المجموع : 3
وفاء كمزن الغوطتين كريم
وفاء كمزن الغوطتين كريم / و حبّ كنعماء الشآم قديم
و شعر كآفاق السماء تبرّجت / شموس على أنغامه و نجوم
يلمّ (شفيق) كوكبا بعد كوكب / و نسّق منها العقد فهو نظيم
معان بألوان الجمال غنيّة / كما زفّ ألوان الطيوب نسيم
و وشي كأحلام الشباب يصوغه / أنيق بأسرار البيان عليم
سقاني سلاف الشعر حتّى ترنّحت / دموع و غنّت لوعة و كلوم
ففي كلّ بيت ريقة أو سلافة / و ريحانة شاميّة و نديم
تطوّحني الأسفار شرقا و مغربا / و لكنّ قلبي بالشام مقيم
و أسمع نجواها على غير رؤية / كأنّي على طور الجلال (كليم)
و ما نال من إيماني السّمع أنّني / أصلّي لها في غربتي و أصوم
و لا نال من قدري اغتراب و عسرة / يصان و يغلي الدرّ و هو يتيم
و للمجد أعباء و لكنّها منى / و للمكرمات الغاليات هموم
و خاصمني من كنت أرجو وفاءه / و للشّمس بين النيّرات خصوم
يلاقي العظيم الحقد في كلّ أمّة / فلم ينج من حقد الطّغام عظيم
و يقذى بنور العبقريّة حاسد / و يخزى بمجد العبقريّ لئيم
و تشقى على الحقد النّفوس كما انطوت / قلوب على جمر الغضا و حلوم
و لم يدر نعماء الكرى جفن حاقد / و هل قرّ عينا بالرّقاد سليم
و يزعم أنّ الحقد يبدع نعمة / و هيهات من نعمى البنين عقيم
و ما بنيت إلاّ على الحبّ أمّة / و لا عزّ إلاّ بالحنان زعيم
هو الحبّ حتّى يكرم العدم موسر / و يأسى لأحزان الغنيّ عديم
و حتّى يريح الذّنب من حمل وزره / حنان بغفران الذّنوب زعيم
و يا ربّ قلبي ما علمت . محبّة / و عطر و وهج من سناك صميم
و آمنت حتّى لا أروم لبانة / تخالف ما تختاره و تروم
جلا نورك الدنيا لعيني وسيمة / فلم يبق حتّى في الهموم دميم
و سلّمت أمري لا من اليأس بل هوى / أصيل و إرث طاهر و أروم
فررت إلى قلبي من العقل خائفا / كما فرّ من عدوي المريض سليم
تألّه عقل أنت يا ربّ صغته / و كاد يردّ الميت و هو رميم
و ضاقت به الدنيا ففي كلّ مهجة / هواجس من كفرانه و غموم
و أبدعت هذا العقل نعمى قطافها / فنون كأطياب الهوى و علوم
ترفّ حضارات عليه وضيئة / و خير كإغداق السماء عميم
و غرّد في عدن لحورك شاعر / و غازل أسرار السماء حكيم
فما بال هذا العقل جنّ جنونه / فردّ ملاك الطّهر و هو أثيم
و زلزل منه البرّ و البحر كافر / بنعماك مرهوب الحتوف غشوم
و في كأسه عند الصّباح سلافة / و في كأسه عند المساء سموم
و يعطي المنى ما تشتهي فهو محسن / و ينهب ما أعطاه فهو غريم
تحدّاك حتّى كاد يزعم أنّه / شريك لجبّار السّماء قسيم
و حاول غزو النّيرين فردّه / عن الذروة العصماء و هو رجيم
و كفّ عنان العقل قسرا فربّما / أثير بإلحاح السّفين حليم
جلت هذه الدّنيا لعيني كنوزها / لوامع يغري برقها فأشيم
أفانين من حسن وجاه و نعمة / معادن نور كلّهنّ كريم
و وشي به الألوان حيرى كأنّها / سماء فتصحو لمحة و تغيم
و لم أتردّد و انتقيت .. و حبّها / و أحلامها ما اخترت حين تسوم
قد اختصرت دنيا بقلبي و عالم / كما اختصر العلم الشتيت رقيم
و توجز في قارورة العطر روضة / و توجز في كأس الرّحيق كروم
و أعرض إعراض الخليّ من الهوى / و بي من هواها مقعد و مقيم
و ما حيلتي إن نمّ عن نفسه الهوى / هو العطر و العطر الزكي ّ نموم
تشابهت السّمراء و الدّهر شيمة / كلا القادرين القاهرين ظلوم
