المجموع : 5
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه / حديث بصير بالحقيقة عالم
جُبلنا على حبّ الحياة وإنها / مخيفة أحلام أطافت بحالم
سعى الناس والأقدار مخبوءة لهم / وناموا وما ليلُ الخطوب بنائم
جرت سفُن الأيام مشحونةً بنا / على بحر عيش بالردى متلاطم
تأمّلت في الأحياء طُرّاً فلم أجد / بهم باسماً إلاّ على ألف واجم
وربّ سعيد واحدٍ تمّ سعده / بألف شقىّ في المعيشة راغم
وما المرء إلاّ دوحة في تنوفةٍ / ملوّحةٌ أغصانها بالسمائم
لها ورق قد جفّ إلاّ أقلَّه / وعيدانها بين النيوب العواجم
ولابدّ أن تجتثّ يوماً جذورها / وتقلعها إحدى الرياح الهواجم
أرى العمر مهما ازداد يزداد نقصه / إذاً نحن في نقص من العمر دائم
ولولا انهدام في بناء جسومنا / لما احتيج في تعميرها للمطاعم
لحى الله بأساء الحياة كأننا / نكبّل من حاجاتها بالأداهم
نروح كما نغدو نجاهد دونها / أموراً دعتنا لارتكاب الجرائم
فلو كنت في هذا الوجود مخيّراً / وفي عدمي لاخترته غير نادم
هل الموت إلا سالك وحياتنا / إليه سبيل مُستبين المعالم
وما زال هذا الدهر غضبان آخذاً / على الناس من سيف المنون بقائم
تبصّرْ تجد هذي البسيطة منزلاً / كثير اليتامى عامراً بالمآتم
وليس الذي آسى له فقد هالك / ولكن ضياع المفجعات الكرائم
أرامل تستذري الدموع وحولها / يتامى كأفراخ القطا والحمائم
وكائنْ ترى مخدومة في جلالها / سعت حيث أبكاها الردى سعي خادم
فليت المنايا حين قوّضن بيتها / بدأنَ بها من قبل هدم الدعائم
أرى الخير في الأحياء ومض سحابة / بدا خلّياً والشر ضربة لازم
إذا ما رأينا واحداً قام بانياً / هناك رأينا خلفه ألف هادم
وما جاء فيهم عادل يستعيلهم / إلى الحق إلا صدّه ألف ظالم
جهلتُ كجهل الناس حكمة خالق / على الخلق طرّاً بالتعاسة حاكم
وغاية جهدي أنني قد علمته / حكيماً تعالى عن ركوب المظالم
رأيت لنفسي في الحياة كأنني / من العيش مُلقىً في شدوق الضراغم
يخاصمني منها على غير طائل / أناس فابدي الصفح غير مخاصم
وأقنع بالقوت الزهيد لطيبه / حذارَ وقوعي في خبيث المطاعم
وأترك ما قد تشتهي النفس نَيْله / لما تشتهيه قلة في دراهمي
وكم لي في بغداد من ذي عداوة / وما أنا في شيء عليه بجارم
إذا جئت بالقلب السليم يجيئني / بقلب له من كَثرة الحقدوارم
على قاسم شيخ الطريقة قد بكت
على قاسم شيخ الطريقة قد بكت / جواهر فضل مالها الدهر قاسم
بكاه التقى والعلم والحلم والنهى / وحسن السجايا والعلا والمكارم
فقدنا الذي قد كان في العلم عيلما / فماجت لمنعاه البحار العيالم
لئن قد طواه الموت عنّا فذكره / من العلم منشور على الدهر دائم
رزئناه حبراً في الطريقة مرشداً / به اتضحت للساكين المعالم
عفت أربع الإرشاد بعد ارتحاله / وكانت به منها تقوم الدعائم
حليف التُقى مادنّس الدهر ثوبه / باثم ولا مرت عليه المحارم
ترحل للأخرى وأبقى مناقباً / تضيء من الدنيا بهنّ المواسم
يصوم نهار الصيف لله طائعاً / ويحيي الليالي وهو لله قائم
إذا ما بدا للقوم لاحت بوجهه / دلائل من نور الهدى وعلائم
ولما مضى للخلد قلت مؤرخاً / لقد بات على أعلى الفراديس قاسم
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه / يَصُدّ ذويه عن طريق التقدم
فإن كان ذا حقّاً فكيف تقدّمت / أوائله في عهدها المتقدم
وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله / فماذا على الإسلام من جهل مسلم
