المجموع : 11
هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ
هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ / ومنه علىالأعلامِ تَبدو العلائمُ
فلا عزَّ إِلا مِن خَميسٍ وَرايَةٍ / ولا حَقَّ إِلا ما حَمتهُ الصّوارِم
ولا دولةٌ تُرجى وتُخشى سوى التي / على الجيشِ والأسطولِ منها دَعائم
ولا بَطشَ إِلا بالمدافعِ والوَغى / بُروقٌ ورَعدٌ قاصِفٌ وغمائم
بها الكيدُ مَردُودٌ إذا ما تلاحَمت / فيالقُ واستشرى من الحربِ جاحم
تَقاذَفُ بالسّجيلِ وهيَ سَجيلةٌ / قَذائِفُها فيها الرّدى والصّيالم
إذا انتَثرت بين الجنودِ تَناثرت / مضرّجةٌ أعضاؤهم والجماجم
فأعظم جيشٍ ما أقلّ ضخامها / وقد صَغُرت يومَ الكِفاحِ العظائم
بأشداقِ أغوالٍ تَصولُ على العِدى / وفي اللّهواتِ الوبلُ والمتراكم
أما والعُلى لولا صِيانةُ أُمّةٍ / بعَسكَرِها ما قامَ للمُلكِ قائم
فلا بدَّ مِن جيشٍ قويٍّ منظَّمٍ / به تُدفَعُ الجُلَّى وتُفدى المحارِم
يُجَمِّعُ أشتاتَ الرّعايا لواؤُهُ / كتائبَ دفراً صَفُّها مُتلاحِم
غواضبُ يومَ الحربِ للحقِّ والهدُى / وأمّا لأخذِ الثأرِ فهي كواظِم
إذا مَرَست في السّلمِ تَطربُ للضّرى / وتَشتاقُ مَجداً أنتَجتهُ الملاحم
على العربِ الأمجادِ تجميرُ حَجفلٍ / فيالِقُه تَنسابُ مِنها الأراقم
لدى العَرضِ يمشي فيلقاً بعد فيلقٍ / وراياتُهُ أسرابُ طَيرٍ حَوائم
وإن عادَ بَعد الذَّودِ والزّحفِ ظافراً / تُنَثِّرُ أزهاراً عَلَيهِ الفواطم
فمن أبسلِ الأقوامِ تؤملُ نجدةٌ / ومِن أشرَفِ الأعلامِ تُرجى المغانم
لقد كانَ جندُ الله أعظمَ عَسكرٍ / تَسيرُ بهِ الخيلُ العِتاقُ الصلادم
فمن يومِ أجنادينِ والنّصرُ بادئٌ / إِلى وقعَةِ اليرموكِ والفَتحُ خاتِم
تلاقَت على أرضِ الشآم صُفوفُهُ / وقَيصَرُ فيها حائرٌ مُتَشائم
رُوَيدَ القوافي ما القَريضُ بمُسعِدي / وقد خَشَعت عندَ السّيوفِ المراقم
وأنَّى لِمثلي أن يَعُدَّ فُتوحَهُ / ومِنها على كلّ العصورِ مياسِم
فيا لكَ جَيشاً كان في الهِندِ زَحفُهُ / وفي الصِّينِ واليابانِ مِنهُ غَماغِم
لأجلِ الهُدى خاض الحروبَ فأصبَحت / مَغارِمُهُ في الناسِ وهي المكارِم
فما عادَ إِلا ظافراً وكِتابُهُ / صَباحٌ لديجورِ الضّلالةِ هازمِ
وقائعُه في كلِّ أرضٍ وأُمّةٍ / على السّلم أعيادٌ لهُ ومَواسِم
وفي كل أرضِ أهلُها عَرفوا الهُدى / حَوافِرُ أعرابيّةٌ ومَناسِم
فأيامُهُ في الرّومِ والفرسِ لم تَكُن / سِوى مُعجزاتٍ أنزلتها القوائم
وأيّامُه في التُّركِ والهِندِ بَعدَها / وفي الصّينِ قد دلّت عَليها المعالم
وأيامُه في البَربَرِ اتّصلت بها / إِلى القُوطِ والأفرنجِ تلكَ الأداهم
وقوَّادُهُ أشباهُ آلهةٍ لهُم / على النّاسِ فخرٌ ليسَ فيهِ مُزاحم
لقد فضَلوا القوّادَ من كلِّ أمّةٍ / كما فَضَلت كلَّ السِّباعِ الضّياغم
جَبابرةً كانوا وكانت سيوفُهم / إذا صَلصلَت تَرتاعُ مِنها العوالم
وأصغَرُهم إن قال للفَتحِِ كُن يَكُن / وللدَّهرِ سِر طوعي يَسِر وهو خادِم
أطلّت على الدُّنيا طلائعُ خيلِهِ / فَلم يَنجُ إِلا مُسلِمٌ أو مُسالِم
أقامُوا بسيفِ الحقِّ دِينَ محمدٍ / وقد قوَّمُوا ما عَوَّجَتهُ المظالمُ
وعادوا وأزيانُ الشفارِ فُلولُها / وما المجدُ إِلا أن تُفلَّ المخاذِم
بأرواحِهم جادُوا وجادَت سيوفُهم / بفولاذِها حتى بَرَتها العزائم
تَداعت عروشٌ داسَها خلفاؤهم / وتيجانُهم بين الملوكِ العمائم
فما وضَعُوا يوماً تُخوماً لملكِهم / وفي كلِّ فَتحٍ جارفٌ مُتَزاحم
لقد وطئَت وَعرَ البلادِ وسهلها / حَوافرُ تلكَ الخَيلِ وهيَ السّلاجم
فكانت لها أختامُ ملكٍ ونِعمَةٍ / وهَزَّ الدُّنَى تَصهالُها والحماحِم
