المجموع : 11
أَجَل أَيُّها الرَبعُ الَّذي خَفَّ آهِلُه
أَجَل أَيُّها الرَبعُ الَّذي خَفَّ آهِلُه / لَقَد أَدرَكَت فيكَ النَوى ما تُحاوِلُه
وَقَفتُ وَأَحشائي مَنازِلُ لِلأَسى / بِهِ وَهوَ قَفرٌ قَد تَعَفَّت مَنازِلُه
أُسائِلُكُم ما بالُهُ حَكَمَ البِلى / عَلَيهِ وَإِلّا فَاِترُكوني أُسائِلُه
لَقَد أَحسَنَ الدَمعُ المُحاماةَ بَعدَما / أَساءَ الأَسى إِذ جاوَرَ القَلبَ داخِلُه
دَعا شَوقُهُ يا ناصِرَ الشَوقِ دَعوَةً / فَلَبّاهُ طَلُّ الدَمعِ يَجري وَوابِلُه
بِيَومٍ تُريكَ المَوتَ في صورَةِ النَوى / أَواخِرُهُ مِن حَسرَةٍ وَأَوائِلُه
وَقَفنا عَلى جَمرِ الوَداعِ عَشِيَّةً / وَلا قَلبَ إِلّا وَهوَ تَغلي مَراجِلُه
وَفي الكِلَّةِ الصَفراءِ جُؤذَرُ رَملَةٍ / غَدا مُستَقِلّاً وَالفِراقُ مُعادِلُه
تَيَقَّنتُ أَنَّ البَينَ أَوَّلُ فاتِكٍ / بِهِ مُذ رَأَيتُ الهَجرَ وَهوَ يُغازِلُه
يُعَنِّفُني أَن ضِقتُ ذَرعاً بِنَأيِهِ / وَيَجزَعُ أَن ضاقَت عَلَيهِ خَلاخِلُهُ
أَتَتكَ أَميرَ المُؤمِنينَ وَقَد أَتى / عَلَيها المَلا أَدماثُهُ وَجَراوِلُه
وَصَلنَ السُرى بِالوَخدِ في كُلِّ صَحصَحٍ / وَبِالسُهُدِ المَوصولِ وَالنَومُ خاذِلُه
رَواحِلُنا قَد بَزَّنا الهَمُّ أَمرَها / إِلى أَن حَسِبنا أَنَّهُنَّ رَواحِلُه
إِذا خَلَعَ اللَيلُ النَهارَ رَأَيتَها / بِإِرقالِها مِن كُلِّ وَجهٍ تُقابِلُه
إِلى قُطُبِ الدُنيا الَّذي لَو بِفَضلِهِ / مَدَحتُ بَني الدُنيا كَفَتهُم فَضائِلُه
مَنِ البَأسُ وَالمَعروفُ وَالجودُ وَالتُقى / عِيالٌ عَلَيهِ رِزقُهُنَّ شَمائِلُه
جَلا ظُلُماتِ الظُلمِ عَن وَجهِ أُمَّةٍ / أَضاءَ لَها مِن كَوكَبِ الحَقِّ آفِلهُ
وَلاذَت بِحُقوَيهِ الخِلافَةُ وَاِلتَقَت / عَلى خِدرِها أَرماحُهُ وَمَناصِلُه
أَتَتهُ مُغِذّاً قَد أَتاها كَأَنَّها / وَلا شَكَّ كانَت قَبلَ ذاكَ تُراسِلُه
بِمُعتَصِمٍ بِاللَهِ قَد عُصِمَت بِهِ / عُرى الدينِ وَاِلتَفَّت عَلَيها وَسائِلُه
رَعى اللَهُ فيهِ لِلرَعِيَّةِ رَأفَةً / تُزايِلُهُ الدُنيا وَلَيسَت تُزايِلُه
فَأَضحَوا وَقَد فاضَت إِلَيهِ قُلوبُهُم / وَرَحمَتُهُ فيهِم تَفيضُ وَنائِلُه
وَقامَ فَقامَ العَدلُ في كُلِّ بَلدَةٍ / خَطيباً وَأَضحى المُلكُ قَد شَقَّ بازِلُه
وَجَرَّدَ سَيفَ الحَقِّ حَتّى كَأَنَّهُ / مِنَ السَلِّ مودٍ غِمدُهُ وَحَمائِلُه
رَضينا عَلى رَغمِ اللَيالي بِحُكمِهِ / وَهَل دافِعٌ أَمراً وَذو العَرشِ قائِلُه
لَقَد حانَ مَن يُهدي سُوَيداءَ قَلبِهِ / لِحَدِّ سِنانٍ في يَدِ اللَهِ عامِلُه
وَكَم ناكِثٍ لِلعَهدِ قَد نَكَثَت بِهِ / أَمانيهِ وَاِستَخذى لِحَقِّكَ باطِلُه
فَأَمكَنتَهُ مِن رُمَّةِ العَفوِ رَأفَةً / وَمَغفِرَةً إِذ أَمكَنَتكَ مَقاتِلُه
وَحاطَ لَهُ الإِقرارُ بِالذَنبِ روحَهُ / وَجُثمانَهُ إِذ لَم تَحُطهُ قَبائِلُه
إِذا مارِقٌ بِالغَدرِ حاوَلَ غَدرَةً / فَذاكَ حَرِيٌّ أَن تَئيمَ حَلائِلُه
فَإِن باشَرَ الإِصحارَ فَالبيضُ وَالقَنا / قِراهُ وَأَحواضُ المَنايا مَناهِلُه
وَإِن يَبنِ حيطاناً عَلَيهِ فَإِنَّما / أُولَئِكَ عُقّالاتُهُ لا مَعاقِلُه
وَإِلّا فَأَعلِمهُ بِأَنَّكَ ساخِطٌ / وَدَعهُ فَإِنَّ الخَوفَ لا شَكَّ قاتِلُه
بِيُمنِ أَبي إِسحاقَ طالَت يَدُ العُلى / وَقامَت قَناةُ الدينِ وَاِشتَدَّ كاهِلُه
هُوَ اليَمُّ مِن أَيِّ النَواحي أَتَيتَهُ / فَلُجَّتُهُ المَعروفُ وَالجودُ ساحِلُه
تَعَوَّدَ بَسطَ الكَفِّ حَتّى لَو أَنَّهُ / ثَناها لِقَبضٍ لَم تُجِبهُ أَنامِلُه
وَلَو لَم يَكُن في كَفِّهِ غَيرُ روحِهِ / لَجادَ بِها فَليَتَّقِ اللَهَ سائِلُه
عَطاءٌ لَوِ اِسطاعَ الَّذي يَستَميحُهُ / لَأَصبَحَ مِن بَينِ الوَرى وَهوَ عاذِلُه
