المجموع : 35
هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما
هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما / فما عبس المحزون حتَّى تبسَّما
ثغور ابتسامٍ في ثغور مدامعٍ / شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما
نردّ مجاري الدمع والبشر واضح / كوابل غيثٍ في ضحى الشمس قد همى
سقى الغيث عنّا تربة الملك الذي / عهدنا سجاياه أبرّ وأكرما
ودامت يد النعمى على الملك الذي / تدانت له الدنيا وعزّ به الحمى
مليكان هذا قد هوى لضريحه / برغمي وهذا للأسرّة قد سما
ودوحة ملك شادويٍّ تكافأت / فغصن ذوَى منها وآخر قد نما
فقدنا لأعناق البرية مالكاً / وشمنا لأنواع الجميل متمما
إذا الأفضل الملك اعتبرت مقامه / وجدت زمان الملك قد عاد مثلما
أعاد معاني البيت حتَّى حسبته / بوزن الثنا والحمد بيتاً منظّما
وناداه ملك قد تقادم إرثه / فقام كما ترضى العلى وتقدَّما
تقابل منه مقلة الدهر سؤدداً / صميماً وتنضو الرأي عضباً مصمما
ويقسم فينا كل سهم من الندى / ويبعث للأعداء في الرّوع أسهما
كأنّ ديار الملك غاب إذا انقضى / به ضيغمٌ أنشابهُ الدهر ضيغما
كأنَّ عماد البيت غير مقوَّضٍ / وقد قمت يا أزكى الأنام وأحزما
نهضت فما قلنا سيادة معشر / تداعت ولا بنيان قومٍ تهدَّما
أما والذي أعطاك ما أنت أهله / لقد شاد من علياك ركناً معظّما
وقد أنشر الإسلام بالخلف الذي / تمكّن في عليائه وتحكما
فإن يك من أيوب نجمٌ قد أنقضى / فقد أطلعت أوصافك الغرّ أنجما
وإن تك أوقات المؤيد قد خلت / فقد جددت علياك وقتاً وموسما
عليه سلام الله ما ذرّ شارق / ورحمته ما شاء أن يترحما
هو الغيث ولى بالثناء مشيعاً / وأبقاك بحراً للمواهب منعما
لك الله ما أبهى وأبهرَ طلعةً / وأفضل أخلاقاً وأشرف منتمى
بك انبسطت فيك التهاني وأنشأت / ربيع الهنا حتَّى نسينا المحرّما
وباسمك في الدنيا استقرّت محاسنٌ / وبأسٌ كما يمضي القضاء محتما
وفضلٌ به الألفاظ للعجز أخرست / وعزٌ به قلب الحسود تكلما
أعدتَ حياة المقتربين وقد عفت / فأنت ابن أيوبٍ وإلاّ ابن مريما
وجددتَ يا نجل الفضائل والعلى / من الدين علماً أو من الجود معلما
يراعك يوم السلم ينهل ديمة / وسيفك يوم الحرب ينهل في الدّما
وذكر ندى كفيك يدني من الغنى / ولثم ثرى نعليك يروي من الظما
لك الملك إرثاً واكتساباً فقد غدا / كلا طرفيه في السيادة معلما
ومثلك إما للسرير منعماً / يثوب وإما للجواد مطهما
ولما عقدنا باسم علياك خنصراً / رأينا من التحقيق أن يتحتما
أيا ملكاً قد أنجد الناس عزمه / فأنجد مدح الناس فيه وأتهما
سبقت لك المدّاح قدماً وبادرت / يدا كلمي فاستلزمت منك ملزما
لياليَ أنشي في أبيك مدائحاً / وفيك فأروي مسند الفضل عنكما
وأغدو بأنواع الجميل مطوّقاً / فأسجع في أوصافه مترنما
وأستوضح العلياء فيك فراسة / بملكك لا أعطى عليها منجّما
