القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 12
وليلٍ رَسَبْنا في عُبابِ ظَلامِهِ
وليلٍ رَسَبْنا في عُبابِ ظَلامِهِ / إِلى أَن طفا للصُّبح في أُفْقهِ نجمُ
كأنّ الثريّا فيه سَبْعُ جواهرٍ / فواصلُها جَزْعٌ به فُصّلَ النظمُ
وتحسبها من عسكر الشهب سُرْبةً / عمائمهمْ بيضٌ وخيلهمُ دُهمُ
كأنّ السُّها مضنىً أتاه بنعشهِ / بَنوه وظنُّوا أن موْتَتَهُ حَتْمُ
كأنّ انصداعَ الفجر نارٌ يُرَى لها / وراء حجابٍ حالكٍ نَفَسٌ يسمو
وتحسبهُ طفلاً من الرّومِ طَرّقَتْ / به من بناتِ الزنج قائمةً أُمّ
أأُعْلِمَ في أحشائِها أنّ عُمْرَهُ / لدى وضعْهِ يومٌ فشيّبه الوهمُ
وذَرّتْ لنا شمسُ النّهارِ مذيبّةً / على الأرض روحاً في السماءِ له جسم
وطيّبةِ الأنفاسِ تحسبُ وصلها
وطيّبةِ الأنفاسِ تحسبُ وصلها / وَمَنْ واصلته جَنّةَ المتَنَعِّمِ
تفَتّحَ وردُ الخدّ في غُصنِ قدّها / وَنَوّرَ فيه أقحوان التبسمِ
كَأَنَّ استِماعَ اللَّفظ منها تَعَلُّلٌ / بلذّة راحٍ واقتراحِ ترنُّمِ
تُحدّثُني بالسرِّ في ثِنْيِ ساعدي / فيسمعُ نجوى السرّ من فمها فمي
إذا ما الثريّا رَحَّلَ الليلُ شمله / لها في يَدِ الإصباحِ باقةُ أنجمِ
وجدتَ ثناياها العِذابَ كأنّما / تُعَلّ بمسكٍ في رحيقٍ مُختَّمِ
بِحُكمِ زمانٍ يا لهُ كيفَ يحكمُ
بِحُكمِ زمانٍ يا لهُ كيفَ يحكمُ / يُحرّمُ أوطاناً علينا فَتَحْرُمُ
لقد أركبتني غربةُ البين غربةً / إلى اليوم عن رسم الحمى بيَ تَرسُمُ
إِذا كُلَّ عني من سَنَا الصبح أشْهَبٌ / تناول حَمْلي من دُجَى الليل أدهمُ
وتحسبُهُ يرتاضُ في غَرْسِ حمله / وَيُسْرَجُ فيه كلاماً للركوب ويُلجَمُ
لِكُلِّ زَمانٍ واعظٌ وعظه كما / يخط كلاماً بالإِشارة أَبكمُ
وحادٍ رَمى بالعيسِ كلّ مُضِلّةٍ / كأنّ عليه مَجْهَلَ الفيح مَعْلَمُ
وَقَد نَحَرَتْ في كلِّ شَرقٍ ومغربٍ / عليها نُحورَ البيد في العزم أسْهُمُ
وَأَوجفَ حَولَيها الكماةُ ضوامراً / فَلا سنُنْبُكٌ إلّا يَساريه مِنْسَمُ
فمن راكبٍ يأتي به الخصبَ بازلٌ / وَمِن فَارسٍ يَصْلَى بِهِ الحربَ شَيظمُ
فإن تُسرِ في ليلٍ وجيشٍ فإنّها / سفائنُ برٍّ بينَ بحرينِ عُوَّمُ
وصِيدٍ يصيدون الفوارسَ بالقنا / إذا نَكَلَ الأبطالُ في الرّوْعِ أقدموا
ويستطعمون السّمر والبيضَ إنّها / نيوبٌ وأظفار بها الأُسْد تَطْعَمُ
دعَتهُم بُروقٌ بالأَكُفِّ مشيرةً / إِلَيهم وعينٌ عَرْفُهَا يتنَسَّمُ
عصَا شملهم شُقّتْ فشرّق مُنجدٌ / إلى طيّةٍ منهم وغَرّبَ مُتْهِمُ
وما قَدَّ قَدُّ السير بالطُّول سَيْرَهم / وَلكنَّما المُنقَدُّ قَلبي المتَيَّمُ
طَوَى البعدُ عنّا فانطَوَينا عَلى الجَوى / نواعمَ تُشْقي بالنعيمِ وتنعَمُ
دَعُونا نُسايِر حادِياً قادَ نحوها / مسامعَنا منه الحداءُ المُنَغَّمُ
فَما هَذِهِ الأَحداجُ إِلّا قُلوبنا / حَبائِبُنا فيها سَرائِرُ تُكْتَمُ
بِنَفسِيَ من حورِ المها غادَةٌ لَها / فمٌ عن شديدِ الخوف بالصمتِ مُلجَمُ
يَنِمُّ عَلَيها طيبُ رَيّا كَلامها / فَيَدري غيورٌ أَنَّها تَتَكلَّمُ
أُرَجِّعُ بِالشَّوقِ الحنينَ وَإنّما / يهيجُ حنيني عَوْدُها حين يُرْزِمُ
