المجموع : 7
ألم أتحدّثْ وَالحديثُ شجونُ
ألم أتحدّثْ وَالحديثُ شجونُ / بما كان منكم أنه سيكونُ
وأُعلمكلم أن الليالي رؤوسُها / وإن صعُبت شيئا فسوف تلينُ
وأزجُر طيرَ اليمن فيكم عيافةً / فتجري لكم بالخير وهي يمينُ
وأعلم أنّ اللهَ في نظم أمرِكم / كفيلٌ برعْيِ المكرماتِ ضمينُ
بشائرُ صدقٍ لم تخِب ولوايِحٌ / من الرشدِ لم تكذِب لهنّ عيونُ
وما الغيبُ طِبيّ فيكُمُ غيرَ أنني / ظننتُ وظنُّ الألمعيّ يقينُ
وغَرَّ الأعادي والجدودُ سوابقٌ / بكم أن هفا من بينهن حَرونُ
وأن رُفِعَتْ صيفيّةٌ حَلَبِيَّةٌ / تحلُّ حُلولَ الطيف ثم تبينُ
فما كلّ جوّ خادعَ العينَ ماطرٌ / وإن نشأت منه سحائبُ جُونُ
سمت أعين مغضوضة وتوسَّعتْ / أمانٍ لهم مكذوبةٌ وظنونُ
ونمَّت قلوبٌ كاتماتٌ بسرّها / وطالعَ داءٌ في الضلوع دفينُ
وحدّث فيها بالفَكاكِ ضميرَه / أسيرٌ ببغضاء الكرام رهينُ
خبيثُ المطاوي شرُّه دون خيرهِ / إذا اغتبط الأحرارُ فهو حزينُ
نزى نزوة الأفعى القصير فعاقَهُ / طريق بنيران الرقاة دخينُ
ومرتصد ذو كلبتين بفيهما / إلى نابه وهو السّمامُ حنينُ
تمنَّى تماما فيكمُ وهو ناقصٌ / وطاولكم بالكِبر وهو مَهينُ
وأطعمه فيكم وُقورُ حلومكم / وبشرٌ لكم عند اللقاء ولينُ
ولم يدر أن الزَّند أملسَ ليِّنا / يُمَسُّ وجسم النار فيه كمينُ
تطرَّفَ يبغي الصيدَ حول بيوتكم / وشرُّ مكانٍ للقنيص عرينُ
وناطحَ منكم صخرة لا يُزِلُّها / من الرأس وحفُ الوفرتين دهينُ
تطامَنْ فقد أقصاكَ عن موطن العلا / ولو كنتَ فوقا أن نفسك دونُ
ولا تحسبنَّ الخُلف يُصلح بيننا / فربَّ يمينٍ بالفسوق تمينُ
وقعتَ ذُنابى في العلا وأكارعا / فأخفتك فيها أظهر وبطونُ
وما كلُّ حصباءِ البحار جواهرٌ / ولا كلُّ أعضاءِ الجسوم عيونُ
ولا المجدُ إلا دوحةٌ فارسيّةٌ / لها من بني عبد الرحيم غصونُ
هم المانعونَ الجارَ ترمَح ظهرَه / على الوِتر عسراء المِراس زبونُ
مزمجِرةٌ تَغلي الحقائدُ وسطَها / رحاها لحبّات القلوب طَحُونُ
إذا سال واديها فلا الطودُ معقِلٌ / لناجٍ ولا الحصنُ الأشمُّ حصينُ
فباتَ عزيزا لا يداس ترابُهُ / وجارُ رجالٍ آخرين يهونُ
تراه على قُرب المدى مُقَل لنا / بعيدا خفيَّ الشخص وهو يبينُ
بنَوا في جِوار الشمس بيتا عِقابُهُ / على المرتقِي خُشْنُ الظهورِ حُزونُ
بنَوْه قطينا بالنجوم مشيّدا / إذا حجرٌ شادَ البيوتَ وطينُ
ميامينُ بسّامون والجوّ قاطبٌ / مساميحُ والبحر الجوادُ ضنينُ
إذا سئلوا لم ينكُتُوا بعِصِيِّهم / ولم يعتقوا بالعذرِ وهو مبينُ
ولا يحسَبون البخلَ يُخلِد ربَّه / ولا حَيْنُ نفسٍ بالعطاء يحينُ
نَمى المجدُ منهم كلَّ أغلبَ ناهضٍ / له الحزم تِربٌ والحسامُ قرينُ
سقى الفخرُ عرقيه وتمَّ فزاده / علاً باعثٌ من نفسه ومُعينُ
إذا جئته مسترضِعا دَرَّ كفِّه / حلبتَ وما كلُّ الأكفّ لَبونُ
كفى بأبي سعدٍ عليهم طليعةً / تريك كمالَ المرء كيف يكونُ
فتى عذُبت أخلاقُه فكأنّه / ضعيفٌ وحبلُ العزم منه متينُ
وحُمِّل أعباءَ السيادة يافعا / فقام قويٌّ في الخطوب أمينُ
وقَى الملكَ من آرائه البيضِ ما وقَتْ / سوادَ العيونِ الرامقات جفونُ
ولما هفتْ أمسِ الحلومُ بربِّها / وشووِرَ مدخولُ الحفاظِ صَنينُ
ونيطت قلاداتُ الأمور بغيره / وبين الرجال في التحدّث بُونُ
درى الملك أيُّ الساعدين يمينُه / وأيَّ حساميه يفي ويخونُ
وأيُّ الجيادِ السابقاتُ وأيّها / قيامٌ بأكتاد الكَلالِ صُفونُ
حمى السِّربَ بالجَمّاء يبغي ذيادَها / فيالكَ نطحا لو يكون قرونُ
فعاد على الأعقاب يُعرِقُ كفَّه / له الهمُّ خِدنٌ والندامةُ دِينُ
يلُمُّ انتشارَ الحبلِ من حيثُ حَلَّه / ويجبر من حيث اعترته وهُونُ
ويعطى صِقالاً ما استطاعَ وحِلْيةً / ظُباً لم تدنَّس فوقهن جُفونُ
تَزين بعِطفيك الحمائلَ والكُسَى / وغيرُك محبوّاً بهنَّ يشينُ
ويُمطيك إعظاما قَرا كلِّ سابقٍ / مكانُك منه في العلاء مكينُ
مُنىً إن تراءتك اللواحظُ فوقه / فأمَّا على الأعداء فهو منونُ
