المجموع : 16
أخَا الحَزْمِ نَبِّئْنِي أفَارَقْتَ عَنْ حَزْمِ
أخَا الحَزْمِ نَبِّئْنِي أفَارَقْتَ عَنْ حَزْمِ / مَكَانَتَكَ الشَّمَّاءَ مِنْ مَنْصِبِ الحُكْمِ
وَقَدْ كُنْتَ ذَاكَ العَادِلَ الفَاضِلَ الَّذِي / عَفَا أَوْ جَفَا لم يَقْضِ إلاَّ عَلَى الظُّلْمِ
أجَدُّكَ بَعْدَ الفَصْلِ فِي النَّاسِ تَبْتَغِي / مَقَاماً وَمَاذَا بَعْدَ مَنْزِلَةِ النَّجْمِ
أَلا إنَّهَا العَلْيَاءُ فِي النَّفْسِ كُنْهُهَا / وَمَا هِيَ فِي دَسْتٍ وَلاَ فِي اشْتِهَارِ اسْمِ
فَإنْ طَهْرَتْ نَفْسٌ فَمَا الفَخْرُ ظَاهِراً / بِفَخْرٍ وَلَيْسَ الجَاهُ خَيْراً مِنَ العُدْمِ
وَنَيْلُ الأمَانِي كُلِّهَا دُونَ هَفْوَةٍ / يَسُوءُ بِهَا قَاضٍ مَسُوءاً بِلاَ جُرْمِ
عَلَى أَنَّهَا الأحْدَاثُ تَعْرِضُ لِلنُّهَى / فَتُخْفِي ضِيَاءَ الحَقِّ عَنْ ثَاقِبِ الحِلمِ
إذَا المَرْءُ لَمْ يُمْنَحْ شَهَادَةَ مَا اخْتَفَى / وَأَمْناً مِنَ البَلوَى وَتِمّاً مِنَ العِلمِ
فَقَدْ يُخْطِيءُ الحَقَّ الصَّريحَ إذَا قَضَى / وَيَأْخُذُ بِالإِثْمِ البَرِيءَ مِنَ الإثْمِ
بَرِحْتَ سَمَاءً لِلقَضَاءِ إذَا صَفَتْ / فَأَحْيَتْ فَقَدْ تَرْمِي بِمُرْدِيّةِ الرُّجْمِ
وَآثَرْتَ مَيْدَانَ المُحَامَاةِ دُونَها / مَجَالاً رَحِيباً لِلمُرُوءةِ والعَزْمِ
فَفِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْتَ صانِعُ رَحْمَةٍ / وَفِي كُلِّ يَومٍ غَانِمٌ أَجْرَ ذي غُرْمِ
وَمُتَّهَمٍ فِي غَفْلَةِ العَدْلِ وَاقِفٍ / مِنَ المَوْتِ بَيْنَ الأمْرِ والخُشَبِ البُكُم
نَهَضْتَ لِدَفْعِ الوَيْلِ عَنْهُ بِهِمَّةٍ / هِيَ الوَثْبُ فِي الأَرْيَاحِ وَالوِقْرِ فِي الشُّمِّ
وَنَاضَلْتَ عَنْهُ مُسْتَجِيراً مُلاَيِناً / شَفِيعاً نَافِيَ الرَّيْبِ بِالجَزْمِ
بِزَأْرَةِ رِئْبَالٍ وَتَطْرِيبِ سَاجِعٍ / وَعَطْفَةِ مُهْتَزٍّ وَلَهْفَةِ مُهْتَمِّ
وَرِقَّةِ مُحْتَالٍ وَشِدَّةِ مُفْحِمٍ / يُنَسَّمُ عَنْ رَوْضٍ وَيُغْدِقُ عَنْ يَمِّ
وَتَقْلِيبِ شِبْهِ البَرْقِ وَرْياً وَرَوْنَقاً / مِنَ الرَّأْيِ فِي أدْجَى مِنَ السُّحُبِ الدُّهْمِ
فَلَمْ يَلْبَثِ المَنْكُودُ حَتَّى تَحوَّلَتْ / بِهِ حَالَةٌ مِنَ حَرْبِ دَهْرٍ إلَى سِلْمِ
لَوِ النَّاسُ أَرْقَى فِطْنَةً وَسَليقَةَ / لَمَا كَانَ مَنْ قَاضٍ وَلاَ كَانَ مِنْ خَصْمِ
فأمَّا وَهُمْ مَا قَدْ عَهِدْتُ وَلَمْ تَزَلْ / بِهِمْ حَاجَةُ الأَفْراسِ لِلسَّرْجِ وَاللُّجْمِ
فَإِنَّ وَلِيَّ الذَّوْدِ عَنْهُمْ لِجَهْلِهِمْ / أحَبَّ إلَى الرَّحْمَنِ مِنْ مُوقِعِ الحُكْمِ
ألاَ أَيُّهَا الطَّالِعُ المُتَبَسِّمُ
ألاَ أَيُّهَا الطَّالِعُ المُتَبَسِّمُ / هُدىً وَسُرُورٌ نُورُكَ المُتَوَسَّمُ
سَلاَمٌ عَلَى ذَاكَ الْوَلِيدِ الَّذِي بَدَا / مِنَ الرَّحِمِ الْخَافِي مُثِيراً يُسَلِّمُ
سَلاَمٌ عَلَى ذَاكَ الشَّقِيقِ مِنَ الدُّجَى / يُكَلِّمُهَا وَالْبُرْءُ حَيْثُ يُكَلِّمُ
سَلاَمٌ عَلَى ذَاكَ الْهِلاَلِ مِنِ امْرِئٍ / صَرِيحِ الْهَوَى وَالحُرُّ لا يَتَكَلَّمُ
سَلاَمٌ وَتَكْريمٌ بِحَقِّ كِلاَهُمَا / وَأَشْرَفُ مَنْ أحْبَبْتَهُ مَنْ تُكَرِّمُ
هَوِيْتُكَ إِكْبَاراً لِمَا رَمْزُهُ / مِنَ المَأْرَبِ العُلْوِيِّ لَوْ كَانَ يُفْهَمُ
وَعِلْماً بِأَنَّ الشَّرْقَ يَنْمُو وَيَرْتَقِي / بِأَنْ يَتَصَافَى عِيسَويٌّ وَمُسْلِمُ
فَإِنْ نَالَ مِنِّي كَاشِحُونَ وَلُوَّمٌ / فَفِي كُلِّ حُبٍّ كَاشِحُونَ ولُوَّمُ
أَرَى كُلَّ دِينٍ جَاءَ بِالخَيْرِ طَاهِراً / وَلاَ شَيْءَ غَيْرَ الشَّرِّ عِنْدِي مُتْهَمُ
وَإِنْ يَرَ مِثْلِي رَأْيَهُ عَنْ تَحَيُّزٍ / فَمَنْ عَالِمٌ فِينَا وَمَنْ مُتَعَلِّمُ
أُبَى لِيَ عقْلِي أَنْ أُخَالِفَ حُكْمَهُ / وَلَوْ فُزْتُ مِنْ قَوْمٍ بِمَا لا يُقَوَّمُ
هُوَ الْحَقُّ حَتَّى تُضْرَبَ الْهَامُ دُونَهُ / فَمَا الْخَطْبُ فِي أَسْبَابِ جَهْلٍ تُفْصمُ
قُلِ الْحَقَّ مَا إِنْ يَنْفَعُ النَّاسَ مِثْلُهُ / وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ وَاتْرُكِ الزُّورَ يَنْقِمُ
قُلِ الْحَقَّ إِنْ يُعْجِبْ فَذَاكَ وَإِنْ يَسُوءْ / فَذَاكَ وَلاَ يَصْدُدْكَ مَا قَدْ تُجَشَّمُ
فَتَاللهِ مَا المُصْدِي لأَقْوَالِ غَيْرِهِ / بِأنْبَهَ عِنْدِي مِنْ جَوَادٍ يُحمْحِمُ
وَتَاللهِ مَا الرَّوَّاغُ دُونَ ضَمِيرِهِ / بِأَشْرَفَ مِنْ رِعْدِيدِ هَيْجَاءَ يُهْزمُ
مُنِيرَ السُّرَى بِشْراً بِعَامِكَ مُقْبِلاً / وَلاَ طَابَ ذِكْراً صِنْوُهُ المُتَصرِّمُ
دَهَانَا بِأَنْوَاعِ الأَذَى مُتَجَنِّباً / فَلَمْ يَكُ إِلاَّ صَارِخٌ مُتَظَلِّمُ
كَأَنِّي وَقَدْ وَلَى بَصُرْتُ بِلُجَّةٍ / يُغَيَّبُ فِيهَا شَامِخٌ مُتَضَرِّمُ
فَقُلْتُ بَعِيداً لاَ مُدِحْتَ بِطَيِّبٍ / سِوَى عِبْرَةٍ عَنْ بَارِحِ الْخَطْبِ تَنْجُمُ
عَلَى أَنَّ مَا لِلْعَامِ فِي شَأْنِنَا يَدٌ / وَمَا الذَّنْبُ إِلاَّ ذَنْبُنَا المُتَقَدِّمُ
شَهِدْتُمْ رَزَايَا مِصْرَ فِي بِدْءِ أَمْرِهِ / وَنَكْبَةَ دَارِ الْفُرْسِ إِذْ هُوَ يُخْتَمُ
ومَا حَلَّ فِي أَثْنَائِهِ مِنْ كَرِيهَةٍ / بِدَوْلَتِنَا الْكُبْرَى تَرُوعُ وَتُؤْلِمُ
لَدُنْ هَجَمَ الْقُرْصَانُ يَغْزُونَ غَرْبَهَا / كَما كَانَتِ الْجُهَّالُ فِي الْبَدْوِ تَهْجُمُ
يَسُومُونَنا بِاسْمِ الْحَضَارَةِ حَرْبَهُمْ / أَلاَ إِنَّهَا مِمَّا جَنَوهُ لَتَلْطِمُ
أَلاَ إِنَّهَا سَاءَتْ عَرُوساً لِخَاطِبٍ / إذَا بَسَطَتْ كَفّاً وَحِنَّاؤُهَا دَمُ
لأَحْرُفِهَا مِنْ دِقَّةِ الصُّنْعِ بَهْجَةٌ / وَفِيهَا مِنَ الشَّكْلِ الْجَمَالُ المُتَمِّمُ
وَمَا نَقَشَتْ مِنْهَا الْبَوَارِقُ مُهْمَلٌ / وَمَا نَقَطَتْ مِنْهَا الْبَنَادِقُ مُعْجَمُ
