القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 6
مغاني الهوى لم يبقَ إلا رسومُها
مغاني الهوى لم يبقَ إلا رسومُها / سقاها مِنَ السُّحْبِ الغوادي هزيمُها
منازلُ أستسقى الدموعَ لتربِها / سِجاماً إذا الأنواءُ ضَنَّتْ غيومُها
طربتُ وقد لاحتْ بوارِقُ مزنةٍ / حِجازيةٍ عنها فبتُّ أَشيمُها
تُذَكَّرُني وجداً تقادمَ عهدُهُ / وأطْرَُب ذكرى العاشقينَ قديمُها
وعيشاً تولَّى في ذُراها زمانُهُ / وما هذه الدنيا بباقٍ نعيمُها
ليَ اللهُ مِن قلبٍ يهيمُ صبابةً / اِذا هبَّ عن بالي الطلولِ نسيمُها
يَحِنُّ إلى أوطانِها ويَزيدُه / بها شغفاً أوطارُ نفسٍ يرومُها
لياليَ أهدتْ لي عيونُ ظِبائها / سقاماً أعادَ الصبَّ وهو سقيمُها
فلو سُقِيَتْ تلكَ البلادُ مدامعي / لأَمْرَعَ مِن تَساكبهنَّ هشيمُها
وما عَنَّ ذكرُ الحبَّ إلا حسبتَني / نزيفاً سقاهُ الراحَ صِرْفا نديمُها
ولم يُبْقِ منّي الوجدُ إلا حُشاشةً / بنارِ الهوى والشوقِ يصلَى صميمُها
فيا ليلَ مالي قد سهِرُت ليالياً / لبعدكِ حتّى قد رَثَى لي بهيمُها
أمِنْ طربٍ ما نالني أم صبابةٍ / مِنَ الشوقِ يسري في حشايَ أليمُها
فهل تُبْلِغَنّي الدارَ وجناءُ حُرَّةٌ / يُبيدُ الفيافي وخدُها ورسيمُها
ينازِعُني فضلَ الزَّمامِ نشاطُها / الى أربُعٍ قد كنتُ فيها أَسيمُها
تزيدُ ولوعاً بالذميلِ إذا رأتْ / غراميَ في المَوماةِ وهو غريمُها
تؤمُّ بي المرمى البعيدَ كأنَّما / يَخُبُّ برحلي في الفلاةِ ظليمُها
لئن وَصَلَتْ نجداً ولاحتْ لعينِها / ذُرَى الهَضَباتِ البيضِ زالتْ غمومُها
واِنْ نفحتْ ريحُ الصَّبا مِن بلادِها / على الكَبِدِ الحَرَّى تَجَلَّتْ همومُها
يَقَرُّ بعيني أن أشيمَ بروقَها / ويسرحَ في تلكَ الخمائلِ ريمُها
خمائلُ يُصيبني ذكيُّ عَرارِها / اِذا فاحَ ما بينَ الرياضِ شَميمُها
ويَشْغَفُ قلبي أن يفيضَ جِمامُها / ويُصبِحَ رَيّانَ النباتِ جميمُها
هنالكَ تَخْدي بي وبالركبِ أينُقٌ / تُقَصَّرُ عما تنتحيهِ قرومُها
تواصلُ اِغذاذَ الرسيمِ على الوجَا / مطيٌّ تراهُ خَلَّةً لا تريمُها
تَضِلُّ فأهديها وهيهاتَ أن تَرَى / مُضَلَّلَةً تهوي ومثلي زعيمُها
وقفنا عى نُؤْيِ الربوعِ وعيسُنا / تَشكَّى صَداها في الخزائمِ هيمُها
فكم ليلةٍ فوقَ الرحالِ قطعتُها / تُساهِمُني طولَ السُّهادِ نجومُها
اِذا نامَ عن ليلِ المطالبِ عاجزٌ / وخالَ كراهُ نعمةً يستديمُها
فما نامَ يقظانٌ أثارَ مطيَّهُ / الى المجدِ تسري بالجَحاجِحِ كومُها
لعمريَ لم يبلغْ أخو العَجْزِ خُطَّةً / يؤمَّلُها ما دامَ حياً عظيمُها
اِذا ما جليلاتُ الأمورِ أرادَها / سِوى كُفْئها عَزَّتْ وخابَ لئيمُها
وكيف ينالُ النَكْسُ غايةَ سؤْلِهِ / ويَعْجِزُ عن نيلِ المعالي حميمُها
