المجموع : 10
أَرى كُلَّ شيءٍ في البسيطةِ قد نَما
أَرى كُلَّ شيءٍ في البسيطةِ قد نَما / بعدْلِك حتى قد نَمَت أَنجمُ السما
تحلَّتْ بنجمٍ لا بل ابْتَسمتْ به / ومن سَرَّه شيءٌ يَسُرُّ تبسَّمَا
وما بَرِحَ الكفَّ الخضيبُ مُعَطَّلاً / فلما تحلَّى الدَّهرُ منكَ تختَّما
فلا يفتَخِرْ جوُّ السماءِ بنجْمِه / فكم أَطلَعَتْ أَفعالُكَ الغُر أَنْجُما
نجومُك ما أَعْيتْ على راصدٍ لها / وذا النجمُ أَعْيَا راصداً ومنجما
تخالفت الأقوال فيه وجمجت / ولم نر قولاً في معالِيكَ جَمْجَمَا
نراك نقلتَ الرُّمْحَ في الأُفْقِ راكِضاً / فأَبْقَيْت زُجّاً ثم أَلقيتَ لَهْذَما
وذا غلطٌ من فِكْرَتي إِذْ تَخَيَّلَتْ / وذا خَطَأٌ من خاطِري إِذ تَوَهَّما
أَبوك هو النجم الذي من مَحَلِّه / تطلَّع مُشْتاقاً إِليك مُسَلِّما
نُصرتَ بأَفلاكِ السماءِ فَشُهْبُهَا / خميسٌ به تُرْدِي الخميسَ الْعَرَمْرَمَا
فكم أَشرع الرمحُ السِّماكُ مُطاعِناً / عدوِّك حتَّى كادَ أَنْ يتَحطَّما
وما مَنْ غَدا في صفْحِة الأَرْض حاكماً / كمن ظلَّ في أُفْق السماءِ مُحَكَّمَا
رَقِيتَ إِلى أَنْ لم تَجِد لَك مُرتَقَى / وأَقدمْت حتى لم تَجِدْ مُتَقَدَّما
فما يُبرِم المقدارُ ما كنتَ ناقضاً / وما يَنْقُضُ المقدارُ ما كنت مُبرِما
فِدىً لابن أَيوبَ النجومُ فإِنهم / له خدم يُفدون منه المُخدَّما
وما زال أَعْلَى بالمكانةِ منهمُ / وما زالَ منهمْ بالهِداية أَعْلما
فلا تَقْرِبوه بالملوك فإِنَّهُ / أَجَلُّهُم أَرضاً وأَعلاهُم سَما
يَخِفُّون جهلاً حين يحلُم قُدْرةً / ويَخْفَون ذُلاً حين يبدُو تعظّما
إِذا بَخِلُوا أَعْطَى وإِن عَاقَبوا عَفا / وإِن غَدَرُوا أَوْفَى وإِن هَبَطُوا سَمَا
فَسيرَتُه لم تُبقِ في الأَرْضِ ظالِماً / ونائِلُه لم يُبق في الخلق مُعْدِمَا
له نَائِلٌ يَسْعى إِلى كُلِّ سَائِلٍ / فيطلبُه بالماءِ والزَّادِ أَيْنَما
وكم أَفْسَدَتْ أَموالُه قاصداً له / وقد يَرْجعُ الشِّيءُ الصحيحُ مُسقَّما
أَتاهُ فأَلفاه رَبيعاً وقبلَه / رأَى كلَّ جود في الأَنام المُحرَّما
ويَحْسبُه أَسْرى إِليه وإِنَّما / إِلى البَدْرِ أَسْرى أَو إِلى الْبَحر يَممَّا
أَصاب بكَ اللهُ البلادَ فَصَابَها / وهل يُخْطِئُ المرمَى ورَبُّكَ قد رَمى
ولو شَاءَ أَن يُغنِي الخلائقَ كلَّهم / لولاَّكَ أَرْزاقَ العِبادِ مُقَسِّما
فَفَخْراً لقدْ أَصبحتَ للخلق مَالِكاً / وأَصبحتَ فيهم للجميل متمِّما
وإِن أَخْطَئُوا لم يُخطِئُوا من جهالةٍ / عليكَ ولكن يُخْطِئُون لِتَحلُما
وسكتةُ حلم تُسْمع النَّهْيَ للنُّهى / وشكوةُ حَزْم يَخْفِض الدَّم للدِّمَا
لقد نُصِر الإِسلامُ منكَ بناصرٍ / يرى مغْنماً في الدِّين ما كان مَغْرَما
