المجموع : 4
ديار الحمى حيث القنا والصوارم
ديار الحمى حيث القنا والصوارم / تحييك من عيني الدموع السواجم
لقد طرقتك الحادثات فجأة / وأهلك في أمن وبأسك نائم
فبيناك والليلات فيك ولائم / إذا بك والأنهار فيك مآتم
لك الله لا تنفك عنك نوائح / ألم يبق في ذا الدوح إلا الحمائم
أدهرك ذا الوادي من الدم مترع / إذا أمسكت بالوبل عنه الغمائم
حلمنا بشيء وانتبهنا بضده / وما يجتبي من كاذب الحلم حالم
وكانت لجاجات فلما تيسرت / تزهد مشتاق وأقصر هائم
أقيم بناء بالعراء على شفا / ولم تقو آساس له ودعائم
فما ظن منه قائماً فهو مائل / ومن ظن منهم بانياً فهو هادم
وهل يتفع الأطلال تجديد عهدها / إذا درست آثارها والمعالم
لحى الله قوماً حملوك مغارماً / وراحوا وفي الأعناق منك مغانم
هم وعدوك العدل كي يظلموابه / أباً ظالماً لكن دهتك المظالم
ولا خير في ملك إذا جار شعبه / ولا خير في ملك إذا جار حاكم
وكيف أتقاء الخطب قد جل وقده / إذا بردت تحت الصدور العزائم
وأربعة مرت ولم تحل لامرىء / تهادت على الأقطار وهي سمائم
سعت بالنيوب العصل تنفث موتها / ولا عجب بعض السنين اراقم
تعوض يأساً من غدا وهو أمل / وشام يقيناً من سرى وهو واهم
ولما أباحوا حرمة الرأي للهوى / أهابت باطماع الغواة المآثم
فهبت هبوب الريح من كل جانب / تدافع عنها غيرها وتزاحم
فما تستطيب الحكم فيه مشارك / ولا تستلذ الغنم فيه مقاسم
ويمسي لديها طائع وهو خائف / ويضحي لديها آمر وهو واجم
وليس بمجد في الغواية ناصح / وليس بمجد في الصبابة لائم
وكيف يقر المجد في ظل دولة / وحامدها يحيى بها وهو ناقم
تداعوا لنصر والرجا عنك ذاهب / فهلا تداعوا والرجا لك قادم
وبت وبات الداهمون تعاضدوا / فإما تراخى داهم شد داهم
فلم أر خطباً مثل خطبك ناهضاً / يدافعه ملك كملكك جاثم
ولم أر مجداً مثل مجدك ناصعاً / يظله حظ كحظك قاتم
تطالعك الأقدار وهي عوابس / ويا طالما حيتك وهي بواسم
وترثي لبلواك المدائن رحمة / وقد حسدت فيك السرور العواصم
فيامن رأى تلك الفتوح التي خلت / تجرع أسى قد أعقبتها الهزائم
لإن كنت في شكران حالك جازماً / فما أنت في شكران ماضيك جارم
سنبكي لعهد عاره متجدد / ونأسى بعهد مجد متقادم
وفي الدمع والتأساء تخفيف لوعة / إذا أثقلها الكاربات الكواظم
ومعترك للموت أنت سماؤه / فنقع وأما أرضه فجماجم
تنازع فيه الضر خصمان أعزل / يدافع عن ملك وشاك يهاجم
تأخرت الأعلام عن مستقرها / وفر محاميها موقر المخاصم
تفزعت الآجام وهي شواهد / ضراغمها تسطو عليها الضراغم
نجاوبها من حولها في زئيرها / رعود لها في الخافقين زمازم
مدافع منها قسطل متراكب / بنادق منها عارض متراكم
وصائب حتف مستهل فواقع / وراجف روع مستطار فحائم
ووجه ردي في أوجه الكل ضاحك / ووجه رجا في أوجه البعض ساهم