أبى الله إلا أن يعودَ مخيَّباً / اِذا رامَها دونَ البرايا ذميمُها
وما الفخرُ إلا رتبةٌ ما ينالُها / على خبثهِ الطبعُ الدنيُّ رنيمُها
اِذا طاولتني بالقريضِ عِصابةٌ / أقرَّتْ على كرهٍ بأنَّي عليمُها
أحوكُ بروداً مابدا لي نظيمُها / لدى معشرٍ إلا وخرَّ نظيمُها
قصائدَ كالمخدومِ تبدو واِنْ بدا / لغيريَ شِعرٌ قيلَ هذا خديمُها
سأبعثُها تحكي الرياضَ أنيقةً / يوشَّعُها لفظي فَتُصبي رقومُها
واِنْ غبطَتْني الفضلَ والعقلَ أُمَّةٌ / فمَنْ ذا على ما كانَ منها يلومُها
وما قصَّرَتْ بي عن مَدَى الشَّعرِ هِمَّةٌ / فَتُحوِجَني أرعى دَعّياً يضيمُها
هو الدمعُ أضحى بالغرامِ يُترجِمُ
هو الدمعُ أضحى بالغرامِ يُترجِمُ / وقد كانَ فيكَ الظنُّ قبلُ يُرَجَّمُ
فلا ماءَ إلا ما جفونُكَ سحبُه / ولا نارَ إلا في ضلوعِكَ تُضْرَمُ
توهَّمتَ أن البعدَ يَشْفي مِنَ الجوَى / وأدْوائهِ يا بئسَ ما تتوهَّمُ
ستقلَقُ أن جدَّ الفراقُ وأصبحتْ / أيانِقُ ليلى للرحيلِ تُقَدَّمُ
حرامٌ على عينيكَ نومُهما اِذا / أقمتَ بنجدٍ والركائبُ تُتهمُ
فلا جفَّ غَرْبُ العينِ أن بانَ حيُّها / وسارتْ بها اِبْلٌ نواحلُ سُهَّمُ
تجوبُ بها الهَجْلَ البعيدَ كأنَّها / اِذا ما سجا الليلُ الدجوجيُّ أَنْجُمُ
فيا صاحِبَيْ شكوايَ أن تنأَ عَلْوَةٌ / فلا تحسبا أنّي مِنَ الوجدِ أسلمُ
وما كنتُ أدري قبلَ فتكِ لحاظِها / بأنَّ الجفونَ البابليَّةَ أَسْهُمُ
جَزِعتُ وما بانَ الخليطُ ولا غدتْ / نجائبُه تشكو الكلالَ وتُرْزِمُ
ولا ناحَ مشتاقٌ تذكَّرَ اِلْفَهُ / ولا أن مهجور ولا حَنَّ مُغْرَمُ
فكيف إذا شطَّتْ وشطَّ مزارُها / وأصبحَ مِرْطُ الوصلِ وهو مُرَدَّمُ
وصدَّتْ إلى أن عادَ طيفُ خيالِها / على قربِ مسراه يَصُدُّ ويَسْأَمُ
ورفَّعَ حادُوها القِبابَ وأرقلتْ / نِياقٌ نماهنَّ الجَدِيلُ وشَدْقَمُ
وكُدَّ رَوِرْدُ القربِ بعدَ صفائهِ / وعهدي بهِ عذبُ المواردِ مُفعَمُ
وحالتْ عهودٌ كانَ عِقدُ وفائها / على قِدَمِ الأيامِ والدهرِ يُبْرَمُ
فلمّا تمادَى الشوقُ وانشقَّتِ العَصا / وأعرقتُ كرهاً والأكلَّةُ تُشئمُ
تنسَّمتُ أخبارُ العُذَيْبِ وأهلِهِ / شِفاهاً فما أجدَى عليَّ التنسُّمُ
فمِنْ دمعةٍ فوقَ الخدودِ مُذالةٍ / وأخرى على تُرْبِ المنازلِ تُسْجَمُ
فيا ليَ من ليلٍ طويلٍ سَهِرتُه / يُسامِرُني همٌّ كليليَ مُظلمُ
ومِن كَبِدٍ حرَّى وقد طوَّحتْ بها / مرامي النوى من جورِها تتظلَّمُ
أكابدُ منها هجرَها وبعادَها / وأيُّ قوًى مِن ذينِ لا تتهدَّمُ
وأشكو اليها ما أُعانيهِ منهما / فلم تُشكِني أن الصبابةَ مَغْرَمُ
فلو كانَ ما أشكوه مِن لاعجِ الهوى / الى صخرةٍ كانتْ تَرِقُّ وتَرْحَمُ