يذُبُّ عن البيتِ المحرِّم جُنْدُه / فلولاهُمُ ما كان بيتاً مُحرَّما
ولولاهُمُ ما كانَ زمزمُ زمزماً / ولولاهُمُ كان الحطيم مُحَطَّما
وأُقْسِم ما صَلَّى الحديدُ ترنُّما / ولكنَّه صلَّى عليه وسَلَّما
وأَثْنَى عليه كلُّ شيءٍ محبةٍ / وعادَ فصيحاً فيه ما كان أَعْجما
ففي مدحه صار النَّسيبُ مؤخَّراً / ومن أَجْله عاد المديحُ مقدَّما
رأَى ما دِحُوه المدح أَوْلَى فأَقْبلوا / عليه وخَلَّوا ذكر سُعدى وَكُلْثُما
ولو أَنصفَ الصبُّ المتيّمُ نفسَه / لما عَشِقَ الأَلْمَى ولا قبَّل اللَّما
ولولا اعتقادٌ للنفوسِ محبَّبٌ / لكان الكَرى كالسُّهدِ والرِّيُّ كالظَّما
له مُنْصُلٌ لا يَنْقَضي فرضَ حَجَّةٍ / فبالضرب لبَّى وهو بالسَّلِّ أَحرما
تنسَّك بالإِسلام لكن رأَيتُه / يَحِلُّ به بالشَّرعِ أَنْ يشْرَبَ الدِّما
فكم سَلَّ لمَّا سُلَّ من بطْنِ غِمدِه / لسانَ دَم من ضَرْبَةٍ خَلَقَتْ فَمَا
إِذا ما صلاحُ الدينِ سَار بجَيْشِه / فليس الحِمَى إِنْ أَمَّه الجيشُ بالحِمَى
تكاثَفَ فيه النَّقعُ واسْتُلَّت الظُّبى / بآفاقِه حتَّى أَضَاءَ وأَظْلَما
طليعتُه الوحشُ الضَّواري مُشيحةً / وساقَتُه الطَّيرُ الجوانحُ حُوَّما
يَقُولُ الذِي يَلْقَاه كَمْ فيه فَارساً / فَيُخْبِرُه المهزُوم كَمْ فيه ضَيْغَما
وكمْ فيه مَنْ يَلْقَى الكميَّ مقنعاً / بفرْحَةِ من يَلْقى الحبيبَ مُعَمَّمَا
وكم فيه من يَرْمِي ببعضِ سِهَامِه / فَيتْرُك دِرْع القِرْن بَرْداً مسَّهما
فيا قائِمَ الإِسلامِ حقّاً لقد غَدا / بك الدِّين دِيناً مثلَ ما قيلَ قيِّما
أَعدت إِلى مصرٍ سياسةَ يوسُفٍ / وجدَّدت فيها من سَمِيِّكَ مَوْسِمَا
فلم تُرَ إِلاَّ بهجةُ العدل منكما / ولم تُرَ إِلا سُنَّةُ العدلِ عنكما
كما أَنت فيها عادلٌ كان عادلاً / كما أَنْتَ فيها مُنْعِمٌ كان مُنْعِمَا
وأَحييتَ فيها الدِّينَ بعد مَماتِه / فأَنْتَ ابْنُ يعقوبٍ وأَنت ابنُ مَرْيَما
بقيتَ إِلى أَنْ تملكَ الأَرضَ كلَّها / ودُمْتَ إِلى أَنْ يرجعَ الكفرُ مُسْلِما
وقرَّتِ بسيف الدِّين عينُك إِنَّه / حُسَامٌ به تُزرِي الحُسامَ المُصَمْصَما
شبيهُك عدلاً أَو شريكُك نسبةً / فيا طيبَ أَصلٍ فيكما قد تقسَّما
وكَمْ قائلٍ من يملكُ الدَّهرَ قادراً / عليه فقلْتُ المالكانِ له هُمَا
مَدَحْتُ السُّرى وهي الحقيقةُ بالَّمِّ
مَدَحْتُ السُّرى وهي الحقيقةُ بالَّمِّ / لفرقةِ أَرضٍ غاب عن أُفْقِها نجمي
إِذا خَلَتِ الأَوطانُ ممن أُحبُّه / فلا قامَ فيها للحَيَا موسُم الوَسْم
ديارٌ رأَيتُ الصُّبحَ من بعدِ أَهْلِها / أَشدَّ سواداً من حَنادسِه الدُّهْم
خَلَتْ من حبيبِ القلب إِلا خيالَه / كجسمي خَلاَ بالبَينِ إِلاَّ من السُّقْم
يُسائِلُني عنه صداها لظَنِّه / بأَن الصَّدى والرَّسمَ صَوْتي مَعَ الجسم
