القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 17
أتذكر أطلالاً تعفَّتْ وأرسُما
أتذكر أطلالاً تعفَّتْ وأرسُما / بذاتِ الفضا في الجزعِ مِنْ أَيمن الحمى
منازل أحباب بها نزلَ الهوى / فلم يُبقِ إلاَّ مدنف القلب مغرما
عرفنا الهوى من أين يأتي لأهله / بها والغرام العامريّ من الدمى
لئنْ أصبحت تلك المنازل باللوى / قصارى أمانيَّ الهوى فلطالما
وقفتُ عليها والهوى يستفزُّني / فأرسلتُ فيها الدمع فذًّا وتوأما
كأَنِّي على الجرعاء أوقفت عبرة / جرت بربوعِ المالكيَّة عَنْدَما
وما أسأر البين المشتُّ بقيَّةً / من الدمعِ إلاَّ كانَ ممتزجاً دما
فأصبحتُ أستسقي السحاب لأجلها / وما بلّ وبل السحب من مثلها ظما
خليليَّ إنَّ الحبَّ ما تعرفانه / خليليَّ لو شاهدتما لعلمتما
قفا بي على رسم لميَّة دارس / لكي تعلما من لوعَتي ما جهلتما
وإنْ لم تساعدني الجفونُ على البكا / بآثار ميٍّ فاسعداني أنتما
بعيشكما إنْ تبصراني برامة / فلنْ تبصرا إلاَّ فؤاداً متيَّما
وممَّا شجاني في الدجنة بارق / بكيت له من لوعتي فتبسَّما
سرى موهناً والليل كالفرع فاحم / فقلتُ أهذا ثغر سعدى توهما
وأورى حشا الظلماء كالوجد في الحشا / وكالقلب يا ظمياء لمَّا تضرَّما
وشوَّقني ثغراً ظمئتُ لوردِه / وهل أَشتكي إلاَّ إلى ورده الظما
شربتُ الحميَّا واللمى منه مرَّةً / فلم أدرِ ما فرق الحميَّا من اللمى
وعيشاً سلبناه بأسنمة النقا / وما كانَ ذاكَ العيش إلاَّ منمنما
رعى اللهُ أحباباً رعينا عهودهم / وعهداً وصلناه ولكن تصرَّما
وغانية من آل يعرب حكَّمَت / هواها بقلبي ضلَّةً فتحكما
أَحَلَّتْ مهاة الأبرق الفرد في الهوى / دماً كانَ من قبل الغرام مُحرَّما
وفي ذلك الوادي سوالب أنفسٍ / رمينَ بأحداق السوانح أسهما
وكم من فؤادٍ قد جرحن ولم نجد / لما جرحت سود النواظر مرهما
أرى البيض لا يرعين عهداً لعاشقٍ / وإن أوثق الصبُّ العهود وأبرما
وفي الناسِ مَن إنْ تبتليه وَجَدته / وقد كانَ شهداً في المذاقة علقما
وإنِّي نظرتُ الناس نظرة عارفٍ / وأبصرتهم خَلقاً وخُلقاً وميسما
فما أبصرتْ عيني كمحمود ماجداً / ولا كشهاب الدين بالعلم معلما
من السَّادة الغرّ الميامين ينتمي / إلى خيرِ خلق الله فرعاً ومنتمى
ولمَّا تعالى بالفضائل رفعة / تخيلته يبغي العروج إلى السما
هو الصارم الماضي على كلِّ ملحد / من الله لم يفلل ولن يتثلَّما
سل الفضلَ منه واسأل البرَّ تغتدي / بأفضل ما حدثت عن من تقدَّما
لقد ضاق صدر الهوى عن كتم فضله / فأظهره إذ كانَ سرًّا مكتما
بدت معجزات الحقّ حين ظهوره / فأعجز فيها المبطلين وأفحما
إذا المطْعن المقدام شامَ يَراعَه / لما ظنَّه إلاَّ وشيجاً مقوَّما
وينشق من ظلماء ليلِ مداده / صباح هدًى لا يترك الليل مظلما
له الكتب ما أبقت من الغيّ باقياً / ولا تركت أمراً من الدين مبهما
وما هو إلاَّ رحمة الله للورى / به ينقذ الله الأنام من العمى
فلو حققت عين الحقيقة ذاته / لقلنا هو النور الذي قد تجسما
كريمٌ فما أعطى ليُمدح بالندى / ولكنه يعطي الجزيلَ تكرّما
مواطر أيديه المواطر دونها / تهاطل إحساناً وتمطرُ أنعما
وهيهات يحكيك السحاب وإن همى / نوالاً وفيض البحر علماً وإن ظمى
نراك بعين النقد أفضل من نرى / ولم نرَ أندى منك كفًّا وأَكرما
وأقسمت لو أثريتَ أَو نلت ثروةً / لما تركت جدواك في الأرض معدما
علومك ما حِيزتْ لشخصٍ جميعها / فهل كانَ ذاكَ العلم منك تعلما
حويت علوم الدِّين علماً بأسرها / وأصبحت للعلم اللَّدُنيّ ملهما
تُشيِّد دين الله بالعلم والتقى / ولو لم يشيِّده علاك تهدّما
حميت حدود الله عن متجاوزٍ / فلم نخشَ من خرقٍ وأنتَ لها حمَى
وإنَّ الذي أعطاكَ ما أنتَ أهله / أنالَكَ شأناً لا يزال معظَّما
فنلْ أجرَ هذا الصَّوم واهنأ بعيده / ورمْ مجدعاً أنفَ الحسود ومرغما
وإنِّي منى أدعُ لمجدك بالبقا / دعوتُ لنفسي أن أعزَّ وأكرما
فلا زلت فخر المسلمين وعزّها / ألا فليفاخر فيك من كانَ مسلما
إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ
إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ / وقامت به بالمكرمات دعائمُ
فثمَّ المعالي والرياسة والعلى / نوالٌ وإقدامٌ ورمحٌ وصارم
وليس يسود المرءُ إلاَّ بنفسه / وإن نجبت فيه أُصولٌ أكارم
ولا حرَّ إلاَّ والزَّمان كما أرى / يحاربه طوراً وطوراً يسالم
شديدٌ على الأيام يقسو إذا قستْ / وإنْ عَبست أيَّامهُ فهو باسم
أخو الحزم يقظان البصيرة لم تنم / له أعينٌ والجاهل الغمر نائم
ذرّ اللَّوم إنِّي بالمعالي متيَّمٌ / وإن لامني فيها على الحبِّ لائم
تركت الهوى بعد المشيب لأهله / وراجعني حلم لسَلمى يصارم
وما أنْسَ لا أنسى زماناً قضيته / وعود الصبا ريَّان والعيش ناعم
أشيمُ به برق الثنايا وأصطلي / سنا نار كأس والحبيب ملائم
طروقاً إلى من كنتُ أهوى بليلةٍ / كأَنَّ دجاها عارض متراكم
بحيث المواضي والأَسنَّة شرَّعٌ / وموج المنايا حوله متلاطم
إذا زأرَ الليث الهزبر بحيّة / يجاوبه ريم من السرب باغم