إِذا آمِلٌ ساماهُ قَرطَسَ في المُنى / مَواهِبَهُ حَتّى يُؤَمِّلَ آمِلُه
لُهىً تَستَثيرُ القَلبَ لَولا اِتِّصالُها / بِحُسنِ دِفاعِ اللَهِ وُسوِسَ سائِلُه
إِمامَ الهُدى وَاِبنَ الهُدى أَيُّ فَرحَةٍ / تَعَجَّلَها فيكَ القَريضُ وَقائِلُه
رَجاؤُكَ لِلباغي الغِنى عاجِلُ الغِنى / وَأَوَّلُ يَومٍ مِن لِقائِكَ آجِلُه
تَحَمَّلَ عَنهُ الصَبرُ يَومَ تَحَمَّلوا
تَحَمَّلَ عَنهُ الصَبرُ يَومَ تَحَمَّلوا / وَعادَت صَباهُ في الصِبا وَهيَ شَمأَلُ
بِيَومٍ كَقولِ الدَهرِ في عَرضِ مِثلِهِ / وَوَجدِيَ مِن هَذا وَهَذاكَ أَطوَلُ
تَوَلّوا فَوَلَّت لَوعَتي تَحشُدُ الأَسى / عَلَيَّ وَجاءَت عَبرَتي وَهيَ تَهمُلُ
بَذَلتُ لَهُم مَكنونَ دَمعي فَإِن وَنى / فَشَوقي عَلى أَلّا يَجِفَّ مُوَكَّلُ
أَلا بَكَرَت مَعذورَةً حينَ تَعذِلُ / تُعَرِّفُني مِنَ العَيشِ ما لَستُ أَجهَلُ
أَأَتبَعُ ضَنكَ الأَمرِ وَالأَمرُ مُدبِرٌ / وَأَدفَعُ في صَدرِ الغِنى وَهوَ مُقبِلُ
مُحَمَّدُ يا بنَ المُستَهِلِّ تَهَلَّلَت / عَلَيكَ سَماءٌ مِن ثَنائِيَ تَهطُلُ
وَكَم مَشهَدٍ أَشهَدتَهُ الجودَ فَاِنقَضى / وَمَجدُكَ يُستَحيا وَمالُكَ يُقتَلُ
بَلَوناكَ أَمّا كَعبُ عِرضِكَ في العُلى / فَعالٍ وَلَكِن خَدُّ مالِكَ أَسفَلُ
تَحَمَّلتَ ما لَو حُمِّلَ الدَهرُ شَطرَهُ / لَفَكَّرَ دَهراً أَيُّ عِبأَيهِ أَثقَلُ
أَبوكَ شَقيقٌ لَم يَزَل وَهوَ لِلنَدى / شَقيقٌ وَلِلمَلهوفِ حِرزٌ وَمَعقِلُ
أَفادَ مِنَ العَليا كُنوزاً لَوَ اَنَّها / صَوامِتُ مالٍ ما دَرى أَينَ تُجعَلُ
فَحَسبُ اِمرِئٍ أَنتَ اِمرُؤٌ آخِرٌ لَهُ / وَحَسبُكَ فَخراً أَنَّهُ لَكَ أَوَّلُ
وَهَل لِلقَريضِ الغَضِّ أَو مَن يَحوكُهُ / عَلى أَحَدٍ إِلّا عَلَيكَ مُعَوَّلُ
لِيَهنِ اِمرَأً أَثنى عَلَيكَ بِأَنَّهُ / يَقولُ وَإِن أَربى فَلا يَتَقَوَّلُ
سَهُلنَ عَلَيكَ المَكرُماتُ فَرَصفُها / عَلَينا إِذا ما اِستَجمَعَت فيكَ أَسهَلُ
رَأَيتُكَ لِلسَفرِ المُطَرَّدِ غايَةً / يَؤُمّونَها حَتّى كَأَنَّكَ مَنهَلُ
سَأَلتُكَ أَلّا تَسأَلَ اللَهَ حاجَةً / سِوى عَفوِهِ ما دُمتَ تُرجى وَتُسأَلُ
وَإِيّاكَ لا إِيّايَ أَمدَحُ مِثلَما / عَلَيكَ يَقيناً لا عَلَيَّ المُعَوَّلُ
وَلَستَ تَرى أَنَّ العُلا لَكَ عِندَما / تَقولُ وَلَكِنَّ العُلى حينَ تَفعَلُ
وَلا شَكَّ أَنَّ الخَيرَ مِنكَ سَجِيَّةٌ / وَلَكِنَّ خَيرَ الخَيرِ عِندي المُعَجَّلُ
غَدا المُلكُ مَعمورَ الحِمى وَالمَنازِلِ
غَدا المُلكُ مَعمورَ الحِمى وَالمَنازِلِ / مُنَوِّرَ وَحفِ الرَوضِ عَذبَ المَناهِلِ
بِمُعتَصِمٍ بِاللَهِ أَصبَحَ مَلجَأً / وَمُعتَصَماً حِرزاً لِكُلِّ مُوائِلِ
لَقَد أَلبَسَ اللَهُ الإِمامَ فَضائِلاً / وَتابَعَ فيها بِاللُهى وَالفَواضِلِ
فَأَضحَت عَطاياهُ نَوازِعَ شُرَّداً / تُسائِلُ في الآفاقِ عَن كُلِّ سائِلِ
مَواهِبُ جُدنَ الأَرضَ حَتّى كَأَنَّما / أَخَذنَ بِآدابِ السَحابِ الهَواطِلِ
إِذا كانَ فَخراً لِلمُمَدَّحِ وَصفُهُ / بِيَومِ عِقابٍ أَو نَدىً مِنهُ هامِلِ
فَكَم لَحظَةٍ أَهدَيتَها لِاِبنِ نَكبَةٍ / فَأَصبَحَ مِنها ذا عِقابٍ وَنائِلِ
شَهِدتُ أَميرَ المُؤمِنينَ شَهادَةً / كَثيرٌ ذَوو تَصديقِها في المَحافِلِ
لَقَد لَبِسَ الأَفشينُ قَسطَلَةَ الوَغى / مِحَشّاً بِنَصلِ السَيفِ غَيرَ مُواكِلِ
وَسارَت بِهِ بَينَ القَنابِلِ وَالقَنا / عَزائِمُ كانَت كَالقَنا وَالقَنابِلِ
وَجَرَّدَ مِن آرائِهِ حينَ أُضرِمَت / بِهِ الحَربُ حَدّاً مِثلَ حَدِّ المَناصِلِ
رَأى بابَكٌ مِنهُ الَّتي لا شَوى لَها / فَتُرجى سِوى نَزعِ الشَوى وَالمَفاصِلِ
تَراهُ إِلى الهَيجاءِ أَوَّلَ راكِبٍ / وَتَحتَ صَبيرِ المَوتِ أَوَّلَ نازِلِ