حَبيبي له مِّني الفؤادُ صَبَابةً / بأَجْمَلَ من جُمْلٍ وأَنعَمَ من نُعْم
قرأتُ كتابَ الحُسْنٍ من خَطِّ خدِّه / أَلم تَره في خَدِّه واضحَ الرَّقْم
فباءُ عِذَارٍ فَوْقَه سِيْن طُرَّةٍ / إِلى ميمِ ثَغْرٍ فَهْو أَوَّلُه بَسْم
وقيل تُسَمَّى الخمرُ إِثماً وإِن يكن / فريقتُه الإِثم البَرِيءُ من الإِثم
كأَنيَ لم أَسْكَر بخمرةِ رِيقه / وعَرْبَدْت لكنْ فَوْقَ خدَّيهِ باللَّثم
ولم أَر غُصْناً مائِلاً مِنْ قَوَامِه / يُقوِّمه لكِنْ عِنَاقِيَ أَو ضَمِّي
ولم أَصرع العذَّالَ في مَعْركَ الهوى / ومن قدِّه رُمْحِي ومِنْ لَحْظِه سَهْمِي
ولم تَلْتقِ الرُّوحان رُوحِي ورُوحُه / وغايةُ غيرِي يَلْتقي الجسمُ بالْجسْم
ولم أَرْضَ منه جنَّةً هان عِنْدَها / عليَّ دخولُ النارِ فيها عَلى عِلْم
زمانٌ كأَنِّي لم أَفُزْ فيه بالمُنىَ / ولم تَنْزِلِ اللَّذاتُ فيه على حُكْمي
فحِلْميَ إِلاَّ فيه حِلْمُ ذوي النَّهى / وصَبْرِيَ إِلاَّ عنه صبرُ أُولي العزم
وذاك دنوٌّ آل مني إِلى النَّوى / وذاك سرورٌ آل منه إِلى الهمِّ
كذا خُلِقَتْ فالقربُ للبعْدِ والرِّضَا / إِلى السُّخْطِ والقَصْرُ المشيدُ إِلى الْهَدْم
نَسيتُ سِوى دارٍ بكيتُ برَسْمِها / وذَلِكَ رَسْمي إِنْ وَقَفْتُ على الرَّسم
وديعةُ مسكٍ في ثَراها وجْدتُها / فصيِّرتُ لَثْمِي للوَدِيعةِ كالخَتْمِ
على سُنَّةِ العُشَّاقِ أَو بِدْعةِ الهوى / حَمَلْتُ بجهْلي إِذْ جهِلْتُ على حِلْمِي
ولكنني أَنْشَرْتُ فهمِي من البِلَى / كما أَنَّنِي أَيقظْتُ حِلْمي من الحُلْمِ
وأَقبل نُسْكِي حينَ ولَّتْ شَبيبَتي / وآضَ اجْتِرامِي حين عاتَبَه حزْمِي
فجِئْتُ إِلى الإِسكندريةِ قاصداً / إِلى كعبةِ الإسلامِ أَو عَلَمِ العِلْم
إِلى خيرِ دينٍ عنده خَيْرُ مُرشِدٍ / وخيرِ إِمامٍ عنْدَهُ خيرُ مُؤْتَمِّ
إِلى أَحمدَ المُحيي شَريعةَ أَحمدٍ / فلا عَدِمتْ منهُ أَباً أُمَّهُ الأُمِّي
حَمَى بدُعاءٍ أَو هَمَى بفوائدٍ / فبُورِكَ مَنْ ما زَال يَحْمي كما يَهْمِي
تقوَّس تقويسَ الهِلالِ تهجُّداً / وذاك هلالٌ يَفْضَحُ البدرَ في التمِّ
إِذا ما شياطينُ الضَّلالِ تمرَّدت / جِدَالاً فمِنْ أَقواله كَوْكَبُ الرَّجْمِ
تكادُ لديْه العربُ والفخرُ فَخْرُها / تُقِرُّ به أَنَّ المفاخرَ في العُجْمِ
أَبُو الدَّهر عمراً واعْتِزَاماً ومنصِباً / فلا ذاقَ منه دهرُه فَجْعَةَ اليُتْم
أَتيتُ له مُسْتَشْفِعاً بدُعائِه / يُقِيلُ به جُرْمِي ويَشْفَعُ في إِثمِي
ويمَّمْتُ يمّاً حُزْتُ في اليَمِّ قَبْلَهُ / إِليه فمِنْ يمٍّ وَصَلْتُ إِلى يَمِّ
وفارَقْتُ مَالا يُسْتَطاعُ فِراقُه / فيالكَ عَدْلاً لاَحَ في صُورَةِ الظُّلْمِ