و أكرمها عن كلّ لوم وأنثني / أعاتب قلبي وحده و ألوم
و لو أنّ شعري دلّل الرّيم نافرا / تلفّت يجزيني الصبابة ريم
تبادهني عند البحيرة دمّر / و روض على أفيائها و شميم
و ورق على شطّ البحيرة حوّم / و ورق على قلب الغريب تحوم
خيال جلا لي الشام حتّى إذا انطوى / تنازع قلبي عبرة و وجوم
و قرّبها ما شئت حتّى احتضنتها / و غابت بحار بيننا و تخوم
و حيّت من الرّوح الشاميّ نفحة / ولوع بأشتات الطّيوب لموم
و لاح صغاري كالفراخ و أمّهم / حنون كورقاء الغصون رؤوم
فراخ و إن طاروا و للريح ضجّة / و للرعد زأر في الدّجى و هزيم
فطرنا على حبّ البنين سجيّة / تلاقى عليها عاذر و مليم
يشبّ الفتى منهم و يبقى لرحمتي / كما كان في عينيّ و هو فطيم
و هان بنعماء الطفولة ما درى / أهادن دهر أم ألحّ خصيم
غرير يبيّن القول بل لايبينه / طفور كأطلاء الظّباء بغوم
نزعت سهام القلب لمّا خلعته / عليه و نزع المصميات أليم
و جرت على قلبي فأخفيت أنّه / مدمّى بأنواع السّهام كليم
و لولاهم ماروّضتني شكيمة / و لا لان منّي في الصّعاب شكيم
و هيهات منّي في البحيرة دمّر / و سجع بوادي الرّبوتين رخيم
إذا لاح لي وجه البحيرة قاتما / ألحّ عليه عاصف و غيوم
فوجه أديم الشام طلق منوّر / و وجه بحيرات السماء قسيم
تعلّلت لا أشكو سقاما و لا أذى / بلى كلّ ناء عن هواه سقيم
و يحزنني دوح البحيرة عاريا / و أوراقه الخضراء و هي هشيم
و أبسط كفّي أقطف الماء عابثا / كأنّ المويجات الصّغار جميم
و تلك الظلال الحاليات عواطل / على كلّ أيك وحشة و سهوم
تعرّت من الغيد الملاح و طالما / تغطّى بأسراب الملاح أديم
رسوم هوى ما استوقفت خطو عابر / كما استوقفت ركب الفلاة رسوم
و لا لثم الحصباء فيها متيّم / يشمّ الهوى من عطرها فيهيم
يجلّلها اللّيل البهيم و مثله / ضحى كالدّجى غمر السواد بهيم
و شمس الضحى خود كعاب يضمّها / لغيران من صيد الملوك حريم
يردّ و يجلى عن كوى الغيم وجهها / كما ردّ عن باب البخيل يتيم
و يشكو الضحى من هجرها متوجّعا / و يوحشه هجرانها و يضيم
تأبّت على جهد الضحى فكأنّها / من الغيد مكسال الدلال نؤوم
و ضمّ الظلام السكب ظلاّ لجاره / كأنّ الظلال المغفيات جسوم
يطارحني دوح البحيرة شجوه / كلانا معنّى بالزّمان هضيم
و أشكو له البلوى و يشكو كأنّنا / حميم يساقيه العزاء حميم
أتشكو و لكن عندك الريح و الدجى / و للجنّ من شتّى الظلال نجوم
و عندك آلاف الطّيوف حوائم / روان لأسرار البحيرة هيم
تلملم أسرار البحيرة شرّدا / و يفتنها سكب الشذا فتريم
هنا كلّ أسرار البحيرة و الرؤى / طوافر في دنيا الخفاء تهيم
هنا عرس الأطياف يفترش الدّجى / و يقعد في أحضانه و يقوم
خفاء يضجّ الصمت فيه و بلبل / تحدّى ضجيج الصمت فهو نغوم
و لفّ الخفاء الحسن حتّى شكى الهوى / و غار حرير مترف و رقوم
فدع لومه إن لم يلح لك سحره / خيالك لا سحر الخفاء ملوم
هنا ألف الأطيار و الناس رحمة / فللطير أنس فيهم و لزوم
إذا انبسطت راح فللطير فوقها / حنين إلى سمح القرى و جثوم
فيا خجلة الصحراء لم ينج جؤذر / و لا قرّ عينا بالأمان ظليم
و لم تهن بالعشّ البعيد حمامة / فصيّادها صعب المراس عزوم
شكا الطّير من ظلم الأناسيّ و اشتكت / ظباء و عشب في الفلاة نجيم