وقد طلعت راياتُهم فتطلّعت / إليها شُعوبٌ أثقَلَتها المغارِم
نجومُ الهُدى مِنها على الأرضِ أشرفَت / وفِيها لكلِّ المكرمات رواسِم
أطَلّت لخيرٍ رايةٌ عربيِّةٌ / فأحيت طُلولاً فَوقَها الموتُ جاثم
هي الرايةُ الفُضلى التي امتدَّ ظِلُّها / على النّاسِ فافترَّت لدَيها المباسِم
ومنها النَّدى والخصبُ والعدلُ والهُدى / فَعَمَّت جميعَ العالمينَ المراحِم
عَدالتُها ألقَت سَلاماً وَهيبةً / فما خابَ مَظلومٌ ولا فازَ ظالِم
بكاها الوَرى لما تَقَلّصَ ظِلُّها / وما ثارَ مِن أَهلِ الحفيظَةِ ناقِم
ألا أيّها الجيشُ الصّغيرُ أتقتدي / بِذَيّالِكَ الجيشِ الكبيرِ الشراذِم
فَتَغدو معَ الأيامِ جيشاً عَرَمرَماً / وتكثُرُ أشلاءُ العدى والغنائم
لَكَ المجد والتَّمجيدُ في هَزمِ جَحفَل / مَدامِعُهُ قد حَطّمتها اللهاذِم
بسُمرِكَ والبيضِ الرِّقاقِ لقيتَها / وما استَعمَلت غير النّيوبِ الضَّراغِم
مَشَيتَ على هامِ العدى متكاثراً / وأنتَ صغيرٌ أمرُهُ مُتعاظِم
كذا الماءُ نلقاهُ غديراً فَجَدولاً / فَنَهراً فبحراً مَوجُهُ مُتلاطِمُ
فعزِّز مِن الرّاياتِ أكثرها هُدىً / ومَجداً وأنتَ المُستميتُ المُصادِم
إذا عزَّت الأعلامَ في جيشِ أُمّةٍ / تعزُّ الرّعايا تحتها والمحاكِم
فما العَلَمُ الخفّاقُ إِلا عَلامةٌ / وأكبادُ أهلِيهِ عَليهِ تمائم
بروحي وأهلي رايةٌ عربيَّةٌ / لها النّصرُ في سودِ المعارِكِ باسِم
إذا ارتَفَعت فوق الكَتيبةِ رَفرفت / كما رَفرفت فوقَ الغُصونِ الحمائم
لها الهامُ يومَ السّلم والحربِ تنحَني / سَنابِلُ مَرجٍ رَنّحتها النّياسِم
حماها النبيُّ المُصطفى واستَحبَّها / وناسِجُها جبريلُ واللهُ راسِم
أرى أجملَ الألوانِ فيها تجمّعت / لِتَجمعَ أمجاداً بَنَتها الأعاظِم
فكان حِداداً في الرّزايا سَوادُها / وخِضرتُها فيها الرّجاء المفاغِم
وبيضُ الأيادي تُرتجي مِن بياضِها / وحِمرَتُها عزٌّ مِن المُلكِ دائِم
لها مِن صباحِ الفِطرِ أبيضُ ناصِعٌ / ومن ليلةِ الإسراءِ أسودُ قاتم
ومن نضرَةِ الجنّاتِ أخضرُ باهِجٌ / ومِن شهداءِ الطفِّ أحمر ساجم
فداءٌ لها مُت يا أخا العربِ الذي / لهُ مِن عداهُ حاكِمٌ ومُحاكِم
حَرامٌ عليكَ الحبُّ والطِّيبُ والكرى / إذا كُنتَ لا تَلقى العِدى وتُقاوِم
تُراثُكِ مَنهوبٌ وجدُّكَ عاثِرٌ / وسَيفُكَ مَكسورٌ ونَسلُكَ عاقِم
تأمّل وقابل بينَ ماضٍ وحاضرٍ / ومِنكَ على نهي النُّهى لكَ لائم
فإذ كُنتَ جُندياً تحكّمتَ بالورى / تُحارِبُ مِنهم مَن طَغى وتُخاصِم
وإِذ بُتَّ جمّاحاً فقَدتَ كَرامَةً / لها الطّعنُ أُسٌّ والعَوالي سَلالِم
إذا لم يَكُن للشّعبِ جَيشٌ ودولةٌ / وحرّيّةٌ أوهَت قِواهُ القَواصِم
فأمسى ضعيفَ النسلِ والعزمِ قانِطاً / وضاعَت مزايا خرّمَتها الخوارِم
تجنّد وكُن شاكي السِّلاح منجّذاً / فمن شكّةِ الجنديِّ للمُلكِ عاصِم
ومَن لم يُرَوِّضهُ السلاحُ يمُت بهِ / ذَليلاً فأنفُ الأعزلِ الشّهمِ راغِم
فلا شرفٌ إِلا بجُنديّةٍ غَدت / كفرضٍ من الإسلامِ والفرضُ لازِم
فمَن ليسَ منها ليسَ من صُلبِ قومِهِ / وإنَّ جبانَ القومِ خَزيانُ واجِم
فأشرِف بمحمولٍ إلى حفرةٍ على / نِصالٍ فلا تبكي عَليهِ المآتم
ولكنّهُ المَبكيُّ مِن أُمةٍ لها / فِخارٌ بموتٍ فيهِ تحيا الأكارِم
فأحكم سلاحاً ماضياً يُرهِبُ العدى / وكُن طالباً للحقِّ والسّيفُ حاكم
وراقِب لُصوصا غادِرينَ تَرَبّصوا / خَناجِرُهم تَنبثُّ منها الجرائمُ
فحتّامَ تَلقى اللّصَّ يسطو بخنجرٍ / ويأكُلُ زادَ البَرّ والبَرُّ صائِم
إذا قيلَ إنَّ السّلَم أجمَلُ بالفتى / تيقَّظ فإنَّ الذّئبَ يَقظانُ نائم
