المجموع : 4
تُرى ثغرُ ذاك الثغرِ بالقربِ يَبْسِمُ
تُرى ثغرُ ذاك الثغرِ بالقربِ يَبْسِمُ / فأغدو وعيشِى مثل ما كان مَعْكُمُ
لياليَ لا طَرْفِي من الدمع مُكْثِر / عليكم ولا قلبي من الصبر مُعْدِم
ولا زَفَراتُ الشوقِ تحدو تأسُّفِى / فتُنجِد ما بين الضولع وَتُتْهِم
ليالٍ كأوساطِ الآلى فسِلْكُها / يُفصَّلُ باللذات فينا ويُنْظَم
كأني وذاك العيشُ طيفٌ تَبرَّعتْ / به سِنَةٌ لم يَرْوَ منها مُهَوِّم
على الجانبِ الإسكندريِّ سلامُ
على الجانبِ الإسكندريِّ سلامُ / يُكرِّره مني عليه دوامُ
سلامٌ يُناجِى ذلك الثغر مُضحِكا / رُباهُ بنَوْرٍ قد بَكاهُ غَمام
ذكرتُ زماني فيه والعيشُ أخضر / وإذ أنا طفلٌ والزّمان غلام
وأيامُنا كالدرِّ فُصِّل عِقْدُه / وتم ولم ينفكَّ منه نظام
محلٌّ به مَوْتَى حياةٍ شَهيةٍ / تَلذُّ وعيِشي في سِواه حِمام
ففي الجانبِ الغربيِّ منه مَدافنٌ / وفيهنَّ أَجْداث عليَّ كِرام
سَقتْها دموعُ الغيثِ بَدْءاً وَعَوْدَة / ففيها عِظامٌ قد بَلِينَ عِظام
عِظامٌ لها أصلانِ فرعُهما أنا / وحَسْبُك فَهْمٌ منهما وجُذام
مُنيفان فوق الراسياتِ تَطاوُلا / تُقصِّرُ رَضْوَى عنهما وشَمام
ولو لم يكونا لي لَكانتْ فضائلي / تُحقِّق ما قد قال قبلي عِصام
قبور على الدِّيماسِ أضحتْ وفضلُها / له في ظهورِ النّيِّراتِ زحام
بها طاب ذاك التُّرْبُ حين بطيبِها / تَأَرَّج فيه عَبْهَرٌ وخُزام
فرَياّ رياضِ الخِصبِ بعضُ ثَنائِهم / لها في مناجاةِ الأنوف كلام
فكم همةٌ فيها وكم أريحيةٌ / وفضلٌ ومجدٌ شامخ وذِمام
وجوهٌ نأتْ عني وبيني وبينها / ذراعٌ يُواريه ثَرىً ورِجام
فكنتُ إذا ما اشتقْتُها خفض الأسى / دُنُوٌّ إلى أَجْداثها ولِمام
فكيف وقد صار البعادُ ثلاثةً / مماتٌ وبَينٌ نازحٌ وسَقام
فلا قربَ في الدنيا سوى أن يزورني / خيالٌ وهيهاتَ النَّوى ومَنام
فيا طالَما شِيمَ الحَيا من أَكُفِّها / وفي غُرَرٍ منها الحياءُ يُشام
سأبِكي مدى الدنيا عليها فريضةً / مؤكدةً فالصبر بعدُ حرام
أَلاَ يا نسيمَ الريحِ إنْ كنتَ عابِرا
أَلاَ يا نسيمَ الريحِ إنْ كنتَ عابِرا / على الثغرِ فاقْرِى الساحَليْن سلامي
فبالرملِ من شرقيِّه مَنْ بحُبِّه / سَرائرُ تَسْرى في أدق عظامي
عزيزٌ على قلبي ولا سيَّما إذا / أطالتْ عليه العاذلات مَلامي
مريض جُفونِ الطَّرْفِ من غيرِ علةٍ / فهنّ سقيماتٌ بغير سَقام
بفيهِ لآلٍ في عقيقٍ كأنها / أَقاحىُّ رملٍ في سُلاف مُدام
وفي خَدِّه نارٌ وماء تَألَّفا / ومن عَجبٍ ماءٌ خِلال ضِرام
كأن غصون البانِ في كُثُب النّقا / جُذِبْنَ على رِدْفٍ له وقَوام
وكم ليلةٍ بِتْنا وبيني وبينه / عَفافٌ يُناجِى في العناق غرامي
وقد ضَمَّنا شوقٌ كما ضم ساهِرا / ثَوَى لكَرَى جَفْنيْه عند مَنام
وقائمُ سيِفي في يَميني وجِيدُه / بيُسراى في عِقْدٍ بغير نظام
حِذارا علينا من غيور مُبادِرٍ / يُسابِقني بالضرب قبل قيامي
فواهاً على الإسكندرية كلما / تَنكَّد عيشي دونَها بدَوام
ديارٌ بها أحبابُ قلبي ومَنْشَئِي / وقوميَ من فتيانِ آل جُذام
