المجموع : 5
عفا الله عن ذاك الحبيبِ وإنْ جنى
عفا الله عن ذاك الحبيبِ وإنْ جنى / دَعاني به المشتاقُ في صدِّه العَنا
قَسَا قلبُهُ في قول واشٍ وحاسدٍ / وعهدي به رطب المحبَّة ليِّنا
من الغيد فتَّاك بقدٍّ ومقلة / إذ لاحَ وسنانُ النواظر بالسنا
ففي لحظه استكفَى عن الضرب بالظبا / وفي قَدِّه استغنى عن الطعن بالقنا
فأَينَ غصون البان منه إذا انثنى / وأَينَ الظباء العُفر منه إذا رنا
فيا سالبي صَبري على البعد والنَّوى / ويا مُلبسي ثوباً من السُّقم والضَّنى
لقد فَتَنَتْني منك عينٌ كحيلةٌ / وما خُلِقت عيناك إلاَّ لتفتنا
وليلٍ بإرغام الرَّقيب سَهِرْتُهُ / كأَنَّ علينا للكواكب أعينا
نَعمْنا به من لذَّة العيش ليلةً / وقد طافت الأَقداح من طربٍ بنا
فمِنْ كأس راح للمسرَّات تحتسي / ومن وَرْد خدٍّ ما هنالك يجتنى
إلى أنْ ذوى روض الدُّجى بصباحه / وبدَّلَ من وَرْدِ البنفسج سَوْسَنا
أَعِدْ ذكر هاتيك اللَّيالي وإنْ مضتْ / ولم تَكُ بعد اليوم راجعة لنا
إذا ما جَرَتْ تلك الأَحاديث بيننا / أَمالَ عليها غصنَه البانُ وانحنى
وإنْ عرض اللاّحي ولامَ على الهوى / فصرِّح بمن تهوى ودَعْني من الكنى
إلى الله أشكو من تجنّيه شادناً / أَحِلُّ مكاناً في الحشى فتمكَّنا
أُشيرُ إلى بدر الدجنَّة طالعاً / وإيَّاه يعني بالإِشارة من عنى
ويا ويحَ قلبي كيفَ يرمينَ أعينٌ / تعلَّمْنَ مرمى الصّيد ثمَّ رَمَيْنَنا
خليليَّ هل أحظى بها سِنَةَ الكرى / لعلَّ خيالاً يطرُقُ العينَ مُوهنا
فما أنا لولا النازحون بمهرقٍ / فُرادى دموع ينحدرنَ ولا ثُنا
رَعَيْتُ لهم عهداً وإنْ شطَّت النوى / بهم واستبين الودُّ بالصّدق معلنا
وإنِّي لأرعى للمودَّة حقَّها / ولا يهدمنَّ الوُدَّ عندي من بنى
ولا خير في ودّ امرئٍ إنْ تلوَّنت / بيَ الحال من ريْب الزَّمان تلوُّنا
حبيبٌ إليَّ الدَّهرَ من لا يريني / ويرعى مودَّات الأَخلاّءِ بيننا
وكلّ جواد يقتني المال للندى / وينفق يوم الجود أنفس ما اقتنى
لئنْ كنت أغنى النَّاس عن سائر الورى / فما لي عن سلمان في حالة غنى
إذا هَتَفَ الدَّاعي مجيباً باسمه / زَجَرْتُ به طيراً من السَّعد أيمنا
تأَمَّلتُ بالأَشراف حُسناً ومنظراً / فلم أرَ أبهى من سناه وأحسنا
بأكرَمهمْ كفًّا وأوْفرِهم ندًى / وأرفعِهم قدراً وأمنعِهم بِنا
وكم حدَّثوا يوم النَّدى بحديثه / فقلتُ أحاديث الكلام إلى هنا
وما زالَ يروي الشّعر عن مكرماته / حديث المعالي عن علاه معنعنا
