هلمّ بنا يا برْقُ في أبرقِ الحِمى
هلمّ بنا يا برْقُ في أبرقِ الحِمى / نُساقطُ دُرَّ الدّمْعِ فرداً وتوأما
هلمّ بِنا نقضي من النّدْبِ واجِباً / لعصرٍ مضى فيه وعهدٍ تقدّما
فإن كُنتَ لي يا برقُ عَوناً فقُم بِنا / نروّي قُلوباً صادياتٍ وأرسُما
تشبّهتَ بي دعوى ولو كنتَ مُشبِهي / بوجدٍ إذاً أصبحتَ تَبكي معي دَما
فكم بين باكٍ مُستهامٍ وبين مَنْ / تباكى خليّاً وهو يُبدي التبسُّما
تقمّصْتُ ثوباً من دُخانٍ ومهجتي / عليها قميصٌ من لظاكَ تجسّما
فوا عجباً تسقي الرّبوعَ مدامِعي / وقلبي إلى سُكّانِها يشتكي الظّما
أروحُ ولي قلبٌ إذا ما نضَحْتُه / بماءِ عُيوني كي يَبوخَ تضرّما
وأُمسي ولي دمعٌ يَجودُ بمُقلَتي / وثوبٌ إذا ما أحجَمَ الصّبرُ أقدَما
فللّهِ ما أجراهُ في مَعرَكِ النّوى / إذا الوجدُ أجرى جيشَهُ كَرّ مُعلما
فمَنْ لي بعصرٍ كلّما مرّ ذِكرُه / بسمعي حَلا عندي ووصلٍ تضرّما
وليلاتِ أُنس نادمَتني بُدورُها / وفي الأرضِ زارتْني بها أنجمُ السّما
شِهابٌ تظنّ الشُهْبَ فيها لحُسنها / ثُغورَ الغواني البيضِ في حوّةِ اللّما
سقى اللّه مغنىً بالحِمى صوبَ مُزنِه / يَحوكُ له وشيَ الرّبيعِ المُسهّما
ولا برحَتْ فيه الأقاحي ضواحِكاً / ولا صرفَتْ منها يدُ الدّهرِ دِرْهَما
محلٌّ به حلّ الشبابُ تمائِمي / فلا نقصَ إذ أصبحْتُ فيه متمِّما
ومصرعُ أسرى موثَقينَ قُلوبُهم / بحَومَتِه أضحتْ مع الطّيرِ حُوَّما
حَمى حُرمةً مسّ الصّعيد صِعادَه / وأصبح فيه السّيفُ بالحِلِّ مُحرِما
وثغرٌ غدت منه الثّنايا منيعة / فأضحى بنقْعِ الصّافِناتِ ملثّما
قد اِشتبهَتْ آفاقُه في عِراصِه / فكلٌّ حَوى منها بُدوراً وأنجُما
فكم ثَمّ من شمس بلَيلٍ تقنّعتْ / وبدرِ ظلامٍ بالنّهارِ تعمّما
وليثِ عَرينٍ بالحديدِ مسرْبَلٍ / وخِشفِ كِناسٍ بالنُضارِ تخزّما
تميلُ بأثوابِ الحرير غُصونُه / وتنطِقُ بالسحرِ الحلالِ به الدُمى
وتفترُّ عن ميماتِ تِبرٍ حِسانُه / يكادُ بهنّ الحُسنُ أن يتختّما
مكانٌ به كنزٌ من الحُسنِ لم يزل / بآياتِ أرصادِ الحديدِ مطَلْسَما
حمَتْهُ سَراةٌ لا تزالُ رُماتُهم / مفوّقةً للحَتفِ هُدْباً وأسهُما
قد اِتّخذوا للفتكِ والطّعنِ آلةً / قُدودَ العذارى والوشيجَ المقوَّما
يرونَ هَوانَ الحُبّ عِزّاً وسُؤدداً / وأحسنَ آجالِ النّفوسِ التّيتّما
تكادُ الأقاحي خجْلةً من ثُغورِهم / تَعودُ ثناياها شقيقاً مُعَندَما
إذا نظرتْ أقمارُهم عينَ مُبغضٍ / يُطالبُهم في مَغرَمٍ عاد مُغرَما
بروحيَ منهم جيرةٌ جاوَروا الحمى / فجاروا على قلبٍ بهم قد تذمّما
همُ ألهَبوا صدري وفيه توطّنوا / فللّه جنّاتٌ ثوَتْ في جهنّما
حلا لي بهِم مُرُّ العَذابِ كما حَلا / لنفْسِ عليٍّ خوضُها الحتفَ مطْعَما
هُمامٌ لدى الهيجاءِ لو أنّ بأسَه / ببحرٍ طَما في مدّه لتحجّما
وذو عزَماتٍ لو تُصاغُ صوارِماً / لأوشكْنَ في صُمِّ الصّفا أن تُصمّما
سُلالةُ خيرِ المرسَلين مطهّرٌ / أتى طاهِراً من كلّ أبلجَ أكرَما
أجلُّ مُلوكِ الأرضِ قدراً وقُدرةً / وأشرفُهم نفْساً وأطيبُ مُنتَمى
جوادٌ أتى والجوّ جَونٌ فأصبحتْ / أياديه فيه كالشِّياهِ بأدْهَما
ووافى المَعالي بعدما خرّ سقفُها / فشيّد من أركانِها ما تهدّما
إذا الدهرُ أجرى جَحْفَلاً كان قبلَهُ / وإنْ هزّ سيفاً كان كفّاً ومِعصَما
