المجموع : 8
سَلِ البانَ عنهم أَينَ بانوا ويمَّموا
سَلِ البانَ عنهم أَينَ بانوا ويمَّموا / أَلِلجزعِ ساروا أَم برامَةَ خيّموا
وَهَل شُرعَت تلك القِبابُ بسَفحها / وأَمسى بها حاديهُم يترنَّمُ
وَهَل رنَّحت فيها الغَواني قدودها / وأَغصانُها من غيرَةٍ تتبرَّمُ
وَهَل هيمنَت ريحُ الصبا بشِعابها / سُحَيراً وَراحَت بالشَذا تَتَنسَّمُ
وَهَل وردت ماءَ العُذيب أَوانِسٌ / فإنّي أَرى أَرجاءَه تَتَبَسَّمُ
وَبي غادَةٌ منهنَّ ما أَسفرت ضحىً / لشمس الضُحى إلّا غدت تتلثَّمُ
تُغير سَنى الأَقمار غُرَّة وجهها / وَيحسدُ عِطفيها الوشيجُ المقوَّمُ
تقسَّمَ فيها الحسنُ لمّا تفردَّت / فكُلُّ فؤادٍ في هَواها مقسَّمُ
وَلَم أَنسَها وَالبينُ ينعقُ بيننا / وَنارُ الجوى بين الجوانح تُضرَمُ
وقد نثرت دُرَّ الدُموع بخدِّها / وفي جيدها دُرُّ العقود المنظَّمُ
أُسائلُها يوم التفرُّق عَن دَمي / فتومي بكفٍّ عِندَ مَن وهي عَندمُ
وَسارَت فَسالَت أَدمعٌ من محاجر / فَما أبعدَت إلّا وأَكثرُها دَمُ
وَراحَت حُداةُ العيس تشدو بذكرها / وَظَلَّت مَطاياها تَغورُ وتُتهمُ
وما كلَّمتني حين زُمَّت رحالُها / وَلَكِنَّ قَلبي راح وهو مُكلَّمُ
وَكَم من خليٍّ ثَمَّ لم يدرِ ما الهَوى / غدا وهو مُغرىً بالصَبابة مُغرَمُ
أَغارت عليه بالفتور لحاظُها / وأَقصَدَه منها نِبالٌ وأَسهمُ
تصرَّم صفو العيش بعد فِراقها / فَلَم يبق إلّا حسرةٌ وتندُّمُ
يَقولون سَل عنها الدِيارَ بذي الغضا / وَهَل ذو الغضا إِلّا فؤادي المتَيَّمُ
وَما خيّمت بالمُنحنى من مُحجّرٍ / وَلكن ضُلوعي المنحنى والمخيَّمُ
وإِن يمَّمت سَفحَ العَقيق بمقلتي / فَيا حبَّذا سفحُ العَقيق الميمّمُ
وَنفحةِ طيبٍ من لطائم نشرِها / تحمَّلها عنها النَسيمُ المهَينِمُ
فَجاءَ يجرُّ الذَيلَ من مَرَحٍ بها / وَوافى بها وَالرَكبُ يَقظى ونُوَّمُ
فَلَم يَدرِ ما أَهدَتهُ لي غير مهجَتي / ولا اِرتاح إِلّا قَلبي المتأَلِّمُ
لئن ضاعَ عهدي عندها بعد بُعدِها / فَما ضاعَ عِندي عهدُها المتقدِّمُ
وَلَم تَثنني عَنها مقالةُ لائِمٍ / وإِن أَكثرت فيها وشاةٌ وَلوَّمُ
وأَكتمُ وَجدي في هَواها تجلُّداً / وَلكنَّ دَمعي بالغَرام يُترجمُ
توهَّم سلواني العذولُ جهالةً / بما جنَّ قَلبي ساءَ ما يتوهَّمُ
فَيا جيرةً كانوا وكنّا بقربهم / نُذِلُّ تَصاريفَ الزَمان ونُرغمُ
تحلّى بهم عيشي لَيالي وصالِهم / فمرَّت فأَضحى وهو صابٌ وعَلقمُ