قد سَفَرَتْ في تُوضَحٍ فَتَوضّحَتْ / مسالكهُ للسفرِ واللَّيلُ مظلِمُ
مَرَّتْ على سِقْطِ اللّوى فَتَساقَطَتْ / دموعٌ عليها دُرّها لا ينظَّمُ
وَقَد ضَرّجتْ ثَوبي لدى عينِ ضارجٍ / عليّ جفونٌ ماؤها بالأَسى دَمُ
مَعاهِدُ ما زالَ امرؤ القَيسِ بينها / يُعبّرُ عن عَهْدِ الهوى ويُتَرجِمُ
تَوَهّمْتُها حُلْماً بها فذكرتها / وقد يذكر الإِنسانُ ما يَتَوَهّمُ
وإني لآوي من زمانٍ لبستُهُ / إلى ذِكَرٍ تأسو فؤادي وَتَكْلمُ
ليالِيَ تَسبي اللبّ مِنهُ سَبيئَةٌ / تناولها من كافِرِ القلبِ مُسلِمُ
سُلافَةُ كَرمٍ لَيسَ يَسخو بِمِثلِها / لِغَيرِ فَتى تَحْظَى لدَيه وَتُكْرَمُ
يُطافُ بها في حُمْرَةِ الوردِ جوهراً / له عَرَضٌ وهو السرُورُ المُحرَّمُ
يسيغُ فمي في شِدَّةِ السكر صِرْفَها / وما فَرحةٌ في السَّمعِ إِلّا التَرنُّمُ
فَلِلَّهِ عمرٌ مَرَّ بي فَكَأنّني / به في جنانِ الخُلْد قد كنت أحلُمُ
لياليَ روضُ العيشِ غضٌّ وماؤهُ / نميرٌ ومنقوضُ الشبيبةِ مُبْرَمُ
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ / بهم ورقاً عَن زهره الروضُ يبسمُ
جبابرةٌ في الرّوْع تعْدو جيادُهُمْ / بهمْ فوق ما سحّ الوشيج المُقوَّمُ
تنوءُ بهم في ذُبّلِ الخطِّ أنْجُمٌ / سحائبها نَقْعٌ وأمطارها دمُ
تَرَحّلُ من آجامها الأُسْدُ خيفةً / إذا نَزَلوا للرّعْيِ فيها وخَيّموا
ترى كل جوّ من قناهم وَنَقْعِهِمْ / يُكَوْكَبُ إن ساروا بهم وَيُعتّمُ
فِصاحٌ غَداةَ الرَّوعِ عَزَّ سُكوتُهم / وَأَلسِنَةُ الأَغمادِ عَنهُم تُتَرْجِمُ
كَأَنَّ بِأَيديهِمْ إِذا ضَرَبوا الطُّلى / عزائمَهُمْ لو أنّها تتجسّمُ
إذا ما استوى فِعْلُ المنايا وفعلُهُمْ / بأرواح أبطالِ الوَغى فهمُ همُ
أَعاريبُ أَلقَى في نَتيجاتِ حَيِّهِمْ / لَهُم أَعوَجٌ ما يوجِفونَ وَشَدْقَمُ
صَحِبتُهُمُ في موحِشِ الأرضِ مُقْفِرٍ / به الذئبُ يعوي والغزالةُ تبْغَمُ
سَقى اللَّهُ عَيناً عَذبَةَ الدَّمعِ أَن بَكَتْ / حظاراً بها للجسم قلبٌ مُتَيّمُ
بِلادٌ تُلاقيني الدّرارِيّ كُلَّما / طَلَعْنَ عَلَيها وهيَ عَنهُنَّ نُوّمُ
بِأَرضٍ يُميتُ الهَمَّ عَنكَ سُرورُها / ويمحو ذنوبَ البؤسِ فيها التنعّمُ
وكم لي بها من خلّ صدقٍ مساعدٍ / مُهينِ العطايا وهو للعرضِ مُكرِمُ
يَفيضُ على أيدي العفاةِ سماحةً / على أنّهُ من نَجْدةٍ يَتَضَرّمُ
إذا فرّتِ الأبطال كرّ وسيفُهُ / يُحِلّ بيمناهُ دمَ العلجِ محرمُ
يَموجُ بِهِ بَحرٌ كَأَنَّ حَبابَهُ / عَلَيهِ دِلاصٌ سَردُها مِنهُ محكمُ
وَنَحنُ بَنو الثَّغْرِ الَّذينَ ثُغُورُهُمْ / إذا عَبَسَتْ حربٌ لهم تَتَبَسّمُ
وَمِن حَلَبِ الأَوداجَ يُغْذى فَطيمنا / بحِجْرٍ من الهيجاءِ ساعةَ يُفْطَمُ
لَنا عَجُزُ الجَيشِ اللَّهامِ وَصَدْرُهُ / بِحَيثُ صدورُ السّمْرِ فينا تُحَطَّمُ
يضاعَفُ إن عُدّ الفوارسُ عَدُّنَا / كَأَنَّ الشُّجاعَ الفردَ فينا عَرمَرمُ
نؤخَّرُ للإقدامِ في كلّ ساقةٍ / تأخّرُ ما يلقى الحتوفَ تَقَدُّمُ
فإن كان للحرْبِ العوانِ مُعَوَّلٌ / عَلَينا فَما كُلُّ الكَواكِبِ تَرْجمُ
وتنسجُ يوم الرّوعِ من نسج جردنا / عَلَينا ملاءً بِالقشاعِمِ تَرقمُ