كأن الوغى قد صار في أنفس الورى / هياماً فمن يقتل يمت وهو هائم
فما لهم غير الدماء مشارب / ولا لهم غير الرمام مطاعم
إذ آنسوا ضعفاً فكل محارب / وإن وجدوا بأساً فكل مسالم
وما خير سلم فوقه الشر عاصف / وموج المنايا تحته متلاطم
تشير أكف بالسلام خديعة / وتنزوا بأخرى للصدور الصوارم
وكم كان في هذي النفوس منافس / فلم يبق في هذي النفوس مساوم
ولم تبق في الدنيا لنفس فضائل / ولم تبق في الدنيا لطبع مكارم
هوت فرق كليسا عند أول صدمة / ولما يكن في قرق كليسا مصادم
أناف عليها جحفل متحامل / وطال عليها مأزق متلاحم
تقاعس عبد الله فيها عن العدى / ولم يلق عبد الله جيشاً يقاوم
وقد كان فيها سلة من ضراغم / فبادت وولت للنجاة النعائم
بدت تستغيث الهاربين من الردى / زيانب في أترافها وفواطم
سوافر في ذاك الدجى قد تبذلت / ترائب منها روعة ومعاصم
فليس لها عن مورد العار دافع / وليس لها من مصدر اليأس عاصم
أما كان في القوم المغيرين راحم / فقد قيل في القوم المغيرين راحم
أدرنة لا يبرح دعامك قائماً / فإن دعام الحرب تحتك قائم
عرمت عرام الدهر جاشت صروفه / وهل يستذل الدهر والدهر عارم
ألا إن هذا موسم المجد عائداً / ولا غرو للمجد الاثيل مواسم
يظل بنوك الباسلون بعزهم / وآناف اعداهم لديك رواغم
تبوأت بين الموت والهون موضعاً / اقرك فيه خطبك المتفاقم
فإن تشتهي موتاً يرق لك كأسه / وإن تسأمي هوناً فمثلك سائم
إذا نحن أعظمنا بلاءك روعة / فذاك بلاء أعظمته العظائم
فإن تسلمي تنسي رزينة هالك / وإن تهلكي لا يهنأ العيش سالم
شطلجة لا تنفك عنها خضارم / كذلك لا تنفك عنك خضارم
فيا عجباً للويل فيه مشاكل / ويا عجباً للويل منه ملائم
يا بلادي مالي لا ارى غير واطيء / ثراك ألما يبقى في الناس لائم
توالتك تيجان فشادت لك العلى / فلما أستتمت هدمتها العمائم
لإن كان في الأسلاف بينك غالب / فما كان في الأسلاف بينك حازم
لقد بان عنك الرأي مذبان كامل / وقد مات فبك البأس مذ مات ناظم
طغى الشرفي بعض النفوس ولم يزل / يرب إلى أن اعلن الشر كاتم
ألا جمح الغاوون فيك جماحهم / فهيهات تجدي بعد هذا الشكائم
تولوا سراعاً حين سلت بواتر / وعادوا سراعاً حين صلت دراهم
فجاؤا يسوسون الأنام سياسة / سدى لم تسسها قبل ذاك البهائم
فكم عالم صاحوا به أنت جاهل / وكم جاهل قالوا له أنت عالم
أقاموا وما فيهم عن الزور تائب / وظلوا وما فيهم على الختل نادم
عزيز علينا أن ذا الملك ذاهب / وأن الذي قد أذهب الملك دائم
صحا كل شعب فاسترد حقوقه / فياليت يصحو شعبك المتناوم
هو الشعب أفنى دهره وهو خادم / وليس له فيمن تولوه خادم
يقلب كم عهد لعهد على الأذى / إذا زال عنه غاشم جد غاشم
أعادينا حكمتم السيف بيننا / فجار وحكم السيف كالسيف صارم
فلا تطمعوا أن تهضمونا بهذه / فليس لحر في البرية هاضم
أما آن أن يسترجع الدهر ما مضى