بكلِّ قصيدٍ يحصُد العقد نظمها / تفنَّنَ فيها المادحون تفنُّنا
بروحي من لا زالَ منذُ عرفْتُه / إذا ما أساء الدَّهرُ بالحرِّ أحسنا
نَبا لا نَبا عنِّي بجانب ودِّه / ومَنْ لي به لو كانَ بالوَرْدِ قد دنا
وبي فيه من حُرِّ الكلام وجَزله / مقالٌ من العتبى وعتبٌ تضمَّنا
إذا برزتْ لي حجَّةٌ في عتابه / أعادت فصيح النطق بالصّدق ألكنا
أبا مصطفى إنِّي وإنْ كنت أخرساً / فما زالَ كلِّي في ثنائك أَلسُنا
أبا مصطفى أمَّا رضاكَ فمُنْيَتي / ومن عَجَبٍ فيك المنيَّة والمنى
إذا كانَ عزِّي من لدنك ورفعتي / فلا ترتضِ لي موطن الذُّلِّ موطنا
ألستُ امرأً أنزلْتُ فيك مقاصدي / بمنزلةٍ تستوجب الحمد والثنا
وشُكرانُ ما أوْلَيْتَنيه من النَّدى / لمتَّخذِ المعروف في البرّ ديدنا
وما كانَ ظنِّي فيك تصغي لكاذبٍ / وتقبل قول الزُّور من ولد الزِّنا
فتبدلني بعد المودَّة بالقلى / وتغضب ظلماً قبل أنْ تَتَبيَّنا
وأَنْتَ الَّذي جرَّبْتَي وبَلَوْتني / وأَنْتَ الَّذي في النَّاس تعرف من أنا
أَبيٌّ أَشَمُّ الأَنفِ غيرُ مداهن / قريبٌ من الحسنى بعيدٌ عن الخنا
صددت وأيم الله لا عن جنايةٍ / وما كانَ لا والله صدُّك هيِّنا
أَبنْ واستبن أمراً تحيط بعلمه / لعلّك أنْ تَستكشِفَ العذر بيننا
وَهَبْني مُسيئاً مثلَ ما يزعمونني / بلا ثقةٍ منهم فكنْ أَنْتَ محسنا
وسُرَّ إذَنْ نفسي ودع عنك ما مضى / فلا زلتَ مسروراً ولا زلتَ في هنا
تَحِنُّ نياقُ الظاعنين وما لها
تَحِنُّ نياقُ الظاعنين وما لها / تَحِنُّ وفي القلب المشوق حَنينُ
أبالنوقِ ما بالنازحينَ من الأسى / وَوَجْدٌ بأحشاءِ الضلوع كمينُ
ولما التقينا للوداع عشيةً / وباحَتْ بأسرار الغرام عيون
بذلتُ لها من هذه العين عبرةً / وإنِّي بها لولا الفراق ضنين
فلا القلب لما أرفعَ الركبُ صابرٌ / ولا الدَّمع من يوم الفراق مصون
فلولاك ما قاسيت يا غاية المنى / حوادث تقسو مرّة وتلين
إذا كنتِ لا تدرين ما الشوق بالحشا / سَليني عن الأشواق كيف تكون
جُنِنتُ بذكر العامريّة والهوى / جنونٌ ولكنَّ الجنونَ فنون
أبا مصطفى زوَّجْتَ بالخيرِ والهَنا
أبا مصطفى زوَّجْتَ بالخيرِ والهَنا / أخاكَ وقد بُلِّغْتَ في عُرسِه المنى
وأحْسَنْتَ في تزويجهِ وسرورِه / وما زلْتَ بَرًّا في الأماجد محسنا
وأعْلَنْتَ بالأفراح في كلِّ موطنٍ / فأصبحَ رسْماً بالمسرَّات معلنا
وإنَّك يا ربَّ المكارم والعلى / تفَنَّنْتَ بالفعل الجميل تَفَنُّنا
دعانا إلى الأفراح داعٍ من الهنا / فأذَّنَ فينا بالسرور وأعلنا
