القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو الفضل الوليد الكل
المجموع : 11
هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ
هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ / ومنه علىالأعلامِ تَبدو العلائمُ
فلا عزَّ إِلا مِن خَميسٍ وَرايَةٍ / ولا حَقَّ إِلا ما حَمتهُ الصّوارِم
ولا دولةٌ تُرجى وتُخشى سوى التي / على الجيشِ والأسطولِ منها دَعائم
ولا بَطشَ إِلا بالمدافعِ والوَغى / بُروقٌ ورَعدٌ قاصِفٌ وغمائم
بها الكيدُ مَردُودٌ إذا ما تلاحَمت / فيالقُ واستشرى من الحربِ جاحم
تَقاذَفُ بالسّجيلِ وهيَ سَجيلةٌ / قَذائِفُها فيها الرّدى والصّيالم
إذا انتَثرت بين الجنودِ تَناثرت / مضرّجةٌ أعضاؤهم والجماجم
فأعظم جيشٍ ما أقلّ ضخامها / وقد صَغُرت يومَ الكِفاحِ العظائم
بأشداقِ أغوالٍ تَصولُ على العِدى / وفي اللّهواتِ الوبلُ والمتراكم
أما والعُلى لولا صِيانةُ أُمّةٍ / بعَسكَرِها ما قامَ للمُلكِ قائم
فلا بدَّ مِن جيشٍ قويٍّ منظَّمٍ / به تُدفَعُ الجُلَّى وتُفدى المحارِم
يُجَمِّعُ أشتاتَ الرّعايا لواؤُهُ / كتائبَ دفراً صَفُّها مُتلاحِم
غواضبُ يومَ الحربِ للحقِّ والهدُى / وأمّا لأخذِ الثأرِ فهي كواظِم
إذا مَرَست في السّلمِ تَطربُ للضّرى / وتَشتاقُ مَجداً أنتَجتهُ الملاحم
على العربِ الأمجادِ تجميرُ حَجفلٍ / فيالِقُه تَنسابُ مِنها الأراقم
لدى العَرضِ يمشي فيلقاً بعد فيلقٍ / وراياتُهُ أسرابُ طَيرٍ حَوائم
وإن عادَ بَعد الذَّودِ والزّحفِ ظافراً / تُنَثِّرُ أزهاراً عَلَيهِ الفواطم
فمن أبسلِ الأقوامِ تؤملُ نجدةٌ / ومِن أشرَفِ الأعلامِ تُرجى المغانم
لقد كانَ جندُ الله أعظمَ عَسكرٍ / تَسيرُ بهِ الخيلُ العِتاقُ الصلادم
فمن يومِ أجنادينِ والنّصرُ بادئٌ / إِلى وقعَةِ اليرموكِ والفَتحُ خاتِم
تلاقَت على أرضِ الشآم صُفوفُهُ / وقَيصَرُ فيها حائرٌ مُتَشائم
رُوَيدَ القوافي ما القَريضُ بمُسعِدي / وقد خَشَعت عندَ السّيوفِ المراقم
وأنَّى لِمثلي أن يَعُدَّ فُتوحَهُ / ومِنها على كلّ العصورِ مياسِم
فيا لكَ جَيشاً كان في الهِندِ زَحفُهُ / وفي الصِّينِ واليابانِ مِنهُ غَماغِم
لأجلِ الهُدى خاض الحروبَ فأصبَحت / مَغارِمُهُ في الناسِ وهي المكارِم
فما عادَ إِلا ظافراً وكِتابُهُ / صَباحٌ لديجورِ الضّلالةِ هازمِ
وقائعُه في كلِّ أرضٍ وأُمّةٍ / على السّلم أعيادٌ لهُ ومَواسِم
وفي كل أرضِ أهلُها عَرفوا الهُدى / حَوافِرُ أعرابيّةٌ ومَناسِم
فأيامُهُ في الرّومِ والفرسِ لم تَكُن / سِوى مُعجزاتٍ أنزلتها القوائم
وأيّامُه في التُّركِ والهِندِ بَعدَها / وفي الصّينِ قد دلّت عَليها المعالم
وأيامُه في البَربَرِ اتّصلت بها / إِلى القُوطِ والأفرنجِ تلكَ الأداهم
وقوَّادُهُ أشباهُ آلهةٍ لهُم / على النّاسِ فخرٌ ليسَ فيهِ مُزاحم
لقد فضَلوا القوّادَ من كلِّ أمّةٍ / كما فَضَلت كلَّ السِّباعِ الضّياغم
جَبابرةً كانوا وكانت سيوفُهم / إذا صَلصلَت تَرتاعُ مِنها العوالم
وأصغَرُهم إن قال للفَتحِِ كُن يَكُن / وللدَّهرِ سِر طوعي يَسِر وهو خادِم
أطلّت على الدُّنيا طلائعُ خيلِهِ / فَلم يَنجُ إِلا مُسلِمٌ أو مُسالِم
أقامُوا بسيفِ الحقِّ دِينَ محمدٍ / وقد قوَّمُوا ما عَوَّجَتهُ المظالمُ
وعادوا وأزيانُ الشفارِ فُلولُها / وما المجدُ إِلا أن تُفلَّ المخاذِم
بأرواحِهم جادُوا وجادَت سيوفُهم / بفولاذِها حتى بَرَتها العزائم
تَداعت عروشٌ داسَها خلفاؤهم / وتيجانُهم بين الملوكِ العمائم
فما وضَعُوا يوماً تُخوماً لملكِهم / وفي كلِّ فَتحٍ جارفٌ مُتَزاحم
لقد وطئَت وَعرَ البلادِ وسهلها / حَوافرُ تلكَ الخَيلِ وهيَ السّلاجم