وخلَّفتُ إِخواناً كِرَاماً ومَعْشَراً / إِذا مَرِضُوا دَاوَوْا سقيمَهمُ باسمي
فهل عِندَكُم أَنِّ نزلتُ بِبَلْدَةٍ / هي الثغرُ إِلاَّ أَنه بَاردُ الظَّلْم
ترى أَهُله كسبَ المحامِد في النُّهى / وحَوْزَ العُلى في البِرِّ والغُنمْ في الغُرْمِ
شَكْرتكُمُ يا أَهْلَ اسْكندريَّةٍ / لأَنَّكُمُ أَنأَى الأَنامِ عن الذَّمِّ
فإِن أَنا واصَلْتُ المقامَ فعن رِضىً / وإِنْ أَنا أَزْمَعْتُ الرَحيلَ فَعَنْ رَغْمي
سأَحبوكُم رِقَّ القوافي فإِنَّني / بغير اخْتِلاقٍ مَالِكُ النَّثْرِ والنَّظْمِ
تقنَّعتُ لكِنْ بالحبيبِ المعَّمَّمِ
تقنَّعتُ لكِنْ بالحبيبِ المعَّمَّمِ / وفَارَقْتُ لكِنْ كلَّ عَيْشٍ مُذَمَّمِ
وبَاتَتْ يَدِي في طاعةِ الحُبِّ والهَوى / وِشاحاً لخَصْرٍ أَو سِواراً لِمعْصَمِ
وأَثْريتُ من دينار خَدٍّ مَلكْتُه / وأَحسنُ وَجهٍ بعدَه مثلُ دِرْهمِ
يزيدُ احْمِراراً كُلَّمَا زدْتُ صُفْرَةً / كأَنَّ به ما كان فِيَّ مِنَ الدَّم
توقَّد ذاك الخدُّ فاخضَرَّ نُضْرَةً / فأَبْعدتُ مِنْهُ جَنَّةً فِي جَهَنَّمِ
وفيه خَطُّ مِسْكٍ لاَحَ في طِرْس وجنة / لها الوردُ يُعزَى والبَنَفْسَجُ يَنْتمِي
وما زالَ سُقْمِي قبل يومِ وصالِه / يَنمُّ بعشْقي للعِذَارِ المُنَمْمَمِ
وبتُ اشتياقاً إِذْ تَلَثَّم فَوْقَهُ / وما بُغْيَتي إِلا بَلْثم الملثَّم
ولا عجباً إِنْ مِتُّ فيه صَبابَةً / فما النَّفْسُ إِلا بعْضُ مَغْرَم مُغْرَمِ
بنفْسِيَ من قبَّلتُه وَرَشَفْته / فقال الْهَوى فُزْ بالحطيمِ وزَمزمَ
وجرَّدتُ قلبي من ثياب هُمُومِه / فطافَ به والقلبُ في زِيِّ مُحرِم
وعَطِّر لفْظِي في الحَديثِ سُلوكُه / على قُبلةٍ قد كان أَوْدَعَها فَمي
سَعِدْتُ ببدر خَدُّه بُرجُ عَقْرَب / فكذَّب عندي قولَ كُلِّ مُنجِّم
إِليك فما بَدْرُ المقنَّعِ طالعاً / بأَسحرَ من أَلحاظِ بدرِي المعمَّم
وأُقْسِمُ ما وجهُ الصَّباحِ إِذا بَدا / بأَوضحَ مِنّي حُجَّةً عند لُوَّمي
ولا سيّما لمّا مررتُ بمنزلٍ / كفضلةِ صبرٍ في فؤَادٍ متيَّم
وما بان لي إِلاَّ بعُودِ أَراكةِ / تعلَّق في أَطرافِه ضَوْءُ مَبْسِمِ
وقَفْتُ به أَعتاضُ عن لَثْمِ مَبْسِم / شهِيٍّ لقلبي لَثْمَ آثَارِ مَنْسِمِ
ودِمْنةُ من أَهواهُ في الحُسْنِ دُميَةٌ / وتصديقُ قولِي أَنَّها لم تكَلَّم
بكَيْتُ بكِلتَا مُقْلتيَّ كأَنَّني / مُتمِّمُ مل قد فَاتَ عَيْنيْ مُتمّمِ
ولم يَرَ طَرْفِي قطُّ شَمْلاً مبدَّداً / فقابَلَهُ إِلاَّ بدمعٍ مُنظَّم
تَبَسَّم ذاكَ الثَّغْرُ عَنْ ثَغْرِ دَمْعَةٍ / وَرُبَّ قُطوبٍ كَامِنٍ في التَّبسُّمِ
ولم يُسْل قَلْبِي أَو فَمي عن غَزَالةٍ / وعن غَزَلي إِلا مديحُ المُعظَّم
هو الْملِكُ المُعْطِي الممالِكَ عُنْوةً / بمَجدٍ صميمٍ أَو بجِدٍ مُصَمِّم