نشدتكُمُ هَل عهدُنا بطوَيلع / على العَهد مأهولٌ كما كنت أَعلمُ
وَهَل دارُنا بالشِعب جامعةٌ لنا / وَهَل عائدٌ بالوَصل عيدٌ وموسمُ
نأَيتم فأذوى ناضرَ العَيش نأيُكم / وَعادَ رَبيعُ الوصل وهو محرَّمُ
وَلَو شئتُمُ ما فرَّق البينُ بيننا / ولا عنَّ طَيرٌ للتفرُّقِ أَشأمُ
وَلكنّكم أَبعدتُمُ شُقَّة النَوى / فأَصبحتُ من جور النَوى أَتظلَّمُ
صِلوا أَو فصدّوا كيف شئتم فأَنتم / أَحبِّةُ قَلبي جرتم أَم عدَلتمُ
وإِن جلَّ خَطبي في هواكم فمخلصي / إِذا عَظُم الخطبُ الجنابُ المعظَّمُ
محمَّد المبعوث من آل هاشمٍ / وَخاتم رُسل اللَه وهو المقدَّمُ
نبيُّ الهدى بحرُ النَدى أَشرفُ الورى / وأَكرمُ خلق اللَه جاهاً وأَعظمُ
بمبعثه إِنجيلُ عيسى مبشِّرٌ / وَتَوراةُ موسى والزبورُ مُترجمُ
به أَشرقت شَمسُ الهِداية بعدما / أَضَلَّ الورى لَيلٌ من الغيِّ مُظلمُ
له معجزاتٌ لا يُوارى ضياؤُها / وَكَيفَ يوارى الصبحُ أَم كيفَ يُكتَمُ
بمَولده غارَت بحيرةُ ساوةٍ / وإيوانُ كسرى راح وهو مهدَّمُ
وأَخمدَ نيرانَ المجوس قدومُه / وَكانَت على عُبّادِها تتضرَّمُ
وأَمسَت نجومُ الأفق تَدنو وشهبُها / رجومٌ لسُرّاق الشياطين تَرجمُ
درَّت على ظِئريه من بركاته / بمقدمِه أَنواعُ بِرٍّ وأَنعُمُ
ورُدَّت عليه الشَمسُ بعد غروبها / وَشُقَّ له بَدرُ السَماء المتمَّمُ
وَفاضَت مياهٌ من أَنامِل كفِّه / فَأَروَت بها علاً ظِماءٌ وَحوَّمُ
وَمن شاطئ الوادي أَجابتهُ دوحةٌ / وَجاءَت إليه من قَريبٍ تُسلِّمُ
وحنَّ إليه الجذعُ بعد فِراقه / فَراح لما قد نالَه يتحطَّمُ
وفي كفِّه من خشيةٍ سبَّح الحصى / ومن جودها أَثرى فَقيرٌ ومُعدِمُ
ترقّى إلى السَبع السَماوات صاعِداً / وَبارئه يُدنيهِ برّاً ويُكرمُ
فأَمَّ جميعَ الأَنبياءِ مقدَّماً / وَحُقَّ له حَقّاً هناك التَقَدُّمُ
وَصَلّى عليه اللَه في ملكوته / وَقالَ لنا صَلّوا عليه وَسَلِّموا
نبيٌّ هو النورُ المضيءُ لناظر / وَلَم أَرَ نوراً قبله يتجسَّمُ
نَبيٌّ أَبانَ الدينَ بعدَ خفائِه / وأَوضحَ منه ما يحلُّ وَيحرُمُ
وَجلّى ظَلامَ الشِركِ منه بغرَّةٍ / هي الصبحُ لكن أفقُها ليس يظلِمُ
هُوَ البَحرُ والبَرُّ الرؤوفُ وإِنَّه / أَبرُّ بنا من كُلِّ بَرٍّ وأَرحَمُ
يَجودُ وقد لاحَت تباشيرُ بِشرِه / وَيبذلُ وهو الضاحكُ المتبسِّمُ
مكارمُه أَربَت على الحصرِ كَثرةً / وكُلُّ بَليغٍ عَن مَعاليه مُفخَمُ