فعشْ للورى واسلم سعيداً مهنئاً / فحظّ الورَى في أن تعيش وتسلما
وسر في أمان الله قدماً بفضله / أسرّ الورَى مسرًى وأيمن مقدما
أعدت زمان البشر والجود والثنا / إلى أن ملأت العين والأنف والفما
فديت محيًّا في مسائله ينمي
فديت محيًّا في مسائله ينمي / فخدّ إلى بدرٍ ولحظ إلى سهم
ولله قلب في الصبابة والجوى / أضلته أحداق الحسان على علم
وقفت على مغنى الأحبة نادباً / لما أبلت الأيام منه ومن جسمي
وقدّم دمعي قصة في رسومه / فوقّع فيها الوجد يجري على الرسم
فيا لك دمعاً من وليّ صبابة / سقى الأرض حتَّى ما تحنّ إلى الوسم
يقولون حاذر سقم جسمك في الهوى / ومن لي بجسم تلتقيه يد السقم
عشقت على خدّيك حرف عذارها / فلم يبق ذاك الحرف مني سوى الاسم
إذا فتن الألباب حسنك ساذجاً / فما حاجة الخدّ البديع إلى الرّقم
ألم يكفك اللحظ الذي صال وانتشى / فلم يخل في الحالين من صفة الإثم
ومبتسم فيه اللآلي يتيمة / وليس على أسلاكه ذلة اليتم
يصدّ بلا ذنب عن الصبّ ظلمه / لقد صحّ عندي أنه بادر الظلم
سقى المطر الغادي صبايَ وصبوتي / فما كنت إلا في ليالٍ وفي حلم
وحيى دياراً بالنقا ومرابعاً / بنيت بها هيف القدود على الضم
زمان على حكمي تولت هباته / ولكنها ولت فزالت على رغمي
وأمّلت من إنعام أحمد مسلياً / فناجيت وجه النجح من صحة الوهم
وراح رجائي يضرب الفأل موقناً / وقامت قوافي الشعر تنظر في النجم
إذا لم تجد قاضي القضاة ظماءها / فأيّ امرئٍ يروي بنائله الجمّ
إمام علي عن غاية المدح مجده / إلى أن حسبنا المدح فيه من الذمّ
فلم يكفه أن أذهب الفقر بالندى / عن الناس حتَّى أذهب الجهل بالعلم
ترى الوفد والسادات من حول شخصه / كما تشخص الأبصار للقمر التم
تقبل أطراف البساط ثغورهم / ويقصر ثغر الشهب عن طرف الكم
عجبت لمن يردي بهيبته العدَى / ويسطو سطاه كيف يوصف بالحلم
ومن يهمل الجاني ويحلم حلمه / على كلّ جانٍ كيف يوصف بالعزم
يدلّ لديه المخطئون بجرمهم / لما أظهروا من شيمة العفو بالجرم
ويدعو إليه المعتفين ثناؤهُ / كما يستدلّ الطالب الرّوض بالشمّ
له قلم مدّ البيان عنانه / وجال فقلنا فارس النثر والنظم
تعوّد أن ينشي فتنتج نشوة / إلى أن ظنناه قضيباً من الكرم
وفوّق منه الشرع سهم إصابة / فلا غَرْوَ إن أضحى به وافر السهم
إذا لاح بين الرفع والخفض شكله / رأيت القضايا كيف تنفذ بالجزم
إليك ثناها الفضل من كلّ وجهةٍ / وسار ثنا علياك في العرْب والعجم
لئن ظنّ ساعٍ أن ينالك في العلى / لقد حقّ عندي ذلك الظنّ بالرّجم
أيا ابن السراة المالئين فجاجها / ردًى وندًى يوم الكريهة والسّلم
دعوتك لا أدلي إليك بشافعٍ / ولا سببٍ إلا بسؤددك الضخم
وخفت على قصدي سواك من الورَى / فألفيته من جود كفك في اليمّ
وإني وذكري ما حويت من الثنا / كمن رام تعداد القطار التي تهمي
وماذا يقول اللفظ في النجم واصفاً / وحسبك أن الله أقسم بالنجم
ليهن بنو الآمال أنك قادم