إِذا حَازَ مُلْكاً ثم أَطْلَقَ ربَّه / سليماً فقد فازَ الطليقُ بِمَغْنَمِ
تَخِرُّ لديه رهْبَةً مِنْهُ سجَّدا / ملُوك البَرايَا من فَصِيحٍ وأَعجم
إِذا خرَّ منهم ساجدٌ كَانَ شأْنُه / كما قِيل قِدْماً لليَدَيْنِ وللفَمِ
سَلاَمُ الذي يأْتيه منهم سجوده / لأَبلجَ هطَّالِ اليمينين مُنْعِم
ففي أَرضه من لَثْمِه إِثْرُ مَبْسمٍ / وفي وجهه من تُرْبِهَا إِثرُ مَيْسَمِ
غدا بأْسُه يحمي حِمَاه وقد غَدَا / به الدّهر منه يَسْتَعِد ويَحْتَمِي
فلو ذَكَرَتْه الطيرُ أَو سمَّت اسمَه / لما راعَها في جوِّها بأْسُ قَشْعَمِ
أَخو فَتكاتٍ لا تزالُ سُيُوفُه / تَخُطَّ سطورَ النَصر في جَبْهَةِ الْكَمِي
فقد أُرْسِلتْ حتْفاً إِلى كلِّ كافرِ / كما أُرْسِلتْ فَتْحاً إِلى كُل مُسْلِم
وأَصبح يُعْدى السيفَ تَصميمُ عزمِه / فمنْ ذَا يُسَمَّى بالحُسامِ المُصَمِّم
وأَسهمه في صَدِّ كلِّ مُدرّع / فما الدِّرعُ منها غيرُ بُرْدٍ مُسهَّمِ
إِذا صاد غِزْلاَنَ الفَلاَ كُلُّ أَصْيَدٍ / فمولاهُمُ من صَيْدهِ كُلُّ ضَيْغَم
ومَنْ إِن تَحلَّتْ خيلُهم كَانَ طَرْفُه / محلَّى بما أَجرى عليه من الدّمِ
ومن عدَّ رَكْضَ الخَيْلِ نَوْعَ استراحةٍ / وعدَّ لِبَاس الدِّرْعِ بَعْضَ تَنَعُّم
فأَعطرُ طيبٍ عنده نَقْعُ مَعْرَكٍ / وأَوْطَا مِهادٍ عندهُ ظَهْرُ شَيْظَم
وكَمْ عابِدٍ من قبلهِ لابن مريمٍ / رآه فَأَضْحَى كافراً بابْنِ مريم
له الجُرْدُ لا تَدْرِي سِوى الكرِّ وحْدَه / وإِن كان كرّاً بين نَصْلٍ ولَهْذَم
تَصامَمُ عنه إِذ يقولُ لها قِفي / وتَسْمَعُ منه إِذْ يقولُ لها اقْدمِي
وكَمْ قلعةٍ فوقَ السماءِ أَساسُها / وعامِرُها من أَسلافِ عاد وجُرْهُم
رقى سلَّماً للعِزِّ أَوصَلهُ لها / فقد نالَ أَسبابَ السماءِ بِسُلَّمِ
أَتاها وكانت ذَاتَ قصرٍ مشيّدٍ / فأَضحت لديه ذَاتَ سُورٍ مُهدَّم
ولم يبق من أَبطالها غيرُ أَعزبٍ / ولم يَبْقَ من نِسْوانِها غَيْرَ أَيِّم
لَكَ اللهُ مَلْكاً لا تزالُ يمينهُ / تجودُ بشَهْدٍ أَو تجودُ بعَلْقَمِ
فتَهمِي على العادين طوراً بأَبْؤُسٍ / وتهْمِي على العافِين طَوراً بأَنعُم
تَجُودُ إِذا ضَنَّ الغَمَامُ بقَطْرِه / فتُغنِي البرَايا عن سُؤَالِ مذمَّم
لقد جُدْتَ حتى عُدْتَ مُوجِدَ وَاجِد / لما يُرْتجى بل عُدْتَ مُعْدِمَ مُعْدِم
أَرى الكَرَم الفيَّاضَ منك سَجيةً / وكم من كريمٍ جودُه عن تَكرُّمِ
أَيا مَلِكاً أَرْجُو نَدَاهُ وإِنَّني / لامُلُ إِقْدَامي به وتَقَدُّمِي
رأَيْتُكَ بحراً طَبَّقَ الأَرضَ مَدُّه / فلم يَبْقَ عندي رُخْصَةٌ في التَّيَمم
وجئْتُكَ أَرجو منك كَبْتاً لحسّدِي / كما أَنَّ قَلْبِي فيكَ خَالَفَ لُوَّمِي
سَيخْدُمُ مِنك الشمسَ مني عُطَارِدٌ / ويُبْدي كلامِي في سَمائِكَ أَنْجُمِي
