المجموع : 5
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ
لَعَلَّ سَنَا البَرْقِ الَّذِي أَنا شائِمُ / يهيمُ منَ الدُّنيا بِمَنْ أَنا هائِمُ
أمَا فِي حَشَاهُ مِن جوايَ مخايِلٌ / أَما فِي ذُرَاهُ من جُفُوني مَيَاسِمُ
لقد بَرَّحَتْ منهُ ضُلُوعٌ خوافِقٌ / وَقَدْ صَرَّحَتْ منه دموعٌ سواجِمُ
ونَفْحُ صَباً يَهْفُو عَلَى جَنَباتِهِ / كتَصْعِيد أَنفاسي إذَا لامَ لائِمُ
وتحنانُ رَعْدٍ صادِعٍ لمتُونِهِ / كما زَفَرَتْ نَفْسِي بِمَنْ أنا كاتِمُ
وَمِيضٌ تَشبُّ الرِّيحُ والرَّعْدُ نارَهُ / كما شَبَّ نيرانَ المَجُوسِ الزَّمازِمُ
حَمِيل بحَمْلِ الرَّاسِياتِ إِلَى الَّذِي / تَحَمَّلَنِي عنه القِلاصُ الرَّوَاسِمُ
وما أَنجَدَتْ فِيهِ النُّجُودُ تَصَبُّري / ولا أَتهمَتْ وجدِي عَلَيْهِ التَّهائِمُ
سوى لَوْعَةٍ لَوْ يَغلِبُ الصَّبرُ نارَها / لشامَني البَرْقُ الَّذِي أنا شائِمُ
فإِنْ يَسْقِ مَنْ أَهْوى فَدَمْعِيَ مُسْعِدٌ / وإِنْ يَلْقَهُ دُونِي فأَنْفِيَ راغِمُ
كفانِي الْتِماحَ الشَّمْسِ والبَدْرُ وَجْهُهُ / وَمَا اقْتَبَسَتْ منْهُ النُّجومُ العواتِمُ
وما تَجْتَنِي من طِيبِ أَرْدَانِهِ الصَّبا / ومن وَرْدِ خَدَّيْهِ الرِّياضُ النَّوَاعِمُ
فَلَهْفِي عَلَى قَرْنٍ من الشَّمْسِ ساطِعٍ / تَجَلَّلَهُ كِسْفٌ من اللَّيْلِ فاحِمُ
إذَا زارَنِي أَعْشى جُفُونَ رَقِيبِهِ / وأَخرَسَ عَنِّي مَا تقولُ اللَّوائِمُ
وآذَنَ أَنفاسِي ونَفْسِي بِنَشْرِهِ / وَرَيَّاهُ أَنْفاسُ الرِّياحِ النَّواسِمُ
وبَشَّرَني مِنْ قَبْلِهِ صَوْتُ حَلْيِهِ / تُجاوِبُهُ فَوْقَ الغصونِ الحمائِمُ
إِلى مُلتقى قَلْبَيْنِ ضَمَّ عَلَيْهِما / جوانِحَهُ جُنْحٌ منَ اللِّيلِ عاتِمُ
ومُعْتَنَقٍ كالجَفْنِ أَطْبقَ نائِماً / عَلَى ضَمِّ إِنسانَيْنِ والدَّهرُ نائِمُ
فَبِتْنَا وقاضِي الوَصْلِ يَحكُمُ فِي الهوى / وغانِمُ قلبي بالحكومَةِ غارِمُ
أَمْصُّ من الكافورِ مِسْكاً وأَجتَنِي / من الوَشْيِ رُمَّاناً زَهتْهُ المقادِمُ
وَيَرْجِعُ رُوحَ النَّفْسِ مَا أَنَا ناشِقٌ / ويَجْبُرُ صَدْعَ القلْبِ مَا أنا لازِمُ
وأَرْشُفُ من حَصْباءِ دُرٍّ وجوهَرٍ / رحيقَ مُدَامٍ سُكْرُهُ بِيَ دائِمُ
وفي كَبِدِي حَرٌّ مِنَ الشَّوْقِ لاعِجٌ / وَفِي عَضُدِي غُصْنٌ من البانِ ناعِمُ
يُقِرُّ هواهُ أَنَّهُ لِيَ قاتِلٌ / وقَلْبِي لَهُ مِنْ جَفْوَةِ الشَّوْقِ راحِمُ
أَجَنِّبُ أَنفاسِي أزاهِرَ حُسْنِهِ / لِعِلْمِيَ أَنَّ النَّوْرَ بالنَّارِ ساهِمُ
وأُغمِضُ لَحْظِي عَن جَنى وَجَنَاتِهِ / مخافَةَ أَنَّ السَّهْمَ للوَرْدِ حاطِمُ
وَمَا صَرعَ القتلى كَعَيْنَيْهِ صارِعٌ / ولا كَلَمَ الجرْحى كَصُدْغَيْهِ كالِمُ
فإِنْ أَشْفِ وَجدي من تباريحِ ظِلْمِهِ / بِضَمِّي لَهُ أَيقَنْتَ أَنِّيَ ظالِمُ
وإِنْ أُحْيِ نفسي فِيهِ من مِيتَةِ الهَوى / بلَثْمِي لَهُ لَمْ أَعْدُ أَنِّيَ آثِمُ
فَكَيْفَ وَقَدْ غارَتْ بِهِ أَنْجُمُ النَّوى / وقُيِّدَ دُونَ الماءِ حَرَّانُ هائِمُ
مَتاعٌ من الدنيا أرانِي فِراقُهُ / بعَيْنِ النُّهى والحِلْمِ أَنِّيَ حالِمُ
وقد صَرَمَتْهُ حادِثَاتٌ كَأَنَّها / بيُمْناكَ يَا مَنْصُورُ بِيضٌ صوارِمُ
يُضَرِّمُها أَمثالهُنَّ كتائِبٌ / يُقَدِّمُها أَشْبَاهَهُنَّ عَزَائِمُ
أَسِنَّتُها للمُهْتَدِينَ كواكِبٌ / وأَعلامُها للمُسْلِمينَ مَعَالِمُ
وآثارُها فِي الأَرْضِ أَشْلاءُ كافِرٍ / وغاوٍ وَفِي جَوِّ السماءِ غمائِمُ
وَفِي كَبِدِ الطَّاغُوتِ منها صوارِعٌ / وَفِي فقَرِ الشَّيْطَانِ منها قواصِمُ
بكل تُجَيَبْيٍ إِلَيْكَ انْتِسَابُهُ / وإِنْ أَنْجَبَتْهُ تَغلِبٌ والأَراقِمُ
ومُختارِ يمناكَ العَلِيَّةِ نِسْبَةً / وإِنْ سَفَرَتْ يَرْبُوعُ عنها ودارِمُ
وأَذْهَلَهُمْ جَدْوَاكَ عن كلِّ مَفْخَرٍ / وإِنْ فَخَرَتْ ذُهْلٌ بِهَا واللَّهَازِمُ
أُسُودٌ إذَا لاقَوْا وَطَيْرٌ إذا دُعُوا / أَيَامِنُهُمْ للمُعْتَدِينَ أَشَائِمُ