فَمِن كُلِّ مِقدامٍ على أعوجيّةٍ / بِكَرّاتِها طَيرُ المَلاحِمِ تلحمُ
وَطائِرةٍ بالذّمْرِ مِلء عَنانِها / لَها الفضلُ في شَأوِ البروقِ مُسلَّمُ
رَمَينا عداةَ اللَّه في عُقْرِ دَارِهم / بعاديةٍ في غمرةِ الموتِ تُقْحَمُ
تَعومُ بِها بينَ العُلُوجِ مُظِلّةً / كما حلّقَتْ فُتْخٌ على الجوّ حُوّمُ
فَمِن حاملٍ من غير فحلٍ يُنيخُها / إذا وَضَعتْ في ساحل الرّوم صَيْلَمُ
ومنسوبةٍ للحرب مُنْشَأةٍ لها / طوائرُ بالآسادِ في الماءِ عُوّمُ
كأنّ قسيّاً في مواخرها الّتي / يُفَوَّقُ منها في المقادم أَسهُمُ
وترسلُ نِفْطاً يركبُ الماءَ مُحْرِقاً / كمُهْلٍ به تَشْوي الوجوهَ جَهَنَّمُ
مدائنُ تغزو للعلوجِ مدائناً / فتفتحُ قسراً بالسيوف وتَغنَمُ
ومُتّخِذي قُمْص الحديد ملابساً / إذا نَكَلَ الأبطال في الحرب أقدموا
كأنّهم خاضُوا سراباً بِقِيعَةٍ / ترى للدّبا فيها عُيُوناً عَلَيهِمُ
صَبَرْنا لهمْ صَبْرَ الكرام ولم يَسُغْ / لَنا الشهدُ إلّا بعدما ساغَ علقمُ
فغادرَ أفواهاً بهم هبرُ ضربنا / نَواجِذُها من مُرهَفاتٍ تُثَلَّمُ
وَإِنَّ بِأَيدينا الحديدَ لَناطقٌ / إِذا ما غَدا في غَيرها وَهوَ أَبكَمُ
وَأَجنِحَةُ الراياتِ فينا خوافقٌ / كأنّ دَمَ الأبطال فيهنّ عَنْدَمُ
أَمِنْ أَبْرَقٍ بِالدارِ أَوْمَضَ بارقٌ / كَطَائِشِ كَفٍّ بِالبَنانِ يُسلّمُ
مَرَى مِن عُيونٍ سَاهِراتٍ مَدامِعاً / وكحّلَها بالنُّورِ والليلُ مظلمُ
فيا عَجبَا من زورةٍ زارَ طيفُها / جُفوناً من التهويمِ فيها تَوَهّمُ
أَلمّ بساقي عبرةٍ حدَّ قفرة / بِمِنْسَمِ حرفٍ كلَّما بُلّ يُلْطَمُ
وأهدَى أريجاً من شذاها ودونها / لمقتحم الأهوال سَهْبٌ وَخِضرمُ
وَلِلصُّبحِ نورٌ في الظلامِ كَما اكتَسى / حَميماً بِطولِ الركضِ في الصدرِ أَدهَمُ
أَحِنُّ إِلى أَرضي الَّتي في تُرابِها / مفاصلُ من أهْلي بَلِينَ وأعظُمُ
كما حنّ في قَيْدِ الدجى بمُضِلّةٍ / إلى وَطَنٍ عَوْدٌ من الشوق يُرْزِمُ
وقد صَفِرتْ كفَّايَ من رَيّقِ الصبا / ومنّيَ ملآنٌ بذكرِ الصّبا فمُ
بني الثّغرِ لستمْ في الوَغى من بني أمي
بني الثّغرِ لستمْ في الوَغى من بني أمي / إذا لم أصُل بالعُرْبِ منكم على العُجمِ
دعوا النومَ إني خائفٌ أنْ تَدوسَكمْ / دواهٍ وأنتمْ في الأماني مع الحُلمِ
وكأسٍ بأُمّ الموْتِ يَسعى مُديرُهَا / إلى أهلِ كأسٍ حَثها بابنةِ الكرم
فَرُدّوا وجوهَ الخيلِ نحو كريهةٍ / مُصرّحةٍ في الرّوم بالثّكلِ واليُتْمِ
تُهِيلُ من النقع المحلّق بالضحى / على الشمسِ ما هالتْهُ ليلاً على النجمِ
وَصُولوا ببيضٍ في العَجاج كأنّها / بُرُوقٌ بضربِ الهام محمَرّةُ السّجْمِ
ولا عَدِمَتْ في سلّها من غمودها / ظهوراً فقد تخفى الجداول بالرُّجمِ
وقرعُ الحسامِ الرأسَ من كلّ كافرٍ / أحبّ إلى سمعي من النّقْرِ في البمِّ
وَللَّه منكمْ كلّ ماضٍ كَعَضْبِهِ / يسيلُ إلى الهيجاءِ مُتّقِدِ العَزْمِ
يُحَدّثُ بالإقدامِ نفْساً كأنّما / يَطيرُ إلى الحربِ اشتياقاً عن السلمِ
ينيرُ عليه صَبْرَهُ وهو نَشْرَةٌ / لتسريدها أمْنٌ من القَوْرِ والقَصْمِ