نَسجنا لما أُلبستَ فهي تمائمٌ / تحوطُك من غِشِّ الردى وتصونُ
وعَطفا على الأمر الذي لك قاده / نزاعٌ إلى أوطانه وحنينُ
فككتَ وقد راجعته عُنْقَه وفي / حبالهمُ شكوى لهم وأنين
فداؤك من يشقى بسعدك جده / ويحييك طيبُ الذكر وهو دفينُ
إذا ما رآك اعتاضَ لوناً بلونه / وديَر به حتى يقالَ جنونُ
يساميك لا كسرى أبوه ولا له ال / مَدائنُ دارٌ والجبالُ حصونُ
يعُدُّ أباً في الملك أوقصَ لم يَطُل / له بنجادٍ عاتقٌ ووتينُ
ولا صرَّ أعوادُ السرير به ولا / تغضَّن تحت التاج منه جبينُ
بعثت بآمالي الغرائبِ نحوكم / ومغناكُمُ أُنْسٌ لها وقطينُ
فما لبث الغادي الخميصُ بجوّكم / يطوِّفُ حتى راحَ وهو بطينُ
وكم حملتنا نبتغي المجد عندكم / أو الرفدَ فتلاءُ الذراع أمونُ
بُنيَّةُ عامٍ وابنُ عامين قارحٌ / تشابَه نِسعٌ فوقه ووضينُ
نواحلُ مُدَّتْ كالحنايا شخوصُنا / عليها سهامٌ والظلام طعينُ
إذا ذرعت من نفنفٍ عَرضَه انبرتْ / نفانفُ لم تُذرع لهن صحونُ
وإن علِقت حبل الدجى عاد متنه / بأسحمَ لا تبقى عليه متونُ
تَعِجُّ بأثقال الرجاء كأنها / عوائمُ في بحر السراب سفينُ
إلى أن حططنا والثرى روضةٌ بكم / وماءُ الندى للواردين مَعينُ
بجودكم استعلت يداي وأعذبت / بفيَّ نِطافُ المدح وهو أجونُ
لكلِّ قبيلٍ من بني المجد شاعرٌ / يزيد علاهم رفعةً ويزينُ
ومنّي لكم كفٌّ وسيفٌ وجنُةٌ / وخِلٌّ وعبدٌ شاكرٌ وخدينُ
وَفَى لِيَ هذا الشعرُ فيكم وإنه / خذولٌ لبعض القائلين خئونُ
بقِيتُ له وحدي فلي عُظمُ شأنه / وللناس فيما يخبطون شئون
وكم غرت من قوم ولي في بيوتكم / غرائب أبكارٌ تُزَفُّ وعُونُ
تهَشُّ لها الأسماعُ شوقا كأنها / وإن بعدت منها اللُّحونُ لحُونُ
على أنها ملذوعةٌ بجفائكم / عطاشٌ أواناً والسحابُ هتونُ
وغضبَى بأن تُلوَى لديكم وتُقتَضَى / حقوقٌ لها ممطولةٌ وديونُ
وكم ثوبِ عزّ أغفل القِسمُ حظَّه / وقد غَضَّ منه والتغافلُ هُونُ
ووعدٍ ولم يُنجزه أمسِ لعلّه / من اليوم أن يلقى النجاح قمينُ
صبرتُ لعام الجدب والظُّلمُ كلهُّ / مع الخصب أن أضوَى وأنت سمينُ
ولابدّ من قِسمي إذا نعمةٌ طرت / ومن أثَرٍ فيها عليَّ يبينُ
ومن لِبسةٍ تَشجا صدورٌ بغيظها / عليّ وترنو للجمال عيونُ
فلا تجعلوها عن كريم استماعكم / بمزلقةٍ إن الكريم أذينُ
أناقشُكم قولا وسرِّي مسامِحٌ / وشَرِّي وإن حاف اللسان أمينُ
وأنفُخُ بالشكوى وقلبيَ شاكر / وكم حركاتٍ تحتهنّ سكونُ
شريتكُمُ بالناس مغتبطا بما / ملكتُ إذا عضَّ البنان غبينُ
وملَّكتُكم نفسي فَرُبُّوا جِوارَها / وغالُوا بها إن العزيزَ ثمينُ
فليت صريحَ الودّ بيني وبينكم / فداه دخيلٌ في الوداد هجينُ
وليتَ الليالي بعد أن قد ولدنكم / عَقمنَ فلم تُنجِب لهنّ بطونُ
نَقيلُ مع الدنيا وقد أورقت لنا
نَقيلُ مع الدنيا وقد أورقت لنا / إلى دَوحةٍ لا ظلَّ فيها ولا جنى
ونغترُّ عُجبا بالبقاءِ وإنما / بقاؤك يا مغرورُ ساقَ لك الفنا
أقمتُ وسار السابقون فسرَّني / وما ظعنَ الجيرانُ إلا لأظعنا
وصوَّت دهري باسم غيري مغالطا / وإني وإن لم يُسْمِ أوَّلُ من عنَى
وكيف نرجِّي ودَّ يوم وليلةٍ / يزيدان مما يُعديان بنقصنا
يُسيغ أبونا الدهرُ منّا دماءَنا / وتأكُلنا من هذه الأرض أمُّنا
ألا طرَقتْ صَمَّاءُ لا تفهم الرُّقَى / ولا ترهبُ الحاوين مسرىً ومَكمَنا
لأبنائنا ما فوّقتْ من نبالها / رمتْ أعزلاً أو دارعا متحصِّنا
أصابتْ صميما من رجالٍ أعزّةٍ / علَيَّ نَحتْهم والمصابُ بها أنا
أحبّاي مدّ الدهرُ نحو حبيبهم / يدا لم تصافِح قطُّ إلا لتغبُنا
تراءت عيونُ الخطب خُزرا لعينهم / ألا ليت أعمى ناظراً لهُمُ رَنا
سقَى الله قبرا بالخُضَيريّة الحيا / فخضَّره ما أمطرَ المُزْنُ أدكنا
أميلوا أميلوا من هوادي جيادِكم / إليه فحيّوا نخبةَ المجد والسنا
قِفوا جِّردوها واعقِلوها عقيرةً / ليهزلَها فِقدانُ من كان أسمنا
ومجرورة مبروزة من سروجها / مكسّرة من حولها البيضُ والقنا
لعلّ أبا نصرٍ يردُّ تحيّةً / وما هو إلا فاعلٌ لو تمكّنا
