المجموع : 20
ألا ربّ أمرٍ بتّ أحذر غِبَّهُ
ألا ربّ أمرٍ بتّ أحذر غِبَّهُ / وقد نابني فيه العناءُ المُجَشِّمُ
غدا وهو سِرٌّ لا يُرامُ اِطّلاعُهُ / وعادَ مساءً وهو نَهْبٌ مُقَسَّمُ
تندّمتُ في أعجازه حين لم يكنْ / وقد فاتَ مِن كفّيَّ إلّا التّندُّمُ
وما خانني التّدبير فيه وإنّما / قضاءٌ جرى فيما سخطتُ مبرَّمُ
ولو كان لا يَكْدِي أخو الحزمِ مرّةً / ويُشوى لما مات الصّحيحُ المُسَلَّمُ
وَمَن ذا الّذي يُعطي الإدارةَ كلَّها / ومَن ذا الّذي في الأمر لا يُتَلَوَّمُ
إذا شئتَ أنْ تلقَ السَّلِيمَ عَدِمْتَه / وأكثرُ مَن تلقى المُرَزَّى المُكَّلَمُ
وأغبنُ مَن تلقى من النّاس جاهلٌ / يظنّ الّذي يُخفيه لا يُتَعَلَّمُ
ومسترسلٍ في فعله بعد ما بدا / لعينيه جهراً ما يَزِمّ ويَخطمُ
بقاءٌ ولكنْ لو أتى لا أذمُّهُ
بقاءٌ ولكنْ لو أتى لا أذمُّهُ / ووِرْدٌ ولكنْ لو حلا لِيَ طعمُهُ
خَطوتُ عدا العشرين أَهزأ بالصّبا / فلمّا نأى عنّي تضاعف همُّهُ
فيا ليت ما أبقى الشّبابُ وجازَهُ / سَريعاً على عِلّاتِهِ لا يؤُمُّهُ
وليت ثرائي من شبابٍ تعجّلتْ / بشاشتُهُ عنّى تأبّد عُدْمُهُ
مشيبٌ أطار النّومَ عنّي أَقلُّه / فكيف به إن شاع في الرَّأسِ عِظْمُهُ
تعاقبني بؤسُ الزّمانِ وخَفضُهُ / وأَدَّبني حربُ الزّمانِ وسِلمُهُ
وقد علم المغرورُ بالدّهر أنّه / وراءَ سرور المرء في الدّهر غَمُّهُ
فَكيفَ سروري بالكثير أنالُهُ / وحكم قليلِ الوجدِ في القصدِ حُكمُهُ
وَما المَرءُ إلّا نَهْبُ يَوْمٍ وليلةٍ / تخُبُّ به شُهْبُ الفناء ودُهْمُهُ
يُعلّلهُ بَرْدُ الحياةِ يَمَسُّهُ / ويغترّه رَوْحُ النَّسيمِ يشمُّهُ
وكان بعيداً عن منازعةِ الرّدى / فألْقَتْهُ في كفّ المنيّة أُمُّهُ
عَلى أَنّنا نبغي النّجاءَ وكلُّنا / يُلاقيه مِن أمرِ المنيّةِ حتمُهُ
أَلا إِنّ خيرَ الزّاد ما سدّ فاقةً / وخيرُ تِلاديَّ الّذي لا أَجُمُّهُ
وَإنّ الطَّوى بالعزِّ أحسنُ بالفتى / إذا كان من كسب المذلّةِ طعمُهُ
إذا وَطَرٌ لم أنْضُ فيه عزيمةً / فسِيّانِ عندي صحّتاه وسُقمُهُ
وإنّي لأَنْهَى النّفسَ عن كلِّ لذَّةٍ / إِذا ما اِرتقى منها إلى العِرضِ وَصْمُهُ
وأُعرِضُ عن نيل الثَّراء إذا بدا / وفي نيله سوءُ المقالِ وذمُّهُ
أَعِفُّ وما الفحشاءُ منّي بعيدةٌ / وحسبِيَ من صَدٍّ عن الأمرِ إثْمُهُ
وَما العَفُّ مَن ولّى عن الضّرب سيفه / ولكنّ مَن ولّى عن السُّوءِ حزمُهُ
وَهبتُ اِهتِمامي للعُلا ومآربي / وللمرء يوماً إنْ حبا ما يَهُمُّهُ
وما ضرّ مسلوبَ العزيمةِ إنْ وَنى / عن السَّعىِ والأرزاقُ حِرْصاً تؤُمُّهُ
يفوت طِلابي مشربٌ لا أعافُهُ / ويُعْوِزُ فحصي صاحبٌ لا أَذمُّهُ
إذا كان هذا الغدرُ في النّاس شيمةً / فَأَنفسُ شيءٍ صاحبَ المرءَ عزمُهُ
ولمّا نبا زيدٌ عن الطّيبِ عهدُه / نبوتُ وفي قلبي من الوَجْدِ جَمُّهُ
وداويته بالهجر والهجرُ داؤه / وخير دوائيْ مُعضِلِ الدّاء حسمُهُ
ومن يك من قبل الوشاةِ بمسمعٍ / تقاصر عن نيل الحقيقةِ علمُهُ
وأروعَ لم تَمْلَ النّوائبُ ذرعَه / ولا ضلّ في ليلِ السّفاهةِ حلمُهُ
ثقيلٌ على جنب العدوّ وإن غدا / خفيفاً على ظهر المطيّةِ جسمُهُ
شددتُ يدي مه بحُجْزةِ حازمٍ / مصيبٍ لأغراض العواقب سهمُهُ
وماضٍ على الشّحناء في غير زلّةٍ / وَقَد ملّ إلّا مِن عتابك جُرمُهُ
له الدّهر منّي إنْ ألمّ خلاله / وَأعوزه منّي مكانٌ يلمُّهُ
وأتعبُ مَن عاداك مَن لا تنالُهُ / ولم يرتبطْ يوماً بعِرْضك وسْمُهُ
وَعَيشٍ كما شاء الحسود صحبتهُ / حوى غُنمَه قومٌ وعندِيَ غُرْمُهُ
تُحَلّا عَن الطَّرْقِ الأجاجِ قُرومُهُ / وتكرعُ من عذب المشارب بَهْمُهُ
وحُقّ لما لا يُبهجُ النّفسَ قربُهُ / على وصله أن يُبهج النّفس صَرْمُهُ
سأركبها بَزْلاءَ ذاتَ مخاوفٍ / متى يُخبر المرغوب عنها تضمّهُ
وأترك ما بيني وبين حبائبي / وحظّهُمُ منّي على الغيبِ رَجمُهُ
فَلا عيش إلّا مَن تحامتْ نعيمَه / صروفُ اللّيالي أو تجافى مُلِمُّهُ
وجيشٍ كما مدّ الظّلامُ رِواقَه / سواءٌ به هَضْبُ العريك وهَضْمُهُ
إِذا ما سَرى يَبغي الفِرارَ مُشَمِّراً / فأنْفَسُ خوّاضِ الكريهةِ غُنْمُهُ
يضمّ رجالاً من قريشٍ إذا دُعُوا / ليومِ نزالٍ أشبعَ الطّيرَ لحمُهُ
بنفسِيَ مَن ولّى تسايُرهُ المُنى / حميداً وما ولّى عن القلب وَهْمُهُ
أَغارُ عليه من فلاةٍ تُقِلُّهُ / وأحسدُ فيه جِزْعَ وادٍ يضمُّهُ
وَما غاب إلّا أَحضر البدر وجهُهُ / وليس له في منتهى الهُشِّ قِسْمُهُ
ومن سَفَهٍ لمّا مررتُ على الحِمى
ومن سَفَهٍ لمّا مررتُ على الحِمى / بكيتُ وهل يُبكي الجليدَ المعالِمُ