فَاعْجِبْ بِهَا مِنْ آيةٍ ذَاتِ رَوْعَةٍ / تُصَغَّرُ آيَاتِ الْحُرُوبِ وَتَعْظُمُ
عَزَزْنَا بِهَا مِنْ ذِلَّةٍ وَبِعَزْمِهَا / سَيُقْشَعُ هَذَا الْغَيْهَبُ المُتَجَهِّمُ
وَلَكِنْ أَنَبْقَى آخِرَ الدَّهْرِ عِيْلَةٌ / عَلَى الْجَيْشِ يَشْقَى فِي الدِّفَاعِ وَنَنْعَمُ
وَهَلْ قُوَّةُ الأَجْنَادِ تَكْفُلُ قَوْمَها / إلَى آخِرِ الأيَّامِ وَالقَوْمُ نُوَّمُ
إذَا مَا تَبَصَّرْتُمْ فَمِصْرُ وَ فَارِسٌ / وَدَوْلَةُ عُثْمَانٍ شَقَاءٌ مُقَسَّمُ
سِوَى أَنَّ كُرْسِيَّ الْخِلافَةِ مُحْتَمٍ / بِأَبْطَالِهِ أَمَّا الشُّعُوبُ فَهُمْ هُمُ
عَذِيرِيَ مِنْ سَبْقِ الْيَرَاعِ إلَى الَّذِي / أُدَاجِي بِهِ نَفْسِي وَلاَ أَتَكَلَّمُ
دَعُونِيَ مِنْ ذِكْرَى أُمُورٍ تَسُوءُنَا / وَذَا يَوْمُ عِيدٍ بِالمَسَرَّاتِ مُفْعَمُ
أَرَى بَيْنَكُمْ آمَالَ خَيْرٍ طَوَالِعاً / تَهُلُّ وَرَاءَ الأُفْقِ وَاللَّيْلُ مُظْلِمُ
رِجَالاً تَحَلُّوا بِالْفَضَائِلِ وَارْتَقَوْا / بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ كُلِّ خُلْقٍ يُذَمَّمُ
شَبَاباً إذَا عَفُّوا فَإِنَّ النُّهَى نَهَى / وَإنْ يَطْلُبُوا الْغَايَاتِ فَالْعَزْمُ يَعْزِمُ
عَدَوْا فِي هَوَى الأَوْطَانِ أَبْعَدَ غَايَةٍ / يَسُوقُ إِلَيهَا الْعَاشِقَينِ التألم
وَلَكِنْ لَقُوا مِنَّا الَّذِي لَمْ يَسُرَّهُمْ / لَقُوا الْقَاعَ وَالطَّيَّارُ خَزْيَانُ مُرْغَمُ
لَقُوا كَيْفَ أَغْنَتْنَا الشَّجَاعَةُ فِي الوَغَى / مِنَ العُدَدِ الصُّمِّ الَّتي لَيْسَ تَرْحَمُ
لَقُوا حِينَ أَعْيَانَا التَّفَاهُمُ بِاللُّغَى / مَقَابِضَنَا فِي الْهَامِ كيف تُتَرْجِمُ
لَقُوا فَوْقَ مَا ظَنُّوا مِنَ البَأْسِ مُفْضِياً / إلَى رَحْمَةٍ تَرْبُو عَلَى مَا تَوَهَّمُوا
فَمَغْفِرَةٌ حَيْثُ الأَبِيُّ مُجَنْدَلٌ / وَمَقْدِرَةٌ حَيْثُ الْجَبَانُ مُسَلِّمُ
وَعَطْفٌ عَلَى جَرْحَى عَدَدْنَا جِرَاحَهُمْ / مُكَفِّرَةً عَمَّا أَسَاءُوا وَأَجْرَمُوا
هُمُ أَحْرَجُونَا فَاقْتَضَوْنَا هَلاَكَهُمْ / عَلَى أنَّنَا كُنَّا نُضَامُ فَنَحْلَمُ
وَإِنْ يُشْجِنَا مَا نَالَهُمْ مِنْ عِقَابِنَا / فَفِينا عَلَى العِلاَّتِ ذَاكَ التَّكَرُّمُ
سَمَاحَةُ نَفْسٍ لَمْ تَزَلْ مِنْ عُيُوبِنَا / فَأِنْ يَغْفِرُوهَا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْهُمُ
حَمَى اللهُ أَبْطَالاً حَمَوْنَا فَإِنَّهُمْ / أَتَوْا مُعْجِزَاتٍ فِي الْخُصُومَاتِ تُفْحِمُ
مَحَوْا بِجَمِيل الثَّأْرِ مَا خَطَّ مُفْتَرٍ / عَلَيْنَا وَفِي كَفَّيْهِ لِلْعَارِ مِيسَمُ
وَجَاءُوا مِنَ النَّصْرِ المُبينِ بِآيَةٍ / عَلَى صَفَحَاتِ الدَّهْرِ بِالتِّبْرِ تُرْسَمُ
مُنَمَّقَةٍ رَنَّانَةٍ عَرَبِيَّةٍ / لَهَا كَاتِبٌ مِنْهَا وَتَالٍ مُرَنِّمُ
إذَا طُولِعَتْ لَمْ تَسْأَمِ الْعَيْنُ حُسْنَها / وَإِنْ أُنْشِدَتْ فَالسَّمْعُ هَيْهَاتَ يَسْأَمُ
فَهْمُ أَوْلِيَاءُ الْحَقِّ مَهْمَا يُعَيَّرُوا / وَهُمْ حُلفَاءُ الصِّدقِ مَهْمَا يُؤَثَّمُوا
إِلَى هَؤلاءِ الخَالِصِينَ طَوِيَّةً / لِمِصْرٍ بِنُصْحٍ خَالِصٍ أَتَقَدَّمُ
بَنِيَّ خُذُوا عَنَّا نَتَائِجَ خُبْرِنَا / لِتَكْتَسِبُوا مَا فَاتَنَا فَتُتَمِّمُوا
عَلَيْكُمْ بِأَشْتَاتِ الْعُلُومِ فَإِنَّهَا / نَجَاةٌ فَإِنْ شَقَّتْ فَلاَ تَتَبَرَّمُوا
تَقَوَّوْا فَمَا حَظُّ الضَّعِيفِ سِوَى الرَّدَى / وَخَيْرُ الْقُوَى خُلْقٌ مَقَوِّمُ
أًعِينُوا أخَاكُمْ لاَ عَلَى غَيْرِ طَائِلٍ / وَمَنْ كَانَ لاَ يُرْجَى فَمَا هُوَ مِنْكُمُ
تَوَاصَوْا بِحُسْنِ الصَّبْرِ فَالْفَوْزُ وَعْدُهُ / وَلاَ تَبْتَغُوا مَا لاَ يُرَامُ فَتَنْدَمُوا
وَلاَ تُسْتَفَزُّوا فِي إِجَابَةِ دَعْوَةٍ / فَحَيْثُ أَجَبْتُمْ أَقْدِمُوا ثُمَّ أقْدِمُوا
ذَرُوا كُلَّ قَوْلٍ فَاقِدِ النَّفْعِ جَانِباً / وَمُدُّوا مَجَالَ الْفِعْلِ ذَلِكَ أحْزَمُ
وَلاَ تَتَوَخَّوْا لَذَّةً فِي مُحَرَّمٍ / فَشَرُّ مُبِيدٍ لِلشُّغُوبِ المُحَرَّمُ
فَإِمَّا تَكَامَلْتُمْ كَمَا نَبْتَغِي لَكُمْ / فَتِلْكَ المُنَى تَمَّتْ وَذَاكَ التَّقَدُّمُ
وَيَومَئِذٍ تَعْتَزُّ مِصْرٌ بِأَهْلِهَا / وَتَسْعَدُ مَا شَاءَتْ وَتَعْلُو وَتُكْرَمُ
إِلَى أَهْلِهَا تَنْعَى النُّهَى وَالعَزائِمُ
إِلَى أَهْلِهَا تَنْعَى النُّهَى وَالعَزائِمُ / فَتىً فَوْقَ مَا تَهْوَى العُلَى وَالْعَظَائِمُ
بِبَنِيْكَ إسْمَاعِيلُ غُيِّبَ شَارِقٌ / وَقُوِّضَ بُنْيَانٌ وَأُغْمِدَ صَارِمُ
عَزيزٌ إلى مِصْرَ المُفَدَّاةِ رُزْؤُهَا / بِأَنْهَضِ مَنْ تَرْجُوهُ وَالخَطْبُ دَاهِمُ
لِوَجْهِكَ رَسْمٌ خَالِدٌ فِي ضَمِيرِهَا / تَدُولُ بِهَا الدُّوَلاتُ وَالرَّسْمُ
فَكَمْ مَوْقِفٍ لِلذوْدِ عَنْهَا وَقَفْتَهُ / تُعَانِي صًرُوفاً جَمَّةً وَتُقَاوِمُ
وَكَمْ هِجْرَةٍ قَدْ ذُقْتَ أَلْوَانَ ضَيْمِهَا / وَأَسْوَغُ مِنْهَا أَنْ تُحَزَّ الغَلاصِمُ
كَفَى شَرَفاً ذِكْرُ القَنَاةِ وَمِرَّة / بَدَتْ مِنْكَ حِينَ البَغْيُ لِلْعُودِ عَاجِمُ
فَكَانَتْ ضُرُوبٌ مِنْ عَذَابٍ بَلَوْتَهَا / ضَمِيرُكَ رَاضِيَهَا وَمَنْ شَاءَ نَاقِمُ
جَرُؤتَ فَنَاجَزْتَ القَضَاءَ مُنَاضِلاً / عَنِ الْحَقِّ لَمْ تَأْخُذْكَ فِيهِ اللَّوائِمُ
قِيَاماً بِفَرْضٍ لِلدِّيَارِ مُقَدَّسٍ / وَهَلْ مَنْ يُؤَدِّي ذَلِكَ الفَرْضَ نَادِمُ
تُخَاصِمُ فِي اسْتِنْفَاذِ إِرْثٍ مُضَيَّعٍ / لِقَوْمٍ غَفَوْا عَنْهُ وَمَنْ ذَا تُخَاصِمُ
فَيَشْكُرُ مَظْلُومٌ كَفَاحَكَ دُونَهُ / بِمَا بِكَ مِنْ حَوْلٍ وَيَشْكُوهُ ظَالِمُ
وَللهِ آيَاتُ الشَّجَاعَةِ وَالفِدَى / إذَا أُوتِيَتْ وَحْيَ العُقُولِ الضَّياغِمُ
لِيَوْمِكَ ذِكْرَى مَا تَقَادَمَ عَهْدُهَا / يَزِيدُ شَجَاهَا عَهْدُهَا المُتَقَادِمُ