أيا صاحبي والترب بيني وبينه / برغميَ ما اخترتُ الثرى لك مسكنا
عهدتك منّاعا أبياً فما الذي / خُدعتَ به فانقدتَ للموت مذعِنا
نعاك ليَ الناعي فما كدتُ منكِرا / ليومك وهو الحقُّ أن أتيقَّنا
فشكَّكْتُه مستوحشا من سماعه / وعمَّيتُه حتى انجلى وتبيَّنا
أصابَ الردى من شاءَ بعدك إنني / أرى كلَّ يومٍ بعدَ يومك هيِّنا
لخولستُ منك البدرَ ليلةَ تمِّهِ / وجوذبتُ منك الغصنَ ساعةَ يجتنَى
وكنت لآمالي الفسحية مَسرَحا / لوَ اَن المنايا فيك أمهلتِ المُنى
عُرِكتَ بقرنٍ لا هَوادةَ عندَه / فعمَّق ما اسطاعَ الجروحَ وأثخنا
إلى ساعةٍ لا يبلغُ الكيُّ داءَها / ولم تَشفَ منها جِلدةُ القَرْفِ بالهِنا
ومازلتُ من أخذ الضنا منك مشفقا / عليك إلى أن جاء ما هوَّن الضَّنا
وأستبعدُ اليومَ الذي فيه راحةٌ / لما تشتكي حتى دنا شرَّ ما دنا
أبا طالب صبرا وإن كان مُعوِزا / فلا فضلَ في صبرٍ إذا كان ممكنا
سُلبتَ أخاً فاحفظ عليك ثوابَه / فما ضَمِن اللهُ الثوابَ لتحزَنا
بكرهيَ أصفيتُ المودّة باكيا / له وقضَيتُ الحقَّ فيه مؤبِّنا
على أنه لو هالكٌ رده البكا / نثرنا خدودا في ثراه وأجفنا
وكان خبالا في رزيَّة مثلِه / ولُؤماً بدمع أن يصانَ ويُخزَنا
ولكنَّه ما لان جنبٌ لطارقٍ / من الدهر إلا كان أصعبَ أخشنا
ومن نازَل الأحداثَ بالدمع والبكا / فمقلتَهُ أدمَى وأضلعَهُ حَنا
أيا صاحبي بالخيف حُيِّيت مغضَباً
أيا صاحبي بالخيف حُيِّيت مغضَباً / نفَرتَ ولكنّي نظرتُ لحيْني
رميت وسهم ربما مرَّ خاطئا / بسهمين من قاريةٍ نضليْنِ
فإما تَرَى جُرحي وتجهلُ طِبَّه / فخذ علمَه من ظبية العلَميْنِ
فسلْ وتعجَّب كيف تعيا ببُردِها / وتحملُ مع ثِقل الأمانةِ دَيْني
أمالكةً حلمي وتاركةً دمي / بغَبنِيَ من قلبي يفيضُ وعيْني
هبِي ذنبَ قلبي أنه يومَ بينكم / شكاك لوجدٍ أو لروعة بيْنِ
فما بال عيني عوقبت وهِيَ التي / سعتْ بينكم حتى عشِقتُ وبيني
بكَرتِ عليه ضَلَّةً تعذُلينَهُ
بكَرتِ عليه ضَلَّةً تعذُلينَهُ / متى كان دِينُ الغدرِ قبلَكِ دِينَهُ
ترى عينُه وجهاً صديقاً من الهوى / ويلقَى عدوَّ السمعِ ما تأمرينَهُ
أبَى غيرَ قلبي وابتغَى السرَّ مودِعٌ / أبَى اللهُ إلا أن أكونَ أمينَهُ
مشَى يومَ سلع للوَداع فهل درى / أراكٌ بسلعٍ فيمَ حنَّى غصونَهُ
أذاتَ الرُّضاب العذبِ هل من قضيّةٍ / سوى المطلِ في الدَّينْ الذي تعِدينَهُ
وهل من عطاء والندى الغمرُ فيكُمُ / لذي عُسرة لم يُعطَ ما تمنعينَهُ
يعُدُّ نعيما ما تمنَّى وغبطةً / بأن يرِدَ الماءَ الذي ترِدينَهُ
أُدارِي بجَمع طرفَ عينٍ قضى البكا / عليه انتشارا أن طوَى البينُ عِينَهُ
وهبني أضمُّ بالرداء دموعَهُ / فمن ذا يضمُّ بالرقاد جفونَهُ
أحبايَ والوادي يسيل بأهله / أما من يدٍ في موقفٍ تقِفونَهُ
نفستمْ بلُبنَى واقتراحِيَ كلُّه / حديثٌ بلُبنَى أعلقتني شجونَهُ
أمن حاجةٍ في الدهرِ ظوهرتُمُ بها / قلبتم ظهورَ الغدر لي وبطونَهُ
عقدتُ بكم حَبْلي وإنِّي لعالمٌ / بأن الذي أبرمتُه تنقُضونَهُ
وكيفَ نُزَنُّ بالغباوةِ فيكُمُ / فنجزِيَكم صعبَ الزمان ولينَه
ولكنّكم ماءُ الطريق كددتهُ / على بَرْضه لمَّا عدِمتُ مَعينَهُ
لبستكم بعد ابن عيسى ضرورة / وما جل لبس المرء حتى يزينه
تعوَّضتُكم عنه تعلُّلَ مدنفٍ / إذا خانه البرءُ استغاثَ أنينَهُ
وفارقتُ منه يومَ فارقتُ باذلا / فؤادا برغم الجسم ألَّا يصونَهُ
ولما رأيت السير دوني يصُدّهُ / ولا دفعَ في صدرِ النوى لِيَ دونَهُ
حملتُ عليه الصبرَ مستقبحا له / ويحمِلُه قوم ويستجملُونَهُ
أسائل قلبي كيف كان اشتياقُه / يُميلُ حَمامَ الدَّوح لي وحنينَهُ
رعيتُ الفراقَ حُلوَهُ وهشيمَهُ / وأُورَدُ كُرها مِلحَهُ وأَجُونَهُ
فإن غادرتْ أمسِي نحولا صروفُهُ / فلليوم حتى أستعيدَ سمينَهُ
ويستصعِبُ الأمرَ الفتى من صدوره / فتَقضِي له الأعجازُ أن يستهينَهُ
تبدَّلتُ من حَرِّ الأسى ونفوره / على كبِدي بَرْدَ الغنَى وسكونَهُ