هل العلم في الإسلام إلاّ فريضة / وهل أمة سادت بغير التعلُّم
لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلا / بصائر أقوام عن المجد نُوَّم
وحلّت له الأيام عند قيامه / حُباها وأبدت منظر المتبسّم
فأشرق نور العلم من حَجَراته / على وجه عصر بالجهالة مظلم
ودّك حصون الجاهلية بالهدى / وقَوّض أطناب الضلال المخيّم
وأنشط بالعلم العزائم وابتنى / لأهليه مجداً ليس بالمتهدّم
وأطلق أذهان الورى من قيودها / فطارت بأفكار على المجد حُوَّم
وفَكّ أسار القوم حتى تحفّزوا / نهوضاً إلى العلياء من كل مَجْثَم
فخلَّوا طريقاَ للبداوة مَجهَلاً / وساروا بنهج للحضارة مُعلَم
فدَوَّت بمُستَنّ العلا نهضَاتهم / كزعزع ريح أو كتيّار عَيْلَم
وعمّا قليل طبّق الأرض حكمهم / بأسرع من رفع اليدَيْن إلى الفم
وقد حاكت الأفكار عند اصطدامها / تلألؤ برق العارض المُتَهّزِم
ولاحت تباشير الحقائق فانجلت / بها عن بني الدنيا شكوك التوهُم
وما ترك الإسلام للمرء ميزة / على مثله ممَّن لآدم ينَتمي
فليس لمُثْرٍ نقصُه حقَ مُعدِم / ولا عربيٍ بخسه فضل أعجم
ولا فخرَ للإنسان إلاّ بسعيه / ولا فضلَ إلا بالتُقى والتكرُّم
وليس التقى في الدين مقصورةً على / صلاة مُصلَّ أو على صوم صُيَّم
ولكنها ترك القبيح وفعل ما / يؤدي من الحُسنى إلى نيل مَغْنَم
فتَقوى الفتى مَسعاه في طلب العلا / وما خُصَّت التقوى بترك المحرّم
فهل مثل هذا الأمر يا لأولي النُهى / يكون عثاراً في طريق التقدّم
وإن لم يكن هذا إلى المجد سُلَّماً / فأيّ ارتقاءٍ بعدُ أم أيّ سلّم
ألا قل لمن جاروا علينا بحكمهم / رُوَيداً فقد قارفتم كل مأثمَ
فلا تنكروا شمس الحقيقة أنها / لأظهَرُ من هذا الحديث المُرَجَّم
عَلَوْنا وكنتم سافلين فلم نكن / لنُبدي إليكم جَفوة المتهكِّم
ولم نترك الحُسنى أوان جدالكم / وتلك لعمري شِيمة المتحلِّم
فلما استدار الدهرُ بالأمر نحوكم / كشفتم لنا عن منظر متجَهِّم
فلا تأمنوا الأيام أن صُرُوفها / كما هي إذ أودت بعاد وجُرْهُم
رمت مسمعي ليلاً بأنّه مؤلَم
رمت مسمعي ليلاً بأنّه مؤلَم / فألقت فؤادي بين أنياب ضيغم
وباتت توالي في الظلام أنينها / وبتّ لها مُرمىً بنهشة أرقم
فيهفو بقلبي صوتها مثلما هفت / بقلب فقير القوم رنّةُ درهم
إذا بعثت لي أنّةّ عن تَوَجُّع / بعثت إليها أنّةً عن ترحُّم
تقطع في الليل الأنين كأنّها / تقطّع أحشائي بسيف مُثَلَّم
يهُزّ نياطَ القلب بالحزن صوتُها / إذا اهتزّ في جوف الظلام المخيّم
تردّده والصمت في الليل سائد / بلحن ضئيل في الدُجُنَّة مُبهَم
كأنّ نجوم الليل عند ارتجافها / تُصيخ غلى ذاك الأنين المُجَمْجَم
فما خفقان النجمِ إلاّ لأجلها / وما الشهب إلاّ أدمع النجم ترتمي
لقد تركتني مُوجَعَ القلب ساهراً / أخا مَدمَع جار ورأس مهوَم
أرى فحمة الظلماء عند أنينها / فأعجب منها كيف لم تتضرّم
فأصبحتُ ظمآن الجفون إلى الكرى / وإن كنت ريّان الحشا من تألُّمي
وأصبح قلبي وهو كالشعر لم تدع / له شعراء القوم من مُتَرَدَّم
وبيت بكت فيه الحياة نحوسةً / ولاحت بوجه العابس المُتَجَهِّم
به ألقت الأيامُ أثقالَ بؤسها / فهاجت به الأحزان فاغِرة الفم
كأنّي أرى البنيان فيه مهدَّماً / وما هو بالخاوي ولا المتهدّم
ولكنّ زلزال الخطوب هوى به / إلى قعر مهواة الشقاء المجسَّم
دخلتُ به عند الصباح على التي / سقاني بكاها في الجدى كأس علقم