تَسَربَلَ سِربالاً مِنَ الصَبرِ وَاِرتَدى / عَلَيهِ بعَضبٍ في الكَريهَةِ قاصِلِ
وَقَد ظُلِّلَت عِقبانُ أَعلامِهِ ضُحىً / بِعِقبانِ طَيرٍ في الدِماءِ نَواهِلِ
أَقامَت مَعَ الراياتِ حَتّى كَأَنَّها / مِنَ الجَيشِ إِلّا أَنَّها لَم تُقاتِلِ
فَلَمّا رَآهُ الخُرَّمِيّونَ وَالقَنا / بِوَبلٍ أَعاليهِ مُغيثَ الأَسافِلِ
رَأَوا مِنهُ لَيثاً فَاِبذَعَرَّت حُماتُهُم / وَقَد حَكَمَت فيهِ حُماةُ العَوامِلِ
عَشِيَّةَ صَدَّ البابَكِيُّ عَنِ القَنا / صُدودَ المُقالي لا صُدودَ المُجامِلِ
تَحَدَّرَ مِن لِهبَيهِ يَرجو غَنيمَةً / بِساحَةِ لا الواني وَلا المُتَخاذِلِ
فَكانَ كَشاةِ الرَملِ قَيَّضَهُ الرَدى / لِقانِصِهِ مِن قَبلِ نَصبِ الحَبائِلِ
وَفي سَنَةٍ قَد أَنفَدَ الدَهرُ عُظمَها / فَلَم يُرجَ مِنها مُفرَجٌ دونَ قابِلِ
فَكانَت كَنابٍ شارِفِ السِنِّ طَرَّقَت / بِسَقبٍ وَكانَت في مَخيلَةِ حائِلِ
وَعاذَ بِإِطرافِ المَعاقِلِ مُعصِماً / وَأُنسِيَ أَنَّ اللَهَ فَوقَ المَعاقِلِ
فَوَلّى وَما أَبقى الرَدى مِن حُماتِهِ / لَهُ غَيرَ أَسآرِ الرِماحِ الذَوابِلِ
أَما وَأَبيهِ وَهوَ مَن لا أَبا لَهُ / يُعَدُّ لَقَد أَمسى مُضيءَ المَقاتِلِ
فُتوحُ أَميرِ المُؤمِنينَ تَفَتَّحَت / لَهُنَّ أَزاهيرُ الرُبا وَالخَمائِلِ
وَعاداتُ نَصرٍ لَم تَزَل تَستَعيدُها / عِصابَةُ حَقٍّ في عِصابَةِ باطِلِ
وَما هُوَ إِلّا الوَحيُ أَو حَدُّ مُرهَفٍ / تُميلُ ظُباهُ أَخدَعَي كُلِّ مائِلِ
فَهَذا دَواءُ الداءِ مِن كُلِّ عالِمٍ / وَهَذا دَواءُ الداءِ مِن كُلِّ جاهِلِ
فَيَأَيُّها النُوّامُ عَن رَيِّقِ الهُدى / وَقَد جادَكُم مِن ديمَةٍ بَعدَ وابِلِ
هُوَ الحَقُّ إِن تَستَيقِظوا فيهِ تَغنَموا / وَإِن تَغفُلوا فَالسَيفُ لَيسَ بِغافِلِ
لَهانَ عَلَينا أَن نَقولَ وَتَفعَلا
لَهانَ عَلَينا أَن نَقولَ وَتَفعَلا / وَنَذكُرَ بَعضَ الفَضلِ عَنكَ وَتُفضِلا
أَبا جَعفَرٍ أَجرَيتَ في كُلِّ تَلعَةٍ / لَنا جَعفَراً مِن فَيضِ كَفَّيكَ سَلسَلا
فَكَم قَد أَثَرنا مِن نَوالِكَ مَعدِناً / وَكَم قَد بَنَينا في ظِلالِكَ مَعقِلا
رَجَعتَ المُنى خُضراً تَثَنّى غُصونُها / عَلَينا وَأَطلَقتَ الرَجاءَ المُكَبَّلا
وَما يَلحَظُ العافي جَداكَ مُؤَمِّلاً / سِوى لَحظَةٍ حَتّى يَؤوبَ مُؤَمِّلا
لَقَد زِدتَ أَوضاحي اِمتِداداً وَلَم أَكُن / بَهيماً وَلا أَرضى مِنَ الأَرضِ مَجهَلا
وَلَكِن أَيادٍ صادَفَتني جِسامُها / أَغَرَّ فَأَوفَت بي أَغَرَّ مُحَجَّلا
إِذا أَحسَنَ الأَقوامُ أَن يَتَطاوَلوا / بِلا نِعمَةٍ أَحسَنتَ أَن تَتَطَوَّلا
تَعَظَّمتَ عَن ذاكَ التَعَظُّمِ مِنهُمُ / وَأَوصاكَ نُبلُ القَدرِ أَلّا تَنَبَّلا
تَبيتُ بَعيداً أَن تُوَجِّهَ حيلَةً / عَلى نَشَبِ السُلطانِ أَو تَتَأَوَّلا
إِذا ما أَصابوا غِرَّةً فَتَمَوَّلوا / بِها راحَ بَيتُ المالِ مِنكَ مُمَوَّلا
هَزَزتَ أَميرَ المُؤمِنينَ مُحَمَّداً / فَكانَ رُدَينِيّاً وَأَبيَضَ مُنصُلا
فَما إِن تُبالي أَن تُجَهِّزَ رَأيَهُ / إِلى ناكِثٍ أَلّا تُجَهِّزَ جَحفَلا
تَرى شَخصَهُ وَسطَ الخِلافَةِ هَضبَةً / وَخُطبَتَهُ دونَ الخِلافَةِ فَيصَلا
وَأَنَّكَ إِذ أَلبَستَهُ العِزَّ مُنعِماً / وَسَربَلتَهُ تِلكَ الجَلالَةَ مُفضِلا
لِتَقضي بِهِ حَقَّ الرَعِيَّةِ آخِراً / وَتَقضي بِهِ حَقَّ الخِلافَةِ أَوَّلا
فَما هَضبَتا رَضوى وَلا رُكنُ مُعنِقٍ / وَلا الطَودُ مِن قُدسٍ وَلا أَنفُ يَذبُلا
بِأَثقَلَ مِنهُ وَطأَةً حينَ يَغتَدي / فَيُلقي وَراءَ المُلكِ نَحراً وَكَلكَلا
مَنيعُ نَواحي السِرِّ فيهِ حَصينُها / إِذا صارَتِ النَجوى المُذالَةَ مَحفِلا
تَرى الحادِثَ المُستَعجِمَ الخَطبِ مُعجَماً / لَدَيهِ وَمَشكولاً إِذا كانَ مُشكَلا