ليهن بنو الآمال أنك قادم / لك السعد والإقبال عبدٌ وخادم
أرى العمر إلا يوم قربك باطلاً / كأنيَ بين الناس بعدك حالم
ويظمأ طرفي للقا وهو مدامعٌ / فيا لك ظامٍ وهو في الماء عائم
سقى الغيث عيساً للحجاز ركبتها / كما ركبت ظهر الرياح الغمائم
وحملتها عبء العلوم فمن رأى / قواعد شرع حملتها قوائم
ولما حللتَ البيتَ كاد مقامُه / للقياك يسعى فهو للسعي قائم
وأذكرته في الوفد وفد قديمه / لأنك للأموال في الجود هاشم
يطوف بك المعترّ بعد طوافه / ويلثم بعد الركن كفك لاثم
إلى أن ملأت الحجر بالبيت والورى / لهذا كراماتٌ وهذا مكارم
وعدتَ إلى أوطان يثرب غانماً / وفي كلّ أرضٍ من نداك مغانم
فعاد إلى علم المدينة مالكٌ / وعاد إلى جود البداوة حاتمُ
وكادت تبارينا دمشق بشجوها / إليك وقد تشجى الرّبى والمعالم
لئن أوحشتها منك ربوة سؤدد / لقد أوحشتها من نداك المقاسم
فوافيتها والعيش مقتبل الهنا / وعزمك مبرور وسرحك سالم
تشير لرؤياك الغصون بأنملٍ / وتفترّ من عجبٍ عليها الكمائم
وتهتزّ أعواد المنابر فرحةً / فهل رجعتْ للعهد وهي نواعم
وما هي إلا غابُ مجدٍ توطنت / مساكنه أشبالكم والضراغم
وعظتم وقد أحصيتمُ درجاتها / كما صدحت فوق الغصون الحمائم
إليك جلال الدين أصبحت العلى / وسلَّم أعراب الورَى والأعاجم
إذا ريم خير أو تعرّض حادث / روى نافع عن شيمتيك وعاصم
سبقت إلى الفضل السراة فما لهم / من الجهد إلا أن تعضّ الأباهم
وجُدتَ على داني الديار ونازح / كأن المداني للبعيد مساهم
فما فات رزق من تنبه للسرى / ومن يتمنى رزقه وهو نائم
لك القلم الراقي سحائب أنمل / تريك رياض الخطّ وهي بواسم
إذا هزّ في يوم الخطوب فعامل / وإن هزَّ في يوم الخطاب فعالم
علوتَ إلى أن جئتَ بالشهب منطقاً / يضيءُ به سارٍ وينهلّ شائم
وسكّنت من جور الزمان محرّكاً / لأنك بالأفعال في الفضل جازم
ونفّقت قولي وهو في الدهر كاسدٌ / وحققت ظني وهو في الخلق واهم
ونبهت من قدري الذي طال واعتلى / وأقدار قوم في التراب رمائم
وكم مدحة لي فيك عاجلها الغِنى / كما نثرت فوق العروس الدّراهم
قطعت بها أيدي وأرجل حاسدٍ / كما تتلوّى في الصعيد الأراقم
من اللاء تسري في دجى من مدادها / وتجلى كما تجلى النجوم العواتم
فخذها صناع اللفظ من متأخرٍ / مضى زمن عن مثلها متقادم
مشوّقة الميمات يحسن رشفها / فيحلف إلا أنهنَّ مباسم
علينا اجتهاد القول فيك وما على / أخي الجهد أن تقضى الحقوق اللوازم
لئن كلفتْ علياك فكرة مادحٍ / وفاء معانيها لحسنك ظالم
بكيت بأجفان المحبّ المتيم
بكيت بأجفان المحبّ المتيم / فدع ما بكت قبلاً جفون متمم
وهيج شوقي في الدجى صوت طائر / فقل في فصيح شاقه شوق أعجمي
ورُبَّ عذول لست أفهم قولهُ / وإن كنت عين السامع المتفهّم
فإن شاء فليسكت وإن شاء فليقم / إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم
مطيل يرجي أن تحلّ عقودنا / فيا عجباً من ناقض الحبل مبرَم