وَماذا يَقولُ المادحونَ وقد أَتى / بِمدحتِه نصٌّ من الذِكر مُحكَمُ
إذا ما بدا في آله الغُرِّ خلتَه / هُنالكَ بدرَ التمِّ حفَّته أَنجُمُ
عليٌّ أَميرُ المؤمنين وصيُّه / إليه اِنتَهى كُلُّ النُهى والتكرُّمُ
به ضاءَ نورُ الحقِّ واتَّضحَت لنا / مَعالِمُ دين اللَه والأَمرُ مُبهَمُ
وَما أَنكرت أَعداؤُه عَن جهالة / مناقبَه العُظمى ولكنَّهم عَموا
هُوَ البطلُ الشهمُ الأَغرُّ السُمَيدع ال / همامُ السريُّ الأَكرَمُ المتكرِّمُ
يفلُّ شَبا الأَعداءِ وهو مُذرَّبٌ / وَيَثني عنانَ الجيش وهو عَرَمرَمُ
لئن جَحدت قَومٌ عظيمَ مقامِه / وَقالوا بِما قالوا ضَلالاً وأَبهموا
فقد شهدَ الذكرُ المبينُ بفضله / وَطيبةُ وَالبيتُ العَتيقُ وَزَمزَمُ
وأَبناؤُهُ من بعده أَنجم الهُدى / هم العروةُ الوثقى الَّتي لَيسَ تُفصَمُ
مودَّتُهم أَجرُ النبوَّة في الورى / وَحبُّهم فرضٌ علينا محتَّمُ
هم القَومُ كُلُّ القومِ في الفضل والنَدى / وَما منهم إلّا مُنيلٌ ومُنعِمُ
ولا عيبَ فيهم غَير أَنَّ نزيلَهم / يُخيَّرُ فيما عندَهم وَيُحكَّمُ
عليهم صَلاةُ اللَه ما هبَّت الصَبا / وَنشرُهم من طيِّها يتنسَّمُ
فَيا خَيرَ خَلقِ اللَه جئتُك قاصِداً / وَقصدُك في الدارين مَغنىً ومغنَمُ
فكن لي شَفيعاً من ذنوبيَ في غَدٍ / إذا أَحرزت أَهلَ الذُنوب جهنَّمُ
وأَنعِم فدتكَ النَفسُ لي بزيارةٍ / فأَنتَ الَّذي يولي الجزيلَ وَيُنعِمُ
فَقَد طالَ بُعدي عن جَنابك سيِّدي / وَقَلبيَ بالأَشواق نحوكَ مُفعَمُ
وَفي النَفس آمالٌ أريد نجاحَها / وأَنتَ بما في النَفس أَدرى وأَعلَمُ
عليكَ صَلاةُ الله ثمَّ سَلامُه / مَدى الدَهر لا يَفنى ولا يتصَرَّمُ
وآلِكَ وَالصحب الكرام أولي النُهى / بهم يُبدأ الذكرُ الجَميل وَيُختَمُ
لَقَد آن أَن تثني أَبيَّ زمامها
لَقَد آن أَن تثني أَبيَّ زمامها / وَتُسعفَ مشتاقاً بردِّ سلامِها
سَلامٌ عليها كيف شَطَّت ركابُها / وأَنّى دَنت في سَيرها وَمقامها
حملتُ تَمادي صدِّها حين كان لي / قوى جلَدٍ لم أَخش بثَّ اِلتئامِها
وَكُنتُ أَرى أَنَّ الصُدودَ مودَّةٌ / ستُدلي بقُربى الودِّ بعد اِنصرامها
فأَمّا وقد أَورى الهوى بجوانحي / جَوى غُلَّةٍ لم يأن بلُّ أوامِها
فَلَستُ لَعمري بالجَليد على النَوى / وهَل بعدَها للنفسِ غيرُ حِمامها
إِذا قُلتُ هَذا آنُ تنعمُ بالرِضا / يَقول العِدى هَذا أَوانُ اِنتقامِها
أطارحَها الواشونَ أَنّي سلوتُها / وها أَنا قد حكَّمتُها في اِحتكامِها