شربتُ به لمّا رأيتُ خشوعَه / دُموعي وغنَّتني عليه الحَمائِمُ
ولمّا رأينا الدّارَ قفرى من الهوى / وَليسَ بِها إِلّا الرّياحُ السَّمائِمُ
كَرَعنا الجَوى صِرْفاً بأيدي رسومها / فلم ينجُ منّا يوم ذلك سالمُ
وَما برحتْ أيدي المطيّ مكانَنا / كأنّ المطايا ما لهنّ قوائمُ
كأنِّيَ لم أعصِ الهوى وهو غالبٌ / ولم يقلِ الأقوامُ إنّك حازمُ
ولم أكُ صلبَ العودِ يوم يقودني / أكفٌّ شِدادٌ أو نيوبٌ عواجمُ
فَإنْ يكُ لي دمعٌ بسرِّيَ بائِحٌ / فلي مَنطقٌ للوَجْدِ مِنّيَ كاتمُ
فللّه يومُ الشَّعْبِ ما جنتِ النّوى / علينا وما ضمّتْ عليه الحيازمُ
عَشيّةَ رُحنا وَالغرامُ يقودنا / وَليسَ لنا إلّا الدّموعُ السّواجمُ
نُطارُ إلى داعي الهوى فكأنّنا / جيادٌ سراعٌ ما لهنّ شكائِمُ
نظرتُ وظعنُ الحيّ تُحدى بذي النَّقا / وأيدي المطايا بالحدوجِ رواسِمُ
وقد رثّ شملٌ بالفراقِ وحولنا / من الوَجْدِ لَوّامٌ لنا ولوائمُ
فلاهٍ تخطّاه التجلّدُ مُفحَمٌ / وساهٍ توخّاه التبلُّدُ واجمُ
فَلَم تُلفِني إلّا عيونٌ فواتِرٌ / وإلّا خدودٌ للعيون نواعمُ
غُذين الصِّبا حتّى اِرتَوَيْنَ من الصِّبا / سنينَ كما تغذو الصبيّ المطاعمُ
وَمُشتكياتٌ ليسَ إلّا أَناملٌ / يشرن إلى شكوى النّوى ومعاصمُ
وَنادمةٌ كيف اِستَجابت لِبَينِنَا / وقد شَقِيَتْ بالعضّ منها الأباهمُ
وَأَعرضَ عنّا بالخدودِ وَما لَنا / إِلَيهنّ لولا بَغيُهنّ جرائمُ
وَما كنتُ أَخشى أَنّ قَلبي تَنوشه / محكّمَةً فينا النّساءُ الظّوالمُ
وَلا أَنَّ شَوقي لا يزال يَهيجُه / ثَرىً مُقفرٌ أو منزلٌ متقادمُ
طريقُ المعالي عامرٌ لِيَ قَيِّمُ
طريقُ المعالي عامرٌ لِيَ قَيِّمُ / وقلبي بكشفِ المعضلاتِ مُتيَّمُ
ولي همّةٌ لا تحمل الضّيمَ مرّةً / عزائمها في الخَطْب جيشٌ عَرَمْرَمُ
أُريدُ من العلياءِ ما لا تنالُهُ الس / سيوفُ المواضي والوشيجُ المقوَّمُ
وأُورِدُ نفسي ما يُهابُ ورودُهُ / ونارُ الوغى بالدّارعين تضرّمُ
ألا ربّ مرهوبٍ جلوتُ ظلامَه / ووجهِيَ من ماءِ النُّحورِ مثلَّمُ
وعُدتُ وقد أبليتُ ما جلّ قدرُه / ورأسي بتاج النّصرِ فيه معمَّمُ
يطيب بِفيَّ الموتُ ما شجر القنا / وكلُّ فمٍ فيه من الموتِ علقمُ
وَقَد عَجَمَتْ منّي اللّيالي اِبنَ هِمّةٍ / يهون عليه ما يجلّ ويعظمُ
صليبٌ على الأيّامِ لا يستنفزّه / وعيدٌ ولا يجري عليه تَحكّمُ
نظرتُ إلى هذا الزّمان بعينِه / فثغرِيَ في أحداثهِ مُتبسّمُ
إذا المالُ ذلّتْ دونه عنقُ كادحٍ / تَطاول منّي ما جناه المُذمَّمُ
سَقى اللَّه أيّاماً نَعِمنا بظلّها / وكلٌّ إلى كلٍّ حبيبٌ مكرَّمُ
وكم ليلةٍ بِتنا برغم رقيبنا / علينا من التّقوى رداءٌ مسهَّمُ
أَضمُّ حشىً قَد أَنهش السيرُ بُرْدَها / إلى مَنْ حَشاه مطمئنٌّ منعَّمُ
وأُدني بَناناً دأْبُها سلُّ قائمٍ / إلى مَن له كفٌّ رطيبٌ ومِعْصَمُ
فإنْ أبْلَتِ الأيّامُ ناظرَ بَهْجَتي / فلم تُبل مِنّي ما به أتقدّمُ
فغُرّتُهُ من أبيضِ النّصرِ نُورها / وصهوتُه إلى المآثرِ سُلَّمُ
أبا حسنٍ لا غاض ما فاض بيننا / من الصّفوِ ما تصبو إلى الماءِ حُوَّمُ
تضاءل ما نسمو به من ولادةٍ / بمحضِ ودادٍ لم يَشُبْهُ تجرُّمُ
أطال لساني في ثنائك أنّه / ثناءٌ عليَّ ما حَييتُ يُنَظَّمُ
وقدّمتُ قولاً من مديحي مصدِّقاً / طرازُ اِفتخاري منه بالحسنِ يُعلَمُ
وَهَذا جوابٌ عنه لمّا اِستطعته / فبحرِيَ منه الآنَ ملآنُ مُفعَمُ
قَباءٌ لها أعلى الرُّبى وخيامُ
قَباءٌ لها أعلى الرُّبى وخيامُ / تُرامُ وهل في الباخلين مَرامُ
وقفنا فجَفنٌ ماؤه متحدّرٌ / وجَفْنٌ جفاه الماءُ فهوَ جَهامُ
وأعجلنا حادى المطايا فما لنا / علَيهنّ إلّا أَنّةٌ وسلامُ
وما الدّار من بعد الّذين تحمّلوا / عن الدّار إلّا يَرْمَعٌ وسِلامُ
فما لَكِ يا لَمْياءُ في جانب النّوى / تُطيعينَها فينا وأنتِ غَرامُ
وهجرُكِ صِرْفٌ لا لقاءَ يشوبُهُ / فإنْ عَنَّ يوماً فاللّقاءُ لِمامُ
تصدّين عنّا ساهراتٍ عيونُنا / وَما زرتنا إلّا ونحن نيامُ
لِقاءٌ بجنحِ اللّيلِ طَلْقٌ محلُّهُ / وفي الصّبحِ محظورٌ عليَّ حَرامُ
فخيرٌ من اليقظان مَن بات نائماً / وخيرٌ من الصّبحِ المنير ظلامُ
ألا قلْ لمن ملَّ الطّريق إلى العِدا / وَقَد ملّ من مسِّ الرِّحال سَنامُ
وللعيس من طولِ الوجيفِ مع الوَجى / على كلّ ملحوبِ السَّراةِ بُغامُ
لهنّ وأيديهنّ تستلب المدا / طلىً مائلاتٌ بينهنّ وهامُ
أنيخوا بركن الدّين شُعْثَ مَطِيّكمْ / وحُلّوا فما بعد الهُمامِ هُمامُ
وقولوا لسُوّاقِ المطايا تنازحوا / بعيداً فهذا منزلٌ ومُقامُ
أقيموا على مَنْ وجهُهُ الشّمسُ بهجةً / وكفّاه من فيض النوالِ غمامُ