واسمرَّ نفَّاث المنون سنانه / كما نفث السمَّ الزعاف الأَراقم
يسامرني إذ لا سمير اعتقلته / وجنح الدُّجى في مهلك البيد فاحم
وعانقني ما نمت عضب مهنَّد / من البيض لا البيض الحسان النواعم
ولي من رياض القول كلّ حديقة / زها ناظم فيها وأعْجَب ناظم
سقتها يد من ناصر فتفتَّحت / بنوَّار أزهار الكلام كمائم
تترجم عن إحسانه وجميله / فيا حسنَ ما أبدته تلك التراجم
بمتّخذ زرق الأَسنَّة سلَّماً / على المجد والسّحر العوالي سلالم
من العالم العلويّ نفساً وهمَّة / رفيع المباني والأنام دعائم
رزقت من النعماء أرفع سؤدد / من العزّ ما تنحطّ عنها النعائم
فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حسَّداً / لأنف الأَعادي حدّ سيفك راغم
أبا فالح سُدْتَ الأُمور بحكمةٍ / وأنت خبيرٌ بالسِّياسة عالم
ورأي يريك الأمر قبل وقوعه / فما ريع ذو لبّ من الأَمر حازم
أمستعصمَ الملهوف ممَّا ينوبه / لك الله من شرّ النوائب عاصم
وترعاك من عين الإِله عناية / تصاحب من صاحبته وتسالم
فمن ناله منك الرضا هو رابحٌ / ومن فاته منك الرضا فهو نادم
رفعت منار المجد فيها وحلَّقت / خوافٍ إلى جوِّ العُلى وقوادم
إليك انتهى الفعل الجميل بأسره / وما تنتهي إلاَّ إليك المكارم
مكارم ترتاح النفوس لذكرها / وفيها الغنى يرجى ومنها الغنائم
غياث غوث كلَّما انهلَّ ساجم / تتابع في آثارها منك ساجم
يميزك الإِقدام والبأس والندى / وما تستوي أُسْدُ الشرى والبهائم
وما قَعَدت عمَّا أمرتَ قبيلةٌ / وأنت عليها بالمهنَّد قائم
وإنَّك لو دمَّرت قوماً بذنبهم / فإنَّك مأمورٌ وما أنتَ آثم
لقد أعرَبتْ عنك الصوارم والقنا / وقد أفصحت شكراً وهنَّ أعاجم
وقد ترجمت عن طول باعك في الوغى / وشاعت وذاعت عنك تلك التراجم
فيا لك من يشقى لديه عدوّه / لك السعد والإِقبال عبد وخادم
وكم لك ما بين الخميسين وقفة / وقد أحجمت عنها الأُسود الضراغم
وردت المنايا والسّيوف مناهل / وما لك في ذاك الورود مزاحم
تركت بها القتلى تمجّ دماؤها / وللطير منها والوحوش ولائم
فللأرض من تلك الدّماء مشارب / وللوحش من تلك اللّحوم مطاعم
بطشت بمن يبغي عليك بكيده / وأنت رؤوفٌ بالرعيَّة راحم
وأبقيت دار المفسدين بلاقعاً / خلا عالم منها وأقوت معالم
وأنصفْتَ بين الناس بالحكم عادلاً / فلا ثَمَّ مظلوم ولا ثَمَّ ظالم
يُمَدُّ عليها منك ظلٌّ مظلِّلٌ / إذا لفحتها بالخطوب سمايم
أعدت شباب الدهر بعد مشيبه / فعاد علينا عهده المتقادم
لئن ذكروا في الجود كعباً وحاتماً / فأنت لهذا العصر كعب وحاتم
وما بَرِحَتْ تنهلُّ جوداً ونائلاً / يمينُك لا ما تستهلّ الغمائم
ولله منها عارض سحّ ممطراً / دنانيرها من قطرها والدراهم
تطوّقني نعماك تترى بمثلها / بأحسن ممَّا طوّقته الحمائم
وكم لي بكم يا آل سعدون مدحة / من القول يستوفى بها الشكر ناظم
إذا أُنْشِدَتْ سرَّت نفوساً وطأطأت / رؤوساً ومالت من رجال عمائم
وإنِّي بكم يا آل سعدون شاعر / وها أنا في وادي ثنائك هائم
بطلعتك الغرَّاء موسم ثروتي / ولي منك في نيل الثراء مواسم
فأنت لعمري للمكارم فاتح / وأنت لعمري للأكارم حاتم
أتى ببراهينٍ غدا كلُّ جاحدٍ
أتى ببراهينٍ غدا كلُّ جاحدٍ / ببرهانه بين البرية مفحما
فألزمه بالحقّ والحقّ قوله / فأسْلَمَ من بعد الجحود وسلّما
فطوراً تراه للأمور مسدّداً / وطوراً تراه للعلوم معلّما
فلله ما صنّفت كل مصنّف / سرى منجداً في العالمين ومتهما
ومن مشكلات بالعلوم عرفتها / فأعربت عما كانَ فيهم معجما
وأبكيت أقلام البراعة والنهى / فأرضيت حد السيف حتَّى تبسما
وما نلت عما شان بالمجد خالياً / وما زلت بالعلم اللّدنيّ مفعما
تفرَّدت في علم وفهم وحكمة / فها أنت والعلياء أصبحت توأما
وإن جئتَنا في آخر الدهر رحمة / إذا عُدَّت الأمجاد كنت المقدما
وحسبك ما في الناس مثلك سيد / أنال مقلاًّ أو تكرّم معدما
وكم نثرت نثراً بلاغتك الَّتي / أردت بها دُرَّ المعالي منظما
وقد أخرستني من علاك فصاحة / ألست تراني أخرس النطق أبكما
متى يَشْتَفي هذا الفؤاد المتَيَّمُ
متى يَشْتَفي هذا الفؤاد المتَيَّمُ / ويقضي لباناتِ الهوى فيك مُغْرَمُ
أبيتُ أُداري الوجد فيك صبابة / وأسهر ليلي والخليُّون نوَّمُ
أُجيب دواعي الشَّوق حيث دعونني / وإن أكثَرَتْ لومي على الحبِّ لوَّمُ
وأُهرقُ من عينيَّ ماء مدامعٍ / وفي القلب منِّي لوعة تتضرَّمُ
وأشكو إليك الشَّوق لو كنتَ سامعاً / ومن لي بمشكوٍّ يرقُّ ويرحمُ
إلامَ أُذيعُ الوجد عندك أمره / وأُظهر ما أخفي عليكم وأكتمُ
أُعلِّلُ نفسي في تدانيك ضلّة / وأبني المباني في هواك وأهدمُ
ولي حسرة ما تنقضي وتلهُّفُ / ومن مرسِلاتِ الدَّمع فذٌّ وتوْأَمُ
وللصَّبّ آياتٌ تَدلُّ على الهوى / تُصرِّح أحياناً به وتجمجمُ
وليلٍ أُقاسيه كأَنَّ نجومه / غرانيقُ في مَوجٍ من اليمِّ عُوَّمُ
بمعترك بين الأَضالع والحشا / ينازلني للهمّ جيشٌ عرمرمُ
كأَنَّ بصدري من تباريح ما أرى / صُدورَ العوالي والقنا المتحطّمُ