بَنُو الأُسْرَةِ الأَنْجَابِ يُزجُونَ ضَحْوَةً / سَريرَ أَبِيهِمْ وَالدُّمُوعُ سَوَاجِمُ
وَلَوْ لَمْ يُرَوا مُسْتَأْثِرينَ بِحَمْلِهِ / لَخَفَّ إِلَيْهِ المَوْكِبُ المُتَزَاحِمُ
وَمَا دَامَ أَهْلُ البَيْتِ يَرْعَى شَبَابُهُمْ / شُيُوخَهُمُ فَالعِزُّ فِي البَيْتِ دَائِمُ
أَقَلُّوكَ مَوْفُورَ الجَلالِ مُبَجَّلاً / وَكُلُّ شَهِيدٍ وَاجِبُ القَلْبِ وَاجِمُ
إِذَ جَاوَزُوا مِصْراً وَ مِصْرٌ أَسِيفَةٌ / تُقَامُ بِهَا حُزْناً عَلَيْكَ المَآتِمُ
غَشُوا بِكَ فِي بُرْدِينَ دَاراً تَنَكَّرَتْ / فَعَامِرُهَا بِالأَمْسِ كَالرَّسْمِ طَاسِمُ
يَجُوبُونَ بِالنَّعْشِ المَعَالِمَ أَصْبَحَتْ / عَلَى غَيْرِ مَا أَمْسَتْ عَلَيْهِ المَعَالِمُ
تَنُوحُ قَمَارِيُّ الجِنَانِ حِيَالَهَا / وَقَبْلاً تَغَنَّتْ فِي ذَرَاهَا الحَمَائِمُ
إِذِ الرَّوْضُ فِيهَا بِالنَّدَى مُتَهَلِّلٌ / وَإِذَ وَجْهُهَا طَلْقٌ مِنَ الأُنْسِ باسِمُ
وَإِذْ يَفِدُ الضَّيفَانُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ / إِلَيْهَا يُلاقِي بَارِحَ الرَّكْبِ قَادِمُ
لَعَمْرِي لَنْ أَنْسَى شخُوصاً شخَصْتُهُ / إِلَيْهَا وَرَبُّ الدَّارِ جَذْلانُ سَالِمُ
بَكَرنَا مَسِيراً وَالغَزَالَةُ تَزْدَهِي / وَلِلْغَيْمِ نَقَّاشٌ بَدِيعٌ وَرَاسِمُ
تَئِن سَوَاقٍ بُحَّ بِالشَّجْوِ صَوْتُهَا / وَيثمَلُ سِرْبٌ حَوْلَهَا مُتَنَادِمُ
وَفِي الرَّوْضِ آيَاتٌ وللنيلَ رَوْعَةٌ / وَوَجْهُ الضُّحَى يَفُتَرُّ وَالطِّيبُ فَاغِمُ
تَجُوزُ الحُقُولَ الخُضْرَ أَبْهَجُ مَا بِهَا / نُجُومٌ مِنَ القُطْنِ الجَنِيِّ نَوَاجِمُ
وَأَبَدَعُ مَا فِيهَا النَّخِيلُ مُقَلَّداً / قَلائِدَ يَاقُوتٍ لَهَا الحُسْنُ نَاظِمُ
نُيَمِّمُ إِسْمَاعِيلَ خَيْرَ مُيَثَّمٍ / بِصَرْحٍ بَنَاهُ مُنْجِبُوهُ القَمَاقِمُ
وَفِي أُسْرَةٍ مِنْ مَاجِدِينَ أَعِزَّةٍ / هُمُ النُّبَلاءُ النَّابِهُونَ الْخَضَارِمُ
فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الَّذِي كَانَ وَالَّذِي / دَهَانَا بِهِ الْيَوْمَ الزَّمَانُ المُرَاغِمُ
دَهَى فِي عَظِيمٍ يَبْدَأُ الذِّكْرُ بِاسْمِهِ / إِذَ عُدَّ في مصر الرِّجَالُ الأَعَاظمُ
كَريَمٌ كَمَا تَهْوَى الْكَرَامَةُ مُسرِفٌ / وَشَهْمٌ كَمَا تَرْضَى الشَّهَامَةُ حَازِمُ
وَفِيٌّ إِذَا مَا انْهَارَ وُدُّ مُمَاذِقٍ / فَمَا اِلَّذِي يَبْنِي مِنَ الْوُدِّ هَادِمُ
فِدَاهُ أُنَاسٌ بِالمَزَاعِمِ أَوْرَقُوا / فَلَمْ يَكُنْ المَحْصُولَ إِلاَّ المَزَاعِمُ
رَقِيقُ حَدِيثٍ كَالمُدَامِ يُدِيرُهُ / فَيَشْجَى بِهِ فَدْمٌ وَيَطْرَبُ عَالِمُ
يَوَد الَّذِي أَلْقَى إِلَيْهِ بِسَمْعِهِ / لَوِ الكَوْنُ نَادٍ وَالشهُودُ الْعَوَالِمُ
خَطِيبٌ حَلاَ أَسْلُوبُهُ وَتَنَوَّعَتْ / فُكَاهَاتُهُ لُطْفاً لِمَا هُوَ رَائِمُ
يَفِيضُ بِسَهْلِ اللَّفْظِ إِلاَّ إذا دَعَا / إِلَى الجَزْلِ قَلبٌ أَغْضَبَتْهُ المَظَالمُ
وَقَدْ عَرَفَتْ مِنْهُ الصَّحَافَةُ كَاتِباً / بَلِيغاً يُحِقُّ وَالبُطْلُ رَاغِمُ
بِمِرْقَمِهِ فَاضَ الْبَيَانُ مَآثِراً / وَمِنْ قَبْلِهِ غَاضَتْ بِهِنَّ المَرَاقِمُ
فَإِمَّا تُثِرْ مِنْهُ الْحَفِيظَةُ ثَائِراً / فَفِي مَجِّهِ مَا لا تَمُجُّ الأَرَاقِمُ
لَهُ فِي تَصَارِيفِ السِّيَاسَةِ قُدْرةٌ / تَرُدُّ عَلَى أَعْقَابِهِ مَنْ يُهَاجِمُ
أَفَانِينُهُ فِيهَا أَفَانِينُ لَيِّنٍ / شَدِيدٍ يُرَادِي عَنْ هُدىً وَيُسَالِمُ
صَفَا ذِهْنُهُ حَتَّى لَيُبْصِرُ فِكْرُهُ / خِلالَ سُجُوفِ الرَّيْبِ مَا الْغَيْبُ كَاتِمُ
بِعَيْنٍ كَعَيْنِ النَّجْمِ لَمْحاً وَيَقْظَةً / لأَيْسَرِ مَا تَنْجَابُ عَنْهُ الغَمَائِمُ
إِذَا أَعْضَلَ الأمْرُ الشَّدَيدُ بَدَا لَهُ / وَلَمْ يَجْهَدِ الحَل السَّدِيدُ المُلائِمُ
يُحَكِّمُ فِيهِ رُشْدَهُ فَهْوَ غَانِمٌ / وَمَنْ لَمْ يُحَكِّمْ رُشْدَهُ فَهْوَ غَارِمُ
فَقَدْ تَخْطَأُ الآرَاءُ وَالْقَلْبُ حَاكِمٌ / وَمَا تَخْطّأُ الآرَاءُ وَالْعَقْلُ حَاكِمُ
وَكَائِنْ تَلَقَّى صَدْمَةَ الدَّهْرِ صَابِراً / كَأَنَّ نَظِيراً لِلنَّظِيرِ يُصَادِمُ
فَمَا زَالَ حَتَّى أَنْجَحَ اللهُ قَصْدَهُ / وَدُونَ الَّذِي يَبْغِي تُفْل اللَّهَاذِمُ
بِقوَّةِ نَفْسٍ يَكْفُلُ النَّصْرَ غِبهَا / وَهَلْ مَعَ ضَعْفِ النَّفْسِ إِلاَّ الهَزَائِمُ
عَزَاءَكُمَا يَا جَازِعَيْنِ عَلَى أَبٍ / تُخَلدُ ذِكَرَاهُ الْعُلَى وَالمَكَارِمُ
جِرَاحُكُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ وَازعُ الْحِجَى / لَهَا آسِياً لَمْ تَشْفِ مِنْهَا المَرَاهِمُ
وَحَسْبُكُمَا أَنَّ البِلادَ بِأَسْرِهَا / تُشَارِكُ فِي بَلْوَاكُمَا وَتُسَاهِمُ
وَأَنَّ شُعُوبَ الشَّرْقِ تَبْكِي دِعَامَةً / تَدَاعَتْ وَلَيْسَتْ بِالكَثِيرِ الدَّعَائِمُ
أَلا إِنَّ هَذَا الشَّرْقَ وَاليَوْمَ بَعْثُه / ليُبْكِيهِ أَلاَّ يَيْقَظَ اليَوْمَ نَائِمُ
سَقَتْ رَمْسَهُ بَيْنَ الضُّلُوعِ مَدَامِعٌ / وَلا أَظْمَأَتْهُ فِي ثَرَاهُ المَرَاحِمُ
بَحَمْدُونُ إِنْ تَنْشَقْ عَلِيلَ نَسِمِيهَا
بَحَمْدُونُ إِنْ تَنْشَقْ عَلِيلَ نَسِمِيهَا / فَإِنَّ شِفَاءَ النَّفْسِ مَا تَتَنَسَّمُ
صَفَا جَوُّهَا فَالشَّمْسُ فِيهِ سَلامَةٌ / تُصَبُّ عَلَى الأَبْدَانِ وَالبَدْرُ بَلْسَمُ
وَرَاقَتْ مَسَاقِيهَا وَطَابَتْ ثِمَارُهَا / فَمَا الْعَيْشُ إِلاَّ صِحَّةٌ وَتَنَعمُ
أَطَلَّتْ مُطَلاًّ فِيهِ لِلْبَحْرِ جَانِبٌ / وَآخَرُ لِلْوَادِي فَلاَ شَيْءَ أَوْسَمُ
أَرَاعَكَ سَيْفٌ فِي الشَّوَاطِيءِ مُلْتَوٍ / مَضَارِبُهُ سُمْرٌ وَسَاحِلُه دَمُ
فَنَجْدٌ إِلَى نَجْدٍ تَسَامَى فَهَضْبَةٌ / إِلَى هَضْبَةٍ وَالطَّوْدُ لِلطَّوْدِ سُلَّمُ