فكانت لها أختامُ ملكٍ ونِعمَةٍ / وهَزَّ الدُّنَى تَصهالُها والحماحِم
وقد طلعت راياتُهم فتطلّعت / إليها شُعوبٌ أثقَلَتها المغارِم
نجومُ الهُدى مِنها على الأرضِ أشرفَت / وفِيها لكلِّ المكرمات رواسِم
أطَلّت لخيرٍ رايةٌ عربيِّةٌ / فأحيت طُلولاً فَوقَها الموتُ جاثم
هي الرايةُ الفُضلى التي امتدَّ ظِلُّها / على النّاسِ فافترَّت لدَيها المباسِم
ومنها النَّدى والخصبُ والعدلُ والهُدى / فَعَمَّت جميعَ العالمينَ المراحِم
عَدالتُها ألقَت سَلاماً وَهيبةً / فما خابَ مَظلومٌ ولا فازَ ظالِم
بكاها الوَرى لما تَقَلّصَ ظِلُّها / وما ثارَ مِن أَهلِ الحفيظَةِ ناقِم
ألا أيّها الجيشُ الصّغيرُ أتقتدي / بِذَيّالِكَ الجيشِ الكبيرِ الشراذِم
فَتَغدو معَ الأيامِ جيشاً عَرَمرَماً / وتكثُرُ أشلاءُ العدى والغنائم
لَكَ المجد والتَّمجيدُ في هَزمِ جَحفَل / مَدامِعُهُ قد حَطّمتها اللهاذِم
بسُمرِكَ والبيضِ الرِّقاقِ لقيتَها / وما استَعمَلت غير النّيوبِ الضَّراغِم
مَشَيتَ على هامِ العدى متكاثراً / وأنتَ صغيرٌ أمرُهُ مُتعاظِم
كذا الماءُ نلقاهُ غديراً فَجَدولاً / فَنَهراً فبحراً مَوجُهُ مُتلاطِمُ
فعزِّز مِن الرّاياتِ أكثرها هُدىً / ومَجداً وأنتَ المُستميتُ المُصادِم
إذا عزَّت الأعلامَ في جيشِ أُمّةٍ / تعزُّ الرّعايا تحتها والمحاكِم
فما العَلَمُ الخفّاقُ إِلا عَلامةٌ / وأكبادُ أهلِيهِ عَليهِ تمائم
بروحي وأهلي رايةٌ عربيَّةٌ / لها النّصرُ في سودِ المعارِكِ باسِم
إذا ارتَفَعت فوق الكَتيبةِ رَفرفت / كما رَفرفت فوقَ الغُصونِ الحمائم
لها الهامُ يومَ السّلم والحربِ تنحَني / سَنابِلُ مَرجٍ رَنّحتها النّياسِم
حماها النبيُّ المُصطفى واستَحبَّها / وناسِجُها جبريلُ واللهُ راسِم
أرى أجملَ الألوانِ فيها تجمّعت / لِتَجمعَ أمجاداً بَنَتها الأعاظِم
فكان حِداداً في الرّزايا سَوادُها / وخِضرتُها فيها الرّجاء المفاغِم
وبيضُ الأيادي تُرتجي مِن بياضِها / وحِمرَتُها عزٌّ مِن المُلكِ دائِم
لها مِن صباحِ الفِطرِ أبيضُ ناصِعٌ / ومن ليلةِ الإسراءِ أسودُ قاتم
ومن نضرَةِ الجنّاتِ أخضرُ باهِجٌ / ومِن شهداءِ الطفِّ أحمر ساجم
فداءٌ لها مُت يا أخا العربِ الذي / لهُ مِن عداهُ حاكِمٌ ومُحاكِم
حَرامٌ عليكَ الحبُّ والطِّيبُ والكرى / إذا كُنتَ لا تَلقى العِدى وتُقاوِم
تُراثُكِ مَنهوبٌ وجدُّكَ عاثِرٌ / وسَيفُكَ مَكسورٌ ونَسلُكَ عاقِم
تأمّل وقابل بينَ ماضٍ وحاضرٍ / ومِنكَ على نهي النُّهى لكَ لائم
فإذ كُنتَ جُندياً تحكّمتَ بالورى / تُحارِبُ مِنهم مَن طَغى وتُخاصِم
وإِذ بُتَّ جمّاحاً فقَدتَ كَرامَةً / لها الطّعنُ أُسٌّ والعَوالي سَلالِم
إذا لم يَكُن للشّعبِ جَيشٌ ودولةٌ / وحرّيّةٌ أوهَت قِواهُ القَواصِم
فأمسى ضعيفَ النسلِ والعزمِ قانِطاً / وضاعَت مزايا خرّمَتها الخوارِم
تجنّد وكُن شاكي السِّلاح منجّذاً / فمن شكّةِ الجنديِّ للمُلكِ عاصِم
ومَن لم يُرَوِّضهُ السلاحُ يمُت بهِ / ذَليلاً فأنفُ الأعزلِ الشّهمِ راغِم
فلا شرفٌ إِلا بجُنديّةٍ غَدت / كفرضٍ من الإسلامِ والفرضُ لازِم
فمَن ليسَ منها ليسَ من صُلبِ قومِهِ / وإنَّ جبانَ القومِ خَزيانُ واجِم
فأشرِف بمحمولٍ إلى حفرةٍ على / نِصالٍ فلا تبكي عَليهِ المآتم
ولكنّهُ المَبكيُّ مِن أُمةٍ لها / فِخارٌ بموتٍ فيهِ تحيا الأكارِم
فأحكم سلاحاً ماضياً يُرهِبُ العدى / وكُن طالباً للحقِّ والسّيفُ حاكم
وراقِب لُصوصا غادِرينَ تَرَبّصوا / خَناجِرُهم تَنبثُّ منها الجرائمُ
فحتّامَ تَلقى اللّصَّ يسطو بخنجرٍ / ويأكُلُ زادَ البَرّ والبَرُّ صائِم
إذا قيلَ إنَّ السّلَم أجمَلُ بالفتى / تيقَّظ فإنَّ الذّئبَ يَقظانُ نائم