أمَضَّ بأَحشائي غرامٌ مبرِّحٌ / وأعضلَني داءٌ من الوجدِ مؤلمُ
عَدَتْك العوادي إنَّما هي زفرة / تطيش باًحناء الضُّلوع وتحلمُ
لقد بَرَّحَتْ بي وهي في بُرَحائها / سواجع في أفنانها تترنَّمُ
تعيد علينا ما مضى من صبابةٍ / وتملي أحاديث الغرام فنفهمُ
ولم أنسَ لا أنسى الدِّيار الَّتي عَفَتْ / طلول لها تشجي المشوق وأَرسُمُ
وقوفاً عليها الرَّكب يقضُون حقَّها / كأَنَّهم طيرٌ على الماءِ حوَّمُ
تَذَكَّرنا ما كانَ في وَمَن الصّبا / وإنْ طالَ فيه عَهْدُها المتَقَدّمُ
وعَيشاً قضيناه نعيماً ولذَّةً / هو العيش إلاَّ أنَّه يتصرَّمُ
خليليَّ ما لي كلَّما عنَّ ذكرهم / وجيء بأخبارِ الأَناشيد عنهمُ
أُكفكفُ من عيني بوادرَ عَبرة / وأبكي لبرقٍ شِمْتُه يتبسَّمُ
رعى الله جيراناً مُنيتُ بحبّهم / أحَلُّوا دمي في الحبّ وهو محرّم
رَعَيْتُ بهم رَوض المحبّة يانعاً / وحكّمْتُهم في مُهجتي فتحكّموا
ألا من مجيري يا لقومي ومسعدي / على ظالمٍ في حكمه يتظلّم
هم أعوَزوني الصَّبرَ بعد فراقهم / وسار فؤادي حيث ساروا ويمّموا
بنفسي الظعون السائرات كأنَّها / بدورٌ تداعَتْ للمغيب وأنجُمُ
إذا زُحزحت عنها اللئام عشيةُ / أضاءَ بها جنحٌ من اللَّيل مظلمُ
أيزعمُ واشي الحبّ أني سلوتهم / ألا ساء واشي الحبّ ما يتوهم
خلا عَصرُنا هذا من النَّاس فارتقب / أناساً سواهم تحسنُ الظنّ فيهم
وما بعد سلمان النقيب من امرئٍ / ببغداد من يُعزى إليه التكرُّم
بذي طلعَةٍ تنبيك سيماؤها العلى / ويَصدُق فيها القايف المتوسّم
عليه وقارٌ ظاهرٌ وسكينةٌ / يُمثّلُ رضوى دونَها ويَلَمْلَم
من السادة الغُرِّ الميامين سيّد / أعزُّ بني الدنيا وأندى وأكرمُ
وما هو إلاَّ من ذؤابة هاشم / هو الرأس فيهمْ والرئيس المقدم
تُناخُ لديه للمطامع أنْيُقٌ / إذا حَثحَثَ الركبُ المطيَّ ويمَّموا
فما دون هذا الشهم للوفد مقنع / ولا بعده في البرّ للناس مغنم
لنا من أياديه وشاملُ فضله / مواهبُ تَتْرى من لدنه وأنْعُم
تَصَدَّر في دَسْتِ النقابة سيّداً / وما لسواه في الصدور التقدم
نَهُزُّ معاليه لكلِّ مُلمَّةٍ / كما هُزَّ للطَّعنِ الوشيجُ المقَوَّم
وما زال كالسيف المهنَّد يُنتضى / عُرا كلِّ خطبٍ في غراريه تُفْصَم
تمسَّكتُ بالحبل الَّذي منه لم يَرِمْ / بحادثةِ الدنيا ولا يتصرم
وفي كل يوم من أياديه نعمة / مكارمُ تُسْتَوفى ورزقٌ يقسَّم
فلِلفضلِ في أيَّامه البيض موسمٌ / وللجودِ منه والمكارم موسم
بطلعتِه نستطلع الشمسَ في الضحى / ويَنجابُ من ليل الخطوب التجهُّم
وذي همةٍ أمضى من السَّيف حدُّها / لأظفار أحداثِ الزمان تقلّم
تطير بذكراه القوافي وارداً / فتنجدُ في أقصى البلاد وتُتْهم
أبا مصطفى لم أر مدحَك لامرئ / من النَّاس ألا قال هذا مُسَلَّم
لتهنا قريشٌ حيث كنتَ زعيمَها / تُبَجَّل في أشرافها وتُعظَّم
ومن كانَ عبد القادر الشيخ جدّه / فماذا يقول المفصِحُ المتكلم
وكم نعمةٍ أوْلَيْتَني فشكرتُها / ولو لم يَفُه منِّي لسان ولا فم
فما ساغ لي إلاَّ بفضلك مشربٌ / ولا لَذّ لي إلاَّ بظلِّك مطعم
لكلّ امرئٍ حظٌّ لديك قوافياً / بأوصافك الحسنى تصاغُ وتنظمُ
إذا أفصَحَتْ عن كنه ذاتك غادرت / حَسودَك في إعرابها وهو أبكم
ومنك ثرائي حيث كنتُ وثروتي / وما زال يَثرى في نوالك معدم
رأيتُ بك الدنيا كما شئت طلقة / وعيشي لولا شهدُ جودك علقم
خَدَمْتُك بالمدح الَّذي أنت أهْلُه / ومثلك يا مولايَ بالمدح يُخدم
أرى الشعر إلاَّ فيك ينقص قدره / وديناره في غير مَدْحَك درهم
ونثني عليك الخير في كل ساعةٍ / ونبتدئ الذكرَ الجميلَ ونختم
على مثله تجري الدُّموعُ السَّواجمُ
على مثله تجري الدُّموعُ السَّواجمُ / وتبكي ديارٌ أُخْلِيَتْ ومعالمُ
ومن بعده لم يبقَ في النَّاس مطمع / لأُنسٍ ولا في هذه النَّاس عالم
لتقضِ المنايا كيف شاءَت فقد وهتْ / قوى الصَّبر وانحلَّت لديها العزائم
وشُقَّتْ قلوبٌ لا جيوبُ وأُدْمِيَتْ / جوانح قد شُدَّت عليها الحيازم
تيقَّظ فيها للنوائب نائم / ووافى إلى حرب الزَّمان مسالم
وكنَّا بما نلهو على حين غفلةٍ / أَمِنَّا هجوم الموت والموت هاجم
وما ذرفت عينايَ إلاَّ لحادثٍ / ألمَّ بنا فاستعظمته العظائم
وفلَّ قضاء الله شفرة صارم / أُقارع أعدائي به وأُصارم
وسكَّن فعلاً ماضياً من غراره / وما دخلت يوماً عليه الجوازم
وأَصْبَحْتُ لا درعٌ يقيني سهامها / ولا في يميني مرهف الحدّ صارم
غداة رأتْ عيني الأَمين محمَّداً / صريعَ المنايا والمنايا هواجم
وقد مِيطَ عَن ذاك الجناب الَّذي أرى / مآزرُ لَمْ تَعْلَق بهنَّ المآثم
وقد خَلَعَتْ منه المعالي فؤادها / وإنسانُ عين المجد بالدَّمع عائم
وعهدي به ما لان قطّ لشدَّةٍ / ولا أَخَذَتْ منه الأُمورُ العظائم
على هذه الدُّنيا العَفا بعد سيِّدٍ / به العيش حتَّى فارقَ العيش ناعم
تكدَّر ذاك المنهل العذب صفوه / فلا حام ظمآناً على الماء حائم
لتبكِ عليه اليوم أبناءُ هاشم / إذا ما بَكَتْ أبناءهَا الغرّ هاشم
تَفَرَّعَ عنها مُنْجِبٌ وابنُ منجبٍ / غَذَتْهُ لبانَ العِزِّ منها الفواطمُ