تَلَمَّظَ فِي الأَيْسَارِ مِنْهُمْ أَساوِدٌ / وتَهْتَزُّ فِي الأَيْمانِ منهم أَراقِمُ
ظِمَاءٌ وَمَا غَيْرَ الدماءِ مشارِبٌ / لَهُنَّ ولا غَيْرَ القُلُوبِ مَطَاعِمُ
غَرَسْتَ الفَلا منها غِياضاً أُرُومُها / حُماةُ الحِمى والصَّافِنَاتُ الصَّلادِمُ
إذَا مَا دَنَتْ مِنْ شِرْبِها أَجْنَتِ الرَّدى / وَكَانَ جَنَاهُنَّ الطُّلى والجَمَاجِمُ
فأَنسَتْكَ يَا مَنصُورُ رَوْضَ حَدَائِقٍ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ المُنى وتُنَادِمُ
يضاحِكُ فِي أَرْضِ الزُّمُرُّدِ شَمْسَها / دنانِيرُ من ضَرْبِ الحَيَا ودَرَاهِمُ
وأَلْهَتْكَ عن لَيْلٍ كواكبُهُ المَها / وعن أَبْرُجٍ أَقمارُهُنَّ الكَرَائِمُ
وَمَا شُغِلَتْ يُمْنَاكَ عن بَذْلِ مَا حَوَتْ / وإِنْ غارَ مِنْهُنَّ النَّدى والمكارِمُ
فَخَاصَمْنَ بِيضَ الْهِنْدِ فِيكَ إِلَى العُلا / وَحَقٌّ لِمَنْ فِي القُرْبِ منكَ يُخاصِمُ
فإِنْ عَزَّها من صِدقِ بَأْسِكَ شَاهِدٌ / فقد سَنَّها مِنْ عَدْلِ حُكْمِكَ حاكِمُ
بِيَوْمٍ إِلَى الهَيْجَا ويومٍ إِلَى النَّدى / وَمَا عالَ مَقْسُومٌ ولا جَارَ قاسِمُ
وَنُودِيتَ يَوْمَ الجُودِ للسَّلْمِ فِي العِدى / فَجُدْتَ بِهِ وَالمُرْهَفَاتُ رَوَاغِمُ
حِذاراً عَلَى إِلْفِ الهَوى غُرْبَةَ النَّوى / وَمَا إِلفُها إِلّا الوَغى والمَلاحِمُ
وَعَوَّدْتَهَا طُعْمَ السِّباعِ فأَشْفَقَتْ / بإِغْبَابِهِ أَنْ تَدَّعيهِ البَهائِمُ
وكَلَّفْتَها رِزقَ الذِّئابِ فأُحشِمَتْ / لذِيبٍ عَوى تَحْتَ الدُّجى وَهْوَ صائِمُ
ومَنَّيْتَها نَفْسَ ابْنِ شَنْجٍ فأَسْمَحَتْ / مُسَالِمَةً من بَعدِهِ مَنْ تُسَالِمُ
عَلَى أَنَّ بَعْضَ العَفْوِ قَتْلٌ ومَغْنَمٌ / وَمَا رَدَّ رِبْحَ المُلْكِ فِي الحَرْبِ حازِمُ
فإِنَّ قتيلَ السَّيفِ للذِّيبِ مَطْعَمٌ / وإِنَّ قتيلَ العَفْوِ للمُلْكِ خادِمُ
فَيَا لِبُروقٍ لَمْ يَزَلْنَ صواعِقاً / عَلَى الكُفْرِ غَيْثُ الأَمْنِ منهُنَّ ساجِمُ
تُقَطِّعُ بالأَمْسِ الرِّقابِ وَوُصِّلَتْ / بِهَا اليَوْمَ أَرْحَامٌ لَهُمْ ومَحَارِمُ
غَدَتْ وَهيَ أَعْرَاسٌ لَهُمْ وَعَرَائِسٌ / وبالأَمْسِ مَوْتٌ فِيهِمُ ومآتِمُ
بعَقْدِ بناءٍ أَنْتَ شِدْتَ بناءَهُ / وَلَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ غيرَكَ هادِمُ
فِرَنْجَةُ أَعْلاهُ و قَشْتِلُّ أُسُّهُ / وَسلْمُكُ أَرْكَانٌ لَهُ وَدَعائِمُ
فَمَلَّكْتَ تاجَ المُلْكِ تَاجَ مَلِيكَةٍ / لتَاجَيْهِما تَعْنُو الملوكُ الخَضَارِمُ
وَتَوَّجْتَها فَوْقَ الأَكالِيلِ والذُّرى / خَوافِقَ تَغشاها النُّسُورُ القَشَاعِمُ
وحَلَّيْتَها بَعْدَ الدَّمَالِيجِ والبُرَا / حُلِيَّاً لآلِيهِ القنا والصَّوارمُ
وضَمَّخْتَها من طيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / بأَضعافِ مَا تُهْدِي إِلَيْها اللَّطائِمُ
ونَظَّمْتَ آفاقَ الفَلا لِزِفافِها / خُيُولاً حَمَتْ مَا قَلَّدَتْها النَّوَاظِمُ
مُنىً كَانَ فِيهَا لابْنِ شَنْجٍ مَنِيَّةٌ / يُغَرْغِرُ منها راهِقُ الروحِ كاظِمُ
مَرَجْتَ عَلَيْهِ لُجَّ بَحْرَيْنِ يَلْتَقِي / عَلَى نَفْسِهِ تَيَّارُهُ المُتَلاطِمُ
وغادَرْتَهُ مَا بَيْنَ طَوْدَيْنِ أَطْبَقا / حُتُوفاً تُصَادي نَفْسَهُ وتُصَادِمُ
وأَسْلَمَهُ الأَشيَاعُ بَوَّاً بِقَفْرَةٍ / سَرَايَاكَ أَظْآرٌ عَلَيْهِ رَوَائِمُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ ناصِرِ الدِّينِ ناصِرٌ / وَلَيْسَ لَهُ من عاصِمِ المُلْكِ عاصِمُ
وَقَدْ صَدَرَتْ عَنْهُ خيولُكَ آنِفاً / وَأَحْشَاؤُهُ فَيْءٌ لَهَا ومَغانِمُ
أَقاطِيعُ مِلْءُ الأَرْضِ أَصْوَاتُ خَيْلِها / وأَنعامِها عَمَّا يُكِنُّ تَرَاجِمُ
يُناجِي نُفُوساً حازَهُنَّ غَنائِماً / بأَمْنِكَ قَدْ حانَتْ عَلَيْها المغارِمُ
وأَفْعَالُ خَفْضٍ كنت تَشْكُلُها لَهُ / برَفْعِكَ قَدْ أَوْفَتْ عَلَيْها الجَوازِمُ