فألقيتُ وجهاً خدّد الدمعُ خدَّه / ومحمرَّ جَفن بالبكار مُتَورَمَّ
وجسماً نحيفاً أنهكته همومُه / فكادت تراه العينُ بعضَ تَوَهُّم
لقد جَشَمتْ فوق الترابِ وحولها / صغرٌ لها يرنو بعينيْ مُيَتَّم
تراه وما أن جاوز الخمسَ عمرُهُ / يُدير لحاظ اليافع المتفّهِم
بكى حولها جوعاً فغذّته بالبكا / وليس البكا إلاّ تَعِلَّةَ مُعدِم
وأكبر ما يدعو القلوبَ إلى الأسى / بكاءُ يتيم جائع حول أيِّم
وقفتُ وقد شاهدت ذلك منهما / لمريم أبكى رحمةً وابن مريم
وقفت لديها والأسى في عيونها / يكلمني عنها ولم تتكلّم
وساءلتها عنها وعنه فأجهَشَتْ / بكاءً وقالت أيها الدمع ترجِم
ولما تناهتْ في البكاء تضاحكت / من اليأس ضحك الهازئ المتهكّم
ولكن دموع العين أثناء ضحكها / هواطل مهما يسجم الضحك تسجم
فقد جمعتْ ثغراً من الضحك مُفعَماً / إلى مَحْجِر باك من الدمع مفعم
فتُذرىِ دموعاً كالجمان تناثرت / وتضحك عن مثل الجمان المنظَّم
فلم أرَ عيناً قبلها سال دمعها / بكاءً وفيها نظرة المتبسّم
فقلت وفي قلبي من الوجد رعشةٌ / أمجنونة يا ربّ فارحم وسلّم
ومذ عرضت للإبن منها الْتِفاتةٌ / أشارت إليه بامدامع أن قْم
فقام إليها خائر الجسم فانثنت / عليه فضمّته بكفّ ومِعصم
وظلّت له ترنو بعينِ تجوده / بفَذّ من الدمع الغزير وتَوْءَم
فقال لها لما رآنيَ واقفاً / اردِّد فيه نظرةٍ المتوسِّم
سلى ذا الفتى يا أم أين مضى أبي / وهل هو يأتينا مساءً بمَطْعَم
فقالت له والعين تجري غروبها / وأنفاسها يَقذِفنَ شعلة مُضرَم
أبوك ترامت فيه سفرة راحل / إلى الموت لا يرجى له يومُ مَقْدَم
مشى أرمنيّاً في المعاهد فارتمتْ / به في مهاوى الموت ضربةُ مسلم
على حينَ ثارت للنوائب ثورةٌ / أتت عن حزازات إلى الدين تنتمي
فقامت بها بين الديار مذابح / تخوَّض منها الأرمنيّون بالدم
ولولاك لاخترت الحِمام تخلّصاً / بنفسيَ من أتعاب عيش مذمَّم
فأنت الذي أخّرت أمك مريماً / عن الموت أن يودي بامك مريم
أمريم مهلاً بعضَ ما تذكرينه / فإنك ترمين الفؤاد بأسهم
أمريم أن اللّه لا شك ناقمٌ / من القوم في قتل النفوس المحرَّم
أمريم فيما تحكمين تبصَّري / فإن أنت أدركتِ الحقيقة فاحكمي
فليس بدين كلُّ ما يفعلونه / ولكنّه جهل وسوء تفهُّم
لئن ملؤوا الأرض الفضاء جرائماً / فهم أجرموا والدين ليس بمجرم
ولكنهم في جِنح ليل من العمى / تمشّوا بمطموس العلائم مبهَم
وقد سلكوا تَيْهاء من أمر دينهم / فكم مُنجِدٍ في المخزيات ومُتْهِم
ولما رأيت اللَوم لؤماً تجاهها / سكتُّ فلم أنبِسْ ولم أتبرَّم
وأطرقتُ نحو الأرض أطلب عفوها / وما أنا بالجاني ولا بالمتيَّم
وظلتُ لها أبكي بعين قريحة / جرت من أماقيها عصارةُ عندم
بكيت وما أدري أأبكي تضَجُّراً / من القوم أم أبكي لشِقوة مريم
إذا كان جهل الناسَ مدعاة غيّهم
إذا كان جهل الناسَ مدعاة غيّهم / فليس سوى التعليم للرُشد سُلَّم
فلو قيلَ من يستنهض الناس للعلا / إذا ساءَ محياهم لقلت المعلمّ
معلّم أبناء البلاد طبيبهم / يُداوي سَقام الجهل والجهل مُسقِم
وما هو إلاّ كوكب في سمائهم / به يهتدي الساري إلى المجد منهم
فلا تَبخسَنْ حق المعلّم أنه / عظيم كحقّ الوالدين وأعظم
فإن له منك الحجا وهو جوهر / وللوالدين العظم واللحم والدم
ألا إنما تعليمنا الناس واجب / وأن على الجهال أن يتعلّموا
وما أخذ اللّه العهود على الورى / بأن يعلَموا حتى قضى أن يُعلِّموا