وكنتُ مرُوعا من ذئابٍ تنوشني / فأمناً فقد عاد الهزبرُ عرينَهُ
بنفسي على قرب المزار وبُعدِه / فتىً لم أكنْ بالشوق إلا ضمينَهُ
وزاد بعيني قُرَّةً مذ وجدتُهُ / كَهَمِّ المنى أنّي عدمتُ قرينَهُ
تردَّدَ في سرِّ الوزارة ماجدٌ / نسيبٌ نفَى العرقُ العتيقُ هجينَهُ
إذا حُقَّت الآمالُ ودَّ عدوُّه / على ما طَوى من بُغضه أن يكونَهُ
يضيق اتساعُ الدَّست عن ضمِّ حلمهِ / وفي العين شخصٌ دقَّ أن يستبينَهُ
إذا هز أبناءُ الوغَى ذُبَّلَ القنَا / خِفافا إلى الضيم الذي يدفعونَهُ
يدوسون ظهرَ الخطبِ خيفتْ وُعورُه / يسوقون أبكارَ الكلام وعُونَهُ
فإنك مَن ملَّكتُه الودَّ مُرخِصا / فلم أك مع إرخاص بيعي غبينَهُ
وأقسمتُ أني قد ظفِرتُ ببغيتي / لك الله من خلٍّ صَدَقتُ يمينَهُ
وعندي لك المستغنِياتُ بنشرها / عن الطِّيبِ يكفينَ العلا ما ولينَهُ
يجُبنَ الملا حتى يخضنَ بحورَهُ / بأحمالهنَّ أو يلِجنَ حُصونَهُ
إذا وَسَمتْ بالعزِّ عِرضَك أَلبستْ / عدوَّك ذلَّاً عمَّ وسماً جبينَهُ
تخيَّلْتُ عقلَ الدهر لي مذ كفَلتني / وأغفلتني شيئاً فجُنَّ جُنونَهُ
وحسبُك عتبُ المهرجانِ شهادةً / إذا كنتَ في النيروز تقضي ديونَهُ
كم النَّحتُ في جنبيّ والحزُّ في متني
كم النَّحتُ في جنبيّ والحزُّ في متني / أما يُشبع الأيامَ ما أكلتْ منّي
تُلاحِمُ ما تَفريه فيّ بما فرَتْ / وتحسِمُ ما تجنِي عليَّ بما تجني
أريها نُدوبي كي ترِقَّ وأشتكي / إليها فلا تأوي بعينٍ ولا أذْنِ
أرئِّفُ منها بالبكا باردَ الحشا / وأحوِي بعُوذاتِ الرُّقَى ماردَ الجنِّ
تسُلُّ جَناحي ريشةً بعد ريشةٍ / وتخلِسُ غصنا من فروعي إلى غصنِ
مصابٌ ولم أمسح يدي من قسيمهِ / وجُلَّى وما نفَّضتُ من أختها رُدْني
كأنّيَ لم يؤمر بغير صروفُها / ولا وجدتْ بالشرِّ مندوحةً عنّي
نُزوعَكِ يا دنيا وصدَّك إنني / سمحتُ بحظّي من هواكِ على ضنِّ
تركتُكِ للمخدوع منك بخالبٍ / من الومْض مسمومِ الحيا صَعِقِ المُزنِ
قليلٌ وإن سرَّ الرياضَ بقاؤها / عليه وما إبقاؤه وهُو المفني
هجرتِك لما صار وصلكِ سُبّةً / وخِفتُكِ لمّا أن دُهيتُ من الأمنِ
وإنك للحَسناءُ وجها وشارةً / ولكنه غدرٌ يشوِّهُ بالحسنِ
فطنتُ لرأي الحزم فيكِ وهمّتي / تشيرُ إلى رأي الضراعةِ والوهْنِ
أُصادَى وتُرمَى صفحتي بخفيّةٍ / تُوَلَّجُ أبوابَ النفوس بلا إذنِ
إذا ما اتقيتُ السهمَ منها بجِلدتي / تنفَّستُه من جلد خِلِّيَ أو خِدْني
وأعلم إن ماطلت بالودّ أنني / على قَرَبٍ لا بدَّ تُدلَى له شَنِّي
فلو كنتُ عَضباً قد فنِيتُ تفلّلاً / ولوكنتُ هَضْباً مال ركني على ركني
أيعلم ما أدَّتْ حقيبةُ رحلهِ / من الشرِّ ناعٍ ليته لم يبلِّغْني
نعَى ثمّ ألقاها إليّ صحيفةً / فضضت إِشاحَيْها وفضَّتْ عُرَى جفني
بدأتُ بها واليومُ أصبحَ مشمساً / وأنهيتُها والعينُ بالدمع في دَجْنِ
كَنَى باسم عِزِّي أنه اغتاله الردى / ونفسي عَنَى لو كان يعلَم من يكني
خليلي إذا اعتلَّ الخليلُ وصاحبي ال / صريحُ إذا ملَّ الفتى صحبةَ الهُجْنِ
فُجعتُ به غضَّ الشمائل والهوى / مسنَّ الحجا والفضلِ مقتبلَ السنِّ
على حين قامت للمنى فيه سُوقُها / وحقَّت شهاداتُ المخايلِ والظنِّ
ورشّحتُه يرمِي الشواكلَ رأيُهُ / ويُغني وأطرافُ الأسنّة لا تُغني
وللخصم يستشري عليَّ سفاهةً / وذي الودِّ يستعلي حؤولا ويستسني
وللكاتم الشحناء يرهبُ حدّه / إذا اهتزَّ دوني والمكاشفِ بالضَّغنِ
وقام بما حمّلتُه ناهضَ الذُّرَى / خفيفَ الصليفِ تامكَ الجنبِ والمتنِ
وتمَّ فسمَّتهُ النجابةُ كاملا / إذا مال في فنّ بها مار في فنِّ
وصرتُ إذا طالبتُ دهري بمثله / طلبتُ وِلاد العُقم من أظهر العُنِّ
ينمّ ارتيادي فيه عن حسن ما أرى / ويفصح غرسي فيه عن طيب ما أجني
ولم أدرِ أن الموتَ فيه مُراصدي / يقرِّفُ ما آسو ويهدِمُ ما أبني
أبا قاسم لبَّيت لو كنتَ سامعا / غراما بصوتي وارتياحا إلى لَحني
على أيّ سمتٍ تقتفيك نشيدتي / وأيّ مسيل أقتري عنك أو رَعْنِ