أَبى القَلبُ إِلّا أَوبةً لعهودِها / وَحفظاً لها في أَلِّها وذِمامِها
يُسفِّهني فيها وشاةٌ ولوَّمٌ / ومن سَفهٍ إِفراطها في ملامِها
وَهَل طائِلٌ في أَن يَلوم على الهَوى / طَليقٌ وقَلبي مُوثقٌ بغرامِها
وَأَتعبُ من رام العذولُ سلوَّه / محبٌّ يَرى نيلَ المنى في اِلتِزامِها
وأَنّي بعد الوصل أَرجو لقاءَها / لِماماً ولكن كَيفَ لي بلمامِها
أُحِبُّ لريّا نَشرها كلَّ نفحةٍ / تَمرُّ بنَجدٍ أَو خُزامى خزامِها
سَقى أَرضَ نَجدٍ كُلُّ وطفاءَ ديمةٍ / وَما أَرضُها لَولا محطُّ خيامِها
أَجل وَسَقى تلكَ الربوع لأَجلها / وأَغدقَ مرعى رَندِها وَبَشامها
هوىً أَنشأتهُ المالكيَّةُ لَم يزل / وَثيقاً على حلِّ العُرى واِنفصامها
فهَل علمت أَنَّ الهوى ذلك الهَوى / وأَنَّ فؤادي فيه طوع زمامِها
وَلَم يُبقِ منّي الوَجدُ غيرَ حُشاشةٍ / تراد على توزيعها واِقتسامها
كَفاكِ فَحَسبي من زَماني خطوبُه / فإِنَّ فؤادي عُرضةٌ لسهامها
أُساورُ منها كلَّ يوم وليلة / صروفاً قعودُ الجدِّ دون قيامها
إِلى اللَه أَشكوها حوادثَ لم تزل / تروِّعُ حتّى مقلتي في منامها
وَلَولا رَجائي في أَجلِّ مؤمَّل / رجوتُ لِنَفسي منه بُرءَ سقامها
إِذاً لَقَضى خَطبُ الزَمان وصرفُه / عليها وأَمست في إِسارِ لِزامِها
هو الأَبلجُ الوضّاحُ أَشرقَ نورُه / فجلّى عن الدنيا قتامَ ظلامِها
أَجلُّ ذوي العَليا وواحدُ فخرها / وأَكرمُ أَهليها ومولى كرامِها
حَمى حوزةَ المجد المؤثَّل والعُلى / فأَصبحَ من عليائها في سَنامِها
وَقام بأَعباءِ الشريعة ناهضاً / فأَيَّدها في حلِّها وَحَرامِها
به أَينعت روضُ النَدى وتهدَّلت / فروعُ العُلى واِنهلَّ صوبُ غمامها
فَتىً لا يَرى الأَموالَ إلّا لبذلها / إِذا ما رآها غيرُه لاِغتنامِها
له منَنٌ يَربو على الحصر عدُّها / غدا كُلُّ راج سارحاً في سَوامها
نمتهُ سَراةٌ من ذؤابة هاشمٍ / رقت شامخاتِ المجد قبل فِطامِها
وَلاحَت نجوماً في سماءِ فخارِها / فأَشرقَ فيها وهو بدرُ تمامها
أَمولى المَوالي شيخِها وغلامِها / وَربّ المَعالي فذِّها وتؤامِها
رقيت من العَلياءِ أَرفعَ ذروةٍ / مقامَ ذُكاء والبَدرُ دون مقامها
فأَصبح لا يَرجو لحاقك لاحقٌ / بعلياك إلّا شانَها باِهتضامِها
فدتكَ أناسٌ أَنتَ أَوَّلُ عزِّها / ودولةُ قومٍ كنت بَدءَ قوامِها
يُناويكَ فيها جاهِلٌ كُلُّ همِّه / دِراككَ في سُبل العُلى واِقتحامها
وَهَيهات كم جاراكَ جَهلاً عصابةٌ / فخلَّفتَها آنافها في رغامها