فقام بأَمر الله غير مداهن / لأمر ولَمْ يقعد عن الحقّ قائم
ولا يتَّقي في الله لومة لائم / ولم يثْنِه عن طاعة الله لائم
ويقدم للأَمر الَّذي يعد الرَّدى / وقد أَحْجَمَتْ عنه الأُسودُ الضراغم
ويرضيه ما يرضى به الله وحده / وإنْ غَضِبَ القوم الطغاة وخاصموا
فرُحنا نواري في الثرى قَمر الدُّجى / فلا فجَّ إلاَّ وهو أسْوَدُ فاحم
ونحثو على الضرغام أكرمَ تربةٍ / ثوى في ثراها الأَنجبون الأَكارم
وطافت به أملاكها وتنزلَتْ / من الملأ الأَعلى عليه عوالم
وقلنا لقد غاضَ الوفاء وأَقْلَعَتْ / بوابل منهلّ القطار الغمائم
وهل تبلُغ الآمال ما مُنِيَتْ به / وقد فُجِعَتْ بالأَكرمين المكارم
هنالك لم تُحبَس لعَينيَّ عبرةٌ / عليه ولم تثبت لصبر قوائم
ومن عجبٍ نبكيه وهو منعم / ونعبس ممَّا قد دهى وهو باسم
سقاك الحيا المنهلُّ كلَّ عشيَّةٍ / وحيَّاك منه العارض المتراكم
نأَيْتَ فودَّعْنا الفضائل كلَّها / فيا نائياً بالله هلْ أنتَ قادم
ويا صخرة الوادي الَّتي قد تصدَّعَتْ / وكانَ لعمري يتَّقيها المزاحم
لئنْ كانَ أُنسي فيك أُنساً ملازماً / فحُزني عليك اليوم حزن ملازم
بمن أَتَسلَّى عنك والنَّاس كلُّها / وحاشاك إلاَّ من عرفت بهائم
بمن أتَّقي حرَّ الزَّمان وبرْده / ويعصمني ممَّا سوى الله عاصم
وفيمن تراني أستظلُّ بظلِّه / إذا نَفَحَتْ تشوي الوجوهَ سمائم
قَضَيتُ بك الأَيَّام إلاَّ قلائلاً / وإنِّي على ما فاتني منك نادم
أُشَنِّفُ سمعي منك باللؤلؤ الَّذي / يَروقُ ولم ينظِمْه في السِّلْكِ ناظِمُ
برغميَ فارقتُ الذين أُحبّهم / ولي فيهمُ قلبٌ من الوجد هائم
وقاطَعَني لا عن تقالٍ مقاطعٌ / وصارمني لا عن جفاءٍ مصارم
وضاقت عليَّ الأرض حتَّى كأَنَّها / من الضِّيق حتَّى يأذن الله خاتم
لقد كُسِفَتْ تلك الشُّموس وأُغْمِدَتْ / ببطن الثَّرى تلك السُّيوف الصَّوارم
وكم ليلةٍ من بعده قد سَهِرْتُها / أُسامِرُ ذكراه بها وأُنادم
وأذكر عهد الودّ بيني وبينه / وهيهات يُنسى عهدهُ المتقادم
وقد كنتُ أهوى أن أكونَ له الفدا / فألقى الرَّدى من دونه وهو سالم
ولكنْ أراد الله إنفاذَ أَمرهِ / ليحكم فينا بالجهالة حاكم
وتبقى أُمورُ الدِّين من بعده سدًى / ويُرغم أَنف الفضل للنقض راغم
تبيت القوافي بالرّثاء وغيره / تنوح كما ناحتْ عليه الحمائم
تقلّص ذاك الظلّ عنَّا ولم يدمْ / علينا وما شيء سوى الله دائم
فيا مُرَّ ما لاقيتُ منه بفقده / على أنَّه الحلوُ اللَّذيذُ الملائم
ويا واعظاً حيًّا وميتاً وكلُّه / مواعظ تشفي أنفساً ومكارم
خرجتَ من الدُّنيا إلى الله لائذاً / برحمته والله للعبد راحم
وأَعرَضْتَ عن دنياكَ حزماً وعفَّةً / وما اغترَّ في الدُّنيا الدنيَّة حازم
وما عَرَفَ القومُ الذين نبذتهم / وراءَكَ ما مقدار ما أنتَ عالم
فوالهفي إنْ كانَ يجدي تلهُّفي / على عَرَبِيٍّ ضيَّعَته الأَعاجم
وقد أعوزَتْني بعده بلّة الصَّدى / فمن لي ببحرٍ موجُهُ متلاطم
ونَكَّسْتُ رأسي للزَّمان وخطبه / فلا وُضعت فوقَ الرُّؤوس العمائم
وما زالَ قولي غير راضٍ وإنَّما / لِشدَّة ما تعدو الخطوب الأَداهم
لكلِّ اجتماع لا أباً لك فرقة / وكلُّ بناءٍ سوفَ يلقاه هادم
يعيد عليَّ العيدُ حزناً مجدّداً / وما هذه الأَعياد إلاَّ مآتم
أبى الله إلاَّ إنْ تَعُزَّ وتُكْرَما
أبى الله إلاَّ إنْ تَعُزَّ وتُكْرَما / وأنَّك لم تَبْرَحْ عزيزاً مكرّما
تذلّ لك الأَبطال وهي عزيزةٌ / إذا استخدمت يمناكَ للبأس مخدما
ويا رُبَّ يومٍ مثل وجهك مشرقاً / لبست به ثوباً من النَّقع مظلما
وأبزغت من بيض السُّيوف أَهِلَّةً / وأطْلَعْتَ من زُرقِ الأَسنَّة أنجما
وقد ركبَتْ أُسْد الشّرى في عراصِه / من الخيل عُقباناً على الموت حوّما
ولمَّا رأيتُ الموتَ قَطَّبَ وجهه / وأَلفاك منه ضاحكاً متبسّما
سَلَبْتَ به الأَرواح قهراً وطالما / كَسَوْتَ بقاع الأرض ثوباً معندما
أرى البصرة الفيحاء لولاك أصبَحَتْ / طلولاً عَفَتْ بالمفسدين وأرسما
وقالوا وما في القول شكٌّ لسامع / وإنْ جَدَعَ الصّدقُ الأُنوفَ وأَرغما
حماها سليمان الزهير بسيفه / منيع الحمى لا يستباح له حمى
تحفّ به من أهلِ نجدٍ عصابة / يرون المنايا لا أباً لك مغنما
رماهم بعين العزِّ شيخٌ مُقدَّمٌ / عليهمْ وما اختاروه إلاَّ مقدّما
بصيرٌ بتدبير الأُمور وعارف / عليمٌ فما يحتاج أن يتَعَلَّما
أَأَبناءُ نجدٍ أَنْتُم جمرة الوغى / إذا اضطرمت نار الحروب تضرُّما
وفي العام ما شيَّدتموها مبانياً / من المجد يأبى الله أن تتهدَّما
وما هي إلاَّ وقعةٌ طارَ صيتها / وأَنْجَدَ في شرق البلاد وأَتْهما
رفَعْتُمْ بها شأن المنيب وخضتُمُ / مع النَّقع بحراً بالصَّناديد قد طمى
غداةَ دَعاكم أَمْرُهُ فأجبْتُمُ / على الفور منكم طاعةً وتكرُّما
وجرَّدكم لعمري فيها صوارماً / إذا وَصَلَتْ جمع العدوِّ تصرّما
ومن لم يجرِّد سيوفاً على العدى / نبا سيفُه في كفِّه وتثلَّما
وإنَّ الَّذي يختار للحرب غيركم / وقد ظنَّ أنْ يُغنيه عنكم توهّما
