المجموع : 8
هوىً قد أذاب الروح والنفس والجسما
هوىً قد أذاب الروح والنفس والجسما / فلم يبق عيناً للمشوق ولا رسما
وبعض اصطبارٍ أنفقته يد النوى / وقد حسمت داء التسلِّي لنا حسما
سلونا على سلمى نفوساً نفيسة / وأَسْمَاً لَنا لم نبق ذاتاً ولا إسما
هي الكنز والجسم الكثيف جدارها / إذا جَهِلَ الداعي بها يمتلي علما
وما القرب إلا البعد عنها لأنها / على الضد منا حيث كنّا بها وهما
هي العقل بل وهي المعاني جميعها / هي الحس والمحسوس إن خَصَّ أو عمّا
فإن رمت أن تدنو إليها فكن بها / بعيداً ودع إن رمت فهماً لها فهما
وقف عندها واترك وقوفك تاركاً / لتركك تكشف عن هلال بها تما
وإياك والإقبال بالنفس نحوها / وإياك والإعراس عنها بها زعما
وصلها بما منها ومل نحو حانها / بميل تراه جاء من نحوها حتما
وكن ناظراً آثارها بعيونها / وإلا فعن آثارها لم تزل أعمى
ولا تسمع الأصوات إلا بسمعها / فإنك إن تسمع بها تُسمِعِ الصما
وناد بها في الناس واستمع الندا / تُجِبْك رجالٌ نحوها ألفوا الهما
وحوِّل لها عن وجه ذاتك حجبَها / ترى الشمس تهدي من سنا عقلك النجما
ولا تحتفل بالكل إن ضل أو غوى / فما فائزٌ إلا بما خصَّه سهما
على رغم أنف الحاسدين مقامي
على رغم أنف الحاسدين مقامي / وما الكل إلا خادمي وغلامي
أنا النور أبدو في الزيادة كلما / تقابلني منها العدى بظلام
وأمسيت طوداً في البرية شامخاً / وأصبحت بحراً في الحقيقة طامي
وعندي علوم لو وجدت لها وِعاً / لأفرغتها فيه بحسن كلامي
ولكن صدور الكون ضاقت فلم تجد / مساغاً لقولي فانثنت بملام
أبَى الفردُ إلا أن أكون بعلمه / أنا الفرد حقاً والخواص عوامي
ومازلت يقظاناً لسر فهمته / وأهل زماني عند أسر منام
أكلت لبوب الإهتدا وتركتهم / على قشرها غرثَى البطون ظوامي
فؤادي له في رتبة الحب ما نوى
فؤادي له في رتبة الحب ما نوى /
وبالقرب مني بدلت ساعة النوى /
وصحب عليهم حاكم العقل قد حوى /
يقولون لي ضيعت عمرك في الهوى / وما فاتني شيء إذا كنت ألقاكم
أحباي إني المستهام المجردُ /
وأنتم كرام ما على يدكم يدُ /
ووالله ما لي في يميني ترددُ /
لئن كان قوم بالزوايا تقيدوا / فإني أرى كل الوجود زواياكم
تجلت لنا ذاتٌ وفعلٌ بدا واسمُ
تجلت لنا ذاتٌ وفعلٌ بدا واسمُ / فكانت وما كنا وليس لنا وسمُ
هنالك قامت بالوجود قيامةٌ / بها حشرت أرواحنا واختفى الجسمُ
مدام بها الأفراح دامت لأهلها / ومن لم يذقها كل أوقاته غمُّ
وقام بها الساقي وحيى فساقنا / إلى مورد منها لذيذ به الطعم
إذا ما تراءت في الكؤوس بدا لها / شعاع له في كل ناحية نجم
هي السر للأشياء والجهر دائماً / على عدد الأنفاس والبدءُ والختم
بها يهتدي الأعمى إليها ويسمع ال / أصمُّ وتأتي ناطقين بها البُكم