بغَزْوَةِ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ ثائِرٍ / عزائِمُهُ فِي النَّاكِثينَ هَزَائِمُ
وكم طَمَسَتْ عَيْنَيْهِ بَرْقَةُ مُقدِمٍ / تَلأْلأَ فِيهَا مَجْدُكَ المُتَقَادِمُ
تَجَلَّلَها جَدَّاك عَمرٌو وتُبَّعٌ / وأَعْقَبها عَمَّاكَ كَعْبٌ وحَاتِمُ
ومَنْ أَعْرَبتْ فِيهِ أَعاظِمُ يَعْرُبٍ / فَمُسْتَصْغَرٌ فِي أَصْغَرَيْهِ العَظَائِمُ
مآثِرُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِنَّ سابقٌ / ولا رامَها من قَبْلِ سَعْيِكَ رائِمُ
كَسَا العَرَبَ العَرْبَاءَ مِنْهُنَّ مَفْخَرٌ / تُصَلِّبُ مِنْهُ للوُجُوهِ الأَعاجِمُ
وشِدْتَ بِهَا فِي الرُّومِ والقُوطِ رِفْعَةً / تُسَامِي بِهَا عِندَ السُّها وتُزَاحِمُ
وصَرَّتْ بِهَا أَقْلامُ ضَيْفِكَ صَرَّةً / تُصِرُّ لَهَا الآذَانَ بُصْرى وجاسِمُ
فَزَوَّدَها الرُّكْبانُ شَرقاً ومَغرِباً / ووافَتْ بِهَا جَمْعَ الحَجِيجِ المَواسِمُ
وما لِيَ لا أُبْلِي بِذِكْرِكَ فِي الوَرى / بَلاءً تَهادَاهُ القُرُونُ النَّوَاجِمُ
وأُطْلِعُهُ شَمْساً عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ / يُكَذَّبُ فِيهَا عن سَنَا الشَّمْسِ زَاعِمُ
فَيَحْسُدُنِي فيكَ العِرَاقُ وَشامُهُ / وإِيَّاكَ فِيَّ عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ
بُخِسْتُ إِذَنْ سَعْيِي إِلَيْكَ وهجْرَتِي / وَمَا حَملَتْ مِنِّي إِلَيْكَ المَناسِمُ
وبينَ ضُلُوعِي بِضع عَشرَةَ مُهْجَةً / ظِماءٌ إِلَى جَدْوى يَدَيْكَ حَوَائِمُ
تَلَذُّ الليالي لَحْمَها ودِماءها / وَطَعْمُ الليالي عِنْدَهُنَّ عَلاقِمُ
قطعتُ بِهِنَّ الليلَ والليلُ جامِدٌ / وخُضْتُ بِهِنَّ الآلَ والآلُ جاحِمُ
إذَا مَلأَ الهَوْلُ المُمِيتُ صُدُورَها / تَحَرَّكَ من ذِكْرَاكَ فِيهَا تَمائِمُ
على شَدَنِيَّاتٍ تَطيرُ بِرُكْنِها / إِلَيْكَ خُطوبٌ فِي القلوبِ جَوَاثِمُ
فكم غالَ من أجسامِها غَوْلُ قَفْرَةٍ / وَخَرَّمَ من أَلْبابِهِنَّ المَخارِمُ
وكم عَجَزَتْ عنَّا ذواتُ قوائِمٍ / فَعُجْنا بِعُوجٍ مَا لَهُنَّ قوائِمُ
جآجِئُ غِرْبانٍ تطيرُ لنا بِهَا / عَلَى مثلِ أَطْوَادِ الفيافي نَعَائِمُ
لها من أَعاصِيرِ الشمالِ إذَا هَوَتْ / خَوَافٍ ومن عَصْفِ الجَنُوبِ قوادِمُ
يُحاجى بِهَا مَا حامِلٌ وهوَ راقِدٌ / وَمَا طائرٌ فِي جَوِّهِ وهوَ عائِمُ
سَرَتْ من عَصا مُوسى إِلَيْهِ قَرَابَةٌ / فَطَبٌّ بِفَلْقِ البحرِ والصَّخْرِ عالِمُ
وشاهَدَ لَقْمَ الحُوتِ يُونُسَ فاقْتَدى / فغادٍ وسارٍ وهو للسَّفْرِ لاقِمُ
أَعوذُ بِقَرْعِ المَوْجِ فِي جَنَبَاتِها / إِلَيْكَ بنا أن يَقْرَعَ السِّنَّ نادِمُ
وما عَبَّرَتْ عَنهُ جُسومٌ نَوَاحِلٌ / وَمَا حَسَرتْ عنهُ وجوهٌ سَوَاهِمُ
وما كَتَبَتْ فِي واضِحاتِ وجوهِنا / إِلَيْكَ الدَّياجِي والرِّياحُ السَّمائِمُ
فلا رَجَعَتْ عَنكَ الأَمانِي حَسِيرَةً / ولا فُزِّعَتْ مِنَّا لَدَيْكَ التَّمائِمُ
ولا خَتَمَتْ عَنكَ الليالي سَرِيرَةً / ولا فَضَّتِ الأَيَّامُ مَا أنتَ خاتِمُ
ولا نَظَمَ الأَعْدَاءُ مَا أَنتَ ناثِرٌ / ولا نَثَرَ الأَعداءُ مَا أَنتَ ناظِمُ
ولا عَدِمَ الإِشْرَاكُ أَنَّكَ ظافِرٌ / ولا عَدِمَ الإِسْلامُ أَنَّكَ سالِمُ
ولا زالَ للسيفِ الحَنيفيِّ قائِمٌ / وأَنتَ بِهِ فِي طاعَة اللهِ قائِمُ
جِهادٌ عَلَى الكُفَّارِ بالنَّصْرِ مُقدِمٌ / وَوَجْهٌ عَلَى الإِسْلامِ بالفَتْحِ قادِمُ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ
تَتَبَيَّنُ شَمْلُ الدِّينِ أَنَّكَ ناظِمُهْ / وأَيْقَنَ حِزْبُ الشِّرْكِ أَنَّكَ قاصِمُهْ
لقد شَدَّدَ الرحمنُ أَرْكانَ دِينِهِ / فَأُيِّدَ بانِيه وهُدِّمَ هادِمُهْ
وعَدَّى بِهِ عَمَّنْ يُوالِي عَدُوَّهُ / ووَلّاهُ من والاهُ فَهْوَ مُلازِمُهْ
ومَنْ مُلْكُهُ إِنْ جَلَّ خَطْبٌ مِلاكُهُ / وأَعلامُهُ إِنْ رابَ دَهْرٌ مَعالِمُهْ