كمن راحَ يختار الضَّلال على الهُدى / وعُوِّض عن عين البصيرة بالعمى
ومن قالَ تعليلاً لعلَّ وربَّما / فماذا عسى تغني لهلَّ وربَّما
عليكم إذا طاش الرِّجال سكينة / تُزَلْزِلُ رَضوى أو تبيد يَلَمْلَما
ولمَّا لَقِيتُم من أَرَدْتُم لقاءهُ / رَمَيْتم به الأَهوال أبْعَدَ مُرتمى
صبرتم لها صبر الكرام ضراغماً / وأَقْحَمْتموها المرهفات تقحّما
وأُوْرَدْتموها شرعةَ الموت منهلاً / تذيقُهمُ طعمَ المنيَّة علقما
وما خابَ راجيكم ليومٍ عَصَبْصَبٍ / يريه الرَّدى يوماً من الروع أَيْوما
وجرَّدكُم للضَّرب سيفاً مهنَّداً / وهزَّكم للطعنِ رمحاً مقوّما
ومن ظنَّ أنَّ العزَّ في غير بأسكم / وهي عِزُّه في زعمه وتندّما
وما العزّ إلاَّ فيكم وعليكم / وما ينتمي إلاَّ إليكم إذا انتمى
إذا ما قَعَدْتُم في الأُمور وقُمْتُمْ / عليها حُمِدْتُم قاعدين وقوّما
وما سُمِعت منكم قديماً وحادثاً / رواية من يروي الحديث تَوَهُّما
وإنْ قلتُمْ قولاً صدقتم وما انثنى / بكم عزمكم إنْ رام شيئاً وصمَّما
ولما أتاكم بالأَمان عدوّكم / وعاهدتموه أنْ يَعودَ ويَسْلَما
وَفَيْتم له بالعهد لم تعبَأُوا بمن / أشارَ إلى الغدر الكمين مجمجما
ولو مدّ من نأيَته عنكم يداً / لعاد بحدّ السَّيف أَجْدَعَ أجْذما
وفيما مضى يا قوم أكبر عبرة / ومن حقِّه إذ ذاك أن يتَرَسَّما
أيَحْسَبُ أنَّ الحال تُكْتَمُ دونكم / وهيهات أَنَّ الأَمرَ قد كانَ مبهما
فأَظْهَرَ مستوراً وأَبْرَزَ خافياً / وأَعرَب عمَّا في الضمير وتَرْجَما
أَمتَّخِذَ البيض الصَّوارم للعلى / طريقاً وسُمر الخطّ للمجد سلّما
نصرت بها هذا المنيب تَفَضُّلاً / وأَجرَيْتَ ما أَجرَيْتَ منك تكرما
على غلمة في النَّاس لله درُّه / تصرَّف فيها همَّة وتقدّما
تأثَّل في أبطاله ورجاله / فلم يُغْنِ سِحْرٌ غابَ عنه مكتما
وقلَّبَها ظهراً لبطن فلم يجد / نظيرك من قاد الخميس العرمرما
هنالك ولى الأَمر من كانَ أهلَهُ / فبُجِّلَ في كلِّ النُّفوس وعُظِّما
وطال على تلك البغاة ببأسه / وحكَّم فيهم سيفه فتحكما
وقد يُدركُ الباغي النجاة إذا مضى / ولكن رأى التسليم للأَمر أسْلَما
وما سبق الوالي المنيب بمثلها / وفاقَ ولاة الأَمْر ممَّن تقدّما
سليمان ما أبقيت في القوس منزعاً / ولا تركت يُمناك للبذل درهما
كشفت دجاها بالصَّوارم والقنا / وقد كانَ يُلْفى حالك اللَّون أسحما
فأَصْبَحْتَ في تاج الفخار متوَّجاً / وفي عِمَّة المجد الأَثيل معمّما
إليك أبا داود نزجي ركائباً / ضَوامِرَ قد غُودرن جلداً وأَعظما
رمتنا فكنَّا بالسّرى عن قسيّها / وقد بريت من شدَّة السَّير أسهما
فأكرمْتَ مثوانا ولم ترَ أعينٌ / من النَّاس أندى منك كفًّا وأكرما
لأحظى إذا شاهدت وجهك بالمنى / وأَشكر لله من نعماك أنعما
وأُهدي إلى علياك ما أَستَقِلُّهُ / ولو أَنَّني أَهْدَيْتُ دُرًّا منظما
فحبُّك في قلبي وذكراك في فمي / أَلذُّ من الماء الزُّلال على الظَّما
قَدِمْتَ قدومَ الغادياتِ السَّواجمِ
قَدِمْتَ قدومَ الغادياتِ السَّواجمِ / فبُرِكْتَ من دانٍ إلَينا وقادم
طلعتَ طلوعَ البدرِ في غاسق الدُّجى / على حالك من غيهب اللَّيل فاحم
وأَقبَلْتَ إقبالَ السَّعادةِ كلّها / بأَبلجَ وضَّاحِ الأَسارير باسم
تحفُّ بك الآمال من كلّ جانب / ويحجُبُك الفرسان من كلّ صارم
فلم تُبْقِ ريقاً ماحلاً ما سقته / فأَخْصَبَ في خفضٍ من العيش ناعم
متى شئتَ غادَرْتَ البلاد كأَنَّما / سَقَتْها الغوادي ساجماً بعد ساجم
وإن قُلتَ لم تترك مقالاً لقائل / ولا تختشي في الله لومة لائم
أتيتَ أَتيَّ الغيثِ والغيثُ دونه / إذا انهلَّ في أعلامها والمعالم
وجئتَ بأَبطال الرِّجال تقودُها / أَماثِيلَ سيل العارض المتراكم
إذا ائْتَمَرَتْ يوماً بأَمرِكَ بادَرَتْ / إلى أَمرك العالي بدار الضراغم
تَشُكُّ صدور الدَّارعين رماحها / فهل كانت الخطيّ سلكاً لناظم
أَعاريبُ ما دانَتْ لسكنى مدينةٍ / ولا دَنَّسَتْ أَخلاقَها بالأَعاجم
مطاعينُ في الهيجا مغاويرُ في الوغى / وقائِعُهمْ معلومةٌ في الملاحم
ولم يَغْنَموا غير الفخار غَنيمةً / وما الفخر إلاَّ من أجلِّ المقاسم
لقد زُرْتَ مَنْ لو شكَّ أنْ لا تَزورَهُ / رأى عزَّه الموجودَ أضغاثَ حالم
تَشرَّفَ قومٌ أكرَموكَ بِرَغْمهم / ومُيِّزتَ فيما بينهم بالعلائم
لئنْ عدَّدوا تَوفيقَك القومَ نعمةً / فأَنت بحمْد الله فوقَ النعائم
لهم بك فخرٌ ما بقيتَ لهم به / ولا فخر إلاَّ منك يوماً بدائم
وقمتَ بأَمرٍ لا يقومُ بمثله / سواك وما كلٌّ عليه بقائم
وقد نُبتَ فينا بعد عيسى وبندر / منابَ الغوادي واللّيوث الضياغم
وما هدم الله البناءَ الَّذي بهم / وأنْتَ لهُمْ بَيتٌ رفيع الدعائم
وما أخْلَفَتْ تلك النجومُ بصيّبٍ / من المُزنِ مرجوٍّ بتلك المواسم
فقد صُلْتَ حتَّى خافك الحتف نفسُهُ / وما استعْصمَ المفراق منك بعاصم
وبارَزْتَ حتَّى لم تجد من مبارزٍ / وصادَمْتَ حتَّى لم تجد من مصادم
وأَرْغَمْتَ آناف الخطوب فأَدبَرَتْ / بذلَّةِ مرغومٍ لعزَّةِ راغم
فلم نرَ من صرف الزَّمان محارباً / تنازله الأَرزاء غير مسالم