وإياكَ أن تغترَّ فهيَ خَديعةٌ / ولا سلَم والباغي على الفَتكِ عازم
فوا أسفي والنارُ تهزأُ بالظُّبَى / على عَربّيٍ يزدريه الأعاجِم
مَتى تُنصِفُ الأيامُ شيحانَ باسلاً / فتُطرِبُهُ بعدَ الصّليلِ الدّمادم
وعِدَّتُهُ يومَ الكريهةِ مَدفعٌ / على جُبنهِ للسّيفِ والرّمحِ شاتم
لعمركَ ما نفعُ الشّجاعةِ والنّدى / وقد ضاعَ في الدّهماءِ عمروٌ وحاتم
يمينٌ على أبناءِ يَعربَ كلِّهم / وقد ولدَتُهم مُنجِباتٌ نواعم
يمينُ العلى أن يحفَظوا من جُدودِهم / وَدائعَ تفديها النّفُوسُ الكرائِم
فإن غَضِبوا للحقِّ يوماً تلَهّبت / صَوارمُ في أيدي الضّواري ضَوارِم
وإن ركِبوا الجردَ اليعابيبَ سابَقت / خيولَ المنايا والدّواهي دَواهم
كذلك يوفون المعالي حُقُوقَها / وأسيافُهُم تِلك الهوادي الهوادم
على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ
على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ / يُقلّبُ كفَّيهِ على قلبهِ الدامي
تصبّاهُ حُسنُ الشامِ بعد فراقِها / فحنَّ إِلى ذيّالكَ الحسنِ في الشامِ
لقد بعدت عنهُ فظلّت قريبة / من القلبِ إن القلبَ عشّاقُ أوهام
فما هو إِلا واحدٌ في غَرامها / ولكنّه في النأي عشرةُ أقسام
أحِبَّتنا في سَفحِ لبنانَ إنكم / حضرتم بأرواحٍ وغبتم بأجسام
وما زالَ قلبي دامياً لوداعنا / عشيةَ لاقى دمعُكم دمعيَ الهامي
تقاذفتِ الأمواجُ بي وتلاطمت / وألقى عليها الليلُ بردةَ أظلام
فلم أك مثلَ الرّكبِ يوماً صريعَها / ولكنّني ثبَّتُ عَزمي بإقدامي
وقلتُ لها لا بدَّ أن تحملي فَتى / يضمُّ بقايا المجدِ في صدرِ همّام
فإما وراءَ البحرِ مجدٌ مؤثَّلٌ / وإما لدَى العلياءِ خرّةٌ ضرغام
فما شِئتُ من نوحٍ ومن زبدٍ ومن / هديرٍ فلن ترضى المروءةُ إحجامي
جُمانة لا تبكي فعيناكِ منهما / حياةُ فَتى ناءٍ فرفقاً بمسقام
تغنّي بشعري عندَ زهرٍ غرستُهُ / وحلّي عليهِ شعرَك الأشقرَ النامي
فشعرُك من زَهري بأطيبِ نفحةِ / وروحُك من شعري بأعذب أحلام
تهونُ على مثلي المصائبُ والرّدى / إذا عاشَ أهلوه بعزٍّ وإنعام
رضيت بترويضِ الأسودِ وإنني / لآبى إباءَ الحرِّ ترويعَ آرام
وها أنا بينَ المجدِ والحبِّ حائرٌ / فهذا دَعا خلفي وذلك قدّامي
يحدّثُني قلبي الألوفُ بعودةٍ / ويردعني صبري الجميلُ وأشمامي
أيا من بهم ما بي تعالوا نعِش معاً / فنَعقُدَ في الأحزانِ شركة آلام
على الشوكِ نمشي صابرينَ وغيرُنا / نيامٌ على الأزهارِ في ظلِّ مِنعام
فباتوا يعاطون القيانَ مُدامةً / وبتنا نُراعي أنجماً فوقَ آكام
بأمثالِنا الدّنيا تضيقُ وصدرُها / رحيبٌ لأشرارِ وأصحابِ آثام
فنحن كدودِ القزِّ نبني قُبورنا / لنُحيي الألى ماتوا عبيداً لظُلّام
ونرضى بطيبِ الذكرِ في ظلمةِ الثرى / وأنّى يُرجَّى الذِكرُ من شعبِ نوّام
بُلينا بقلبٍ شاعرٍ متألمٍ / قنوعٍ بأوهامٍ طروبٍ لأنغام
وما السّعدُ في إنشادِ شعرٍ ونظمِه / ولكنَّهُ في جمعِ مالٍ وأرقام
إذا ما رمى القنّاصُ نسراً مُدوِّماً / أودُّ لقلبي نبلةً من يد الرامي
على مُهجتي أمشى أنا السّائحُ الذي / له في بقايا الدّهرِ آثارُ إلمام
فأنفاسُه حرّى عليها ونفسُهُ / تعوّدتِ التّحليقَ في جوّ إلهام
وعبرتُه بين الجفونِ عزيزةٌ / يضنُّ بها إلا على موقفٍ سام
قَضى واجباً في بعلبكَّ وتدمرٍ / وجاء ليبكي المجدَ في ظلِّ أهرام
عليكَ سلامُ الله يا نيلُ فانتعش / بأطيبِ أزهارٍ وألطفِ أنسامِ
من الشامِ في طيّاتِ بُردي حملتُها / إليكَ وفي قلبٍ على الحسنِ حوّام
كأن على ضفّاتكَ الخضرِ هاتفاً / يقولُ بنو الأبطالِ ذلّوا كأيتام
أما حان أن يصحو السكارى وقد غدوا / أسارى حَيارى جامدينَ كأصنام
بني مصرَ ما هذا التّقاطعُ بينكم / بُليتم بداءٍ للمفاصلِ قصّام