فَسَمَّاهُ منصوراً مُصَدِّقَ جَدِّهِ / وَمَا صَدَّقَتْ أَرماحُهُ وصوارِمُهْ
وتَوَّجَهُ مَثْنى الرِّياسَةِ مُعْلِناً / بما هُو من غَيْبِ السَّرَائِرِ عالِمُهْ
فَتىً وَلَدَتْهُ الحربُ واسْتُرْضِعَتْ لَهُ / وقائِعُ مَنْ أَحْمى الهُدى ومَلاحِمُهْ
مُفَدَّىً وَمَا غيرُ السُّروجِ مِهادُهْ / مُوَقَّىً وَمَا غيرُ السيوفِ تمائِمُهْ
مُجَدِّدُ مُلْكٍ أَحرَزَتْهُ جُدُودُهُ / أَعِزَّةُ أَمْلاكِ الهُدى وأَكَارِمُهْ
فَأَعْرَبَ عَنْ أَيامِ يَعْرُبَ واقْتَدى / بِما عَظُمَتْ أَذْوَاؤُهُ وأَعاظِمُهْ
وأَنْجَبهُ لِلطَّعْنِ وَالضَّرْبِ عَمْرُهُ / وأَخْلَصَهُ لِلْجُودِ والحَمْدِ حَاتِمُهْ
شُجاعٌ ولَكِنَّ الجِيادَ حُصُونُهُ / كَرِيمٌ ولكِنَّ المَعَالي كَرَائِمُهْ
تَلاقَتْ عَلَيْهِ الخَيْلُ والبِيضُ والقَنا / قِياماً لِمَنْ لا سَعْيُ ساعٍ يُقاوِمُهْ
وَخَلَّتْ له الأَمْلاكُ عَنْ سُبُلِ الهُدى / فَلَيْسَ سِوى طِيبِ الثَّناءِ يُزَاحِمُهْ
مُقَسِّمُ مَا يَحْوِيهِ فِي سُبُلِ النَّدى / وإِنْ كَانَ قَدْ حَابَاهُ فِي الحَظِّ قاسِمُهْ
فما خابَ فِي يومِ النَّدَى من يَنُوؤُهُ / ولا فازَ فِي يوم الوَغى مَنْ يُحاكِمُهْ
ولا ادُّعِيَتْ فِي المَأْثُرَاتِ حُقُوقُهُ / ولَوْ أَقبلَتْ زُهْرُ النجومِ تُخاصِمُهْ
ودَعْوى النُّهى والحِلْمِ فِي غَيْرِ مُنْذِرٍ / خيالٌ من الأَحْلامِ أَضْغَثَ حَالِمُهْ
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْجُو من المُلْكِ غِرَّةً / وَمَا حَوَّمَتْ إِلّا عَلَيْكَ حَوَائِمُهْ
ولا رُفِعَتْ إِلّا إِلَيْكَ عُيُونُهُ / ولا ظَأَرَتْ إِلّا عَلَيْكَ روائِمُهْ
ولا راقَ إِلّا فِي جَبينِكَ تاجُهُ / ولا قَرَّ إِلّا فِي يمينِكَ خَاتِمُهْ
فكيفَ بِذِي جَهْلٍ تَعَسَّفَ مَجْهلاً / يُبَرِّحُ واقِيهِ ويَحْتِمُ حاتِمُهْ
فَغالَته فِي غَوْلِ المَهامِهِ غُولُهُ / وهامَتْ بِهِ فِي التُّرَّهَاتِ هَوَائِمُهْ
أَباحَ حِمى الإِسْلامِ لِلْشِّرْكِ مَغْنَماً / لِتُقْسمَ بَيْنَ النَّاهِبِينَ مَغانِمُهْ
وفَضَّ خِتامَ اللهِ عن حُرُماتِهِ / ليُفْتَضَّ عَمَّا تَحْتَويهِ خَواتِمُهْ
وَعَدَّ دِماءَ المُسْلِمِينَ مُدَامَةً / فَبَرَّحَ فِي الأَعْداءِ عَمَّنْ يُنادِمُهْ
فإِنْ أَلْقَحَ الحَرْبَ العَوَانَ فَحَسْبُهُ / فَوَاقِرُ مَا شَالَتْ بِهِ وأَشائِمُهْ
وإِنْ زُجَّ فِي جَفْنِ الرَّدى فَلِحَيْنِهِ / تَخَازَرَ ساجِيهِ وأُوقِظَ نائِمُهْ
غَدَاةَ دعاكَ الدِّينُ مِنْ أَسْرِ فَعْلَةٍ / وَقَدْ أَوْشَكَتْ أَنْ تُسْتَباحَ مَحارِمُهْ
فلَبَّيْتَها فانْجَابَ عَنْها ظَلامُهُ / ووافَيْتَها فَاسْتَنْكَرَتْها مَظَالِمُهْ
وجاءَكَ مَدُّ اللهِ من كُلِّ ناصِرٍ / عَلَى الحَقِّ مَهْدِيّاً إِلَيْكَ مَقَادِمُهْ
ونادى أَبو مَسْعُودٍ النَّصْرَ مُسْعِداً / عزائِمَكَ اللاتِي تَلِيها عزائِمُهْ
بِوُدٍّ كماءِ الغَيْثِ يَسْقِي رِياضَهُ / وبَأْسٍ كَحَرِّ النَّارِ يُضْرَمُ جاحِمُهْ
عَلَى كُلِّ مَنْ حارَبْتَ فَهْوَ مُحارِبٌ / كِفاحاً ومن سالَمْتَ فَهْوَ مُسالِمُهْ
وأَعْصَمَ بالإِشْرَاكِ قائِدُ بَغْيِها / إِلَى مَلِكٍ رَبُّ السَّمواتِ عاصِمُهْ
فَما رَكَضُوا طِرْفاً إِلَيْكَ لِغارَةٍ / وأَسْهَلَ إِلّا أَسْلَمْتَهُ قوائِمُهْ
ولا أَصْلَتُوا سَيْفاً وأَنْحَوْكَ حَدَّهُ / فَعَرَّجَ عَنْ مَثْنى يَمِينِكَ قائِمُهْ
ولا أَشَّبُوا حِصْناً يَرُدُّكَ عَنْهُمُ / وقابَلْتَهُ إِلّا تَدَاعَتْ دَعَائِمُهْ
وإِنْ أَحْرَزُوا فِي قُطْرِ شَنْجٍ نُفُوسَهُمْ / فغانِمُ مَا لا يَحْفَظُ اللهُ غارِمُهْ
فكَمْ قُدْتَ فِي أَكْنافِها من مُقَنَّعٍ / نُفُوسُ الأَعادِي شُرْبُهُ ومطاعِمُهْ
خَمِيسٌ لِجُنْحِ اللَّيْلِ مِنْ أَنْجُمِ الدُّجى / حُلاهُ ومن شَمْسِ النهارِ عمائِمُهْ
كَأَنَّ شعاعَ الشمسِ تَحْتَ عَجَاجِهِ / إِذَا مَا الْتَقَى الجمعانِ سِرٌّ وكاتِمُهْ