إذا كنتَ للمظلوم في الدَّهر ناصراً / فما صالَ هذا الدَّهر صولة ظالم
بَسَطْتُمْ يداً في بطنها نَيْلُ نائل / وفي ظهرها طول المدى لثم لاثم
نشَرتُمْ بها أخبارَ كعب وحاتم / وقد طُوِيَتْ أخبارُ كعب وحاتم
نزلتم على الشمّ الرعاف منازلاً / غواربَ أعلام العُلى والمناسم
رَقِيتُم بأطراف المعالي معالياً / من المجد ما لا تُرقى بالسَّلالم
مَغانيكُمُ للوافدين مغانمٌ / فأَكرِمْ بهاتيك المغاني المغانم
أرى النَّاس أَفواجاً إلى ضَوْءِ نارِكم / حِثاث المطايا عاليات العزائم
فمِنْ مُعْتَفٍ يرجو سماحةَ سيِّدٍ / ومن ضارعٍ يرجو تعَطُّفَ راحم
نَعَمْ هذه للطارقين بيوتكم / بيوت المعالي والندى والمكارم
غياثٌ لملهوفٍ وأمنٌ لخائفٍ / ومأوًى لمأمونٍ ووِرْدٌ لحائم
منازل لم ينزل بها غير ماجد / كريم السَّجايا من قروم أكارم
وقد سُدْتُم السَّادات بأساً ونائلاً / بفضلٍ وإحسانٍ ورمحٍ وصارم
فلا تحفِلُوا من بعد هذا بقاعدٍ / كما لم تبالوا إنْ قَعَدْتُم بقائم
فلا يَحْسَبَنْ من لم ترعه سيوفكم / إطاعتكم عن ريبةٍ حكمَ حاكم
فلم تكُ إلاَّ طاعةً وتَفَضُّلاً / على من لكم من مثله ألف خادم
فكان رضاه ما رضيتم لحزمه / وليس الَّذي يأبى رضاكم بحازم
فلو قارعتكم منه يوماً قوارعٌ / لأَصبَحَ منكم قارعاً سنَّ نادم
رَأَتْ عينُه من بأسكم بعض رؤية / فكانت له إذ ذاك إيقاظ نائم
إذ استعظمت ما قد رأت وأراعها / جلال عظيم في الأُمور العظائم
وما قد رأى الرَّاؤون آل محمَّد / نظيراً لكم في عصرها المتقادم
وجوهٌ كما لاحَ الصَّباحُ مضيئة / وأيدٍ ولكن فوقَ أيدي الغمائم
وبيضٌ حِدادٌ جُرِّدَتْ بأكُفِّكم / فأَغْمَدْتُموها في الحشا والجماجم
تنوح على القتلى غداة صليلها / نواحَ حِمامٍ لا نواح الحمائم
إذا ابتَسَمَتْ والقرمُ تدمى كلومُهُ / بكَتْ بدمٍ قانٍ بتلك المباسم
حَمَيْتَ بها أرضَ العراق وأهلَهُ / وسوَّرْتُموها بالقنا والصَّوارم
فَدَتْكَ ملوكٌ لا يُرَجّى نوالها / وما لاحَ منها برق جود لشايم
قد اجتنبت هذي الملوك الَّتي ترى / مطامع راجيها اجتناب المحارم
أما والَّذي أعطاكَ ما أنتَ أَهْلُهُ / وولاّك في الدُّنيا رقاب العوالم
لوَ انِّي اسْتَغْنَيْتُ عن سائر الورى / فَوِرْدي إذَنْ من بحريَ المتلاطم
فما قلتُ بيتاً في سواك ولا جرى / به قلمي يوماً بمدح ابن آدم
فعش سالماً واسلمْ لنا ولغيرنا / فما المجد إلاَّ ما سَلِمتَ بسالم
زَماني على رغم الحسود مسالمي
زَماني على رغم الحسود مسالمي / وإنْ كانَ يَخشى سطوةً فعزائمي
ولي همّة فوق السَّماء وعفَّةٌ / تريني الغنى والعزّ عبدي وخادمي
ونحن أناسٌ من قريش أكابرٌ / لَبسْنا المعالي قبل خلع التمائم
وربةُ قَفر قد سلكت فجاجها / فَأمسيت أطوي بيدها بالمناسم
وصَحْبي من البيض الحِداد مُهَنَّدٌ / تعوَّد يومَ الحرب حَزَّ الغلاصم
عُذِلتُ على حبّيكِ يا ابنة يعربٍ / ولم يَخْلُ صبٌّ من عذول ولائم
جَرَحْتِ بلحظيك الفوادَ صبابةً / وجرح الهوى لم يلتئم بالمراهم
فهل من صَباً تصبو النفوس لريّها / فتحمل تسليمي إلى أمّ سالم
تذكَّرْتُ عهدي بالحمى ليلة النقا / وما أنا من عهدي به غير حالم
تقدَّمَ لي فيها عهودٌ قديمةٌ / فواصبوتي من عهدها المتقادم
أروم بأنفاس النسيم خمودها / وهل تخمد النيران مرُّ النسائم
ومن لي بهاتيك الديار عشية / أروّي ثراها بالدموع السواجم
إذا جئْتُما تلك المعالم فاقرآ / سلامي على تلك الرُّبا والمعالم
معاهد آرام ومغنى صبابة / تُصادُ بها الآسادُ في لحظة باغم
يُؤَرّقني فيه الحمامُ ونَوْحُه / وما كانَ وَجدي مثلَ وَجْد الحمائم
رعى الله سكّان الغضا فلَطالما / أذابوا بنار الوَجْد مهجةَ هائم
همُ أثِموا في قَتْلي وتجنَّبوا / وقد حَمَّلوني بعدَها وِزْرَ آثم
فيا ليت قاضي الحبّ يعدل بيننا / فينتصف المظلوم من كل ظالم
وقائلةٍ ما لي أراك بأرضنا / حَلَلْت مَحلّ السرّ من صدر كاتم
تلوم ووجه اللَّيل إذ ذاك عابسٌ / وللبرق في أطرافه ثغر باسم
ذَريني فما وجدي ثكلتك نافع / وما الضرّ والسرّاء يوماً بدائم
لئن نام حظّي يا أميمُ عن العُلى / فعزمي كما تدرينَهُ غير نائم
إذا كنتُ واليت الشهاب أبا الثنا / فلستُ أبالي بالزمان المخاصم
من السادة الغرّ الكرام مهذب / مكرٌّ على أمواله بالمكارم
موارد فضلٍ للأنام وحكمة / على وِردها للناس ألف مزاحم
فتىً صاغ أيديه المهيمنُ للورى / نَقيعاً لظمآن وَوَرْداً لحائم
يخبّر عن إحسانه بِشْرُ وجهه / ووبل العطايا بعد برق المباسم
وما الجود والمعروف إلاَّ سجيّة / يزين بها الباري سجايا الأكارم
يمدّ إليه كفّه وفد راغب / ويقرع عنه خصمه سنّ نادم
فإن جحد الحساد فضلك والنهى / إذَنْ مزجت بالشهد سمّ الأراقم
فهل لك في فرسانها من مبارز / وهل لك في أبطالهم من مصادم
وكم من جهول رام بحثك صائلاً / فهابَ وما للكلب بأس الضراغم
وأعظمُ جهلٍ جهلُهُم قَدْرَك الَّذي / يُعدُّ ويرجى للأمور العظائم
نَشَرْتَ الهدى والعلم من بعد طيّه / واحْيَيْتَ عِلْمَ الدِّين بين العوالم