فيا ذِلَّةَ الشاكي إذا كانَ لا يرى / سِوى ظالمٍ مِن مثلِهِ يتعلَّمُ
أفي كلَّ يومٍ للوداعِ روائع / تروعُ فؤاداً بالتفرُّقِ يُكْلَمُ
فلم يلقَ قبلي مِن أذى البينِ مثلُ ما / لقيتُ على حسنِ الوفاءِ متيَّمُ
وما أحدٌ في الوجدِ مِنْ وِقْفَةِ الهوى / وشكوى تباريحِ الغرامِ مُسَلَّمُ
فمَنْ لي بأنْ تدنو الديارُ وأنْ أرى / زمانَ التداني بالأحبَّةِ يَبْسِمُ
زماناً يعيرُ الروضَ بهجةَ حسنِهِ / فأُسعَدَ فيه بالوصالِ وأنعَمَ
وأمنحهُ حُسْنَ الثناءِ بمقولٍ / يحوكُ بديعَ الشعرِ جزلاً وينظِمُ
أرقَّشُه بالنَّقْسِ حتى كأنَّه / على صفحاتِ الطَّرسِ وشيٌ مُنَمْنَمُ
قصائدُ ما فاهَ الرواةُ بشبهها / قديماً ولم يُفتحْ بمثلٍ لها فَمُ
اِذا أنشدُوها في النديَّ كأنَّما / تضوَّعَ مسكٌ في المحافلِ منهمُ
تأرَّجَ ما بينَ الأنامِ فنشرُه / كنشرِ ثرى الأحبابِ بالطيبِ مُفْغَمُ
خليليَّ مالي كلّما لاحَ بارقٌ / طرِبتُ اليه والخليّونَ نُوَّمُ
يُنَفَّرُ عن عيني كراها كأنَّهُ / وقَدْ عَنَّ عُلْوِيّاً عليها مُحَرَّمُ
سلا البانَ مِن نَعْمانَ هل لَعِبَتْ به / رياحُ صَباً يُحيا بها ويقوَّمُ
وهل رجَّعَتْ فوقَ الفروعِ حمائمٌ / لهنَّ على أعلى الغصونِ ترنُّمُ
تُهيَّجُ أشجانَ الفؤادِ كأنَّها / بما في ضميري مِن هوى الغيدِ تعلمُ
فللّهِ كم تُبدي الحمامةُ شجوَها / لديَّ على غصنِ الغرامِ وأكتمُ
تراها لِما عندي مِنَ الوجدِ والهوى / اِذا ذرفتْ منّي المدامعُ تفهمُ
وما ذاكَ عن علمٍ بما أنا منطوٍ / عليهِ ولكنَّ الحنينَ يُهَيَّمُ
يُذَكّرني الأُلافَ سجعُ هديلِها / وذِكرُ قديمِ الحبَّ للقلبِ مُؤْلِمُ
فأبكيهمُ دمعاً إذا فاضَ ماؤه / تحدَّرَ عن جفني وأكثرُه دمُ
وأستنشقُ الأرواحَ شوقاً اليهمُ / وأسألُ آثارَ المعاهدِ عنهمُ
فهل بعدَما بانوا وأقوتْ ربوعُهُمْ / تبلَّغُني الأحبابَ وجناءُ عَيْهَمُ
تواصلُ اِدمانَ الذميلِ فلا شكا / أليمَ الوَجا منها ولا الوخدَ مَنْسِمُ
تخوضُ الدجى والقفرَ حتى كأنّما / يناهِبُها البيدَ النعامُ المصلَّمُ
أزورُ بها الخرقَ الذي لا يزورُه / لخوفِ الصدى فيه المطيُّ المزمَّمُ
ومَنْ كانَ في أسرِ الصبابةِ قلبُه / سيبكيهِ نُؤْىٌ للدَّيارِ ومَعْلَمُ
ويلتذُّ طعمَ الحبَّ جهلاً واِنَّه / اِذا راجعَ العقلَ الصحيحَ لعلقمُ
على أَنَّني جلدٌ على كلَّ حادثٍ / يُزَعْزَعُ منه لو ألمَّ يَلَمْلَمُ
صبورٌ إذا ما الحربُ أبدتْ نيوبَها / بحيثُ الرَّماحُ السَّمهريَّةُ تُحْطَمُ
وعندَ لقاءِ الخيلِ في الرَّوعِ كلَّما / تَقَصَّدَ في القِرْنِ الوشيجُ المقوَّمُ
وحيث الكماةُ الحمسُ في غَمَراتِها / كأنَّهمُ في مُحكمِ السَّردِ عُوَّمُ
يشوقُهمُ في موقفِ الموتِ نَثْرَةٌ / وأسمرُ عسَالٌ وأبيضُ مِخْذَمُ