ويأمنُ ذو خوفٍ ويفرح ذو أسىً / ويعتزُّ ذو ذلٍّ ويبرا بها السقم
ولو أنهم صبوا على البحر قطرة / لعاد بها عذباً ولو أنه سم
ولو ذكروا حول الحطيم صفاتها / لزال عن البيت العتيق بها الحطم
ولو لم يكن أسماؤها قد تبينت / لما بان في الأكوان كيفٌ ولا كم
ولولا سنا كاساتها من ورا الورى / لما كان ذوق في الندامى ولا فهم
ولو أن ميتاً لقَّنوه بلفظها / لقام سريعاً نحوها شوقه ينمو
ولولا بدت لم يشعر الأشعريْ بها / ولولا تخفت ما تجهمها جهم
ولولا معاني حسنها ظهرت على / ملاح الورى ما كان عشق ولا وهم
ولو بيتيم الوالدين قد اعتلت / لعز وعنه زال من ذله اليتم
جمال تجلى في جلال وعكسه / فقوم لهم مدح وقوم لهم ذم
وكل قلوب الناس لو لم تَهِم بها / لما طاب نثر في الكلام ولا نظم
ولكنهم هاموا ورقت طباعهم / ولم يعلموا في أي واد بها همّوا
لئام من الأشياء يحجب وجهها / حلا لعيون العاشقين به اللثم
ألا حيِّ يا صاحي على سكرةٍ بها / ودع عنك من هُمْ دونَها عندهم وهم
وشقق بها الأثواب عنها وكن بها / مجرد عزم لا يقاس به عزم
وبت في ثرى حاناتها متلففاً / بأثواب ذلٍّ في هواها بها تسمو
وكن عاجزاً عنها تكن قادراً بها / فعدلك عنها منك نحو السوى ظلم
هي البيت بيت الله حجت قلوبنا / إليها فلا ذنب علينا ولا جرم
إذا نحن أحرمنا نلبي بذكرها / وفي عَلَمَيها عندنا يَكثرُ العلم
وإن زمزم الحادي بها فهي زمزم / وعن مصِّنا من ثديها ما لنا فطم
نعمنا بها في لذة العيش والصبى / وما ذاك إلا أنها أنعمت نُعْم
هي الدهر في تقليب أيامه على / بنيه له حرب بهم وله سلم
إذا ما شربناها خفينا بنورها / وعند طلوع الشمس ما للدجى رسم
بها للحواس الخمس منا تمتع / فسمع ولمس ذوقنا بصر شم
وللعقل أيضا لذةٌ في جمالها / وسر بدا منها له وجب الكتم
وقد سكرت حاناتها وكؤوسها / بها في تجليها وقد سكر الكرم
ولو أن إنسانا صحا لرأى هنا / من السكر قد هامت بها العرب والعجم
ومن سكرهم منها يقولون غيرها / وهذا أبٌ قالوا كما هذه أم
وقالوا عيون في وجوه وأرجل / وأيد وقالوا أرؤس ودم لحم
معان تبدت في صفاء وجودها / فقوم لهم أجر وقوم لهم إثم
وتلك نعوت قائمات بها لها / على الفرض والتقدير لا أنه حتم
أشاراتها اللاتي بوصف مشيئة / تسمّى بأشيا وهي هالكةٌ عقم
وما ثم توليدٌ وليس مناسباً / لها ذاك بل وصفٌ إليها له ضم
تحقق بما قلناه فيها مجانباً / سواه فما قلناه فيها هو الغنم
وإياك والتوليد في جعلها السوى / فذلك قذف منك في حقها شتم
وإن جهل الأقوام ذلك واختفى / عليهم فللتوحيد توليدهم هدم
نصحتك فامسح عن بصيرتك العمى / بقولي وإلا فالنصوص لك الخصم
وهذا هوالحق الذي هو ظاهر / وبالغيب فيها ما عداه هو الرجم
خذ الكاس مني يا ابن ودي فإنه / رويٌّ بهذا فليكن عندك الحزم