ويُغْنيكَ لَفْظِي عن حُسَامٍ مُجرَّد / وتُغْنِيك كُتْبي عن خميسٍ عَرَمْرَم
فخُذْها فقد جاءَتك من مُتَأَخِّرٍ / مُجِيد وليس الفَضْلُ للمتقدِّمِ
سُعودُك ردّت ما ادّعاه المُنَجِّم
سُعودُك ردّت ما ادّعاه المُنَجِّم / وقد كذَّبَتْه في الذي كَانَ يَزْعُمُ
يبشّر بالريح العقيمِ وإِنها / كما قال عمّا قَالَهُ بِكَ تعْقُمُ
ويُقْسمُ أَنَّ الأَمْر لابدَّ كائِنٌ / وبالأَمرِ قد أَحنَثْتَه حِينَ يُقْسِمُ
وجُودُك أَمْنٌ للوجودِ من الذي / عن الريح يَحْكي أَوْ بِه النَجمُ يَحْكُم
وقد قِيلَ أَحْكامُ النجومِ على الوَرى / وأَنت على أَحكَامِهَا تَتَحكَّم
وما بَرِحَتْ حبّاً تودّ لو أَنَّها / لناديك تَهْوى أَو لتُرْبِك تلثم
وأَنتَ الَّذي وهْي الَّتي في سمائِها / تُشِيرُ إِليها من بعيدٍ فَتَفْهَم
ويَلدغ فيها من يعاديك عقْربٌ / ويَفْرِسُ فيها مَنْ يُدانِيك ضَيْغَمُ
وتَحْنِي لك القوسَ التي من بروجها / فَترْمِي بها الأَعداءَ والشُهْبُ أَسْهُمُ
ولو شئتَ كانَتْ من هِباتِك إِنما / لَك الشمسُ دينارٌ لك البدرُ دِرْهَمُ
وما اجتَمَعَتْ إِلا لنَظْمِ قصيدةٍ / وأَنْتَ الذي علَّمْتَنَا كيفَ تَنْظِم
نُهنِّيك بالشهر المرجَّبِ إِنَّه / يُرجَّب فينا كاسْمِه ويُعَظَّم
وبالبرءِ من بعد البِشارة إِنَّه / لجسمك بُرْءٌ بعدَه ليس يَسْقُم
ونشهد أَن الشَّهرَ شَهْرٌ مبارَكٌ / عليك وأَن الْبُرْءَ بُرْءٌ متمَّمُ
وأَنَّكَ منها بِالهلالِ متوّجٌ / وأَنَّكَ منها بالثريا مُختَّمُ
وأَنك في الحالَيْن تعلُو وترتقي / وأَنَّك في الحَاليْن تَبقَى وتَسْلَم
وأَنَّك في البأْساءِ تُخْشى وتُتَّقى / وأَنك في السّراءِ تُعطي وتُنْعِمُ
فما يُبْرمُ المقدارُ ما أَنت ناقضٌ / ولا يَنْقُضُ المقدارُ ما أَنت مُبْرِم
تقوَّضُ أَطنابُ الزمان ترحُّلاً / وملكُكَ من بَعْد الزَّمان مُخَيَّم
ويُطْوى سجِلُّ الأَرضِ من قبلِ طيِّه / وتنهدِمُ الدنيا وما يُتَهدَّمُ
فبعداً لعبّادِ النُّجوم أَما دَرَوْا / بأَنك أَقوى بالأَنام وأَقْوَمُ
وما خَدَمُوا الأَفلاكَ إِلاَّ لأَنها / بأَمرِك تَجْري أَو لأَمْرِك تَخْدُمُ
أَراد ملوكُ الأَرض سَعْدَك واشْتَهوا / تعلُّمَه والسعْد لا يُتعلَّم
ملكتَ أَقاليمَ المُلوكِ وإِنَّما / سَهِرتَ وأَملاكَ الأَقاليم نَوَّم
تسلَّمها الأَملاك حقّاً وإِنَّما / لجيشك منها أَسْلَموا ما تسلَّموا
طلعتَ عليهم بالصَّباحِ من الظُّبى / يُحيط بِه لَيْلٌ من النَقْعِ مُظْلِم
فساءَ صَبَاحُ المنْذّرِين لأَنه / صباحٌ به زُرْقُ الأَسنةِ أَنجمُ
وجيشٌ به أُسْد الكريهة غُضَّبٌ / وإِن شئتَ عِقبانُ المنيةِ حُوَّم
يَعفُّون عن كسبِ المغانِم في الوْغَى / فليس لهم إِلاَّ الفوارسُ مَغْنَمُ