تَجِيشُ بِوَدْقٍ من جَنى النَّبْعِ صائِبٍ / أَساوِدُهُ نَحْوَ العِدى وأَرَاقِمُهْ
كَمَا حَمَلَتْ رَحْلَ الدَّبا عاصِفُ الصَّبا / أَوِ انْهَلَّ بالوَبْلِ الأَجَشِّ غَمَائِمُهْ
وهَدَّ هَوَاءَ الجَوِّ نَحْوَ بِنائِها / هُوِيَّ سِلامٍ حانَ مَنْ لا تُسَالِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُصَادِمْهُ بِطَوْدٍ مِنَ القَنا / لأَقْبَلَ أَطْوَادُ الجِبالِ تُصَادِمُهْ
ولَوْ لَمْ تُزَاحِمْهُ المَجانِيقُ لانْبَرَتْ / عَلَيْهِ نُجُومُ القَذْفِ عَنْكَ تُزَاحِمُهْ
وَلَيْسَ ولَوْ سامى السَّماءَ بِمُعْجِزٍ / مِنَ المَشْرَفِيِّ وَالعَوَالِي سَلالِمُهْ
فَسَرْعَانَ مَا أَقوى الشَّرى من ضِباعِهِ / وبَرْبَرَ فِي ذَاكَ العَرِينِ ضَرَاغِمُهْ
وطُيِّرَ عن لَيْلِ الأَباطِيلِ بُومُهُ / وشُرِّدَ عن بَيْضِ النفاقِ نعائِمُهْ
وبَدَّلْتَ حُكْمَ اللهِ من حُكْمِ غَيِّهِ / فأَنْفَذَ حُكْمُ اللهِ مَا أَنتَ حاكِمُهْ
فيا رُبَّ أَنفٍ للنفاقِ جَدَعْتَهُ / بِهَا وابْنُ شَنْجٍ صاغِرُ الأَنْفِ راغِمُهْ
غداةَ أَطارَ العقلَ عنه ونَفْسَهُ / بسيفِكَ يومٌ راكِدُ الهَوْلِ جاثِمُهْ
فما يَرتُقُ الأَرْوَاحَ إِلّا رِياحُهُ / ولا يَفْتُقُ الغَمَّاءَ إِلّا غَماغِمُهْ
فلا نُطْقَ إِلّا أَن يُفَدِّيكَ صارِخٌ / ويدعُوكَ بالبُقْيَا عليها أَعاجِمُهْ
فَأَبْرِحْ بيومٍ أَنتَ بالنَّصْرِ مُقْدِمٌ / وأَفْرِحْ بيومٍ أنت بالفَتْحِ قادِمُهْ
ومَنْزِلِ مَفْلُولٍ نَزَلْتَ وخيلُنا / مرابِطُها أَجسادُهُ وجَمَاجِمُهْ
ومُعْتَرِفٍ بالذَّنْبِ مُبْتَئِسٍ بِهِ / دعاكَ وَقَدْ قامَتْ عَلَيْهِ مآتِمُهْ
إِذَا صَدَّهُ الموتُ الَّذِي سامَ نَفْسَهُ / يكُرُّ بِهِ العَيْشُ الَّذِي هُوَ سائِمُهْ
فتَلْقَاهُ أَطرافُ القَنا وَهْوَ نُصْبُها / ويَصْعَقُهُ بَرْقُ الرَّدى وَهْوَ شائِمُهْ
إِذَا كادَ يقضي بالأَسى نَحْبَه قَضَت / لَهُ الرَّحِمُ الدُّنْيا بأَنَّكَ راحِمُهْ
فلم أَرَ أَمْضَى مِنْكَ حكْماً تَحَكَّمَتْ / عَلَى سيفِهِ يَوْمَ الحِفَاظِ مكارِمُهْ
ولا مِثْلَ حِلْمٍ أَنْتَ لِلْغَيْظِ لابِسٌ / ولا مِثْلَ غَيْظٍ أَنتَ بالحِلْمِ كاظِمُهْ
فأَوْسَعْتَهُ حُكْمَ النَّضِيرِ وَقَدْ حَكى / قُرَيظَةَ منه غِلُّهُ وَجَرائِمُهْ
فَوَلّى وَقَدْ وَلّاكَ ذُو العَرْشِ عَرْشَهُ / وطارَ وَقَدْ طارَتْ إِلَيْكَ قوادِمُهْ
وأُبْتَ وَقَدْ لاحَتْ سُعُودُكَ بالمُنى / وغارَتْ بِهِ فِي الأَخْسَريْنَ عَوَاتِمُهْ
تُغَنِّي لَكَ الرُّكْبانُ بالفَتْحِ قافِلاً / وتبكِي عَلَيْهِ بالحِمَامِ حَمَائِمُهْ
فَمَنْ يَنْصُرِ الرَّحمنُ هَذِي عَزَائِمُهْ / ومن يَخْذُلِ الرحمنُ هذِي هَزَائِمُهْ
أَلا هَكَذَا فَلْيَسْمُ للمجدِ مَنْ سَما
أَلا هَكَذَا فَلْيَسْمُ للمجدِ مَنْ سَما / ويَحْمِ ذِمارَ الملكِ والدينِ مَنْ حَمى
وإِلّا فللمنصورِ غاياتُ مَا شَآ / إِلَيْهِ بَني الدنيا وأَغراضُ مَنْ رَمى
وحَقٌّ لِمَنْ لاقى فأَقدمَ سَيْفُهُ / عَلَى غَمَراتِ الموتِ أَن يَتَقَدَّمَا
ومن حَقَرَتْ مستعظَمَ الهولِ نَفْسُهُ / إِذَا الخيلُ كرَّتْ أَن يكونَ المعظَّما
ومن مَلَّ أُنْسَ المالِ حَتَّى تحَكَّمَتْ / عَلَى مَا حَوَتْ كفَّاهُ أَن يَتَحَكَّما
ومَنْ حَمَتِ العِلْقَ النَّفيسَ سيوفُهُ / من الضيمِ أن تختارَ مُرتَبَعَ الحَما
ومن تَيَّمَتْهُ أَوْجُهُ المجدِ أَن يُرى / وقلبُ العلا صَبّاً إِلَيْهِ مُتَيَّما
ولله يَا منصورُ آراؤُكَ الَّتِي / بنيتَ بِهَا نحوَ الكواكِبِ سُلَّما
وهذا عظيمُ الشِّرْكِ قَدْ جاءَ خاضِعاً / وأَلقى بكفَّيْهِ إِلَيْكَ مُحَكِّما
سليلُ ملوكِ الكفرِ فِي ذِرْوَةِ السَّنا / ووارِثُ ملكِ الرُّومِ أَقْدَمَ أَقْدَما
توسَّطَ أَنسابَ القياصِرِ فانتمى / من الصِّيدِ والأَملاكِ أَقرَبَ مُنْتَمى
ولما تقاضى غَرْبُ سيفِكَ نَفْسَهُ / وحاطَتْ لَهُ الأَقدارُ مُحْتَقَنَ الدِّمَا