فَأَشْتَاتُ أَلْوَانٍ بِرِفْقِ مِزَاجِهَا / تَرِفُّ وَتَزْهُو أَوْ تَحُولُ وَتَقْتِمُ
يَسُرُّكَ مِنْهَا نَاطِقٌ جَنْبَ صَامِتٍ / وَيُرضِيكَ مُفْشِي السِّرِّ وَالمُتَكَتِّمُ
مَنَاظِرُ وَالمَرْآةُ تُجْلَى حِيَالَهَا / تُريكَ أَفَانِينَ الْحِلَى كَيْفَ تُنْظَمُ
بِأَيِّ جَمَالٍ أَبْدَأَ اللهُ رَسْمَهَا / وَأَيِّ جَلالٍ ذَلِكَ الرَّسْمُ يُخْتَمُ
إِذِ الرَّمْلُ مَشْبُوبُ الْعَقِيقِ وَدُونَهُ / زُجَاجٌ إِلَى أَقْصَى المُحِيطِ مُحَطَّمُ
فَإِنْ رَوِيَتْ مِنْكَ الْجَوَانِحُ بَهْجَةَ / وَأَظْمَأَهَا وِرْدٌ جَدِيدٌ يُيَمَّمُ
جَلَتْ لَكَ حَمَّانَا رَوَائِعَهَا الَّتِي / تَدِقُّ إِلَى الْغَابَاتِ فَنّاً وَتَعْظُمُ
لَكَ اللهُ مِنْ وَادٍ بَدِيعٍ نِظَامُهُ / بِهِ افتَنَّ مَا شَاءَ الْبَدِيعُ المُنَظِّمُ
يُخَيَّلُ لِلرَّائِي جَلالَكَ أَنَّهُ / بِمَا هُوَ رَاءٍ مِنْ جَلالِكَ مُلْهَمُ
وَيَحْسَبُ مَنْ يَرْنُو إِلَيْهِ وَدُونَهُ / أَرَقُّ غِشَاءٍ أَنَّهُ مُتَوَهِّمُ
مَدَارِجُ مِنْ أَدنَى السُّفُوح إِلَى الذُّرَى / يَرُودُ حِلاهَا النَّاظِرُ المُتَسَنِّمُ
جُيُوبٌ بِهَا مِنْ كُلِّ غَالٍ وَفَاخِرٍ / نَفَائِسُ تَغْزُوهَا اللِّحَاظُ فَتَغْنَمُ
إِلَى قِمَمٍ شُمٍّ ذَوَاهِبَ فِي الْعُلَى / يُؤَخِّرُهَا حُسْنٌ وَحُسْنٌ يُقَدِّمُ
تُفيضُ عَلَى الأَغْوَارِ دَرَّ ثُدِيِّهَا / فَتُرْضِعُ خَضْرَاءَ الرِّيَاضِ وَتَرْأمُ
إِذَا مَا تَغَنَّى مَاؤُهَا مُتَحَدِّراً / شَجَانَا وَلَمْ يَفْهَمْ لُغَاهُ مُتَرْجِمُ
جِبَالٌ تَرَامَتْ فِي الفَضَاءِ خُطُوطُهَا / يُرَقِّقُهَا رَسَّامُهَا وَيُضَخِّمُ
أَحَبُّ طِباقٍ فِي البَدِيعِ طِبَاقُهَا / يَرُوعُ النُّهَى مُنْآدُهَا وَالمُقَوَّمُ
وَلا ظَرْفَ إِلاَّ عُطْلُهَا وَمَزِينُهَا / وَلا لُطْفَ إِلاَّ غُفْلُهَا وَالمَنَمْنَمُ
تَدَلَّتْ قُرَاهَا عَنْ رِحَابِ صُدُورِهَا / فَكَمْ عَجَبٍ يَبْدُو لِمَن يَتَوَسَّمُ
أَلا حَبَّذَا تِلْكَ البُيُوتُ وَحَبَّذَا / نَباتٌ جمِيعٌ حَوْلَهَا وَمُقَسَّمُ
بُيُوتٌ بِأَسْبَابِ السَّمَاءِ تَعَلَّقَتْ / لَهَا فِي المَهَاوِي مُسْتَقَرٌّ وَمَجْثَمُ
حِجَارَتُهَا ضَحَّاكَةٌ عَنْ بَيَاضِهَا / وَآجُرُّهَا عَنْ حُمْرةٍ يَتَبَسَّمُ
وَأَشْجَارُهَا تُؤْتِي الزَّكِيَّ مِنَ الْجَنَى / وَأَطْيَارُهَا حَوْلَ الْجَنَى تَتَرَنَّمُ
فَيَا هَذِهِ الْجَنَّاتُ بَيْنَ مِهَادِهَا / وَبَيْنَ الثَّنِيَّاتِ الْجَمَالُ المُتَمِّمُ
أُحَيِّيكِ مِنْ قُرْبٍ وَكَمْ مُتَدَكِّرٍ / عُهُودَكِ مِنْ بُعْدٍ عَلَيْكِ يُسَلَّمُ
إِذَا وَفَرَتْ فِيكِ المَنَافِعُ وَالمُنَى / عَجِبْتُ لِمَنْ يَشْكُو وَمَنْ يَتَألَّمُ
وَإِنْ كَانَ أَهْلُوكَ الأُولَى يَعْرِفُ النَّدَى / عَجِبْتُ لِمَنْ يَرجُو نَدَاهُمْ وَيُحْرَمُ
وَيَا أَيُّهَا الْحَشْدُ الَّذِينَ تَوَافَدُوا / لِبِرٍّ تَمَلُّوْا نِعْمَةَ الْعَيْشِ وَاسْلَمُوا
هُوَ الرِّفْقُ بِالضَّعْفَى وَأَيُّ مَبَرَّةٍ / عَلَى اللهِ مِنْ هَذِي المَبَرَّةِ أَكْرَمُ
أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ قُرَّةَ العَيْنِ تَنْقَعُوا / غَلِيلاً بِهِ أَحْشَاؤُهُمْ تَتَضَرَّمُ
وَمَا مِنْكُمُ مَنْ يُسْتَعَانُ بِفَضْلِهِ / عَلَى الدَّهْرِ آناً بَعْدَ آنٍ فَيسْأَمُ
هَنِيئاً لَكُمْ أَنَّ المُرُوءةَ قَدْ دَعَتْ / إِلَى وَاجِبٍ أَبْنَاءهَا فَأَجَبْتُمُ
جَمِيلٌ تَبَارَتْ فِيهِ كُلُّ جَمِيلَةٍ / تَرِقُّ لِمَنْ جَافَى الْقَضَاءُ وَتَرْحَمُ
قَلائِلُ فِينَا وَالشُّرُورُ كَثِيرةٌ / تُقَوِّضُ مِنْ أَخْلافِنَا وَتُهْدِّمُ
تَشَبَّهْنَ إِحْساناً وَطُهْراً بِمَرْيَمٍ / وَهَيْهَاتَ مَا كُلُّ الْعَقَائِلِ مَرْيَمُ
بِرَغْمِ المَعالِي أَنَّكَ اليَوْمَ نَائِمُ
بِرَغْمِ المَعالِي أَنَّكَ اليَوْمَ نَائِمُ / لِغَيْرِ غَدٍ تَرْجُوهُ مِنْكَ العَظَائِمُ
تَوَلَّيْتَ مُحْمُوداً بِمَا يَفْرضُ النَّدَى / لِمَجْدِكَ مِنْ حَقٍّ وَتَقْضِي العَزَائِمُ
أَلا يا لَقَلْبِي مِنْ طَوَارئِ دَهْرِهِ / وَمِمَّا تُجِدُّ الحَادِثَاتُ الدَّوَاهِمُ
أَفِي الحَقِّ أَنِّي لا أَرَى اليَوْمَ أَحمدا / مُقِيماً وَهَذَا قَصْرُ أَحْمَدَ قَائِمُ
وَأني إِذَا مَا رُمْتُ رِيّاً لِظَمْأَتِي / إِلَى مُلْتَقَاهُ عَزَّ مَا أَنَا رَائِمُ
وَأَنِّي بلا سَلوَى سِوَى مَا يُعِيدُهُ / لِيَ الفِكْرُ يَقَظَاناً كَأَنِّي حَالِمُ
مَلأْتُ عُيونِي أَمْسِ مِنْهُ نَضارَةً / وَلِلْبِشْرِ نُورٌ فِي مُحَيَّاهُ بَاسِمُ
فَكَانَ التَّلاقِي أَمْسِ أخِرَ عَهْدِنَا / وَلَمْ يَكُ فِي الحِسبَانِ مَا الغَيْبُ كَاتِمُ
تَوَلَّى السَّرِيُّ السَّمْحُ أَيَّامَ سَاْمِهِ / وَذُو المِرَّةِ القَهَّارُ حَينَ يُصَادِمُ
تَوَلَّى مُجِيبُ العَزْمِ إِنْ تَدْعُهُ العُلَى / وَذُو الرَّأْيِ إِذْ تَغْشَى الصرُوفُ الغَوَاشمُ
وَلَكِنَّ مِنْ أَبْنَائِهِ خَلَفاً لَهُ / يُرَجَّى وَفَضُلُ الله فِي البَيْتِ دَائِمُ
هُمُ الزَّهَرُ النَّامِي وَإِنَّ خَلِيفَة / لِيَكْلأُهُمُ حَتَّى تُشَقُّ الكَمَائِمُ
رَعَتْهُ بِإِسْعَادٍ عِنَايَةُ رَبِّهِ / وَجَادَتْ ثَرَى ذَاكَ الفَقِيدِ المَرَاحِمُ
بِنَاءُ لآلِ الصَّيْدَنَاوي حَقَّقُوا
بِنَاءُ لآلِ الصَّيْدَنَاوي حَقَّقُوا / بإِنْشَائِهِ مَعنَى المُرُوءةِ وَالحَزْمِ
عَلَى الخَيرِ مَوقُوفٌ وَبِالبِرِّ قَائِمٌ / لِقَصْدَينِ تَثقِيفُ العزيزة وَالحِلمِ
إِلَى قَوْمِهِمْ أَسْدُوا جمِيلاً مُؤرَّخاً / بِمَا شَيَّدُوهُ لِلْفَضِيلَةِ وَالعِلْمِ
رَمَى الجَاهِلُ البَاغِي فَأَوْدَى بِجَارِهِ
رَمَى الجَاهِلُ البَاغِي فَأَوْدَى بِجَارِهِ / تَوَهمَ أَنَّ اللهَ بِالشَّرِّ يُخْدَمُ