فَللجود إلّا في نواحيه كُلْفَةٌ / وَللمالِ إلّا في يديه زمامُ
فَتىً يَهب الأموال طَلْقاً وإنّما / تَجود سماءُ القطر حين تُغامُ
ولا ضيمَ للجار المقيم ببابه / وإنْ كانتِ الأموالُ فيه تُضامُ
وكم موقفٍ صعب الوقوف شهدتَه / وللشّمس من نسج الكُماةِ لِثامُ
وَللأرضِ رَيٌّ مِن سيول نجيعِهِ / وللطّير من لحم الجسومِ طعامُ
وما لبث الأعداءُ حتّى نثرتَهمْ / كما اِنحلَّ منعقد الفتاةِ نظامُ
كأنّهمُ صَرْعى بمدرجةِ الصَّبا / إكامٌ بقاعٍ ليس فيه إكامُ
وظنّوا وكم ذا للرّجال طماعةٌ / نجاحاً فخابوا يوم ذاك وخاموا
وَكَم حاملٍ يومَ الكريهة قاطعاً / وساعدُه عند الضّرابِ كَهامُ
وحولك ولّاجون كلَّ مضيقةٍ / نحافٌ ولكنّ النّفوسَ ضِخامُ
وَما بَذلوا الأرواحَ إلّا لأنّهمُ / كرامٌ وما كلُّ الرّجالِ كرامُ
وقد علموا لمّا عرا الملك ما عَرا / ولجّ به داءٌ وطال سَقامُ
بأنّك أصبحتَ الدّواء لدائه / وما لك في شيءٍ صنعت مَلامُ
وأصلحتها ما هُزّ رمحٌ لطعنةٍ / ولا سُلّ فيها للقِراعِ حسامُ
ولُذْتَ بحلمٍ عنهمُ يوم طيشهمْ / ينافس فيه يَذْبُلٌ وشمامُ
وَلولا اِعتبارُ النَّصْف عندك لم تكنْ / تُسام خلاف النَّصْف حين تُسامُ
أعِذْنِيَ من قول الوشاة ومعشرٍ / لهمْ كلماتٌ حشوهنّ كِلامُ
فلو شئتَ لم يخدُشْنَ جلدي وطالما / وَقَيْتَ فلم تَخْلُصْ إليَّ سهامُ
فشبهُ سقيمٍ من حديثٍ مُصحَّحٌ / وصدقٌ وكذبٌ في المقال كَلامُ
فَما أنَا ممّنْ يَركب الأمرَ يُجْتَوى / عليه ويُلحى عنده ويُلامُ
وما لِيَ تعريجٌ بدارِ خيانةٍ / ولا لِي على غير الوفاءِ مقامُ
نفذتَ بدَرٍّ من هوائك أَعظُمِي / فليس لها عمرَ الزّمانِ فِطامُ
فَما لِيَ إلّا مِن هواك علاقةٌ / وَلا لِيَ إلّا في يديك زِمامُ
وما كنتُ لولا أنّك اليومَ مالِكِي / أُرامُ ونجمُ الأُفقِ ليس يُرامُ
وكم لي بمدحي في علاك قصائدٌ / لهنّ بأفواهِ الرُّواةِ زِحامُ
مُرقِّصَةٌ للسّامعين نشيدُها / كما رقصتْ بالشّاربين مُدامُ
هَدَجْنَ على القيعان شرقاً ومغرباً / كما هيج في دوّ الفلاةِ نَعامُ
فَلا تَخش من جحدٍ لنُعماك في الورى / فنُعماك أطواقٌ ونحن حَمامُ
وَلا تُدنِ إلّا مَنْ خبرتَ مغيبَه / ففي النّاس نبعٌ منجبٌ وثُمامُ
فلا عبثتْ منك اللّيالِي بفُرصةٍ / ولا عاث في رَبْعٍ حللتَ حِمامُ
ولا خصمتْ أيّامنا لك دولةً / فلم يك في حقٍّ أبَنْتَ خصامُ
وهُنِّئتَ بالعيد الجديد ولم تزلْ / يعودك فِطْرٌ بعده وصيامُ
فما كُتبتْ فيه عليك خطيئةٌ / ولا شان من بِرٍّ أتيتَ أثامُ
وأعطاك يومُ المِهْرَجانِ مسرّةً / لها يوم نقصان العطاء تمامُ
وطالتْ لنا أيّامُك الغُرُّ سَرْمداً / ودام لها بعد الدّوام دوامُ
ولا زال فينا نورُ وجهك ساطعاً / فإنّك شمسٌ والأنامُ قَتامُ
نضوتُ ثياب اللّهو عنّي فقلّصَتْ
نضوتُ ثياب اللّهو عنّي فقلّصَتْ / وشّيبني قبل المشيب همومُ
وقد كنتُ في ظلّ الشّباب بنعمةٍ / وأيُّ نعيمٍ للرّجال يدومُ
وقد علم الأقوام إنْ لم يغالطوا / بأنّ صحيحاً بالمشيب سقيمُ
وإنّ غنيّاً في الهوى ونزيلُهُ ال / مشيبُ فقيدُ الرّاحتين عديمُ
فطيّب رَيّاها المقامُ وضوّأَتْ
فطيّب رَيّاها المقامُ وضوّأَتْ / بإشرافها بين الحطيم وزمزما
فيا ربِّ إنْ لقّيتَ وجهاً تحيّةً / فحيّ وجوهاً بالمدينةِ سُهَّما
تجافين عن مسّ الدَهان وطالما / عصمن عن الحِنّاءِ كفّاً ومِعْصَما
وَكم مِن جليدٍ لا يُخامره الهوى / شَنَنَّ عليه الوَجْدَ حتّى تتيّما
أَهانَ لهنّ النّفسَ وهي كريمةٌ / وألقى عليهنّ الحديثَ المُكَتّما
تسفَّهْتَ لمّا أنْ مررتَ بدارها / وعوجلتَ دون الحِلْمِ أنْ تتحلّما
فعُجْتَ تقرّي دارساً مُتَنكّراً / وتسأل مصروفاً عن النُّطقِ أعجما
وَيومَ وَقفنا للوداع وكلُّنا / يَعُدّ مُطيعَ الشّوقِ مَن كان أحزما
نُصِرتُ بقلبٍ لا يُعَنَّف في الهوى / وَعيناً متى اِستَمْطَرْتُها مَطَرَتْ دما
إِذا شِئتما أنْ تبكياني صبابةً
إِذا شِئتما أنْ تبكياني صبابةً / فكرّا على قلبي حديثاً تقدّما
تصرّم عنّي رغم أنفي وذكرُهُ / عَلى القلبِ منّي جاثمٌ ما تصرّما
ترثّ اللّيالي كلَّ شيءٍ وإنّما / يزيد عليها جِدَّةً وتصرّما
ولا تعجبا من دمعتي وتعجّبا / لعينِيَ إنْ لم تجرِ من بعدها دما
لقاؤكِ يا سلمى وإنْ كان دائماً
لقاؤكِ يا سلمى وإنْ كان دائماً / يعزّ علينا أنْ يكون لماما
وقد كانْ صبحاً يملأ العينَ قرّةً / فعاد بقول الكاشحين ظلاما
كلا الهَجر منكِ الطّرف أن لا تعرّجي / على الحيّ أيقاظاً وزرتِ نياما
ولم يشفِ ذاك القربُ وهو مرَجَّمٌ / من القوم سُقماً بل أثار سُقاما
وَما كانَ إلّا باطلاً غير أنّنا / كفينا به ممّن يلوم ملاما