وَيَسطو بِمَحجوبِ الظباتِ إذا بدا / جَلا ما جَلا الإِصباحُ من ظلمةِ الظلمِ
له دَخْلَةٌ في الجسْم تُخْرِجُ نَفْسَهُ / قُبَيْلَ خروج الحدّ منهُ عن الجسمِ
وما يُفتدَى منهُ بِلَحمٍ ولا دمٍ / ولكن بما في العظم بالبَرْيِ للعظمِ
ثبوتٌ إذا ما أقْبَلَ الموتُ فاغراً / يُرَدّد في الأسْماعِ جرْجرَةَ القَرْمِ
له عينُ ضرغامٍ هصورٍ فقلبُهُ / بِتصريفِ فِعْلِ الجهل منه على علمِ
وللَّهِ أرضٌ إن عدمتمْ هواءَها / فأهواؤكم في الأرض منثورةُ النّظمِ
وعزّكُمُ يُفْضي إلى الذلّ والنّوَى / من البينِ تَرْمي الشملَ منكم بما ترمي
فإنّ بلادَ الناسِ ليستْ بلادَكُمْ / ولا جارُهَا والخِلمُ كالجارِ والخلمِ
أعَنْ أرضكمْ يغنيكمُ أرضُ غيركم / وكم خالةٍ جَدّاءَ لم تُغْنِ عن أمِّ
أخِلّي الذي وُدّي بوُدّ وَصَلْتَهُ / لديّ كما نِيطَ الوليّ إلى الوسمي
تَقَيّدْ من القطر العزيز بموطنٍ / وَمُتْ عند رَبْعٍ من ربوعكَ أو رسمِ
وإيّاكَ يَوماً أن تُجّربَ غُرْبةً / فلن يستجيزَ العقلُ تجربةَ السَّمِّ
أقولُ لِبَرْقٍ شِمْتُهُ في غَمامِهِ
أقولُ لِبَرْقٍ شِمْتُهُ في غَمامِهِ / أشامَكَ من أشْبَهْتَ حُسن ابتسامهِ
وهلْ بتّ منْهُ مُستعيراً أناملاً / تشيرُ إلينا حُمْرها بسلامهِ
وكيفَ يشيمُ البرقَ مَنْ باتَ جَفنُهُ / إلى الصبح مكحولاً بطولِ منامهِ
أمَنْ بَرَدَتْ أنْفاسُهُ من سُلُوّهِ / كمَنْ حَمِيَتْ أحشاؤهُ من غرَامهِ
غزالٌ سقيمُ الطّرْفِ أفْنيتُ صحّتي / ولم تغنِ شيئاً في عِلاجِ سقامهِ
وغضْنٌ ذبولي في الهوى باخضرَارِهِ / وبدرٌ محاقي بالضّنا من تَمامهِ
ولوْ شئتُ عَقْدَ الخصرِ منه لحضّني / عليه تَشَنّي خيزرانِ قوامهِ
يصدّ بوردٍ فوقَ خدٍّ كأنّهُ / يقبّلُهُ صدغٌ بِعَطْفَةِ لامهِ
وَمُسْتَوْطنٍ كُورَ النّجيبِ بعزْمهِ / فَرِحْلَتُهُ في ظهرِهِ بمُقامهِ
تَزَاحم هِمّاتُ العُلا في فُؤادِهِ / وَغُرّ المَعَاني في فَصيحِ كلامِهِ
وفي المَيْسِ مَيّاسٌ بإيجافِ سَيْرِهِ / رَجُومٌ بأجواز الفلا بِلُغامهِ
إذا ثارَ صكَّ الصّدْرَ بالخفّ شِرّةً / وطارَ به في القفْرِ وَحْيُ زِمامِهِ
فما زَال سَهبُ الأرْض قوتاً لأرْضِهِ / ولا انفكّ قوتُ الرّحل شحمَ سنامهِ
وأعْمَلتُهُ بَدْراً ولكنْ رَدَدْتُهُ / هلالاً مشى فيه مُحاقُ المَهامِهِ
وَمَرْتٍ يَطولُ سَفْرَهُ بِنفَاذِهِ / أُتيحَ لهُ مُستَنجِدٌ باعْتزامِهِ
إذا صرْصرُ الأرواحِ أغْشَتْهُ صَرَّها / شَوَى الوجْهَ منها حرُّهُ باحْتدامِهِ
يبلّ صَدى الأرْماق في القيظِ رَكبُهُ / بمُلْتَقَطٍ يثْني القَطَا عن جمامِهِ
تُمزِّقُ عنه الكفُّ جلبابَ عَرْمَضٍ / فيبدو كنورِ الصّبْح تحتَ ظلامِهِ
شَدَدْتُ على صَدْرِ الزّماعِ حِزَامي
شَدَدْتُ على صَدْرِ الزّماعِ حِزَامي / وَجَرَّدْتُ من عزْمي شقيقَ حُسامي
وقمتُ نهوض العَوْدِ حُلّ عِقالُهُ / فأقعدَني المقدورُ عند قيامي
إذا صاحَ بي أمرٌ من اللّه صيحةً / رجعتُ ورائي والحبيبُ أمامي
وكيفَ أرى لي قصْد وجهي إليكمُ / إذا كانَ في كفّ القضاءِ زمامي
وما هي إلا غربةٌ مُسْتمرّةٌ / أرى الشيخَ فيها بَعْدَ سِنّ غلامِ
كأنّ قذالي بالقتير مُعَوَّضٌ / قبيلةَ سامٍ منْ قبيلةِ حامِ
