المجموع : 5
تلبَّد لكن ما حكاه غمام
تلبَّد لكن ما حكاه غمام / وناح ولكن أين منه حمام
ألا ليت إحساسا وسلوى تجمعا / وكيف وهل يلفى سنى وظلام ؟
فمن أين للحساس قلب يريحه / ومن أين للقلب الغبيِّ غرام ؟
أكلُّ نسيم للأسى هبَّ زعزع / وكل ضباب للهموم قتام ؟
تطلَّب دقيقات الأمور تفز بها / وخل التي تنوي فتلك جسام
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى / طويت على الشوق الفؤاد المتيما
وباتت تعانيها ضلوعك جذوة / تضيئ إذا ما طارق الوجد أظلما
جهدت فلم تملك مع الحب مهجة / بها لم يصح الشوق إلا لتسقما
تود وفيه الحزم لو كانت بالحشا / ضنينا ويأبى الحب الا تكرما
سلوت الهوى فليردد النوم سالب / فجفني لم يخلق لكيلا يهوما
فما أنا من ريم الحمى بمكانه / تهون من قدري لديه ليكرما
ولا أنا ممن يقتفي الجهل كاشفاً / فؤادي مرمى للغواني مرجما
ومالي وسلسال بخد مرقرق / نصيبي منه لوعة تورث الظما
قلى لك يا ظبي الصريم وللهوى / فذاك زمان كان ثم تصرما
بمثل الذي راشت لحاظك للحشا / رماني زماني لا عفا الله عنكما
وما فيك يا عرش الشباب مزية / على الشيب الا السير فيك على عمى
سلمت وقد أسلمتني بيد الأسى / كأني إلى الموت اتخذتك سلما
خليلي هل كان السها قبل واجدا ً / خفوق الحشا أم من فؤادي تعلما ؟
وهل بحمام الأيك ما بي من الأسى / شكا فتغني واستراب فجمجما
أظنك ما رنمت إلا تجلداً / وإن قال أقوام سلا فترنما
وما ذاك من ظلم الطبيعة أن ترى / شجياً ولكن كي ترى الحزن مثلما
ولم تبكك الأزهار وجداً وانما / نثرت عليهن الجمان المنظما
فنح ينح القلب المعنى فانما / أقام علينا الليل بالحزن مأتما
وبح لي بأسرار الغرام فرحمة / بأهل الهوى غني مغن ونغما
ولا تحذر الشهب الدراري فلم يدع / لها برح الشهبين قلبا لتعلما
ومنك تعلمت القريض منمنماً / فحق بان أهديك شكري منمنما
فلا تبتئس أن آلمتك حوادث / فأن قصارى الحر ان يتالما
افي كل يوم للحواسد جولة / ارى مقدماً فيها الذي كان محجما
كأن لم أسر من مقولي في كتيبة / ولا حملت كفي اليراع المصمما
ولا كان لي البدر المعلى مسامراً / وان كنت أعلى منه قدراً واكراما
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي / لئن لم يحكِّمْ عقلَه الشعبُ يندمِ
هتفتُ وما أنفك أهتِف صارخاً / ولو حرّموا مسِّي ولو حلَّلوا دمي
ولو فتّشوا قلبي رأوا في صميمه / خلاصةَ هذا العالمِ المتألِّم
إذا تُرك الجُمهورُ يَمضي لشأنه / ويسلُك من أهوائه كلَّ مَخْرِم
وتنتابُهُ الأهواء من كلِّ جانبٍ / وترمي به شتى المهاوي فيرتمي
وتُنْشَر فيه كلَّ يوم دِعايةٌ / ويندسُّ فيها كلُ فكر مسمِّم
وتَقضي عليه فُرقة من مسدّر / وتُنْهكُه رجعيةٌ من معمَّم
ولم تلدِ الدنيا له من مؤدِّب / يهذب من عاداته ومقوِّم
فلا بد من عُقْبى تسوء ذوي النهى / وتَدمى بها سبابةُ المتندِّم
ولا بد أن يمشي العراقُ لعيشة / يشرَّفُ فيها أو لموت محتَّم
أقول لأوطانٍ تمشت جريئةً / يَمدُّ خطاها كلُّ أصيدَ ضيغم