ومل طرباً في النشأتين بشربِهِ / فإن شرابي للضلال به هضم
شراب طهور في كؤوس نظيفة / كريم به الساقي ومنه العطا الجم
على رنة الأسماء دام مدامنا / وإن نمق الزور الوشاة وإن نموا
وفي مقعد الصدق العزيز مناله / تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم
لقد أوقعت دعوى المحبة في البلا
لقد أوقعت دعوى المحبة في البلا / على حكم ما يرضى الهوى ويروم
يجاذب روحي أمره فهي روحه / وتجذبها نفسي له فتقوم
فيا نفسي الأمارة اتئدي هنا / إلى كم نزاع في الحياة يدوم
وآخره موت المحب فإن يمت / فذلك محبوب لديه علوم
تلوح نجوم الأفق في مائنا فإن / فنى الماء يخفى والنجوم نجوم
وليس هما شيئين يا نفس فافهمي / كلامي فكم حارت بذاك فهوم
وضلت بدعواها التي هي ماؤهما / كما نحن قلنا والغبيُّ ملوم
هو الوارد القدسيُّ كالسيل يحطمُ
هو الوارد القدسيُّ كالسيل يحطمُ / فلا يستطيع القلب ذلك يكتمُ
جرى في مجاري الروح من حضرة العلى / فصادفنا نهواه والقلب مغرم
فنلقيه نظماً تارة بكلامنا / ونلقيه نثراً عند من هو يفهم
نفرج عنا ما نقاسي بوقعه / فصولته غلابة والتحكُّم
له محونا طوراً وطوراً ثبوتنا / ونحن به في جنة نتنعم
ألا عم صباحا قول من قال قبلنا / له ومساء نحن قلنا نتمم
وليس الذي قد قال من كل قائل / ومنا سوى الغيب الذي يتكلم
هو الظاهر المعروف في كل ظاهر / هو الباطن المجهول من ليس يعلم
عرفناه لا أنا عرفناه مثل ما / عرفنا سواه والسوى فيه يعدم
وهيهات هيهات الوجود القديم لا / يشير به عرفاننا ويترجم
نظرت إلى وجه الذي الكلُّ هالكٌ
نظرت إلى وجه الذي الكلُّ هالكٌ / سوى وجهه والوجه ما هو مبهمُ
فظنوا بأني ناظرٌ في وجوههم / عيون لهم عما أشاهده عموا
أأترك وجهاً بالمحاسن مشرقاً / وأنظر وجهاً حشوه القيحُ والدم
وعن رؤيتي تمتاز رؤيتهم إذا / أتى الموت وهو اللازم المتحتم
ومن يفتري يوماً علينا بظنه / بنا السوء ذاك الظن منه المحرم
ويجزيه عنا ربه سوء حالة / هنا وله يوم الحساب جهنم
ولا زال مطروداً عن الله دائماً / ويُمنعُ عما نحن فيه ويُحرَم
مراتب ذات في البرية تحكمُ
مراتب ذات في البرية تحكمُ / وما هي إلا الآخر المتقدمُ
معاني صفات دونهن مراتب / قديمات عهد بالحوادث تعلم
مناط كلا الأمرين غيب مقدس / وجود له منه عليه مترجم
محا ما بدا منه وأثبت ما اختفى / ولاح طراز بالمراتب مُعْلَم
مقامات قدس الذات معراج همتي / وقلبي بُراقي والذي ثَمَّ مبهم
مكانة قرب دونها كل كائن / على الإرث نلناها وزال التوهم
معي سرها باق وإن حجد السوى / وإن غشي الليل الذي هو مظلم
مشيت بها أسعى على حكم أمرها / وعندي لها بيت حرامٌ وزمزم
مبين كتابي ناطق بكلامها / وإني وإياها الذي يتكلم
مضت قبلنا أمثالنا وستهتدي / إليها أناس بعدنا وتسلم