وما شيّبَ الإنسانَ مثلُ تَغَرّبٍ / يَمُرّ عليه اليومُ منه كَعامِ
وهل رحتُ إلا طالباً بالنوى عُلاً / كأنّي منها للنّجوم مُسامِ
وإنّي لَسَهْمٌ في نفاذي وليتني / يُهدّبُ بي دارَ الأحبّةِ رامِ
أبا الحسن اسمعْ عذرةً قد بعثتُها / فلا زلتَ في عزّ قرين دوامِ
إذا لم تُطِقْ عن أرض قوْمٍ ترَحَّلاً / فرزقك ما استوعبته بمقامِ
وأعربتَ عن نفسٍ إليّ مشوقةٍ / كأنّ كلاماً منك طيّ كلامِ
أتاني كتابٌ منك نَمّقْتَ خطّهُ / كما دبّجَ الروضَ انسجامُ غمامِ
تناولتُهُ من كفّ مُهْدٍ كأنّما / بَرَدْتُ بعذبِ الماء حَرَّ أُوامِ
مَشَى في ضميري بالسرور كما مشَى / صَلاحُ شفاءٍ في فَسادِ سَقامِ
كأنّ كتابي باليمين أخذتُهُ / وقيل ليَ ادخلُ جنّةً بسلامِ
فلا تحسبوني قدْ تَسَلّيتُ عنكم / بطيبِ سَماعٍ أو بكأسِ مُدامِ
ولا ضحكتْ منّي وهل ضحكتْ وما / وضعتُ على فَضّ الدموعِ ختامي
متى كنتُ مختاراً على الوَصْل فُرْقةً / تُطيلُ إلى وِرْدِ اللقاءِ هيامي
ولا تحسبوني خائفاً قَطْعَ مَهْمَهٍ / يدومُ وأخفافُ المطيّ دوامِ
تَنَفّسَ منه الحرُّ في حُرّ وجنتي / تَنَفُّسَ قَيْنٍ في صقيلِ حسامِ
ولا ساكناً في ليلةٍ مُدْلَهِمَّةٍ / سَرَى ركبُها فيها اصطلاءَ ظلامِ
إذا ما رغا في الجوّ فحلُ سحابها / حَكى الثلجُ من شدقيه جَعْدَ لغامِ
ألمْ أُركبِ النّفْسَ اشتياقاً إليكمُ / غواربَ مخضرّ الغواربِ طامِ
ألم أكُ في الغَرْقى مُشيراً براحتي / فلم أنجُ إلا من لقاءِ حِمامي
ألم أفقدِ الشمسَ التي كان ضوءُها / يُجَلّي عن الأجفانِ كلّ ظلامِ
طمعتُ بهذا كلّه في لقائكمْ / لِتَغْرَمَ نَفْسٌ أُتْلِفَتْ بغرامِ
بقيّةَ أحبابي الذين حَوَتْهُمُ / مضاجعُ لم يُضْجَعْ بها لمنامِ
أخذتُ ذمامي مِنْ زماني عليكمُ / فما كان إلا غادراً بذمامي
تَفرّقتُمُ في البينِ في كلّ وُجْهَةٍ / نثيرَ جُمانٍ في انقطاعِ نظامِ
فَحزبٌ يكفُّ الدهرُ عنهُ عزيمَتي / وحزبٌ تردّ الرومُ عنهُ مَرامي
سأُعْطي بشيراً قال لي قد تجمّعوا / ثوابَ صلاتي طائعاً وصيامي
وأرْقُبُ يوماً فيهِ بالوَصْلِ تَلتقي / سجامُ دموعٍ بيننا بسِجامِ
متى آتكم يُنشَرْ لكم من ضريحه / دفينُ اغترابٍ لا دفينُ رغامِ
عسى للصّبا عِلْمٌ برَسْمِ المعالمِ
عسى للصّبا عِلْمٌ برَسْمِ المعالمِ / فَتُبْرِدَ حَرّاً من صَبَابَةِ هائمِ
ربوعٌ رَبَعْتُ اللهوَ والكاسَ والصِّبا / بها مُكْرَماً بالوصلِ عند الكرائمِ
لياليَ تعذيبي من الوجد مقلقي / ورشفي اللمى من عذبة الرِّيق غارمي
وقد كان في مَحْلِ الهوى وانتجاعِهِ / مُنَدّايَ في وَرْد الخدود النّواعمِ
فيا ريحُ إنّ الرّوح فيكِ فعلّلي / به ساهراً وقفاً على ذِكْرِ نائمِ
تطيّبْتِ بالأرضِ التي طابَ تُرْبُهَا / وَمَجّ نداها الندَّ في أنفِ لاثمِ
وأذكرْتني عَصْرَ الصبا فكأنّما / تَحدّثُ منه العينُ عن طيْفِ حالمِ
أعيدي حديثاً عنده مَوْردٌ لنا / وُقوعٌ عليه بالقلوب الحوائمِ
وهاتي جهامَ السُّحْبِ أملؤها حَياً / بدمعي لسقيا أربُعي ومعالمي
سرَتْ موهناً تمشي على الماءِ بالهوى / وبالمسكِ من أنفاسِها في النّمائمِ
وليس حديثُ الريح إلا تبسّماً / يفتّ حصاةَ القلب بين الحيازمِ