وقرَّ بها مما تحاول أنها / رأت في اكتساب العزِّ أكبر مغنم
ألا شعلةٌ من هذه الروحِ تنجلى / على وطن ريانَ بالذُّل مُفْعَم
خذي كلَّ كذّاب فَسُلِّي لسانه / ومُرّي على ظُفر الدنيِّ فَقَلِّمي
ومُرِّي على هذي الهياكل أقبلت / عليها الجمْاهير الرُّعاع فحطِّمي
وإن كان لا يبقى على الحال هذه / سوى واحد من كل ألف فأنعم
فأحسنُ من هذي التماثيل ثُلّةٌ / تقوم على هذا البناء المرمَّم
فقد لعِبَت كفُّ التذبذب دورَها / به واستباحت منه كلَّ مُحرَّم
وقد ظهرت فيه المخازي جليةً / يضيق بها حتى مجالُ التكلُّم
وقد صيحَ نهباً بالبلادِ ومُزِّقت / بظفُرٍ وداسوها بخُفٍّ و مَنْسِم
وإني وإن لم يبق قول لقائل / ولم يتركِ الأقوامُ من متردمِّ
فلا بدَّ أن أُبكيكَ فيما أقصُّه / عليك من الوضع الغريب المذمَّم
ألا إن هذا الشَعبَ شعبٌ تواثَبَتََْ / عليهَ صروفُ الدهر من كل مَجْثم
مقيمٌ على البْلوى لِزاماً إذا انبرت / له نكبةٌ عظمى تَهون بأعظم
يجور عليه الحكمُ من متآمرٍ / وتمشي به الأهواءُ من متزعِّم
مساكينُ أمثالُ المطايا تسخَّرتْ / على غيرِ هدْيٍ منهمُ وتَفَهُّم
فلا الحكمُ بالحكم الصحيح المتمَّمِ / ولا الشعبُ بالشعب الرزين المعلَّم
تَحَدَّتْهُ أصنافُ الرزايا فضيَّقَت / عليه ولا تضييقَ فقر مخيِّم
فقد أُتخمت شمُّ " البُنوك " وأشرقت / بأموال نّهابٍ فصيحٍ وأعجم
تُنُوهِبْنَ من أقوات طاوٍ ضلوعَه / على الجْوع أو من دمع ثكلى وأيِّم
يُباع لتسديد الضرائب مِلْحَفٌ / وباقي رِتاج أو حصير مثلَّم
وما رفع الدُّستورُ حيفاً وإنما / أتونا به للنَّهْب ألطفَ سَلَم
ستارٌ بديعُ النسجِ حيكَ ليختفي / بها الشعبُ مقتولاً تضرَّجَ بالدم
به وجدت كفُّ المظالم مَكْمَناً / تحوم عليه أنَّةُ المتظلِّم
نلوذ به من صَوْلة الظلم كالذي / يفرِ من الرَّمضاءِ بالنار يحتمي
بضوء الدساتير استنارت ممالكٌ / تخبَّطُ في ليل من الجْهل مظلم
وها نحن في عصر من النور نشتكي / غَوايةَ دُستور من الغِش مبهم
هنالك في قَصْرٍ أُعدت قِبابه / لتدخينِ بطّالين هوجٍ ونُوّم
تُصَبُّ على الشعب الرزايا وإنما / يَصُبُّونها فيه بشكل منظَّم
مضت هَدرَاً تلك الدماءُ ونُصِّبَتْ / ضِخامُ الكراسي فوق هَامٍ محطَّم
ولما استَتَمَّ الامرُ وارتدَّ معشَرٌ / خلاءَ اكُفٍّ من نِهاب مقسَّم
ورُدَّت على الأعقاب زَحفاً معاشرٌ / تُحاولُ عَودْاً من حِطامٍ مركَّم
بدا الشر مخلوعَ القِناع وكُشِّفَت / نوايا صدورٍ قُنِّعت بالتكتُّم
وبان لنا الوضعُ الذي ينعَتُونَه / مضيئاً بشكل العابس المتجهِّم
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ / وإنعاشَ مخلوقٍ على الذُّلِّ نائِمِ
ألا أعينٌ تُلقي على الشَّعْبِ هاوياً / إلى حَمْأةِ الإدقاعِ نظرةَ راحم
وهَلْ ما يرجِّي المُصلحونَ يَرونهُ / مواجَهَةً أمْ تلكَ أضغاثُ حالم
تعالَتْ يدُ الاقطاعِ حتَّى تعطَّلَتْ / عنِ البتِّ في احكامِها يدُ حاكم
وحتَّى استبدَّتْ بالسَّوادِ زعانِفٌ / إلى نَفْعِها تستاقُهُ كالبهائم