وَكَم غابِطٍ نُعماك لجَّ بجهله / ضلالاً وقد أَوردته من جِمامها
فأَغضيتَ عنه صافحاً متفضِّلاً / وَعادَت عليه هاطلاتُ اِنسجامِها
وإنّي على ما قد جنيتُ لواثقٌ / بِسَهل السَجايا منك لا بعُرامها
فَهَل تُسعفني من رضاكَ بنظرةٍ / تَنال بها الآمالُ أَقصى مرامِها
يَكاد يحلُّ اليأسُ نَفسي لما بها / إذا نظرت فيما جنَت باجترامِها
وَتطمعُني أَخلاقُك الغرُّ أَنَّها / رياضٌ زهت أَنوارُها في كِمامِها
فَكَيفَ وقد منَّيتَني منك مُنيةً / بوعد أَرى كلَّ المنى في اِستلامِها
وإنَّك مِمَّن يَسبقُ القَولَ فعلُه / وكم من رجال فعلُها في كَلامِها
وَقُربي إليك الدهرَ أَقصى مطالبي / وَإِن كثرت من روقها ووسامِها
فَخذها نظامَ الدين وابنَ نِظامه / محبَّرةً تزهو بحسن نِظامِها
ضننتُ بها عن كُلِّ سمعٍ وإنَّما / مديحُك كانَ اليومَ فضُّ خِتامها
سَرت نفحةٌ من حيِّهم بسلام
سَرت نفحةٌ من حيِّهم بسلام / فأَحيَت بما حيَّت صَريعَ غَرامِ
لئن نَقعَت من لاعج الوجد غُلَّةً / فمن بعد ما أَورَت لهيبَ أوامِ
أَحيَّت براحٍ أَم بريّا تحيَّةً / سكرتُ بها سُكري بكاس مُدامِ
سرت قبل مَسراها الصبا بشميمها / فأَزرت بعَرفي عَبهرٍ وَخُزامِ
ووافى شَذاها بالشِفاءِ لمدنفٍ / من الشوق مَغلولِ الجَوانح ظامي
وَلَمّا دَنت منّي حللتُ لها الحُبى / وَبادرتُ إِعظاماً لها بقيامِ
وَمطَّت قناعَ الطِرس عَن ضوء حسنها / فنارَ بها رَبعي وضاءَ مقامي
فشنَّفتُ سَمعي من فَرائد لفظها / بجوهر أَسلاكٍ ودُرِّ نظامِ
وَقلَّدتُ جيدي من تقاصير نظمها / عقودَ لآل فذَّةٍ وتؤامِ
وَلَم أَدرِ ما أَهداه لي حسنُ سجعها / أَرنَّةَ شادٍ أَم هديلَ حَمامِ
كأَنَّ معانيها بحالِكِ نِقسها / بدورُ تَمام في بهيم ظَلامِ
كأَنَّ مبانيها مباسمُ غادةٍ / نضَت عن لآليها فضولَ لثامِ
كأَنَّ قوافيها أَزاهرُ رَوضةٍ / تبسَّمن صُبحاً عَن ثغورِ كِمامِ
وَما بالُها لا تجمع الحسنَ كلَّه / وقد بلغت في الحُسن كلَّ مَرامِ
ولا غروَ أَن أَربت على القول أَنَّها / كَلامُ ملوكٍ أَو مُلوكُ كلامِ
فَيا سيِّداً مذ غالني الدَهرُ قربَه / وَقفتُ عليه لوعتي وهُيامي
تحدَّر دَمعي مذ تذكَّر عهدَه / تحدُّر قَطرٍ من مُتونِ غَمامِ
وأَصبحتِ الأَحشاءُ من فرط شَوقه / تشبُّ لظى نيرانها بضِرامِ
بعثتَ بأَبيات من الشعر أَصبحَت / تَمائم جيدي بل شفاءَ سقامي
أَبَنتَ بها عن لهجةٍ هامشيَّةٍ / ملكتَ بها للقولِ كلَّ زِمامِ