وكم من بِلى صَبْرٍ تَهُبّ به أسى / وتجديدِ شوقٍ من هوىً متقادمِ
وأسطارِ حزن يملأ الخدَّ خَطُّها / جراحاً بأقلام الدموع السواجمِ
فَمَنْ لغريبٍ مُذْهبٍ شَطْرَ عُمْرِهِ / طِلابُ المعالي وارتكابُ العزائمِ
ذوى عُودُهُ وانحطّ في العمرِ إذ رَقى / إلى سِنِّ مَنْ أفنى ثلاثَ عمائمِ
لقد صَرَمَتْ حبلي ظباءُ الصرائمِ / وجازَتْ موَدّات الهوى بالسخائمِ
وأعرَْضَ عن ذكري الحسانُ وطالما / نَقَشْنَ كلامي في فُصُوصِ الخواتمِ
وكنتُ أُعاديها على فَرَسِ الصبا / مغيراً فتغدو غُرّها من غنائمي
كأنّيَ لم أُشْغَفْ بِزَهْرِ بَرَاقِعٍ / يقصّرُ عن ريّاهُ زَهْرُ الكمائمِ
ترى نرجسَ الأجفانِ منه كلاثمٍ / يشير إلى ما في أقاحِ المباسمِ
لياليَ يشدوني على كأسِ قهوةٍ / قيانُ العذارى أو قيانُ الحمائمِ
وصفراءَ في جسم الزّجاج تَمَيّعَتْ / تألُّقَ بَرْقٍ في الغمام لشائمِ
ترى الشمسَ منها وَسْطَ هالةِ أنْجُمٍ / ولا فَلَكٌ إلّا بَنَانُ المُنادمِ
وكم غادةٍ زارَتْ على خوفِ رِقْبَةٍ / ولم يَثْنِها عن زورتي لومُ لائمِ
فباتَ يَشُبّ النارَ في القلب حُبُّها / على أنّها كالماء في فم صائم
وبيدٍ تَرَى ذاتَ السنابك في السّرَى / مُسَلِّمَةً فيها لذات المناسمِ
بها من قبيلِ الإنس جنّانُ مَهْمَهٍ / صعاليكُ إلا من قنا وصوارمِ
وكلِّ أضاةٍ لا مغاص للهذمٍ / على الذِّمرِ فيها يَوْمَ طَعْنِ الحيازمِ
وكلّ عُقابٍ جانحٍ بقوادمٍ / مُعَقٍّ بطرف سابِحٍ بقوائِمِ
كأنّ الرياحَ الهوجَ راضوا شدادَها / أما ركبوها وهي لِينُ الشكائمِ
إذا ما انتضَوْا للحرْبِ ما في غمودهمْ / رَعَوْا بوجيع الضرب ما في العَمائمِ
وتعجبُ منهم من فصاحة ألْسُنٍ / وما صَحِبوا في القفرِ غيرَ البهائمِ
وخضرٍ خلاياهُنّ تجري كما ارتَمَتْ / بقاعِ سرابٍ مُجْفَلاتُ النّعائمِ
كأنّ جبالاً بالعواصف فوقها / مُسَيَّرَةٌ من موجها المتلاطمِ
كأنّ مغاصَ الدّرّ في قعرها بَدَتْ / فرائِدُهُ أو مَنْثَراً للدراهمِ
كأنّ على الأفلاكِ مَسْبَحَ فلكها / إذا طَلَعَتْ زُهْرُ النجوم العوائمِ
إلى ابنِ تميم أسْنَدَتْ كلّ مَنْكِبٍ / إلى منكبِ الجوزاءِ غيرَ مزاحمِ
وجدنا جميعَ الأرْض في أرضِ حَمّةٍ / وفي قَصْدِنا يحيى جميعَ المكارمِ
همامٌ صريحُ العزم سلّ سيوفَهُ / فَذَبّتْ ضراباً عن خدور المحارمِ
تلوذُ المنايا منه والدهر عابسٌ / بأرْوَعَ عن ثغْرِ الرئاسةِ باسمِ
تحلّ بنو الآمالِ منه بساحةٍ / بها يَقِفُ الجبّارُ وِقْفَةَ واجمِ
وتمشي بذي الإكبار جَبْهةُ ساجدٍ / إليه وفوقَ الترب أو فم لاثمِ
حَمَى مُلْكَهُ يحيى ولولاه ما احتَمى / وهل يَحْتَمي غِيلٌ بغير ضُبارمِ
وحَكّمَ في الجودِ العُفاةَ وهكذا / يُحكّمُ أطرافَ الظّبا في الجماجمِ
تشيمُ به صبحاً من العدل مُشْرِقاً / إذا كنتَ في ليلٍ من الجوْرِ فاحمِ
ويجري لك المعروفُ من كفّ واهبٍ / إذا جَمَدَ المعروفُ من كفّ حارمِ
إذا رحلته همةٌ أدْرَكَ العُلَى / وحطّ رحال العزّ فَوْقَ النعائمِ
ولا عَجَبٌ أنْ عَلّمَ الجودَ باخلاً / يَضِلّ أخو جَهْلٍ ويُهدى بعالمِ
يسوسُ الوَرَى من بين بَرٍّ وفاجرٍ / بلطفِ صفوح منه أو عَفوِ ناقمِ