تراضوا وصيروا أمةً ذات قدرةٍ / وجدّوا بأعمالٍ وعزّوا بأعلام
على العربِ تنصيبُ التماثيلِ والدّمى / لأصحابِ أسيافٍ وأصحابِ أقلام
وتسميةُ الأسواقِ في كلّ بلدةٍ / بأسماء أبطالٍ وأسماءِ علّام
فيبقوا مثالاً للبنينَ وقدوةً / ويحيوا عِظاماً هنّ أهلٌ لإعظام
عظامُ رجالٍ يملأ الأرضَ مجدُهم / وذلك مجدٌ قد بنوهُ على الهام
أمريمُ بالحبّ المسيحيِّ عانقي / خديجةَ كي ننسى عداوةَ أعوام
وقولي لها والخدُّ بالخدِّ لاصقٌ / تخاصمَ إخواني وأبناءُ أعمامي
تعالي أمامَ الناسِ نذرفُ دمعنا / مدامعَ صدقٍ لا مدامعَ إيهام
عسى دمعنا الصافي يُلينُ قلوبَهم / ويطفئُ ناراً أُضرِمت أيَّ إِضرام
فتنبتُ أزهارٌ تغطي قبورَهم / وأحقادَهم في ظلّ أعدلِ أحكام
أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ
أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ / إذا فاحَ زَهرُ الياسمين المخيِّمِ
وما زَهراتُ الياسمين نديةً / بأطَيبَ مِن ذيّالكَ المتبسِّم
وما زفراتُ الرِّيحِ في وَرَقاتهِ / بأعذَبَ من همسِ الكلامِ المرخَّم
هُنالكَ لي ما بَين ماءٍ وخِضرةٍ / وزَهرٍ وظِلٍّ وارفٍ وترنّم
مُواقِفُ حُبٍّ كلما عنَّ ذكرُها / سمعتُ مناجاةَ الخيالِ المسلِّم
فأنشَدتُ من فِردوسِ مِلتُنَ قِطعةً / بها انبثقَت حواءُ من حلم آدم
تذكّرتُ أيامَ الهوى فبكيتُها / وقلتُ لِقَلبي وَيكَ لا تتقسَّم
فقال أَلِفتُ الحزنَ حتى التذذتُهُ / فدَعهُ لِهذا الخافقِ المتألِّم
أبى وأبَت عَينايَ إِلا تَشفّياً / بدمعٍ وذكرٍ فيهما عطرُ مَنشم
إذاً فاشقَ يا قلبي بحبٍّ ومَطمَعٍ / فمن يَشقَ يرحَم من يئنُّ ويُرحَم
ومن أبطرَتهُ نعمةٌ ظلَّ لاهياً / عن الكَمدِ المُدمي لقلبٍ مكلَّم
أرى مِحنَتي لي مِنحَةً ودُجُنَّتي / ضياءً يريني واضحاً كلَّ مُبهَم
كما فتَحَت زَهراً وأنمت خَميلةً / أشِعَّةُ شمسٍ كابتِساماتِ مُنعِم
وإني لأرثي بَهجَتي وشَبيبتي / وأبكي بكاءَ اللاهفِ المترحِّم
وأرنو إِلى الآثارِ في وحشَةِ النَّوى / فتَطلعُ من ليلِ الهُمومِ كأنجُم
نعم لعيونِ العاشقينَ أشِعَّةٌ / تُنوِّرُ من أفكارهم كلَّ مُظلِم
فيَنفَتحُ القَلبانِ تحتَ يدِ الهوى / كَتَفتيحِ بدريٍّ لزَهرٍ مُكمَّم
فلولا ضياءٌ من عيونٍ مَليحةٍ / ولولا صفاءٌ من جبينٍ ومبسم
لما خلّد الإحسانَ والحسنَ شاعرٌ / بأبياتِ شعر كالجمان المُنظّم
أُحبُّ جمالَ الفنّ في كلّ صورة / وقلبي طروبُ للجمالِ المتمّم
لأنغامِ تلحينٍ وشعرِ قصيدةٍ / وتجسيمِ منحات وتلوينِ مِرقم
حبيبتي هَلّا تذكرينَ عبادَتي / لحُسنك ساعاتٍ ولم أتكلّم
وعينك في عيني وشعركِ في يدي / وقلبي خفوقٌ كالسّوار بمعصم
وأنتِ كمعزاف جميلٍ أجسُّهُ / فأسمعُ منهُ كلّ لحنٍ مُنعَّم
تلوحينَ في همّي فأبسمُ للهوى / وأرفعُ رأسَ الآملِ المتوسّم
كزهراءَ لاحت من ثَنايا غمامةٍ / فقرَّت بها في الليلِ عينُ المنجِّم
أناشدُكَ الحبّ الذي هو بَيننا / وما فيهِ لي من لذَّة وتألُّم
أمرّي على قلبي يَديكِ لعلّه / يعودُ إلى عهدِ الهوى المتصرّم
إذا الثلجُ غطّى يا مليحةُ أرضَنا / وأوحَشها لونُ السَحابِ المركّم
تجودُ عليها بالأشِعَّةِ شمسُنا / فتبرزُ في بُردِ الرَّبيعِ المُنَمنَم
لئن حدّثَتكِ النفسُ يوماً عن الذي / قصائدُه فيها صليلُ المخذَّم
وصَيحاتُ آلامٍ وحبٍّ وخَيبةٍ / تُمثّلُ دَنتي سائحاً في جَهنَّم
وبين يَدَيهِ خصمُهُ متململٌ / كفرخٍ ضعيف في مخالبِ قَشعَم
خُذي لكِ من شِعري مثالاً لصورتي / فما النطقُ إِلا صورةُ المتكلِّم
وما الشَهدُ إِلا الزَّهرُ تجنيه نحلةٌ / وما الحبُّ إِلا من جمالٍ مُكرَّم