توارثتها عن عصبة مضريَّةٍ / مدارهَ فصحٍ منجبين كرامِ
وضمَّنتها من خالص الودِّ نفثةً / شحذتَ بها عضبي ورِشت سِهامي
وإِن كُنتُ أَضمرت السكوتَ تحيَّة / فحسبي سكوتٌ ناطقٌ بذمامي
فَلا برحت تغشاكَ منّي رسائلٌ / بنشر ثناءٍ أَو بطيب سَلامِ
أحيّي به ذاك المُحيّا وإِنَّما / أحيّي به وَاللَه بدرَ تَمامِ
بَكيتُ لبرقٍ لاحَ بالثغر باسمُه
بَكيتُ لبرقٍ لاحَ بالثغر باسمُه / فَكانَت جفوني لا السحاب غمائمُه
أَما وَالهَوى لَولا تَساجُمُ عبرتي / لَما لامَ قَلبي في الصَبابة لائمُه
كتمتُ خَفايا الحبِّ بين جوانحي / فنمَّت دموعي بالَّذي أَنا كاتِمُه
وَمن يُمسك الأجفانَ وهي سحائبٌ / إذا لمعت لمعَ البروق مباسمُه
خَليليَّ قد أَبرمتماني مَلامةً / وأَلَّمتما قَلبي بما لا يلائمُه
كأَنّي بدعٌ في مُلابَسة الهَوى / وَلَم يَكُ قَبلي مغرمُ القلب هائمُه
تَرومانِ مِن قَلبي السلوَّ جهالةً / بما أَنا من سرِّ المحبَّة عالمُه
وَكَيفَ سلوّي مَن أَلِفتُ وإنَّنا / لإِلفان مُذ نيطَت بكلٍّ تمائمُه
سَقى اللَهُ أَيّامي بمكَّة والصِبا / تفتَّحُ عن نورِ الشباب كمائمُه
وَحَيّا الحَيا ربعَ الهوى بسوَيقة / وجاد بأَجيادٍ من الدَمع ساجمُه
لَياليَ أَغفو في ظِلال بَشاشةٍ / ولم ينتبه من حادثِ الدَهر نائمُه
هنالكَ لا ظبيُ الصَريم مصارمٌ / ولا جَذَّ حبلَ الوصل من هو صارمُه
أَجرُّ ذيولي في بُلَهنية الصِبا / وَرَوضُ شبابي ناضر الغُصنِ ناعمُه
يواصلُني بدرٌ إذا تمَّ ضوؤه / يواريه من ليل الذَوائب فاحمُه
وَكَم لَيلَةٍ وافى على حينِ غفلةٍ / فبتُّ بها حتّى الصَباحِ أنادمُه
وأَفرشتُه منّي الترائبَ والحشا / وَباتَ وسادي زندُه ومعاصمُه
وَنحّى لِلَثمي عَن لَماه لثامَه / وَلَم أَدرِ غيري بات وَالبَدرُ لاثمُه
فَبِتنا كَما شاءَ الغرامُ يلفُّنا / هوىً وتقىً لا تُستحلُّ محارمُه
إِلى حين هبَّت نسمةُ الفجر واِنبرَت / تجرُّ ذيولاً في الرياض نسائمُه
وَسلَّ على اللَيل الصباحُ حسامَه / فَقامَت حَماماتُ الغُصون تخاصمُه
فَقمنا ولَم يعلَق بنا ظنُّ كاشحٍ / ولا نطقَت عنّا لواشٍ نمائمُه
نعم قد صَفا ذاكَ الوِصالُ وقد عَفا / وَلَم تعفُ آثارُ الهوى وَمعالمُه
إليكَ نصيرَ الدين بُحتُ بلوعةٍ / براني بها بَرد الهَوى وَسَمائمُه
وَلَولا اِعتقادي صدقَ ودِّك لم أبح / بما لستُ أَرضى أَنَّ غيرَك واهمُه
لعمري لأَنتَ الصادقُ الودِّ وَالَّذي / تصدِّقني فيما اِدَّعَيتُ مكارمُه