فنعمَ أخٌ هُنِّيتَ فيه مزوَّجاً / وحقَّ وأيم الله فيه لك الهنا
تقيٌّ نقيٌّ طاهرٌ وابن طاهر / رفيعُ منارِ المجدِ مستحكم البنا
تَقَرُّ به عيناك طِفلاً ويافعاً / وتلقى به الظنَّ الجميلَ تيقُّنا
على مثله تملي القوافي نشيدها / وأسنَةُ الأشراف تنطق بالثنا
وتعتَرفُ السَّادات بالفضلِ من فتًى / قد اتخذ المعروف إذ ذاك ديدنا
ليظهَرَ فيه الله أسرار جدِّه / وقد لاح للأبصار ما فيه من سنا
يلوح عليه للرئاسة طالعٌ / ألَسْتَ تراه ظاهر المجد بيِّنا
إذا ما ادَّعى بالمجد طالع عِزّة / أقام دليلاً من سناه مبرهنا
حباك به المولى أخاً وحَبَبْتَه / وجادَ به المولى عليك وأحسنا
فشكراً لما خُوِّلتَه ورُزِقتَه / فشكرانك النعماء أفضل مقتنى
وها هو فرعٌ قد زكا طيب أصلِه / به ثمر الآمال مولاي يجتنى
فلا زِلتَ مسرور الفؤاد بمثله / فتزجرُ منه طائر السعد أيمنا
وفي كلّ ما ترجو من الله نَيْلَهُ / دَعا لك داعٍ بالتهاني وأمَّنا
بفضلك استغني عن النَّاس كلّها / فلا حُرِمَ الراجون من فضلك الغنى
ليَهنِكُم العَقْدُ المبارَك إنَّهُ
ليَهنِكُم العَقْدُ المبارَك إنَّهُ / على خير كُفْوٍ للكريم وأقرانِ
ومجتمع الأشراف من كلّ وجهة / أكابر ساداتٍ وأشراف أعيان
وقد كنتُ أرجو الله من قبل هذه / أرى فيه ما أمَّلْتُه منذ أزمان
وما زلتُ أدعو الله ما قد يسرّني / بأبناء أصحابي الكرام وإخواني
فكان بحمد الله عَقداً مباركاً / جَلوباً لأفراحي سلوباً لأحزاني
سُرِرْنا وسُرَّ النَّاس فيما أتوا به / بيوم له شأن وناهيك من شان
ودام بخير للمسرات والهنا / فأرًّخْتُ عَقْدُ الخير دام بنعمان
إذا اضطرم البرقُ اليمانيُّ في الدجى
إذا اضطرم البرقُ اليمانيُّ في الدجى / تَضَرَّمَ مرتاعُ الفُؤاد حَزينُهُ
وجَرَّد من غمد الدّجنّة ومضُه / شباً من حُسام أرْهَفَتّه قيونه
وأضمَر في طيّ الجوانح لوعةً / وسِرّ هوىً لكنّه لا يصونه
يعذّب هذا الوجد منه فؤاده / وما ذاك إلاَّ ما جَنَتْه عيونه
تذكَّرها يومَ الغميم منازلاً / فزادَ على ذكر الغُوَير جنونه
وهل تنكر الأطلال وقفة عارفٍ / تَوقَّفَ فيها شكُّه ويقينه
وهل ظنَّ أنَّ الدّمعَ يعقب راحة / من الوَجد حتَّى خيَّبته ظنونه
وفي الحيّ في الجرعاء جرعاءِ مالك / لواني غريمٌ ليس تقضى ديونه
أعينا عليلاً صاحبيَّ من الهوى / إذا لم يجد في صحبه من يعينه
إذا أنْتُما لم تُسْعِداني على الجفا / فما يُسعِدُ المشتاقَ إلاَّ أنينه
أُعلّلُ فيما لا يزاول علّةً / وفي القلب داءٌ لا يداوى كمينه