وشَيَّدْت ما أعيا حسودَك هدْمُهُ / وما كانَ باني المكرمات كهادم
خَطَبْتَ وخاطَبْتَ العُفاة بسُؤْلهم / فَأنْسَيْتَنا أخبار قَسٍّ وحاتم
فصاحة نطق يسبق الماء جريه / وها هو أمضى من شفير الصوارم
سأتلو على علياك غرَّ قصائدي / وكم ناثر مثلي لديك وناظم
يهزّ صناديد الرِّجال نشيدها / فتغدو على ذكراك ميلَ العمائم
وحسبي فَدَتك النفسُ جوداً ونائلاً / إذا لَحَظَتْني منك عين المراحم
وكم منّةٍ أسْدَيْتَ لي فَمَلَكْتَني / سَلِ الرَّوض ما جادت هتان الغمائم
وأوْلَيْتَني باللُّطف أعظمَ نعمةٍ / فأصبحتُ في نعماك فوق النعائم
أمَتُّ بك الأعداء قهراً بغيظها / وطعنُ لساني مثل طعن لهازمي
تَذكَّرَ عَهداً بالحمى قد تَقَدَّما
تَذكَّرَ عَهداً بالحمى قد تَقَدَّما / فأجرى عليه الدَّمعَ فرداً وتوأَما
ولا سيَّما إذ شاهد الربع لم يدع / له أهْلُه إلاَّ تِلالاً وأرسما
وآثار ما أبقى الخليط بعهده / ونُؤياً كمعْوَجِّ السّار مهدَّما
منازل كانت للبدور منازلاً / وإنْ شئتَ قل كانتْ محاريب للدمى
لهَوْنا بها والعيش إذ ذاك ناعم / فلله عيشٌ ما أَلَذُّ وأنعما
زمان مضى في طاعة الحبّ وانقضى / وَصَلْنا به اللّذّات حتَّى تصرَّما
خليليَّ عُوجا بي على الدَّار إنَّني / أَشَدُّ بلاءاً بالمنازل منكما
خليليَّ هذا الحبّ ما تعرفانه / خليليَّ لو شاهدْتُما لعرفتما
خليليَّ رِفقاً بي فقد ضرَّني الهوى / أَلَمْ تَرَياني مُوجَعَ القلب مؤلما
ونمَّتْ على وَجدي دموعٌ أَرقتها / ولم يُبْقِ هذا الدَّمع سرًّا مكتما
فلا تمنعاني وقفةً أَنا سائل / بها الدَّارَ عن حيٍّ نأى أين يمَّما
وَقَفنا عليها يا هذيم وكلّنا / حريصٌ على الأَطلال أنْ تتكلَّما
نعالج فيها لوعةً بحشاشةٍ / على الرَّسم منَّا نمزج الدَّمع بالدِما
فلم نرتحل يوماً لنسقي معاهداً / من الدَّار في سلع وفي الدَّار من ظما
بعبرة مشتاق إذا لم تجد لها / من الدَّمع ما يروي الدّيار بكتْ دما
أَحِبَّاءَنا شطَّتْ بهم شطط النوى / فأَتْبَعْتُهمْ منِّي فؤاداً متيَّما
هَبُوا لعيوني أنْ يَحِلَّ بها الكرى / وإنْ كانَ نوم العاشقين محرَّما
أَلا رُبَّ طَيْفاً زارَ ممَّن أُحِبُّه / وما زارَ إلاَّ من سُليمى وسلَّما
سَرى من زَرود مُنعِماً بوصاله / وما كانَ إلاَّ في الحقيقة منعما
فأرَّقني واللَّيلُ يَسْحَبُ ذيلَه / وفارق صبًّا لا يزال متيَّما
وبرقٍ كنار الشَّوق توقد بالحشا / تلهَّبَ في جنح الدُّجى وتضرَّما
أُساهِرُ فيه كلّ نجمٍ يمرُّ بي / إلى أعيُنٍ باتت عن الصَّبِّ نُوَّما
سقى الله أيَّاماً خَلَوْنَ حوالياً / على الجزع بالجرعاء من أيمَنِ الحمى
غمائم تسقي الظَّامئين بدرّها / رواء إذا ما ساقها الرَّعد أرزما
كراحة عبد القادر القَرم لم تزلْ / تهامي على العافين فضلاً وأنعما
إذا جئتُه مسترفِداً رِفْدَ فضله / غَدَوْتُ إذَنْ في ماله متحكما
وَرَدْتُ نداه ظامئاً غير أنَّني / وَرَدْتُ إليه البحر والبحر قد طمى
ولولا جميل الصّنع منه لمَا رأَتْ / عيوني وجه العيش إلاَّ مذمَّما
من القوم يولون الجميل تَفَضُّلاً / ولم يحسنوا الإِحسان إلاَّ تكرّما
أَطَرْتُ لديه طائِرَ اليمن أسعداً / وكنَّا أطرنا طائر النحس أشأما
ومُدَّخر الذّكر الحميد بفضله / ولم يدَّخر يوماً من المالِ درهما
رأَيتُ يساري كلَّما كانَ مُوسراً / ولم يرضَ إعدامي إذا كانَ معدما
فما يجمع الأَموالَ إلاَّ لبذلها / ولا يطلب النعماء إلاَّ لينعما
برغم الأَعادي نالَ همَّة نائل / فجدَع آناف العداة وأرغما
ولو رامَ أنْ يرقى إلى النَّجم لارتقى / ويوشك ربّ الفضل أنْ يبلغ السَّما
فلا غروَ أنْ يعلو وها هو قد علا / ولا بِدْعَ أنْ يسمو وها هو قد سما
عَزائِمُه كالمَشْرِفيَّة والظّبا / وآراؤه ما زِلْنَ بالخطب أنْجُما
يُصيبُ بها الأَغراضَ ممَّا يرومه / ولا يُخطئ المرمى البعيدَ إذا رمى
وكم من خميسٍ قد رماه عرمرم / فَفَرَّقَ بالرَّأْي الخميسَ العرمرما
فلو أبْرَزتْ آراؤه غسقَ الدُّجى / لحثَّ الدُّجى عن أشقر الصُّبح أدهما
وأثْقَلَ بالأَيدي لساني وعاتقي / ألَم تَرَني لا أستطيعُ التّكلّما
وإنِّي وإنْ لم أقضِ للشُّكر واجباً / بمستغرم أصبَحْتُ بالمجد مغرما
سَكتُّ وأنطقتُ اليراعَ لشكره / فأَعْرَبَ عَّما في ضميري وترجما
جرى وكذا لا زالَ يجري بمدحه / فغَرَّدَ في مدحي له وترنَّما
وأولى الورى بالشّكر من كانَ محسناً / وأولى الورى بالحمْد من كانَ منعما
لك الله مطبوع على الجودِ والنَّدى / فلو رامَ إقداماً على البخل أحجما
شكرتُك شُكر الرَّوض باكره الحيا / سحاباً عليه انهلَّ بالجود أو همى
لك القلم العالي على البيض والقنا / جرى فجرى رزق العباد مقسَّما
ففي القلم الحادي وصاحبه النهى / عَلَوْتْ به حتَّى ظننَّاه سُلَّما
وسَيَّرْتَ ذكر الحمْد في كلّ منزلٍ / فأنْجَدَ في شرق البلاد وأتْهَما
أضاءَ بك الأَيَّام لي وتَبَلَّجَتْ / وأَشرقَ فجرٌ بعد ما كانَ مظلما
رَفعتَ مقامي مرغماً أنْفَ حاسدي / فأصبحتُ إذ ذاك العزيز المكرَّما