وأَنَّك فردٌ في زَمانٍ غدت به / عن الخير عُجماً عربُه وأَعاجِمُه
إِلى اللَه أَشكو منهُمُ عهدَ معشر / تَحايدُ عن حِفظ الذِمام ذمائمُه
إِذا سَرَّ منهم ظاهرٌ ساءَ باطنٌ / تدبُّ إلى نهشِ الصَديق أراقمُه
عجمتُهمُ عجَمَ المثقّف عودَه / فَما ظَفِرت كفّي بصلبٍ معاجمُه
فأَعرضتُ عنهم طاوياً كشحَ غائرٍ / على الودِّ منّي أَن تَذلَّ كرائمُه
فَحَسبي نَصيرُ الدين في الدَهر ناصراً / على الدَهر إِن أَنحَت عليَّ مظالمُه
لَقَد ظفِرَت كفّايَ منه بماجدٍ / فواتحه محمودة وخواتمُه
فَتىً ثاقبُ الآراء طلّاعُ أَنجُدٍ / حميدُ المساعي مبرماتٌ عزائمُه
له خُلقٌ كالرَوضِ يعبقُ نشرُه / وَتفترُّ عن غرِّ السَجايا بواسِمُه
هُوَ الخضِرُ الأَكنافِ والخِضرم الَّذي / يَرى وَشَلاً كلَّ الخضارِم عائمُه
وَزيرٌ له دَست الوزارة قائمٌ / وَعرشُ المَعالي أَيِّداتٌ قوائمُه
إذا صاوَلَ الأَبطالَ شاهدتَ صائِلاً / تَزيدُ عَلى المرّيخ سطواً صوارمُه
وإِن نافَثَ الكتّاب أَلفَيتَ كاتِباً / عُطاردُ في فنِّ الكتابة خادِمُه
إذا ما اِمتطَت متنَ اليَراع بنانُه / حوى قصباتِ السَبق ما هو راقمُه
فَيهزأُ بالمنثور ما هو ناثرٌ / وَيُزري بنظم الدُرِّ ما هو ناظِمُه
به أَنجبَت أَبناءُ فارسَ فارساً / تقدَّت به خَيلُ العُلى ورواسمُه
أَقرَّ له بالسَبق سُبّاقُ غايةٍ / وأَعظَمه من كُلِّ حيٍّ أعاظِمُه
بَنى لَهُمُ بَيتاً من المجد باذخاً / له شَرَفٌ باقٍ رَفيعٌ دعائمُه
إلى مكرماتٍ كالشموسِ منيرةٍ / تَجَلّى بها من كُلِّ لَيلٍ أداهمُه
فَلِلَّه هاتيكَ المكارم إِنَّها / علائمُ مكنون العُلى وعيالمُه
وَلِلَّه هاتيك الشمائِل إِنَّها / نوافجُ طيبٍ نشَّرتها لطائمُه
أَتَتني نَصيرَ الدين منكَ قصيدةٌ / تباري فُرادى الدَهر منها توائمُه
تأَرَّج رَبعي من ذكا طيبِ نَشرِها / وَفاحَت علينا من شذاها نواسمُه
كأَنَّ سحيقَ المِسكِ كانَ مدادَها / ومن عَذَب الريحان كانَت مراقمُه
نشرتَ بها بُرد الشباب على اِمرئٍ / وحقِّك لا تثنيه عنك لوائمُه
يُصافيكَ ودّاً لو مزجتَ بعذبه / أجاجاً حَلَت للشاربين علاقمُه
وَيوليكَ عَهداً لا اِنفصامَ لعَقدهِ / وَلَو بلغ المجهودَ في السَعي فاصمُه
فكن واثقاً منّي بأَوثق ذمَّةٍ / يلازمُني فيها الوفا وأُلازمُه
فَلَستُ كمن يَحلو لدى الودِّ قولُه / وَتُشجى بمرِّ الفعل منّي حلاقمُه
فإن شئتَ فاِخبُرني على كُلِّ حالة / تجد سيفَ صدقٍ لا يخونُك قائمُه