وَجَدناكَ أَندى مِن رِجالٍ أَنامِلاً / وَأَحسَنَ في الحاجاتِ وَجهاً وَأَجمَلا
تُضيءُ إِذا اِسوَدَّ الزَمانُ وَبَعضُهُم / يَرى المَوتَ أَن يَنهَلَّ أَو يَتَهَلَّلا
وَوَاللَهِ ما آتيكَ إِلّا فَريضَةً / وَآتي جَميعَ الناسِ إِلّا تَنَفُّلا
وَلَيسَ اِمرُؤٌ في الناسِ كُنتَ سِلاحَهُ / عَشِيَّةَ يَلقى الحادِثاتِ بِأَعزَلا
يَرى دِرعَهُ حَصداءَ وَالسَيفَ قاضِياً / وَزُجَّيهِ مَسمومَينِ وَالسَوطَ مِغوَلا
سَأَقطَعُ أَمطاءَ المَطايا بِرِحلَةٍ / إِلى البَلَدِ الغَربِيِّ هَجراً وَموصِلا
إِلى الرَحِمِ الدُنيا الَّتي قَد أَجَفَّها / عُقوقي عَسى اَسبابُها أَن تَبَلَّلا
قَبيلٌ وَأَهلٌ لَم أُلاقِ مَشوقَهُم / لِوَشكِ النَوى إِلّا فُواقاً كَلا وَلا
كَأَنَّهُم كانوا لِخِفَّةِ وَقفَتي / مَعارِفَ لي أَو مَنزِلاً كانَ مَنزِلا
وَلَو شيتُ لَمّا اِلتاثَ بِرّي عَلَيهِم / وَلَم يَكُ إِجمالاً لَكانَ تَجَمُّلا
فَلَم أَجِدِ الأَخلاقَ إِلّا تَخَلُّقاً / وَلَم أَجِدِ الأَفضالَ إِلّا تَفَضُّلا
وَأَصرِفُ وَجهي عَن بِلادٍ غَدا بِها / لِسانِيَ مَشكولا وَقَلبِيَ مُقفَلا
وَجَدَّ بِها قَومٌ سِوايَ فَصادَفوا / بِها الصُنعَ أَعشى وَالزَمانَ مُغَفَّلا
كِلابٌ أَغارَت في فَريسَةِ ضَيغَمٍ / طُروقاً وَهامٌ أُطعِمَت صَيدَ أَجدَلا
وَإِنَّ صَريحَ الرَأيِ وَالحَزمِ لَاِمرُؤٌ / إِذا بَلَغَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا
وَإِلّا تَكُن تِلكَ الأَمانِيُّ غَضَّةً / تَرِفُّ فَحَسبي أَن تُصادِفَ ذُبَّلا
فَلَيسَ الَّذي قاسى المَطالِبَ غُدوَةً / هَبيداً كَمَن قاسى المَطالِبَ حَنظَلا
لَئِن هِمَمي أَوجَدنَني في تَقَلُّبي / مَآلا لَقَد أَفقَدنَني مِنكَ مَوئِلا
وَإِن رُمتُ أَمراً مُدبِرَ الوَجهِ إِنَّني / سَأَترُكُ حَظّاً في فِنائِكَ مُقبِلا
وَإِن كُنتُ أَخطو ساحَةَ المَحلِ إِنَّني / لَأَترُكُ رَوضاً مِن جَداكَ وَجَدوَلا
كَذَلِكَ لا يُلقي المُسافِرُ رَحلَهُ / إِلى مَنقَلٍ حَتّى يُخَلَّفَ مَنقَلا
وَلا صاحِبُ التَطوافِ يَعمُرُ مَنهَلاً / وَرَبعاً إِذا لَم يُخلِ رَبعاً وَمَنهَلا
وَمَن ذا يُداني أَو يُنائي وَهَل فَتىً / يَحُلُّ عُرى التَرحالِ أَو يَتَرَحَّلا
فَمُرني بِأَمرٍ أَحوَذِيٍّ فَإِنَّني / رَأَيتُ العِدا أَثرَوا وَأَصبَحتُ مُرمِلا
فَسِيّانِ عِندي صادَفوا لي مَطعَماً / أُعابُ بِهِ أَو صادَفوا لي مَقتَلا
وَوَاللَهِ لا أَنفَكُّ أُهدي شَوارِداً / إِلَيكَ يُحَمَّلنَ الثَناءَ المُنَخَّلا
تَخالُ بِهِ بُرداً عَلَيكَ مُحَبَّراً / وَتَحسَبُهُ عِقداً عَلَيكَ مُفَصَّلا
أَلَذَّ مِنَ السَلوى وَأَطيَبَ نَفحَةً / مِنَ المِسكِ مَفتوقاً وَأَيسَرَ مَحمَلا
أَخَفَّ عَلى قَلبٍ وَأَثقَلَ قيمَةً / وَأَقصَرَ في سَمعِ الجَليسِ وَأَطوَلا
وَيُزهى لَهُ قَومٌ وَلَم يُمدَحوا بِهِ / إِذا مَثَلَ الراوي بِهِ أَو تَمَثَّلا
عَلى أَنَّ إِفراطَ الحَياءِ اِستَمالَني / إِلَيكَ وَلَم أَعدِل بِعِرضِيَ مَعدِلا
فَثَقَّلتُ بِالتَخفيفِ عَنكَ وَبَعضُهُم / يُخَفِّفُ في الحاجاتِ حَتّى يُثَقِّلا
مَتى أَنتَ عَن ذُهلِيَّةِ الحَيِّ ذاهِلُ
مَتى أَنتَ عَن ذُهلِيَّةِ الحَيِّ ذاهِلُ / وَقَلبُكَ مِنها مُدَّةَ الدَهرِ آهِلُ
تُطِلُّ الطُلولُ الدَمعَ في كُلِّ مَوقِفٍ / وَتَمثُلُ بِالصَبرِ الدِيارُ المَواثِلُ
دَوارِسُ لَم يَجفُ الرَبيعُ رُبوعَها / وَلا مَرَّ في أَغفالِها وَهوَ غافِلُ
فَقَد سَحَبَت فيها السَحائِبُ ذَيلَها / وَقَد أُخمِلَت بِالنَورِ فيها الخَمائِلُ
تَعَفَّينَ مِن زادِ العُفاةِ إِذا اِنتَحى / عَلى الحَيِّ صَرفُ الأَزمَةِ المُتَماحِلُ
لَهُم سَلَفٌ سُمرُ العَوالي وَسامِرٌ / وَفيهِم جَمالٌ لا يَغيضُ وَجامِلُ
لَيالِيَ أَضلَلتَ العَزاءَ وَجَوَّلَت / بِعَقلِكَ آرامُ الخُدورِ العَقائِلُ