ألَمَّتْ بنا بعد الهدوِّ وربّما
ألَمَّتْ بنا بعد الهدوِّ وربّما / ألمَّ بنا من ليس نرجو لِمامَهُ
فيا لكَ مِن يومٍ شَحَطْتَ بياضَهُ / فلم يَعْدُني حتّى رضيتُ ظلامَهُ
ومِنْ مُغرَمٍ يَقْلِي لذيذَ اِنتباهِهِ / ويَهْوى لما جرّ المنامُ منامَهُ
ومِنْ مُسعِفٍ جُنْحاً بطيبِ عناقِهِ / وكم حَرَمَ العُشّاقَ صُبحاً كلامَهُ
فإنْ لم يكن حقّاً فقد بات مُغرَمٌ / يداوٍي بتلك الباطلاتِ سَقامَهُ
فحُبَّ به من باذلٍ لي حلالَهُ / وفادٍ بذاك البذل منّي حرامَهُ
ومِنْ مُلْتَقىً عَذْبِ المَذاقِ وتحتَهُ / فلم يرضَ لي حتّى رَبِحتُ أَثامَهُ
ولا عيبَ فيه غيرَ قربِ زوالِهِ / على أَنَّ مُشتاقاً أراد دوامَهُ
أَلا يا نَسيمَ الرّيحِ مِن أَرض بابلٍ
أَلا يا نَسيمَ الرّيحِ مِن أَرض بابلٍ / تحمّل إِلى أَهل الخيامِ سلامي
وَقُل لِحَبيبٍ فيك بعضُ نَسيمِهِ / أَما آنَ أَن تَسطيع رَجعَ كلامي
رَضيتُ وَلولا ما عَلِمتُم مِنَ الجَوى / لَما كنتُ أَرضى مِنكُمُ بلِمامِ
وَكيفَ أُطيقُ الصبرَ عمّن غَرامهُ / جَرى في عظامي وهيَ غيرُ عِظامِ
وَإنّي لأَهوى أَن أَكونَ بِأَرضِكُم / عَلى أنّني مِنها اِستَفدت سَقامي
تُريدونَ أَن أَرضى وَما كنتُ راضِياً / بِأنّكمُ في غَيرِ دارِ مقامِ
وَقد كُنتُ كالعقدِ المنظّم فيكُمُ / فَها أَنا ذا سِلكٌ بِغيرِ نظامِ
فَلا برقَ إلّا خلّبٌ بَعد بَينِكم / وَلا عارِضٌ إلّا بياضُ جهامِ
أَشَيباً ولمّا تَمضِ خَمسونَ حجّةً
أَشَيباً ولمّا تَمضِ خَمسونَ حجّةً / وَلا قارَبتني إنّ هَذا منَ الظلمِ
وَلَو أَنصفتني الأربعون لَنَهنَهَت / مِنَ الشيبِ زَوراً جاءَ من جانبِ الهمِّ
قَرعتُ لَه سنّي وَلَو أَستَطيعُهُ / قَرعتُ لَه ما لَم تَر العينُ مِن عظمي
يَقولونَ لا تَجزع منَ الشيبِ ضلّةً / وَأسهُمُهُ إِيايَ دونَهمُ تصمي
وَقالوا أَتاه الشّيب بِالحلمِ وَالحجى / فَقُلتُ بما يَبري وَيعرُق من لحمي
وَما سرّني حِلمٌ يَفيءُ إِلى الرّدى / كَفانِيَ ما قَبلَ المَشيبِ من الحلمِ
إِذا كانَ ما يُعطينِيَ الحزمُ سالِباً / حَياتي فَقُل لي كيفَ يَنفعني حَزمي
وَقَد جرّبت نَفسي الغداةَ وقارَه / فَما شدّ مِن وَهني وَلا سدّ مِن ثَلمي
وَإِنّي مُذ أَضحى عذاري قرارَهُ / أَعاد بلا سُقمٍ وَأَجفى بلا جرمِ
وسيّان بَعد الشيبِ عندَ حَبائبي / وَقَفنَ عليه أَو وَقفن على رسمِ
وَقد كنتُ ممّن يَشهدُ الحربَ مرّةً / وَيُرمى بِأَطراف الرماحِ كما يرمي
إِلى أَن علا هَذا المشيبُ مفارقي / وَلَم يَدعُني الأقوامُ إِلّا إِلى السلمِ
إِذا جِئتَ أَعلامَ العُذَيبِ فسلّمِ
إِذا جِئتَ أَعلامَ العُذَيبِ فسلّمِ / عَلى دِمَنٍ أَقوَت وَإِن لَم تكلَّمِ
فَما زالَ تَكليمُ الدّيار وَأَهلُها / عَلى شَحَطٍ مِنها تعلَّةَ مُغرمِ
وَفي النّفرِ الغادينَ مِن بَطنِ وجرةٍ / هَضيمُ الحَشا حسّانةُ المتبسّمِ
إِذا أَسفَرَت فالدّرُّ ثمّ مُنظّمٌ / وَإِن نَطَقت فَالدّرُّ غَيرُ مَنظّمِ
حَلفتُ بِمَن زارَ الملبُّونَ بَيتهُ / وَما رَحَّلوهُ نَحوه مِن مخطَّمِ
وَشُعثٍ أَطالوا في الهَجيرِ ظِماءهم / إِلى كَرعةٍ مِن ماءِ أَحواضِ زمزمِ
وَبِالخيفِ إِذ حطُّوا إِليهِ رِحالَهم / وَما هَرَقوا عندَ الجِمارِ منَ الدّمِ
وَبالوادِ وادي بَطنِ مكّةَ مُفعَمٍ / يلفُّ أُناساً من مُحِلٍّ وَمحرمِ
إِذا رَفَعوا تِلكَ العقائرَ هدَّراً / سَمِعت كَقعقاعِ الأباء المضرّمِ
لَقَد نالَ فَخرُ الملكِ مِن قُلَلِ العُلا / مَواطنَ شطّت عَن فَصيحٍ وأعجمِ
وَأَحرَزَها فَوتُ الظّنونِ منيحةً / إِذا طَلَبت أَعيَت عَلى المتجشّمِ
ولم يقرها إلا شبا السيف في الوغى / وإلا سقيطاً من قناً متحطم
فَتىً لَم يُرِغ إلّا الثناءَ ولَم يُطِع / وَقَد سُئِلَ المَعروف غيرَ التكرّمِ
وَلا باتَ في أَعقابِ أَمرٍ مغرِّبٍ / يعضُّ بَنانَ الآسفِ المتندِّمِ
وَلَم يُدنِ مِن أَبياتِهِ غير ذابلٍ / طَويلٍ وآرِيِّ الجوادِ المطهَّمِ
بِجودٍ كَما شاءَت سَحابةُ مربِعٍ / وَحلمٍ كَما اِختارَت هضابُ يَلملمِ
لَهُ الخَلواتُ اللّائي ما اِعتَرضت بها / قَذاةٌ ولا إِلمامةٌ بمحرّمِ
فَلَيس غدوٌّ عِندهنَّ لزلّةٍ / وَلَيسَ رواحٌ بينهنّ لمأثمِ
فَمَشهدهُ في صَونِهِ كَمغيبهِ / وَذاكَ الّذي يُبديهِ مثلُ المكتَّمِ
وَما العفُّ إلّا مِن تنزّه قادراً / فَربّ عَفافٍ كانَ مثلَ التحرّمِ
أَذمُّ إِليك الدّهرَ إلّا لَيالياً / طَلعت لنا فيهنّ غُرّة أدهمِ
فَمن لَم يَكُن للدّهر قَبلك لائِماً / فَما فيهِ بَعد اليومِ لومٌ للوّمِ
أَجِل في الورى طَرفاً فَإنّكَ لا ترى / مِنَ النّاس إلّا من عَمَمت بأنعُمِ