إِذا قاتلوا كانوا سكوتاً شجاعةً / ولكن ظُبَاهُم في الطَّلى تتكلَّم
بإِقدامِهم نالوا الحياةَ ورُبَّمَا / يُؤخِّرُ آجالَ الرِّجَالِ التَّقَدُّمُ
وأَنت الذي هذَّبْتهم فتهذَّبوا / وأَنت الذي فَهَّمتَهمْ فتَفهموا
وإِنَّهم يومَ الوغى بك أَقْدَمُوا / وأَعداؤُهم يَوْمَ الوغى بك أَحْجَموا
ضربت بهم قَوماً نياماً جهالةً / فلا نائمٌ إِلاَّ وأَيْقَظَهُ الدَّم
أَلِفت دِيارَ الكفرِ غزواً فقد غَدا / جوادُك إِذ يأْتي إِليها يُحَمْحَمُ
إِذا ما عصى عاصٍ عليك فإِنما / بحافرِه ما بين عينيه مَوسِم
تُقادُ لك الأَبْطالُ قبل لقائِهم / لأَنَّهمُ من نَقْع جَيْشِك قد عَمُوا
وما يعصمُ الكفارَ عنك حصونُهم / ولا شيءَ بعد الله غيرُك يَعْصِم
شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى نباتِها / وأَعْشَابَها مِنْ حُمرَةِ الدَّمِ عَنْدمُ
فكم قد أُقيمتْ جُمْعَةٌ ناصريَّةٌ / بها ومصلِّيها الخميسُ العَرَمْرمُ
وكم بِيعةٍ قد أَصبحت وهْي جامعٌ / وكم كافرٍ أَضحى بها وهْو مُسْلم
وكلُّ مكان أَنت فيه مباركٌ / وفي كلِّ يومٍ فيه عِيدٌ ومَوْسِمُ
تغايرتِ الأَقطارُ فيك فواحدٌ / لبعدِك يبكي أَو لقُربكَ يَبْسِمُ
ولا شك في أَن الديارَ كأَهلِها / كما قيل تَشْقى في الزمانِ وتَنْعَمُ
ينافسُ فيك النيلَ باناس غيرةً / ويحسُد لبناناً عليك المُقَطَّم
ولا بَرِحَتْ مصرٌ أَحقَّ بيوسُفِ / من الشامِ لكنَّ الحظوظَ تُقسَّم
وربَّ مليحٍ لا يُحَب وضِدُّه / يُقبَّلُ منه العيْن والخدُّ والفَمُ
هو الجَدُّ خذه إِن أَردت مسلِّما / ولا تطلبِ التعليلَ فالأَمرُ مُبْهَمُ
بمصرٍ كما بي من جَوىً وصبابة / كلانا مُعَنًّى بالأَحبَّة مُغْرَمُ
أَغارَ على قلبي حبيبٌ مقنَّعٌ / وحُكِّم في قَتْلي حبيبٌ معمَّم
وما قاتِلي إِلاَّ عِذارٌ وَوَجْنَةٌ / وما سالبي إِلاَّ سِوارٌ ومِعْصَمُ
أَرِقُّ لخَدٍّ ربُّه لا يَرقُّ لِي / وأَرحَمُ خِصْراً ربُّه ليس يَرحَمُ
فيا ناصرَ الدين الذِي بِحُسَامِه / ونائِلِه الفياضِ يسْلُو المتيَّم
لمدحك أَخَّرتُ النسيبَ تهيُّباً / وعندُهمُ أَنَّ النَّسيبَ يُقدَّم
أَرى طِبَّ جالينوسَ للجسمِ وحده
أَرى طِبَّ جالينوسَ للجسمِ وحده / وطبُّ أَبي عمرانَ للعقل والجِسْمِ
فلو أَنَّه طَبَّ الزمانَ بعلْمِه / لأَبْرأَه من داءِ الجهالَةِ بالْعِلْمِ
ولو كان بدرُ التِّم مَنْ يستطبه / لتَّم له ما يدَّعيه من التِّم
وداوَاه يوم التِّم من كَلَفٍ به / وأَبرأَه يومَ السِّرارِ من السُّقْم
عليكَ سلامُ اللهِ قَبْلَ سَلامي
عليكَ سلامُ اللهِ قَبْلَ سَلامي / وجازاك عنيِّ اللهُ قَبْلَ كلامي
تكَفَّلْتَ أَمْرِي واعْتَنيتَ بِقِصَّتِي / ونَوَّلْتَني بالفضلِ فَوقَ مَرامِي
