ملكت بما أوتيت ناصية النجمِ
ملكت بما أوتيت ناصية النجمِ / وحُزْت عِنانَ المجدِ والشرفِ الجمِّ
وعُدْت زعيمَ الفاتحين تقودُه / يدُ اللّهِ مِنْ غُنْمٍ لمصرَ إلى غُنْمِ
تطالعُكَ الأعلامُ نشوىَ كأنّها / بكلِّ الذي أوليْت مِصْر على عِلْمِ
خوافِقُ تنأى في السماءِ وتلتقي / كما مال رِتْمٌ في الفلاةِ إلى رتْمِ
ويُطرِبُها عالي الهتافِ فتنثني / كما رقصتْ هيفُ العذارى على غمِ
فُتنَ بألوانِ الرياض وحسنِها / فقاسَمْنَها في الحُسنِ أو جُرن في القسمِ
وكادَ سروراً ما بها من أهلّةٍ / يتيه على ابن الليل في ليلة التم
لها نشوةٌ لو أنَّ للكرمِ مثلها / لما كانَ إثْماً أنْ تساغَ ابنةُ الكرْمِ
زهاها على الرياتِ أن انتصارَها / على الدهرِ لم يُقْسَم لعُرْبٍ ولا عُجْمِ
وأن فَتَاها لم يقفْ في ثيابه / أخو نجدَةٍ في يومٍ حربٍ ولا سلمِ
حمَاهَا وأعْلاَهَا على النجْمِ سعيُه / فلله من يُعلى اللواءَ ومن يحمي
أبَى المجدُ أن يدنو بفضلِ عنانه / لغير بعيدِ الغَوْرِ والرأيِ والسهمِ
وما خضعَ النصرُ الأشمُّ لفاتحٍ / إذا لم يكُنْ من خيرة السادةِ الشُّمِ
حملنا له الأزهارَ تندَى نضارةً / وتهتز عن طيبٍ وتَفْتر عن بَسْمِ
وأنفسُ شيءٍ في الحياةِ أزاهِرٌ / يُبعثرها شعبٌ على قدمَيْ شهمِ
وجئنا بغُصنِ الغارِ تاجاً لجبهةٍ / عليها سطورٌ من إِباءٍ ومن عزْمِ
أقامَ طويلاً بالرياضِ كأنَّمَا / أُصيبتْ بناتُ المجدِ في مصرَ بالعُقْمِ
سعى الشعبُ أفواجاً إليكَ تسوقُه / نوازعُ حُب قد طَغيْن على الكتْمِ
رأينا به الأذى يهدرُ ماؤه / وجرجرةُ الأمواجِ في لُجّةِ اليم
صفوفٌ بناهَا اللّهُ في حب مُصطفى / تنزّهنَ عن صَدْعٍ وعُوفينَ من ثأمِ
بها اجتمعت كلُّ المدائنِ والقُرى / فما شئتَ من كيفٍ وما شئتَ من كَمِّ
إذا حاولَ الوهمُ المصوّرُ رسمها / على صفحةِ القُرطاسِ عزّتْ على الوهمِ
وأصواتُ صدقٍ بالدعاء تتابعت / لها كدَوِيِّ النحلِ في أذُنِ النجمِ
أصاخَ إليها الصمُّ يستمعونَها / فإن جحدُوها فالعفاء على الصمّ
تُحس أزيزَ النار في نبراتِها / وتلمحُ فيها قوّةَ العَزْمِ والجزْمِ
تكادُ تميدُ الأرضُ بالحشدِ فوقها / وتنسدُّ أرجاءُ الفضاءِ من الزحْمِ
زعمتُ بأن أطوِي لك الجمعَ سابحاً / فللهِ كَمْ لاقيتُ من ذلك الزعْمِ
أحاطت بي الأمواجُ من كُلِّ جانبٍ / أغُوص إلى لحمٍ وأطفُو على لحمِ
إذَا نالَ مني الوكْزُ ما كانَ يشتهي / خلصت إلى ما لا أحب من اللكْم
سددت عليّ الطُرْقَ لم ألْقَ مَسْلكاً / وأوسعت طُرْقَ المجدِ والحسبِ الضخمِ
تمنيتُ لو لامستُ كَفاً هي المُنَى / خواتِمُها قد صاغها الشعبُ من لَثْمِ
وشاهدتُ شهماً كلّما رمتُ رسمَهُ / تصوّرتُ أخلاق الملائكِ في الرسْمِ
وفزتُ بوجهٍ من سنَا اللّهِ ضوؤه / كريمُ المحيّا لا قطوبٍ ولا جهْمِ
إذا قدّرَ الشعبُ الرجالَ فإِنَهُ / قمينٌ بالاستقلالِ في الرأيِ والحكْمِ