بحدٍّ كَحدّ السّيفِ غَير مثلّمٍ / وَعودٍ كَعودِ الرّمح غير مُوَصّمِ
وَإِن زُرتَهُ يَوماً فإنّ مَزارهُ / قَرا مُسرَجٍ في هَبوَةِ النّقعِ ملجَمِ
وَلا خَيرَ فيمن لا يَطيعك قَلبُه / وَيَجشمُ ردّاً عَنك ما لم تجشّمِ
فَأَكثرُ طاعاتِ الرّجالِ ذرائعٌ / إِلى نيلِ حاجاتٍ وَإِدراكِ مغنمِ
وَأَنتَ الّذي وَلّيتَني المننَ الّتي / أَنفنَ عَلى ظنّي وَفُتنَ تَوهّمي
هَنيئاً لَكَ التحويل في اللّيلة الّتي / أَذلّ إِليها السّعدُ سَبعة أنجمِ
أَتَتنا بِصَفوٍ منك في كدرِ الوَرى / وَجاءَت بِفذٍّ في العلا غير توأمِ
فَلا زلتَ تَخطو نَحوهُ كلّ حادثٍ / وَتطوي إِلَيهِ كلّ حولٍ مُجرّمِ
على الرَّبعِ رَبْعِ الرّاحلين سلامي
على الرَّبعِ رَبْعِ الرّاحلين سلامي / وإنْ هاج تسليمي عليه أُوامي
تذكّرتُ لمّا أنْ مررتُ على اللِّوى / بِأهلِ اللّوى وجدى وطول سَقامي
وما مكّنَ الحادون بِي من تَلُّومٍ / عليه ولا مَن حَطّ بعضَ لثامي
وساروا وقلبي من ورائي تلفُّتاً / وإنْ كان قصدُ النّاعجاتِ أمامي
وَما كنتُ من قبل الّذين ترحّلوا / أُقادُ إلى دار الهوى بزِمامِ
وَلمّا تَركنا الأثلَ من جَنَباتِنا / وأطربني منهنّ نَوْحُ حَمامٍ
رماني غزالُ الواديينِ بسهمِهِ / وطاشتْ وعندي الشَّيبُ عنه سهامي
وَما رابَهُ إلّا اِبيِضاضُ مفارقي / وأنّ صباحي في مكان ظلامي
نَفضتُ الصِّبا عن أمّ رأسي وقَلَّصَتْ / عن الغانياتِ شِرَّتي وعُرامي
فما لِيَ تعريجٌ بذاتِ قلائدٍ / ولا لِيَ إلمامٌ بذاتِ خِدامِ
فَكَم بين أنّي رُقْتُهنّ بفاحمي / وبينِيَ لمّا راعهنّ ثَغامي
أقول وقد خلّفتُ سَلْعاً لناقتي / وزفرتُها موصولةٌ ببُغامِ
وَحنّتْ كما حنّ الأباءُ محرَّقاً / تلاطمُهُ النّكْباءُ أيَّ لِطامِ
فؤادِيَ مشتاقٌ ودمعِيَ جامدٌ / وأنتَ بلا شوقٍ ودمعُك هامِ
وليس بمغنٍ في سوادِ جوانحٍ / لقلبك من وَجْدٍ بياضُ لُغامِ
قِفِي بي على الزَّوراءِ في خير موقفٍ / وَعوجي بِنا منها بخير إمامِ
فما لَكِ إنْ بلَّغْتِنِيه مشافِرٌ / يعُدنَ إلى قطع المدَا بخطامِ
ولستُ أُبالي كيف أصبحتِ بعدها / أَجبَّاءَ أم كَوْماءَ ذاتَ سَنامِ
وَقد عَلِقَتْ كفَّيَّ بالنّبعِ من مُنىً / فما أنا أُمْنى بعدها بثُمامِ
فقولوا لِمَلْكِ النّاس عنِّيَ قولةً / إذا قلتُها لم أخشَ فيه مَلامي
أَلستَ الّذي لولاه لم يكُ ركنُنُا / بركنٍ ولا مدعومُهُ بدعامِ
وَلَولا الّذي نظّمتَهُ منه جاهداً / لغُودِر محلولاً بغير نظامِ
ولا كان منّا غيرُ حائمِ قفرةٍ / يلوذ على حرّ الصَّدى بحيامِ
فأين ملوكُ الأرضِ منك وأين مِنْ / تَبَلُّجِ إصباحٍ سوادُ ظلامِ
وأيُّ مليكٍ قبلك اليومَ قادرٌ / مضى لم يطُفْ فيه بَربْعِ أثامِ
وأيُّ حلالٍ قبلما أنت فاعلٌ / رأيناهُ لم يمزِجْهُ بعضُ حرامِ
وَأَنتَ الّذي أَوْلَيتنا النّعمَ الّتي / تركْن كِرامَ النّاسِ غيرَ كِرامِ
وقد جرّبوا منك الحفيظةَ حيثما / دُعيتَ إليها والعيونُ سوامِ
لدَى ساعةٍ ما إنْ بها متحكِّمٌ / سوى ذابلٍ لَدْنٍ وحدِّ حُسامِ
وأنت على جَنْبَيْ سريعٍ إلى المدَا / كأنّك منه فوق ظهرِ شَمامِ
وللخيلِ إمّا من نَجيعٍ براقعٌ / وإلّا عثارٌ في الصّعيد بِهامِ
يثرنَ خفافاً في الوغى فكأنّما / شَلَلْتَ على دَوٍّ قطيعَ نَعامِ
وَحولكَ طلّاعون كلَّ ثَنِيَّةٍ / إلى الموتِ ورّادون كلَّ حِمامِ
إذا قُذِفوا في حَوْمَةٍ فكأنّما / تَضَرَّمُ منه قَفْرُها بضرامِ
تراهمْ كراماً بالنّفوسِ لدى الوغى / ولكنّهمْ في الحربِ جِدُّ لِئامِ
جعلتُك حِصْني يوم خوفي من الأذى / وتُرساً من الأعداء يوم أُرامي
فأنتَ سِناني يوم طعنِيَ في الكُلى / وأنت حُسامي إن سلَلْتُ حسامي
ولستُ أُبالي بعد أن إِبْتَ بالّذي / تريع جروحي عنده وكِلامي
وإنّ عَنائي في هواك لَراحةٌ / وَإِنّ اِنتِقاصي في رضاك تمامي
وَعَن كُلَّ شيءٍ تَجتَويهِ طرائدي / وفي كلِّ شيءٍ ترتضيهِ حِيامي
وما ضرّني لمّا شَرِبتُك أنّني / غَرَفتُ فلم أشربْ كؤوس مُدامِ
وَلا أنّ كفّي لم أَنُطْها بِعصْمَةٍ / من النّاس أطواراً وأنت عصامي
وحوشيتُ أَنْ ألقى سواك مُمَلَّكاً / هوايَ ومعطي باليدين غرامي
فإنْ تكُ أسبابٌ لديك ضعيفةٌ / فأسبابُ قربي منك غيرُ رِمامِ
فلا حان يومٌ منك فيه قطيعتي / ولا آن وقتٌ فيه منك صِرامي
ولا اِطُّرِحَتْ إلّا برَبْعِك أرحُلي / وَلا كانَ إلّا في ذُراك مقامي
وأيُّ كلامٍ لم يكنْ بمفَاخرٍ / سبقت بها سِلْكاً فليس كلامي
وهُنِّيتَ يومَ المِهْرَجانِ فإنّه / كفيلٌ بما تهوى بكلِّ مَرامِ
يبشّرنا فيما نرى بإقامةٍ / وفي نعمٍ أُلْبِستَها بدوامِ
وَما جاءنا إلّا بِأَسعدِ طالعٍ / وَلا زارَنا إِلّا بأفضلِ عامِ
