايا للحُمول وثِقْلُها / تِئطّ جُنُوبٌ تحته وبطونُ
سماوَتُها الخضراءُ أختُ سمائها / إذا رفعت واليعملات سفينُ
لها في عِقابِ الموج مَتنٌ ململَمٌ / قويٌّ ولكن لا يقالُ أمينُ
إلى البحر عذبا نركبُ البحرَ مملِحا / وربَّ سُهولٍ طُرْقُهنَّ حُزونُ
خبيثٌ مريرُ الشربِ يسقيك بعده / زلالٌ على حكم الشفاهِ مَعينُ
على الأرض بحرٌ ثامنٌ صفوُ مائه / طغَى بالبحارِ السبعِ وهي أجُونُ
غدا ربُّها لما أحاط بملكها / بذلك يُرضِي كَلَّهَا ويدَينُ
فخضْها على التوفيق واقدح بزندها / عمانَ وإنِّي بالنجاح ضمينُ
يمينيَ رهنٌ بالغنى لك أن طرتْ / على مَلِكٍ كلتا يديه يمينُ
فشاورْ نجومَ السعد والقِ بصدرها / إلى فلقٍ فيه الصباحُ كمينُ
ومن لي بها لو أن حظا مماسكا / يُجيب وعزما يستعانُ يُبينُ
وقلبا إذا ما أبصر الرشدَ فاهتدى / يغطي عليه حبّه ويَرِينُ
على أنّ ثَمَّ الغيثَ عَمَّ فماؤه / عليَّ وإن شطَّ المزارُ هتونُ
وأرضِي به والأرضُ بيني وبينه / من الخصْب جَنَّاتٌ خَفَتْ وعيونُ
ففي كُلِّ يومٍ نعمةٌ أختُ نعمةٍ / وجودُ له مما يليه قرينُ
مواهبُ بيضٌ ودّت المزنُ أنّها / لها وهي حَمَّاء السحائبِ جُونُ
تكثِّر حسادي عليه فأوجهٌ / زُوِينَ وألحاظٌ إليّ شُفُونُ
وأيدٍ مدمّاةٌ عليَّ بعضِّها / كما عَضَّ في إثر البياع غَبينُ
إلى ناصر الدين امتطى كاهلَ المنى / خليقٌ بغايَات النجاح قمينُ
بآية محي الأمة انتشرت لها / من التّرب سُبْلُ الحقِّ وهو دفينُ
غدت ناصلا من كلّ جورٍ بعدله / مطهَّرةَ الأطرافِ وهي درينُ
على مكرماتٍ للعلا ناصريّةٍ / قدائمَ شابتْ والزمانُ جنينُ
بناها على حد الصوارم والقنا / أسودٌ لها غابُ الرماح عَرينُ
إذا نفضوا الراياتِ أو زعزعوا القنا / غدت حركاتُ الناس وهي سُكونُ
يَضيعُ ضياءُ الشمس في ليل نقعهم / فإظهارُهم تحتَ العجاج دُجونُ
مضوا سلفا واستخلفوك لمجدهم / فقرَّت جُنوبٌ في الثرى وعيونُ
وفيتَ بما سنُّوا وزدتَ زيادةً / تفوتُ مكاييلٌ لهم ووزُونُ
علوتَ على الأنداد عزّاً ورفعةً / وحَطَّهُمُ خفضٌ يِدقُّ وهونُ
لهم شركة الأسماء فيه وعندك ال / معاني وهم شكٌّ وأنت يقينُ
فضَلتَهمُ نفسا ودارا ونعمةً / وبين الذُّنابَى والذوائبِ بِينُ
فإن باهلوا بالماء يجري جداولا / فماؤك جمٌّ والبحار حَقينُ
وظنوا النسيمَ كلَّما رقَّ سُحرةً / ألذَّ فأغلاطٌ هفت وظنونُ
هجيرُك بالمعروفِ والعدلِ باردٌ / وظلُّهمُ بالمنكراتِ سخينُ
وضيقُ البلادِ مع سماحك واسعٌ / وأعطانُهم هذي الرحابُ سجونُ
وأرضك كافورٌ يخاضُ وجوهرٌ / وأرضهُمُ صخرٌ يداس وطينُ
وإن حدَّثوا عن شامهم وعراقهم / فعندك هندٌ لا ترام وصينُ
وتحوي من البحر المحيطِ عجائبا / تطيبُ بها أجسامهم وتزينُ
وما الفخرُ طِبِّي بين دار وأختِها / ولكنَّه بين الرجال بُيونُ
ورُبَّ حديث بالهوى جرَّ بعضُهُ / إلى الشعر بعضا والحديث شجونُ
وبغدادُ تبكي والبُصَيرةُ تشتكي / وشعري نشيج عنهما ورنينُ
وكم بلدةٍ باتت تسالم أختَها / وبينهما حربٌ عليك زَبونُ
سلمتَ لدنيا عمرُها وصلاحُها / بعمرك يا مولَى الملوكِ رهينُ
وطاولت الخضراءَ خلدا ونعمةً / قصورُ عُلاً شيَّدتها وحصونُ
وخُلِّدَ هذا الملكُ تَضعُفُ دونه / جبالٌ بقاءَ الدهرِ وهو متينُ
إلى أن تعودَ الراسياتُ موائراً / تسيرُ وتُضحي الأرضُ وهي دخينُ
وحيَّتك عنّي مطرباتٌ كأنما / أناشيدُها مما حلَونَ لُحونُ
يقوم بها بين السِّماطين خاطبٌ / صدوقٌ وبعضُ المادحينَ يمينُ
لمجدك منها يومَ تبغي نكاحَها / كما شئتَ أبكارٌ تُزفُّ وعُونُ
موائسُ من دلٍّ شوامسُ عِفّةً / فهنَّ غصونٌ أو خرائدُ عِينُ
تغالِي بفرط الجود لي في مهورها / فأُرخص منها العِلقَ وهو ثمينُ
ويحملُها عنّي جوادٌ بنفسه / لخدمتكم والقلبُ منه ضنينُ
هو العبدُ قِنّاً وابنُ عبدك طاعةً / وعبدُ المعاصي والعِصِيِّ لعينُ
له كلَّ عامٍ منكَ عادةُ نعمةٍ / ولي تُوسَع الآمالُ حين تحينُ
ينهِّضُه سعيٌ بفضلك آنسٌ / له ثقةٌ نحو الغنى وسكونُ
فلاحظْه بالإنعامِ لا توكلَنَّه / سفيرا يريك النصحَ وهو خئونُ
له قَلَقٌ مهما وهبتَ كأنّه / سليمٌ بما تُعطِي العفاةَ طعينُ
تحيَّفه في الحكم حتى نصرتَه / وجُودك إن جارالقضاء أمينُ
وعش لي فلي شأنٌ من العيش صالحٌ / وللناس في ناسٍ سواك شئونُ
وما ضرَّني منهم نحولُ مطالبي / لديهم وحظّي من نداك سمينُ
وما ساءني أن يمنعَ الغيثُ جودَهُ / وكفُّك لي إمّا احتلبتُ لَبونُ
لوَ اَنَّ الورى أهلي لكنتُ وأنتَ لي / أقومُ بهم مستظهرا وأمونُ
وأرجوك لي حيّاً وأرجو لوارثي / نداك وجسمي في التراب دفينُ
إذا صانك المقدارُ من كلّ حادثٍ / فوجهيَ عن ذلِّ السؤال مصونُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025