وإياكَ أن تغترَّ فهيَ خَديعةٌ / ولا سلَم والباغي على الفَتكِ عازم
فوا أسفي والنارُ تهزأُ بالظُّبَى / على عَربّيٍ يزدريه الأعاجِم
مَتى تُنصِفُ الأيامُ شيحانَ باسلاً / فتُطرِبُهُ بعدَ الصّليلِ الدّمادم
وعِدَّتُهُ يومَ الكريهةِ مَدفعٌ / على جُبنهِ للسّيفِ والرّمحِ شاتم
لعمركَ ما نفعُ الشّجاعةِ والنّدى / وقد ضاعَ في الدّهماءِ عمروٌ وحاتم
يمينٌ على أبناءِ يَعربَ كلِّهم / وقد ولدَتُهم مُنجِباتٌ نواعم
يمينُ العلى أن يحفَظوا من جُدودِهم / وَدائعَ تفديها النّفُوسُ الكرائِم
فإن غَضِبوا للحقِّ يوماً تلَهّبت / صَوارمُ في أيدي الضّواري ضَوارِم
وإن ركِبوا الجردَ اليعابيبَ سابَقت / خيولَ المنايا والدّواهي دَواهم
كذلك يوفون المعالي حُقُوقَها / وأسيافُهُم تِلك الهوادي الهوادم
على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ
على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ / يُقلّبُ كفَّيهِ على قلبهِ الدامي
تصبّاهُ حُسنُ الشامِ بعد فراقِها / فحنَّ إِلى ذيّالكَ الحسنِ في الشامِ
لقد بعدت عنهُ فظلّت قريبة / من القلبِ إن القلبَ عشّاقُ أوهام
فما هو إِلا واحدٌ في غَرامها / ولكنّه في النأي عشرةُ أقسام
أحِبَّتنا في سَفحِ لبنانَ إنكم / حضرتم بأرواحٍ وغبتم بأجسام
وما زالَ قلبي دامياً لوداعنا / عشيةَ لاقى دمعُكم دمعيَ الهامي
تقاذفتِ الأمواجُ بي وتلاطمت / وألقى عليها الليلُ بردةَ أظلام
فلم أك مثلَ الرّكبِ يوماً صريعَها / ولكنّني ثبَّتُ عَزمي بإقدامي
وقلتُ لها لا بدَّ أن تحملي فَتى / يضمُّ بقايا المجدِ في صدرِ همّام
فإما وراءَ البحرِ مجدٌ مؤثَّلٌ / وإما لدَى العلياءِ خرّةٌ ضرغام
فما شِئتُ من نوحٍ ومن زبدٍ ومن / هديرٍ فلن ترضى المروءةُ إحجامي
جُمانة لا تبكي فعيناكِ منهما / حياةُ فَتى ناءٍ فرفقاً بمسقام
تغنّي بشعري عندَ زهرٍ غرستُهُ / وحلّي عليهِ شعرَك الأشقرَ النامي
فشعرُك من زَهري بأطيبِ نفحةِ / وروحُك من شعري بأعذب أحلام
تهونُ على مثلي المصائبُ والرّدى / إذا عاشَ أهلوه بعزٍّ وإنعام
رضيت بترويضِ الأسودِ وإنني / لآبى إباءَ الحرِّ ترويعَ آرام
وها أنا بينَ المجدِ والحبِّ حائرٌ / فهذا دَعا خلفي وذلك قدّامي
يحدّثُني قلبي الألوفُ بعودةٍ / ويردعني صبري الجميلُ وأشمامي
أيا من بهم ما بي تعالوا نعِش معاً / فنَعقُدَ في الأحزانِ شركة آلام
على الشوكِ نمشي صابرينَ وغيرُنا / نيامٌ على الأزهارِ في ظلِّ مِنعام
فباتوا يعاطون القيانَ مُدامةً / وبتنا نُراعي أنجماً فوقَ آكام
بأمثالِنا الدّنيا تضيقُ وصدرُها / رحيبٌ لأشرارِ وأصحابِ آثام
فنحن كدودِ القزِّ نبني قُبورنا / لنُحيي الألى ماتوا عبيداً لظُلّام
ونرضى بطيبِ الذكرِ في ظلمةِ الثرى / وأنّى يُرجَّى الذِكرُ من شعبِ نوّام
بُلينا بقلبٍ شاعرٍ متألمٍ / قنوعٍ بأوهامٍ طروبٍ لأنغام
وما السّعدُ في إنشادِ شعرٍ ونظمِه / ولكنَّهُ في جمعِ مالٍ وأرقام
إذا ما رمى القنّاصُ نسراً مُدوِّماً / أودُّ لقلبي نبلةً من يد الرامي
على مُهجتي أمشى أنا السّائحُ الذي / له في بقايا الدّهرِ آثارُ إلمام
فأنفاسُه حرّى عليها ونفسُهُ / تعوّدتِ التّحليقَ في جوّ إلهام
وعبرتُه بين الجفونِ عزيزةٌ / يضنُّ بها إلا على موقفٍ سام
قَضى واجباً في بعلبكَّ وتدمرٍ / وجاء ليبكي المجدَ في ظلِّ أهرام
عليكَ سلامُ الله يا نيلُ فانتعش / بأطيبِ أزهارٍ وألطفِ أنسامِ
من الشامِ في طيّاتِ بُردي حملتُها / إليكَ وفي قلبٍ على الحسنِ حوّام
كأن على ضفّاتكَ الخضرِ هاتفاً / يقولُ بنو الأبطالِ ذلّوا كأيتام
أما حان أن يصحو السكارى وقد غدوا / أسارى حَيارى جامدينَ كأصنام