وهل ينقُلُ السُّفَّارُ أخبارَ هالكٍ / فأَستقربَ الأسفارَ عنك وأَستدني
ترقَّبتُ يوماً من لقائك نجتني / ثمارَ الإياب الحلوِ من غصنه اللَّدْنِ
وداريتُ عيني عنكَ بالوعد والمنى / مماطلَة المأسور يطمَع في المنِّ
كأنّ فراخَ الوُكْنِ بين جوانحي / أقمنَ وطار الأمّهاتُ عن الوُكْنِ
أغار عليّ الدهرُ فيك ولم أخَلْ / نزولَك منقادا بشلٍّ ولا شَنِّ
فلا أنت قُدَّامَ الركاب طليعةٌ / لعيني ولا مستأخر أثرَ الظُّعْنِ
طحَا بك بُعدٌ لا قرابةَ بعده / مسافةَ مقطوع المدَى غَلِقِ الرهنِ
مجاورَ قومٍ لا تجاوُرَ بينهم / تضاحَوا وهم تحتَ الأظلّةِ والكِنِّ
بدائدَ أُلَّافٍ كأنّ قبورَهم / جواثمَ بالبيداءِ معقورةُ البُدْنِ
بعيدٌ على وِرد الحياضِ التقاؤهم / وإن هم تدانَوا في المنازل والقَطنِ
غريبٌ وثاوٍ بين جُدران أهلهِ / لهم قشفُ البيداءِ في ترفِ المُدْنِ
عَذيريَ من أفواهِ دِجلةَ بُدِّلتْ / من الغدِقِ السلسال بالراكدِ الأجْنِ
شربتُ وقد غالتك دمعي وماءها / فما افترقا لي في الملوحة والسَّخْنِ
لصافحتُ من أمواجها كفَّ غادرٍ / سواء عليها الغَمزُ في الرَّخْصِ والشَّثْنِ
روِيتَ بها حتى غدا الريُّ لهفةً / وصافقتَها للفوز فانقدتَ للغَبنِ
وما خلتُ وِرد الماءِ بابا إلى الصدى / ولا أنّ عومَ البحر ضربٌ من الدفنِ
جرت بالقذى من بعد يومك والأذى / ولا ذُكرتْ إلا على السبِّ واللعنِ
وضاقت بها حافَاتُها وتملَّأتْ / جنادلَ تكبو بالقلوعِ وبالسُّفنِ
ويا ليت شِعرَ الحزم كيف ركبتَها / على غَررٍ من لينِ أظهرها الخُشْنِ
وما كنتَ ممن يأكلُ الطيشُ حلمَهُ / ولا من فريس العجزِ عندي ولا الأفْنِ
ذممتك فيها بالشجاعة مقدِماً / ولو قد جبُنتَ اخترتُ حمدي على الجُبنِ
هوَيتَ إليها مطلَقا حان أسرُهُ / فلم يغنَ بالأُفحوصِ عنها ولا الرَّشْنِ
ولو أنه العادي عليك ابنُ لأمةٍ / تسربلَ أو ذو غابة داميَ الحِضْنِ
وقَيتُك لا أخشى يدَ الليث مالئاً / محاجرَه مني ولا صولةَ القِرنِ
وقامتْ رِجالاتٌ فمدَّت أكفَّها / طوالاً فذبتَّ عنك بالضرب والطعن
وألحمتُها شعواءَ يرفُلُ نقعُها / على العلَق المحمرِّ في الأزُرِ الدُّكْنِ
يصُكُّ الكماةَ بالكماةِ مِصاعُها / خِلاطا وترمي بالحجورِ على الحُصْنِ
ولكن نَعانِي فيك من لا أروعُه / بسفك دمٍ يحميك منه ولا جفنِ
هو الفاجع النسرَ المحلِّقَ بابنه / على الطود والضبَّ المنقَّبَ بالمكْنِ
ووالجُ ما بين الفتى وإزارِه / بلا وازعٍ ينهَى ولا رادعٍ يَثني
رقى ما رقى الحاوون لسعةَ نابه / وطبُّوا فلا بالسحر جاءوا ولا الكَهْنِ
أذمُّ إليك العيشَ بعدك إنه / بُضيعَة لا المُغني المفيدِ ولا المقني
أهيم ولم يظفَرْ بعفراءَ عُروةٌ / وأشكو ولم يقدِر جميلٌ على بُثنِ
كأنيَ لم أنظر من الجوّ في ملاً / سواك ولم أُسرع من الأرض في صحنِ
ولا رفعت كفي على إثر هالك / ردائي على عيني ولا قرعت سنّي
بمن أدفع اليوم المريضة شمسه / وليلة غمّي قال همّي لها جنّي
ومن أترك الشكوى به غير قانط / فيحمل عني عبأها غير ممتنِّ
ويعضدني والرأي أعمى مُدَلَّهٌ / ببلجة خطاف البصيرة معتنِّ
سددت مدى طرفي وأوحشت جانبي / من الناس حتى ربت فاستوحشوا مني
وكنت يدي بانت وعيني تعذرت / عليَّ وسيفي ترَّ من خللِ الجفنِ
فأصبحتُ أرمي في العدا غيرَ صائبٍ / بسهم وأرمَى بالأذى غير مجتنِّ
وكم أزلقتني وقفة بين حاسدي / وبيني وأعيتني فقلت لك ارشدني
ومرهِقة أعددت بِرَّك بي لها / فكنت أخي فيها كأنك كنت ابني
فلا قلت يا نفسي بخلٍّ تأنسي / ويا كبدي حنّي إلى سكنٍ حنِّي
مضى من به بعت الورى غير جاهل / بربحيَ واستوحدته غير مستثني
ثويت وأبقيت الجوى ليَ والأسى / فموتك ما يبلي وعيشيَ ما يفني
كأني كنزت الذخر منك لفاقتي / بفقدك واستثمرت من غبطتي حزني
هَنَا التُّربَ في قُوسانَ أنك نازلٌ / بأدراجه إن بُشِّرَ التُّربُ أو هُنِّي
تطيبُ بك الأرضُ الخبيثُ صعيدُها / ولو فطنتْ أثنت عليك كما أُثني
وزارك محلولُ الوديعةِ مسبِلٌ / رفيقٌ على فرط الوكيفةِ والهَتْنِ