ويا حرباً مما غدوت بلحظه / قتيل الأسى ما بين نصل ولهذم
شهيداً ترى لي فوق وجنته دماً / روائحه للمسك واللون للدم
روائح يعبقن الملا فكأنها / لذكر علاء الدين في الطيب ينتمي
رئيس حوى فضل المكارم شخصه / كما حوت الألفاظ أحرفَ يعجم
روى الشعر أخبار الندى عن بنانه / ونص أحاديث التقى كل مسلم
وصحّت أسانيد السيادة والنهى / عن الأذن عن عين البصير عن الفم
لئن حاط مصراً والشآم برأيه / لقد حاط أوطان الحطيم وزمزم
كأنَّ فجاج الأرض مما تنوّرت / بأوصافه الحسنى منازل أنجم
له راحةٌ صلى الحيا خلف جودها / وأذعن فانظر للمصلّي المسلّم
عجبت لها في الجود تظلم ما لها / وتلك أمان الخائف المتظلّم
إذا خطّ فوق الطرس سهم يراعه / طربت لتخطيط الرداء المسهَّم
فأحسن بذاك الطرس في كلِّ ناظر / وأعصم بذيَّاك اليراع وأكرم
عدا السمر أن تحكي سطاه وبأسَه / فهنَّ متى ما يقرع السنّ تندم
ووفّر سعي البيض في حومة الوغى / فنام إذاً في جفنه كلّ مخدَم
لك الله ما أزكى وأشرف همةً / وأفصح رأياً في الزمان المجمجم
جمعت الندى والزهد والبأس والحجى / فجدْ وتورّع وامنع الضيم واحلم
وجزت بميدان العبادة غايةً / تذكرنا يوم السباق ابنَ أدهم
ولما شكونا من جمادى زماننا / فضلت على نوء الربيع المحرّم
وأنت الذي لو ملَّك البدر كفّه / لأنفقتَه في القاصدين كدرهم
إلى بابك الأعلى قصائد مادحٍ / تتيه على وشي الربيع المنمنم
ضربت إليك الرمل سعياً وربما / ضربنا عليك الرّمل عند المنجّم
وكنت إذا عين الزمان توسمت / وجدتك أقصى ناظر المتوسم
بقيتَ مدى الأيام تخدم بالهنا / وكل صناع اللفظ صائبة الرمي
يشيب وليد الشعر دون مرامها / ويرتدّ عن إدراكها فكر مُسْلم
تقدم حسن المدح حسن مكارم / لديك وكان الفضل للمتقدّم
يدافعني الغيران عن طيب لثمها
يدافعني الغيران عن طيب لثمها / فيقنعني لثم التذكر لاسمها
محجبة أبكي ليالي وصلها / بشهبي وحمري وهي تبكي بدهمها
بكيت بلوَّامي عليها وعذَّلي / ولا وصل إلا بين وهمي ووهمها
وصنو أبٍ قد صانَ نقطة خالها / فيا حرباً من خالها ثم عمّها
ويا عجباً حيث اللآلي يتيمة / بفيها وما يبدو بها ذلُّ يتمها
وحيث أرى من جفنها السهم قاتلاً / وما غرضي إلاَّ ملاقاة سهمها
بروحيَ من لا خارجٌ غير ردفها / ثقيلاً ومَن لا باردٌ غير ظلمها
أما وجراحي خدّها ثم أدمعي / لقد وقعت عين المحبّ بجرمها
ودرّ بكائي حين يبسم ثغرها / لقد لاح فرقٌ بين نثري ونظمها
نأى فنأى عنِّي الكرى وتغيبت / فلا طيب أحلامي ولا فضل حلمها
وأفردت بالآلام فيها وقاسمت / لواحظها ما بين سقمي وسقمها
كأنِّيَ ما نزَّهت طرفي ببيضةٍ / إليها ولا روَّيت قلبي بضمِّها
ولا ظنَّنا الواشون حرفاً مشدَّداً / لتوثيق جسمي في العناق وجسمها
يدايَ على الحسناءِ قفلٌ مؤكّدٌ / بآثارِ لثمٍ مثل آثار ختمها
زمان غوايات الصبابة والصبا / أغرّ بنعماها وألهو بنعمها