بني مصرَ ما هذا التّقاطعُ بينكم / بُليتم بداءٍ للمفاصلِ قصّام
تراضوا وصيروا أمةً ذات قدرةٍ / وجدّوا بأعمالٍ وعزّوا بأعلام
على العربِ تنصيبُ التماثيلِ والدّمى / لأصحابِ أسيافٍ وأصحابِ أقلام
وتسميةُ الأسواقِ في كلّ بلدةٍ / بأسماء أبطالٍ وأسماءِ علّام
فيبقوا مثالاً للبنينَ وقدوةً / ويحيوا عِظاماً هنّ أهلٌ لإعظام
عظامُ رجالٍ يملأ الأرضَ مجدُهم / وذلك مجدٌ قد بنوهُ على الهام
أمريمُ بالحبّ المسيحيِّ عانقي / خديجةَ كي ننسى عداوةَ أعوام
وقولي لها والخدُّ بالخدِّ لاصقٌ / تخاصمَ إخواني وأبناءُ أعمامي
تعالي أمامَ الناسِ نذرفُ دمعنا / مدامعَ صدقٍ لا مدامعَ إيهام
عسى دمعنا الصافي يُلينُ قلوبَهم / ويطفئُ ناراً أُضرِمت أيَّ إِضرام
فتنبتُ أزهارٌ تغطي قبورَهم / وأحقادَهم في ظلّ أعدلِ أحكام
أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ
أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ / إذا فاحَ زَهرُ الياسمين المخيِّمِ
وما زَهراتُ الياسمين نديةً / بأطَيبَ مِن ذيّالكَ المتبسِّم
وما زفراتُ الرِّيحِ في وَرَقاتهِ / بأعذَبَ من همسِ الكلامِ المرخَّم
هُنالكَ لي ما بَين ماءٍ وخِضرةٍ / وزَهرٍ وظِلٍّ وارفٍ وترنّم
مُواقِفُ حُبٍّ كلما عنَّ ذكرُها / سمعتُ مناجاةَ الخيالِ المسلِّم
فأنشَدتُ من فِردوسِ مِلتُنَ قِطعةً / بها انبثقَت حواءُ من حلم آدم
تذكّرتُ أيامَ الهوى فبكيتُها / وقلتُ لِقَلبي وَيكَ لا تتقسَّم
فقال أَلِفتُ الحزنَ حتى التذذتُهُ / فدَعهُ لِهذا الخافقِ المتألِّم
أبى وأبَت عَينايَ إِلا تَشفّياً / بدمعٍ وذكرٍ فيهما عطرُ مَنشم
إذاً فاشقَ يا قلبي بحبٍّ ومَطمَعٍ / فمن يَشقَ يرحَم من يئنُّ ويُرحَم
ومن أبطرَتهُ نعمةٌ ظلَّ لاهياً / عن الكَمدِ المُدمي لقلبٍ مكلَّم
أرى مِحنَتي لي مِنحَةً ودُجُنَّتي / ضياءً يريني واضحاً كلَّ مُبهَم
كما فتَحَت زَهراً وأنمت خَميلةً / أشِعَّةُ شمسٍ كابتِساماتِ مُنعِم
وإني لأرثي بَهجَتي وشَبيبتي / وأبكي بكاءَ اللاهفِ المترحِّم
وأرنو إِلى الآثارِ في وحشَةِ النَّوى / فتَطلعُ من ليلِ الهُمومِ كأنجُم
نعم لعيونِ العاشقينَ أشِعَّةٌ / تُنوِّرُ من أفكارهم كلَّ مُظلِم
فيَنفَتحُ القَلبانِ تحتَ يدِ الهوى / كَتَفتيحِ بدريٍّ لزَهرٍ مُكمَّم
فلولا ضياءٌ من عيونٍ مَليحةٍ / ولولا صفاءٌ من جبينٍ ومبسم
لما خلّد الإحسانَ والحسنَ شاعرٌ / بأبياتِ شعر كالجمان المُنظّم
أُحبُّ جمالَ الفنّ في كلّ صورة / وقلبي طروبُ للجمالِ المتمّم
لأنغامِ تلحينٍ وشعرِ قصيدةٍ / وتجسيمِ منحات وتلوينِ مِرقم
حبيبتي هَلّا تذكرينَ عبادَتي / لحُسنك ساعاتٍ ولم أتكلّم
وعينك في عيني وشعركِ في يدي / وقلبي خفوقٌ كالسّوار بمعصم
وأنتِ كمعزاف جميلٍ أجسُّهُ / فأسمعُ منهُ كلّ لحنٍ مُنعَّم
تلوحينَ في همّي فأبسمُ للهوى / وأرفعُ رأسَ الآملِ المتوسّم
كزهراءَ لاحت من ثَنايا غمامةٍ / فقرَّت بها في الليلِ عينُ المنجِّم
أناشدُكَ الحبّ الذي هو بَيننا / وما فيهِ لي من لذَّة وتألُّم
أمرّي على قلبي يَديكِ لعلّه / يعودُ إلى عهدِ الهوى المتصرّم
إذا الثلجُ غطّى يا مليحةُ أرضَنا / وأوحَشها لونُ السَحابِ المركّم
تجودُ عليها بالأشِعَّةِ شمسُنا / فتبرزُ في بُردِ الرَّبيعِ المُنَمنَم
لئن حدّثَتكِ النفسُ يوماً عن الذي / قصائدُه فيها صليلُ المخذَّم
وصَيحاتُ آلامٍ وحبٍّ وخَيبةٍ / تُمثّلُ دَنتي سائحاً في جَهنَّم
وبين يَدَيهِ خصمُهُ متململٌ / كفرخٍ ضعيف في مخالبِ قَشعَم
خُذي لكِ من شِعري مثالاً لصورتي / فما النطقُ إِلا صورةُ المتكلِّم
وما الشَهدُ إِلا الزَّهرُ تجنيه نحلةٌ / وما الحبُّ إِلا من جمالٍ مُكرَّم