أحمُّ شَماليٌّ كأنَّ غمامَه / سُروبُ ظباءٍ أو ندائفُ من عِهْنِ
إذا اختلفت أرضٌ خُفوضا ورفعةً / طغَى شامخا فاستبدل السهلَ بالحَزْنِ
تألَّت لك الأنواءُ أن ليس بعده / عقابيلُ في حوزٍ لهنّ ولا خَزْنِ
تَصُوبُ وأبكى دائبيْن فإن ونت / ففوِّض إلى دمعي وعوّل على جفني
أمنكِ خيالٌ ضوَّع الركبَ مُوْهِنا
أمنكِ خيالٌ ضوَّع الركبَ مُوْهِنا / وقد قيَّد التأويبُ سُوقا وأجفنا
توغَّلَ من غربيِّ وجرةَ راكبا / قُنِيَّ العدا حتى أناف على قنَا
ألمَّ بمخدوعين عن كل راحةٍ / بما طلبوا العُليا مُناخا ومظعَنا
إذا هدموا الأشخاص لم ينتقصهُمُ / ضؤولٌ لها من حيث ما المجدُ يبتنَى
فحيَّا فبلَّ الوجد بل شبَّ نارَه / فلله منه ما أساء وأحسنا
عجبتُ له كيف اقترى الجوَّ نافضا / وكيف طوى وادي الغضا متبطَّنا
شجاعا وفي أمثالها كان مثلَه / جريُّ الفؤاد أن يخورَ ويجبُنا
أرتنا به ظمياءُ وصلا مموّها / على سفهِ المسرَى وزُوراً مميَّنا
وفاءً بأضغاثِ الكرى وخيانةً / متى ذُكِرت يقظَى بنا وتلوُّنا
تسائل وفدَ النوم عنّا حفيَّة / ولا تسأل الركبانَ من أرضنا بنا
سقى الله أياما نصلنَ على مِنىً / حياً يستردّ العيش بالخيف من مِنى
وحيّا الغصونَ والمَهَا ما حكت لنا / قدودا على وادي الجِمار وأعينا
فكم من فؤادٍ طاح في ذلك الحصا / بدائدَ لو فتَّشتَ عنه تبيّنا
ومن حاجةٍ تُقضَى وليس بمَنسَكٍ / عُنينا بها في الحج ما الله ما عنا
أَلِكْنِى إلى الأيام علَّ صروفَها / يُخفَّفنَ عن ظهري وقد كنّ وُزَّنا
حملتُ إلى أن جُبّ ظهرٌ وغاربٌ / وجلَّت قُروف أن تسدَّد بالهِنا
وعاتبتها حُلوَ العتاب ومرَّه / فلم أر منها واعيا متأذِّنا
فلما رأيتُ العتبَ يَذهبُ صعبُه / بأسماعها أصبحتُ بالذنب مُهوِنا
وألجأتُ ظهري مسنَدا بمعاشر / حَموا من هُنا أطرافَ سرحي ومن هُنا
إلى أُسرةٍ لا يأكل الضيمُ جارَهم / وإن هو أثرى في ذَراهم وأسمنا
كأنّ الغريبَ الدارِ يسكن فيهُمُ / تخيّر بين النَّسر والنَّسر مسكنا
تعلَّق من أذيالهم ووفائهم / بِذروة ممطولِ الشماريخ أرعنا
يحبّ الحيا للحلم والزادَ للقِرى / وكسبَ العلا للخلد والمالَ للفنا
ملوكٌ يَعدّون النجومَ أباً أباً / وإن فضَلوها الجودَ والمجدَ والسنا
لهم دوحةٌ عبدُ الرحيم قضيبها ال / رطيب إذا اخضرّت وأبناؤها الجنَى
حلَوا وزكَوا من أصلهم وتزيّدوا / بأنفسهم تزيُّدَ البُوع بالقنا
وبذّوا القرومَ البزل نشطا ونهضة / وسنّهمُ بين الجِذاع إلى الثِّنا
قضى الله فيهم كلَّ نذرِ مُزاحمٍ / على مجلس العلياء حتى تمكنا
إذا قالت الغَمّاء من فيكُمُ فتىً / يفرِّجني إن ضقتُ قال لها أنا
هم الأنملات الخمس راحة جودهم / غدت ليس عن كُبرَى وصُغرَى لها غنَى
قضَوا كلّ دَين للمعالي ووفّروا / نصيبا على عين الكفاة تعيَّنا
فقام بما ولَّوْه لا متعذرا / حَصورا ولا رِخو العروق مهجَّنا
فتىً وسِعت أخلاقُه الناسَ قادرا / وأصبح في سلطانها الفظّ ليِّنا
وملّكه البِشْرُ القلوبَ فما ترى / فؤاد امرىء لم يتخذ فيه موطِنا
فلو لم يحز بالمال حمدا لأحرزت / كرامُ سجاياه له الحمدَ والثنا
حمولٌ لأعباء الرياسة ناهضٌ / بأثقالها إن قصّر الغمرُ أو ونى
سليمُ الوفاءِ أبيضُ الودّ كلّما / ذممتَ الفتى ذا صِبغتين مُلوَّنا
ويعطي بلا مَنٍّ مُقِلَّاً ومكثراً / بكفٍّ سواءٍ عندها الفقرُ والغنى
تقطَّرَ فِرسانُ الكفاية وارتدوْا / ومرّ على سِيسائها متمرِّنا
وكان لها العينَ البصيرةَ إذ عَمُوا / فشكّوا على عَوصائها وتيقَّنا
غلامٌ كنصل السيف هُزَّ فما نبا / مضاءً وصدرِ الرمح شُدَّ فما انثنى
تمطّت به أمُّ النجابة واحدا / يطول عليها أن يُؤاخَى ويُقرَنا
فداءُ عليٍّ طامعٌ في مكانه / من المجد لم تصدُقه خادعةُ المنى
أراد فلم يبلغ فمات بغيظه / وما كلّ موت أن يُوارَى فيُدفَنا
خُلقتم على قدْرٍ شجاً لعدوِّكم / وعَطفا على مولاكُمُ وتحنُّنا
وكنتَ له وُسطى البنان وقَبضةَ ال / عِنان وباعا ينصُر السيف أََيْمَنا