وجرداءُ مِثلُ الريح تَسبِقُ ظِلَّها / الى الغايةِ القصوى وأجردُ شيظَمُ
وفي كلَّ وجهٍ للمهندِ مَضْرِبٌ / وفي كلَّ نحرٍ للمثقَّفِ لهْذَمُ
وفي كلَّ أرضٍ مِن سنابِكِ خيلهمْ / عجاجٌ مثارٌ في العُنانِ مُخَيَّمُ
وللأرضِ ثوبٌ بالنجيعِ مُخَضَّبٌ / وللشمسِ وجهٌ بالقَتامُ مُلَثَّمُ
اِذا قلتُ أخرستُ الفصيحَ واِنْ أصُلْ / لحربٍ تحاماني الخميسُ العرمرمُ
ولكنَّ أهواءَ النفوسِ بدائها / مضتْ قبلَنا عادٌ عليها وجُرْهُمُ
اِذا رامَ ينهاني العذولُ عنِ الهوى / يمارسُ منّي مُصْعَباً ليسَ يُحْطَمُ
أأسمعُ فيه العذلَ منه ولو غدا / عليَّ وقد عاصيتُه القولَ يَنْقُمُ
وهيهاتَ لا أُصغي اليهِ واِنَّه / ليعلمُ رأيي في الوفاءِ فيَحجِمُ
فأقسمُ ما حوراءُ مِن سربِ حاجرٍ / تَحِنُّ وقد ضلَّ الطَّلا فَتُبَغَّمُ
تغيَّبَ ما بينَ الأرجاعِ فانثنتْ / أسيرةَ شوقٍ للنوى تتألَّمُ
تَمَلْمَلُ مِن حَرَّ الفراقِ كأنَّها / سليمٌ سقاه السمَّ أربدُ أرقمُ
بأوجعَ مِن قلبٍ يُوَزَّعُ حسرةً / على جيرةٍ بانوا وفكرٍ يُقَسَّمُ
تذكَّرَ أيامَ الصَّبا فتألَّما
تذكَّرَ أيامَ الصَّبا فتألَّما / وعصراً لِرَيْعانِ الشبابِ تَصَرَّما
ومدَّةَ لهوٍ قصَّرَتْها حبائبٌ / سُقِيتُ بها خمرَ الرُّضابِ مُخَتَّما
فأجريتُ مِن عينيَّ دمعاً مُوَرَّدا / فلم أدرِ ماءً ما تحدَّرَ أم دما
وأجَّجَ في قلبي الغرامُ لواعجاً / مِنَ الشوقِ يبعثنَ الزفيرَ المضرَّما
ليَ اللهُ مِن قلبٍ إذا ذَكَرَ النوى / توجَّعَ مِن أيامِها وتظلَّما
ومما شجاني معهدٌ ما عَهِدتُه / خَلاءً وربعٌ بعدَهنَّ تهدَّما
ديارُ الأولى أضحتْ وقد بانَ أهلُها / بأيدي البِلى والبينِ نهباً مقسَّما
عبرتُ بها فاستوقفَتْني ملاعبٌ / سحبتُ بها بُردَ الشبيبةِ مُعْلَما
فلم أعرفِ الأطلالَ وهي دوارسٌ / خوالٍ مِنَ الأحبابِ إلا توهُّما
لقد كانَ ميقاتُ الدنوَّ بقربهمْ / حميداً فلمّا عزَّ صار مذمَّما
أليسَ عجيباً والعجائب جَمَّةٌ / فصيحٌ يناجي بالصَّبابةِ أَعْجَما
يسائلُ آثارَ الديارِ عنِ الذي / ترحَّلَ عنها أين حلَّ وخيَّما
وقد كَرَبتْ لما ألمَّ مخاطباً / لعرفانِه الأطلالُ أن تتكلَّما
منازلُ أحبابٍ يَحُثُّ مسارعاً / اليهنَّ فتلاءَ الذراعينِ عَيْهَما
تُلاعبُ أثناءَ الزَّمامِ وعندَها / أليمُ وجاً لم يُبقِ للوخدِ مَنْسِما
تَرفَّعُ أخفاقُ المطيَّهِ عن دمٍ / اِذا نَظَرتْهُ العينُ خالتْهُ عَنْدَما
فِانْ أنجدَ الأحبابُ أنجدَني الهوى / واِنْ أتهموا عادَ الغرامُ فأتهَما
خليلَّي هلاَّ تُسعدانِ أخاكما / وقد قرَّبَ الحيُّ المطيَّ المخزَّما
أمِنْ بعدِ ما تنأى به غُربَةُ أن النوى / تُعينانِ صبّاً بالأحبَّةِ مُغرَما