أما آن أن يسترجع الدهر ما مضى / فترجع آمال وتقوى عزائم
لقد كدت أنهى النفس عما تريدهُ / من النصح لو لا ما تجر العمائمُ
ومازالت الأيام حرباً على النهى / فإن سالمت حيناً فختلا تسالمُ
أرى الناس هاموا بالمعالي صبابة / ولا عجبٌ إني كذلك هائمُ
وهذي طباع لا يرحبّى انتزاعها / تناط بقوم إذ تناط النمائمُ
ستبقى بلاد الله تطلب مصلحاً / وهيهات أن ترضى بذاك الصوارمُ
جمال كأن النفس بعض شعاعه
جمال كأن النفس بعض شعاعه / إذا غاب أمسى موضع النفس مظلما
أظل أناجيه فالفيه صامتاً / ولو أدركته لوعتي لتكلما
رعى الله هذا القلب لم يؤت رحمة / لقد كنت أرجو أن أذوب ويرحما
هلموا بنا نحو الأمير نسلم
هلموا بنا نحو الأمير نسلم / سلام على عباس مصر المعظم
ألا إن في الاكباد شوقاً مبرحاً / إليه فقد كادت من الشوق تدَّمي
سئمنا النوى لم يبق للصبر موضع / ومن يتجرع لوعة النأي يسأم
ومن كان ذا ود على السخط والرضى / إذا صرمته فرقة لم يصرم
أمولاي إن المادحين ترنموا / بمدحك فاسمعني فهذا ترنمي
سأجزيك عن عهد الصبا شكر مخلص / فقد جزتني فيه بآلاء منعم
وما زلت من دهري بركنك أحتمي / وما زلت في فخري لمجدك أنتمي
وإني لتسمو بي إليك سجية / من الشعر تجري في عروقي مع الدم
فيأتيك منه كل زهر منثر / ويأتيك منه كل در منظم
ويخلد للأيام فيك مكرراً / يخف على أذن ويعذب في فم
تسام بمصر رب مصر إلى العلى / وإن وقفت في سيرها فتقدم
فكم لك فيها من جديد مشيد / وكم كان فيها من قديم مهدم
لك العزمات الصادقات إذا انبرت / ترد فضاضاً لك عزم مصمم
أحاطت بآمال لديك فتية / فإن تنتهزها مصر بالرأي تغنم
وما مصر إلا دولة في شبابها / فإن تبتذله في الغواية تهرم
وإن لم تفق من نومها يبق نومها / وإن لم تكرم نفسها لم تكرم
وإن لم يقومها إذا اعوج عودها / فتى صادق في نصحه لم تقوم
وأن لم ينرها بالمعارف أهلها / إذا حلكت فيها الجهالة تظلم
وإن لم يفيدوها الثراء بجدهم / وإن كثرت فيها النفائس تعدم
فكم ترغب العلياء عن وصل معرض / وكم ترغب العلياء في وصل مغرم
وعصبة شر قد أتت بعد مثلها / كذلك يأتي أشأم بعد أشأم
تشاهد أفراح البلاد عميمة / فتغدو لأفراح البلاد بمأتم
وإن تبتسم مصر تبكي من الأسى / وإن تبك مصر من أسى تتبسم
وترفل من ثوب الشبابا بصحة / ولكنها في لوعة المتألم
وتبغض طبعاً كل أمر ممدح / وتعشق طبعاً كل أمر مذمم
فويل لززور عندها متكشف / وويل لحق عندها متلئم
لحا الله هاتيك النفوس فإنها / وإن تتجبر عرضة المتهضم
فما بينها من ناظر متأمل / ولا بينها من سامع متفهم
بسطت عليها الحلم لا متحلماً / فما شكرت والحلم غير التحلم
ولو كنت ترضى رميها لرميتها / بضربة عدل أو بضربة مخذم
ليبق لك القلب الذي صيغ رحمة / فمن يؤت منا مثل قلبك يرحم
وإن يخدم الأوطان صاحب أمرها / كما تخدم الأوطان بالعين يخدم