عَلِقتُك ممسودَ الوفاء محرَّما / على الغدر محميَّ الحِفاظ محصَّنا
وأنزلتَني من دارِ أنسك منزلا / يُربِّبُ عزمي أن أروح فأظعنا
أمينا فسيحا فاجأتني ظلالُه / فحاطت ولم أشعر بها كيف تُبتنَى
رهنتُك رِقِّي عنه حبّاً ومهجتي / وكان عزيزا أن يباعا ويُرهنا
ولم أك في صفقِي على يدك التي / خطبت بها مدحي وودّي لأُغبَنا
وقد كان تقصيرٌ تسلَّفتُ ذَنبَهُ / فها أنا أمحوه منيباً ومذعِنا
صددتُ بوجهي عنك حينا وكنتَ لي / بوجهك مصدودَ المذاهبِ مُحزنا
كلانا جنى فاصفح ودع ذكرَ ما مضى / وراءً وإلا فاقسم العتبَ بينَنا
وهبْ للساني زَلَّة الصمتِ إنه / يكون غداً في وصف فضلك ألسُنا
ستسمعها يُفني الطروسَ ازدحامُها / وتُصبح خُلْقا للرُّواة وديدَنا
من الكلِم المخزونِ نَمَّ خفيُّه / إليك وأضحى سرهُّ فيك معلَنا
سوافر من أوصافكم عن مَراشفٍ / كما كشَف المشتارُ عن نحله الجنى
إذا وسم التعريفُ فوق جباهها / أبا حَسنٍ عادت بذكرك أحسنا
كجوهرة الغوّاص كانت يتيمةً / على اللمس والتقليبِ أغلى وأثمنا
يزورك منها المِهرجَان مقلَّدا / وشاحاً وطوقاً حَلَّياه وزيَّنا
ربائط ما كرّ النهارُ عليكُمُ / صواهلَ من حول البيوت وصُفَّنا
إذا ابتهل الداعونَ كان دُعَاؤها / ألا يا بني عبد الرحيم اسلموا لنا
صحا القلبُ لكن صبوةٌ وحنينُ
صحا القلبُ لكن صبوةٌ وحنينُ / وأقصرَ إلَّا أن يَخِفَّ قَطينُ
وراودَه داعي النُّهَى فأجابه / إلى الصبر إلّا أن يقالَ يخونُ
فما يستخِفُّ الهجرُ ميزانَ حلمهِ / ولا هو إن حُمَّ الفراقُ رزينُ
إذا سايرته فضلةٌ من جلادةٍ / على هاجرٍ عزَّته يومَ يبينُ
وقالوا يكون البينُ والمرء رابطٌ / حشاهُ بفضلِ الحزمِ قلتُ يكونُ
وقد يضمنُ القلبُ الصرامةَ لو وفَى / ويصدُق وعدُ الظنِّ ثم يَمينُ
دعوني فلي إن زُمَّت العيسُ وقفةٌ / أعلِّمُ فيها الصخرَ كيفَ يلينُ
وخلّوا دموعي أو يقالَ نعم بكا / وزفرةَ صدري أو يقالَ حزينُ
فلولا غليلُ الشوق أو دمعةُ النوى / لما خُلِقتْ لي أضلعٌ وجفونُ
وفي الركبِ لي إن أنجد الركب حاجةٌ / أُجِلُّ اسمَها أن تُقتَضَى وأصونُ
يماطلني عَنها المليُّ وقد درى / على غدره أن العهودَ ديونُ
وجوهٌ على وادي الغضا ما عدمتُها / فكلُّ عزيزٍ بالجمال يهونُ
تشبّثتُ بالأقمار عنها عُلالةً / وباناتِ سلع والفُروقُ تَبينُ
وهل عِوضٌ في أن تتِمَّ تشبُّهاً / بهنَّ بدورٌ أو تميدَ غصونُ
وعوَّذني عرَّافُ نجدٍ بذِكرها / فأعلَمني أن الغرامَ جنونُ
تعوَّدَ داءً ظاهراً أن يَطُبَّه / فكيف له بالداءِ وهو دفينُ
لقد نصحَ القاريُّ في رامياتنا / بسلع وبعض الوالدات ضنين
رمين بعيدا والقسيُّ حواجبٌ / فاخلصنَ فينا والسهامُ عُيونُ
أيا صاحبي قدِّمْ جميلا فإنما / تُدانُ بما تُولِي غداً وتدينُ
كفيتُك في طُرقِ الهوى أن تُعِزّني / فهل أنت في طرق العلاء مُهينُ
وفي الناس مَولَى نعمةٍ حاسدٌ لها / عدوٌّ وفي الجُلَّى أخٌ وخدينُ
أثِرْها على حبِّ الوفاء وحسنهِ / تَصعَّبُ في أشطانها وتلينُ
جوافل من طردِ الرياحِ قريبة / عليها فِجاجُ الأرض وهي شَطونُ
مُضبَّرَةٌ فتلاءُ تُروَى إذا بكت / من الظِّمءِ فتلاءُ الذراعِ أمونُ
تَشَعَّثُ أوبارُ المهارَى وظهرها / من الخِصب وحفُ الوفرتين دهينُ
لها وهي خُرْسٌ تحت عضِّ رحالِها / تشكٍّ إذا جدَّ السُّرَى وأنينُ
ظهورُ المطايا للحُمول وثِقْلُها / تِئطّ جُنُوبٌ تحته وبطونُ
سماوَتُها الخضراءُ أختُ سمائها / إذا رفعت واليعملات سفينُ
لها في عِقابِ الموج مَتنٌ ململَمٌ / قويٌّ ولكن لا يقالُ أمينُ
إلى البحر عذبا نركبُ البحرَ مملِحا / وربَّ سُهولٍ طُرْقُهنَّ حُزونُ
خبيثٌ مريرُ الشربِ يسقيك بعده / زلالٌ على حكم الشفاهِ مَعينُ
على الأرض بحرٌ ثامنٌ صفوُ مائه / طغَى بالبحارِ السبعِ وهي أجُونُ
غدا ربُّها لما أحاط بملكها / بذلك يُرضِي كَلَّهَا ويدَينُ
فخضْها على التوفيق واقدح بزندها / عمانَ وإنِّي بالنجاح ضمينُ
يمينيَ رهنٌ بالغنى لك أن طرتْ / على مَلِكٍ كلتا يديه يمينُ