ومهما تَدُمْ فالعينُ فيه قريرةٌ / وكلُّ غصونٍ للأنامِ نوامِ
عليك أَميرَ المؤمنين سلامي
عليك أَميرَ المؤمنين سلامي / وفي يدك الطُّولى زِمامُ غرامي
وأَنتَ الّذي لمّا بلغتُ ديارَه / بلغتُ المُنى عفواً ونلتُ مَرامي
ولم يك لي إِلّا عليك توكُّلِي / وَلا كانَ إِلّا في ذُراك مقامي
وحبُّك ثاوٍ في سوادِ جوانحي / وأَنت صباحي في سوادِ ظلامي
ولمّا وردتُ العِدَّ في عزّك الّذي / به الشَّرفُ الأقصى بلَلْتُ أُوامي
ولستُ أُبالي من لِمامِ عظيمةٍ / أَمامي بها دون الأنامِ إمامي
وما لي اِلتِفاتٌ بعد أنْ كنتَ جُنَّتِي / إلى مَنْ رماني عامداً بسهامِ
وَما شقّت الأوطار إِلّا بلغتُها / بكلِّ صهيلٍ تارةً وبُغامِ
ومحتقرين للدّؤوبِ كأنّهمْ / سِراعاً إلى القِيعانِ فوق نَعامِ
إِذا اِلتَفّ مِنهمْ واحدٌ بقبيلةٍ / فَقَد لَفّ نبعٌ منهمُ بثمامِ
وإِنْ قُذِفوا في حَوْمةٍ فكأنّما / قذفتَ يَبيساً من غَضاً بضرَامِ
كأنّهمُ لم يعرفوا الموتَ جُرأةً / عليه ولا وارَوْا فتىً برِجامِ
فَقُلْ للّذي يَبغي مساماةِ هاشمٍ / وقد فَضَلوا في الفخر كلَّ مُسامِ
وفيهمْ شعارُ الدّين يجري ومنهمُ / كما شاهد الأقوامُ كلُّ هُمامِ
وقد ملكوا الأرضَ العريضةَ كلَّها / وقادروا عرانين الورى بخطامِ
عدلتَ بحصباء الثّرى أنجُمَ العُلا / وسوّيتَ ظُلْماً جُثَّماً بقيامِ
فأين ضياءٌ ساطعٌ من ظلامِهِ / وأين سماءٌ من حضيض رَغامِ
فللّه أيّامٌ مضين وأنتُمُ / تخوضون فيها الخيلَ لُجَّ قَتامِ
وللخيلِ إمّا بالجسومِ طريحةً / عِثارٌ وإمّا بالصّعيدِ بهامِ
وما إنْ ترى في ذلك الحين آمراً / مطاعاً سوى رمِحٍ وحدِّ حُسامِ
ولمّا أردتمْ فصلَ ما كان مُلبِساً / ضربتمْ لُهاماً في الورى بلُهامِ
وما زلتُمُ حتى أخذتمْ تراثَكم / وأنتمْ كرامٌ من أكفّ لئامِ
وَطارَ الّذي لا خيرَ فيه كأنّه / عقيبَ اِنبلاجِ الصّبح طيفُ مَنامِ
وحقُّكُمُ في النّاس ما كان خافياً / ولكنْ تغابٍ دونه وتَعامِ
وفُزتُم به من غير أنْ تتدنّسوا / بعارٍ وأنْ تُقْذَوْا عليه بذامِ
فللّه ما قاسيتُمُ من شديدةٍ / وداويتُمُ في اللَّه أيّ سَقامِ
وعرّضتُمُ أجلادكمْ في حفيظةٍ / لكلِّ كُلومٍ صَعْبةٍ وكَلامِ
وحُمِّلْتُمُ الأعباءَ وهي ثقيلةٌ / وكم من ثقيلٍ فوق ثِقْلِ سِلامِ
وإنْ كنتُمُ عُرِّيتُمُ من مقامكمْ / زماناً فكم صُدَّ الضُّحى بظلامِ
فَواديكمُ والحمدُ للّه مُفْهقٌ / من العزّ فينا والبحورُ طوامِ
وأنتمْ كما شئتُمْ وشاء وليُّكمْ / ودمعُ الّذي يُشجى بذلك هامِ
وبالقائمِ الماضي الشّبا قامتِ العُلا / وهبّتْ عيونٌ بعد طول مَنامِ
ولولاه كنّا مثلَ نَهْبٍ مقسَّمٍ / وَلَيسَ لَنا في ذي الأذيّة حامِ
هَنيئاً بِهَذا العيد يا خيرَ مفطرٍ / كما كنتَ عصرَ اليومِ خيرَ صيامِ
فإنْ تركوا مآكلاً ومشارباً / فإنّك ترّاكٌ لكلّ حَرامِ
وإنْ جانبوا بعضَ الأثامِ تورُّعاً / فَأنتَ الّذي جانبتَ كلَّ أَثامِ
وَإِنْ خَشَع الأقوامُ يوماً لربّهم / فأين خشوعٌ من خشوع شَمامِ
فلا زلتَ طلّاعاً لكلِّ ثنيَّةٍ / من العمرِ سبّاقاً لكلّ حِمامِ
وإن لم يدمْ شيءٌ فمُتّعتَ بالّذي / به أنتَ مشغوفٌ بكلّ دوامِ
وبُلّغتَ من ذُخرِ النُّبُوّةِ كلّما / تُرامِي وعنه بالنّضالِ تُحامي
فبشّرْ بوالي العهدِ قومَك عاجلاً / فَلا طَرْفَ إلّا نَحو ذلك سامِ
وَلا اِجتازَ ثَلْمٌ لم تَرِدْهُ بريبةٍ / ولا مرّ نقصٌ محتوٍ بتمامِ
وَلا اِعتلَّ شيءٌ كان فيك مُصحَّحاً / ولا اِنحلَّ منكَ الدَّهرَ سلكُ نظامِ
وإنْ أجدبتْ أجراعُ قومٍ فلا يزلْ / جنابُك ممطوراً بكلّ غَمامِ
فَلا تَحفِلَن إلّا بما أنا قائلٌ / ولا تسعمنْ في المدحِ غير كلامي
ونُصحُكمُ فرضٌ فدونك قولةً / حططتُ لها حتّى أقولَ لِثامي
لَقَد ظَفِرت أيّامُكُم بِمُحمَّدٍ / بماضٍ حديدِ الغَرْب غيرِ كَهامِ
فخدمتُهُ أغنتكُمُ وهو واحدٌ / وكم واحدٍ أغنى غَناءَ أنامِ
فضمّا عَليه باليدين فإنّه / مَلِيٌّ كَما نهوى بكلِّ مَرامِ
وَليسَ سعودُ المرء إلّا رضاكُمُ / وإنْ لم يَطُفْ منكمْ برَبْعِ مَلامِ
خدمتُكمُ والرَّأسُ منّيَ فاحمٌ / وها الرّأسُ مُبَيضُّ الذُّرا كثَغامِ
وَلَم تَظفروا منّي بِهَفوةِ عامدٍ / تطأطئُ رأسي أو تجرّ مَلامي
فمَغْنىً جفوتمْ لا وطأتُ تُرابه / ولا ضُربتْ يوماً عليه خيامي
وما لِيَ تعريجٌ بغير شعابكمْ / ووادٍ حللتمْ فيه دارُ مقامي
وعنكمْ ضرابي او طعانِيَ في العِدا / وفيكمْ جِدالي كلُّه وخصامي
فلا زلتُ موقوفَ الغرامِ عليكمُ / إلى أنْ أَزورَ تربتي بحِمامي
وعَقْرُكمُ لا كان منه ترحُّلِي / ودرُّكُمُ لا كان منه فطامي
وإنِّيَ منكمْ وُصْلَةً وولادَةً / وفي حبّكمْ لا زلت عنه مسامي