وما النُّورُ إِلا من صباحٍ وكوكبٍ / وما الأنسُ إِلا من فمٍ متبسّم
وما العطرُ إِلا من أزاهر جنّةٍ / وما السّعدُ إِلا بالمُنى والتَّوَهُّم
جمعتُ الشَّذا والنُّورَ والمجدَ والهوى / ففاضت من العينينِ والقلبِ والفَم
غنائي لأصوات الطبيعةِ جامعٌ / فمن صَفَراتِ البُلبُلِ المترنِّم
ومن هَدراتِ الموج في ليلة النوى / ومن رنماتِ العودِ في كفّ مُغرم
ومن قَصفاتِ الرّعدِ والبرقُ لامعٌ / ومن بَردِ أنفاس النّسيم المهينم
ومن قصبِ الرّاعي المرنّ نواحُهُ / على ضفتي واد مُنيرٍ ومُظلِم
وحفّاتُ أغصان وحنّاتُ نازح / وخرَّاتُ يُنبوعٍ وأناتُ مُسقَم
هبيني لها في الشعرِ غيرَ مرجّعٍ / أليس فؤادي من هَواكِ بمُفعَم
أليسَ له من نورِ عينيك شُعلةٌ / تريه خَفايا كلّ سرّ مُكتَّم
وفي الحب أسرارُ الطبيعة كلُّها / فمن يهوها يهوَ الجمال ويُلهَم
وما هزّني إلا هوى عربيّةٍ / سَليلةِ مجدٍ مُشمخِرٍ مُعَظَّم
قد اتّخذَت لبنانَ في الشامِ عرشَها / وعَزَّ بها في مِصرَ سفحُ المقطَّم
أفاطمةَ الحسناءَ يا بنتَ عمّنا / هَبينا حياةً من محيَّاً مُلثَّم
ففي عينكِ السوداء أنوارُ ليلةٍ / وفي ثغرك الوضاء تنويرُ بُرعُم
جمالُكِ فيهِ سلوةٌ وتعلّةٌ / وتَشجيعُ صُعلوكٍ على البَطلِ الكمي
دَعينا بمرآهُ نُحلِّي حياتَنا / فما عَيشُنا إلا مرارةُ عَلقَم
فربَّ إناء فيهِ أجملُ زَهرةٍ / إذا نحنُ لم نلمسهُ لم يَتَحطَّم
لعَمرُكِ ليسَ الطّهرُ في بُرقُعٍ وفي / حِجابٍ بأسيافٍ محاطٍ وأسهُم
ولكنَّهُ في كلِّ نفس شريفة / لها لطفُ عُصفورٍ وهيبةُ ضيغم
إلهُكِ لم يخلُق جمالاً مُحَجَّباً / وحواءُ في الجنَّاتِ لم تتَلثَّم
فَطيري إلى روض الحياة فراشةً / فمُقلتُنا إن تُبصر الحُسنَ تَنعَم
وَحيّي ضياءً ساطعاً وتنشَّقي / نَسيماً عَليلاً وابسمي للمتَيَّم
فمثلك ريّا الوجَنتينِ حييّةٌ / أُسامِرُها تحتَ الظَّلامِ المنَجَّم
فأحرمُ ثَغري ماءَ وجهٍ مُنَعّمٍ / وأمنعُ كفِّي من حريرٍ مُسهّم
أسيرُ إليها خاشعاً مترجِّلاً / وأرجعُ في الظَّلماءِ فوقَ مطهّم
أفاطِم إن شاقتكِ صَيحاتُ شاعرٍ / يَنوحُ على أطلالِ مجدٍ مهدَّم
فأصبحت في ذاك الحجاب حمامة / تُعالجُ أشراكَ الرّياء المحكَّم
أميطي نِقاباً عن محيّاكِ واخرُجي / سفوراً الى تَقبيلِ أُختكِ مَريم
وقولي لها قد زالَ ما كانَ بيننا / وقد رَضي الإخوانُ فلنتبَسم
قِفي نتعانق والملائكُ حَولنا / تُنظِّمُ عقدَ المدمَعِ المتسجِّم
لنا أمةٌ غرقى دماءٍ وأدمعٍ / أحَلَّت لأجلِ الدينِ كلَّ محرَّم
إذا ما أسالت مُهجةً من جروحِها / أسلنا لها ماءَ الجفونِ كمرَهم
فَرفقاً بأرضٍ جاءَ فيها محمدٌ / رَسولاً وفيها رنَّ صوت المعلم
هما ظهرا مِنا وفينا وإنَّنا / خُلِقنا لنحيا بالعَواطفِ والدّم
بني أمِّ إنَّ السَّعدَ يخدمُ أمةً / يعيشُ بنوها مثلَ زَيتٍ وبلسم
فما نحنُ إِلا إخوةٌ فتشارَكوا / بأفراحِ أعراسٍ وأحزانِ مأتم
تعالوا نَصِل حَبلَ الأخوّةِ بيننا / وإلا ندمنا لاتَ ساعةَ مَندَم
أفيقي فردّي بسمةً وسلاما
أفيقي فردّي بسمةً وسلاما / نسيمُ الحمى في الوردِ شقَّ كماما
ألا طالما بكّرتِ للشّغلِ والتُّقى / صلاةٌ وتدبيرٌ كذلكَ داما
أطلِّي فما أحبَبتِهِ لكِ باسمٌ / ولم يدرِ أن جاءَ النهارُ خِتاما
خفيفٌ وتغريدٌ وشمسٌ وخضرةٌ / وزهرٌ وأفنانٌ تشوقُ رهاما
لقد كنتِ تهوينَ الربيعَ أنيسةً / فلا كانَ فصلٌ إذ رَحَلتِ أقاما
أبعد اشتياقِ النورِ والعطرِ والصَّبا / تحلّينَ رَمساً ضاقَ عنكِ وضاما
فوا ضيقَ صَدري حين بدّلت فيه من / نسيمٍ ونورٍ حبسةً وظلاما
عزيزٌ علينا أن تموتي وفَصلُنا / ربيعٌ يُميطُ العيدُ فيه لِثاما
يزادُ معَ العمرِ الحبيبِ محبَّةً / وما عرفَ الحبُّ الشريفُ سآما