فشاورْ نجومَ السعد والقِ بصدرها / إلى فلقٍ فيه الصباحُ كمينُ
ومن لي بها لو أن حظا مماسكا / يُجيب وعزما يستعانُ يُبينُ
وقلبا إذا ما أبصر الرشدَ فاهتدى / يغطي عليه حبّه ويَرِينُ
على أنّ ثَمَّ الغيثَ عَمَّ فماؤه / عليَّ وإن شطَّ المزارُ هتونُ
وأرضِي به والأرضُ بيني وبينه / من الخصْب جَنَّاتٌ خَفَتْ وعيونُ
ففي كُلِّ يومٍ نعمةٌ أختُ نعمةٍ / وجودُ له مما يليه قرينُ
مواهبُ بيضٌ ودّت المزنُ أنّها / لها وهي حَمَّاء السحائبِ جُونُ
تكثِّر حسادي عليه فأوجهٌ / زُوِينَ وألحاظٌ إليّ شُفُونُ
وأيدٍ مدمّاةٌ عليَّ بعضِّها / كما عَضَّ في إثر البياع غَبينُ
إلى ناصر الدين امتطى كاهلَ المنى / خليقٌ بغايَات النجاح قمينُ
بآية محي الأمة انتشرت لها / من التّرب سُبْلُ الحقِّ وهو دفينُ
غدت ناصلا من كلّ جورٍ بعدله / مطهَّرةَ الأطرافِ وهي درينُ
على مكرماتٍ للعلا ناصريّةٍ / قدائمَ شابتْ والزمانُ جنينُ
بناها على حد الصوارم والقنا / أسودٌ لها غابُ الرماح عَرينُ
إذا نفضوا الراياتِ أو زعزعوا القنا / غدت حركاتُ الناس وهي سُكونُ
يَضيعُ ضياءُ الشمس في ليل نقعهم / فإظهارُهم تحتَ العجاج دُجونُ
مضوا سلفا واستخلفوك لمجدهم / فقرَّت جُنوبٌ في الثرى وعيونُ
وفيتَ بما سنُّوا وزدتَ زيادةً / تفوتُ مكاييلٌ لهم ووزُونُ
علوتَ على الأنداد عزّاً ورفعةً / وحَطَّهُمُ خفضٌ يِدقُّ وهونُ
لهم شركة الأسماء فيه وعندك ال / معاني وهم شكٌّ وأنت يقينُ
فضَلتَهمُ نفسا ودارا ونعمةً / وبين الذُّنابَى والذوائبِ بِينُ
فإن باهلوا بالماء يجري جداولا / فماؤك جمٌّ والبحار حَقينُ
وظنوا النسيمَ كلَّما رقَّ سُحرةً / ألذَّ فأغلاطٌ هفت وظنونُ
هجيرُك بالمعروفِ والعدلِ باردٌ / وظلُّهمُ بالمنكراتِ سخينُ
وضيقُ البلادِ مع سماحك واسعٌ / وأعطانُهم هذي الرحابُ سجونُ
وأرضك كافورٌ يخاضُ وجوهرٌ / وأرضهُمُ صخرٌ يداس وطينُ
وإن حدَّثوا عن شامهم وعراقهم / فعندك هندٌ لا ترام وصينُ
وتحوي من البحر المحيطِ عجائبا / تطيبُ بها أجسامهم وتزينُ
وما الفخرُ طِبِّي بين دار وأختِها / ولكنَّه بين الرجال بُيونُ
ورُبَّ حديث بالهوى جرَّ بعضُهُ / إلى الشعر بعضا والحديث شجونُ
وبغدادُ تبكي والبُصَيرةُ تشتكي / وشعري نشيج عنهما ورنينُ
وكم بلدةٍ باتت تسالم أختَها / وبينهما حربٌ عليك زَبونُ
سلمتَ لدنيا عمرُها وصلاحُها / بعمرك يا مولَى الملوكِ رهينُ
وطاولت الخضراءَ خلدا ونعمةً / قصورُ عُلاً شيَّدتها وحصونُ
وخُلِّدَ هذا الملكُ تَضعُفُ دونه / جبالٌ بقاءَ الدهرِ وهو متينُ
إلى أن تعودَ الراسياتُ موائراً / تسيرُ وتُضحي الأرضُ وهي دخينُ
وحيَّتك عنّي مطرباتٌ كأنما / أناشيدُها مما حلَونَ لُحونُ
يقوم بها بين السِّماطين خاطبٌ / صدوقٌ وبعضُ المادحينَ يمينُ
لمجدك منها يومَ تبغي نكاحَها / كما شئتَ أبكارٌ تُزفُّ وعُونُ
موائسُ من دلٍّ شوامسُ عِفّةً / فهنَّ غصونٌ أو خرائدُ عِينُ
تغالِي بفرط الجود لي في مهورها / فأُرخص منها العِلقَ وهو ثمينُ
ويحملُها عنّي جوادٌ بنفسه / لخدمتكم والقلبُ منه ضنينُ
هو العبدُ قِنّاً وابنُ عبدك طاعةً / وعبدُ المعاصي والعِصِيِّ لعينُ
له كلَّ عامٍ منكَ عادةُ نعمةٍ / ولي تُوسَع الآمالُ حين تحينُ
ينهِّضُه سعيٌ بفضلك آنسٌ / له ثقةٌ نحو الغنى وسكونُ
فلاحظْه بالإنعامِ لا توكلَنَّه / سفيرا يريك النصحَ وهو خئونُ
له قَلَقٌ مهما وهبتَ كأنّه / سليمٌ بما تُعطِي العفاةَ طعينُ
تحيَّفه في الحكم حتى نصرتَه / وجُودك إن جارالقضاء أمينُ
وعش لي فلي شأنٌ من العيش صالحٌ / وللناس في ناسٍ سواك شئونُ
وما ضرَّني منهم نحولُ مطالبي / لديهم وحظّي من نداك سمينُ
وما ساءني أن يمنعَ الغيثُ جودَهُ / وكفُّك لي إمّا احتلبتُ لَبونُ
لوَ اَنَّ الورى أهلي لكنتُ وأنتَ لي / أقومُ بهم مستظهرا وأمونُ
وأرجوك لي حيّاً وأرجو لوارثي / نداك وجسمي في التراب دفينُ
إذا صانك المقدارُ من كلّ حادثٍ / فوجهيَ عن ذلِّ السؤال مصونُ