وَلَمْ يستطِعْ نحوَ الحياةِ تأَخُّراً / بِفَوْتٍ ولا نحوَ النَّجاةِ تَقَدُّما
تدارَكُهُ المقدارُ فِي قبضةِ الردى / وخاطَبَهُ حنَّاً عَلَيْهِ فأَفْهَمَا
وبشَّرَهُ التَّأْمِيلُ منكَ بعَطْفَةٍ / تلقَّى بِهَا رَوْحَ الحياةِ تَنَسُّما
فأَشْرَعَ أرْماحَ التَّذَلُّلِ ظاعِناً / وأَصْلَتَ أَسيافَ الخضوعِ مُصَمِّما
وقابَلَهُ النصرُ الَّذِي لَكَ صَفوُهُ / مع السَّعدِ حَتَّى احتازَهُ لَكَ مَغْنَما
وقادَ لحبلِ الرِّقِّ نحوكَ نَفْسَهُ / فلاقاكَ مُمْتَنّاً ووافاكَ مُنْعِما
وحَفَّتْ بِهِ للحاجِبِ القائِدِ الَّذِي / أَبى الدهرُ إِلّا مَا أَمَرَّ وأَحْكَما
حمايَةُ آباءٍ ومنعةُ قادرٍ / يتَيهُ عَلَى صرفِ الزمانِ مُحَرَّمَا
فَراحَ ذليلاً ثُمَّ أَضحى مُبَجَّلاً / وأَمسى مُهاناً ثُمَّ أَصبحَ مُكْرَما
وأَصبحَ من حظِّ السلامةِ وافِراً / بأَن راحَ من عزِّ الإِمارَةِ مُعْدِما
ولاقاكَ فاسْتَخْذى لديكَ تذلُّلاً / ليحتازَ من أدنى رضاكَ تَرَحُّما
لئن خَفَرَتْهُ منكَ ذمَّةُ قادرٍ / لقد فارقَ الكُفْرَ الخَذُولَ مُذَمَّما
لئن سُمْتَهُ البأْساءَ فِي عُقْرِ دارِهِ / لقد عُضْتَهُ فِي دارِ ملكِكَ أَنْعُما
لَئِنْ خاضَ فِي اسْتِقبالِكَ الجودَ والنَّدى / لَقَدْ خاضَ فِي آثارِكَ النَّقع والدِّما
ومَرَّ يُبَكِّي من معاهِدِ مُلكِهِ / معالِمَ عَفَّتْها السيوفُ وأَرْسُما
تُراعُ بِهَا الأَجبالُ من رَنَّةِ الصَّدى / ويُذْعَرُ فِيهَا الطيرُ أَن يَتَرَنَّما
بسطْتَ لَهُ أَمْناً وَقَدْ بَسَطَ القنا / ثَرَى أَرضِه من هَلَّهَا بكَ أَعظُما
سقيتَ بِهِ الإِسلامَ أَرْياً وطالما / سقاهُمْ بكأْسِ الموتِ صاباً وعلقما
وها هُوَ ذَا فِي راحَتَيْكَ مُذَلَّلاً / رهيناً لما أَمْضَيْتَ فِيهِ مُحْكَّما
رمَى نفسَهُ قَسْراً إِلَى المَلِكِ الَّذِي / رأَى الدهرَ مملوكاً لَهُ فَتَعَلَّما
ولولا سيوف النصرِ حينَ انْتَضَيْتَها / لقد جلَّ هَذَا الصُّنعُ أن يُتَوَهَّما
فجاءَ وقَيْدُ الرَّوْعِ يَقصُرُ خطوَهُ / ويَمْتَدُّ فِي حبلِ الخضوعِ تَقَدُّما
يخاطِبُ عن رعْبٍ وإِن كَانَ مفصحاً / ويُفْصِحُ عن ذعرٍ وإِن كَانَ أَعجما
إِذا راعَهُ هولُ الجنودِ فأَحْجَما / تدارَكَهُ ذِكرى رِضاكَ فأَقدما
وَمَا كرَّ رجْعَ الطرفِ إِلّا وضَيغَمٌ / يُساوِرُ فِي رُعْبِ الأَسِنَّةِ ضيغما
وأَرْقَمُ يسطُو بالهواءِ اضْطِرابُهُ / يناهِسُ فِي ليلٍ من النقعِ أَرقما
وعِقبانُ أَعلامٍ تَمُرُّ يخالُها / عَلَى نفسِهِ فِي مَعْرَكِ الحربِ حُوَّما
فلله يومٌ جلَّ قدرُ عديدِهِ / وعُدَّتِهِ عن مِثْلَما وكأَنَّما
جنودٌ كَأَنَّ الأَرضَ من لَمَعانِها / بروقٌ تلالا أَوْ حَريقٌ تَضَرَّما
سحابٌ من البيضِ الخوافِقِ قَدْ عَلا / وبحرٌ من السَّرْدِ المضاعَفِ قَدْ طَمى
بكلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ كَأَنَّما / تَسَرْبَلَ من شمس الضِّحى وتَعَمَّمَا
يُحَيِّي الأَميرَ بالحياةِ مُبَشِّراً / وإِن كَانَ قَدْ فاجاهُ بالموتِ مُعْلِما
وَقَدْ طالَما لاقاهُ قِرْناً مُساوِراً / فَوَشْكَانَ مَا لاقاهُ حِزْباً مُسَلِّما
كَأَنَّ النجومَ الزُّهْرَ حَفَّتْ بوجْهِهِ / فأَدَّتْهُ محروساً إِلَى قَمَرِ السَّما
فقابَلَ وجهاً بالجمالِ مُتَوَّجاً / وقبَّلَ كَفّاً بالسماحِ مُخَتَّما
فَهُنِّيت يَا منصورُ سَعْداً مُجَدَّداً / وإِقبالَ صُنعٍ بالبقاءِ مُتَمَّما
ومُلِّيتَ من أَسباطِ مَجْدِكَ حاجِباً / يباشِرُ منه المجدُ والفخرُ مَقْدِما
رَمَيْتَ بِهِ بحرَ الضلالَةِ فانْتهى / وجَشَّمْتَهُ عِبْءَ العُلا فَتَجَشَّما
تَسَلَّيْتَ حَتَّى أُنْسِيَ الهائِمُ الهَمَّا
تَسَلَّيْتَ حَتَّى أُنْسِيَ الهائِمُ الهَمَّا / وأَغْنَيْتَ حَتَّى أُعْدِمَ المُعْدِمُ العُدْمَا
وإِلّا فكيفَ اغتالَتِ القُطْبَ والسُّها / وعارَضَتِ الجوزاءَ واعْتامَتِ النَّجْما
وكيفَ دَنَتْ منكَ الخطوبُ وَمَا رَجَتْ / بساحَةِ من والاكَ ظُلْماً ولا هَضْما