وما النُّورُ إِلا من صباحٍ وكوكبٍ / وما الأنسُ إِلا من فمٍ متبسّم
وما العطرُ إِلا من أزاهر جنّةٍ / وما السّعدُ إِلا بالمُنى والتَّوَهُّم
جمعتُ الشَّذا والنُّورَ والمجدَ والهوى / ففاضت من العينينِ والقلبِ والفَم
غنائي لأصوات الطبيعةِ جامعٌ / فمن صَفَراتِ البُلبُلِ المترنِّم
ومن هَدراتِ الموج في ليلة النوى / ومن رنماتِ العودِ في كفّ مُغرم
ومن قَصفاتِ الرّعدِ والبرقُ لامعٌ / ومن بَردِ أنفاس النّسيم المهينم
ومن قصبِ الرّاعي المرنّ نواحُهُ / على ضفتي واد مُنيرٍ ومُظلِم
وحفّاتُ أغصان وحنّاتُ نازح / وخرَّاتُ يُنبوعٍ وأناتُ مُسقَم
هبيني لها في الشعرِ غيرَ مرجّعٍ / أليس فؤادي من هَواكِ بمُفعَم
أليسَ له من نورِ عينيك شُعلةٌ / تريه خَفايا كلّ سرّ مُكتَّم
وفي الحب أسرارُ الطبيعة كلُّها / فمن يهوها يهوَ الجمال ويُلهَم
وما هزّني إلا هوى عربيّةٍ / سَليلةِ مجدٍ مُشمخِرٍ مُعَظَّم
قد اتّخذَت لبنانَ في الشامِ عرشَها / وعَزَّ بها في مِصرَ سفحُ المقطَّم
أفاطمةَ الحسناءَ يا بنتَ عمّنا / هَبينا حياةً من محيَّاً مُلثَّم
ففي عينكِ السوداء أنوارُ ليلةٍ / وفي ثغرك الوضاء تنويرُ بُرعُم
جمالُكِ فيهِ سلوةٌ وتعلّةٌ / وتَشجيعُ صُعلوكٍ على البَطلِ الكمي
دَعينا بمرآهُ نُحلِّي حياتَنا / فما عَيشُنا إلا مرارةُ عَلقَم
فربَّ إناء فيهِ أجملُ زَهرةٍ / إذا نحنُ لم نلمسهُ لم يَتَحطَّم
لعَمرُكِ ليسَ الطّهرُ في بُرقُعٍ وفي / حِجابٍ بأسيافٍ محاطٍ وأسهُم
ولكنَّهُ في كلِّ نفس شريفة / لها لطفُ عُصفورٍ وهيبةُ ضيغم
إلهُكِ لم يخلُق جمالاً مُحَجَّباً / وحواءُ في الجنَّاتِ لم تتَلثَّم
فَطيري إلى روض الحياة فراشةً / فمُقلتُنا إن تُبصر الحُسنَ تَنعَم
وَحيّي ضياءً ساطعاً وتنشَّقي / نَسيماً عَليلاً وابسمي للمتَيَّم
فمثلك ريّا الوجَنتينِ حييّةٌ / أُسامِرُها تحتَ الظَّلامِ المنَجَّم
فأحرمُ ثَغري ماءَ وجهٍ مُنَعّمٍ / وأمنعُ كفِّي من حريرٍ مُسهّم
أسيرُ إليها خاشعاً مترجِّلاً / وأرجعُ في الظَّلماءِ فوقَ مطهّم
أفاطِم إن شاقتكِ صَيحاتُ شاعرٍ / يَنوحُ على أطلالِ مجدٍ مهدَّم
فأصبحت في ذاك الحجاب حمامة / تُعالجُ أشراكَ الرّياء المحكَّم
أميطي نِقاباً عن محيّاكِ واخرُجي / سفوراً الى تَقبيلِ أُختكِ مَريم
وقولي لها قد زالَ ما كانَ بيننا / وقد رَضي الإخوانُ فلنتبَسم
قِفي نتعانق والملائكُ حَولنا / تُنظِّمُ عقدَ المدمَعِ المتسجِّم
لنا أمةٌ غرقى دماءٍ وأدمعٍ / أحَلَّت لأجلِ الدينِ كلَّ محرَّم
إذا ما أسالت مُهجةً من جروحِها / أسلنا لها ماءَ الجفونِ كمرَهم
فَرفقاً بأرضٍ جاءَ فيها محمدٌ / رَسولاً وفيها رنَّ صوت المعلم
هما ظهرا مِنا وفينا وإنَّنا / خُلِقنا لنحيا بالعَواطفِ والدّم
بني أمِّ إنَّ السَّعدَ يخدمُ أمةً / يعيشُ بنوها مثلَ زَيتٍ وبلسم
فما نحنُ إِلا إخوةٌ فتشارَكوا / بأفراحِ أعراسٍ وأحزانِ مأتم
تعالوا نَصِل حَبلَ الأخوّةِ بيننا / وإلا ندمنا لاتَ ساعةَ مَندَم
أفيقي فردّي بسمةً وسلاما
أفيقي فردّي بسمةً وسلاما / نسيمُ الحمى في الوردِ شقَّ كماما
ألا طالما بكّرتِ للشّغلِ والتُّقى / صلاةٌ وتدبيرٌ كذلكَ داما
أطلِّي فما أحبَبتِهِ لكِ باسمٌ / ولم يدرِ أن جاءَ النهارُ خِتاما
خفيفٌ وتغريدٌ وشمسٌ وخضرةٌ / وزهرٌ وأفنانٌ تشوقُ رهاما
لقد كنتِ تهوينَ الربيعَ أنيسةً / فلا كانَ فصلٌ إذ رَحَلتِ أقاما
أبعد اشتياقِ النورِ والعطرِ والصَّبا / تحلّينَ رَمساً ضاقَ عنكِ وضاما
فوا ضيقَ صَدري حين بدّلت فيه من / نسيمٍ ونورٍ حبسةً وظلاما
عزيزٌ علينا أن تموتي وفَصلُنا / ربيعٌ يُميطُ العيدُ فيه لِثاما
يزادُ معَ العمرِ الحبيبِ محبَّةً / وما عرفَ الحبُّ الشريفُ سآما