مِنَ الهيفِ لَو أَنَّ الخَلاخِلَ صُيِّرَت / لَها وُشُماً جالَت عَلَيها الخَلاخِلُ
مَها الوَحشِ إِلّا أَنَّ هاتا أَوانِسٌ / قَنا الخَطَ إِلّا أَنَّ تِلكَ ذَوابِلُ
هَوىً كانَ خِلساً إِنَّ مِن أَحسَنِ الهَوى / هَوىً جُلتَ في أَفنائِهِ وَهوَ خامِلُ
أَبا جَعفَرِ إِنَّ الجَهالَةَ أُمُّها / وَلودٌ وَأُمُّ العِلمِ جَدّاءُ حائِلُ
أَرى الحَشوَ وَالدَهماءَ أَضحَوا كَأَنَّهُم / شُعوبٌ تَلاقَت دونَنا وَقَبائِلُ
غَدَوا وَكَأَنَّ الجَهلَ يَجمَعُهُم بِهِ / أَبٌ وَذَوو الآدابِ فيهِم نَواقِلُ
فَكُن هَضبَةً نَأوي إِلَيها وَحَرَّةً / يُعَرِّدُ عَنها الأَعوَجِيُّ المَناقِلُ
فَإِنَّ الفَتى في كُلِّ ضَربٍ مُناسِبٌ / مَناسِبَ روحانِيَّةً مِن يُشاكِلُ
وَلَم تَنظِمِ العِقدَ الكَعابُ لِزينَةٍ / كَما تَنظِمُ الشَمعَ الشَتيتَ الشَمائِلُ
وَأَنتَ شِهابٌ في المُلِمّاتِ ثاقِبٌ / وَسَيفٌ إِذا ما هَزَّكَ الحَقُّ قاصِلُ
مِنَ البيضِ لَم تَنضُ الأَكُفُّ كَنَصلِهِ / وَلا حَمَلَت مِثلاً إِلَيهِ الحَمائِلُ
مُؤَرِّثُ نارٍ وَالإِمامُ يَشُبُّها / وَقائِلُ فَصلٍ وَالخَليفَةُ فاعِلُ
وَإِنَّكَ إِن صَدَّ الزَمانُ بِوَجهِهِ / لَطَلقٌ وَمِن دونِ الخَليفَةِ باسِلُ
لَئِن نَقِموا حوشِيَّةً فيكَ دونَها / لَقَد عَلِموا عَن أَيِّ عِلقٍ تُناضِلُ
هِيَ الشَيءُ مَولى المَرءِ قِرنٌ مُبايِنٌ / لَهُ وَاِبنُهُ فيها عَدُوٌّ مُقاتِلُ
إِذا فَضَلَت عَن رَأيِ غَيرِكَ أَصبَحَت / وَرَأيُكَ عَن جِهاتِها السِتِّ فاضِلُ
وَخَطبٍ جَليلٍ دونَها قَد شَغَلتَهُ / وَفي دونِهِ شُغلٌ لِغَيرِكَ شاغِلُ
رَدَدتَ السَنا في شَمسِهِ بَعدَ كُلفَةٍ / كَأَنَّ اِنتِصافَ اليَومِ فيها أَصائِلُ
تَرى كُلَّ نَقصٍ تارِكَ العِرضِ وَالتُقى / كَمالاً إِذا المُلكُ اِعتَدى وَهوَ كامِلُ
جَمَعتَ عُرى أَعمالِها بَعدَ فُرقَةٍ / إِلَيكَ كَما ضَمَّ الأَنابيبَ عامِلُ
فَأَضحَت وَقَد ضُمَّت إِلَيكَ وَلَم تَزَل / تُضَمُّ إِلى الجَيشِ الكَثيفِ القَنابِلُ
وَما بَرِحَت صُوَراً إِلَيكَ نَوازِعاً / أَعِنَّتُها مُذ راسَلَتكَ الرَسائِلُ
لَكَ القَلَمُ الأَعلى الَّذي بِشَباتِهِ / تُصابُ مِنَ الأَمرِ الكُلى وَالمَفاصِلُ
لَهُ الخَلَواتُ اللاءِ لَولا نَجِيُّها / لَما اِحتَفَلَت لِلمُلكِ تِلكَ المَحافِلُ
لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ / وَأَريُ الجَنى اِشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ
لَهُ ريقَةٌ طَلٌّ وَلَكِنَّ وَقعَها / بآِثارِهِ في الشَرقِ وَالغَربِ وابِلُ
فَصيحٌ إِذا اِستَنطَقتَهُ وَهوَ راكِبٌ / وَأَعجَمُ إِن خاطَبتَهُ وَهوَ راجِلُ
إِذا ما اِمتَطى الخَمسَ اللِطافَ وَأُفرِغَت / عَلَيهِ شِعابُ الفِكرِ وَهيَ حَوافِلُ
أَطاعَتهُ أَطرافَ القَنا وَتَقَوَّضَت / لِنَجواهُ تَقويضَ الخِيامِ الجَحافِلُ
إِذا اِستَعزَزَ الذِهنَ الذَكِيَّ وَأَقبَلَت / أَعاليهِ في القِرطاسِ وَهيَ أَسافِلُ
وَقَد رَفَدَتهُ الخَنصَرانِ وَشَدَّدَت / ثَلاثَ نَواحيهِ الثَلاثُ الأَنامِلُ
رَأَيتَ جَليلاً شَأنُهُ وَهوَ مُرهَفٌ / ضَنىً وَسَميناً خَطبُهُ وَهوَ ناحِلُ
أَرى اِبنَ أَبي مَروانَ أَمّا عَطاؤُهُ / فَطامٍ وَأَمّا حُكمُهُ فَهوَ عادِلُ
هُوَ المَرءُ لا الشورى اِستَبَدَّت بِرَأيِهِ / وَلا قَبَضَت مِن راحَتَيهِ العَواذِلُ
مُعَرَّسُ حَقٍّ مالُهُ وَلَرُبَّما / تَحَيَّفَ مِنهُ الخَطبُ وَالخَطبُ باطِلُ
لَقاحٌ فَلَم تَخدِجهُ بِالضَيمِ مِنَّةٌ / وَلا نالَ أَنفاً مِنهُ بِالذُلِّ نائِلُ
تَرى حَبلَهُ غَرثانَ مِن كُلِّ غَدرَةٍ / إِذا نُصِبَت تَحتَ الحِبالِ الحَبائِلُ
فَتىً لا يَرى أَنَّ الفَريضَةَ مَقتَلٌ / وَلَكِن يَرى أَنَّ العُيوبَ المَقاتِلُ