وليل شباب أيقظ الشيب مقلتي / لديه وكانت في غيابةِ حلمها
وطاوعت نصَّاحي ويا رُبَّ مأثم / قضيت على رغمِ النهى قبل رغمها
وما الشيب إلا كالحسام مجرَّداً / لتعجيل أدواء الضلال لجسمها
تباركَ من أردَى ضلالاً برحمةٍ / وزيَّن آفاق المعالي بنجمها
إمامٌ إذا عاينت سنة وجهه / حكمت على تلك الفخار بعلمها
تهلَّل إذ طارحته بمدائحِي / تهلّل وسميِّ البروق بوسمها
حفيٌّ بطلاَّب الفضائل والندى / فلله ما حيّ عيّها بعدَ عدمها
وفاصل أحكام القضاء بفطنةٍ / كأن سرار الشهب من فتح فهمها
إذا اخْتصمَ الأقوام ضاءَ بفكرةٍ / يقول ضياء الصبح لست بخصمها
ولا عيبَ فيه غير إسراف أنعمٍ / ترى عزمها في الجودِ غاية غنمها
يجانس بالفتوى الفتوَّة جائداً / ويعرب عن فصل الأمور بحزمها
إذا زعماء القوم همَّت بشأوهِ / فقد طلبت شأو النجوم بزعمها
فديناه ندباً زادَ في شأو بيته / إذا نقصت ذات البيوت بجرمها
وقاضي قضاة تعرب الخلق مدحه / فتعجز حتَّى عربها مثل عجمها
فيمدحه حتَّى النسيم بعرفه / وتصغي له حتَّى الجبال بصمّها
له همَّة إن شئت غالية الثنا / فشمها وإن شئت الفخار فشمّها
على حين مسودُّ المفارق حالك / فكيف إذا ضاءَ المشيب بفحمها
وأقلام رشدٍ يتبع الرشد خطّها / ويعمل أنواع الثناء برسمها
يقيم على العادين حدًّا بحدِّها / ويهدي إلى العافين عزًّا بعزمها
وتكتب في حالي نداها وسطوها / بدرياقها طوراً وطوراً بسمِّها
مسدَّدة المرمى مقسَّمة الحيا / فلا زالَ للإسلام وافر سهمها
بكفِّ كريمٍ يملأ العلم والقرى / لديه قلوب الطالبين بشحمها
فتى الدِّين والدُّنيا ينير ظلامها / بكوكبها العالي ويلوي بظلمها
سليل عماد الدِّين إنك بعده / مصاعد ما همَّ الزمان بلثمها
تطوف بمغناه وفود مقاصد / محمّلة جدوى يديه لهمِّها
لتمكين رَجواها وتأمين رَوْعها / وتأثيل نعماها وتفريج غمّها
فما الشهد أحلى من صنائع فضله / ولا المسك أذكى من تضوع كتمها
وما روضة بالحزنِ مخضلَّة الربى / مكاثرة زهر النجوم بنجمها
يجرُّ لديها عاطر الريح ذيلهُ / وتخطر فيها المزهرات بكمّها
بألطفَ من أخلاقِهِ عند شيمِها / وأعطر من أخباره عند شمّها
لجأت إليه والحياة مريرةٌ / فعرَّفني إحسانه حلوَ طعمها
وكنت على قصدِي من الناسِ خائفاً / فألقيته من راحتيه بيمّها
وما هوَ إلاَّ النجم جاورته فلا / مخافة من كلِّ العداة وكلمها
أتمَّت حلا مرآه حليَة حبره / فلا عدِمت منه العلى بدرَ تمّها
تفهَّمه قلبي الشجيّ فهاما
تفهَّمه قلبي الشجيّ فهاما / ولم يره طرف الغبيّ فلاما
وعرفني بالحبِّ في خدِّ عارض / بدا ألِفاً ثم اسْتدارَ فلاما
بروحيَ رشيق المقلتين إذا رنا / رمى في فؤاد المستهام سهاما
جعلتُ دموع العينِ جاريةً له / وصيرت قلبي في هواه غلاما
من الغيدِ حسبي ورد خدَّيه نزهة / وريقته يا حسرتاه مداما
يقولُ حلالٌ خمر ريقي وليتهُ / سقاني بهِ كأساً وكانَ حراما