نقهتِ فأمّلنا شفاءً وصحةً / فأعقَبنا ذاكَ الأمانُ حِماما
فما أنتِ للإيناسِ والعطفِ بيننا / ولا نحنُ نرجو مُلتقى ولزاما
هنيئاً لأبناءٍ لهم أُمهاتُهم / وفي ذمةِ الرحمنِ دمعُ يَتامى
حكَيتُ يتيماً في الكهولةِ ما له / قوىً بل رضيعاً لا يُطيقُ فطاما
فلم ينقطع دَمعي وذكركِ ساعةً / بدارٍ تَغشَّت ظلمةً وجهاما
وكم لاحَ فيها وَجهكِ الحلُو كوكباً / وفاضَ الحديثُ العذبُ منك جماما
فأصغي وأرنو حيثُ كنتِ فلا أرى / وأسمعُ ما قلبي استَحبَّ وراما
فيا حبّذا صوتٌ رخيمٌ وطلعةٌ / وقورٌ وما للبيتِ كانَ دعاما
حياتُك كانت لي نعيماً وغبطةً / وموتُك عادَ الصدرُ منهُ حطاما
فما كان أغناني عن الحبّ والأسى / هما عذَّباني منذ كنتُ غُلاما
رفيقينِ كانا فالجوَى يصحبُ الهوى / وقد حملا سمّاً لنا ومداما
فلا صبر لي يا أُمّ عنكِ فإن يَكُن / لكِ الصّبرُ عنّي قد رضيتُ تماما
كفاكِ الذي عانيتِ ستينَ حجَّةَ / فلا داءَ بعدَ اليومِ حلَّ عقاما
سهدتِ طويلاً ثم نمتِ وهكذا / شكَوتِ سهاداً فاشتكيتُ مناما
إذن فاستريحي في ضريحٍ مقدَّسٍ / تباركَ لما ضمَّ منكِ عظاما
ليهنئكِ يا أمّاه نومُكِ في الضُّحى / ترينَ حقولاً أنضرت وأكاما
فميتَتُكِ الحُسنى على النورِ نعمةٌ / وحولكِ قد جلَّى الصباحُ قتاما
إلى مَطلعِ الأنوار طِيري خفيفةً / فلا أُفقَ في تلك المنازلِ غاما
ولا جسمَ منهوكٌ ولا صدرَ ضيِّقٌ / ولا قلبَ مصدوعٌ يعلُّ سماما
لَنحنُ بنو البؤسى على الفقرِ والغِنى / وُلِدنا لكي نَلقى الخطوب جساما
همومٌ وأمراضٌ وموتٌ وحسرةٌ / فنفرحُ يوماً ثم نحزنُ عاما
وإن لم يكن بعد المماتِ تعاطفٌ / رحمتُ هجوداً يَعشقونَ نياما
رأى الناسُ منكِ الخيرَ والحزَم والنُّهى / وما وَجَدُوا بينَ المحامدِ ذاما
هي المرأةُ الفُضلى يَقولونَ كلما / ذُكِرتِ وقد أعلى الصلاحُ مقاما
وفي ذاكَ فخرٌ لا عزاءٌ فإنّهُ / لحمدٌ يمرُّ الذكرُ فيهِ حُساما
سَلَكتِ سبيلَ الصالحاتِ وكنتِ لي / معلمةً تَبغي هُدى ونِظاما
فلي خيرُ إرثِ من فضائلَ جمَّةٍ / ومن موهباتٍ كنَّ فيكِ عِظاما
لكِ اللهُ يا أُمّاهُ أنتِ شهيدةٌ / تهالكُها كانت تراهُ ذماما
فأدمعَ عَينَيها وأدمى فؤادَها / شعورٌ كما ترمي القسيُّ سِهاما
أطيّبَةَ الآباءِ والأمَّهاتِ هَل / من الطّيبِ إِلا الطّيبُ طبتِ مقاما
ستلقينَ خالاتي الحسانَ فسلّمي / على أخواتٍ يَستَطِرنَ حَماما
ذوَيتُنَّ في ظلّ الخدورِ كما ذوَت / زنابقُ في ظلِّ الغياضِ أواما
كذا ذبلت قبلَ الأوان ولم يكن / لغيرِ نعيمٍ مَيلُها ونعامى
فنعمَ المحباتُ اللواتي إِلى الرَّدى / تَوالينَ يحسبنَ الحياةَ حراما
سلامٌ على جسمٍ طَهورٍ منزَّهٍ / تهدَّمَ همّاً ثمّ ذابَ سقاما
به حفَّتِ الأملاكُ حياً وميِّتاً / على طول ما صلّى وعفَّ وصاما
سلامٌ على قبرٍ غدا طيّبَ الثَّرى / سأبكي وأستبكي عليهِ غماما
وأنشقُ منهُ نفحةً ملكيَّةً / وألثمُ لحداً فوقَه ورغاما
دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ
دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ / وميلي لشِعري وردةً لنسيمِ
أخَذتُ لِنَفسي لونَه وأَريجَهُ / ونثَّرتهُ حَولي وحولَ نديمي
أَتوقُ إِلى الوردِ الذي تحملينَهُ / على وجنةٍ ريّا بماءِ نعيم
ففي نَفحةٍ منهُ أرى الأرضَ جنّةً / وتخمدُ في الأضلاعِ نارُ جَحيم
هَبيها لِمن أضنَتهُ آلامُ جرحهِ / فما كلُّ جرحٍ مثلهُ بأليم
شقاءُ الفتى من فِكرهِ وشعورهِ / فأعظِم ببَلوى شاعرٍ وحكيم
شقيتُ بعبءٍ ماخُلِقتُ لحملِهِ / فكم بدميمٍ جاءني وذميم
إذا شَغَلَ الإنسانُ غيرَ محلِّهِ / يضلُّ بليلٍ في الشقاءِ بَهيم