وَلا غُمُرٌ قَد رَقَّصَ الخَفضُ قَلبَهُ / وَلا طارِفٌ في نِعمَةِ اللَهِ جاهِلُ
أَبا جَعفَرٍ إِنَّ الخَليفَةَ إِن يَكُن / لِوُرّادِنا بَحراً فَإِنَّكَ ساحِلُ
وَما راغِبٌ أَسرى إِلَيكَ بِراغِبٍ / وَلا سائِلٌ أَمَّ الخَليفَةَ سائِلُ
تَقَطَّعَتِ الأَسبابُ إِن لَم تُغرِ لَها / قُوىً وَيَصِلها مِن يَمينِكَ واصِلُ
سِوى مَطلَبٍ يُنضي الرَجاءَ بِطولِهِ / وَتُخلِقُ إِخلاقَ الجُفونِ الوَسائِلُ
وَقَد تَألَفُ العَينُ الدُجى وَهوَ قَيدُها / وَيُرجى شِفاءُ السَمِّ وَالسَمُّ قاتِلُ
وَلي هِمَّةٌ تَمضي العُصورُ وَإِنَّها / كَعَهدِكَ مِن أَيّامِ وَعدِكَ حامِلُ
سِنونَ قَطَعناهُنَّ حَتّى كَأَنَّما / قَطَعنا لِقُربِ العَهدِ مِنها مَراحِلُ
وَإِنَّ جَزيلاتِ الصَنائِعِ لِاِمرِىءٍ / إِذا ما اللَيالي ناكَرَتهُ مَعاقِلُ
وَإِنَّ المَعالي يَستَرِمُّ بَناؤُها / وَشيكاً كَما قَد تَستَرِمُّ المَنازِلُ
وَلَو حارَدَت شَولٌ عَذَرتُ لِقاحَها / وَلَكِن حُرِمتُ الدَرَّ وَالضَرعُ حافِلُ
مَنَحتُكَها تَشفي الجَوى وَهوَ لاعِجٌ / وَتَبعَثُ أَشجانَ الفَتى وَهوَ ذاهِلُ
تَرُدُّ قَوافيها إِذا هِيَ أُرسِلَت / هَوامِلَ مَجدِ القَومِ وَهيَ هَوامِلُ
فَكَيفَ إِذا حَلَّيتَها بِحُلِيِّها / تَكونُ وَهَذا حُسنُها وَهيَ عاطِلُ
أَكابِرَنا عَطفاً عَلَينا فَإِنَّنا / بِنا ظَمَأٌ مُردٍ وَأَنتُم مَناهِلُ
جُعِلتُ فِداكَ أَنتَ مَن لا نَدُلُّهُ
جُعِلتُ فِداكَ أَنتَ مَن لا نَدُلُّهُ / عَلى الحَزمِ في التَدبيرِ بَل نَستَدِلُّهُ
وَلَيسَ اِمرُؤٌ يَهديكَ غَيرَ مُذَكَّرٍ / إِلى كَرَمٍ إِلّا اِمرُؤٌ ضَلَّ ضُلُّهُ
وَلَكِنَّنا مِن يوسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ / عَلى أَمَلٍ كَالفَجرِ لاحَ مُطِلُّهُ
هِلالٌ لَنا قَد كادَ يَخمُدُ ضَوؤُهُ / وَكُنّا نَراهُ البَدرَ إِذ نَستَهِلُّهُ
هُوَ السَيفُ عَضباً قَد أَرَثَّت جُفونُهُ / وَضُيِّعَ حَتّى كُلُّ شَيءٍ يَفُلُّهُ
فَصُنهُ فَإِنّا نَرتَجي في غِرارِهِ / شِفاءً مِنَ الأَعداءِ يَومَ تَسُلُّهُ
لَهُ خُلُقٌ رَحبٌ وَنَفسٌ رَأَيتُها / إِذا رَزَحَت نَفسُ اللَئيمِ تُقِلُّهُ
فَفيمَ وَلِم صَيَّرتَ سَمعَكَ ضَيعَةً / وَوَقَفا عَلى الساعي بِهِ يَستَغِلُّهُ
قَرارَةُ عَدلٍ سَيلُ كُلِّ ثَنِيَّةٍ / إِلَيها وَشِعبٌ كُلُّ زَورٍ يَحُلُّهُ
لِذَلِكَ ذا المَولى المُهانُ يُهينُهُ / فَيَحظى وَذا العَبدُ الذَليلُ يُذِلُّهُ
أَتَغدو بِهِ في الحَربِ قَبلَ اِتِّغارِهِ / وَفي الخَطبِ قَد أَعيا الأَولى مُصمَئِلُّهُ
وَتَعقِدُهُ حَتّى إِذا اِستَحصَدَت لَهُ / مَرائِرُهُ أَنشَأتَ بَعدُ تَحُلُّهُ
هُوَ النَفَلُ الحُلوُ الَّذي إِن شَكَرتَهُ / فَقَد ذابَ في أَقصى لَهاتِكَ حَلُّهُ
وَفَيءٌ فَوَقِّرهُ وَإِنّي لَواثِقٌ / بِأَن لا يَراكَ اللَهُ مِمَّن يَغُلُّهُ
فَلَو كانَ فَرعاً مِن فُروعِكَ لَم يَكُن / لَنا مِنهُمُ إِلّا ذَراهُ وَظِلُّهُ
فَكَيفَ وَإِن لَم يَرزُقِ اللَهُ إِخوَةً / لَهُ فَهوَ بَعدَ اليَومِ فَرعُكَ كُلُّهُ
جَوىً ساوَرَ الأَحشاءَ وَالقَلبَ واغِلُهُ
جَوىً ساوَرَ الأَحشاءَ وَالقَلبَ واغِلُهُ / وَدَمعٌ يُضيمُ العَينَ وَالجَفنَ هامِلُه
وَفاجِعُ مَوتٍ لا عَدُوّاً يَخافُهُ / فَيُبقي وَلا يُبقي صَديقاً يُجامِلُه
وَأَيُّ أَخي عَزّاءَ أَو جَبَرِيَّةٍ / يُنابِذُهُ أَو أَيُّ رامٍ يُناضِلُه
إِذا ما جَرى مَجرى دَمِ المَرءِ حُكمُهُ / وَبُثَّت عَلى طُرقِ النُفوسِ حَبائِلُه
فَلَو شاءَ هَذا الدَهرُ أَقصَرَ شَرُّهُ / كَما قَصُرَت عَنّا لُهاهُ وَنائِلُه
سَنَشكوهُ إِعلاناً وَسِرّاً وَنِيَّةً / شَكِيَّةَ مَن لا يَستَطيعُ يُقاتِلُه
فَمَن مُبلِغٌ عَنّي رَبيعَةَ أَنَّهُ / تَقَشَّعَ طَلُّ الجودِ مِنها وَوابِلُه