فمَا قَوْلُكُمْ فِي مُصْلِحٍ صُنْعَ رَبِّهِ / وَحِكْمَتُهُ قَوْسٌ وَمَغْزَاهُ أَسْهُمُ
أَيَنْقُضُ حَرْباً لَمْ يَرَ اللهُ نَقْصَهُ / وَيَنْمِي عَدِيدَ وَاللهُ مُرغَمُ
أَلا أَيُّهَا الجَّانِي عَلَى نُظَرَائِهِ / وَإِخْوَتِهِ سَاءَ الَّذِي تَتَوَهَّمُ
أَخَاكَ فَأَحْبِبْهُ بِأَنَّكَ نَاصِرٌ / لِعِيسَى وَسَالِمْهُ بِأَنَّكَ مُسْلِمُ
وَإِلاَّ فَأَيَّاً كَانَ دِينُكَ لَمْ تَكُنْ / مُجَاهِدَ حَرْبٍ إِنَّمَا أَنْتَ مُجْرِمُ
أَيُقْبِلُ يَوْمٌ تَنْتَفِي مِنْ نُفُوسِنَا / ضَغَائِنُ تَخْبُو حِقْبَةً ثُمَّ تُضْرَمُ
وَقَفْنَا بِهَا مُسْتَأْخِرِينَ لِضِعْفِنَا / وَأَدْنَى البَرَايَا دُونَنَا تَتَقَدَّمُ
سِوَى الْحُبِّ لا تَشْفِي الْفُؤَادَ المُكَلَّمَا
سِوَى الْحُبِّ لا تَشْفِي الْفُؤَادَ المُكَلَّمَا / وَلا يَهْنِيءُ وَإِنْ كَانَ مُؤْلِمَا
وَمَا زَالَ ذُو الْقَلْبِ الخَلِّيِ مِنَ الهَوَى / كَظَمْآنَ لا يُرْوِي لَهُ مَوْرِدٌ ظَمَا
هُوَ الْدَّهْرُ كَالتَّيَّارِ يَكْتَسِحُ الْوَرَى / بِلَيْلٍ مِنَ الأَحْدَاثِ أَعْكَرَ أُهْيَمَا
فَمَا أَجْدَرَ الْقَلْبَيْنِ فِيهِ تَلاقَيَا / عَلَى سِقْوَةٍ أَنْ يَسْلُوهَا وَيَنْعَمَا
كَمَا يَتَلاقَى فِي طَرِيقٍ مَخُوفَةٍ / غَرِيبَانِ نَالَتْ شُقَّةُ السَّيْرِ مِنْهُمَا
وَكَمْ عَاشِقٍ يَسْلُو رَزَايَاهُ بِالْهَوَى / وَقَدْ يَجْتَلِي وَجْهَ النَّعِيمِ تَوَهُّمَا
كَسَالِكِ وَعْزٍ رَاقَهُ حُسْنُ كَوْكَبٍ / فَأَرْجُلُهُ تَدْمَى وَعَيْنَاهُ فِي السَّمَا
فَإِنْ نَالَهُ فِي الحُبِّ خَطْبٌ فَإِنَّهُ / لَيَقْضِي خَلِيفاً أَنْ يَمُوتَ فَيَسْلَمَا
عَفَا الله عَنْ صَبٍّ شَهِيدِ غَرَامِهِ / أَصَابَ جِرَاحاً حَيْثُمَا ظَنَّ مَرْهَمَا
فتى كَانَ ذَا جَاهٍ وَعِلْمٍ وَفِطْنَةٍ / كَرِيمَ السَّجَايَا مُسْتَحَبّاً مُكَرَّمَا
وَلَكِنْ لِكُلٍّ حَيْثُ جَلَّتْ سُعُودُهُ / شَقَاءٌ يُوَافِيهِ أَّجَلَّ وَأَعْظَمَا
سَبَتْ لُبَّهُ أَسْمَاءُ مُنْذُ احْتِلامِهِ / فَكَانَ الْهَوَى يَنْمُو بِهِ كُلَّمَا نَمَا
تَعَلَّقَهَا حُوريَّةً حَصَرِيَّةً / يَكَادُ يَكُونُ النُّورُ مِنْهَا تَبَسُّمَا
تَرَاءتْ مَعَانِيهَا بِمِرْآةِ قَلْبِهِ / فَثَبَّتَهُا فِيهَا الْغَرَامُ وَأَحْكَمَا
لَهَا شَعَرٌ كَاللَّيْلِ يَجْلُو سَوَادَهُ / بَيَاضُ نَهَارٍ يَبْهَرُ المُتَوَسِّمَا
وَعَيْنَانِ كَالنَّجْمَيْنِ فِي حَلَكِ الدُّجَى / هُمَا نِعْمَةُ الدُّنْيَا وَشِقْوَتُهَا سُمَا
وَأَهْدَابُ أَجْفَانَ تَخَالُ أَشِعَّةٌ / مُصَفَّفَةً غَرَّاءَ تُعْكَسُ عَنْهُمَا
ومُنْفَرِجٌ مِنْ خَالِصِ الْعَاجِ مَارِنٌ / كَأَنَّ الْهَوَى قَدْ بُثَّ فِيمَا تَنَسَّمَا
تُبَالِغُ فِيهِ الْحَاسِدَاتُ وِشَايَةً / وَمَا حُجَّةُ الْوَاشِي إِذَا الْحَق أَفْحَمَا
فَرُبَّ سَوِيٍّ عُدَّ عَيْباً بِمَوْضِعٍ / وَفِي غَيْرِهِ لِلْحُسْنِ كَانَ مُتَمِّمَا
وَرُبَّ غَرِيبٍ فِي المَلامِحِ زَانَهَا / وَكَانَ بِهَا مِنْ مُحْكَمِ الوَضْعِ أَوْسَمَا
وَثَغْرٌ كَمَا شَفَّتْ عَنِ الرَّاحِ كَأْسُهَا / يُتَوِّجُهَا رُدُّ الْحَبَابِ مُنَظَّمَا
وَخَصْرٌ إِلَيْهِ يَنْتَهِي رَحْبُ صَدْرِهَا / وَقَدْ دَقَّ حَتَّى خِيلَ بِالثَّوْبِ مُبْرَمَا
فَإِنْ أَقْبَلَتْ فَالغُصْنُ أَثْقَلَهُ الْجَنَى / فَمَالَ قَلِيلاً وَاسْتَوَى مُتَقَوِّمَا
تَعَلَّقَهَا غِرّاً لَعُوباً مِنَ الصِّبَا / فَمَا شَبَّ إِلاَّ رَاحَ وَلْهَانَ مُغْرَمَا
وَلازَمَهَا كَالظِّلِّ غَيْرَ مُفَارِقٍ / مَشُوقاً عَلَى كَرِّ اللَّيَالِي مُتَيَّمَا
وَكَانَتْ عَلَى الأَيَّامِ تَزْدَادُ بَهْجَةً / وَيَزْدَادُ إِعْجَاباً بِهَا وَتَهَيُّمَا
وَكَانَ عَلَى جَهْلٍ يَعِيشُ بِحُبِّهَا / وَبِالأَمَلِ المَدْفُونِ فِيهِ تَكتَمَا
يُسَرُّ سُرُورَ الطِّفْلِ بِالأُمِّ إِنْ دَنَتْ / وَيَبْكِي إِذَا بَانَتْ كَطِفْلٍ تَيَتَّمَا
وَلَمْ تُدْنِهِ غَضَّ الشَّبَابِ فَيَشْفِي / وَلَمْ تُقْصِهِ قَبْلَ الشَّبَابِ فيُفْطَمَا
فَكَاتِبَهَا يَشْكثو إِلَيْهَا عَذَابهُ / وَيَرْجُو ذَلِيلاً أَنْ تَرِقَّ وَتَزْحَمَا
وَلَكِنْ جَفَتْ فَانْدَكَّ مَعْقِلَ صَبْرِهِ / وَأَعْياهُ دَفْعُ اليَأْسِ عَنْهُ فَسَلَّمَا
لأَيَّ المُلُوكِ الصِّيدِ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ / كَبُرْجٍ وَمَا الأَبْرَاجُ مِنْهُ بِأَفْحَمَا
تَمَنْطَقَ مِنْ أَنْوَارِهِ بِعَقَائِقٍ / وَقُلِّدَ فَوْقَ الرَّأْسِ دُرّاً وأَنْجُمَا
نَعمْ هُوَ لِلْمُلُوكِ عَتِيقَةٌ / وَلَكِنْ غَدَتْ لِلفُحْشِ دَاراً وَبِئْسَمَا
حَبَاهُ أَمِيرٌ غَاشِمٌ لأَسَافِلٍ / بِعِرْضٍ تَوَلاَّهُ وَرُدَّ مُثَلَّمَا
كَذَا يَفْعَلُ الطَّاغِي المُطَاعُ فَإِنَّهُ / لَيَفْتُكُ مَحْموداً وَيَسْلِبُ مُنْعِمَا
بِنَاءٌ بِمَالِ النَّاسِ قامَ جِبَايَةً / وَلَوْ ذَوَّبُوا تَذْهِيبَهُ لَجَرَى دَمَا
هُنَالِكَ أَنْوَارٌ شَوَائِمُ لِلدجَى / رَوَامٍ بِهَا مَدْحُورةً كُلَّ مُرْتَمَى
جَواعِلُ أَيَّامِ الَّذِي هنَّ لَيْلهُ / نَهَاراً طَوِيلاً لا يُرَى مُتَقَسِّمَا
يُعَظِّمْنَهُ عَنْ أَنْ يَمُرَّ زَمَانُهُ / مُنَاراً كَحُكْمِ اللهِ وَالبَعْضُ مُظْلِمَا
إِذَا خِشِيَ الْجَانِي لِقَاءَ ضَمِيرِهِ / أَدَالَ مِنَ اللَّيْلِ المَصَابِيحَ وَاحْتَمَى
مَصَابِيحُ يَسْتَعْدِي بِهَا مَنْ يُضِيئُهَا / عَلَى ظُلُمَاتِ اللَّيْلِ أَوْ تَتجَرَّمَا
هُنَالِكَ إِطْعَامٌ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا / يَخُصُّ بِهِ مَنْ كَانَ لِلْحَقِّ أَهْضَمَا
وَمَنْ جُمْهُورٌ تَخَالُ رِجَالَهُمْ / نِسَاءٌ مُحَلاَّةً وَنِسْوَتَهُمْ دُمَى
يَمِيلُونَ مِنْ فَرْطِ المَسَرَّةِ نَشْوَةً / وَيُنْشِدُ كُلٌّ مِنْهُمُ مُتَرَنِّمَا