أَبى أَن يُلمَّ الغَدرُ منّي بساحةٍ / عَلى نسبٍ طالَت فروعاً جَراثمُه
عزاه إلى العَليا لؤيُّ بن غالبٍ / وَعَبدُ مَناف ذو العَلاء وهاشِمُه
وَشيبةُ ذو الحمد الَّذي وطئت به / عشائرُهُ فوق السُها وأقاومُه
وَذو المجد عبدُ اللَه أَكرمُ والدٍ / لأكرم مَولودٍ نمته أَكارِمُه
وَأَحمَدُ خَيرُ المرسَلين وصِنوهُ / عَليٌّ أَبو ريحانَتيه وَفاطِمُه
وأَبناؤُه الغرُّ الجحاجحةُ الألى / بهم أَكملَ الدينَ الإلهيَّ خاتمُه
هم سادةُ الدُنيا وَساسةُ أَهلها / فمن ذا يناوي فخرهم وَيُقاومُه
عليهم سَلامُ اللَه ما هلَّ عارضٌ / وَما شامَ برقٌ بالأُبيرق شائمُه
وأَبرَزتها بطحاءَ مكَّة بعدما
وأَبرَزتها بطحاءَ مكَّة بعدما / أَصات المنادي بالصَّلاةِ فأعتما
فضوَّأ أَكنافَ الحَجون ضياؤُها / وأَشرقَ بين المأزمين وزَمزما
وَلَمّا سرت للركب نفحةُ طيبها / تغنّى لها حاديهُمُ وترنَّما
وشام محيّاها الحَجيجُ على السُرى / فيمَّم مغناها ولبّى وأَحرما
فَتاةٌ هي الشَمسُ المنيرةُ في الضحى / وَلكنَّها تَبدو إذا اللَيلُ أَظلما
تعلَّم منها الغصنُ عَطفة قدِّها / وَما كانَ أَحرى الغصنَ أَن يتعلَّما
وأَسفرَ عنها الصبحُ لمّا تلثَّمت / وَلَو أَسفرت للصُبح يَوماً تلثَّما
إِذا ما رَنَت لحظاً وَماسَت تأوُّداً / فَما ظبيةُ الجَرعا وما بانةُ الحِمى
تَراءَت على بُعدٍ فكبَّر ذو التُقى / ولاحَت عَلى قُربٍ فصلّى وسلَّما
وَكَم حلَّلت بالصدِّ قتلَ أَخي الهوى / وَكان يَرى قتل الصُدود محرَّما
وَظنَّت فؤادي خالياً فرمت به / هوىً عادَ دائي منه أَدهى وأَعظما
وَلَو أَنَّها أَبقت عليَّ أَطقتُه / ولكنَّها لم تُبقِ لَحماً ولا دَما
عتبتُ على دَهري بأَفعاله الَّتي
عتبتُ على دَهري بأَفعاله الَّتي / براني بها بريَ السِهام من الهَمِّ
ليصرِفَ عنّي فادِحاتِ نوائبٍ / أَضاقَ بِها ذَرعي وأَضنى بها جِسمي
فَقالَ أَلَم تَعلَم بأَنَّ حَوادثي / وأَخطارَها اللاتي تلمُّ بذي الفَهمِ
يضيقُ بها ذو الجهل ذَرعاً وإنَّما / إذا أَشكلت رُدَّت لِمن كان ذا علمِ
وعودٍ به عودُ المسرَّة مورقٌ
وعودٍ به عودُ المسرَّة مورقٌ / يغنّي كَما غنَّت عليه الحَمائمُ
إذا حرَّكت أَوتارَه كفُّ غادةٍ / فسيّان من شوق خليٌّ وَهائمُ
يرنِّحُ من يُصغي إليه صَبابةً / كَما رنَّحته في الرِياض النَسائمُ
وَثَمَّ أُمورٌ لَيسَ يمكنُ كَشفها
وَثَمَّ أُمورٌ لَيسَ يمكنُ كَشفها / شكايتُها عزَّت فواجبُها الكَتمُ