وكيفَ ابْتَغَتْ للسُّقْمِ عِنْدَكَ موضِعاً / وأَنتَ الَّذِي يشفي الإِلَهُ بِهِ السُّقْما
وكم رُعْتَها بالسَّيْفِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / فإِنْ أَقْدَمَتْ يَوْماً ففِي بَسْطِكَ السَّلْما
أَلا أَقْدَمَتْ فِي حَوْمَةِ الموتِ والرَّدى / تُطارِدُهُ حمرا وتبهره قدما
وَهَلَّا وأَبْصارُ الكُماةِ شواخِصٌ / وبِيضُ الظُّبى تَحْمى وسُمْرُ القَنا تَدْمى
وَمَا كَانَتِ الحُمَّى بأَوَّلِ كاشِحٍ / سَعى لَكَ بالبُؤْسَى فجازَيْتَهُ النُّعْمَى
فأَوْلَيْتَها الصَّبْرَ اللَّجوجَ إِلَى العِدى / وَعَرَّفْتَها الصَّبْرَ الخَرُوجَ من الغُمَّى
ومن قبلُ مَا أَوْسَعْتَها صَدْرَ صافِحٍ / ونفساً يَلَذُّ المِسْكَ أَنفاسُها شَمَّا
فإِنْ جُدِّدَتْ فِي بُعْدِها لَكَ صِحَّةٌ / فمِنْ بَعْدِ أَنْ زَوَّدْتَها الطِّيبَ والحلْما
وإِنْ تَلْقَ جِسْماً بعد جِسْمِكَ فِي الورى / وكَيْفَ بِهَا أَنْ تَرْتَضِي بَعْدَهُ جِسْما
فَقَدْ أَهْدَتِ البُشْرى إِلَيْهِ وأَفْرَغَتْ / عَلَيْهِ السُّرورَ المَحْضَ والكَرَمَ الجَمَّا
وَمَا نَقَصَتْ منكَ الليالي فَعُوَّدٌ / عَلَيْكَ بِهِ إِلّا الخَطِيئَةَ والإِثْما
وعندَ ذُبُولِ الرَّوْضِ يُرْجى لَهُ الحَيا / وعِنْدَ محاقِ البدرِ يَسْتَقْبِلُ التِّما
ومَنْ يَصْلَ نارَ الحربِ فِي جاحِمِ الوغى / فلا غَرْوَ أَن يَحصى حشاهُ وأَنْ يَحْمى
ولا عَجَبٌ من وَهْن جسمٍ تعاوَرَتْ / قواهُ الحصونَ الصُّمَّ والمُدُنَ الشُّمَّا
فَبَسْطَةُ باعٍ جازَتِ الوَهْمَ والمدى / ورَحْبُ ذِراعٍ حازَتِ العُرْبَ والعُجْما
فإِنْ يَبْقَ من شكواكَ باقٍ فَهَذِهِ / تمائِمُكَ اللاتي شَفَيْتَ بِهَا قِدْما
خيولاً كساها الجَوُّ نُوراً فأَقْدَمَتْ / مُحَجَّلَةً غُرّاً وإِنْ نُتِجَتْ دُهْما
وبيضاً تَشَكَّتْ من شَكاتِكَ وَحْشَةً / بما أَنِسَتْ حَتَّى قَرَنْتَ بِهَا العَزْما
وسُمْراً كَأَنَّ الليلَ لما سَرَيْتَهُ / كَسا كُلَّ لَدْنٍ من كواكِبِهِ نَجْما
وكُلَّ غَريقٍ فِي الحديدِ كَأَنَّما / تَسَرْبَلَ من غَزْلِ الغزالَةِ واعْتَمَّا
تهاوَتْ بِهِ الأَهواءُ حَتَّى أَمَمْتَهُ / إِلَى طاعَةِ الرحمنِ فانْقَادَ وائتَمَّا
فلم يَدْرِ إِلّا ظِلَّ مُلْكِكَ مَوْطِناً / ولا والِداً إِلّا لَدَيْكَ ولا أُمَّا
ويا ذَا الرِّياساتِ افْتَتِحْ فَقَدِ انْجَلَتْ / فواتِحُكَ اللاتِي ضَمِنَّ لَكَ الحَتْما
ويا مُنْذِرَ الراياتِ والسَّابحاتِ قُمْ / فأَنْذِرْ عِداكَ الذُّلَّ والخِزْيَ والرَّغْما
ونادَتْ بكَ الدنيا أَبا الحَكَمِ احْتَكِمْ / بِحَوْلِ الَّذِي أَلقى إِلَى يَدِكَ الحُكْما
وأَوْفِ عَلَى العَلْياءِ واسْتَوفِ أَنعُماً / حباكَ الَّذِي يَحْبُو بأَجْزَلِها قِسْما
أُهَنِّيكُما مَا يَهْنِئُ الدِّينَ مِنكُما
أُهَنِّيكُما مَا يَهْنِئُ الدِّينَ مِنكُما / هدىً ونَدىً فلْيَسْلَمِ الدِّينُ واسْلَما
وشهرٌ تولَّى راضِياً قَدْ بلَغْتُما / مداهُ كِراماً قُوَّمَ الليلِ صُوَّما
وفِطرٌ تحلَّى بالصلاةِ إلى الَّذي / دَعَوْناهُ ألّا يُوحِشَ الأرْضَ مِنكُما
فأسْفرَ عن وجْهٍ تجلَّى سَناكُما / وصدقٍ تجلَّى بالسلامِ عَلَيْكُما
وأكرِم بِه فِطراً يْبَشِّرُ بالمُنى / وعيداً مُعاداً بالسرورِ لَدَيْكُما
ولم أرْ يوماً كَانَ أبْهجَ مَنظَراً / وأسْنى وأسْرى فِي القلوبِ وأكْرَما
وأكبَرَ أَقماراً عَلَوْنَ أهِلَّةً / وعالَيْنَ فِي جَوٍّ من النَّقْعِ أنْجُما
ولا مَلِكاً قَدْ عظَّمَ اللهُ قَدْرَهُ / أَقَلَّ اختيالاً منكُما وتَعَظُّما
يُضاحِكُ فِيهِ الشمسُ دُرّاً وجَوْهَراً / ويحسُدُ منهُ الرَّوْضُ وَشْياً مُنَمْنما
وخُطَّابُ أمرِ الثَّغْرِ قَدْ صَدَقَتْهُمُ / عيونٌ يُعَفِّينَ الحديثَ المُتَرْجَما
خَلَتْ لكَما من كلِّ بَعْلٍ ومالِكٍ / ونادتكُما للنّصْرِ فَذَّاً وتَوْأمَا
دوالَيْكُما إنَّ الرَّمايا لِمَنْ رَمى / ودونَكُما إنَّ العزيزَ لِمَنْ حَمى