فَيَا أَيُّهَا الْعَافِي المُلِمُّ بِدَارِهِمْ / رُوَيْدَكَ لا تَغْبِطْ غَنِيّاً مُذَممَا
أَيُغْبَطُ مَنْ جَادَتْ يَدَاهُ بِعِرْضِهِ / لِمَا أَنَّهُ أَثْرَى بِذَاكَ فَأَكْرِمَا
وَمَنْ يَلْتَمِسْ رِزْقاً وَهَذَا سَبِيلُهُ / فَأَخْلِقْ بِهِ أَنْ يُسْتَهَانَ وَيُرْجَما
هَنِيئاً لَكَ الإِعْسَارُ وَالعِرْضُ سَالِمٌ / وَكُنْ مَا يَشَاءُ اللهُ جَوْعَانَ مُعْدِمَا
تَرقَّبْ عِقَابَ اللهِ فِيهِمْ هُنَيْهَة / تَجِدْ عِيدَهُمْ هَذَا تَحَوَّلَ مَأَتْمَا
كُلوا وَاشْرَبُوا مَا لَذَّكُمْ وَحَلالَكُمْ / وَفُضُّوا زُجَاجَ السَّلْسَبِيلِ المُخَتَّمَا
وَطُوفُوا سُكَارَى رَاقِصِينَ وَأَنْشِدُوا / وَلا تَسْمَعُوا صَوْتَ الضَّمِيرِ مُؤَثِّمَا
فَمَا هِيَ إِلاَّ لَحْظَةٌ ثُمَّ يَنْقَضِي / فَسُرُّوا بِهَا مَا تَسْتَطِيعُونَ رَيْثَمَا
وَمَنْ أَمْكَنَتْهُ فُرْصَةٌ غَيْرَ عَالِمٍ / بِمَا بَعْدَهَا فَلْيَنْهَبِ الصَّفْوَ مَغْنَمَا
وَلأَغْوِي عِبَادَ اللهِ أَسْمَاءُ وَابْذُلِي / لِحَاظَكِ آلاءً وَإِنْ كُنَّ أَسْهُمَا
مُحِبُّوكِ كُثْرٌ وَالأَبَرُّ مُعَاقبٌ / وَمَنْ بَرَّ بِالحَسْنَاءِ عُوقِبَ مُجْرِمَا
يُحِبُّكِ حَتَّى أَنْتِ مَعْنَى حَيَاتِهِ / إِذَنْ هُوَ أَوْلَى أَنْ يُسَاءَ وَيُظْلَمَا
وَمَهْمَا يَجِدَّ الوَجْدُ فِيهِ فَبَالِغِي / بِهَزْلِكِ حَتَّى تَقْتُلِيهِ تَهَكُّمَا
فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الرَّجَاءَ مُضَيَّعٌ / وَأَنَّ مَنَارَ بَانَ وَأَعْتَمَا
مَضَى يَتَمَشَّى فِي الْحَدِيقَةِ مُغْضَباً / يَكَادُ الأَسَى فِيهِ يُثِيرُ جَهَنَّمَا
يَرُوحُ وَيَغْدُو خَائِفاً ثُمَّ رَاجِياً / وَيَبْكِي حَزِيناً آسِفاً مُتَوَجِّمَا
تُشَاكَ بِمَرْأَى ذَلِكَ الرَّوْضِ عَيْنُهُ / وَيَحْسَبُ فِيهِ سَائِغَ الماءِ عَلْقَمَا
فَيَا لَعِقَابِ الفَرْعِ وَالأَصْلُ قَدْ جَنَى / لِيَغْدُوَ أَنْكَى مَا يَكُونُ وَأَصْرَمَا
يَقُولُ أَسِيفاً لَيْتَنِي كُنْتُ مُدْقِعاً / مِنَ الفَقْرِ لَمْ أَمْلِكْ رِدَاءً وَمَطْعَمَا
وَيا لَيْتَنِي أَقْضِي نَهَارِي مُتْعَباً / وَأَحْسُدُ فِي اللَّيْلِ الأَصِحَّاءِ نُوَّمَا
وَيَا لَيْتَنِي شَيْخٌ ضَئِيلٌ مُحَدَّبٌ / أَسِيفٌ عَلَى عَهْدٍ حَبِيبٍ تَقَدَّمَا
إِذَنْ كَانَ هَذَا العَيْشُ كَأْساً مَسُوغَةً / بِصَبْرِي أُحَلِّيهِ وَإِنْ يَكُ عَلْقَمَا
أَيَنْفَعُنِي جَاهِي وَعِلْمِي وَفِطْنَتِي / وَهَلْ عَصَمَتْ قَبْلِي سِوَايَ فَأُعُصَمَا
وَلَكِنْ أَرَى أَنَّ المَذَاهِبَ ضِقْنَ بِي / وَأَنَّ مَمَاتِي قَدْ غَدَا مُتَحَتِّمَا
وَإِنْ يَرْمِني بِالجُبْنِ قَوْمٌ فَإِنَّنِي / رَأَيْتُ اتِّقَاءَ الضَّيْمِ بِالمَوْتِ أَحْزَما
إِذَا اشْتَدَّ غَلْيٌ فِي إِنَاءٍ فَمَا الَّذِي / يُعَابُ عَلَيْهِ إِنْ وَهَى وَتَحَطَّمَا
وَإِن رَزَحَ الْحَمَّالَ مِنْ وِقْرِ حِمْلِهِ / أَيُلْقِيهِ عَنْهُ أَمْ يُطَاوِعُ لُوَّمَا
فَلَمَا انْتَهَى أَوْرَى الزِّنَادَ مُسَدَّداً / إِلَى قَلْبِهِ فَانْحَطَّ بِالدِّمَا
كَأَنَّ بِنَاءً رَاسِخاً فِي مَكَانِهِ / هَوَى بِشهَابٍ مُحْرِقٍ وَتَهَدَّمَا
كَأَنَّ الْجَمَادَ النَّاضِحَ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ / سَمِيعاً بَصِيراً مُدْرِكاً مُتَكَلِّمَا
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمٌ هُنَاكَ وَلا نُهىً / وَلَمْ يَكُ فَضْلٌ يُسْتَفَادُ مُيَمَّمَا
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ حُبٌّ فَصَدُّ حَبِيبَةٍ / فَيَأْسٌ كَبُرَكَانٍ يَثُورُ تَضَرُّمَا
فَمَوْتُ بَرِيءٍ حَيْثَمَا بَاتَ جَدُّهُ / أَثِيمَاً بِأَمْوَالِ الْعِبَادِ مُنَعَّمَا
سَلامٌ عَلَيْكُمْ وَالْفُوَادُ المُسَلِّمُ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ وَالْفُوَادُ المُسَلِّمُ / وَيَا حَبَّذَا هَذَا المَكَانُ المُيَمَّمُ
بَنِي مَنْبِتِي شُكْراً لَكُمْ وَإِجَابَةً / إِلَى سُؤْلِكُمْ مَا شَاءَ فَلْيَأْمَرِ الدَّمُ
وَلَكِنَّنِي إِنْ تَأْذَنُوا لِي سَائِلٌ / عَلامَ الْتَمَسْتُم شاعراً يَتَرَنَّمُ
أَيُطْرِبُكُمْ نَظْمُ الْخَيَالِ وَهَلْ لَهُ / قِوَامٌ بِهِ عِنْدَ الْفِعَالِ يُقَوَّمُ
أَمِ المَدْحُ تَسْتَوْفُونَنِي مِنْهُ قِسطَكُمْ / فَحُبَاً لَكُمْ مَنْ يَخْدُمُ الخَيْرَ يُخْدَمُ
سَأَمْدَحُ هَذَا الْعِقْدَ مِنْكُمْ بِأَنَّهُ / عَدَتْهُ الْعَوَادِي وَهْوَ لا يَتَفَصَّمُ
وَأَشْكُرُ مِنْكُمْ أَنَّكُمْ لائْتِلافِنَا / غَرَسْتُمْ رَجَاءً وَهْوَ يَنْمُو وَيَعْظُمُ
وَأَدْعُو لَكُمْ أَنْ يُقْتَدَى بِمِثَالِكُمْ / فَيُبْعَثَ فِينَا مَجْدُنَا المُتَصَرِّمُ
عَلَى أَنَّنِي أَرْجُو اغْتِفَارَ صَرَاحَتِي / إِذَا أَنَا آثَرْتُ الْحَقَائِقَ تُعْلَمُ
فَفِي جَنْبٍ مَا قَدْ سَرَّنَا مِنْ أُمُورِكُمْ / حَوَادِثُ مِلْءُ الشَّرْقِ تُبْكِي وَتُؤْلِمُ
وَتَاللهِ إِنِّي مِنْ مُقَامِي بَيْنَكُمْ / أَرَى الشَّرْقَ يُلْقِي السَّمْعَ وَهْوَ مُكَلَّمُ
أَرَى الشَّرْقَ يَدْمَى مُسْتَمِدّاً لِجُرْحِهِ / أَساً وَمُؤَاسَاةً بِنُصْحٍ يُقَدَّمُ
أَرَى فِيهِ آفَاتٍ لَنَا مِنْ ذُنُوبِهَا / نَصِيبٌ فَإِنْ نَعْرِفْهُ ذَلِكَ أَحْزَمُ
لِيَصْدُرْ هُدىً عَنْكُمْ يَعُمُّ بِلادَكُمْ / فَقَدْ آنَ لِلنُّزَّاقِ أَنْ يَتَحَمَّلُوا
وَلا يُعْتَرَضْ قَصْدِي بِضَعْفٍ كِفَايَتِي / فَصَوْتُ النُّهَى مِنْ حَيْثما جَاءَ يُكْرَمُ
بَنِي الشَّرْقِ فَلْنَفْقَهْ حَقِيقَةَ حَالِنَا / لِنَنْجُوَ أَوْ يُقْضَى الْقَضَاءُ المُحَتَّمُ
يَصُولُ عَلَيْنَا الجَهْلُ غَيْرَ مُدَافِعٍ / بِجَيْشٍ لَهُ فِي كُلِّ رَبْعٍ مُخَيَّمُ