نقهتِ فأمّلنا شفاءً وصحةً / فأعقَبنا ذاكَ الأمانُ حِماما
فما أنتِ للإيناسِ والعطفِ بيننا / ولا نحنُ نرجو مُلتقى ولزاما
هنيئاً لأبناءٍ لهم أُمهاتُهم / وفي ذمةِ الرحمنِ دمعُ يَتامى
حكَيتُ يتيماً في الكهولةِ ما له / قوىً بل رضيعاً لا يُطيقُ فطاما
فلم ينقطع دَمعي وذكركِ ساعةً / بدارٍ تَغشَّت ظلمةً وجهاما
وكم لاحَ فيها وَجهكِ الحلُو كوكباً / وفاضَ الحديثُ العذبُ منك جماما
فأصغي وأرنو حيثُ كنتِ فلا أرى / وأسمعُ ما قلبي استَحبَّ وراما
فيا حبّذا صوتٌ رخيمٌ وطلعةٌ / وقورٌ وما للبيتِ كانَ دعاما
حياتُك كانت لي نعيماً وغبطةً / وموتُك عادَ الصدرُ منهُ حطاما
فما كان أغناني عن الحبّ والأسى / هما عذَّباني منذ كنتُ غُلاما
رفيقينِ كانا فالجوَى يصحبُ الهوى / وقد حملا سمّاً لنا ومداما
فلا صبر لي يا أُمّ عنكِ فإن يَكُن / لكِ الصّبرُ عنّي قد رضيتُ تماما
كفاكِ الذي عانيتِ ستينَ حجَّةَ / فلا داءَ بعدَ اليومِ حلَّ عقاما
سهدتِ طويلاً ثم نمتِ وهكذا / شكَوتِ سهاداً فاشتكيتُ مناما
إذن فاستريحي في ضريحٍ مقدَّسٍ / تباركَ لما ضمَّ منكِ عظاما
ليهنئكِ يا أمّاه نومُكِ في الضُّحى / ترينَ حقولاً أنضرت وأكاما
فميتَتُكِ الحُسنى على النورِ نعمةٌ / وحولكِ قد جلَّى الصباحُ قتاما
إلى مَطلعِ الأنوار طِيري خفيفةً / فلا أُفقَ في تلك المنازلِ غاما
ولا جسمَ منهوكٌ ولا صدرَ ضيِّقٌ / ولا قلبَ مصدوعٌ يعلُّ سماما
لَنحنُ بنو البؤسى على الفقرِ والغِنى / وُلِدنا لكي نَلقى الخطوب جساما
همومٌ وأمراضٌ وموتٌ وحسرةٌ / فنفرحُ يوماً ثم نحزنُ عاما
وإن لم يكن بعد المماتِ تعاطفٌ / رحمتُ هجوداً يَعشقونَ نياما
رأى الناسُ منكِ الخيرَ والحزَم والنُّهى / وما وَجَدُوا بينَ المحامدِ ذاما
هي المرأةُ الفُضلى يَقولونَ كلما / ذُكِرتِ وقد أعلى الصلاحُ مقاما
وفي ذاكَ فخرٌ لا عزاءٌ فإنّهُ / لحمدٌ يمرُّ الذكرُ فيهِ حُساما
سَلَكتِ سبيلَ الصالحاتِ وكنتِ لي / معلمةً تَبغي هُدى ونِظاما
فلي خيرُ إرثِ من فضائلَ جمَّةٍ / ومن موهباتٍ كنَّ فيكِ عِظاما
لكِ اللهُ يا أُمّاهُ أنتِ شهيدةٌ / تهالكُها كانت تراهُ ذماما
فأدمعَ عَينَيها وأدمى فؤادَها / شعورٌ كما ترمي القسيُّ سِهاما
أطيّبَةَ الآباءِ والأمَّهاتِ هَل / من الطّيبِ إِلا الطّيبُ طبتِ مقاما
ستلقينَ خالاتي الحسانَ فسلّمي / على أخواتٍ يَستَطِرنَ حَماما
ذوَيتُنَّ في ظلّ الخدورِ كما ذوَت / زنابقُ في ظلِّ الغياضِ أواما
كذا ذبلت قبلَ الأوان ولم يكن / لغيرِ نعيمٍ مَيلُها ونعامى
فنعمَ المحباتُ اللواتي إِلى الرَّدى / تَوالينَ يحسبنَ الحياةَ حراما
سلامٌ على جسمٍ طَهورٍ منزَّهٍ / تهدَّمَ همّاً ثمّ ذابَ سقاما
به حفَّتِ الأملاكُ حياً وميِّتاً / على طول ما صلّى وعفَّ وصاما
سلامٌ على قبرٍ غدا طيّبَ الثَّرى / سأبكي وأستبكي عليهِ غماما
وأنشقُ منهُ نفحةً ملكيَّةً / وألثمُ لحداً فوقَه ورغاما
دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ
دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ / وميلي لشِعري وردةً لنسيمِ
أخَذتُ لِنَفسي لونَه وأَريجَهُ / ونثَّرتهُ حَولي وحولَ نديمي
أَتوقُ إِلى الوردِ الذي تحملينَهُ / على وجنةٍ ريّا بماءِ نعيم
ففي نَفحةٍ منهُ أرى الأرضَ جنّةً / وتخمدُ في الأضلاعِ نارُ جَحيم
هَبيها لِمن أضنَتهُ آلامُ جرحهِ / فما كلُّ جرحٍ مثلهُ بأليم
شقاءُ الفتى من فِكرهِ وشعورهِ / فأعظِم ببَلوى شاعرٍ وحكيم
شقيتُ بعبءٍ ماخُلِقتُ لحملِهِ / فكم بدميمٍ جاءني وذميم
إذا شَغَلَ الإنسانُ غيرَ محلِّهِ / يضلُّ بليلٍ في الشقاءِ بَهيم
لعمرُكَ إنّ العَقلَ في الجهلِ ضائعٌ / كما ضاعَ ماءُ المزنِ فوقَ هشيم