وماذا عسى تُجدي الاِعانةُ سرتْ / بهمْ قُلُصٌ تشأى النعامَ المُصَلّما
اِذا رُفِعتْ تلكَ القِبابُ عنِ الحِمى / وغرَّدَ حادي عيسِها فترنَّما
دعاني وما ألقاهُ مِن لاعجِ الهوى / فلا أنتُما منّي ولا أنا منكُما
أعينَيَّ هذا موقفُ البينِ فاسفَحا / مدامعَ تُغني الصبَّ أن يتذممَّا
فمالي اِذا حُمَّ الفراقُ وأزمعوا / رحيلاً سوى حثُ النياقِ وأنتُما
أجوبُ بها مِنْ شاسعِ البيدِ مَخرِما / اِذا جاورتهُ العيسُ يمَّمتُ مَخْرِما
أُغذُّ ومِن تحتِ الرفاقِ أيانِقٌ / لواغبُ يتبعنَ النجيبَ المزممَّا
سواهمُ مِن نسلِ الجديلِ وشدقمٍ / كرائمُ خَجَّلنَ الجديلَ وشَدْقَما
أخوضُ بها بحرَ السرابِ وتَنثني / فتجتابُ قَطْعاً مِن دجى الليلِ مظلما
أصاحبُ فيه مِن ظُبى الهندِ صارماً / وأسمرَ عسالاً وأجردَ شَيْظَما
وعزماً إذا خامَ الكماةُ وأحجموا / عنِ الموتِ في يومِ النزالِ تَقَدَّما
وفرسانُ حربٍ لاتَمَلُّ صدورهُمْ / لقاءَ الأغادي والوشيج المقوَّما
الى حيثُ كانوا في البلادِ فاِنَّني / أرى العيشَ إلا بالتواصلِ مَغْرَما
لئن قرَّبَ الأحبابُ منّي مزارهمْ / وأصبحَ زَنْدُ البينِ بالوصلِ أجذَما
وأصغُوا إلى نجوايَ فهي شكايةُ / وجدتُ لها طعماً حكى الصّابَ عَلْقَما
بثثتُهمُ والدارُ تجمعُ شملَنا / على غِرَّةِ الواشينَ وَجْداً مكتَّما
بلفظٍ يَغارُ الروضُ منه وقد بدا / يروقُكَ مُوشِيَّ اللَّباسِ مُنَمْنمَا
تخلَّلَ أنواعَ النباتِ بديعَه / بساطٌ غدا بالأُقحُوانِ مرقَّما
وما مزنةٌ أرختْ شآبيبَ وَبْلِها / فأسبلَ مِن فوقِ الربوعِ وديمَّا
تجلجلَ فيها الرعدُ والبرقُ لامعٌ / يُطرَّزُ بُرداً للسحابِ مسهَّما
بأغزرَ مِن دمعي عُقَيْبَ نواهمُ / وقد زُرْتُ للغادينَ ربعاً ومَعْلمَا
عشيَّةَ عَجُنْا بالمطيَّ الرواسمِ
عشيَّةَ عَجُنْا بالمطيَّ الرواسمِ / على الدارِ أبكتْنا رسومُ المعالمِ
وقفنا فكم فاضتْ على الربعِ عبرةٌ / لِما هاجَهُ منّا بكاءُ الحمائمِ
فللّهِ هذا القلبُ كم يستفزُّه / تعطُّفُ أغصانِ القدودِ النواعمِ
ويُعجِبُهُ لمعُ الثغورِ كأنَّها / بوارقُ تبدو مِنْ خِلالِ المباسمِ
ويصبوا إلى باناتِ سَلْعٍ إذا انبرتْ / تَمايلُ مِن مرَّ الرياحِ النواسمِ
سقاها مِنَ الوسميَّ كلُّ مجلجِلٍ / هتونِ ربابِ المزنِ أوطفَ ساجمِ
الى أن ترى الروضَ الأريضَ موشَّعاً / كما وشَّعَتْهُ بالحيا كفُّ راقمِ
وحيّا السحابُ الجَونُ أغصانَ دوحِه / دِراكاً كموجِ اللُّجَّةِ المتلاطمِ
اِذا حرَّكتْهنَّ الرياحُ تناثرتْ / الى تُرْبِهِ أزهارُها كالدراهمِ
لحا اللهُ قلبي كم يَحِنُّ إلى الحمى / وقد بانَ أهلوه حنينَ الروائمِ
وحتامَ لا يَفني بليلى ولوعُه / كأنَّ عليه الوجدُ ضربةُ لازمِ