وَأَنَّ الحِجى مِنها اِستَطارَت صُدوعُهُ / وَأَنَّ النَدى مِنها أُصيبَت مَقاتِلُه
مَضى لِلزِيَالِ القاسِمُ الواهِبُ اللُهى / وَلَو لَم يُزايِلنا لَكُنّا نُزايِلُه
وَلَم يَعلَموا أَنَّ الزَمانَ يُريدُهُ / بِفَجعٍ وَلا أَنَّ المَنايا تُراسِلُه
فَتىً سيطَ حُبُّ المَكرُماتِ بِلَحمِهِ / وَخامَرَهُ حَقُّ السَماحِ وَباطِلُه
فَتىً لَم يَذُق سُكرَ الشَبابِ وَلَم تَكُن / تَهُبُّ شَمالاً لِلصَديقِ شَمائِلُه
فَتىً جاءَهُ مِقدارُهُ وَاِثنَتا العُلا / يَداهُ وَعَشرُ المَكرُماتِ أَنامِلُه
فَتىً يَنفَجُ الأَقوامُ مِن طيبِ ذِكرِهِ / ثَناءً كَأَنَّ العَنبَرَ الوَردَ شامِلُه
لَقَد فُجِعَت عَتّابُهُ وَزُهَيرُهُ / وَتَغلِبُهُ أُخرى اللَيالي وَوائِلُه
وَكانَ لَهُم غَيثاً وَعِلماً فَمُعدِمٍ / فَيَسأَلُهُ أَو باحِثٍ فَيُسائِلُه
وَمُبتَدِرُ المَعروفِ تَسري هِباتُهُ / إِلَيهِم وَلا تَسري إِلَيهِم غَوائِلُه
فَتىً لَم تَكُن تَغلي الحُقودُ بِصَدرِهِ / وَتَغلي لِأَضيافِ الشِتاءِ مَراجِلُه
مَليكٌ لِأَملاكٍ تُضيفُ ضُيوفُهُ / وَيُرجى مُرَجّيهِ وَيُسأَلُ سائِلُه
طَواهُ الرَدى طَيَّ الكِتابِ وَغُيِّبَت / فَضائِلُهُ عَن قَومِهِ وَفَواضِلُه
طَوى شِيَماً كانَت تَروحُ وَتَغتَدي / وَسائِلَ مَن أَعيَت عَلَيهِ وَسائِلُه
فَيا عارِضاً لِلعُرفِ أَقلَعَ مُزنُهُ / وَيا وادِياً لِلجودِ جَفَّت مَسائِلُه
أَلَم تَرَني أَنزَفتُ عَيني عَلى أَبي / مُحَمَّدٍ النَجمِ المُشَرِّقِ آفِلُه
وَأَخضَلتُها فيهِ كَما لَو أَتَيتُهُ / طَريدَ اللَيالي أَخضَلَتني نَوافِلُه
وَلَكِنَّني أُطري الحُسامَ إِذا مَضى / وَإِن كانَ يَومَ الرَوعِ غَيرِيَ حامِلُه
وَآسى عَلى جَيحانَ إِذ غاضَ ماؤُهُ / وَإِن كانَ ذَوداً غَيرَ ذَودِيَ ناهِلُه
عَلَيكَ أَبا كُلثومٍ الصَبرَ إِنَّني / أَرى الصَبرَ أُخراهُ تُقىً وَأَوائِلُه
تَعادَلَ وَزناً كُلُّ شَيءٍ وَلا أَرى / سِوى صِحَّةِ التَوحيدِ شَيئاً يُعادِلُه
فَأَنتَ سَنامٌ لِلفَخارِ وَغارِبٌ / وَصِنواكَ مِنهُ مِنكَباهُ وَكاهِلُه
وَلَيسَت أَثافي القِدرِ إِلّا ثَلاثُها / وَلا الرُمحُ إِلّا لَهذَماهُ وَعامِلُه
ذَكَرتُ مُحَمَّداً بِقَتلِ مُحَمَّدِ
ذَكَرتُ مُحَمَّداً بِقَتلِ مُحَمَّدِ / وَقَحطَبَةً ذِكراً طَويلَ البَلابِلِ
وَكانَ الأَسى قَد آلَ فيهِ إِلى الحَشا / فَلَمّا اِستَجَرّاهُ جَرى في المَفاصِلِ
كَماءِ الغَديرِ اِمتَدَّ بَعدَ وُقوعِهِ / بِما هاجَ مِن فَيضِ التِلاع القَوابِلِ
ثَوَوا في الثَرى مِن بَعدِما سُربِلوا العُلا / وَمِن بَعدِما سُمّوا نُجومَ المَحافِلِ
مَصارِعُ لَم تورِث شَناراً وَإِنَّها / لَيَرتَعُ فيها شامِتٌ عِندَ جاهِلِ
لَعَمرُكَ ما كانوا ثَلاثَةَ أُخوَةٍ / وَلَكِنَّهُم كانوا ثَلاثَ قَبائِلِ
هَلِ اللَهُ لَو أَشرَكتُ كانَ مُعَذِّبي
هَلِ اللَهُ لَو أَشرَكتُ كانَ مُعَذِّبي / بِأَكثَرَ مِن أَنّي لِجاهِكَ آمِلُ
هَلِمّوا اِعجَبوا مِن أَنبَهِ الناسِ كُلِّهِم / ذَريعَتُهُ فيما يُحاوِلُ خامِلُ
أَيَرضى بِضَعفٍ في وَسائِلِهِ اِمرُؤٌ / لَهُ حَرَكاتٌ كُلُّهُنَّ وَسائِلُ
وَإِنّي لَأَستَحيي يَقينِيَ أَن يُرى
وَإِنّي لَأَستَحيي يَقينِيَ أَن يُرى / لِشَكِّيَ في شَيءٍ عَلَيهِ سَبيلُ
وَما زالَ لي عِلمٌ إِذا ما نَصَصتُهُ / كَثيرٌ بِأَنَّ الظَرفَ فيكَ قَليلُ
وَإِن يَكُ عَدّا عَن سِواكَ إِلَيكَ بي / رَحيلٌ فَلي في الأَرضِ عَنكَ رَحيلُ
أَبى الحَزمُ لي مَكثاً بِدارِ مَضيعَةٍ / وَعَنسٌ أَبوها شَدقَمٌ وَجَديلُ
أَبَعدَ الَّذي ما بَعدَها مُتَلَوَّمٌ / عَلَيكَ لِحُرٍّ قُلتَ أَنتَ جَهولُ
سَأَقطَعُ أَرسانَ العِتابِ بِمَنطِقٍ / قَصيرُ عَناءِ الفِكرِ فيهِ طَويلُ
وَإِنَّ اِمرَأً ضَنَّت يَداهُ عَلى اِمرِئٍ / بِنَيلِ يَدٍ مِن غَيرِهِ لَبَخيلُ