لئن تمَّ عشقي في ملاحتهِ لقد / تعشَّقت بدراً في الملاح تماما
وعذَّبني ذاك المليح بنارِهِ / فكانَ عذاب القلب فيهِ غراما
ووالله لا أصغيت فيهِ لعاذلٍ / ولو ذابَ جسمي لوعةً وسقاما
فأزداد في الحبِّ انْتساباً لعامرٍ / إلى أن أزيد العاذلين ملاما
يقولون أعدتك السقامَ جفونه / فقلتُ ومن أعدى الجفون سقاما
ومن مزجَ الغصن الرطيب بعطفه / فكانَ مزاج المعطفين قواما
تناوحت العشَّاق إذا ماسَ قدّه / فيا لك غصناً في الهوى وحماما
إذا خاطبتي في هواهُ عواذلي / مضيتُ على حالي وقلت سلاما
كما خاطبَ العذَّال جود محمدٍ / فأعرض عنهم واسْتهلَّ غماما
رئيسٌ على التحقيق قالت صفاته / لنقَّاده ذا ما يخالط ذاما
سمونا لمدحِ المفضَّلين وإنما / لأمثالهِ في الفضلِ لن يُتسامى
وآلت معانينا إلى مسكِ ذكره / فكانت لذكرِ الأكرمين ختاما
أخو العلم والتقى تقدَّم فيهما / فكانَ امرأً للمتَّقين إماما
يقضون للملكِ النهار فإن دجى / مسا الليل باتوا سجَّداً وقياما
وأضحى لسرِّ الملك صدراً قد انْتقى / له مستقرًّا في الورَى ومقاما
سقى الغيث مثوى الصاحب الشرف الذي / عهدنا به عهد النوال ركاما
وغرّ المعالي أخجلت كلّ سالفٍ / من القومِ كانوا للأمور قواما
تنادِي نظام الملك أسلاكَ فضله / إليكَ فما كلّ النظام نظاما
لنعم الفتى أبقى لروضِ نباته / شميماً وأوهى الدَّهر منه شماما
ونعم سبيل المكرمات محمد / إذا ما ذكرنا ناسلاً وإذا ما
بدا مثل ما يبدو الصباح فخاره / فزيّل من ظلم الزمان ظلاما
وعالَ بإذن الله أبناء آدم / وحام بآفاقِ الفخار وساما
بليغ الندَى والنطق تلقاه فيهما / فريداً وتلقى المكرمات نواما
له قلمٌ إن ماسَ كانَ لمعتفٍ / حياةً وإلا للعدوِّ حماما
يمجّ شهاداً تارةً لوليِّه / ووقتاً لشانيه يمجّ سماما
قرين الفتاوى والفتوَّة لم يذق / بليل مداد بين ذاكَ مناما
تسهَّد في حفظ المماليك جفنهُ / وفي كلِّ جفنٍ قد أنام حساما
بكفّ كريم الرَّاحتين مؤمَّل / فيا لك برقاً في الندَى وغماما
ويا لكَ في النطق البليغ قدامة / وفي طيرانِ الذكرِ عنهُ قداما
شكوتُ لهُ ظلم الزمان وإنَّما / إلى سيدٍّ برٍّ شكوتُ غلاما
فردَّ الزمان الجهمَ عنِّيَ خاضعاً / فتى ليسَ غيم الظنّ فيهِ جهاما
وجدَّد من جدواه ما لا نسيتهُ / ولم يبقَ من عند الزمان مراما
وألبسني بيضاء ردّ ضياؤها / لدى حاسدٍ حتَّى اسْتحال ضراما
أمدُّ يدي في كلِّ يومٍ لذيلِها / فآخذ من جورِ الشتاء ذماما
ومذ علقت منها بناني بعروةٍ / شدَدت لطرفِ القول فيه حزاما
فلا زالَ ممدوحاً إذا ما وصفته / زحمت المعاني المائلات زحاما
أولد مع فقدِ الصبا جوهر الثنا / يتيماً وأولاد الشيوخ يتامى
قدوم كما حيى قدوم غمام
قدوم كما حيى قدوم غمام / وعوْد إلى الأوطانِ عوْد حسام
فهذا على الروَّاد أكرم حاتم / وهذا على الإسلام خير محامي
لك الله من سارٍ إلى أربٍ سُرى / هلالٍ إلى أن غارَ بدر تمام