فإنَّ جَنِيَّ الباسِقاتِ لِمنْ جَنى / وإنَّ سماءَ المَكرُماتِ لِمَنْ سَما
وما تَيَّم الأخطارَ والرُّتَبَ العُلى / كَمَنْ باتَ مَشْغوفاً بِهِنَّ مُتَيَّما
ومَنْ رَفَعَ الأعلامَ فِي السَّلْمِ والوغى / لِيجعلَها للحقِّ والعدلِ سُلَّما
ومَنْ ليسَ يرضى الفضلَ إلّا مُبادِئاً / ولا يصنَعُ المعروفَ إلّا مُتَمِّما
ومن لا يرى نَيْلَ المراتِبِ مَغنَماً / لمَنْ قَدْ يرى بذلَ الرَّغائِبِ مَغرَما
ومن حَدَّ ألّا يُورِدَ الماءَ خيلَهُ / غداةَ الوغى حتَّى يخوضَ بِهَا الدَّما
ومن ليسَ يرضى حُكْمَ يُمْناهُ فِي العِدى / إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ النَّدى مُتَحَكِّما
ومن بَشَّرَ الإسلامَ بالسَّلْمِ قادِماً / وأنذرَ حِزْبَ البَغيِ بالسيفِ مُقْدِما
مكارِمُ تعتامُ الكِرامَ فلا تَبِتْ / كريمةُ هَذَا الثغرِ منهنَّ أَيِّما
فَشُدَّا لَهَا مِيثاقَ مَهْرٍ مُؤجَّلٍ / وسُوقا إليها المَهْرَ مَهْراً مُقَدَّما
فقد لَبِسْتَ بُرْدَ الوفاءِ وَقَلَّدَتْ / ترائبَها عِقْدَ الوفاءِ مُنَظَّما
وقد أشرَقَتْ مِنْ فَوقِ تاجُو مُنِيفَةً / بتاجِ هِلالٍ قَدْ تَكَلَّلَ أنْجُما
وأنَّى بِهَا عن كُفْرِها ومَلِيكِها / وبالهائِمِ المُشْتاقِ عَنْها وعَنْكُما
وفِلْذَةُ قَلبي فِي حِماها رَهِينَةً / وإنسانُ عَيْني فِي ذَراها مُخَيِّما
تَقَسَّمَ رَيْبُ الدَّهْرِ والنَّأي شملَنا / وقلباً غدا لِلبَينِ نَهْباَ مُقَسَّما
فما نَأْتسِي إِلّا أَسىً وتَعَزِّياً / وَمَا نلتَقي إِلّا كَرىً وتَوَهُّما
لياليَ كالإِعدامِ طَوَّلَها الأَسى / وطاوَلْتُها حَوْلاً وحَوْلاً مُجَرَّمَا
أَسَهْماً رماهُ عن قِسِيِّ جَوانِحِي / فِراقٌ فوَالى منهُ قَلْبيَ أَسْهُما
بذكراكَ شَاجَيْتَ الحمامَ فلَوْ وَفى / لأَنباكَ عن شَجْوِي إذَا مَا تَرَنَّما
وإِنْ يَرْعَ لي وَكْفُ الحيا حقَّ مُسعِدٍ / يُخَبِّرْكَ عن دمعي إليك إذا همى
فكم عذتُ من لَيْلِ الهمومِ بلَيْلَةٍ / تركتُ بِهَا الأَجفانَ حَسْرَى ونُوَّمَا
فأَسْرَيْتُها بِالشِّعْرَيَيْنِ مُفَرِّطاً / وأَفْنَيْتُها بالقلبِ عنها مُخَيِّما
وكم ليلةٍ ليلاءَ وافَيْتُ صُبْحَها / أَذَرَّ عَلَى عيني ظلاماً وأَظْلَما
دُجىً مثلَ جِلْبابِ السماءِ اسْتَمَرَّ بِي / فَقَنَّعَ فَوْدَيَّ المشيبَ وعَمَّما
وصبحاً كسا الآفاقَ نُوراً وبهجةً / ووَجْهِيَ قِطْعاً من دُجى الليلِ مُظْلما
وكم لُجَّةٍ خضراءَ من لُجَجِ الرَّدى / ركبتُ لَهَا فِي الليلِ أَظْلَمَ أَدْهَما
كسا الصُّبْحُ أَعلاهُ مُلاءً مُهدَّباً / وأَسفَلَهُ الإِظلامُ بُرْداً مُحَمَّما
إذَا رَقرَقَتْ رِيحُ الصَّبا من جَناحِه / تَحَمَّلَ أُكْمَ الموتِ غَرْقى وعُوَّما
فأَهْوِ بِهِ فِي مُفْرَجِ الموتِ حَيَّةً / وأَعْلِ بِهِ فِي هَضْبَةِ الحَيْنِ أَعْصَما
خطوباً لبستُ الصَّبْرَ حَتَّى جَعَلْتُها / لِمَرْقى أَيادِي العامِرِيِّينَ سُلَّما
فأَصْبَحْتُ نَجْماً فِي سماءِ كَرَامَةٍ / مُحَيَّاً مُفَدَّىً بالنُّفوسِ مُعَظَّما
مَليكَيْ زمانَيْنا وجارَيْ دِيارِنا / بِزَاهِرَةِ المُلْكِ الَّتِي أَنْجَبَتْهُما
بعِزِّ لواءٍ يبلُغُ النجمَ إِنْ عَلا / وبَحْرِ عَطاءٍ يَرْغَبُ الأَرْضَ إِنْ طَمى
وخيلٍ تَهُدُّ الأَرضَ تَسْرِي وتَغْتَدِي / تقودُ ملوكَ الأَرضِ أَسْراً ومَغْنَما
أَما والقُصورِ البِيضِ منها وَمَا حَوَتْ / من الصِّيدِ كالآسادِ والبِيضِ كالدُّمى
وَمَا عَمَرَتْ منها الليالي وغَيَّرَتْ / وشَيَّدَ أَمْرُ اللهِ فِيهَا وهَدَّما
وعافِي قُصورٍ من قصورٍ بَلاقِعٍ / إذَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ فِيهِنَّ أَظْلَما
لقد سُلِّيَتْ عنها بلادٌ حَوَتْكُما / وَقَدْ عُوِّضَتْ مِنها جُفونٌ رأَتْكُما
فآواكُما ذُو العَرْشِ فِي ظِلِّ أَمْنِهِ / ولا حَلَّ عَقْدَ النَّصْرِ منهُ عَلَيْكُما
جَزَاءً لما أَوْلَيْتُما وكَفَيْتُما / وآوَيْتُما من غُرْبَةٍ وكَنفْتُما