أَصِب بِحُمَيّا كَأسِها مَقتَلَ العَذلِ
أَصِب بِحُمَيّا كَأسِها مَقتَلَ العَذلِ / تَكُن عِوَضاً إِن عَنَّفوكَ مِنَ التَبلِ
وَكَأسٍ كَمَعسولِ الأَماني شَرِبتُها / وَلَكِنَّها أَجلَت وَقَد شَرِبَت عَقلي
إِذا عوتِبَت بِالماءِ كانَ اِعتِذارُها / لَهيباً كَوَقعِ النارِ في الحَطَبِ الجَزلِ
إِذا هِيَ دَبَّت في الفَتى خالَ جِسمَهُ / لِما دَبَّ فيهِ قَريَةً مِن قُرى النَملِ
إِذا ذاقَها وَهيَ الحَياةُ رَأَيتَهُ / يُعَبِّسُ تَعبيسَ المُقَدَّمِ لِلقَتلِ
إِذا اليَدُ نالَتها بِوِترٍ تَوَقَّرَت / عَلى ضَعفِها ثُمَّ اِستَقادَت مِنَ الرِجلِ
وَيَصرَعُ ساقيها بِإِنصافِ شَربِها / وَصَرعُهُمُ بِالجَورِ في صورَةِ العَدلِ
سَقى الرائِحُ الغادي المُهَجِّرُ بَلدَةً / سَقَتنِيَ أَنفاسَ الصَبابَةِ وَالخَبلِ
سَحاباً إِذا أَلقَت عَلى خِلفِهِ الصَبا / يَداً قالَتِ الدُنيا أَتى قاتِلُ المَحلِ
إِذا ما اِرتَدى بِالبَرقِ لَم يَزَلِ النَدى / لَهُ تَبَعاً أَو يَرتَدي الرَوضُ بِالبَقلِ
إِذا اِنتَشَرَت أَعلامُهُ حَولَهُ اِنطَوَت / بُطونُ الثَرى مِنهُ وَشيكاً عَلى حَملِ
تَرى الأَرضَ تَهتَزُّ اِرتِياحاً لِوَقعِهِ / كَما اِرتاحَتِ البِكرُ الهَدِيُّ إِلى البَعلِ
فَجادَ دِمَشقاً كُلَّها جودَ أَهلِها / بِأَنفُسِهِم عِندَ الكَريهَةِ وَالبَذلِ
سَقاهُم كَما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغى / بِبيضِ صَفيحِ الهِندِ وَالسُمُرِ الذُبلِ
فَلَم يُبقِ مِن أَرضِ البِقاعَينِ بُقعَةً / وَجادَ قُرى الجَولانِ بِالمُسبِلِ الوَبلِ
بِنَفسِيَ أَرضُ الشامِ لا أَيمَنُ الحِمى / وَلا أَيسَرُ الدَهنا وَلا وسَطُ الرَملِ
وَلَم أَرَ مِثلي مُستَهاماً بِمِثلِكُم / لَهُ مِثلُ قَلبي فيهِ ما فيهِ لا يَغلي
عَدَتنِيَ عَنكُم مُكرَهاً غُربَةُ النَوى / لَها طَربَةٌ في أَن تُمِرَّ وَلا تُحلي
إِذا لَحَظَت حَبلاً مِنَ الحَيِّ مُحصَداً / رَمَتهُ فَلَم يَسلَم بِناقِضَةِ الفَتلِ
أَتَت بَعدَ هَجرٍ مِن حَبيبٍ فَحَرَّكَت / صُبابَةَ ما أَبقى الصُدودُ مِنَ الوَصلِ
أَخَمسَةُ أَحوالٍ مَضَت لِمَغيبِهِ / وَشَهرانِ بَل يَومانِ نِكلٌ مِنَ النِكلِ
تَوانى وَشيكُ النُجعِ عَنهُ وَوُكِّلَت / بِهِ عَزَماتٌ أَوقَفَتهُ عَلى رِجلِ
وَيَمنَعُهُ مِن أَن يَبيتَ زَماعُهُ / عَلى عَجَلٍ أَنَّ القَضاءَ عَلى رِسلِ
قَضى الدَهرُ مِنّي نَحبَهُ يَومَ قَتلِهِ / هَوايَ بِإِرقالِ الغَريرِيَّةِ الفُتلِ
لَقَد طَلَعَت في وَجهِ مِصرَ بِوَجهِهِ / بِلا طالِعٍ سَعدٍ وَلا طائِرٍ سَهلِ
وَساوِسُ آمالٍ وَمَذهَبُ هِمَّةٍ / تَخَيَّلُ لي بَينَ المَطِيَّةِ وَالرَحلِ
وَسورَةُ عِلمٍ لَم تُسَدَّد فَأَصبَحَت / وَما يُتَمارى أَنَّها سَورَةُ الجَهلِ
نَأَيتُ فَلا مالاً حَوَيتُ وَلَم أُقِم / فَأَمتَعَ إِذ فُجِّعتُ بِالمالِ وَالأَهلِ
بَخِلتُ عَلى عِرضي بِما فيهِ صَونُهُ / رَجاءَ اِجتِناءِ الجودِ مِن شَجَرِ البُخلِ
عَصَيتُ شَبا عَزمي لِطاعَةِ حَيرَةٍ / دَعَتني إِلى أَن أَفتَحَ القُفلَ بِالقُفلِ
وَأَبسُطَ مِن وَجهي الَّذي لَو بَذَلتُهُ / إِلى الأَرضِ مِن نَعلي لَما نَقَبَت نَعلي
عِداتٌ كَرَيعانِ السَرابِ إِذا جَرى / تُنَشَّرُ عَن مَنعٍ وَتُطوى عَلى مَطلِ
لِئامٌ طَغامٌ أَو كِرامٌ بِزَعمِهِم / سَواسِيَةٌ ما أَشبَهَ الحولَ بِالقُبلِ
فَلَو شاءَ مَن لَو شاءَ لَم يَثنِ أَمرَهُ / لَصَيَّرَ فَضلَ المالِ عِندَ ذَوي الفَضلِ
وَلَو أَنَّني أَعطَيتُ يَأسي نَصيبَهُ / إِذَن لَأَخَذتُ الحَزمَ مِن مَأخَذٍ سَهلِ
وَكانَ وَرائي مِن صَريمَةِ طَيِّئٍ / وَمَعنٍ وَوَهبٍ عَن أَمامِيَ ما يُسلي
فَلَم يَكُ ما جَرَّعتُ نَفسي مِنَ الأَسى / وَلَم يَكُ ما جَرَّعتُ قَومي مِنَ الثُكلِ