على الحرِّ أن يوفي الجميعَ ولا يرى / وفيّاً وان يُبلى بألفِ غريم
وكل مَليحٍ للقبيحِ ضحيَّةٌ / ومن حلمِ أهلِ الخيرِ فتكُ زنيمي
فلا بُلي الأحرارُ من كلِّ أُمةٍ / بجيرةِ عِلجٍ وائتمانِ لئيم
ولا خيرَ في القومِ الألى أنا بينَهم / كَثَوب غريبٍ أو كمالِ يتيم
لهم وَلعٌ بالظّلمِ من طَبعِهم كما / لهم طمعٌ في الحلمِ عندَ حليم
فهم بينَ أشرارٍ وبلهٍ تقاسموا / حماقةَ مجنونٍ وغَدرَ أثيم
لقد أحرَجَت منا القرودُ أُسودَنا / وقد لبسَ الصّعلوكُ ثوبَ زعيم
ألا فاسمَعي الشّكوى فكلٌّ كريمةٍ / شَعورٌ بما يَلقاهُ كلُّ كريم
وإن تهزئي بالعلجِ والجلفِ أنعمي / على عربيٍّ من ذويكِ صميم
وقُولي لهُ سِر بينَهم ساخراً بهم / فكلُّ عظيمٍ طامعٌ بعظيم
إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما
إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما / كأنَّ خيالاً منكِ زارَ لُماما
فردّي سلامَ الحبِّ في كلِّ نسمةٍ / وقد فاحَ منها في الرّياضِ خُزامى
وإن لم ترُدِّيهِ حياءً تبَسَّمي / فأرضى ولا أخشى عليكِ ملاما
فروحي لها تعليلةٌ من تحيَّةٍ / ومن بسمةٍ تُحيي الرجاءَ رماما
ألا كلُّ ريحٍ من سلامي لطيفةٍ / تمرُّ على دار النعيمِ نعامى
رَعى اللهُ داراً ضمّتِ الحسنَ والهوى / فأصبَحَ برداً عهدُها وسلاما
تنشَّقتُ ريّا الوردِ من نفَحاتِها / وراعَيتُ فيها البدرَ منكِ تماما
فكنتُ أرى منها سماءً وجنَّةً / فتُطلِعُ نجماً أو تَشقُّ كماما
لياليكِ بيضٌ من محيَّاكِ نورُها / فما عرفت عَيني لدَيك ظلاما
فيا حبَّذا تقطيرُ دَمعي ومُهجتي / على السمراتِ النَّائحاتِ حماما
وما بيننا إِلا حديثٌ منعَّمٌ / يفوحُ عبيراً أو يسيلُ مداما
وإنشادُ أشعارٍ تهيجُ شعورَنا / فنَبكي حناناً أو نذوبُ غراما
ومن حولِنا المنثُورُ يُعطيكِ لونهُ / ورّياهُ إذ ألفى يَدَيكِ غماما
نما مُزهِراً من لمسِ راحَتِكِ التي / أؤمِّلُ مِنها للربيعِ دَواما
محيّاكِ يَحوي كلَّ لونٍ ونفحةٍ / من الزهرِ حيثُ القطفُ كان حَراما
بحبِّكِ حبَّبتِ الحياةَ وزنتِها / كما حبَّبَ الحلمُ الجميلُ مَناما
ومتَّعتِ من لطفٍ وظرفٍ وبَهجةٍ / محبّاً غدا منها يَبلُّ أواما
حملتُ فؤاداً سائلاً من شعورهِ / سمِعتِ خفوقاً منهُ كان كلاما
وروحاً كأرواحِ العصافيرِ غردةً / طروباً أحبَّت في الرّياضِ مقاما
تذوبينَ لطفاً أو حياءً فأسدلي / حِجاباً وأرخي إن بَرَزتِ لِثاما
أخافُ عليكِ العينَ والصوتَ إن رَنت / وإن رنَّ والقلبُ استَطارَ وحاما
أسيِّدتي أنتِ المكرمةُ التي / بها كلُّ من يهوى المحاسنَ هاما
جلستِ على عَرشِ الفؤادِ مليكةً / فبتّ لنعمانِ الجمال عِصاما
جمالُكِ معبودٌ لعزّ كمالِه / وكنت لعبّادِ الجمالِ إماما
لكِ الخيرُ بالعهدِ الجميلِ الذي مَضى / فيا ليتَ ذاك العهد طالَ فداما
سَمَحتِ بوصلٍ كان منكِ تعلَّةً / فلم يَشف مني غلَّةً وسقاما
فأنتِ بما يُرضي الكرامَ كريمةٌ / على أن بُخلاً منكِ غاظَ لِئاما
سأشكُرُ ما أوليتني فاذكُري فَتَىً / على العهدِ والمعروفِ منكِ أقاما
سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما
سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما / فيا حبّذا الصوتُ الذي حَبَّبَ الفَما
لِصَوتكِ رنّاتٌ كأوتار مُطربِ / شَجانا فأبكانا عَشيَّةَ نَغّما
أرى ألماً للقلبِ في كلِّ لذةٍ / وما كانتِ اللذّاتُ إِلا تألُّما
تقولينَ خيرُ الحبِّ ما طالَ شوقُهُ / فلا تَكُ إِلا عاشقاً مُتَظلِّما
إذا لم يكن وعدٌ رضيتُ تحيَّةً / وإن لم تُحيِّيني رَضيتُ التبسُّما
وإن كنتِ في حكمِ الجمالِ مليكةً / فإني فتى ما زالَ بالحُسنِ مُغرما