لعمرُكَ إنّ العَقلَ في الجهلِ ضائعٌ / كما ضاعَ ماءُ المزنِ فوقَ هشيم
على الحرِّ أن يوفي الجميعَ ولا يرى / وفيّاً وان يُبلى بألفِ غريم
وكل مَليحٍ للقبيحِ ضحيَّةٌ / ومن حلمِ أهلِ الخيرِ فتكُ زنيمي
فلا بُلي الأحرارُ من كلِّ أُمةٍ / بجيرةِ عِلجٍ وائتمانِ لئيم
ولا خيرَ في القومِ الألى أنا بينَهم / كَثَوب غريبٍ أو كمالِ يتيم
لهم وَلعٌ بالظّلمِ من طَبعِهم كما / لهم طمعٌ في الحلمِ عندَ حليم
فهم بينَ أشرارٍ وبلهٍ تقاسموا / حماقةَ مجنونٍ وغَدرَ أثيم
لقد أحرَجَت منا القرودُ أُسودَنا / وقد لبسَ الصّعلوكُ ثوبَ زعيم
ألا فاسمَعي الشّكوى فكلٌّ كريمةٍ / شَعورٌ بما يَلقاهُ كلُّ كريم
وإن تهزئي بالعلجِ والجلفِ أنعمي / على عربيٍّ من ذويكِ صميم
وقُولي لهُ سِر بينَهم ساخراً بهم / فكلُّ عظيمٍ طامعٌ بعظيم
إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما
إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما / كأنَّ خيالاً منكِ زارَ لُماما
فردّي سلامَ الحبِّ في كلِّ نسمةٍ / وقد فاحَ منها في الرّياضِ خُزامى
وإن لم ترُدِّيهِ حياءً تبَسَّمي / فأرضى ولا أخشى عليكِ ملاما
فروحي لها تعليلةٌ من تحيَّةٍ / ومن بسمةٍ تُحيي الرجاءَ رماما
ألا كلُّ ريحٍ من سلامي لطيفةٍ / تمرُّ على دار النعيمِ نعامى
رَعى اللهُ داراً ضمّتِ الحسنَ والهوى / فأصبَحَ برداً عهدُها وسلاما
تنشَّقتُ ريّا الوردِ من نفَحاتِها / وراعَيتُ فيها البدرَ منكِ تماما
فكنتُ أرى منها سماءً وجنَّةً / فتُطلِعُ نجماً أو تَشقُّ كماما
لياليكِ بيضٌ من محيَّاكِ نورُها / فما عرفت عَيني لدَيك ظلاما
فيا حبَّذا تقطيرُ دَمعي ومُهجتي / على السمراتِ النَّائحاتِ حماما
وما بيننا إِلا حديثٌ منعَّمٌ / يفوحُ عبيراً أو يسيلُ مداما
وإنشادُ أشعارٍ تهيجُ شعورَنا / فنَبكي حناناً أو نذوبُ غراما
ومن حولِنا المنثُورُ يُعطيكِ لونهُ / ورّياهُ إذ ألفى يَدَيكِ غماما
نما مُزهِراً من لمسِ راحَتِكِ التي / أؤمِّلُ مِنها للربيعِ دَواما
محيّاكِ يَحوي كلَّ لونٍ ونفحةٍ / من الزهرِ حيثُ القطفُ كان حَراما
بحبِّكِ حبَّبتِ الحياةَ وزنتِها / كما حبَّبَ الحلمُ الجميلُ مَناما
ومتَّعتِ من لطفٍ وظرفٍ وبَهجةٍ / محبّاً غدا منها يَبلُّ أواما
حملتُ فؤاداً سائلاً من شعورهِ / سمِعتِ خفوقاً منهُ كان كلاما
وروحاً كأرواحِ العصافيرِ غردةً / طروباً أحبَّت في الرّياضِ مقاما
تذوبينَ لطفاً أو حياءً فأسدلي / حِجاباً وأرخي إن بَرَزتِ لِثاما
أخافُ عليكِ العينَ والصوتَ إن رَنت / وإن رنَّ والقلبُ استَطارَ وحاما
أسيِّدتي أنتِ المكرمةُ التي / بها كلُّ من يهوى المحاسنَ هاما
جلستِ على عَرشِ الفؤادِ مليكةً / فبتّ لنعمانِ الجمال عِصاما
جمالُكِ معبودٌ لعزّ كمالِه / وكنت لعبّادِ الجمالِ إماما
لكِ الخيرُ بالعهدِ الجميلِ الذي مَضى / فيا ليتَ ذاك العهد طالَ فداما
سَمَحتِ بوصلٍ كان منكِ تعلَّةً / فلم يَشف مني غلَّةً وسقاما
فأنتِ بما يُرضي الكرامَ كريمةٌ / على أن بُخلاً منكِ غاظَ لِئاما
سأشكُرُ ما أوليتني فاذكُري فَتَىً / على العهدِ والمعروفِ منكِ أقاما
سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما
سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما / فيا حبّذا الصوتُ الذي حَبَّبَ الفَما
لِصَوتكِ رنّاتٌ كأوتار مُطربِ / شَجانا فأبكانا عَشيَّةَ نَغّما
أرى ألماً للقلبِ في كلِّ لذةٍ / وما كانتِ اللذّاتُ إِلا تألُّما
تقولينَ خيرُ الحبِّ ما طالَ شوقُهُ / فلا تَكُ إِلا عاشقاً مُتَظلِّما
إذا لم يكن وعدٌ رضيتُ تحيَّةً / وإن لم تُحيِّيني رَضيتُ التبسُّما
وإن كنتِ في حكمِ الجمالِ مليكةً / فإني فتى ما زالَ بالحُسنِ مُغرما