ومما شجاني قولُها يومَ بينِها / وفي القلبِ منه مثلُ لذعِ السمائمِ
تُراكَ إذا طالتْ مسافةُ بيننا / تعودُ لأسرارِ الهوى الهوى غيرَ كاتمِ
فقلتُ لها تأبى المروءةُ والنُّهى / اِذاعةَ سِرَّينْا وشرعُ المكارمِ
فلو كنتَ يوم البينِ يا حارِ حاضراً / لقبَّحتَ كالعُشّاقِ لومَ اللوائمِ
وعاينتَ لا عاينتَ للبينِ موقفاً / يُهَوَّنُ أخطارَ الأمورِ العظائمِ
وقد سِرنَ عن تلكَ الديارِ مُغِذَّةً / نياقهمُ نحوَ النقا فالأناعمِ
فكم مِن فمٍ شوقاً وقد سرنَ سُحرةً / لماثلِ أطلالِ المنازلِ لاثمِ
ومِن مدنفٍ لاقى البعادَ وهولَهُ / بأنف على حكم التفرُّقِ راغمِ
ومِن راحةٍ قد نهنهتْ فيضَ عبرةٍ / وأُخرى على أحشائهِ والحيازمِ
فليت المطايا حين سِرْنَ عَنِ الحمى / وباشرنَ حَزْنَ المنحنى بالمناسمِ
عُقِرنَ فلم يعملنَ في البيدِ أذرعاً / ولا جادَها للرِىَّ دَرُّ الغمائمِ
ولا برحتْ في القفرِ هيماً تجوسُهُ / نواحلَ يُعييهنَّ قطعُ المخارمِ
فلو كان هذا البينُ مما يَصُدُّهُ / صُدورُ العوالي أو ظهورُ العزائمِ
دفعناه بالخيلِ العتاقِ مغيرةً / تَمطَّى بفرسانِ الوغى في الشكائمِ
عليها رجالٌ يستضيئونَ كلَّما / غدا النقعُ مسوّداً ببيضِ الصوارمِ
اِذا أُلبسوا الماذيَّ خِلْتَ عنابساً / الى الموتِ تمشي في سلوخِ الأراقمِ
مطاعينُ في يومِ الكريهةِ كلَّما / بدا الموتُ محمرّاً بزرقِ الهاذمِ
اِذا رجموا صدرَ العجاجةِ بالقنا / تفرَّجَ ضيقُ المأزقِ المتلاحمِ
أسودٌ إذا هاجتْ ضراغمُ بيشةٍ / تلقَّيتُها منهم بمثلِ الضراغمِ
مناجيدُ حربٍ تعثُر الخيلُ تحتهمْ / اِذا ما ارتدوا أسيافَهم بالجماجمِ
غَنَوا بي فهم في الحربِ ما دار قطبُها / جناحٌ له عزمي مكانَ القوادمِ
وفي حلبةِ الأشعارِ سابقُها الذي / ترفَّعتُ فيها عن دعيًّ مقاومِ
وعن كلَّ نظّامٍ بضائعُ شعرِه / اِذا عرضوها لم تفزْ بمساومِ
عزيزٌ عليه أن يعودَ بنظمِه / عليماً وكم كدَّى به غيرَ عالمِ
له نظراتٌ كدَّرَ الحقدُ شزرَها / تَدُلُّ على ما عندَهُ مِن سخائمِ
فما الفضلُ في أهلِ الشرابيشِ سُبَّةً / ولا العلمُ مخصوصاً بأهلِ العمائمِ
اِذا سمعوها في ندىًّ فحظُّهمْ / مِن الحَسَدِ المبغوضِ عَضُّ الأباهمِ
وما انتفعوا منها بما يسمعونَهُ / كأنَّي قد أسمعتُها للبهائمِ
أرسمَ الهوى العذريَّ دمعُكَ في الرسمِ
أرسمَ الهوى العذريَّ دمعُكَ في الرسمِ / دليلٌ على ما في الجوانحِ مِن نُعْمِ
وقفتَ به قبلَ التفرُّقِ باكياً / كانَّكَ بالتفريقِ قد كنتَ ذا عِلْمِ
وأصبحَ في الأطلالِ قِسمُكَ وافراً / مِنَ الدمعِ والتبريحِ والبينِ والسُّقْمِ
مرابعُ ما طولُ الوقوفِ بنافعٍ / على ما شجاني مِن أثافيَّها السُّحْمِ
وليس سؤالُ الربعُ إلا علالةً / متى رمتَ نطقاً مِن ملاعبِه العجْمِ