إذا رُمْتُ أوصافاً تليقُ بحالةٍ / تعرَّفْتُها ضاقَتْ بطونُ المعاجم
ألام نستحي منْ أنْ يُقالَ بلادُهُمْ / عليها مِنَ الإذلالِ ضربةُ لازم
هي الأرضُ لم يَخْصُصُ لها اللهُ مالكاً / يُصَرَّفُها مُسْتَهْتَراً في الجرائم
ولم يَبْغِ منها أنْ يكونَ نَتاجُها / شَقاوةَ مظلومٍ ونعمةَ ظالم
عجِبتُ لخلْقٍ في المَغارِمِ رازِحٍ / يُقدِّمُ ما تجني يداهُ لغانم
وأنكا من هذا التغابُنِ قُرْحَةً / غباوةُ مَخْدومٍ وفِطنةُ خادم
وكمْ مِن خُمولٍ لاحَ في وجه متْرفٍ / وكمْ من نبوغٍ شعَّ في عينِ عادِم
لو اطَّلَعتْ عيناكَ أبصرتَ مأْتَماً / أُقيمَ على الأحياءِ قبلَ المآتم
وإلاّ فما هذا الشَّقاءُ مُسَيْطِراً / لهُ في جباهِ القومِ مثلُ المياسم
إذا أقبلََ " الشيخُ المُطاعُ "وخَلْفَهُ / منَ الزارعين الأرضَ مِثْلُ السَّوائم!
مِنَ المُزهَقي الأرواح يَصلي وجوهَهُمْ / مَهَبُّ أعاصيرٍ ولفحُ سمائم
قِياماً على أعتابهِ يُمطِرونها / خُنوعاً وذُلّاً بالشّفاهِ اللواثم
رأيتَ مثالاً ثَمَّ لابنِ ملائكٍ / تَنَزَّلَ مِن عَليْائهِ وابنِ آدم!
حَنايا مِنَ الأكواخِ تُلقي ظِلالَها / على مِثْلِ جُبٍ باهتِ النُور قاتم
تلوَّتْ سِياطٌ فوقَ ظهرِ مكرَّمٍ / مِن اللُؤمِ مأخوذٍ بسوطِ الألائم
وباتَتْ بطونٌ ساغِباتٌ على طَوىً / وأُتخِمَت الأخرى بِطيبِ المطاعم
أهذي رعايا أُمَّةٍ قد تهيَّأتْ / لِتسْقَبْلَ الدُّنيا بعزمِ المُهاجم!؟
أهذا سوادٌ يُبتغىَ لِمُلِمَّةٍ / ونحتاجُهُ في المأزِق المتلاحِم ؟
أهذي النفوسُ الخاوياتُ ضَراعةً / نُباهي بها الأقرانَ يومَ التَّصادم؟
أمِنْ ساعِدٍ رِخوٍ هَزيلٍ وكاهلٍ / عجوزٍ نُريدُ المُلْكَ ثَبْتَ الدَّعائم!
مِنَ الظلْمِ أنَّا نَطْلُبُ العزمَ صادقاً / من الشعبِ منقوضَ القُوى والعزائم
وأنْ نَنْشُدَ الاخلاصَ في تضحياتهِ / ونحنُ تركناهُ ضحيَّةَ غاشم
وأنْ نبتغي رِكضاً حَثيثاً لِغايةٍ / نُحاوِلُها مِن راسِفٍ في أداهم
لنا حاجةٌ عندَ السَّوادِ عظيمةٌ / سنفقِدُها يومَ اشتدادِ الملاحِم
هُناِلكَ لا تُجدي فتيلاً عِصابةٌ / إذا جَدَّ خطبٌ فهي أوَّلُ راجم
وإنَّ سواداً يحمِلُ الجَوْرَ مُكْرَهاً / فقيرٌ لِهادٍ بَينِ النُصْحِ حازِم
يَشُنُّ على الاقطاعِ حرباً مُبيدةً / ولا يَختشي في الحقِّ لَوْمَةَ لائم
يَمُدُّ يداً تُعطي الضّعافَ حُقوقَهُمْ / ويَسْطو بأخرى باطشاً غيرَ راحم
ويجتَثُّ إقطاعاً أقَرَّتْ جُذُورَهُ / سياسةُ تفريقٍ وحَوْزُ مغانم
سياسةُ إفقارٍ وتجويعُ أُمَّةٍ / وتَسليطُ أفرادٍ جُناةٍ غَواشم
لقد قُلْتُ لو أصغى إلى القولِ سامعٌ / وما هوَ مِّني بالظُنونِ الرّواجم
ألا إنَّ وضعاً لا يكونُ رفاهُهُ / مُشاعاً على أفرادهِ غيرُ دائم
أمبترِداتٌ بالخُمورِ تثلَّجَتْ / وبالماءِ يَغلي بالعُطورِ الفواغِم
ومُفترِشاتٌ فضلةً في زرائبٍ / يُوَسّدُها ما حولَها مِن رَكائم
أمِنْ كدحِ آلافٍ تفيضُ تَعاسةً / يُمَتَّعُ فردٌ بالنعيمِ المُلازِم
وما أنا بالهيَّابِ ثورةَ طامعٍ / ولكنْ جِماعُ الأمرِ ثورةُ ناقم!