فلا تَحرميني نعمةَ الدَّولةِ التي / أكونُ على أصحابها مُتقَدِّما
فتاكِ ضحوكٌ للمنيةِ والهوى / ألم تسمَعيهِ صائحاً مترنَّما
فما هو إِلا كالرَّبيعِ نضارةً / وما هو إلا كاللَّهيبِ تضرُّما
فديتُكِ أخلاقُ الشبابِ جميلةٌ / فلا تحرميها يا سعادُ تنعُّما
وما العمرُ إِلا غفلةٌ فتزوَّدي / من الحبِّ شيئاً أو فذوبي تندُّما
فسيلي غديراً وافتَحي القلبَ زَهرةً / ورقِّي نسيماً في الغصونِ مُهينما
وغنِّي هزاراً واسجعي لي حمامةً / وراعي معَ العشَّاقِ بدراً وأنجُما
لعمركِ هذا العيشُ ذوقي نعيمَهُ / فتَدرينَ ما مَعنى السعادةِ والسّما
ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ
ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ / لهَوتُ بها حتى اشتَفَى الذَّوقُ والشمُّ
لها الماء روحٌ وهي نارٌ يزينُها / دخانٌ وكم تحلو إذا اشتعلَ الفَحمُ
فمن ذاقها دارت بهِ الأرضُ دورةً / فأيقَنَ أنَّ العيشَ أكثرُهُ حلم
إذا قيلَ لي صِفها أقولُ لأنني / محبٌّ على شوقٍ يباحُ له اللثم
خريرٌ ولا نهرٌ ودمعٌ ولا جَوَى / وعطرٌ ولا زهرٌ وسكرٌ ولا إثم
هنيئاً لأهلِ الشَّرقِ كم سَكِروا بها / فباتوا وقبحُ العيشِ حَسَّنَهُ الوَهم
كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما
كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما / وأضلاعه في الذل قاطرةٌ دَما
إذا قال لي وغدٌ عليكَ تفَضُّلي / أذوبُ حياءً أو أموتُ تندُّما
وما جُرُحُ القلبِ الشريفِ كلقمةٍ / إذا نزلت في الحلقِ تُصبحُ عَلقما
وكيفَ يُداري الحرُّ من كلِّ ساعةٍ / يقولُ له إني نسيتُ التكرُّما
فدع عنكَ زاداً يأنفُ الضرسُ مضغهُ / فقد يحمِدُ العافي مُضيفاً ومنُعما
لقد فسد المعروفُ والمنُّ واقعٌ / على منَّةٍ كانت من الموتِ أعظَما
فكم ذُلَّ شهم القوم واحتاجَ ضيغمٌ / الى كلبِ سوقٍ كان يجمعُ أعظُما
أذاكَ لظلمٍ أم لعلمٍ وحكمة / جهلتُ وكلُّ القول كيف وربَّما
فلا قلَّ مالٌ في أكفٍّ سخيَّةٍ / رَأيتُ نداها نضرةً وتبسُّما
وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما
وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما / فأطرَبني طيرٌ عليهِ ترنَّما
فقلتُ له هَل أنتَ بالموتِ ساخرٌ / وقد جئتُ أجثو باكياً مترحِّما
تُغنِّي وأبكي أيها الطيرُ فاعتبر / بدارِ سكونٍ فوقها الحزنُ خيَّما
فجاوَبَني هذي تحيّةُ عابرٍ / تُحرِّكُ أغصاناً ولحداً وأعظُما
بُكاؤك هذا كان صدقاً ورحمةً / وكان غنائي للعزاءِ تبسُّما
رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ
رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ / إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ
أرى الدهرَ قد ساوى جهولاً وعالماً / وما نالَ أهلُ العِلمِ أيسَرَ مَغنم
وما كان سعدُ المرءِ من بَطنِ مصحفٍ / ولكنَّ كلَّ السعدِ من وَجهِ دِرهَم
إذا لم يكن بدٌّ من الموتِ لا تكن / سِوى مُقدمٍ بينَ الوَرَى مُتقَدِّم
ولا تخشَ عسراً في النضالِ وعَثرَةً / فما النَّصرُ إلا للفتى المُتَقَحِّم
تقَحَّم غِمارَ المجدِ فالموتُ واحدٌ / وإن تلقَ وجهاً عابساً فتَبَسَّم
تجلَّد على ضعفٍ لتكسبَ قوَّةً / فقد يُفلتُ العصفورُ من أسر قَشعَم
وأبقِ لكلِّ الناسِ ذِكراً مردداً / كنفخةِ صورٍ وَسطَ جيشٍ عرمرم
فمن لم يدع ذكراً يمُت كبهيمةٍ / فلا فضلَ للإنسانِ باللحمِ والدم
فعامٌ على عزٍّ أحبُّ إلىَّ مِن / ثمانينَ أقضيها ولستُ بمكرم
وما المرءُ إلا عابرٌ متنقِّلٌ / يمرُّ كطيفٍ في المنامِ مسلِّم
فدع أثراً للناسِ في كلِّ مَوقِفٍ / ففي أكلِ تفّاحٍ أتى ذِكرُ آدم