ملاعبُ خُلانٍ تعرَّفَها البِلى / فا شكلتِ الآثارُ حتى على الوهمِ
وقد دَرَستْ إلا بقيةُ معهدٍ / على وَجَناتِ التربِ أخفى مِنَ الوشمِ
فأَغْنَى وليُّ الدمعِ فيه وطالما / تحدَّرَ وسميّاً فأغنى عنِ الوسمي
علامةُ أربابِ الغرامِ وقوفُهمْ / على الدارِ مِن بعدِ الخليطِ على رغمِ
فمِنْ مشتكٍ بيناً اليها وناشدٍ / فؤاداً أضاعوه ومِنْ عَبْرَةٍ تهمي
وليلٍ بطيءٍ الفجرِ خِلْتُ غدافَه / وقد باتَ مكتوفَ الجناحينِ مِن همَّي
تطلَّبتُ فيه شاردَ النوم ضَلَّةً / وأين كرى جفنٍ تعلَّقَ بالنجمِ
وشاطرتُ فيه النيَّراتِ سهادَها / فهل مِن مُعينٍ لي على السَّهَرِ الجَمَّ
سألتكَ يا حزبَ الفراقِ وحربَه / بيومِ النوى إلا جنحتَ إلى السلمِ
أرادَ عسوفُ القصدِ تشتطُ كلَّما / بدتْ لكَ اسرارُ المحبينَ في الحُكْمِ
وكيف أُرجَّي منكَ سلماً وهذه / سهامُ النوى والهجرِ داميةَ الكَلْمِ
وقد كنتُ مِن قبلِ المحبّةِ حازماً / ولكنَّها الأهواءُ تَذْهَبُ بالحزمِ
ومبتسمٍ أضحتْ لآليءُ ثغرِهِ / تُخَجَّلُ منضودَ الفرائدِ بالنظمِ
لبهنانةٍ نمَّ العواذلُ في الهوى / عليها فأضحى البينُ في حبَّها خصمي
همُ حَلاَّوْا الظمآنَ عن رشفاتِه / وذادوه لا ذادوه عن باردِ الظَّلْمِ
ولما رأيتُ الركبَ صرعى صبابةٍ / على الربعِ يُفْتُنونَ المعالمَ باللثمِ
بكيتُ بدمعٍ في الطلولِ مورَّدٍ / على موجعاتِ البينِ مذ لجَّ في ظُلمى
فجسمي ورسمُ الدارِ لما تشابها / عفاءً سألتُ الركبَ أيُّهما جسمي
وخَرقٍ به البزلُ المراسيلُ جُنَّحٌ / نواحلُ كالأرسانِ تنفخُ في الخُطمِ
برى نَيَّها طولُ الوجيفِ وأصبحتْ / طِلاحاً عجاناً فهي جلدٌ على عظمِ
غدتْ كالحنايا فوقَ كلَّ نجيبةٍ / مِنَ القومِ ماضي العزمِ أنفذُ من سهمِ
فهنَّ سفينُ البرَّ يُقْذَفْنَ كلَّما / بدا لامعاً بحرٌ مِنَ الآلِ كاليَمَّ
على شُعَبِ الأكوارِ منهنَّ فتيةٌ / قريبونَ مِن مدحٍ بعيدونَ مِن ذمَّ
يصمُّونَ عن داعي الشنارِ نزاهةً / ويُسمِعُهمْ في الروعِ قرعُ القنا الصُّمَّ
له نسبٌ في المكرماتِ مؤثَّلٌ / يذودُ الدنايا عن عرانِينها الشُّمَّ
وحَلْبَةِ شعرٍ أقبلتْ فيه سُبَّقاً / جيادُ قريضي وهي تَمزَعُ في اللُّجمِ
تُغيظُ بُناةَ الشَّعرِ منها قصائدٌ / تَدِقُّ معانيهنَّ إلا على فهمي
رياضُ قريضٍ قد رقمتُ بساطَها / بفكرٍ عزيزِ المثلِ في صنعةِ الرَّقْمِ
ينقَّحُها فكري فتأتي سليمةً / مبرأةَ الألفاظِ مِن خَجَلِ الخَرْمِ
اذا أُنشدتْ هزَّ النديَّ سماعُها / وفكَّتْ وثَاقَ القلبِ مِن رِبقةِ الهمَّ
حرامٌ على الجفنِ القريحِ منامُه
حرامٌ على الجفنِ القريحِ منامُه / اِذا بانَ مَنْ تهوى وغزَّ لِمامُهُ
حياةُ الفتى / والعيسُ تُحدَجُ للنوى