فلا تَحرميني نعمةَ الدَّولةِ التي / أكونُ على أصحابها مُتقَدِّما
فتاكِ ضحوكٌ للمنيةِ والهوى / ألم تسمَعيهِ صائحاً مترنَّما
فما هو إِلا كالرَّبيعِ نضارةً / وما هو إلا كاللَّهيبِ تضرُّما
فديتُكِ أخلاقُ الشبابِ جميلةٌ / فلا تحرميها يا سعادُ تنعُّما
وما العمرُ إِلا غفلةٌ فتزوَّدي / من الحبِّ شيئاً أو فذوبي تندُّما
فسيلي غديراً وافتَحي القلبَ زَهرةً / ورقِّي نسيماً في الغصونِ مُهينما
وغنِّي هزاراً واسجعي لي حمامةً / وراعي معَ العشَّاقِ بدراً وأنجُما
لعمركِ هذا العيشُ ذوقي نعيمَهُ / فتَدرينَ ما مَعنى السعادةِ والسّما
ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ
ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ / لهَوتُ بها حتى اشتَفَى الذَّوقُ والشمُّ
لها الماء روحٌ وهي نارٌ يزينُها / دخانٌ وكم تحلو إذا اشتعلَ الفَحمُ
فمن ذاقها دارت بهِ الأرضُ دورةً / فأيقَنَ أنَّ العيشَ أكثرُهُ حلم
إذا قيلَ لي صِفها أقولُ لأنني / محبٌّ على شوقٍ يباحُ له اللثم
خريرٌ ولا نهرٌ ودمعٌ ولا جَوَى / وعطرٌ ولا زهرٌ وسكرٌ ولا إثم
هنيئاً لأهلِ الشَّرقِ كم سَكِروا بها / فباتوا وقبحُ العيشِ حَسَّنَهُ الوَهم
كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما
كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما / وأضلاعه في الذل قاطرةٌ دَما
إذا قال لي وغدٌ عليكَ تفَضُّلي / أذوبُ حياءً أو أموتُ تندُّما
وما جُرُحُ القلبِ الشريفِ كلقمةٍ / إذا نزلت في الحلقِ تُصبحُ عَلقما
وكيفَ يُداري الحرُّ من كلِّ ساعةٍ / يقولُ له إني نسيتُ التكرُّما
فدع عنكَ زاداً يأنفُ الضرسُ مضغهُ / فقد يحمِدُ العافي مُضيفاً ومنُعما
لقد فسد المعروفُ والمنُّ واقعٌ / على منَّةٍ كانت من الموتِ أعظَما
فكم ذُلَّ شهم القوم واحتاجَ ضيغمٌ / الى كلبِ سوقٍ كان يجمعُ أعظُما
أذاكَ لظلمٍ أم لعلمٍ وحكمة / جهلتُ وكلُّ القول كيف وربَّما
فلا قلَّ مالٌ في أكفٍّ سخيَّةٍ / رَأيتُ نداها نضرةً وتبسُّما
وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما
وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما / فأطرَبني طيرٌ عليهِ ترنَّما
فقلتُ له هَل أنتَ بالموتِ ساخرٌ / وقد جئتُ أجثو باكياً مترحِّما
تُغنِّي وأبكي أيها الطيرُ فاعتبر / بدارِ سكونٍ فوقها الحزنُ خيَّما
فجاوَبَني هذي تحيّةُ عابرٍ / تُحرِّكُ أغصاناً ولحداً وأعظُما
بُكاؤك هذا كان صدقاً ورحمةً / وكان غنائي للعزاءِ تبسُّما
رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ
رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ / إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ
أرى الدهرَ قد ساوى جهولاً وعالماً / وما نالَ أهلُ العِلمِ أيسَرَ مَغنم
وما كان سعدُ المرءِ من بَطنِ مصحفٍ / ولكنَّ كلَّ السعدِ من وَجهِ دِرهَم
إذا لم يكن بدٌّ من الموتِ لا تكن / سِوى مُقدمٍ بينَ الوَرَى مُتقَدِّم
ولا تخشَ عسراً في النضالِ وعَثرَةً / فما النَّصرُ إلا للفتى المُتَقَحِّم
تقَحَّم غِمارَ المجدِ فالموتُ واحدٌ / وإن تلقَ وجهاً عابساً فتَبَسَّم
تجلَّد على ضعفٍ لتكسبَ قوَّةً / فقد يُفلتُ العصفورُ من أسر قَشعَم
وأبقِ لكلِّ الناسِ ذِكراً مردداً / كنفخةِ صورٍ وَسطَ جيشٍ عرمرم
فمن لم يدع ذكراً يمُت كبهيمةٍ / فلا فضلَ للإنسانِ باللحمِ والدم
فعامٌ على عزٍّ أحبُّ إلىَّ مِن / ثمانينَ أقضيها ولستُ بمكرم
وما المرءُ إلا عابرٌ متنقِّلٌ / يمرُّ كطيفٍ في المنامِ مسلِّم
فدع أثراً للناسِ في كلِّ مَوقِفٍ / ففي أكلِ تفّاحٍ أتى ذِكرُ آدم

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025