فما الجوعُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُهُ / ولا الظُلْمُ بالمرعى الهنيءِ لِطاعِم
نَذيرَكَ مِن خَلْقٍ أُطيلَ امتهانُه / وإنْ باتَ في شكلِ الضَّعيفِ المُسالم
بلادٌ تردَّتْ في مهاوٍ سحيقةٍ / وناءتْ بأحمالٍ ثِقالٍ قواصِم
تَبيتُ على وعدٍ قريبٍ بفتنةٍ / وتُضحي على قَرْنٍ من الشرِّ ناجم
ولو عُولِجَ الاقطاعُ حُمَّ شِفاؤها / ومَنْ لي بطَبٍّ بّينِ الحِذْقِ حاسم؟
ولم أرَ فيما ندَّعي مِن حضارةٍ / وما يَعتري أوضاعَنا مِن تلاؤم
وها إن هذا الشَّعْبَ يَطوي جَناحَهُ / على خَطَرٍ من سَورةِ اليأس داهم
غداً يستفيقُ الحالمونَ إذا مَشَتْ / رواعدُ من غضبابتهِ كالزمازم
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ / من الله أن يَبْقى لهنَّ " مُزاحمُ "
فتى الدولةِ الغراءِ تَعْلَمُ أنَّهُ / عليها إذا نام الخليّونَ قائم
وذو الحكْمِ مرهوباً على المُلكِ ساهرٌ / وفيما يصونُ الحكْمَ والمُلْكَ حازم
وذو الخُلُقِ الضّافي يَخالُ مرّفهاً / وفي الصدر أمواجُ الأسى تتلاطم
يَبِيتُ على شوكِ القَتادَ وَينْطوي / على مَضَضِ حتى تُرَدَّ المظالم
عليمٌ بآدابِ السياسةِ تَنْجلي / لِفِطْنَتِهَ أسرارُها والطلاسم
ضمينٌ إذا ما الجوُّ غامَ بطاريءٍ / جليلٍ ؛ بأن تَنْزاحَ عنه الغمائم
على وجهِهِ سِيماءُ أصيدَ أشوسٍ / وفيه من النفس الطَّموحِ علائم
جَهيرٌ يرى الأقوامُ عندَ احتدامِهِ / إذا أغضبوهُ كيْفَ تدأى الضَراغم
وفي العنفِ فَهوّ الأبْلَقُ الفرد مَنْعَةً / وفي اللِّينِ فهو المصحبُ المتفاهم
لقد مارس الأيامَ ذو خبرةٍ بها / ذكيٌّ لحالاتِ الزمان ِ مُلائم
وما هو إن خيرٌ تحداهُ طائشٌ / ولا هو إن خيرٌ تعدّاهُ نادم
ومرتقبٌ للشرِ والشرُّ غائبٌ / و مسْتَحْقِرٌ للشرّ والشرُّ قادم
على ثقةٍ أنَّ الحياةَ تَراوُحٌ / نسائمُها جوّالةٌ والسمائم
وماشٍ إلى قلبِ الحقودِ بِحيلةٍ / يُداوي بها حتى تُسَلَّ السّخائم
وقد عَلِمَ الأقوامُ أنَّ مُزاحماً / من الشعبِ مخدومٌ وللشّعبِ خادم
ولما اعتلى دَسْتَ الوزارة وُطّدَتْ / بهمتِهِ آساسُها والدعائم
عفيفُ يدٍ لا يَحْسَبُ الحُكمَ مَغْنّما / ولو شاء لم تَعْسُر عليه المغانم
ترفعَّ عن طرْقِ الدنايا فمالَه / سوى المجدِ والقلبِ الجريءِ سلالم
لقد سرّني أنَّ الزّمانَ الذي سطا / عليكَ بحربٍ عاد وَهْوَ مُسالم
وأن ظروفاً ضايَقَتْكَ عوابساً / أتتك تُرَجِّي العفْوَ وَهْيَ بواسم