حِمامٌ واِنْ لم يُقضَ فيها حِمامُهُ /
ومضنًى بكى في الربعِ حتى بكى له / به رحمةً عُذّالُهُ وسَقامُهُ
به لاعجٌ مِن شدَّةِ الوجدِ مُقلِقُ / يزيدُ على بعدِ المزارِ ضِرامُهُ
غريمُ الهوى العذريِّ في كلَّ حالةٍ / على ما يراهُ وجدُهُ وغرامُهُ
حمامَ الحِمى قلْ لي هلِ البانُ مثمرٌ / وويحَ المُنى أن لم يُحِبني حَمامُهُ
فهذا الحِمى والبانُ والأثلُ قد بدا / لعيني وأين المنحنى وخيامُهُ
وأين غزالٌ كان يهدي مع الصَّبا اليَّ / إذا ما بانَ عنّي سلامُهُ
يُذكِّرنُي ومض البروقِ اِذا بدتْ / تلوحُ على وادي الأراكَ ابتسامُهُ
وألمحُ ذاكَ الثغرَ يلمعُ برقُه / متى حُطَّ عن درِّ الثنايا لِثامُهُ
له مِن غزالِ الرملِ جيدٌ ومقلةٌ / وما شانَهُ اِذ ليس فيه بُغامُهُ
فكلُّ كلامٍ في الحشا مِن حديثهِ / اِذا ذُكِرَتْ ألفاظُه وكلامُهُ
مِنَ الحور وَدَّ البدرُ مِن فرطِ حسنهِ / وفرطِ الحيا لوعادَ وهو غلامُهُ
فلم أُعطِ يوماً للعذولِ مسامعي / عليه ولم يَثنِ الغرامَ ملامُهُ
هو البدرُ إلا أنَّه غيرُ خائفٍ / مِنَ النقصِ يوماً حين تمَّ تمامُهُ
وأين الحِمى يبدو أنيقاً جميمُه / ومنهَلهُ الفياضُ تطغى جِمامُهُ
وتلكَ الرياضُ الفيحُ فيه وزهرُها / تَفتَّحُ عن مثلِ الثغورِ كِمامُهُ
وخرقٍ أزرناه النجائبَ سُهَّما / يُسابِقُها مِن كلَّ مَرْتٍ نعامُهُ
فتنأى النعامَ الرُّبدَ فيه لواغباً / واِنْ بَعُدَتْ أعوارُه وأكامُهُ
أمامَ المطايا شاهقُ الكُورِ أهوجٌ / تَخَمَّطَ أن يَثنيهِ عنه خِطامُهُ
تناثرَ في البيداءِ وردُ خِفافِه / وَيندِفُ ندفَ البُرسِ فيها لُغامُهُ
بحيث تراه في الفلاةِ كأنَّما / تقاضاه وجدي بالحِمى وغرامُهُ
هما سَبَبا ذاكَ التماسكِ بعدَما / أضرَّ به اِرقالُه ودوامُهُ
يناحلُه في البيدِ وهو مُهربِدٌ / الى الجِزعِ يشأى الواخداتِ زِمامُهُ
ودارٍ وقفنا بعدَما بانَ أهلُها / بها فسقاها دمعُ جفني غمامُهُ
حبستُ بها صحبي مِن الوجدِ لاثماً / ثرى منزلٍ يَشفي الغليلَ التثامُهُ
مُسائلَ أطلالٍِ صحبتُ بها الهوى / حليفايَ فيها عهدُهُ وذِمامُهُ
وليلٍ عقدتُ الطرفَ وجداً بنجمهِ / وقد بانَ مَنْ أهوى وعزَّ مَرامُهُ
فيا حارِ أن جئتَ العقيقَ فحيِّهِ / واِنْ بانَ عنه أهلُه وكِرامُهُ
تحيِّةَ مشغوفِ الفؤادِ مُلَدَّدٍ / يُروِّعُه اِصباحُه وظلامُهُ
اِذا ذُكِرَ الأحبابُ أثجمَ دمعُه / وطالَ على بالي الرسومِ انسجامُهُ
وأنشدَ فيها مِن نتائجِ فكرِه / فريداً تساوى قَدُّهُ وقَوامُهُ
يُحيِّرُ أربابَ النظيمِ إذا بدا / وقد راقَ في سلكِ القريضِ نظامُهُ
ويفعلُ في عقلِ الأريبِ سماعُهُ / من السكرِ ما لم تستطعْهُ مُدامُهُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025