دعْونَاكَ للجلّى فكنت غِياثَها / وقد عبثتْ خيلُ الحوادثِ باللّجْمِ
عليكَ من اللّهِ العزيزِ مفاضةً / من الحق لم تأبه لرمْحٍ ولا سهمِ
تصولُ على العدوان تستّلُ نابَهُ / وتصدع بالأيمانِ غاشيةَ الظلْمِ
وترفعُ صدراً كانَ حِصْناً وموئِلاً / لمصرَ فأغناهَا عن الحصْنِ والأطَمِ
رميتَ فسدّدتَ الرمَاءَ وإنَّما / هُو اللّهُ يرمي عن يمينك إذْ ترْمي
وما كل ذي سهمٍ أصابت يمينُه / ولا كل سهمٍ في إصابتهِ يُصْمِي
وجنّدتَ من آرائِكَ الغرِ جحفلاً / طلائِعُه أغَنتْ عن البيضِ والدُّهْمِ
وأرسلتَ صوْتاً في البلادِ مجلجِلاً / سمعنا به زأرَ الضراغِمِ في الأجْمِ
ففتّحت آذاناً وأيقظت أعيُناً / وصنتَ رِباطَ العنصرين من الفصْمِ
فلَمْ يرضَ جنبٌ أن ينَام على أذى / ولم يَرْضَ حَق أن ينامَ على هضْمِ
وطار بنُو مِصْرٍ لنجدةِ أمهم / سِرَاعاً فأكرِمْ بالبنين وبالأمِ
ونَالتْ بك استقلاَلَها مِصْرُ كَامِلاً / على الرغم من كيدِ الزمانِ على الرغْمِ
وحطّمتَ أغلالَ الإسارِ وقد لوتْ / يَدُ الدهرِ واستعصتْ طويلاً على الحَطْمِ
إذا عظمت نفسُ امرىء جلّ سعيُه / وجلّ فَلْم يُوصَمْ بزهْوٍ ولا عظمِ
تحدّثت الدنيا بسعدٍ ومصطفى / وهل قُرئتْ أم الكتابِ بِلاَ بسمِ
أبانَ لكَ الطرْقَ اللَّواجب للعُلا / فجلّيت فعلَ الفارسِ البطلِ القرمِ
بنيت وهدّمتَ الضلالَ مُجاهداً / فكنت كريماً في البناءِ وفي الهدْمِ
بك اهتزّت الآمالُ واخضر عودُهَا / كما اهتزّ روْضٌ جاده واكِفُ السَجْمِ
وربَّ رِجالٍ كالسحائبِ خُلّباً / تسد مصابيحَ السماءِ ولا تهمي
يرون من الحلمِ القرارَ على الأذى / وأين قرارَ الهَوْنِ من خُلقِ الحلْمِ
إذا شهوةُ الدنيا دهت عقْلَ عاقلٍ / غدَا وهو أذكى الناسِ شراً من الفدم
وإن عشقتْ روحُ الفتى راحةَ الفتى / فلا خير في روحٍ ولا خيرَ في جسْمِ
وقفتَ لنصر الحقِّ في قصر منترو / وقوف وضيء الرأيِ مجتمع الحزْم
وحولَكَ من أصحابِكَ الصيدِ فتية / خفافٌ إلى المولى شِدادٌ على الخَصْمِ
يروْنَ من الحتم الوفاء لقومِهمْ / وليست بشاشاتُ الحياةِ من الحتْم
كأنّ غبارَ النصر في لهواتِهم / جنى النحلِ أو أشهى وأطيب في الطعْمِ
لك الحججَ البيضَ الصلاَب كأنّها / نصال سهامٍ قد حززن إلى العَظْمِ
أمن جعل الضيف النزيل كواحدٍ / من الأهْلِ يُرْمَى بالجفاءِ وبالذم
فهمنا ولكن للسياسةِ منطقٌ / عزيزٌ على الأذهانِ صعبٌ على الفهْمِ
ومثلُكَ مَنْ ردّ العقُولَ لمنهجٍ / سديدٍ وأرْدَى الشك بالمنطقِ الحسْمِ
فما زلتَ حتى أدركتْ مِصرُ سؤْلَهَا / رفيعة شأوِ المجدِ موفورةَ السهْمِ
وأصبحَ حُبّاً كل ما كان من قلا / لمصرَ وغُنْماً كل ما كانَ من غُرْم
هنيئاً لَكَ الفتح المبين فإنّه / سيبقى على التاريخِ متضحَ الوسْمِ
نثرتُ له زَهْراً وأنظمتُ لؤلؤاً / فأحسنتُ في نثري وأبدعتُ في نظْمي