وسِيطَ بلحمي وُدُّكمْ ثمّ رُوِّيَتْ / عظامِيَ منه وهي غيرُ عظامي
وذكرُكُمُ زادي وقوتِيَ في الورى / ومثلُ شرابي طعمُهُ وطعامي
هلِ الشيبُ إلّا غُصّةٌ في الحَيازِمِ
هلِ الشيبُ إلّا غُصّةٌ في الحَيازِمِ / وداءٌ لرّباتِ الخدور النّواعمِ
يَحِدْنَ إذا أبصَرْنَه عن سبيلهِ / صُدودَ النّشاوى عن خبيث المطاعمِ
نعمّمتُهُ بعد الشّبيبةِ ساخطاً / فكان بياضُ الشّيبِ شرَّ عمائمي
وقُنّعتُ منه بِالمَخوفِ كأنّني / تقنّعتُ من طاقاتِهِ بالأراقمِ
وهيّبني منه كما هاب عائجٌ / على الغابِ هيباتِ اللّيوثِ الضّراغمِ
وهدّدني في كلّ يومٍ وليلةٍ / سَنا وَمْضِهِ بالقارعاتِ الحواطمِ
كفانِيَ عُذّالي على طرْبَةِ الصِّبا / وقام بلَوْمٍ عِفْتُهُ من لوائمي
وقصّر عنِّي باعُ كلِّ لَذاذَةٍ / وقصّر دوني خَطْوُ كلِّ مُخالِمِ
فواللَّهِ ما أَدري أَصُكَّتْ مفارقي / بِفِهْرِ مَشيبٍ أوْ بفهرِ مُراجِمِ
ولمّا سقانِيهِ الزّمانُ شربتُهُ / كما أُوجِرَ المَأْسورُ مُرَّ العلاقمِ
حَنَتْنِيَ منه الحانياتُ كأنّني / إذا ظَلْتُ يوماً قائماً غيرُ قائمِ
وَأَصبحتُ يُستَبْطى مُثُولِي ويُدَّعى / وَما صدقوا فيَّ اِختلالُ العزائمِ
فَلا أَنا مَدعوٌّ ليومِ تَفاكُهٍ / ولا أَنَا مرجُوٌّ ليومِ تخاصمِ
فلا تطلبا منّي لقاءَ محاربٍ / فَما أَنا إِلّا في ثيابِ مُسالِمِ
وَلا تَدفَعا بي عنكما غُشْمَ غاشمٍ / فإنِّيَ في أيدي المشيبِ الغواشمِ
فَلو كُنتُ آسو منكما الكَلْمَ ما رأتْ / عيونُكما عندي كُلومَ الكوالِمِ
وإنّي أميمٌ بالمشيبِ فخلِّيا / ولا تطلبا عندي علاجَ الأمائِمِ
مشيبٌ كخَرْقِ الصُّبحِ عالٍ بياضُهُ / بُرودَ اللّيالي الحالكاتِ العوارمِ
وتطلع في أُفقِ الشّبابِ نجومُهُ / طلوعَ الدَّرارِي في خلالِ الغمائمِ
كأنِّيَ منه كلّمَا رمتُ نهضةً / إلى اللّهوِ مقبوضُ الخُطا بالأداهمِ
تُساندنِي الأيدي وقد كنتُ برهةً / غنيّاً بنفسي عن دِعامِ الدّعائِمِ
وَأخشَع في الخطبِ الحقير ضراعةً / وقد كنت دفّاعاً صدورَ العظَائمِ
وقد كنتُ أبّاءً على كلّ جاذِبٍ / فلمّا علاني الشّيبُ لانَتْ شَكائمي
ولمّا عراني ظِلُّهُ وحملتُهُ / أنِسْتُ على عَمْدٍ بحَمْلِ المظالِمِ
فلا ينغُضَنْ رأسي إلى العزّ بعدما / تجلّلهُ منه مُذلُّ الجماجمِ
فيا صِبغَةً حُمِّلتُها غيرَ راغبٍ / ويا صبغةً بُدِّلْتُها غيرَ سائمِ
ويا زائري من غير أن أستزيرهُ / كما زِيرَ حَيْزومُ الفتى باللّهاذِمِ
أقِمْ لا تَرِمْ عنّي وإنْ لم تكنْ هوىً / فكم قد سَخِطْنا فَقْدَ غيرِ مُلائمِ
فمن مبدِلي من صبحِهِ بظلامِهِ / ومَن عائِضِي عن بِيضهِ بالسّواهمِ
ومن حاملٌ عنّي الغَداةَ غرامهُ / وقد كنتُ نهّاضاً بثِقْل المغارِمِ
فيا بيضَ بِيضَ الرّأْسِ هل لِيَ عَوْدَةٌ / إلى السُّودِ من أغياركُنّ الفواحمِ
تنازحنَ بالبِيض الطّوالعِ شُرَّداً / كما شرّد الإصباحُ أحلامَ نائِمِ
ويا فجرَ رأسي هل إلى ليلةِ المُنى / سبيلٌ وكرّاتِ المواضي القوائمِ
ليالِيَ أُفدى بالنّفوسِ وأرتدي / من البِيض إِسعافاً ببيضِ المعاصِمِ
فإنْ كان فقداني الشبيبةَ لازماً / فحُزْني عليها الدّهرَ ضربةُ لازمِ
وإنْ لم يكنْ نَوْحي بشافٍ وأدمعي / فدمعُ الحيا كافٍ ونوْحُ الحمائمِ
غُرِرْتُ بما أَظهرتموه وليس لي
غُرِرْتُ بما أَظهرتموه وليس لي / بدائكمُ تحت الأضالعِ من عِلْمِ
وما كنتُ أخشى أنّ ذنباً جنيتُمُ / يَضيقُ به ذَرْعي مَدا الدّهرِ أوْ حِلْمِي
ولا أَنّنِي أُدْهى منَ الأمنِ غافلاً / ويَكلِمُنِي من كنتُ آسو به كَلْمِي
ومن عَجَبٍ أنّ السّهامَ تصيبني / من القوم ما فَوَّقْتُ نحْوهُمُ سهمي
وَإنِّيَ أَقضي كلَّ يومٍ وليلةٍ / فَأقربُ إبْقاءً وأُرمى فلا أَرمِي
فلا تطعموا أنْ تظلموني فإنْني / بعيدٌ متى حاولتُمُ عن يد الظلْمِ
فلا تطلبوا حربي فإنّ غَبِينَةً / طِلابُ اِمرئٍ حربي وفي كفِّهِ سِلْمِي
وَإنْ كنتُ مغروراً بكمْ بعد هذه / فلا تقبلوا عذري ولا تغفروا جُرمي
وَما الذّئبُ إلّا لِلزّمان الّذي رمى / صَميمي بكمْ كُرْهاً وصيَّركُمْ قِسْمِي
ولمّا اِلتَقينا والقلوبُ مَهيجةٌ
ولمّا اِلتَقينا والقلوبُ مَهيجةٌ / وأَيمانُنا مشغولةٌ بالقوائِمِ
جعلنا القنا فيهمْ مكانَ ضلوعهمْ / وحدَّ الظُّبا منهمْ مكانَ العمائِمِ
وأَقدَمَتِ النَّصْرَ البعيدَ سيوفُنا / وقد كان لولا سلُّها غيرَ قادمِ
وعُدنا كما شئنا تَعَثّر خيلُنا / عقيبَ التّلاقي بالطُّلى والجماجِمِ
كذا تُكشفُ الغَمّاءُ بعد ظلامِها
كذا تُكشفُ الغَمّاءُ بعد ظلامِها / وتبرأ أوطانُ العُلا من سَقامِها
وتُغمدُ بِيضُ الهندِ من بعد فَجْعِها / جُسومَ الكُماة المُصْلِتين بِهامها