وقد أيقَنَتْ إذ قاوَمَتْكَ كوارثٌ / بأنَّكَ لا تُسطاعُ حينَ تُقاوم
وَجَدْتُك خشن المسّ تأبى انحلالةً / وتَنْحَلُّ في البلوى الجلودُ النواعم
تلقيت يَقْظانَ الفؤادِ حوادثاً / يُرَوَّعُ منها في التَّخَيُّلِ حالم
وقد كنتَ نادَمْتَ الكثيرَ فلم تَجد / على حينَ عَضَّتْ كُرْبةٌ مَنْ تُنادِم
وقد كانتِ الزلفى إليكَ تَزاحُماً / فأصْبَحَ في الزُّلفْى عليكَ التزاحُمُ
ولم تُلْفِ لما استيقظ الخطبُ واحداً / من َ المانحيكَ الوُدَّ والخَطْبُ نائم
وأنت عَضَدْتَ الملك يَومَ بدا له / يُهدِّدُهُ قَرْنٌ من الشرّ ناجم
تكفَّلْتَهُ مُسْتَعْصِماً بك لائذاً / وليس له إلاكَ واللهُ عاصم
ولم أرَ أقوى منكَ جأشاً وقد عدَتْ / عليكَ العوادي جمةً تتراكم
وأُفرِدتَ مِثْل السيفِ لا مِنْ مُساعِدٍ / سوى ثِقةٍ بالنفس أنَّكَ صارم
ولمّا أبَىَ إلا التَّبلُّجَ ناصعٌ / من الحق لم تقدِرْ عليهِ النمائم
ولم يجدِ الواشون للكيدِ مَطْمَعاً / لديكَ ولم يَخْدِشْ مساعيك واصم
خرجْتَ خروجَ البدر غطَّتْ غمامةٌ / عليه وسرُّ المجدِ أنَّكَ سالم
فللتُرْبِ أفواهٌ رمتْكَ بباطلٍ / ولا سَلِمَتْ أشداقُها والغلاصم
وحُوشيِتَ عن أيّ اجترامٍ وإنّما / تُدَبَّرُ من خَلْفِ الستارِ الجرائم
وصَقْرٍ تحامَتْهُ الصقورُ وراعها / من النظر الغضبانِ موتٌ مُداهم
لقد أحكمت منه الخوافي خؤولةً / ومتت إلى الأعمام منه القوادم
فتى " الحلةِ " الفَيْحاءِ شَدَّتْ عُروقَهُ / بناتُ الفراتِ المنجِباتُ الكرائم
فجئن بأوفى من تُحلُّ له الحُبا / وأمتنَ مَنْ شُدَّتْ عليهِ الحيازم
وطيد الحجى لم تستجدّ له الرُّقَى / صغيراً ولم تَعْلَقْ عليه التمائم
وداهية أعلى العراقَ بمجلسٍ / تصافِحُهُ فيه دُهاةٌ أعاظم
يمثل شعباً يستعدُّ لنهضةٍ / يُرَدُّ عليها مجدُهُ المتقادم
وألطفُ ميزاتِ السياسيِّ أنّه / أديبٌ بأسرارِ البلاغةِ عالم
يؤّيدهُ ذهْنٌ خصيبٌ ومنطقٌ / متينٌ كهُدابِ الدِمَقْسِ وناعم
ورنانةٍ في المحْفِلِ الضَّخْمِ فذّةٍ / تَناقَلُها عن أصغريهِ التراجم
بعيدة مرمى مستفيضٍ بيانُها / يجيْ بها عفواً فتَدْوي العواصم
ومحتملٍ للحقِ مستأنسٍ به / يُرَجّيهِ مظلومٌ ويَخشَاهُ ظالم
يَسُدُّ طريقَ الخَصْمِ حتى يردَّهُ / إلى واضحٍ منْ حُكمِهِ وَهْوَ راغم
وقد أرضت المظلوم والظلمُ مُغْضَبٌ / مواقِفُهُ المستعلياتُ الحواسم
وإنَّ بلاداً أنجبتْكَ سعيدةٌ / وشعباً تَسامَى عِزُّهُ بك غانم