صفا لي منك الجود عذبٌ غديُرُه / فجرّعت أعدائي من الغيظ علقما
أَطَلْتَ يدي في كلّ أمرٍ طَلَبْتُه / وغادَرْتَ شاني عبد نعماك أجذما
وبلَّغْتَني أقصى الرَّجاء فلم أقلْ / عسى أبلغُ القصدَ القصيّ وربَّما
وعَظَّمتَني في نفس كلّ معاند / فلا زلْتَ في نفس المعالي مُعَظَّما
فَدَيْتُك لا ترجو لنُطْقي تكَلُّما
فَدَيْتُك لا ترجو لنُطْقي تكَلُّما / فإنَّ يراعي عن لساني يترجِمُ
غَرِقْتُ ببحرٍ من نوالك سيِّدي / فكيفَ غريقٌ عائمٌ يتكلَّمُ
أَقولُ لسعدٍ حين لام على الهوى
أَقولُ لسعدٍ حين لام على الهوى / أَيُجْديكَ لَومٌ مرَّةً فتلومُ
تلوم على ما لا يفيدك لومُه / وما العشق إلاَّ لائم وملوم
وإنِّي على ما بي فقد يستفزّني / غرامٌ بسلمى حادث وقديمُ
شكوتك ما يلقى فؤادي من الأَسى / وما كلُّ من أشكو إليه رحيم
فؤاد شجاه ما شجى كلّ وامقٍ / وما هو بعد الرَّاحلين مقيمُ
أرى صبوة المشتاق دائمة المدى / فما بال صبر الصّبّ ليس يدوم
وبين الظّباء السَّانحات عشيَّةً / رماني فلم يُخطِ الحشاشة ريم
ويا ظبية الوعساء من جانب الحمى / بَخلْتِ ولي دمع عليك كريم
وفي القلب منِّي والغرام سريرة / وإنِّي بها لولا الدُّموع كتوم
ظماً لثناياك العِذاب وإنَّها / عَذابٌ لقلبي يا أُميمُ أليم
رضابك يروي القلب وهو مُمَنَّعٌ / وطرفك يشفي الدَّاء وهو سقيم
ولولاك ما هاجت بقلبيَ زفرة / ولا هاج مِنِّي أربُعٌ ورسوم
ولا شاقني برقٌ يحاكي وميضه / ثناياك إذ أَصبو لها وأشيم
وأَهتزُّ في ذكر العُذَيب وبارقٍ / كما مال بالغصن الرَّطيب نسيم
سقاني مريرَ الكأس حلوُ المباسمِ
سقاني مريرَ الكأس حلوُ المباسمِ / وغادَرَني محلولَ عَقد العزائم
وحارَبني بالصَّدِّ والصّدُّ قاتلي / فيا ليته لا كانَ إلاَّ مسالمي
ومنذُ أطعتُ الحبّ فيه صبابة / عَصَيْتُ عذولي في هواه ولائمي
وقد عَلِمَ الواشونَ إذ ذاك أنَّني / بلاني وأَبلاني الغرام بجاسم
نَعِمْتُ به أيَّام وصلٍ تَصَرَّمَتْ / ونحنُ لدى خفضٍ من العيش ناعم
يُديرُ عليَّ الكأسَ يمزج صرفها / نديمي على كأس الطّلا ومنادمي
ألذّ من الماء النَّمير لشاربٍ / وأَلطَفُ خلقاً من هبوب النَّسائم
لقد مرَّ ما أحلاه عيشٌ بقربه / فهل كانَ ذاك العيش أحلام نائم
ذكرتُ قضيب البان وهو قوامه / فنُحتُ عليه فوقَ نَوْح الحمائم
وما كنتُ لولا طاعة الحبّ في الهوى / ألائم في العشَّاق غير ملائم
خَليليَّ في قلبي من الوَجْد جَذْوَةٌ
خَليليَّ في قلبي من الوَجْد جَذْوَةٌ / تأجَّجُ في شَوقٍ شديدٍ إليكما
يعاني فؤادي ما يعاني من الجوى / وما هو إلاَّ منكما وعليكما
وقد كادَ هذا القلب يضرم ناره / ويوشك قَلْبُ الصّبّ أنْ يتضرَّما
ولي أعينٌ غرقى ولكنْ بمائها / تساقط منها الدَّمع فذًّا وتوأما
وأعذِرُ أجفاني على فيض أدمعي / ولو أنَّها فاضَتْ لفقدكما دما
وأدعو لها بالغمض وهو بمعزل / لعلَّ خيالاً يطرق العين منكما
تناءَيتُما عن وامقٍ فيكما شجٍ / فأَنْجَدْتُما يا صاحبيَّ وأَتْهَما
فهل تريا بيناً رُمينا بسهمه / درى أيّ قلب قد رماه وما رمى
وها أنا حتَّى تنقضي مدَّة النَّوى / أُعَلِّلُ قلبي في عسى ولربَّما
لذكركما أُصغي إذا ما ذُكِرْتُما / وأَذكرُ عَهداً منكما قد تقدَّما
وعيشاً قَضَيْناه نعيماً بقربكم / ولله عيشٌ ما ألَذّ وأنعما
وما اجتاز بي ركبٌ يجد بسيره / من الرُّوم إلاَّ أَسأَلُ الرّكب عنكما
وإنْ نُشِرَتْ صُحفُ الغرام لديكما / ففي طيِّها منِّي السَّلام عليكما
رعَى الله أيامَ السُّرورِ بحاجرٍ
رعَى الله أيامَ السُّرورِ بحاجرٍ / وعَهْدَ صَبابتي به وغرامي
بحيثُ الهوى عذبُ المجاني بقربه / ولا عهدَ لي من عادلٍ بملام
وقد جَمَعتْنا لِلّذائذ ساعةٌ / أحلَّتْ لنا بالسكر كلَّ حرام
وما العيش إلاَّ كأس راح رويّه / تُدارُ ولكنْ في أَكُفّ غلام
إذا رمتُ منه الوصل كانَ مرامه / من الوصل أقصى بغيتي ومرامي
وإنْ رابه منِّي أوامٌ أَبَلَّه / وكمْ بلَّ يوماً غُلَّتي وأوامي
شرِبْتُ حميّا كأْسِه ورضابهِ / وكلتاهُما يا صلحِ كأسُ مدام
ولذَّ بسَمْعي فيه نظمٌ شدا به / على نغم السَّاعِينَ شَدْوَ حمام
ولمّا قَضَتَ منِّي الحياةُ مآرباً
ولمّا قَضَتَ منِّي الحياةُ مآرباً / وقد تركوني في المقابر أعْظُما
وقالوا قضى نحباً وسار لربّه / وماتَ بحمد الله إذ مات مسلما
ومن عَبَد الرحمن سبعين حجةً / لقى الله باريه أبرَّ وأرحما
غداةَ اقتطفْنا والفكاهة أيْنَعَتْ
غداةَ اقتطفْنا والفكاهة أيْنَعَتْ / أزاهيرَ لفظٍ من رياض كلامِ
بروحي مليحٌ لم يَخُنْ عهدَ وُدّه / لإلْفٍ ولم يخفر هناك ذمامي
إذا الغادة الحسناء زارت وزارني / أقولُ اذهبي عنّي بألفِ سلام
وان قلت أَنْتَ البان أعرض مغضباً / وقال وهل للبان لين قوامي
تلهّبتِ الصَّهباء في وَجَناته / بظلماء ألفَينا لهيبَ ضرام
وهيهات أن أصحو وللحبّ سكرة / سَكِرْتُ بها قبلَ المدام بعامِ
لكلّ زمان أيّها الشَّيخُ حاتِمُ
لكلّ زمان أيّها الشَّيخُ حاتِمُ / وإنَّك فينا اليومَ لا شكَّ حاتِمُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025