وأَرْشَدْتَني بَعْدَ انْسِدَادِ مَذَاهِبي / وأَرْويتَني من بَعْدِ طُولِ أُوَامِي
وأَلبَسْتَني العزَّ الذي ذَلَّ بعدهُ / زمانِيَ حتى قُدتُه بِزِمَامِي
ورُبَّ عَدُوٍّ كان لي مِثلَ سيِّدٍ / فقد صارَ لي من ذِلَّةٍ كغُلامي
ولم يَبْقَ في نُعْمَاك إِلاَّ تَمامُها / وأَحسنُ نُعْمَى زُيِّنت بتَمامِ
لقد عذَّبَتْني بالغرامِ مليحةٌ
لقد عذَّبَتْني بالغرامِ مليحةٌ / وغَالِبُ ظَنِّي أَن يَكُونَ لِزَاما
وبرهانُ ما قد قلت أَن عذَابها / كما جاءَ في القرآن كَانَ غَرَما
تَلاقَى تَلاقي سَوْرَةٍ ليس تُعْلَمُ
تَلاقَى تَلاقي سَوْرَةٍ ليس تُعْلَمُ / فمسَّتُه من هجره لي تُحكَّمُ
أَناظِرُه في الهجر كيف استَجازَه / فيذكرُ بعضَ الحُسْنِ لي فأُسَلِّم
ولمَّا تولَّى الخدَّ والي عِذارِه / رفَعْت إِليه قِصَّتي أَتَظَلَّم
فوقَّع لي فيها بشَرْح صَبَابتي / وقال لِيَ السلوانُ شيءٌ محرّم
أَيلبسُ ثوبَ الخدِّ إِذ كان سَاذَجاً / ويتركه لمَّا غَدَا وهو مُعْلَمُ
سمعت بأَمرٍ ليتني لا سَمعْتُه
سمعت بأَمرٍ ليتني لا سَمعْتُه / فعندِيَ منه مُقعِدٌ ومُقِيمٌ
بأَنَّ الحَكيمَ الآنَ قَدْ تَرَكَ الطِّلاَ / وتابَ فَقُلْنا مَا الحكيمُ حَكيمُ
أَتُتركُ شَمْسُ الرَّاحِ وَهْيَ منيرةٌ / ويُتركُ وجْهُ البدر وهْوَ وَسيمُ
وما كُنْتُ أَخْشَى أَن يتوبَ لظَرْفِه / كمَا لسْتُ أَخشى أَنَّهُ سَيصُومُ
وكَمْ مِنْ يدٍ عند الحكيم لِكَأسِه / غَدَتْ وَلَها حَقٌّ عَلَيْهِ عَظِيمُ
أَنامَتْ له مَن لا يَنامُ وربَّما / أَقامَتْ له ما لاَ يَكَادُ يَقُومُ
وذلكَ إِنْعامٌ قَضى بنعيمهِ / ومَن جَحَد الإِنعامَ فَهْوَ لَئِيمُ
وإِن قالَ إِنِّي قد سَقمتُ بِشُرْبِهَا / فقد يعشَقُونَ الجَفْنَ وهْوَ سَقيم
وإِن قالَ إِنِّي قد سَلِمْتُ فإِنَّه / كما قيل قِدْماً للَّدِيغ سَلِيمُ
على الكوبِ من بَعْدِ الحكيم كآبةٌ / وفي الجام مِنْ بعدِ الحَكيمِ وُجُومُ
ومن بعدهِ زَوْجُ الخلاعةِ طالِقٌ / ومن بعدِه أُمُّ السرورِ عَقِيمُ
وعادت كؤوسُ الرَّاح وهي سِمَائِمٌ / لَديْنا وأَنفاسُ المُدامِ سُمُومُ
وطمَّنني إِبليسُ حين عَتِبْتُه / بأَنْ قال هَذا الأَمرُ لَيْسَ يَدُومُ
فإِنْ تَسْأَلُوني الحكيم فإِنَّني / خَبيرٌ بأَدْواءِ الحكيمِ عَلِيمُ
إِذا ما خَبا وهْجُ المَصيِف فإنَّني / بتحليلِ ناموسِ الحكيمِ زَعيمُ
على أَنَّهُ إِن كان قد تابَ مُخْلِصاً / وخاف عقابَ اللهِ وَهْوَ رَحِيم
فتوبتُه من سوءِ ظنٍّ بربِّه / تَعالىَ وإِلاَّ فالكريمُ كَرِيمُ
وصهباءَ رقَّتْ فاسترقَّتْ عُقُولَنا
وصهباءَ رقَّتْ فاسترقَّتْ عُقُولَنا / عَلَى أَنَّها قد أَعْتَقَتْنَا مِنَ الهمِّ
إِذا مُزِجَت كَانَ المزَاجُ فِدىً لها / ولو أَن ذاك المزْجَ أَخْفَى مِنَ الوَهْمِ