دعاكَ إلى أرضِ الحطيم تذكّر / وغيرك مشغول الهوى بحطام
فلله وفر من حلالٍ بذلتَه / على بلدٍ زاكي المحلِّ حرام
وما هيَ إلاَّ همَّةٌ تغلبيَّةٌ / تروم من العلياء كلّ مرام
حوَت أمد الدنيا من المجدِ وانْبرت / تشقّ إلى الأخرى صنوف زحام
وما ضرَّ ركباً كنت نجعة أهله / تعذّرُ زادٍ أو صروفُ غمام
فوالله ما برق البشاشة خلّبٌ / لديك ولا غيم الندَى بجهام
يطوف بك الحجَّاج في كلِّ منزلٍ / إذا ذعرتهم سحبه بفطام
كأنهمُ قبل الوصول تعجَّلوا / طواقهمُ في كعبةٍ ومقام
إذا ذكروا الركنَ اليمانيَّ يمَّموا / مواهب ركنٍ للعفاة شآم
كريم الثنا يجدِي الركاب كأنه / لنفحته قد حلَّ دار سلام
لقد ظفرت منكم قسيّ ظهورها / لدى عرض البيدا بخيرِ سهام
وأحسن بها حيث الزمان يروعها / نشاطاً كأن النصل ثنيَ زمام
تمدُّ جناحيْ ظلّها في هجيرةٍ / فتحسبها في البيد خيط نعام
إذا خلعت وجه الفلا بمناسمٍ / تفاءل حادِيها بنيل مرام
إلى أن أتت أرض المقام كأنها / من البشر فيها بشّرت بمقام
ويمّم هاتيك المناسم أروعٌ / تهمّ على أعطافه بسلام
إذا هو ولَّى قبلة البيت وجهَهُ / فيا فضل محرابٍ وفضل إمام
حلفت بما ضمَّ المحصَّب والصفا / وبالبدن في لبَّاتهنَّ دوامي
لطابت على علياه طيبة دوره / غدت لمساعي حجّه كختام
وجئت جلال المصطفى منك قائماً / بشرعته الغرّاء خير قيام
وعدت إلى الأوطانِ مقتبل الهنا / يمدّ إليك السعي رأس غلام
وشرفت أرضاً قد وطئت كأنما / وهادُ الشرى منها فروع أكام
وتشرح أرض الشام فيك غرامها / بضعفِ نسيم أو حنين حمام
وما أرقت حتَّى سريت كأنما / مقامكَ فيها كانَ طيف منام
بقيت على أولادِ آدم منعماً / وعن كلِّ سام قد علوت وحام
تصبر فإن الأجر أسنى وأعظم
تصبر فإن الأجر أسنى وأعظم / ورأيك أهدى للتي هي أقوم
وكم جاز فرط الحزن للمرء لم يفد / فما بالنا لا نستفيد ونأثم
وإنيَ عن ندب الأحبَّة ساكت / وإن كانَ قلبي بالأسى يتكلم
أعزيك في غصنٍ ذوى قبل ما ارْتوى / وقامت به وُرْق الثنا تترنَّم
على مثل هذا عاهد الدهر أهله / وصال وتفريق يسرّ ويؤلم
وإن منع الغيَّاب أن يقدموا لنا / فإنا على غيابنا سوف نقدم
أبن ليَ بيضاء حلت لواطئٍ
أبن ليَ بيضاء حلت لواطئٍ / بغير نكاحٍ تستحلُّ به الحما
على أنها ذات العبادة والتقى / تروّق للدنيا وللدين كلّ ما
وتنمى بلا ثانٍ لها عن فخارها / إلى سادةٍ يا طيب فخر ومنعما
وأحرفها خمس فإن أسقطوا لها / ثلاثاً غدت عشراً إذا المرء أعجما
إذا عرضت أعمالها كلّ ليلة / على ربِّها صلَّى عليها وسلَّما
سقي ابن هشام في الثرى نوء رحمةٍ
سقي ابن هشام في الثرى نوء رحمةٍ / تجرّ على مثواه ذيل غمام
سأروي له من سيرة المدح سيرةً / فما زلت أروي سيرة ابن هشام
تشبهت بالغدران والروض حولها
تشبهت بالغدران والروض حولها / فأصبحت ملهى الناظر المتوسم
وأنبتّ بالتطعيم أشجار فضة / ومن أحسن الأشجار كلّ مطعّم
نشرت لك الأعراب فيما طويته