فبا ربّ لا أقوى من الطّير عشّه / و لا راع أسراب الظباء غريم
و لا أوحشت رمل الفلاة جاذر / و ورد يندّي حرّها و فغوم
و كلّ غمام مرّ في الرّمل ديمة / و كلّ كناس للظباء مديم
رمال كبرد عاطل الوشي حاكه / صناع معنّى بالبرود سؤوم
فزوّقه بالوشي غاد ورائح / و عدو جياد ضمّر و رسيم
و يا ربّ في الإنسان و الطير احتمى / بغيرك مقصوص الجناح ظليم
و صن كلّ زرع أن ينازع خصبه / هجير و ريح لا ترقّ حطوم
سنابل وفّت للطيور زكاتها / فحنّت إليها جنّة و نعيم
و يا ربّ تدري الشام أنّي أحبّها / و أفنى و حبّي للشام يدوم
و لي في ثراها من لداتي أعزّة / حماة إذا استخذى الشجاع قروم
تهاووا تباعا واحدا بعد واحد / عليه انفراط العقد و هو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر و انطوى / شبابهم الريّان و هو تميم
و أسرف في الذكرى لأنزح نبعها / و لكنّ نبع الذكريات جموم
إذا قلت غاضت بعد لأيّ تدفّقت / و للموج فيها كرّة و هجوم
و تسدل أحيانا شفيف لثامها / كما لثم الفجر الضحوك سديم
و في كلّ أيك لي على الشام منسك / و في كلّ دوح زمزم وحطيم
و كلّ مقام فيك حتى على الأذى / حميد و كلّ النأي عنك ذميم
حوالي الصبا إن لم تدرك عواطل / و ريح الصّبا ما لم تزرك سموم
و يا ربّ إن سبّحت و الشام قبلتي / فأنت غفور للذنوب رحيم
تهلّل عفو الله للذنب عندما / أطلّ عليه الذنب و هو وسيم
أهذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ
أهذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ / لكَ الخيرُ أم هل أنتَ وسنانُ حالمُ؟
بلى هذه أمُّ العواصم جلّقٌ / وهذي ليوث الغوطتين الضراغم
هنا عرشُ أقمار العُلى من أميّةٍ / هنا ارتكزتْ سُمرُ العوالي اللهاذِم
هنا النفر البيض الميامينُ للعُلى / مَلامحُ في غُرّاتهم وعلائم
هنا العَرب الأحرارُ إن قام ظالمٌ / مشوا بالقنا أو يُرجعَ الحقّ ظالم
إذا انتسبوا في ندوة المجد حلَّقتْ / بهم للعلى قيسٌ وذُهل ودارِم
سلاماً عروسَ المشرقين ولا مشتْ / بظلّ مَغانيكِ الخطوب الغواشم
خُذي قلّدي ما شئتِ جيداً ومِعصماً / من اللؤلؤ الرَّطْب الذي أنا ناظم
سليني دمي يا أمُّ أسفِكْهُ راضياً / وما أنا هيّابٌ ولا أنا نادم
تبيّنتُ في أبنائك الصِّيدِ نهضةً / سيسعد فيها عبدُ شمس وهاشم
وبشّرني بالفوز يا أمُّ أنها / على العلم تُبنى في حِماكِ الدعائم
فما للذي يُبنى على الجهل رافعٌ / ولا للذي يبنى على العلم هادم
وللبُطْل صَولاتٌ على الحقِّ جمةٌ / وتُسفِر عن فوز المحقّ الخواتم
طلاسمُ ها الذلّ دقت وإنما / تُفَكُّ بسرّ العلم هي الطلاسم
يقولون: جَدُّ اليعربيين نائم ! / لقد وهموا فالسعيُ لا الجَدُّ نائم
وما الناس إلا اثنان مهما تخالفوا / ميولاً: فمهزومٌ ضعيف وهازم
وما الحقُّ إلا للقويّ ولا العلى / لغير الذي يغشى الوغى ويصادم
فقل لضعيفٍ راح يسأل رحمةً : / رُويدَك ما للضعف في الناس راحم
بثغرك من ذكرى شبابي صحيفة
بثغرك من ذكرى شبابي صحيفة / مطرّزة بالحبّ و الأمل السامي
و في لحظك الساجي من الشعر و الهوى / تركت خيالاتي و سكري و أحلامي
و لي قبلات بين نهديك أودعت / شبابي و آمالي العذاب و آلامي
فلا يمتهن نهداك كنزا مقدّسا / خبأت به روحي و بهجة أيّامي
خذوا فاغسلوا يا آثمين ذنوبكم / ألم يجر دمع الله من قلبي الدّامي