وتطوي سراياهُ السّرَى وهباتُهُ / فأيّ انتباهٍ للعيونِ النّوائمِ
ومَن يُمض أمرَ المُلك بالبأس والندى / يَجُزْ حُكْمُهُ في الأرض طيبة حاتمِ
فما راحةٌ لا راحةٌ للندى بها / ومالٌ عليه البذلُ ضَرْبةَ لازمِ
له في مَكَرِّ الخيل قَسْوَةُ قاهِرٍ / وعند مَجَرّ الذيل رأفَةُ راحمِ
وَعِفّةُ سيفٍ ليس يبْرُقُ بالرّدى / إذا سلّهُ إلّا على رأس ظالمِ
يفضّ ختامَ الهامِ قطفاً عن الطلى / بيسرى إذ اليمنى قبيعةُ صارمِ
نَمَتْهُ من الأملاكِ صِيدٌ تَقَدّمَتْ / لهم قَدَمُ الإعظام عند الأعاظمِ
بهاليلُ من حيٍّ لقاحٍ سَمَوْا على / أعاربَ من أهْلِ العُلى وأعاجمِ
مجالِسُهُمْ في الحرب والسلم لم تزَلْ / دسوتَ المعالي أو سرُوجَ الصلادمِ
بنو الحرب تُخْشى صولةُ البأس منهمُ / وحربُ القنا في نافذاتِ اللهاذمِ
لهم كلّ موْلودٍ على فِطْرَةِ الوغى / تُرَاعُ به شبلاً أُسودُ الملاحمِ
وتحسبُهُ سيفاً على عاتقِ العلى / ولا حليةٌ إلا مَنوطُ التمائمِ
ولم يدرِ من قبل السيوفَ وإنّما / حكى القينُ فيها ما لهم من عزائمِ
فيا جاعلاً من عَفْوِهِ وانتقامِهِ / جنى النحل طَعْمَيْه وَسَمّ الأراقمِ
لأذكيتَ نارَ العِزّ وهي التي بها / وَضَعْتَ سماتِ الذلّ فوْقَ المَخاطمِ
سيوفُك أبقتْ في الأعادي أبدْتَهُمْ / مآتمَ أحزانٍ بغير مآثمِ
كأنّ حروفَ اللينِ كانتْ رؤوسهُمْ / فلاقَيْنِ حَذْفاً من وقوع الجوازمِ
وجيشُك هنديّ الخوافي بِهزّهِ / جناحَي عُقَابٍ سمهرِيُّ القوادمِ
وزرق ذبابٍ في الثعالب أجْدَبَتْ / وما انتجعتْ إلّا نجيعَ الضراغمِ
فيا دَوْلَةً قعساءَ دَرّتْ فأرْضَعَتْ / ثُديّ المنايا أو ثُديّ المكارمِ
حلُمْتَ فما تُثْني على حلم أحنفٍ / وَجُدْتَ فما تُصْغي إلى جود حاتمِ
فهنّئتَ عيداً يقتضي كلّ عودةٍ / إِلَيكَ بعزٍّ ثابتِ الملكِ دائمِ
لسانُ الفتى عبدٌ له في سكوته
لسانُ الفتى عبدٌ له في سكوته / وَمَوْلىً عليه جائرٌ إنْ تَكَلّما
فلا تُطْلقنْه واجعل الصمتَ قيدَهُ / وصيّرْ إذا قيّدتهُ سجنَهُ الفما
يعيدُ عطايا سكرِهِ عندَ صَحوِهِ
يعيدُ عطايا سكرِهِ عندَ صَحوِهِ / ليُعْلم أنّ الجودَ منه على عِلْمِ
ويسلمَ في الإنعام من قول قائلٍ / تكرّم لما خامرتْهُ ابنةُ الكرْمِ
فقد حضّهُ سكرُ المدام على النّدى / ولكنّه حضٌّ بريّ من الذمِّ
رمى الموتُ في عين التصَبّرِ بالدّمِ
رمى الموتُ في عين التصَبّرِ بالدّمِ / وقال لحسن الصبر بين الحشا دُمِ
على القائد الأعلى الذي فُلّ عزمه / كما فُلّ عن ضرب الطلى حَدُّ مخذمِ
أرى زَمَنَ الدنْيا يُنَقِّلُ أهلها / إلى دار أخرى من غنيّ ومعدمِ
وَخَانَ أمينَ الملك فيما انطوى له / على حفظِ أسرار الجلال المكتَّمِ
وصادره الحتفُ الذي حَطّهُ إلى / حشا القبر عن صَدرِ الخميس العرَمرَمِ
وما شاءَهُ ذو العرشِ جلّ جلالُهُ / يدقّ وَيَخفَى عن خفيّ التوَهَّمِ
فما دَفَعَتْ عنه جنودُ جنودِهِ / على أنّها في القرب كاليد للفمِ
ولم يُغنِ عنها الضرْبُ من كلّ مرْهَفٍ / ولا نافذاتُ الطعنِ من كلّ لهذمِ
بأيدي كماةٍ منهمُ كلُّ مُقْدِمٍ / بإقْدامِهِ يحمي حِماهُ ويحتمي
ويُقْبِلُ في فضفاضةٍ فارسيّةٍ / تحدِّثُ عن أبطالِ عادٍ وجُرْهُمِ