نشرت لك الأعراب فيما طويته / من الودِّ يا أوفى الأنام ذماما
وأمسكت من ودي لعلياك عروةً / وأهديت للطرف الكريم حزاما
أتاني بأمثال النجوم زواهرا
أتاني بأمثال النجوم زواهرا / ندّى من عليّ ما نكرت سجومه
فلله ما أندى بجودٍ سماءه / وأسعد في كلِّ الأمور نجومه
عجبت من الدنيا التي جل خطبها
عجبت من الدنيا التي جل خطبها / وحارت قلوبٌ عندها وفهوم
فيا ليتها إذ لا تدوم تطيب أو / فيا ليتها إذ لا تطيبُ تدوم
أحبتنا لا عين سلوانَ عنكم
أحبتنا لا عين سلوانَ عنكم / بأرض ولكن كلّ وادٍ جهنم
وما في شهور العالم بعدكُم هناً / فذا صفرٌ يدعى وهذا محرّم
فعودوا كما عاد الوزير لظامئٍ / دعا برّه المعهود فانهلّ يسجم
سلونيَ عن جود الوزيرين إنَّ لي / ثناً يبدئ الذكر الجميل ويختمُ
فهذا وزيرٌ عظّمته ممالكٌ / وهذا شهير الفخر قد قيل أعظم
رعيت ربيعيْ مصر والشام في حمى / وزرين كلٌّ في السيادة مسلم
وأذكرني القدر الشريف قمامةً / فقلت ودعني بعد ذا أتقمّم
لمولودكم يا آل يعقوب أنجم
لمولودكم يا آل يعقوب أنجم / من اليمن لم تحتج لحدس منجّم
يسابقه قبل العقيقة مادحٌ / بجوهرةٍ من كل عقدٍ منظم
فهنئتُم بدراً أنار وإنما / بخفي حنينٍ عاد شانيكم العمي
لعمري لقد ضاءت نجابة طفلكم / فأكرم بكم أكرم لكم ثم أكرم
تبارك من في آل يعقوب باركت / إرادته ما بين آتٍ وأقدم
ففي أولٍ إرثٍ النبوة يوسف / على آخر إرث الوزارة ينتمي
تيممت أجواداً وفاضت بحوركم / فلم يبق عندي رخصة في التيمم
سقت بجوار الدّمع عني جوارياً
سقت بجوار الدّمع عني جوارياً / على تركها مني السلام ورومها
أوانس أن ينعم حشانا بقربها / لقد شقيت من بعدها بكلومها
وقد لقيت في الحبِّ ما لقيت عدى / لآلاءِ سيف الملك عاشت لشومها
تشاريف سيف الملك شاقت لناظر / فلله مرئى روضها وغيومها
رأى الناصر السلطان علياك تجتلى / فتحسن في زركاشها ورقومها
فواصل نعماها بملكٍ وواصلت / يداك على العافين فيض سجومها
فكم من عراةٍ جُوّعٍ يا أخا العطا / تحانت على أكبادها وجسومها
نهنيك بل إنا نهني مناصباً
نهنيك بل إنا نهني مناصباً / لشمسك يمحو عدلها كلّ مظلم
شكى حزنها قومٌ وفضلك منشدٌ / إذا طلعت شمس النهار فسلّم
وما هي إلا طلعة قرشية / سيشتد من أخبارها كلّ مسلم
وأقسم لولا أنت تردع معشراً / تهون عليهم حالة المتألم
لما نال كفي منهمُ نصف درهم / بلى نال قلبي منهم نصف درهم
لنا ملك إن يممته ركابنا
لنا ملك إن يممته ركابنا / وإن نتيمّم عاجلتنا المكارم
أفاض العطايا في مقيمٍ وراحلٍ / كما هطلت في الجانبين الغمائم
فسارٍ إلى النعماء يدرك ما اشتهى / وآخر يأتي رزقه وهو نائم
لجأتُ إلى الباب الجماليّ قاصداً
لجأتُ إلى الباب الجماليّ قاصداً / فقابل آمالي من السعد خادم
وفي العلمين الجائزين بخاطري / أوامر للقصد الجميل تلازم
فهذا بديوان الرسائل منتشٍ / وهذا بديوان المدائح ناظم