فلى من جُذام عصبةٌ جَرَوِيةٌ / صَفَتْ كزُلالٍ من مُتونِ غَمام
هي الذهبُ الإبريزُ صَفَّتْ نضارةً / يدُ السَّبْكِ من عيبٍ يَشوب وذام
إذا اليمنُ اعتدّتْ بأوفَى فضيلةٍ / وَجدْتُهم فيها أَمامَ أَمام
أسودُ وَغًى ولا ترتِضى نيلَ مكسب / وإنْ جَلَّ إلا مِن قناً وحُسام
يَبيتون خُمْصا والمَطاعمُ جَمةٌ / إذا شِيبَ أدنى ذلةٍ بطعام
ومالموت إلا الذلُّ في العيشِ عندهم / وما العيشُ إلا عزةٌ بحمِام
طِوالٌ حَكَوا خَطِّيةً بأَكُفِّهم / ثِقاتٌ لدى الهَيْجا بفَرْطِ ذِمام
إذا شئتَ أصلَ المجدِ والفخرِ فابْغِه / وحَسْبُك من شيخٍ لهم وغُلام
أخَفُّ إلى الهيْجاءِ من وَفْدِ عاصفٍ / وأَثَبتُ حِلْما من هِضاب شَمام
حَيُّيون أَنْدَى أوجُها وأَناملا / من الغيثِ وإلىَ وَدْقَة بسِجام
يَصونون ما تحوِى المآزرُ من تُقىً / وفضلٍ وما في بُرْقعٍ ولثام
إذا قيلتِ العَوْراء غَضَّوا وغودِرت / بأسماعِهم منها أَحرُّ كِلام
أَلاَ هلْ إلى الإسكندريةِ أَوْبَةٌ / تُبرِّد أشواقي وحَرَّ أُوامى
كأنّى على إفراطِ شيبٍ أصابني / عليها رضيعٌ في حَديث فِطام
وإني وإنْ باشرتُ أرفعَ رتبةٍ / بمدحِ ملوكٍ أُعجبتْ بكلامي
لَكالطيرِ تُدْنَى في القصورِ لصوتِها / فتبكي على أَوكارِها بمَوام
وما الشوقُ للأوطانِ من أجلِ طِيبِها / ولا شرفٍ فيها وفضلِ مُقام
ولكنه في النفسِ طبعٌ لأجله / تُجادل في تفضيلها وتُحامي
كذا الطفل يبغي الأُمَّ معْ سوء شخصِها / ويَشْنَا سِواها وهْي ذاتُ وَسام
ومن غربةٍ يبكي الجنينُ إذا بدا / وقد كان في ضيقٍ وفرطِ ظلام
ويُعذَر من يشتاق أسوأَ موطنٍ / فكيف مُقاما طيبا كمقامي
يُحب الفتى أوطانه وبها العِدا / فكيف بأحبابٍ علىَّ كِرام
سكنتُ بها الدنيا فلما تركتُها / سكنتُ دَفينا في بُطونِ رِجام
عَلَى أنني فيما كَرِهتُ مُحَسَّد / وأَحْسَدُ من يبِغيه كلُّ هُمام
يرى الأَرْىَ ما أعتدُّ شُرْبا ويستقِى / بما أَتوقَّى من وشيكِ سِمام
وبعدُ فما أوطانُنا إنْ تَحققتْ / سوى حُفَرٍ في جَنْدَلٍ ورَغام
فما منزل الإنسانِ فيها مَقرُّه / وإن كان ذا خَيْمٍ بها وخِيام
ولكنه رَهْنُ المنايا لمدةٍ / محرَّرةٍ معلومةٍ بإمام
غريبٌ وإنْ لم يَنْتزِح عن بلادِه / فقيدٌ على عز وبُعْد مَرام
تغرَّب في الأحشاء عن ظهر والدٍ / وغَرَّبه الميلاد بعد زحام
وفي غربةِ الدنيا له أيُّ حسرةٍ / ومن بعدِها لا شكَّ غربةُ سام
وغُربته عند الحساب أشدُّها / فأيُّ أمورٍ لا تُطاق جِسام
وما قَصْدُه من بعدِ هذا وهَمُّه / سِوى مكسبٍ يَحْظَى به ويُسامى
وما حَظُّه من كسْبه غيرُ قُوتِه / ويَجمع للوُرّاثِ كلَّ حَرام
ومن سَعْدِه ألا يكونَ فإنْ يكن / يَمُت وهْو في الأحشاء ليس بِنامي
فما هو للآفات إلا دَريئةٌ / لوَخزِ رماحٍ أو لرَشْقِ سِهام
وغايتُه حالان إِما لجنةٍ / لها من جوارِ اللهِ خيرُ مُقام
وإِما إلى نارٍ فيا لك غربةٌ / وطولُ عذاب دائمٍ ولِزام
حديثٌ إذا تمَّ اسْتُعِيد كأنه
حديثٌ إذا تمَّ اسْتُعِيد كأنه / لذاذةُ عذبِ الماءِ في فم حائمِ