عليّ بن حمدون الذي كان حَمْدُهُ / تُرَفَّعُ منه همّةُ المتكلمِ
خَلَتْ منه يوْمَ الرّوْع كلّ كتيبةٍ / وكم عَمِرَتْ من بأسِهِ بالتقدّمِ
كأنّ عَلَيها للعجاج مُلاءَةً / مُطَيّرَةً في الجوّ من كلّ قشعمِ
متى تعبسِ الهيجا لهُ في لقائِهِ / رأتْ منه في الإقحامِ سِنَّ تبسمِ
تَنَقّلَ من سرجِ الكميّ بحتْفِهِ / إلى حفرةٍ في جوفِ لحدٍ مُسَنَّمِ
وكم مُكْرَمٍ بالعزِّ فَوْقَ أريكةٍ / يصيرُ إلى بيت العلى المتهدّمِ
وكم كرمٍ تنهلّ جدوى يمينه / لأيدي عفاةٍ من مُحِلّ ومحرمِ
كأنّ صفَاءَ الجوّ يوْمَ عَطائِهِ / مشوبٌ بشؤبوب الغمام المديّمِ
فَظُلّلْتُ منه في تَوحّشِ غُرْبَةٍ / بظلّ جناح بين غبراءَ مظلمِ
وأرضَعَني ثَدْيَ المنى فكأنّني / وليدٌ أتى عمرانَ شيخ التقدمِ
وما أبْتُ عن جدواهُ إلا مُشَيَّعَاً / بإفْضالِ ذي فضْلٍ وإنعام منعمِ
فيا سيّداً زُرْناهُ حيّاً وميّتاً / فما زَالَ في هذا الجنابِ المعظمِ
نردّد تسليماً عليك محبّةً / وإن كنتَ لم تَرْدُدْ سلامَ المسلّمِ
وذي خفقات بالقرى تسحق الحصى / لهنَّ اجتراء من حديد التحدّمِ
وراجي النّدى من غيره كمعوَّضٍ / من الماءِ إذ صلّى ترابَ التيمّمِ
ويبدي علاهُ من أسرّةِ وجهه / سناءَ نسيم الخير للمتوسّمِ
وقد كان ذاك البشرُ منه مُبَشّراً / بأكْبَرِ مأمولٍ وأوفرِ مَغْنَمِ
وما زال ميالاً إلى البرّ والتّقى / تقيّ نقيّ القلب من كلّ مأثمِ
تنَقّلَ والإكرامُ من ربّه له / إلى جَنّةٍ فيها له دار مكرمِ
له كلّ نادٍ بالوقار مُكَرَّمٌ / بغيرِ وقورٍ منه مِقْوَلُ أبكمِ
وَصَفْحٌ عن الجاني بشيمةِ صَفْحِهِ / وَحِلْمٌ حكى في الغيظِ هضْبَ يلملمِ
ومدرسةٌ أبناؤها فُقَهاؤها / فَمِنْ عالمٍ منهمْ وَمِنْ متعلّمِ
ضراغمُ في الجيش اللهامِ وإنّما / فوارسُهُمْ في الحرب من كلّ ضيَغمِ
وقد كان في نصر الشريعة مُشْرعاً / عن الحقّ ما يَشْفي به كلَّ مُسْلمِ
أرى قائدَ القوّادِ أعطى مَقَادَهُ / لحكم قضاءٍ في البرايا محكَّمِ
وأسْلَمَ للحتْفِ المقدَّرِ نَفْسَهُ / وقد كان لا يرقى إليه بِسُلّمِ
إذا المَلْك ناجاه بِوحْيِ إشارة / رأيتَ له نَهْضَ العقابِ المحرّمِ
فتستهدِفُ الأغراضَ آراؤهُ كما / تُقَرْطِسُ أغراضاً صوائبُ أسهمِ
وتهدي له كفُّ تصولُ على العدا / إلى كفّ ميمون المضاءِ المصمّم
أأبناؤهُ أنْتمْ سراة أكابرٍ / فكلكمُ من مُكْرَمٍ وابن مكرمِ
وأنتم سيوفٌ للسيوف مواضياً / وأيمانكم فيها ذوات تَخَتّمِ
عزاءٌ جميل في المصاب فإنّكم / جبالُ حلومٍ بل طوالعُ أنجمِ
فدامَ لكمْ في العزّ شملٌ منظَّمٌ / وشَمْلُ الأعادي منه غير منظَّمِ
ألا ربّ كأسٍ تقتْضي كلَّ لَذّةٍ
ألا ربّ كأسٍ تقتْضي كلَّ لَذّةٍ / أكلْتُمْ عليها طولَ ليلكمُ لحمي
بلى لو قَدَرْتُمْ لاتخذتم شرابَكُمْ / دمي في كؤوسٍ وهي تُنحتُ من عظمي
سلامٌ عليكم أوقدوا نارَ حَرْبِكُمْ / فإني مفيضٌ ماءَ سَلْميَ من حلمي
فللحم عندي إن أكلتم عواقبٌ / تُقَصّرُ عنهُنّ العواقب للظلمِ
وَلي مِقْوَلٌ قد أطْلَقَتْهُ سَجيّتي / عن الحمدِ لما عَقَلَتْهُ عَنِ الذمِّ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025