كريمٌ عُيونُ الجودِ لولا وُجودُه / لَفاضَتْ جواريها وأغضَتْ على عَمى
ولُطفٌ بَراهُ اللّه للنّاس مُجمَلاً / فنوّعَهُ بالمَكرُماتِ وقسّما
هو العدلُ إلّا أنّه إذ يَرومُه / عدوٌّ بظُلمٍ كان أدهى وأظلَما
هِلالُ حِمامٍ فوقَه من دِلاصِه / هِلالُ حياةٍ يترُك الحتفَ أقصَما
وبدرُ كمالٍ بالسّروجِ بُروجُه / وليثُ نِزالٍ بالعوالي تأجّما
يرى عاملَ الخطّيّ قدّاً مُهفهفاً / ويحسَبُ إيماضَ اليمانيّ تبسّما
إذا ما تولّى للوثوبِ على العِدا / يكادُ عليه الدِّرْعُ أن يتفصّما
غنيٌّ لديه لا يزالُ من الثّنا / كنوزٌ وإن أضحى من المالِ مُعدما
له نِقَمٌ محذورةٌ عند سُخطِه / ولا غَرْوَ أن عادتْ من العفوِ أنعُما
ضَحوكٌ إذا اِستمطرتهُ فهو بارقٌ / يجودُ وإن جرّبتَهُ كان مِخذَما
وصعبٌ إذا اِستعطَفتَه لانَ جانباً / وعذْبٌ إذا عادَيْتَه صارَ عَلقَما
حوى البأسَ والمعروفَ والنُسكَ والنُهى / وحازَ المعالي والتُقى والتكرّما
أعارَ وميضَ الصّاعقاتِ حُسامَه / وصاغَ لسانَ الموتِ للرُمحِ لهذَما
وبرقَع في فجرِ الصّباحِ جِيادَه / وجلّلها ليلاً من النّقعِ معلَما
فتىً أصلحَ الأيّامَ بعد فسادِها / وكمّل أعوانَ الكِرامِ وتمّما
وبيّن ما بينَ الضّلالةِ والهُدى / فأوضحَ نهجاً طالما كان أقْتَما
وقوّم زَيغَ الدينِ بعد اِعوِجاجِه / فأصبحَ فيه بعدَما كان قيّما
وألزَمَ أهل النُصْبِ بالنّصّ فاِغتدى / فصيحُهمُ لا يُحسنِ النُّطْقَ أبْكَما
فلولاهُ لم يصْفُ الغديرُ من القَذى / وأصبحَ غوْراً ماؤهُ وتأجّما
أفاضَ عليهِ من أدلّةِ فَهمِه / سُيولاً فأضحى طيّبَ الوِردِ مُفعَما
ذكيٌّ إذا قُصّتْ دواوينُ مَدحِه / تنفّسَ صُبحُ الطّرسِ مِسكاً مختّما
له قلمٌ يجري الزّمان بما جرى / ويسعى القَضا في إثر مَسعاهُ حيثُما
يمجّ رُضابَ النّحلِ طوراً لسانُه / وينفثُ طوراً نابُه سُمَّ أرْقَما
يراعٌ يُريعُ البيضَ إمضاءُ حكمِه / فتحسَبُ أمضاهنّ ظُفْراً مقلّما
يترجم ما يوحي إليه جَنانُه / فينثُرُ دُرّاً في السّطورِ منظّما
فصيحٌ عن الأسماءِ جمجمَ لفظُه / وأسمعَ معناهُ القُلوبَ وأفهَما
بروحيَ منه راحةٌ نفحَتْ بها / أناملُه من دوحِه فتكلّما
تتبّع خُضْرَ الخطِّ حتّى اِستوى بها / فحلّ على عينِ الحياةِ وخيّما
وشارفَ منها روضةَ القُدسِ فاِدّعى / إخاءَ عَصا موسى وأقلام مريَما
تقدّسْتَ من طودٍ بأيمَنِ طُورِه / كريمٌ روى فصلَ الخِطابِ وترجَما
أمَولايَ إنّ الدهرَ يعلمُ فضلَكُم / ويعرِفُكُم أندى بَنيه وأكرَما
تملّكتُمُ رِقَّ الزّمانِ وأهلَه / فليس الليالي فيه إلّا لكُم إمَا
لقد كان وجهُ الأرضِ أطلسَ مغبَراً / فأمسى لكم كالأفقِ يزهو منجِّما
تواضُعُكم أدنى مواضعَكُم لنا / وقدرُكم فوقَ السّمواتِ قد سَما
لعمرُك ما جُودُ السّحابِ غريزةً / ولكنّه علّمتَهُ فتعلّما
جرَيْتَ مع الأقدارِ في كلّ غايةٍ / فلم نَدْرِ من كان المؤثّرُ منكُما
بِفَتوى أخيكَ السيفِ زُوِّجت العُلى / فعزّ حِماها حيثُ صِرْتَ لها حِمى
فَدُمْ سالماً ما نبّه الصُبحُ طائِراً / وما هيّجَ الأشواقَ شادٍ ترنّما
ولا زِلْتَ غيثاً برقُه يصعقُ العِدا / ويُنبِتُ نُوّارَ النُّضارِ إذا هَمى
ولا برِحَ الدّهرُ الحَروبُ إذا سَطا / يزورُك بالأفراحِ سِلماً مُسلِّما
ووافاكَ عيدُ الفِطر بالعزّ دائماً / ووفّاك صومُ الدهرِ أجراً معظَّما