وَيُعْوِزُنَا الإِخْلاصُ فِي كُلِّ مَطْلَبٍ / وَيُعْوِزُنَا الْحُلْقُ المَتِينُ المُقَوَّمُ
وَتَرْتَاحُ دُونَ الصِّدْقِ وَالصِّدْقُ مُتْعِبٌ / إِلَى الإِفْكِ عَمَّا لا نُكِنُّ يُتَرْجَمُ
وَنَعْزِمُ عَزْماً كُلَّ يَوْمٍ فَيَنْقَضِي / بِلا أَثَرٍ مَن لَمْ يُطِقْ فِيمَ يَعْزِمُ
هِمَامَاتُ آمالٍ بِهَا الْكَوْنُ ضَائِقٌ / وَرَنَّاتُ آلامٍ بِهَا الْجَوُّ مُفْعَمُ
وَمَا تَحْتَهَا إِلاَّ رُؤًى مِنْ فَرَاغِهَا / طَغَتْ وَمُنىً مِنْ وَهْيِهَا تَتَكَهَّمُ
أَهَذَا الَّذِي نَعْتَدُّهُ عَنْ تَيَقُّظٍ / إِصلاحِنَا الْمَرْجُوِّ أَمْ نَحْنُ نَحْلَمُ
أَإِنْ تَصْطَخِبْ مِنَّا النُّفُوسُ وَتَضطَرِبْ / لِخَطْبٍ تَخَلْ أَنَّا أَمِنَّا فَنَجْثُمُ
أَفِي ظَنِّكُمْ أَنَّ الْمُحَاقَ يُزِيلُهُ / عَزِيفٌ بِآلاتٍ وَغَوْغَاءُ تَنْأَمُ
أَشَرْطُ الْمَعَالِي أَنْ نَقُولَ بِوِدِّنَا / وَيُمْنَعَ إِزْمَاعٌ وَيُحْبَسُ دِرْهَمُ
إِلَى أَيِّ حِينٍ فِي وَنًى وَتَقَاعُسٍ / تُدَفِّعُنَا الدُّنْيَا أَمَاماً وَنُحْجِمُ
إِلَى أَيِّ حِينٍ فِي قِلًى وَتَخَاذُلٍ / وَشَمْلٍ شَتِيتٍ وَالْعِدَى تَتَحَكَّمُ
إِلَى أَيِّ حِينٍ وَالصُّرُوفُ زَوَاجِرٌ / نَعِيشُ كَمَا يَقْضِي عَلَيْنَا التَّوَهُّمُ
بِنَا مِنْ جِوَارِ المَوْتِ بَرْدٌ نُحسُّهُ / فَإِنْ نَتَدَفَّأْ فَالْمَجَامِرُ أَنْجُمُ
ويُوشِكُ أَنْ تَهْوَى الزكَامَ سِرَاتُنَا / فَهَلْ عُذْرُهُمْ أَنَّ الشَّوَامِخَ تُزْكَمُ
شُمُوخٌ بِلا مَعْنًى وَطَيْشٌ بِلا مَدًى / وَبَيْنَهَا أَمْصَارُنَا تَتَهَدَّمُ
نُحَارِبُ هَذَا الْغَرْبَ فِكْراً وَنِيَّةً / وَيَضْحَكُ منَّا وَالْحَصَافَةُ تَلْطِمُ
مِنَ الْغَرْبِ مَا نُكْسَى لِنَسْتُرَ عُرْيَنَا / وَمِنْهُ شَرَابٌ نَصْطَفِيهِ وَمَطْعَمُ
وَمِنْهُ مُعِدَّاتُ الْجِلادِ الَّتِي بِهَا / نُدَافِعُ عَنَّا مِنْهُ مَنْ يَتَقَحَّمُ
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ لِلْعِلْمِ آيَةٌ / وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ فَنٌّ مَتَمَّمُ
إِذَا جَاءنَا طَيَّارُهُ كَشَفَ الْعِدَى / وَإِلاَّ اسْتَنَرْنَا الْيَأْسَ وَالْجَوُّ مُظْلِمُ
وَسِيَّانَ فُزْنَا أَوْ عَجَزْنَا فَإِنَّنَا / لَنَغْرَمُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْغَرْبُ يغنَمُ
إِذَا مَا شَقِينَا فِي مُعَادَاةِ بعْضِهِ / فَبَاقِيهِ يَجْبِي المَالَ مِنَّا وَيَنْعَمُ
وَلَسْنَا عَلَى شَيْءٍ سِوَى شَهَواتِنَا / عَكَفْنَا عَلَيْهَا لا نَغَصُّ وَنَبْشَمُ
قرَانَا قُرَى التُّجَّارِ مِنْهُمْ وَأَهْلُهَا / عَلَى كُلِّ حَرْثٍ لِلْمُرَابِينَ قُوَّمُ
نَقَائِضُ فِينَا لَمْ لأُعَدِّدْ جِسَامَهَا / وَلَكِنَّنِي عَدَّدْتُ مَا هُوَ أَجْسَمُ
فَإِنْ بَقِيتَ فَهْيَ التَّأَخُّرُ لَمْ يَزَلْ / وَإِنْ تُقْلِعُوا عَنْهَا فَذَاكَ التَّقَدُّمُ
عَذِيري مِنْ قَلْبِي وَشِدَّةِ بَثِّهِ / وَلَكِنَّهُ يَهْوَى فَلا يَتَكَتَّمُ
فَيَا فِئَةً عَزَّتْ بِفَضْلِ اتِّحَادِهَا / وَكَانَ لَهَا الإِحْسَانُ نِعْمَ الْمُتَمِّمُ
ذَكَرْتُ لَكُمْ فِي الْقُرْبِ بَعضَ عُيُوبِنَا / لِيَفْهَمَهُ فِي الْبُعْدِ مَنْ لَيْسَ يَفْهَمُ
أَقِيمُوا عَلَى هَذَا اْلإِخَاءِ وَعَلِّمُوا / فَضَائِلَهُ فِي الشَّرْقِ مَنْ يَتَعَلَّمُ
أَحَب إِلَى الأَوْطَانِ أَدْنَى جِهَادِكُمْ / مَنْ الآي نَثْراً وَالأَعَاجِيبِ تُنْظَمُ
لِكِيرَللسِ المِفْضَالِ رَاعِي رُعَاتِنَا
لِكِيرَللسِ المِفْضَالِ رَاعِي رُعَاتِنَا / مَنَاقِبُ أَعْلامِ الهُدَى وَأُولِي العَزْمِ
تَعَهَّدَ هَذَا الصَّرْحَ بَعْدَ دُثورِهِ / فَجَدَّدَهُ مُسْتَكْمِلُ الوَضْعِ وَالرَّسْمِ
يُطَاوِلُ أَبْرَاجَ السَّمَاءِ وَتَنْجَلِي / بِتَارِيخِهِ شَمْسُ الفَضِيلَةِ وَالعِلْمِ
مضَى عَصْرُ الرِّجَالِ الأَعَاظِمِ
مضَى عَصْرُ الرِّجَالِ الأَعَاظِمِ / وَأَوْحَشَ مِنْهُمْ أُنْسُ تِلْكَ المعَالِمِ
معَاهِدُ فِي بَيْرُوتَ لِلعِلْمِ عُطُّلَتْ / وَأَيَّمُهَا كَانَتْ بِهِمْ كَالمَوَاسِمِ
تَوَلَّوا سِرَاعاً كَاتِبٌ إِثْرَ كَاتِبٍ / وَبَانُوا تِباعاً عَالِمٌ إِثْرَ عَالِمِ
فَوَا حَرَّ قَلْباً أَيْنَ فِيهِمْ مُهَذِّبِي / وَأَيْنَ رَفِيقِي فِي الصِّبَا وَمُخَالِمِي
عِمَادٌ بِصَرْحِ المَجْدَ قَامُوا فَقُوِّضُوا / دِرَاكاً وَدُكَّ اليَوْمَ آخِرُ قَائِمِ
هَوَى العَلَمُ الفَرْدُ الَّذِي كَانَ بَعْدَهُمْ / عَزَاءً لأَرْبَابِ النُّهَى وَالعَزَائِمِ
أُقَلِّبُ طَرْفِي حَيْثُ كَانُوا فَلا أَرَى / بِهِ غَيْرَ أَنْقَاضِ الذُّرَى وَالدَّعَائِمِ
وَأُنْكِرُ فِي وَجْهِ البَقَاءِ عُبُوسُةً / تُوَارِي سَنَى تِلْكَ الوُجُوهِ البَوَاسِمِ
حَقَائِقُ مَرَّتْ بِالحَيَاةِ هُنَيْهَةً / كَمَا مَرَّتِ الأَوْهَامُ فِي ذِهْنِ وَاهِمِ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ مَا الذِّكُرُ حَافِظٌ / إِلَى أَجَلٍ عَنْ عَهْدِهَا المُتَقَادِمِ
وَرَسْم يَرَى الأَعْقَابَ فِيهِ دَلالَةً / عَلَى دِقَّةِ التَّمْثِيلِ فِي صُنْعِ رَاسِمِ
إِذَا جَسَّمُوهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَلالِهِ / سِوَى شَبَهً لِلشَّخْصِ أَغْبَرَ قَاتِمِ
يَلُوحُ بَعِيداً وَهْوَ دَانٍ كَأَنَّهُ / تَأَوُّبُ طَيْفٍ فِي مَخِيلَةِ حَالِمِ
فَيَا بَخْسَ مَا بَاعَ المُفَادِي بِعُمْرِهِ / عَلَى بَاذِلٍ فِي قَوْمِهِ أَوْ مُسَاوِمِ
عَلَى أَنَّهُ يَسْتَسْلِفُ النَّفْسَ شُكْرَهُ / وَلَيْسَ لِشُكْرٍ مِنْ سِوَاهَا بِرَائِمِ
نَعِيُّكَ عَبْدَ اللهِ فِي الشَّرْقُ كُلِّهِ / أَسَالَ شُؤُوناً بِالدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ
وَأَوْرَى زِنَادَ البَرْقِ حُزْناً فَلَجْلَجَتْ / كَمَا لَجْلَجَتْ بِالنُّطْقِ لُسْنُ التَّرَاجِمِ
فَبَثَّ شَجَاهُ كُلُّ رَبْلٍ وَلَمْ يَكُنْ / سِوَى مَأْتَمٍ تَعْدَادَ تِلْكَ المَآتِمِ
وَشَاعَ الأَسَى فِي مِصْرَ فَهْيَ حَزِينَةٌ / تَنُوحُ شَوَادِيهَا نُوَاحَ الحَمَائِمِ
وَلا وَجْهَ فِي أَحْيَائِهَا غَيْرُ سَاهِمٍ / وَلا قَلْبَ فِي أَحْنَائِهَا غَيْرُ وَاجِمِ
لَكَ اللهُ مِنْ بَانٍ رِجالاً حَمَى بِهِمْ / حِمىً عَاثَ فِيهِ الجَهْلُ مِنْ شَرِّ هَادِمِ
عَلَى العِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ أَرْصَدَ وَقْتَهُ / فأَحْرَزَ مِنْهُ مَغْنَماً كُلّ غَانِمِ
تَلامِيدُهُ فِي كُلِّ مَطْلَعِ كَوْكَبٍ / يَبُثُّونَ فَضْلَ الضَّادِ بَيْنَ العَوَالِمِ
وَفِي كُلِّ بَحْثٍ كُتْبُهُ تُورِدُ النُّهَى / مَوَارِدَ أَصْفَى مِنْ نِطَافِ الغَمَائِمِ
وَتَهْدِي إِلَيْهَا مِنْ مَنَاجِمِ فِكْرِهِ / نَفَائِسَ أَغْلَى مِنْ كُنُوزِ المَنَاجِمِ
بِأَبْدَعِ مَا كَانَتْ بَلاغَةُ نَاثِرٍ / وَأَبْرَعِ مَا كَانَتْ صِيَاغَةُ نَاظِمِ
كَفَى اللغَةَ الفُصْحَى فَخَارَ بِمُعْجَمٍ / إِلَيْهِ انْتَهَى الإِتْقَانُ بَيْنَ المَعَاجِمِ
وَحَسْبُ الرِّوَايَاتِ الحَدِيثَةِ عِتْقُهَا / بِإِعْرَابِهِ فِيهَا فُنُونَ الأَعَاجِمِ
فَأَمَّا سَجَايَاهُ فَقُلْ فِي كَمَالِهَا / وَلا تَخْشَ فِي الإِطْرَاءِ لَوْمَةَ لائِمِ
حَلِيمٌ بِلا ضَعْفٍ رَصِينٌ بِلا وَنىً / شَدِيدُ مِرَاسٍ فِي كِفَاحِ المَظَالِمِ
وَمَا اسْطَاعَ يُلْفِيهِ الغَدَاةَ وَلِيُّهُ / مُعِيناً عَلَى دَفْعِ الأَذَى وَالمَغَارِمِ
يُصَرِّفُ إِلاَّ فِي الدَّنَايَا مِنَ المُنَى / نَوَازِعَ قَلْبٍ مُولَعٍ بِالعَظَائِمِ
وَيُرْضِيهِ فِي الإِعْسَارِ مُوْفُورُ مَجْدِهِ / وَلَيْسَ إِذَا الإِيسَارُ فَاتَ بِنَاقِمِ
قَضَى العُمْرَ مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ لَمْ تُشَبْ / طَهَارَةُ بُرْدَيْهِ بِوَصْمَةِ وَاصِمِ
وَلَمْ يَأْلُ جُهْداً فِي رِعَايَةِ ذِمَّةٍ / وَلَمْ يَنْسَ حَقاً لِلعُلَى وَالمَكَارِمِ
أَحَاطَتْ بِهِ زِينَاتُ دُنْيَاهُ فَانْثَنَى / وَلَمْ تُغْرِهِ زِيناتُها بالمحَارِمِ
فَكَانَتْ لَهُ خَيْرُ الفَوَاتِحِ بِالتُّقَى / وَكَانَتْ لَهُ فِي اللهِ خَيْرُ الخَوَاتِمِ
مَتَى يَنْجَلِي هَذَا السَّحَابُ المُخَيَّمْ
مَتَى يَنْجَلِي هَذَا السَّحَابُ المُخَيَّمْ / وَيُقْشِعُ عَنَّا ظِلُّهُ المُتَجَهِّمُ
فَنَسْطَعَ شَمْسُ الْحَقِّ مِلْءَ سَمَائِهَا / وَتَطْلُعَ فِي لَيلِ الأَبَاطِيلِ أَنْجُمُ
إِذَا نَحْنُ لَمَّ نَسْأُمْ أَضَالِيْلَ جَهْلِنَا / فَإِنَّ رَزَايَا السَّيْفِ وَالنَّارِ تُسْأَمُ
بَنِي الشَّرْقِ إِنَّ الْجَهْلَ أَعْدَى عُدَاتِنَا / بَدَارِ عَلَيْهِ تَغْنَمُوا أَوْ فَتَسْلَمُوا
هُوَ الغَاشِمُ السَّاطِي عَلَيْنَا يُبِيدُنَا / هُوَ الآثِمُ المَشَّاءُ فِينَا يُقَسِّمُ
أَلَيْسَ بِغُبْنٍ أَنْ نَكُونَ جُنُودَهُ / فِيَلْبَثَ وَهْوَ الْحَاكِمُ المُتَحَكِّمُ
بِلادَ الأَنَاضُولِ الْحَزِينَةَ إِنَّنِي / عَلَيْكِ بِقَلْبِي مِنْ بَعِيدٍ أُسَلِّمُ
جِرَاحُكِ فِي أَكْبَادِنَا وَجِرَاحُنَا / بِهَا المَجْدُ يَدْمَى وَالعُلَى تَتَأَلَّمُ
وَخَطْبُكِ إِنَّ يَعْظُمْ فَإِنْ الَّذِي دَهَى / جَمَاعَتَنَا بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ أَعْظَمُ
بَكَيْنَا شَبَاباً مِنْكِ فِي الأَمْنِ قُتِّلُوا / فَكَانُوا حُصُوناً لِلبِلادِ تُهَدَّمُ
بَكَيْنَا عَذَارَى شَابَ أَعْرَاضَهَا دَم / وَمَاتَتْ شَهِيدَاتٍ فَطَهَّرَهَا دَمُ
بَكَيْنَا مِنَ الأَطْفَالِ غُرَّ مَلائِكٍ / أُبِيدُوا فَهُمْ لَحْمٌ شَتِيتٌ وَأَعْظُمُ
رَزَايَا أَتَاهَا الْجَهْلُ فَالجَهْلَ قَاتِلُوا / فَإِنْ تَجْمُدُوا عُدْنَا عَلَى البَدْءِ فَاعْلَمُوا
أَفَاضِلَ مِصْرٍ دَرَّ فِي المَجْدِ دَرَّكمْ
أَفَاضِلَ مِصْرٍ دَرَّ فِي المَجْدِ دَرَّكمْ / كَرُمْتُمْ لِوَجْهِ اللهِ وَاللهُ أَكْرَمُ
لَكُمْ أَجْرُ رَحْمَاكُمْ رَهِيناً بِيَوْمِهِ / وَمَنْ يَرْحَمُ الضَّعْفَى المَسَاكِينِ يُرْحَمُ
جَزَاءٌ وِفَاقاً يَسْتَوِي النَّاسُ عِنْدَهُ / وَمَا يَسْتَوِي فِيهِ شَحِيحٌ وَمُنْعِمُ
وَزِنْجِيَّةٍ حَسْنَاءَ كَالمِسْكِ لَوْنُهَا
وَزِنْجِيَّةٍ حَسْنَاءَ كَالمِسْكِ لَوْنُهَا / بَدَا قَدهَا كَالسَّمْهَرِيِّ المُقَوَّمِ
مُجَرَّدَةُ السَّاقَينِ وَالنَّهْدِ بَارِزٌ / تُريكَ الهَوَى مِنْ ثَغْرِهَا المْتبَسِمِ
طَوَتْ يَدَهَا اليُمْنَى لِتَسْنِدَ خَصْرَهَا / بِبُرْدٍ لَيِّنٍ لَفَّ مُحْرِمِ
تَلَقَّى لَهَا إِلياسُ بِالأَمْسِ صُورَةً / تَكَادُ تُريِهِ رَوْعَةَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
فَهَامَ بِهَا حُبّاً وَآثَرَ وَصْفَهَا / فَمَنْ يُبْلِغُ الحَسْنَاءَ أَشْوَاقَ مُغْرَمِ
هِيَ النَّفْسُ قَبْلَ العَيْنِ جَلاَّبَةُ الهَوَ / ى وَمَا فِي رَوْعٌ لِقَلْبٍ مُتَيَّمِ
وَبَيْنَ التَّنَائِي وَالتَّلاقِي لَلَيْلَةٌ / وَبَيْنَ الرِّضَا وَالصَّدِّ رَغْبَةُ مُقْدِمِ
إِذَا مَا الْتَقَى العُشَّاقُ فِي طُرُقِ الهَوَى / وَرَامُوا ابْتِعَاداً عَنْ وُشَاةٍ وَلُوَّمِ
فَوَصْلُكِ بِنْتَ الزِّنْجِ وَالبَدْرُ طَالِعٌ / سِتَارٌ لِصَبٍّ بِالبَيَاضِ مُلَثَّمِ
وَتُفَّاحَةٍ أَعْطَيْتِنِيهَا تَكَرُّماً
وَتُفَّاحَةٍ أَعْطَيْتِنِيهَا تَكَرُّماً / فَأَوْلَيْتِنِي فَضْلاً بِذَاكَ عَظِيمَا
بِهَا أَفْقَدَتْ حَوَّاءُ آدَمَ جَنَّةً / وَأَكْسَبْتِنِي تُفَّاحَةً وَنَعِيمَا
بني العرب فيم الصبر والحال ما نرى
بني العرب فيم الصبر والحال ما نرى / ويأبى علينا الخسف تاريخنا قدما
وحتام نطوي العمر والليل دامسٌ / ونحتمل الأجحاف والضيم الظلما