وتُركَزُ سمر الهندِ من بعد خَرْقِها / نُحورَ العِدا طعناً وفَضِّ ختامِها
وتُضحِي رياضُ الحَزْنِ خُضْراً أريضةً / وَقد رويتْ كما اِشتهتْ مِن غمامِها
وَيَضحكُ وَجهُ الخَطْبِ بعد عُبوسِهِ / وتخمدُ نارُ الحربِ بعد اِضطرامِها
فيا رُكْنَ دينِ اللَّه وَالعروةُ الّتي / كُفينا بُصْنعِ اللَّهِ شَرَّ اِنفِصامِها
هَنيئاً بِها مِن نِعمةٍ فاتتِ المنى / فلم يَبْقَ للآمالِ غيرُ دوامها
وما قادَها من بعد أنْ أعيَتِ الورى / إليك سوى ربِّ الورى من خِطامها
فَلَم تكُ إلّا عَزْمةً منك في التُّقى / كفَتْك من الأيّامِ سوءَ اِعتزامها
دعوتَ لها مَن لا يخيبُ دعاؤهُ / فأرعاك منها مِنْ أجَلِّ مَسامِها
فكان ضميناً بعدها بدُنُوِّها / وَكانَ كفيلاً صَدْعها باِلتئامِها
وما زلتُ أرجوها ومنتظراً لها / كمنتظرٍ من حاملٍ لتمامِها
وبشّرنِي ظنّي بها قبل كونها / وأظهرها لِي في زمانِ اِكتِتامها
وكنتَ إذا ما حادثاتٌ تعرّضَتْ / رأيتَ جَلاها من خِلالِ قَتامها
فكفكَفْتَ منها قبل حين طلوعها / وروّأتَ فيها قبلَ وَشْكِ اِنهجامِها
فإنْ كنتَ قد قاسيتَ منها عظيمةً / فإنّ العظيمَ مُبتَلىً بعظامِها
فإنْ أجرمتْ فيك اللّيالِي فقد أَتَتْ / على عَجَلٍ منها بمحوِ اِجتِرامها
وقد وادَعَتْنا اليومَ فَاِغفر لها الّذي / مضى من تجنّيها وفَرْطِ عُرامِها
وداوتْ جروحاً من يديها رغيبةً / وعَفّتْ نُدوباً من نُدوبِ عِذامِها
ووقّرْتَها بعد الجنونِ وقد ثَوَتْ / خَبوطاً عَثوراً خُفُّها بزمامِها
فها هِيَ لا تُقذى بشيءٍ من القَذى / ولا يستطيع الدّهرُ حلَّ نظامِها
حمىً يتّقيهِ المُقدِمون وخِطَّةٌ / أبَتْ لمُغيرٍ ثُلَّةً من سَوامِها
فيا بُعْدَ مَرْمى ليلها من صباحها / ويا بُعْدَ مَرْمى نَبعها من ثُمامِها
وعلّمْتَ أملاكَ الورى إنْ تعلّموا / لدى نكْبَةٍ أنْ يخلصوا من مَذامِها
وإنْ يشتروا في ساحةِ العِزِّ رُتبةً / تجاذبُها الأيدي بحكمِ اِستِيامِها
رَمَتْك فلمّا لم تُصِبْك تناكصتْ / مُخَيَّبَةً مجروحةً بسهامِها
ولمّا رأتْ منك الصّريمةَ أَبدَلَتْ / على مَضَضٍ إقادمها باِنهزامِها
فروّيتَ ظمآنَ الثّرى من دمائها / وأشْبعتَ ذُؤْبانَ الفضا من عظامِها
وما بَرِحتْ حتّى أدَرْتَ وما دَرَتْ / كؤوسَ رَداها لا كؤوس مُدامِها
ولمّا تركتَ السَّيفَ فيهمْ وحُكمَه / جعلتَ بُكاها في مكان اِبتسامِها
عصابةُ بَغْيٍ بوعِدَتْ عن حلومها / فلم تدرِ جهلاً شيخَها من غلامها
أقامتْ على دار العُقوقِ فلم تَرِمْ / وَما رَدَّدَتْ إلّا طويلَ ملامِها
ولمّا رأَتْك مُقبلاً حار فَهْمُها / وأشْكَلَ فيها رُمْحُها من حسامِها
وَطاح الّذي غُرّتْ بهِ من وساوسٍ / وصارتْ كحُلمٍ أبصرتْ في منامها
هُمُ ثوّروها فتنةً لم تفِدهُمُ / سوى حزِّهم أَوصالَها واِنتقامها
وقد نَكَّروها جُهْدَهمْ فعرفتَها / وقد طلعتْ من قبل حَطِّ لِثامها
وهمْ أوقدوها جَهْلَةً بمآلها / فَما اِحتَرقوا إلّا بشبِّ ضِرامِها
وَهُمْ زَعزعوها وَاِرتَجَوْا لذّةَ الجنى / فلم يجتنوها اليومَ غيرَ حِمامِها
نَثَرْتَهمُ ضرباً وطعناً بقفرةٍ / كأنّهُمُ بالعين بعضُ رَغامِها
وزدتَ وقد طَرَّحْتَهمْ حِزَقاً بها / بطرْقِ المنايا في عِدادِ إكامِها
وَلَم تكُ إلّا مثلَ قَبْسَةِ قابِسٍ / ونُغْبَةِ كُدْرٍ ما اِرتَوَتْ من أُوامِها
وكان تَوَلِّيها عقيبَ مجيئها / وكان الرّضاعُ في جوارِ فطامِها
وأنت على مَعْروقةٍ عند شدّها / كذئبِ الفلا أوْ شِدَّةً كسِلامها
تُخال وقد هزّ المَراحُ كَلِيلَها / نجومُ الثُرَيّا حِلْيَةً للجامِها
كأنّك منها فوقها أوْ كراكبٍ / من الشُّمِّ أعلى هَضْبَةٍ من شَمامها
فكفّاك في تصريفها كعِنانِها / ورِجْلاك في إمساكِها كحِزامها
تدوس بك القتلى وقد ملأوا الثّرى / بِغيرِ تَوقّيها وغيرِ اِحتشامِها
فخذها كما أعطاك ربُّك دولةً / حباك بما تهوى بدار مُقامِها
مجدَّدَةً ما للخطوبِ معرَّجٌ / عَليها ولا إلمامةٌ من لِمامِها
ورام العِدا أنْ يسلبوك ثيابَها / وقد حالت الأقدارُ دون مَرامِها
وأنْ يُنزلوك عن قَراها كأَنَّهمْ / بما فعلوا عالوْك فوق سنامِها
فلا طَرَقتْها للحوادثِ طَرْقةٌ / ولا عبثتْ أيدي الرّدى باِنثلامها
ولا زِلْتَ مَحْبُوّاً بها كلَّ ليلةٍ / مُحَيّاً على طولِ المدا بسَلامِها
عَذيرِي مِنَ القومِ الّذين أراهُمُ
عَذيرِي مِنَ القومِ الّذين أراهُمُ / مَدَى الدّهرِ لا يهوَوْن منّي سوى ظُلمي
هُمُ كَلَموا جسمي ولم يكُ عندهمْ / بأنّ كُلومي ليس يا قومُ من جسمي
وَلولا اِحتِقاري همْ عدىً لرميتُهمْ / ولكنّني فيهم أَغارُ على سهمي
وقد خَبَروني كلَّ يومٍ وليلةٍ / فَما أَنكروا منّي ولا كرهوا طعمي